في ليلة من ليالي الخريف المقمرة الراكدة الهواء المحتبسة الأنفاس

: في ليلة من ليالي الخريف المقمرة الراكدة الهواء المحتبسة الأنفاس

​: في ليلة من ليالي الخريف المقمرة الراكدة الهواء المحتبسة الأنفاس​ المؤلف سيد قطب


في ليلة من ليالي الخريف المقمرة، الراكدة الهواء، المحتبسة الأنفاس،

وفي صحراء جبل المقطم الموحشة، وبين هذا الفقر الصامت الأبيد –

كانت تتراءى نخلات ساكنات في وجوم كئيب ومن بينها نخلتان:

إحداهما طويلة سامقة، والأخرى صغيرة قميئة

.

بين هاتين النخلتين دار حديث، وكانت بينهما همسات ومناجـاة!

،

الصغيـرة:

.

ما لنا في ذلك القفرُ هنا

ما برحنـا منذ حين شاخصات؟

كل شيء صامت من حولنا

وأرانـا نحن أيضاً صامتات!

،

تطلع الشمس علينا وتغيب

ويطل الليل كالشيخ الكئيب

والنجوم الزهر تغدو وتثوب

،

وهجيرٌ وأصيل وطلوعٌ وأفول ثم نبقى في ذهول ساهمات!

أفلا تدرين يا أختي الكبيرة

ما الذي أطْلَعنا بين اليباب؟

أيمّا إثم جنينا أو جريرة

سلكتنا في تجاويف العذاب؟

،

قد سئمتُ اللبث في هذا المكان

لبثة المصلوب في صلب الزماان

أفما آن لتبديلٍ أوان؟

،

حدثيني لمَ نشقى؟ حدثيني كم سنلقى؟ حدثيني كم سنبقى / واقفات؟

الكبيـرة:

أنا يا أختاهُ: لا أدري الجـواب

ودفينُ السر لم يُكشف لنا

منذ ما أطلعتُ في هذا الخراب

وأنا أسألُ: ما شأني هنا؟

،

فيجيب الصمت حولي بالسكون!

وأنا أخبط في وادي الظنون

لستُ أدري حكمة الدهر الضنين

،

غيرَ أنّا حائرات والليالي العابثات تتجنّى ساخرات / لا هيات!

ربما كنّا أسيرات القدر

تسخر الأيام منا والليالي!

تضرب الأمثال فينا والعبر

وإذا نشكو أذاها لا تبالي!

،

ربما كنا مساحير الزمن!

قد مسخنا هكذا بين القنن

في ارتقاب الساحر المحيي الفطن!

،

فإذا كان يعود فك هاتيك القيود فرجعنا للوجود / طافرات!

أو ترانا نسل أرباب قدامى

قد جفاها وتولى العابدون!

جفت الكأس لديها، والندامى

غادروا ندوتها تنعى القرون

،

أو ترانا مسخ شيطان رجيم

صاغنا في ذلك القفر الغشوم!

وتولى هاربا خوف الرجوم!

،

فبقينـا في العراء يجتوينا كل راء وسنبقى في جفاء / شاردات!

لستُ أدري: كل شيء قد يكون

فتلقى كل شيء في سكون

وإذا ما غالنا غول المنون

فهنا يعمرنا فيض اليقين!

،

ثم ساد الصمـت كالطيف الحزين

وتسمعت لأقدام السنين

وهو تخطو خطوة الشيخ الرزين

هامسات في الرمال منشدات في جلال كل شيء للزوال / والشتات!

1932