​قطط أولثار​ المؤلف هوارد فيليبس لافكرافت
ملاحظات: (ترجمات ويكي مصدر) قطط أولثار هي قصة قصيرة كتبها هوارد فيليبس لافكرافت، وكتبت في 15 يونيو 1920، ونشرت لأول مرة في عدد نوفمبر 1920 من مجلة صحافة الهواة Tryout. وهي تنتمي إلى مجموعة قصص سلسلة الأحلام.


يقال أنه في مدينة أولثار، التي تقع وراء نهر سكاي، لا يُسمح لإنسان بقتل قط. أصدّق هذا وأنا أراه جالسا يخرخر أمام النار. فالقط غامض، وقريب من أشياء غريبة لا يمكن لإنسان أن يراها. هو روح أيجيبتوس القديمة، ويحمل حكايات من مدن مروي وأوفير المنسية. هو قريب زعماء الغابة، ووريث أسرار أفريقيا العتيقة والمشؤومة. أبو الهول هو ابن عمه، ويتكلم لغته؛ لكنّه أكثر قدما من أبو الهول، ويتذكر أشياء نسيها أبو الهول.

في أولثار، قبل أن يحرّم المواطنون قتل القطط، سكن هناك قروي عجوز وزوجته، وكانا يستمتعان بصيد وقتل قطط الجيران. أما عن سبب فعلهم هذا فلا أعرف؛ ربما لأن الكثيرين يكرهون صوت القطط في الليل، ويكرهون مرور تلك القطط خلسة في الباحات والحدائق وقت الغسق. لكن مهما كان السبب، فقد استمتع هذا العجوز وزوجته بصيد وقتل أي قطة اقتربت من كوخهم؛ أما الأصوات التي سُمعت في الظلام، فقد أوحت لعديد القرويين أن القطط قتلت بطرق غريبة جدا. لكن القرويين لم يُناقشوا مثل هذه الأشياء مع العجوز وزوجته؛ بسبب ما يعلو وجوه الزوجين من ذبول وشر، ولأن كوخهم كان صغيرا جدا ومخفي تحت ظلال البلوط خلف باحة مهملة. في الحقيقة، بقدر ما كره أصحاب القطط هؤلاء القوم، فقد كانوا يخشونهم أكثر؛ وبدلا من أن يوبّخوهم على أفعالهم كونهم قتلة متوحشين، فقد أخذوا حذرهم ألا يشرد أي حيوان عزيز نحو الكوخ البعيد. وعندما يشرد الأهل وتغيب القطّة عنهم، وتسمع الأصوات بعد الظلام، فإنهم يرْثون أنفسهم عبثا؛ أو يواسون أنفسهم شاكرين أن هذا المصير لم يحل بأطفالهم. ذلك أن أهل أولثار كانوا بسطاء، ولا يعرفون متى وكيف أتت القطط إلى هذه الدنيا.

في أحد الأيام أتت من الجنوب قافلة من الرحّل الأغراب ودخلت شوارع أولثار المرصوفة والضيقة. كانوا سُمر البشرة، وكانوا مختلفين عن القوم الرحل الآخرين والذي يعبرون القرية مرتين كلّ سنة. كانوا يقرؤون البخت في السوق مقابل الفضة، واشتروا الخرز الجميل من التجار. أيا كانت أرض هؤلاء الرحّل فلا أحد يعرف مكانها؛ لكنهم كانوا يقرؤون الصلوات الغريبة، وكانوا يطْلون جوانب عرباتهم بأشكال غريبة لها أجسام بشر ورؤوس قطط وصقور وأكباش وأسود. أما زعيم القافلة فكان يلبس غطاء رأس بقرنين وقرصا غريبا بين تلك القرون.

هناك، في تلك العربة الوحيدة، جلس ولد دون أب أو أم، وليس له في الدنيا إلا هريرة سوداء صغيرة. لم يكن الطاعون رحيما به، إلا أنه ترك له هذا الشيء الصغير ليخفّف حزنه؛ ويجد المرء في صباه متعة كبيرة بمشاهدة ألاعيب هريرة سوداء. الولد الذي سماه الرحّل مينيس كان يبتسم أكثر مما كان يبكي وهو يلعب مع هريرته الرشيقة على درجات سلم العربة.

في الصباح الثالث من إقامة الرحّل في أولثار، لم يجد مينيس هريرته في أي مكان؛ وكان يبكي بصوت عالي وسط السوق عندما أخبره بعض القرويّين بأمر الرجل العجوز وزوجته، والأصوات التي يسمعونها في الليل. وعندما سمع الفتى بهذه الأشياء بدأ بالتأمل ثم الصلاة. مدّ ذراعيه نحو الشمس وصلى بلغة لم يفهمها أي قرويّ؛ وفي الحقيقة لم يحاولوا فهمها، فقد كان انتباههم منصبّا على السماء والغيوم الغريبة التي تشكلت بمنظر غير مألوف. كان الأمر غريبا جدا، ولكن عندما تلفظ الولد الصغير بدعواه، تشكلت فوقه أشكال ضبابية غامضة؛ مخلوقات هجينة متوّجة بأقراص عليها قرون. إن الطبيعة مليئة بمثل هذه الأوهام التي تثير الخيال.

في تلك الليلة رحل هؤلاء القوم عن أولثار، ولم يرهم أحد مجددا. وقلق أهل القرية عندما لاحظوا أنه لا يوجد أثر لقط واحد في كل القرية. اختفت كل القطط من المنازل؛ القطط الكبيرة والصغيرة، الرمادية والسوداء، المخطّطة، الصفراء والبيضاء. أقسم كرانون، العمدة العجوز، أن القوم سُمر البشرة أخذوا القطط بعيدا انتقاما لمقتل هريرة مينيس؛ ولعن القافلة والفتى الصغير. إلا أن نيث، كاتب العدل، قال أنه يرجح أن يكون العجوز وزوجته هما الفاعلان؛ فكراهيتهم للقطط كانت معروفة في القرية كلها. إلا أن أحدا لم يتجرأ أن يشتكي للزوجين الشريرين؛ وأقسم أتال الصغير، ابن صاحب الحانة، أنه رأى في وقت الغسق كل قطط أولثار في تلك الباحة الملعونة تحت الأشجار، تمشي ببطء في دائرة حول الكوخ، كل اثنين سوية، كما لو أنهم يؤدون طقسا من طقوس الحيوانات المجهولة. لم يعرف القرويون إن كانوا سيصدقون كلام ولد صغير؛ ورغم أنهم خافوا أن الزوجين سحرا القطط نحو حتفها، فقد فضلوا ألا يتكلموا مع العجوز حتى يقابلوه خارج باحته المظلمة والبغيضة.

خلد أهل أولثار للنوم وهم غاضبون؛ وعندما صحوا عند الفجر – نظروا أمامهم! كل قط عاد إلى مكانه المعهود أمام الموقد! الرمادي والأسود والكبير والصغير، المخطط، الأصفر والأبيض، لم يضع أي منها. لكن القطط ظهرت ملساء وسمينة وترن بخرخرتها. تكلم المواطنون مع بعضهم البعض عما حدث، وكان يملؤهم التعجب. أصر كرانون العجوز ثانية أن هؤلاء الرحّل هم من أخذوها، فلم يحدث أن رجع أي قط حيا من كوخ العجوز وزوجته. لكنهم كلهم اتّفقوا على شيء واحد: إن رفض كلّ القطط أن تأكل اللحم أو تشرب الحليب كان أمرا يثير الريبة. وليومين كاملين لم تقرب أي من قطط أولثار الكسولة غذاءها، بل كانت تغفو إما أمام النار أو تحت الشمس.

مر أسبوع كامل قبل أن يلاحظ القرويون أن النور لا يظهر عند الغسق في نوافذ الكوخ تحت الأشجار. ثم أشار نيث النحيل أن أحدا لم ير العجوز أو زوجته منذ الليلة التي غابت فيها القطط. في أسبوع آخر، قرر العمدة التغلب على مخاوفه وزار المسكن كنوع من الواجب، وقبل أن يقوم بذلك أخذ معه شانغ الحداد وثول قاطع الحجارة كشهود. وعندما حطّموا الباب الضعيف لم يجدوا إلا هذا: هيكلان عظميين بشريين نظيفين من اللحم قابعين على الأرضية الطينية، وعدد من الخنافس تتحرك ببطء في الزوايا المعتمة.

كثر الكلام بعد ذلك بين مواطني أولثار. تجادل زاث القاضي بشكل مطول مع نيث كاتب العدل النحيل؛ أما كرانون وشانغ وثول فقد أمطرتهم الأسئلة. حتى أتال الصغير، ابن صاحب الحانة، تم استجوابه مباشرة وأعطي حلوى كجائزة. تحدثوا عن الرجل العجوز وزوجته، عن قافلة الرحل، عن مينيس الصغير وهريرته السوداء، عن صلاة مينيس وما حدث للسماء خلال تلك الصلاة، عما فعلته القطط في الليلة التي رحلت فيها القافلة، وما وجدوه لاحقا في الكوخ تحت الأشجار المظلمة في الساحة البغيضة.

وفي النهاية أقرّ المواطنون ذلك القانون الغريب الذي تحدث عنه التجّار في هاثيغ وتناقشه المسافرون في نير؛ الذي ينص أنه في أولثار لا يقتل إنسان قطا.