كبرياء

​كبرياء​ المؤلف إبراهيم ناجي


نداؤك يا فؤادَ كفى نداءَ
أما تنفك تسقيني الشقاءَ
أنا ظمآن لم يلمعْ سرابٌ
على الصحراءِ إلا خلتُ ماءَ
وأنت فراش ليلى كل نور
وتبعث كلَّ برق قد أضاءَ
فؤاديْ قل لها لما افترقنا
على شجن، وما نرجو اللقاءَ
حببتكِ ما شدوت شعراً (!!)
ولكني اعتصرت لكِ الدماءَ
إذا أنا في هواك أضعت روحي
فلست أضيعُ فيك دمي هباءَ
غرامُكِ كان محراب المصلى
كأني قد بلغتُ بكِ السماءَ
خلعت الآدميةَ فيه عني
ولكن ما خلعت به الإباءَ
فلم أركعْ بساحته رياءَ
ولا كالعبد ذلاًّ وانحناءَ
ولكني حببْتُكِ حبَّ حرٍّ
يموتُ متى أراد وكيف شاءَ
وحبيب كان دنيا أملي
حبه الحرابُ والكعبةُ بيتُهْ
من مشى يوماً على الوردِ له
فطريقي كان شوكا ومشيتُهْ
من سقى يوماً بماءٍ ظامئاً
فأنا من قدحٍ العمرِ سقيتُهْ
خفق القلبُ له مختلجاً
خفقةُ المصباحِ إذ ينضبُ زيتُهْ
قد سلاني فتنكرتُ لهُ
وطوى صفحةَ حبي فطويتُهْ
أقبلتُ للنيلِ المباركِ شاكياً
زمني وقد كثرتْ عليَّ همومي
ومسحتُ كفيْ والجبينَ بمائهِ
علِّي أهدئ ثورةَ المحمومِ
وجلست أنثرُ جعبةً معمورةً
بالذكرياتِ جديدِها وقديم
لهفي لحب مات غيرَ مدنسٍ
وشباب عمر مرَّ غيرَ ذميمِ
خان الأحبةُ والرفاقُ ولم أخنْ
عهدي لهم وصفحتُ صفحَ كريمِ
ايخيفُني العشبُ الضعيفُ أنا الذي
أسلمت للشوكِ الممضِّ أديمي
وإذا ونى قلبي يدق مكانه
شممي وتخفقُ كبرياءُ همومي
اني لأحمل جعبتي متحديا
زمني بها وحواسدي وخصومي
أحني لعرش الله رأساً ما انحنى
بالذل يوماً في رحابِ عظيمِ