قالوا: صبا يا من رأى مستهام
قالوا: صبا يا مَن رأى مستهامْ
قالوا: صبا، يا مَن رأى مستهامْ
حجاهُ كهلٌ وهواهُ غُلامْ
لعلّهُ صَادَ، ولم يعلموا،
رئماً، حلالٌ صيدهُ لا حرام
أو زاره طيفٌ خفيّ الهوى
يَطْرُقُهُ في الوهم لا في المنام
كأنّ تمثال سليمى اجتلى
عليه منها خَفرا واحتشام
وربّما هاجَ اشتياق الفتى
تألّقُ البرقِ وسجعُ الحمام
أو نفحةٌ تعبقُ من روضةٍ
تُحيي من الصبّ رَميمَ العظام
غزالةُ السرب التي جسمها
معانُ مسكٍ ما علاه ختام
لله ما صورَ في فكرتي
بردُ المنى منها وحرّ الغرام
تمشي، وسكر التيه في عطفها
يُميلُ منها باعتدال القوام
يا من رأى في غُصنٍ روضة
يسمعُ منها للأقاحي كلام
يخبرُ من فاز بتقبيلها
عن بَرَدٍ تنبعُ منه مُدام
أذكى من المندلِ في ناره
ما ساكتِ الدّرَّ به من بشام
كأن في فيها عبيراً إذا
تفجّرَ النورُ وغار الظلام
جسمُ لجينٍ ناعمٌ لَمْسُهُ
لصفرةِ العسجد فيه اتّهام
قد حازها البعدُ فَمِن دونها
ركوبُ طامٍ موجهُ ذو سنام
تسافرُ الأرواحُ ما بيننا
والسرّ فيما بيننا ذو اكتتام
كأنما تحملُ أنفاسها
لطائماً ضُمّنّ مسكَ السّلام
وهي من العفة لم تَدْرِ مَنْ
جُنّ بها دونَ الغواني وهام
فتّاكةٌ باللّحْظِ وارحمتا
منها لقلبِ الدّنِفِ المستهام
كأنما علّمَهُ فتْكَهُ
سيفُ عليّ يومَ تفليقِ هام
مُمَلَّكٌ في ملك آبائه
أيُّ كريمٍ أنجبته كرام
ذو ميبةٍ تَحْسَبُ في دَسْتِهِ
قَسْوَرَةَ الغيلِ وَبَدْرَ التمام
مترجمٌ عنه لسانُ العُلى
فيما عَنَاهُ أو لسانُ الحسام
وكلّ جبّارٍ أتى أرضهُ
مقبل بالرغمِ منه الرّغام
يُقَدِمُ ما بين العوالي إذا
ما نكلَ المقدامُ عنه وخام
يملأ جنب القرنِ من طعنةٍ
نجلاءَ يرغو شِدقُها وهو دام
مؤيَّدٌ بالله ذو عِصمةٍ
للدين تأييدٌ به واعتصام
أسنَّةُ الأعداءِ في حربه
أطعنُ منها إبرٌ في ثمام
ذا كعبةُ الجودِ الذي كفُّهُ
ركنٌ، لنا لثمٌ به واستلام
لا تحسبوها حجراً إنّها
من ساكبِ المعروف أختُ الغمام
يَمُدّهُ المَدْحُ لِبذلِ النّدى
كمدّهِ المرهفَ يوم اقتحام
وتقبض الحرمانَ منه يدٌ
تَبْسُطُ للوفدِ العطايا الجسام
للبحر بالريح عُبابٌ كذا
جدواه إن أسمِعَ فيها الملام
إن سابقَ القُرّحَ أبْصَرْتهُ
أمامها سَبْقاً يثيرُ القتام
إنَّ الأنابيب لمأمومةٌ
في الرمح، واللهذمُ فيها إمام
لا يغتررْ بالعفو من سلمه
أعداؤه، فالحربُ دار انْتقام
أخافُ، والموتُ بهم واقعٌ،
أنْ يُفطرَ الصمصامُ بعد الصيام
يُمْلِي لمن يُغْرَى به نقمَةً:
بالبطءِ في النزعِ نفوذِ السهام
إذا نحيّرنا فقولوا لنا:
أكان رضوى حِلمُهُ أم شَمام
لو رَكَنَ الباغي إلى عزِّهِ
ما قعدَ الذلّ عليه وقام
منفردٌ بالبأس في نفسه
سكونُهُ فيه حَرَاكّ اعتزام
كأنَّه جيشٌ لهامٌ حدا
من أُسُدِ الأبطال جيشاً لهام
أثوابهمْ فيه وتيجانُهُمْ
قُمصُ الأفاعي وتريكُ النعام
من كلّ فتّاكٍ بأقرانه
له حياةٌ تَغْتَذي بالحِمام
فَصَيْحَةُ الرّوْعِ وطعمُ الرّدى
لديه كالشّدو على شربِ جام
إنّ ابن يحيى من وكوف الحيا
في زمنِ المحل ليهمي انسجام
فمن حياءٍ لا تَرى وَجْهَهُ
إلا وللغيم عليه لثام
لئن تزاحمنا بساحاته
«فالمَوْردُ العذبُ كثير الزحام»
نطولُ من ساعات أفراحِهِ
بالسّعْدِ ما يقصرُ عنه الأنام
أقسمتُ ما بهجة أيّامه
في عَبْسَةِ الأيام إلا ابتسام
يا منْ إذا مالَ زمانٌ بنا
عن حكمنا قوّمه فاستقام
لك المذاكي والمواضي التي
تَمَيّعَ الماءُ بها في الضرام
من كلّ يعبوبٍ كريح الصَّبا
يطير جرياً ما أراد اللجام
وكلّ ماضي الحدّ في جفنه
عينُ الردى ساهرةٌ لا تنام
انصفتَ همّاتِكَ، أعْظِمْ بها
لم يُنْصِفِ الهمّاتِ مثلُ الهمام
قابلكَ العامُ الذي تشتهي
فابقَ لنا من بعدهِ ألفَ عام
إنَّ المنى في سلكه نُظّمَتْ
وإنّه أوّلُ درِّ النظام
فقارنِ السعدَ على أفقهِ
وأنْتَ في العمرِ فرينُ الدوام
موشحٌ شبليك في عزّةٍ
قعساءَ مرماها بعيدُ المرام
والجودُ في يمناك منه حيا
واليُمْنُ في يُسْراكَ منه زمام