قطعت منك حبائل الآمال

قَطّعْتُ مِنْكِ حبَائِلَ الآمالِ

​قَطّعْتُ مِنْكِ حبَائِلَ الآمالِ​ المؤلف أبو العتاهية


قَطّعْتُ مِنْكِ حبَائِلَ الآمالِ،
وحططتُ عن ظهرِ المطيِّ رحالِي
وَيَئِسْتُ أنْ أبقَى لشيءٍ نِلتُ ممّا
فيكِ يا دنيا وإن يبقَى لِي
فَوَجَدْتُ بَرْدَ اليَأسِ بَينَ جَوانحي،
وأرحْتُ من حَلِّي ومن ترحالِي
ولئنْ يئستُ لرُبَّ برقةِ خُلَّبٍ
بَرَقَتْ لذي طَمَعٍ، وَبَرْقةِ آلِ
فالآنَ، يا دُنْيا، عَرَفْتُكِ فاذهَبي،
يا دارَ كُلّ تَشَتّتٍ وَزَوَالِ
والآنَ صارَ ليَ الزمانُ مؤدَّباً
فَغَدَا عَليّ وَرَاحَ بالأمْثَالِ
والآن أبصرتُ السبيلَ إلى الهدَى
وَتَفَرّغَتْ هِمَمي عَنِ الأشْغالِ
وَلَقَدْ أقامَ ليَ المَشيبُ نُعاتَهُ،
تُفضي إليَّ بمفرقٍ وقذالِ
وَلَقَدْ رَأيْتُ المَوْتَ يُبْرِقُ سَيْفَهُ
بيَدِ المَنيّةِ، حَيثُ كنتُ، حِيالي
وَلَقَدْ رَأيْتُ عُرَى الحَياةِ تخَرّمَتْ،
وَلَقَدْ تَصَدّى الوَارِثُونَ لمَالي
وَلَقَدْ رَأيْتُ على الفَنَاءِ أدِلّةً،
فيما تَنَكّرَ مِنْ تَصَرّفِ حالي
وَإذا اعتَبرْتُ رَأيتُ خَطبَ حوادِثٍ
يَجرينَ بالأرْزاقِ، وَالآجالِ
وإذا تَنَاسَبَتِ الرّجالُ، فما أرَى
نَسَباً يُقاسُ بصالِحِ الأعْمالِ
وَإذا بحَثْتُ عَنِ التّقيّ وَجَدْتُهُ
رَجُلاً، يُصَدِّقُ قَوْلَهُ بفِعَالِ
وَإذا اتَقَى الله امْرُؤٌ، وَأطاعَهُ،
فَيَداهُ بَينَ مَكارِمٍ وَمَعَالِ
وعلى التَّقِيِّ إذا ترسَّخَ في التُّقى
تاجان تاج سكينةٍ وجلالِ
وَاللّيْلُ يَذْهَبُ وَالنّهارُ، تَعاوُراً
بالخلقِ في الإدبارِ والإقبالِ
وَبحَسْبِ مَنْ تُنْعَى إلَيْهِ نَفْسُهُ
منهُ بأيامٍ خلَتْ ولَيالِ
إضرِبْ بطَرْفِكَ حيثُ شئتَ، فأنتَ في
عبرٍ لهنَّ تداركٌ وتوالِ
يبكي الجديدُ وأنتَ في تجديدهِ
وَجَميعُ ما جَدّدْتَ منهُ، فبَالِ
يا أيّها البَطِرُ الذي هوَ في غَدٍ،
في قَبرِهِ، مُتَفَرّقُ الأوْصالِ
وَلَقَلّ ما تَلْقَى أغَرّ لنَفسِهِ
مِنْ لاعِبٍ مَرِحٍ بها، مُختالِ
يا تاجِرَ الغَيّ المُضِرَّ بِرُشْدِهِ،
حتى متَى بالْغِيِّ أنت تُغالِي
الحَمْدُ للّهِ الحَميدِ بِمَنّهِ
خسرتْ ولمْ تربحْ يدُ البطَّالِ
للّهِ يَوْمٌ تَقْشَعِرّ جُلُودُهُمْ،
وَتَشيبُ مِنْهُ ذَوَائِبُ الأطْفالِ
يَوْمُ النّوازِلِ والزّلازِلِ، وَالحَوا
ملِ فيهِ إذْ يقذفنَ بالأحمالِ
يومُ التَّغابُنِ والتبايُنِ والتنا
زُلِ والأمورِ عظيمةِ الأهوالِ
يومٌ ينادَى فيه كُلُّ مُضللٍ
بمقطَّعاتِ النارِ وألأغلالِ
للمتقينَ هناكَ نزلُ كرامةٍ
عَلَتِ الوُجُوهَ بنَضرَةٍ، وَجَمالِ
زُمرٌ اضاءتْ للحسابِ وجوهُهَا
فَلَهَا بَرِيقٌ عِندَها وَتَلالي
وسوابقٌ غرٌّ محجَّلةٌ جرتْ
خُمْصَ البطونِ خفيفةَ الأثقالِ
مِنْ كُلّ أشعَثَ كانَ أغبرَ ناحِلاً،
خلقَ الرداء مرقَّعَ السربالِ
حِيَلُ ابنِ آدَمَ في الأُمورِ كَثيرَةٌ
والموت يقطعُ حيلةَ المحتالِ
نزلُو بأكرمِ سيدٍ فأظلُّهُمْ
في دارِ مُلْكِ جَلالَةٍ، وَظِلالِ
وَمِنَ النعاةِ إلى ابنِ آدَمَ نَفْسَهُ،
حَرَكُ الخُطى، وَطلوعُ كلّ هِلالِ
ما لي أرَاكَ لحُرّ وَجْهِكَ مُخْلِقاً،
أخْلَقْتِ، يا دُنْيا، وُجُوهَ رِجالِ
كُنْ بالسّؤالِ أشَدّ عَقْدِ ضَنَانَةٍ،
ممنْ يضنُّ عليكَ بالأموالِ
وَصُنِ المَحامِدَ ما استَطَعتَ فإنّها
في الوَزْنِ تَرْجُحُ بذلَ كلّ نَوَالِ
وَلَقَدْ عَجِبْتُ مِنَ المُثَمِّرِ مالَه،
نسيَ المثمِّرُ زينةَ الإقلالِ
وإذا امرؤٌ لبسَ الشكوكَ بعزمِهِ
سَلَكَ الطّريقَ على عُقودِ ضَلالِ
وَإذا ادّعَتْ خُدَعُ الحَوادِثِ قَسوَةً،
شَهِدَتْ لَهُنّ مَصارِعُ الأبْطالِ