كبيشة حلت بعد عهدك عاقلا
كُبَيْشَةُ حَلَّتْ بَعْدَ عَهْدِكَ عاقلا
وكانَتْ لهُ خَبْلاً على النّأيِ خابِلا
تَرَبَّعَتِ الأشْرافَ ثُمَّ تصيّفَتْ
حَساءَ البُطاحِ وانتجَعْنَ المَسَايلا
تخيَّرُ ما بينَ الرِجَامِ وواسطٍ
إلى سدْرَةِ الرَّسينِ تَرْعى السَّوَابلا
يُغَنّي الحَمامُ فَوْقَها كُلَّ شارِقٍ
على الطَّلحِ يصدحنَ الضُّحى والأصائلا
فكَلَّفْتُها وَهْماً كأنَّ نَحِيزَهُ
شَقَائِقُ نَسّاجٍ يَؤُمُّ المَنَاهِلا
فعدّيْتُها فيهِ تُباري زِمامَها
تُنَازِعُ أطْرَافَ الإكامِ النَّقائِلا
مُنيفاً كسحلِ الهاجريّ تضمُّهُ
إكامٌ ويعرَوري النِّجادَ الغَوائِلا
فسافَتْ قديماً عهدُهُ بأنيسِهِ
كمَا خالَطَ الخَلُّ العَتيقُ التَّوابِلا
سَلَبْتُ بها هَجْراً بُيُوتَ نِعَاجِهِ
ورعتُ قطاهُ في المبيتِ وقائلا
بحَرْفٍ بَرَاها الرَّحْلُ إلاَّ شَظِيَّةً
تَرَى صُلْبَها تحتَ الوَلِيَّةِ نَاحِلا
على أنَّ ألْواحاً تُرَى في جَديلِها
إذا عاوَدَتْ جَنانَها وَالأفَاكِلا
وغادرْتُ مَرْهُوباً كأنَّ سباعَهُ
لُصوصٌ تصدَّى للكسوبِ المَحاوِلا
كأنَّ قَتُودي فَوْقَ جأبٍ مُطَرّدٍ
يفزُّ نحُوصاً بالبراعيمِ حائِلا
رَعاها مَصَابَ المُزْنِ حتى تَصَيَّفَا
نِعافَ القنانِ ساكِناً فالأجاوِلا
فكَانَ لَهُ بَرْدُ السِّماكِ وغَيمُهُ
خَليطاً، غَدا صُبحَ الحرامِ مُزاَيِلا
فَلَمّا اعْتَقَاهُ الصَّيْفُ ماءَ ثِمَادِهِ
وقد زايل البُهمى سَفا العِرْبِ ناصِلا
ولمْ يتذكَّرْ منْ بَقِيَّةِ عَهْدِهِ
منَ الحَوْضِ والسُّؤبانِ إلاَّ صَلاصِلا
فأجْمادَ ذي رَقْدٍ فأكْنافَ ثادِقٍ
فصارَةَ يُوفى فَوْقَها فالأعابِلا
وزالَ النَّسيلُ عَن زحاليفِ متنهِ
فأصبحَ مُمتَدَّ الطريقَةِ قافِلا
يقلِّبُ أطرافَ الأمُورِ تخالُهُ
بأحْنَاءِ ساقٍ، آخرَ الليلِ، ماثِلا
فهيجَها بعدَ الخلاجِ فَسامحتْ
وأنْشَأ جَوْناً كالضَّبابَةِ جَائِلا
يَفُلُّ الصَّفيحَ الصُّمَّ تَحْتَ ظِلالِهِ
منَ الوَقعِ لا ضَحْلاً وَلا مُتضَائِلا
فبَيَّتَ زُرْقاً مِن سَرارٍ بسُحرَةٍ
وَمِنْ دَحْلَ لا يخشَى بهنَّ الحَبائِلا
فعامَا جُنوحَ الهَالِكيِّ كِلاهُمَا
وقَحَّمَ آذيَّ السَّرِيِّ الجَحافِلا
أذَلِكَ أمْ نَزْرُ المَراتِعِ فَادِرٌ
أحَسَّ قَنِيصاً بالبَراعيمِ خَاتِلا
فبَاتَ إلى أرْطاةِ حِقْفٍ تَضُمُّهُ
شآمِيَةٌ تُزْجي الرَّبَابَ الهَوَاطِلا
وباتَ يُريدُ الكِنَّ، لَوْ يَسْتَطيعُهُ
يُعالِجُ رَجّافاً منَ التُّربِ غائِلا
فأصبحَ وانْشَقَّ الضَّبابُ وهاجَهُ
أخُو قَفْرَةٍ يُشْلي رَكاحاً وسَائِلا
عوابسَ كالنُّشَّاب تدمى نحورُها
يرينَ دماءَ الهادياتِ نوافِلا
فجالَ ولم يعكمْ لغُضْفٍ كأنها
دِقاقُ الشَّعيلِ يَبْتَدِرْنَ الجَعَائِلا
لصَائِدِهَا في الصَّيْدِ حَقٌّ وطُعْمَةٌ
ويَخْشَى العَذابَ أنْ يُعَرِّدَ نَاكِلا
قِتالَ كميٍّ غابَ أنْصَارُ ظَهْرِهِ
وَلاقَى الوُجُوهَ المُنكَراتِ البَوَاسِلا
يسرْنَ إلى عوراتِهِ فكأنّمَا
للباتِهَا يُنحي سِنَاناً وعَامِلا
فغادرَها صَرْعى لدَى كُلِّ مَزحفٍ
ترى القدَّ في أعناقِهِنَّ قَوافِلا
تَخَيَّرْنَ مِنْ غَولٍ عذاباً رويَّةً
وَمن مَنعِجٍ بِيضَ الجِمامِ عَدامِلا
وقد زودتْ منّا على النأيِ حاجةً
وَشَوْقاً لوَ انَّ الشَوْقَ أصْبحَ عادِلا
كحاجةِ يومٍ قبلَ ذلكَ منهمُ
عشيةَ ردُّو بالكُلابِ الجمائِلا
فرُحْنَ كأنَّ النّادِياتِ منَ الصَّفا
مَذارِعَها والكَارِعاتِ الحَوَامِلا
بذي شَطَبٍ أحداجُها إذْ تحمَّلُوا
وحثَّ الحُداةُ الناعجاتِ الذوامِلا
بذي الرِّمْثِ والطَّرْفاءِ لمّا تَحَمَّلُوا
أصيلاً وعالينَ الحمولَ الجوافِلا
كأنَّ نعاجاً من هجائنِ عازفٍ
عَلَيها وآرامَ السُّلِيِّ الخَواذِلا
جَعَلْنَ حِراجَ القُرْنَتَينِ وَنَاعِتاً
يميناً ونكبنَ البديَّ شمائِلا
وعالينَ مضعوفاً وفرداً سموطُهُ
جُمانٌ ومرجانٌ يشدُّ المفاصلا
يَرُضْنَ صِعَابَ الدُّرِّ في كلِّ حِجَّةٍ
وَلوْ لمْ تَكُنْ أعْناقُهُنَّ عَوَاطِلا
غَرائِرُ أبْكارٌ عَلَيْها مَهَابَةٌ
وعونٌ كرامٌ يرتدينَ الوصائلا
كأنَّ الشَّمُولَ خَالَطَتْ في كَلامِهَا
جنياً من الرمانِ لدناً وذابِلا
لذيذاً ومنقوفاً بصافي مخيلةٍ
منَ النّاصعِ المَختومِ مِن خَمرِ بابلا
يُشنُّ عليها من سلافةِ بارقٍ
سناً رصفاً من آخرِ الليلِ سائِلا
تُضَمَّنُ بِيضاً كالإوَزِّ ظُرُوفُهَا
إذا أتْاقُوا أعْناقَها والحَواصِلا
لهَا غَلَلٌ مِنْ رازِقيٍّ وكُرْسُفٍ
بأيمانِ عجمٍ ينصفونَ المقاولا
إذا صُفقتْ يوماً لأربابِ ربهَا
سمعتَ لها من واكِفِ العُطبِ وَاشِلا
فإنْ تنأ دارٌ أو يطلْ عهدُ خلةٍ
بعاقبَةٍ أو يُصبِحِ الشيبُ شامِلا
فقدِ نرْتَعي سَبتاً ولسنا بجيرةٍ
محلَّ المُلوكِ نقدةً فالمغاسِلا
لَياليَ تحتَ الخِدْرِ ثِنْيُ مُصِيفَةٍ
منَ الأدْمِ تَرْتادُ الشُّرُوجَ القَوَابلا
أنامتْ غضيضَ الطرفِِ رَخصاً ظُلوفُهُ
بذاتِ السليمِ من دحيضةََ جادِلا
مدى العينِ منها أن يراعَ بنجوَةٍ
كقدرِ النَّجيثِ ما يَبُذُّ المُنَاضِلا
فَعادَتْ عَوَادٍ بَيننَا وتَنَكَّرَتْ
وقالتْ كفَى بالشيبِ للمَرءِ قاتِلا
تَلُومُ على الإهْلاكِ في غَيرِ ضَلَّةٍ
وهل لي ما أمسكتُ إن كنتُ باخِلا
رأيتُ التُّقَى والحمدَ خيرَ تجارَةٍ
رَباحاً إذا ما المرءُ أصبحَ ثاقِلا
وهَلْ هوَ إلاَّ ما ابتَنَى في حَياتِهِ
إذا قَذَفُوا فوقَ الضّريحِ الجنادِلا
وأثْنَوْا عَلَيْهِ بالذي كانَ عِنْدَهُ
وَعَضَّ عَلَيْهِ العائداتُ الأنامِلا
فَدَعْ عَنْكَ هذا قد مَضَى لسبيلِهِ
وكلفْ نجيَّ الهمِّ إنْ كنَ راحِلا
طليحَ سفّارٍ عُريتْ بعدَ بذلةٍ
رَبِيعاً وصَيْفاً بالمَضاجعِ كَامِلا
فجازَيتُها ما عُريتْ وتأبدَتْ
حَمَامٌ تُبَاري بالعشيِّ سَوافِلا
وولّى كنصْلِ السَّيفِ يبرقُ متنُهُ
على كُلِّ إجريَّا يشقُّ الخمائِلا
فنَكَّبَ حَوْضَى مايَهُمُّ بوِرْدِهَا
يميلُ بصحراءِ القَنانَينِ جاذِلا
بِتلْكَ أُسَلِّي حاجَةً إنْ ضَمِنْتُها
وأُبْرئُ هَمّاً كانَ في الصَّدرِ داخلا
أُجازي وأُعْطي ذا الدِّلالِ بحُكْمِهِ
إذا كانَ أهْلاً للكَرامَةِ وَاصِلا
وإنْ آتِهِ أصْرِفْ إذا خِفتُ نَبوَةً
وأحبسْ قلوصَ الشحِّ إن كانَ باخِلا
بنُو عامرٍ منْ خيرِ حيٍّ علمتُهمْ
وَلوْ نَطَقَ الأعداءُ زُوراً وَبَاطِلا
لهُمْ مجلِسٌ لا يحصَرُونَ عن الندى
ولا يزدهيهمْ جهلُ من كان جاهلا
وبيضٌ على النيرانِ في كلِّ شتوةٍ
سَرَاةَ العِشاءِ يَزْجُرُونَ المَسَابِلا
وَأعْطَوْا حُقُوقاً ضُمِّنُوها وِرَاثَةً
عِظَامَ الجِفَانِ والصِّيامَ الحَوَافِلا
تُوَزِّعُ صُرّادَ الشَّمالِ جِفَانُهُمْ
إذا أصبحتْ نجدٌ تسوقُ الأفائِلا
كِرامٌ إذا نابَ التجارُ ألذَّةٌ
مَخارِيقُ لاَيَرْجُونَ للخَمرِ وَاغِلا
إذا شربُوا صدوا العواذِلَ عنهمُ
وكانُوا قَديماً يُسْكِتُونَ العَوَاذِلا
فَلا تَسألِينَا واسْألي عَنْ بَلائِنَا
إياداً وكلباً منْ معدٍّ ووائِلا
وقيساً ومنْ لفتْ تميمٌ ومذحجاً
وكندةَ إذْ وافتْ عليكِ المنازِلا
لأحسابِنا فيهِمْ بلاءٌ ونعمةٌ
ولم يكُ ساعينَا عن المجدِ غافلا
أُولئِكَ قَوْمي إنْ تُلاقِ سَرَاتَهُمْ
تَجِدْهُمْ يَؤمُّونَ العُلا والفَوَاضِلا
وَلَنْ يَعدَمُوا في الحَرْبِ لَيثاً مُجرَّباً
وذا نَزَلٍ عندَ الرَّزيةِ باذِلا
وأبْيَضَ يَجتابُ الخُرُوقَ على الوَجى
خَطيباً إذا التَفَّ المجامعُ فاصِلا
وعانٍ فككناهُ بغيرِ سِوامِهِ
فاصْبَحَ يَمْشِي في المَحَلَّةِ جاذِلا
لَهُمْ فَخمَةٌ فِيها الحَديدُ كَثيفَةٌ
تَرى البيضَ في أعناقهمْ والمعابِلا
ضَربنَا سَراةَ القومِ حتى توجهُوا
سراعاً وقد بلَّ النجيعُ المَحامِلا
نؤدي العظيمَ للجوارِ، ونَبتني
فَعالاً وقد نُنْكي العدوَّ المُساجلا
لَنَا سُنَّةٌ عادِيَّةٌ نَقْتَدي بِهَا
وَسَنَّتْ لأُخْرانَا وَفاءً ونَائِلا
يذبذِبُ أقواماً يُريدونَ هدمَها
نِيَافٌ يَبُذُّ الوَاسِعَ المُتَطاوِلاْ
صَبَرْنا لَهُمْ في كُلِّ يَوْمِ عَظيمَةٍ
بأسيافِنَا حتى علوْنَا المَناقِلا
وإنْ تسألُوا عنهُمْ لدى كلِّ غارةٍ
فَقَدْ يُنْبأُ الأخبارَ مَنْ كانَ سائِلا
أُولِئِكَ قَوْمي إنْ سألْتَ بخِيمِهمْ
وقد يُخبَرُ الأنْباءَ مَن كانَ جاهِلا