قضت في الصبا النفس أوطارها
قَضَتْ في الصّبا النفسُ أوطارَها
قَضَتْ في الصّبا النفسُ أوطارَها
وأبلغها الشيبُ إنذارها
نَعَمْ وأُجِيلَتْ قِداحُ الهوَى
عليها فتقسّمنَ أعشارها
وما غرسَ الدهرُ في تربةٍ
غراساً ولم يجنِ أثمارها
فأفنيتُ في الحرب آلاتها
وأعددت للسلم أوزارها
كميتاً لها مَرحٌ بالفتى
إذا حثّ باللهو أدوارها
تناولها الكوبُ من دنّها
فتحسبه كانَ مضمارها
وساقيةٍ زرّرت كفُّها
على عُنُقِ الظبي أزرارها
تدير بياقوتةٍ دُرَّةً
فتغمسُ في مائها نارها
وفتيانِ صدقٍ كَزُهْرِ النجوم
كرام النحائز أحرارها
يديرون راحاً تفيض الكؤوس
على ظُلَمِ الليلِ أنوارها
كأنَّ لها من نسيج الحَبَاب
شباكاً تُعقّلُ أطيارها
وراهبةٍ أغلقتْ دَبْرَها
فكنّا مع الليل زُوّارها
هدانا إليها شذا قهوةٍ
تذيعُ لأنفك أسرارها
فما فاز بالمسك إلاَّ فتىً
تَيَمّمَ دارِينَ أو دارها
كأنَّ نوافجَهُ عندها
دنانٌ مضمَّنَةٌ قارها
طرحتُ بميزانها درهمي
فأجْرَتْ من الدنّ دينارها
خطبنا بناتٍ لها أربعاً
ليفترع اللهو أبكارها
من اللائي أعصارُ زُهر النجوم
تكادُ تُطاولُ أعمارها
تريك عرائسها أيدياً
طوالاً تصافح أخصارها
تفرّسَ في شَمِّهِ طيبَها
مجيدُ الفراسة فاختارها
فتىً دارسَ الخمر حتى درى
عصيرَ الخمور وأعصارها
يَعدّ لما شئتَ من قهوةٍ
سنيها ويعرفُ خمَّارها
وعدنا إلى هالةٍ أطْلَعَتْ
على قُضُبِ البان أقمارَها
يرى مَلكُ اللهو فيها الهمومَ
تثورُ فيقتلُ ثوّارَهَا
وقد سكّنَتْ حركاتِ الأسى
قيانٌ تُحرّكُ أوتارها
فهذي تعانِقُ لي عودها
وتلك تقبّل مزمارها
وراقصةٍ لقطتْ رِجلها
حسابَ يدٍ نَقَرَتْ طارَها
وقضبٍ من الشمع مصفَرةٍ
تريك من النار نوارها
كأنَّ لها عمدا صُفّفَتْ
وقد وزن العدلُ أقطارها
تقلّ الدياجي على هامها
وتهتك بالنور أستارها
كأنَّا نُسلّطُ آجالها
عليها فتمحقُ أعمارها
ذكرتُ صقليةً والأسى
يُهيّج للنفس تذكارها
ومنزلةً للتصابي خلتْ
وكان بنو الظرف عُمَّارها
فإن كنتُ أخرجت من جنةٍ
فإني أحدث أخبارها
ولولا ملوحةُ ماء البكا
حَسِبْتُ دموعيَ أنهارها
ضحكتُ ابنَ عشرين من صبوةٍ
بكيت ابنَ ستين أوزارها
فلا تعظمنّ لديك الذنوب
فما زال ربّك غفّارها