كأني لم أبثكما دخيلي

(حولت الصفحة من كأني لم أبثكُما دخيلي)

كأني لم أبثكُما دخيلي

​كأني لم أبثكُما دخيلي​ المؤلف أبو تمام


كأني لم أبثكُما دخيلي
ولم تَرَيَا وُلُوعي مِنْ ذُهُولي
وتَرْكِي مُقْلَتِي تَحْمَى وتَدْمَى
فتدمعُ في الحقوق وفي الفضولِ
كِلاني إِنَّ راحاتي تَأتَّتْ
لقلبي في البكاءِ وفي العويلِ
وبالإِسْكَنْدَرِيَّةِ رَسْمُ دارٍ
عفتْ فعفوتُ من صبري وحولي
ذَكَرْتُ بهِ وفيهِ مُنْسِياتي
عزايَ مسعراتِ لظى غليلي
وما زالتْ تجدُّ أسىً وشوقاً
له وعليه إخلاقُ الطلولِ
فقدتُكَ منْ زمانٍ كلَّ فقدٍ
وغالتْ حادثاتِكَ كلُّ غولِ
محتْ نكباتُهُ سبلَ المعاني
وأطفأَ ليلُه سرجَ العقولِ
فما حِيَلُ الأَرِيبِ بِمُدْرِكاتٍ
عجائبهُ ولا فكرُ الأصيلِ
فلَوْ نُشِرَ الخَلِيلُ لَهُ لَعَفَّتْ
رزاياهُ على فطنِ الخليلِ!
أعياشُ ارعَ أوْ لا ترعَ حقي
وصلْ أو لا تصلْ أبداً وسيلي
أراكَ، ومنْ أراكَ الغيَّ رشداً،
ستلبسُ حلتيْ قالٍ وقيلِ
ملاحمُ من لبابِ الشعرِ تنسي
قِرَاة أَبِيكَ كُتْبَ أَبي قَبيلِ
أمثلكُ يرتجى لولا تنائي
أموري والتياثي في حويلي؟!
تَوهُّمُ آجِلِ الطَّمَعِ المُفِيتي
تيقنُ عاجلِ اليأسِ المنيلِ
رجاءٌ حَلَّ مِنْ عَرَصَاتٍ قَلْبي
محلَّ البخلِ من قلبِ البخيلِ
ورأيٌ هزَّ حسنَ الظنِّ حتى
جرى ماءَاهُ في عرضي وطولي
فأَجْدَى مَوْقِفِي بَنَدَاكَ جَدْوَى
وقُوفِ الصَب بالطَّلَلِ المُحيلِ
وأَعكفتُ المُنَى في ذَاتِ صَدْرِي
عكوفَ اللحظِ في الخدِّ الأسيلِ
وكنتُ أَعَزُّ عِزّاً مِنْ قَنوعٍ
تعوَّضَه صفوحٌ عنْ جهولِ
فَصِرْت أَذَلَّ مِنْ مَعْنىً دَقيقٍ
بهِ فَقْرٌ إِلى ذِهْنٍ جَليلِ
فما أدري عمايَ عن ارتيادي
دَهاني أَمْ عَمَاكَ عنِ الجَميلِ
متى طابتْ جنىً وزكتْ فروعٌ
إِذا كانَتْ خَبِيثَاتِ الأُصُولِ !
ندبتكَ للجزيلِ وأنتَ لغوٌ
ظلمتُكَ لستَ من أهلِ الجزيلِ!
كِلا أَبَوَيْكَ مِنْ يَمَنٍ ولكنْ
كِلا أَبَوَيْ نَوَالِكَ مِنْ سَلُولِ!
رويدكَ إنَّ جهلكَ سوفَ يجلُو
لكَ الظَّلْمَاءَ عن خِزْي طَوِيلِ
وأقللْ إنَّ كيدكَ حين تصلى
بِنِيراني أَقلُّ مِنَ القَلِيلِ
مرارات المقامِ عليكَ تعفو
وتَذْهَبُ في حَلاواتِ الرَّحِيلِ
سأَظعنُ عالِماً أَنْ ليسَ بُرْءٌ
لسقمي كالوسيجِ وكالذميلِ
ولَوْ كانَتْ يَمِينُكَ أَلفَ بَحْرٍ
يَفِيضُ لِكُل بَحْرٍ أَلْفُ نيلِ