قد أعجز الشعراء طول حياته
قَد أَعجَزَ الشُعَراءُ طولَ حَياتِهِ
قَد أَعجَزَ الشُعَراءُ طولَ حَياتِهِ
وَاليَومَ يَعجَزُهُم بِنَدبِ مَماتِهِ
هَيهاتَ يوجَدُ في البَرِيَّةِ مِنهُم
كُفؤٌ لِيُرثيهِ بِمِثلِ لُغاتِهِ
كانَ الأَميرُ لِجَيشِهِم مُستَنَّةً
فُرسانَهُم في الظِلِّ مِن راياتِهِ
ما عابَ أَهلَ العَبقَرِيَّةِ أَنَّهُم
قَد قَصَّروا في الخَبِّ عَن غاياتِهِ
هَذا أَميرُ الشِعرِ غَيرَ مُدافِعٌ
في الشَرقِ أَجمَعُ مُنذُ فَتقِ لَهاتِهِ
لَو كانَ وَحيٌ بَعدَ وَحيِ مُحَمَّدٍ
لا نَشَقَ ذاكَ الوَحيُ عَن آياتِهِ
السِحرُ في نَفَثاتِهِ وَالزَهرُ في
نَفَحاتِهِ وَالدَهرُ بَعضَ رُواتِهِ
رَقَّت لِنَغمَتِهِ القُلوبُ فَكَيفَما
غَنّى بِها رَقَصَت عَلى نَبَراتِهِ
تَغدو المَعاني العُصمُ شُمسَ مَقادَةٍ
فَيَقودُها قَومُ الغُلامِ لِشاتِهِ
وَإِذا أَرادَ الصَخرَةَ الصَمّاءَ مِن
أَغراضِهِ رَقَّت نظيرَ سِحاتِهِ
ما رامَ شارِدَ حِكمَةٍ في نَظمِهِ
إِلّا أَصابَ صَميمَها بِحَصاتِهِ
جَلّى الإِلَهُ لَهُ الأُمورَ كَأَنَّما
يُلقى عَلَيها الشَمسُِن نَظَراتِهِ
فَكَسا الطَبيعَةَ مِن نَسيجِ بَيانِهِ
حَلَلاً خَلَت مِن غَيرِ طَرزٍ دَواتِهِ
فَتَرى الطَبيعَة قَبلَ نَظَرَتِهِ لَها
غَيرَ الطَبيعَةِ وَهيَ في مِرآتِهِ
وَالحُسنُ يُشرِقُ في العُيونِ بِذاتِهِ
وَهَنا يُضيءُ بِذاتِهِ وَصِفاتِهِ
هَذا هُوَ الشِعرُ الَّذي بِنُبوغِهِ
لَم تُحسِنِ النُظَراءَ قَرعَ عَتَباتِهِ
كَالدُرِّ في لَمَعاتِهِ وَالبَدرُ في
قَسَماتِهِ وَالصُبحُ في نَسَماتِهِ
وَلَقَد رَوَيتَ الشِعرَ عَن آحادِهِ
وَأَلِفَت لِلسِبّاقَ في حَلَباتِهِ
وَقَضَيتَ فيهِ صَبوَتي وَصَبابَتي
وَقَطَفتَ مِنهُ خَيرَ نُوّاراتِهِ
وَأَثَرتُ في المَيدانِ بُزلَ فُحولِهِ
وَأَطرَت في الآفاقِ شُهبُ بُزاتِهِ
فَرَأَيتُ شَوقي لَم يَدَع في عَصرِهِ
قِرناً يَهُزُّ قَناتِهِ لِقَناتِهِ
الفَردَ في أَمداحِهِ وَنُواحِهِ
وَالفَذُّ في أَمثالِهِ وَعِظاتِهِ
وَإِذا تَعَرَّضَ لِلغَرامِ فَهَل دَرَت
لُغَةُ الغَرامِ نَظيرَ شَوقِيّاتِهِ
ما في الهَيامِ كَوَجدِهِ وَحَنينِهِ
أَو في النَسيبِ كَظَبيِهِ وَمَهاتِهِ
أَو خاضَ في ذِكرى العَذيبِ تَشابَهَت
أَعطافَ مُستَمَعيهِ مَعَ باناتِهِ
وَإِذا تَحَدَّثَ بِالرَبيعِ وَرَوضِهِ
أَنساكَ بِالتَحبيرِ وَشى نَباتِهِ
أَو سَلَّ في وَصفِ الوَقائِعِ صارِماً
خِلتُ العِدى سالَت عَلى شَفَراتِهِ
لا رُتبَةً تَعلو مَكانَتِهِ وَلا
شَرَفٌ يُنافُ عَلَيهِ مِن شَرَفاتِهِ
نَحَتَ القوافي السائِرتُ أَوابِداً
ماذا يُفيدُ النَحتُ مِن أَثلاتِهِ
قَد بَذَّ آلِهَةَ القَريضِ بِأَسرِهِم
وَمَحا عِبادَةَ لاتِهِ وَمَناتِهِ
يُنضونَ كُلَّ نَجيبَةٍ أَن يُطلِعوا
جَبَلاً يَحِلُّ الرَأسَ مِن شَعَفاتِهِ
وَلَكُم مَرَرتُ بِحاسِدينَ لِفَضلِهِ
رَغمَ القَلى يَروونَ مِن أَبياتِهِ
لا نِدَّ يَعدِلهُ وَكَم مِن مَجلِسٍ
أَشعارَ شَوقي النَدُّ في سَمَراتِهِ
يَتَمَثَّلُ العَصرُ الحَديثُ بِشِعرِهِ
حَقَّ التَمثيلِ مِن جَميعِ جِهاتِهِ
وَلَرُبَّ بَيتٍ يَستَقِلُّ بِجُملَةٍ
تَغنى عَنِ التاريخِ في صَفَحاتِهِ
لَم يَفتَتِن مِن عَثرِهِ بِمَساوِئٍ
كَلّا وَلَم يُغمِطهُ مِن حَسَناتِهِ
قَد لازَمَ الأَنصافَ في أَحكامِهِ
لا فَرقَ بَينَ صِحابِهِ وَعُداتِهِ
وَإِذا سَأَلتَ عَنِ الجِهادِ فَإِنَّهُ
مُنذُ الحَداثَةِ كاَ في سَرَواتِهِ
كَالسَيفُ في أَوضائِهِ وَمَضائِهِ
وَاللَيثُ في وَثباتِهِ وَثَباتِهِ
ما حَلَّ بِالإِسلامِ حيفَ مُصيبَةٌ
إِلّا وَكانَ بِها لِسانُ شِكاتِهِ
يَحمي حَقائِقِهِ وَيوضِحُ سُبُلَهُ
وَيُقيلُ طولَ الوَقتِ مِن عَثَراتِهِ
يَلقى عَلى غَمَراتِ كُلِّ مُلِمَّةٍ
قَولاً يُزيلُ أُجاجَها بِفُراتِهِ
وَيَظَلُّ يُرسِلَها قَصائِدَ شُرَّداً
غُرَراً تَشَقُّ الفَجرَ عَن لَيلاتِهِ
كانَت قَصائِدُهُ هِيَ الصَوتُ الَّذي
سَرى عَنِ الإِسلامِ ثَقلُ سُباتِهِ
بَعَثتُ بِهِ روحَ الحَياةِ كَأَنَّها
هِيَ صُوَرُ إِسرافيلَ في زَعَقاتِهِ
قَد كانَ أَدرى الناسِ بِالداءِ الَّذي
قَد حَطَّ هَذا الشَرقُ عَن صَهَواتِهِ
داءٌ هُوَ الأخلاقُ في اِضمِحلالِها
فَلِذا تَرى الأَخلاقَ رَأسَ وَصاتِهِ
وَفّى عَنِ الشَرقِ القَديمِ نِضالِهِ
مِن يَومِ نَشأَتِهِ لِيومِ وَفاتِهِ
قَد ذادَ عَنهُ بِقَلبِهِ وَبِلُبِّهِ
شَأنَ الأَبِيَّ يَذودُ عَن تَرِكاتِهِ
ماضٍ يَحذِرهُ اِستِلابُ تُراثِهِ
مِنهُ وَيَحفِزُهُ لِأَخذِ تِراتِهِ
أَعلى مَنارِ الشَرقِ في أَوصافِهِ
وَأَجادَ وَصفَ الغَربِ في آفاتِهِ
وَوَحى إِلى الشَرقِيِّ بِالطُرقِ الَّتي
يَمشي النَجاءُ بِها لِأَجلِ نَجاتِهِ
أَمَلي مُكافَحَةَ الذِئابِ عَوادِياً
بِالوادِ قَد حَلّوا مَكانَ رُعاتِهِ
الجائِسينَ بِبَحرِهِ وَبِبَرِّهِ
وَالجائِشينَ بِنَجدِهِ وَوَطاتِهِ
وَالغاصِبينَ لِزَرعِهِ وَلِضَرعِهِ
وَالآكِلينَ لِتَمرِهِ بِنَواتِهِ
أَشعارِهِ تَحيا وَتُحيي أُمَّةً
تَجِدَ الحَياةَ الحَقَّ في كَلِماتِهِ
يا راحِلاً مَلَأَ الزَمانِ بَدائِعاً
مِن قَبلُ أَن نَزَلَ القَضا بِسُكاتِهِ
أَتَرَكتَ بَعدَكَ شاعِراً تَرضى بِأَن
تَرعى جِيادَ الفِكرِ في تَلَعاتِهِ
يَبكي بِكَ الإِسلامُ خَيرَ جُنودِهِ
أَبَداً وَيَرثي الشَرقَ خَيرَ حُماتِهِ
وَكَأَنَّ وادي النيلِ مِن أَحزانِهِ
يَلقى عَلى الشَطينِ مشن زَفَراتِهِ
وَنَوادِبُ العَرَبِيَّةَ الفُصحى لَها
نَدبٌ عَلَيكَ يُذيبُ في رَنّاتِهِ
اِنظُر إِلى الإِخوانِ كَيفَ تَرَكتَهُم
مِن كُلِّ مُضطَجِعٍ عَلى جَمَراتِهِ
اِنظُر لِحالِ أَخٍ فِداكَ بِروحِهِ
لَو كانَ يُحيي المَيتَ عَزمَ فُداتِهِ
قضد كُنتُ طولَ العُمرِ قُرَّةَ عَينِهِ
وَالآنَ يَجري السَخنَ مِن عَبَراتِهِ
مَضَتِ السُنونُ الأَربَعونَ وَنَحنُ في
هَذا الإِخاءُ نَمُزُّ مِن قَهَواتِهِ
أَرعاكَ مِن بُعدٍ وَتَرعاني عَلى
عَهدِ نَهُزُّ الرَطبَ مِن عَذَباتِهِ
عَهدٌ رَعَيناهُ مَديدَ حَياتِنا
وَاليَومَ زادَ المَوتُ مِن حُرماتِهِ
قَد كُنتُ أَطمَحُ أَن تَرى لي راثِياً
يا مَن غَدَوتُ اليَومَ بَينَ رِثاتِهِ
كُنّا نَخافُ رِداكَ قَبلَ وُقوعِهِ
فَلَنا الأَمانُ اليَومَ مِن دَهَشاتِهِ
تَبّاً لِعَيشٍ قَد يَكونُ مَساؤُهُ
نوحاً وَكانَ سُرورُهُ بِغَداتِهِ
وَالمَرءُ إِن يَنظُر لِما يُبلى بِهِ
لا فَرقَ بَينَ بَقائِهِ وَفَواتِهِ
فَالمَيتُ وَهوَ يَذوبُ في حَشَراتِهِ
كَالحَيُّ وَهوَ يَذوبُ في حَسَراتِهِ
نَرجو لَكَ الدارَ الَّتي عِمارُها
هُم كُلَّ مَن صَنَعَ الجَميلَ لِذاتِهِ
يُضفي عَلَيكَ اللَهُ ثَوبَ نَعيمِهِ
وَاللَهُ لا تُحصي ضُروبَ هِباتِهِ
قَد كُنتُ في الدُنيا هِزاراً صادِحاً
يَشجي وَيُسلي الناسَ في نَغَماتِهِ
فَالآنَ كُن بِجَلالِ رَبِّكَ ساجِعاً
وَالطائِرُ المُحكى في جَنّاتِهِ