كاس المنية دائر بين الورى

كاسُ المنيَّةِ دائرٌ بينَ الوَرَى

​كاسُ المنيَّةِ دائرٌ بينَ الوَرَى​ المؤلف وردة اليازجي


كاسُ المنيَّةِ دائرٌ بينَ الوَرَى
يسقي الكبيرَ ولا يفوتُ الأَصغَرا
ما هذهِ الدنيا بدارِ إِقامةٍ
الاَّ كطيفِ الحلم في سِنَة الكرى
كلٌّ على هذا الطريقِ مسافرٌ
لا بدَّ منهُ مقدَّماً ومؤخراً
الموتُ لا يُبقى صحيحاً سالماً
الاّ بعلّةٍ فتكسَّرا
هذا أميرُ المجدِ باتَ موسَّدا
بضريحه المبرورِ محلولَ العُرَى
هذا هو السيف الصقيل أصابهُ
سيفٌ من القدر الذي قد قُدِّرا
هذا الذي بالأمس كانَ مكانهُ
شُمَّ القصورِ فكيفَ يرضي بالثرى
تبكي البلاغةُ والبراعةُ والحجى
والعزمُ في الخطبِ الشديدِ إذا اعترى
لو تعلمُ الشمسُ المنيرةُ فقدهُ
كسفت أو البدرُ المنيرُ تحيَّرا
أو كانَ للحَجرِ الأصمّ مخاجرٌ
أجرى عليهِ من المدامعِ أنهُرا
بكت المكارمُ والفضائلُ حسرةً
والحزمُ في الأمر المهمِّ إذا جرى
سارَ السرورُ عن السريرِ لفقدهِ
وعن السرائرِ والأسرَّةِ قد سرى
وتحسرت مهجُ الرجال تأسُّفاً
يومَ النوى ويحقُّ إن تتحسرا
تسقي مدامعُها جوانبَ تربهِ
مثل السحابِ منظَّماً ومنثَّرا
ركنٌ تهدَّمَ في البلادِ فأصبحت
صعقاتُ مصرعهِ تخوضُ الأبحرا
حسَدَت بهِ الأرضَ السمآءُ فارسلت
بملائكٍ صعدت بهِ أعلى الذرى
هذا نهارُ العيدِ أصبحَ مُظلِماً
وأعار بهجتهُ الثرى فتنوَّرا
يامَن تيَتَّمتِ البلادُ لفقدهِ
وتوشَّحت ثوبَ الحدادِ الأَغبَرا
كانت بإمدادِ الأمينِ أمينةً
والدهرُ لم يَمدُد إليها خنصرا
يا ركنَ لبنانَ العظيمَ عليكَ قد
كادت رُبضى لبنانَ أن تتفطَّرا
يا دُرَّةً خدرُ اللحودِ غدا لها
صَدَفاً ودمعُ العينِ بحراً احمرا
إن كنتَ غبتَ عن العيونِ فلم يزل
لكَ رسمُ شخصٍ في القلوبِ مصوَّرا
مهلاً أَدافِنَهُ بجانبِ قُبَّةٍ
أَيسوغُ دفنُكَ في الترابِ الجوهرا
لو كان يَظهرُ للسحابِ ضريحُهُ
الاَّ على صفحاتهِ لم يمطرا
قد سارَ عن وادي المدامع طالباً
كاساً طهوراً للنفوسِ مطهّرا
ناداهُ ربُّ العرشِ من كرسيِّه
ها نحنُ أعطينا الأمينَ الكوثرا