في ليلة تنهدت غلواء
في لَيلَةٍ تَنَهَّدت غَلواءُ
في لَيلَةٍ تَنَهَّدت غَلواءُ
وَالبَدرُ في مَخدعِها إِتاءُ
فَأَرهَفَت مِسمَعَها المَطروقا
فَسَمِعَت تَنَهُّداً عَميقا
وَأَرسَلَت نَظرَةَ بَرٍّ طاهِرِ
فَها لَها في المَخدِع المُجاوِر
ما أَنتِ يا وَردَةُ تِلكَ الوَرده
بَل انتِ من أَشواكها مُسَوَّدَه
أَيُّ خَيالٍ حَلَّ في غَلواءَ
أَيُّ رَوّى مُحرِقَةٍ سَوداءَ
فَهرَّبت الى ضِفافِ البَحرِ
وَطَوَّفت بَين بَقايا الدَهر
وَكانَت المِياهُ وَالصُخورُ
قائِمَةً ما بَينَها القُبورُ
وَالمَوجُ بَعدَ الموجِ كَيفَ ذابا
مُستَسلِما عَلى الحَصى مُنسابا
كَأَنَّهُ جَمعٌ من العَذارى
أَو ذِكرَياتُ عاشِق تَوارى
وَلِلمِياهِ زَبدٌ كَثيفُ
يُنسَجُ مِنه كَفَنٌ خَفيفُ
وَسَمِعَت غَلواءُ طَيرَ البومِ
يَنعَقُ كالشُؤمِ عَلى الرُسومِ
وَاِستَيقظت في نَفسِها المَحمومَه
من وَردَةَ الحَبيبَةِ الأَثيمَه
وَدبَّ في أَعضائِها النَحيفَه
قَفقَفَةٌ وَرِجفَةٌ عَنيفَه
وَاِستَفحَلَت كَالشَرِّ حينَ يَبدَأ
فَهوَ صَغيرٌ إِنَّما لا يَفتَأ
وَمَرَّت الأَيّامُ وَاللَيالي
سَوداءَ بِالفِتنَةِ وَالجَمالِ
وَبَرَزَت عِظامُها في الجِسمِ
مُصطَفَّةً عَظماً إِزاءَ عَظمِ
كَأَنَّها أَقلامُ الاِعتِلالِ
تَكتُبُ في صَحيفَة الآجالِ
وَسالَ في وَجنَتِها الذُبولُ
كَنِجمَةٍ هَمَّ بِها الأُفولُ
وَاِمتقَعَ الجَبينُ بِاِصفِرارِ
كَأَنَّهُ أَواخِرُ النَهارِ
في لَيلَةٍ شَديدَة الغُسوقِ
تَذكَّرت حَياتها في الزوقِ
وَذَكَرَت مَواكِبَ الضَبابِ
تَمتَدُّ كَالحُلمِ عَلى الهِضابِ
وَالشَجَرَ الأَخضَرَ وَالسَنابِلا
تَبسُطُ لِلطَبيعَةِ الأَنامِلا
وَذَكرت أَخيَلَة المساءِ
وَرَنَّةَ الأَجراسِ في الهَواءِ
وَدَوحَةَ الكَنيسَةِ الحَقيرَه
وَبابَها الصَغيرَ وَالفَقيره
وَصُفرَةَ الشَمسِ عَلى الجِبالِ
وَلِعِبَ الاطفالِ في الظِلالِ
وَاِحتَشَدت أَخيلَةُ التِذكارِ
تَطوفُ أَسرابا عَلى الجِدار
وَجَحَظَت في صَدرِها الآلامُ
كَجِفنِها المَحمومِ لا تَنامُ
وَحَبَكَت في مُقلَتَيها الحُمّى
بِقَلبِها العَفيفِ ذاكَ الإِثما
وَاِنتَقَل الإِثمُ بِها اِنتِقالَه
أَجرَت عَلى خَيالَها خَيالَه
فَعَظُمَ الوَهمُ وِفي الأَوهامِ
أَفتَكُ بِالعَقلِ من السِرسامِ
وَقامَ في أَحلامِها المُعَذَّبَه
رُؤيا كَأَنَّما هيَ المُرتَكِبَه