كتاب الأحكام الشرعية الكبرى/كتاب الجنائز
باب النهي عن تمني الموت
مسلم : حدثني زهير بن حرب ، ثنا إسماعيل - يعني ابن علية - عن عبد العزيز ، عن أنس قال : قال رسول الله - ﷺ - : " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لابد متمنيا فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " .
البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا هشام بن يوسف ، أنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي عبيد ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - ﷺ - قال : " لا يتمنين أحدكم الموت ، إما محسنا فلعله يزداد ، وإما مسيئا فلعله يستعيب " .
النسائي : أخبرني هارون بن عبد الله ، ثنا معن ، ثنا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - ﷺ - قال : " لا يتمنين أحدكم الموت ، إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا ، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب " .
مسلم : حدثنا محمد بن رافع ، ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن همام بن منبه : هذا ما ثنا أبو هريرة ، عن رسول الله - ﷺ - ، فذكر أحاديث منها : وقال رسول الله - ﷺ - : " لا يتمن أحدكم الموت ، ولا يدع به من قبل أن يأتيه ، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله ، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا " .
البزار : حدثنا محمد بن مثنى وعمرو بن علي ومحمد بن معمر قالوا : ثنا أبو عامر ، ثنا كثير بن زيد حدثني الحارث بن أبي يزيد ، سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله - ﷺ - : " لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد ، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد حتى يرزقه الله الإنابة " .
البزار : ثنا عبد الله بن شبيب ، ثنا محمد بن مسلمة ، ثنا المغيرة بن عبد الرحمن ، حدثني مالك بن أنس ، عن مسلم بن أبي مريم ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن عيسى بن طلحة ، عن أبيه " أن رجلين كانا متواخين فمات الذي هو أفضل في نفس طلحة ، وبقي الآخر بعده كذا وكذا ، فصام رمضان ، وصلى كذا وكذا ، ثم مات فرأى طلحة في المنام أن الآخر موتا أفضل من الأول ، وأرفع درجة ، قال طلحة : فذكرت ذلك لرسول الله - ﷺ - فقال : أليس قد بقي بعده حتى عاش كذا وكذا ، وصام كذا وكذا ؟ قلت : بلى . قال : فبينهما أبعد مما بين السماء والأرض " .
وهذا الحديث قد روي عن طلحة من غير وجه .
وقال أيضا : ثنا إسماعيل بن مسعود ، ثنا زياد بن عبد الله ، ثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة " أن رجلين كانا متواخين فاستشهد أحدهما ، وبقي الثاني بعد المستشهد سنة ، قال طلحة : فرأيت الآخر من الرجلين دخل الجنة قبل المستشهد ، فحدثت الناس بذلك ، فبلغت رسول الله - ﷺ - ، فقال : أليس صام بعده رمضان ، وبقي حتى صلى بعده ستة آلاف ركعة ومائة ركعة ، يعني صلاة السنة " .
وصل هذا الحديث زياد ، وتابعه على هذه الرواية غير واحد .
باب تحسين الظن عند الموت بالله تعالى
مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى ، أنا يحيى بن زكريا ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : " سمعت النبي - ﷺ - قبل وفاته بثلاث يقول : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن " .
تابعه أبو الزبير ، عن جابر .
باب تلقين الموتى لا إله إلا الله
مسلم : حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة .
وحدثني عمرو الناقد ، قالوا جميعا : ثنا أبو خالد الأحمر ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - : " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله " .
باب عرض الإسلام على المشرك عند الموت
البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني سعيد بن المسيب ، عن أبيه قال : " لما حضرت أبا طالب الوفاة ، جاءه رسول الله - ﷺ - فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ، فقال : أي عم ، قل : لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله . فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله - ﷺ - يعرضها عليه ، ويعيدانه بتلك المقالة ، حتى قال أبو طالب - آخر ما كلمهم - : هو على ملة عبد المطلب ، وأبي أن يقول لا إله إلا الله . قال رسول الله - ﷺ - : والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك . فأنزل الله - عز وجل - : {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} ، وأنزل الله - عز وجل - في أبي طالب . فقال لرسول الله : {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} " .
أبو داود : ثنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد - يعني ابن زيد - عن ثابت ، عن أنس " أن غلاما من اليهود كان مرض فأتاه النبي - ﷺ - يعوده ، فقعد عند رأسه فعرض عليه الإسلام فقال : أسلم . فنظر إلى أبيه ، وهو عند رأسه ، فقال أبوه : أطع أبا القاسم . فأسلم ، فقام النبي - ﷺ - وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه بي من النار " .
أبو داود : حدثنا مالك بن عبد الواحد المسمعي ، ثنا الضحاك بن مخلد ، ثنا عبد الحميد بن جعفر ، ثنا صالح بن أبي عريب ، عن كثير بن مرة ، عن معاذ ، ابن جبل قال : قال رسول الله - ﷺ - : " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " .
صالح بن أبي عريب لا أعلم روى عنه إلا عبد الحميد بن جعفر .
باب تطهير ثياب الميت عند الموت
أبو داود : حدثنا الحسن بن علي ، ثنا ابن أبي مريم ، أنا يحيى بن أيوب ، عن ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخدري " أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ، ثم قال : سمعت رسول الله - ﷺ - يقول : إن الميت يبعث في ثيابه التي مات فيها " .
يحيى بن أيوب ضعفه أبو حاتم ، وقال فيه يحيى بن معين مرة : صالح . ومرة قال : ثقة . وقال النسائي : يحيى بن أيوب ليس به بأس .
وما روي من قوله - ﷺ - : " إن الناس يحشرون حفاة عراة " أصح من هذا وأشهر .
باب قراءة يس على الميت
النسائي : أخبرني محمود بن خالد ، ثنا الوليد - هو ابن مسلم - حدثني عبد الله بن المبارك ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن معقل بن يسار أن النبي - ﷺ - قال : " اقرءوا على موتاكم يس " .
أبو عثمان هذا ليس هو بالنهدي ، ولا أعلم روى عنه إلا سليمان التيمي .
باب تسجية الميت
مسلم : حدثنا زهير بن حرب ، ثنا يعقوب - وهو ابن إبراهيم بن سعد - ثنا أبي ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره ، أن عائشة أم المؤمنين قالت : " سجي رسول الله - ﷺ - حين مات بثوب حبرة " .
النسائي : أخبرنا محمد بن منصور ، ثنا سفيان ، سمعت ابن المنكدر يقول : سمعت جابرا يقول : " جيء بأبي يوم أحد وقد مثل به ، فوضع بين يدي النبي - ﷺ - وقد سجي بثوب " .
باب ما جاء في نعي الميت
الترمذي : حدثنا أحمد بن منيع ، ثنا عبد القدوس بن بكر بن خنيس ، حدثنا حبيب بن سليم العبسي ، عن بلال بن يحيى العبسي ، عن حذيفة بن اليمان قال : " إذا مت فلا تؤذنوا بي أحدا ؛ إني أخاف أن يكون نعيا ، فإني سمعت رسول الله - ﷺ - ينهى عن النعي " .
قال : هذا حديث صحيح .
النسائي : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد ابن زيد ، عن أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن أنس " أن رسول الله - ﷺ - نعى زيدا وجعفرا قبل أن يجيء خبرهم ، نعاهم وعيناه تذرفان " .
النسائي : أخبرنا عبيد الله بن سعيد ، ثنا عبد الله بن نمير ، ثنا عثمان بن حكيم ، عن خارجة بن زيد ، عن عمه يزيد بن ثابت " أنهم خرجوا مع رسول الله - ﷺ - ذات يوم فرأى قبرا حديثا قال : ما هذا ؟ قالوا : هذه فلانة مولاة بني فلان - فعرفها رسول الله - ﷺ - ماتت ظهرا وأنت صائم قائل ، فلم نحب أن نوقظك لها . فقام رسول الله - ﷺ - ، وصف الناس خلفه فكبر عليها أربعا ، ثم قال : لا يموتن فيكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا - يعني - آذنتموني به ؛ فإن صلاتي له رحمة " .
باب الطعام يصنع لأهل الميت
الترمذي : حدثنا أحمد بن منيع وعلي بن حجر قالا : ثنا سفيان بن عيينة ، عن جعفر بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن جعفر قال : " لما جاء نعي جعفر قال النبي - ﷺ - : اصنعوا لأهل جعفر طعاما ؛ فإنه قد أتاهم ما يشغلهم " .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن .
وجعفر هو ابن خالد ابن سارة ثقة .
باب ما يقال عند حضور الميت وفيه تغميض الميت
مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب ، قالا : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن أم سلمة قالت : قال رسول الله - ﷺ - : " إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا ؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون . قالت : فلما مات أبو سلمة ، أتيت النبي - ﷺ - فقلت : يا رسول الله ، إن أبا سلمة قد مات ، قال : قولي : اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة . قالت : فقلت ، فأعقبني الله من هو خير لي منه : محمدا - ﷺ - " .
مسلم : حدثني زهير بن حرب ، ثنا معاوية بن عمرو ، ثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن قبيصة بن ذؤيب ، عن أم سلمة قالت : " دخل رسول الله - ﷺ - على أبي سلمة ، وقد شق بصره فأغمضه ، ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر . فضج ناس من أهله ، فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون . ثم قال : اللهم اغفر لأبي سلمة ، وارفع درجته في المهديين ، واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر لنا وله يا رب العالمين ، وأفسح له في قبره ، ونور له فيه " .
قال : وثنا محمد بن موسى القطان ، ثنا المثنى بن معاذ ، ثنا أبي ، ثنا عبيد الله بن الحسن ، ثنا خالد بهذا نحوه ، ولم يقل : " أفسح " وزاد : قال خالد الحذاء : " ودعوة سابعة أنسيتها وقال : اخلفه في تركته " .
باب ما جاء في البكاء على الميت
مسلم : حدثني أبو كامل ، ثنا حماد - يعني ابن زيد - عن عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أسامة بن زيد قال : " كنا عند النبي - ﷺ - فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه ، وتخبره أن صبيا لها أو ابنا لها في الموت . فقال للرسول : ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ، فمرها فلتصبر ، ولتحتسب . فعاد الرسول فقال : إنها قد أقسمت لتأتينها . قال : فقام النبي - ﷺ - ، وقام معه سعد بن عبادة ، ومعاذ بن جبل ، وانطلقت معهم ، فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها في شنة ، ففاضت عيناه ، فقال له سعد بن عبادة : ما هذا يا رسول الله ؟ قال : هذه رحمة جعلها الله في قلوب عبادة ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء " .
مسلم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي ، وعمرو بن سواد العامري قالا : ثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن الحارث الأنصاري ، عن عبد الله بن عمر قال : " اشتكى سعد بن عبادة شكوى له ، فأتى رسول الله - ﷺ - يعوده مع عبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله ابن مسعود ، فلما دخل عليه وجده في غشية ، فقال : أقد قضى ؟ قالوا : لا يا رسول الله . فبكى رسول الله - ﷺ - ، فلما رأى القوم بكاء رسول الله - ﷺ - بكوا ، فقال : ألا تسمعون ، إن الله لا يعذب بدمع العين ، ولا بحزن القلب ، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم " .
النسائي : أخبرنا علي بن حجر ، ثنا إسماعيل - وهو ابن جعفر - عن محمد بن عمرو بن حلحلة ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، أن سلمة بن الأزرق قال : سمعت أبا هريرة قال : " مات ميت من آل رسول الله - ﷺ - فاجتمع النساء يبكين عليه ، فقام عمر ينهاهن ، ويطردهن ، فقال رسول الله - ﷺ - : دعهن فإن العين دامعة ، والفؤاد مصاب ، والعهد قريب " .
النسائي : أخبرنا عمرو بن يزيد ، ثنا بهز بن أسد ، ثنا شعبة ، عن محمد ابن المنكدر ، عن جابر " أن أباه قتل يوم أحد قال : فجعلت أكشف عن وجهه وأبكي ، والناس ينهوني ، ورسول الله - ﷺ - لا ينهاني ، وجعلت عمته تبكيه ، فقال رسول الله - ﷺ - : لا تبكيه ، مازالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه " .
أبو داود : حدثنا محمد بن كثير ، أنا سفيان ، عن عاصم بن عبيد الله ، عن القاسم ، عن عائشة قالت : " رأيت رسول الله - ﷺ - يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت ، حتى رأيت الدموع تسيل " .
عاصم يضعف ، وقد ذكر أبو عيسى حديثه هذا وصححه .
النسائي : حدثنا عتبة بن عبد الله بن عتبة قال : قرأت على مالك بن أنس ، عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك ، أن عتيك بن الحارث - وهو جد عبد الله بن عبد الله ، أبو أمه - أخبره أن جابر بن عتيك أخبره " أن النبي - ﷺ - جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب ، فصاح به فلم يجبه فاسترجع رسول الله - ﷺ - قال : غلبنا عليك يا أبا الربيع ، فصحن النسوة وبكين ، فجعل ابن عتيك يسكتهن ، فقال رسول الله - ﷺ - : دعهن ، فإذا وجب لا تبكين باكية . قالوا : وما الوجوب يا رسول الله ؟ قال : الموت . قالت ابنته : إن كنت لأرجو أن يكون شهيدا ، قد كنت قضيت جهازك . قال رسول الله - ﷺ - : فإن الله - عز وجل - قد أوقع أجره على قدر نيته ، وما تعدون الشهادة ؟ قالوا : القتل في سبيل الله . قال رسول الله - ﷺ - : الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله : المطعون شهيد ، والمبطون شهيد ، والغرق شهيد ، وصاحب الهدم شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد ، وصاحب الحرق شهيد ، والمرأة تموت بجمع شهيد " .
مسلم : ثنا ابن مثنى وابن أبي عمر ، قال ابن مثنى : ثنا عبد الوهاب قال : سمعت يحيى بن سعيد قال : أخبرتني عمرة ، أنها سمعت عائشة تقول : " لما جاء رسول الله - ﷺ - قتل ابن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن رواحة ، جلس رسول الله - ﷺ - ، يعرف فيه الحزن ، قالت : وأنا أنظر من صائر الباب - شق الباب - فأتاه رجل فقال : يا رسول الله ، إن نساء جعفر ، وذكر بكاءهن ، فأمر أن يذهب فينهاهن ، فذهب فأتاه فذكر أنهن لم يطعنه ، فأمره الثانية أن ينهاهن ، فذهب ثم أتاه فقال : والله لقد غلبننا يا رسول الله ، قال : فزعمت أن رسول الله قال : اذهب فاحث في أفواههن التراب . قالت عائشة : فقلت : أرغم الله أنفك ، والله ما تفعل ما أمرك رسول الله - ﷺ - ، وما تركت رسول الله - ﷺ - من العناء " .
باب الحزن عند المصيبة
مسلم : حدثنا هداب بن خالد ، وشيبان بن فروخ ، كلاهما عن سليمان - واللفظ لشيبان - ثنا سليمان بن المغيرة ، ثنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - ﷺ - : " ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي : إبراهيم ، ثم دفعته إلى أم سيف امرأة قين يقال له : أبو سيف . فانطلق يأتيه واتبعته ، فانتهى إلى أبي سيف ، وهو ينفخ بكيره ، قد امتلأ البيت دخانا ، فأسرعت المشي بين يدي رسول الله - ﷺ - فقلت : يا أبا سيف ، أمسك جاء رسول الله - ﷺ - . فأمسك ، فدعا النبي - ﷺ - بالصبي فضمه إليه ، وقال ما شاء الله أن يقول ، فقال أنس : لقد رأيته يكيد بنفسه بين يدي رسول الله ، فدمعت عينا رسول الله - ﷺ - فقال : تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون " .
أبو داود : حدثنا محمد بن كثير ، أنا سليمان بن كثير ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " لما قتل زيد بن حارثة ، وجعفر ، وعبد الله بن رواحة ، جلس رسول الله - ﷺ - في المسجد يعرف فيه الحزن ... " فذكر قصته .
البخاري : حدثني عمرو بن علي ، ثنا محمد بن فضيل ، ثنا عاصم الأحول ، عن أنس قال : " قنت رسول الله - ﷺ - شهرا حين قتل القراء ، فما رأيت رسول الله - ﷺ - حزن حزنا قط أشد منه " .
باب الصبر عند الصدمة الأولى
البخاري : حدثنا آدم ، ثنا شعبة ، ثنا ثابت ، عن أنس بن مالك قال : مر النبي - ﷺ - بامرأة تبكي عند قبر ، فقال : اتقي الله واصبري . قالت : إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي . ولم تعرفه ، فقيل لها : إنه النبي - ﷺ - . فأتت باب النبي - ﷺ - فلم تجد عنده بوابين ، فقالت : لم أعرفك . فقال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى " .
رواه مسلم : وقال : " إنما الصبر عند أول صدمة - أو عند أول الصدمة " .
مسلم : حدثنا محمد بن بشار العبدي ، ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن ثابت قال : سمعت أنس بن مالك يقول : قال رسول الله - ﷺ - : " الصبر عند الصدمة الأولى " .
باب ما جاء في النياحة وضرب الخدود
النسائي : أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ، ثنا خالد ، ثنا شعبة ، عن قتادة ، عن مطرف ، عن حكيم بن قيس ، أن قيس بن عاصم قال : " لا تنوحوا علي فإن رسول الله - ﷺ - لم ينح عليه " .
مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وابن نمير ، وإسحاق بن إبراهيم ، كلهم عن أبن عيينة - قال ابن نمير : ثنا سفيان بن عيينة - عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه ، عن عبيد بن عمير قال : قالت أم سلمة : " لما مات أبو سلمة قلت : غريب في أرض غريبة ، لأبكينه بكاء يتحدث عنه ، فكنت قد تهيأت للبكاء إذ أقبلت امرأة من الصعيد تريد أن تسعدني ، فاستقبلها رسول الله - ﷺ - فقال : أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتا أخرجه الله منه - مرتين - ؟ فكففت عن البكاء فلم أبك " .
مسلم : حدثني أبو الربيع الزهراني ، ثنا حماد ، ثنا أيوب ، عن محمد ، عن أم عطية قالت : " أخذ علينا رسول الله - ﷺ - مع البيعة أن لا ننوح ، فما وفت منا امرأة إلا خمس : أم سليم ، وأم العلاء ، وابنه أبي سبرة امرأة معاذ - أو وابنة أبي سبرة ، وامرأة معاذ " .
مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وزهير بن حرب ، وإسحاق بن إبراهيم ، جميعا عن أبي معاوية ، قال زهير : ثنا محمد بن حازم ، حدثنا عاصم - هو الأحول - عن حفصة ، عن أم عطية قالت : " لما نزلت هذه الآية {يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ... .} الآية {ولا يعصينك في معروف} . قالت : كان منه النياحة . قالت : فقلت : يا رسول الله ، إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية ، فلا بد لي من أن أسعدهم . فقال رسول الله - ﷺ - : إلا آل فلان " .
النسائي : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن ثابت ، عن أنس " أن رسول الله - ﷺ - أخذ على النساء حين بايعهن ألا ينحن ، فقلن : يا رسول الله ، إن نساء أسعدننا في الجاهلية ، أفنسعدهن ؟ فقال رسول الله - ﷺ - : لا إسعاد في الإسلام " .
مسلم : حدثني إسحاق بن منصور ، أنا حبان بن هلال ، ثنا أبان بن يزيد ، ثنا يحيى ، أن زيدا حدثه ، أن أبا سلام حدثه ، أن أبا مالك الأشعري ، حدثه أن النبي - ﷺ - قال : " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة . وقال : النائحة إذا لم تتب قبل موتها ، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب " .
مسلم : حدثنا عبد بن حميد وإسحاق بن منصور ، قالا : ثنا جعفر بن عون ، أنا أبو عميس ، سمعت أبا صخرة ، يذكر عن عبد الرحمن بن يزيد ، وأبي بردة بن أبي موسى قالا : " أغمي على أبي موسى ، وأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح برنة ، قالا : ثم أفاق فقال : ألم تعلمي - وكان يحدثها - أن رسول الله - ﷺ - قال : أنا بريء ممن حلق ، وسلق ، وخرق " .
البخاري : حدثني محمد بن بشار ، ثنا عبد الرحمن ، ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن عبد الله ، عن النبي - ﷺ - قال : " ليس منا من ضرب الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية " .
لمسلم في بعض طرق هذا الحديث : " أو شق أو دعا " . وقد تقدم في كتاب الإيمان .
باب ما جاء أن الميت يعذب ببكاء الحي
مسلم : حدثني علي بن حجر ، ثنا علي بن مسهر ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن ابن عمر قال : " لما طعن عمر - رضي الله عنه - أغمي عليه فصيح عليه ، فلما أفاق قال : أما علمتم أن رسول الله - ﷺ - قال : إن الميت ليعذب ببكاء الحي " .
مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، جميعا عن ابن بشر - قال أبو بكر : ثنا محمد بن بشر العبدي - عن عبيد الله بن عمر ، ثنا نافع ، عن عبد الله " أن حفصة بكت على عمر - رحمة الله عليه - فقال لها : مهلا يا بنية ، ألم تعلمي أن رسول الله - ﷺ - قال : " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " .
مسلم : وحدثني علي بن حجر ، ثنا شعيب بن صفوان أبو يحيى ، عن عبد الملك بن عمير ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبي موسى قال : " لما أصيب عمر أقبل صهيب من منزله حتى دخل على عمر ، فقام بحياله يبكي ، فقال عمر : على ما تبكي ؟ أعلي تبكي ؟ قال : إي والله لعليك أبكي يا أمير المؤمنين ، قال : والله لقد علمت أن رسول الله قال : من يبكى عليه يعذب . قال : فذكرت ذلك لموسى بن طلحة فقال : كانت عائشة تقول : إنما كان أولئك اليهود " .
مسلم : حدثنا محمد بن بشار ، ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، ثنا قتادة ، يحدث عن سعيد بن المسيب ، عن ابن عمر ، عن عمر عن النبي - ﷺ - قال : " الميت يعذب في قبره ما نيح عليه " .
مسلم : وحدثني محمد بن رافع ، وعبد بن حميد ، قال ابن رافع : ثنا عبد الرزاق ، أنا ابن جريج ، أنا عبد الله بن أبي مليكة قال : " توفيت ابنة لعثمان بن عفان بمكة قال : فجئنا لنشهدها ، قال : فحضرها ابن عمر ، وابن عباس ، قال : فإني لجالس بينهما ، قال : جلست إلى أحدهما ، ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي ، فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان - وهو مواجهه - : ألا تنهى عن البكاء ، فإن رسول الله - ﷺ - قال : إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " .
فقال ابن عباس : قد كان عمر يقول بعض ذلك ، ثم حدث فقال : صدرت مع عمر من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظل شجرة ، فقال : اذهب فانظر من هؤلاء الركب . فنظرت فإذا هو صهيب ، قال : فأخبرته ، فقال : ادعه لي . قال : فرجعت إلى صهيب فقلت : ارتحل فالحق أمير المؤمنين . قال : فلما أن أصيب عمر ، دخل صهيب يبكي يقول : واأخاه ، واصاحباه . فقال عمر : يا صهيب ، أتبكي علي وقد قال رسول الله - ﷺ - : إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه ! " .
فقال ابن عباس : فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة ، فقالت : يرحم الله عمر لا والله ما حدث رسول الله - ﷺ - أن الله يعذب الميت ببكاء أحد عليه ، ولكن قال : إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه . قال : وقالت عائشة : حسبكم القرآن {لا تزر وازرة وزر أخرى} قال : وقال ابن عباس عند ذلك : والله أضحك وأبكى . قال ابن أبي مليكة : فوالله ما قال ابن عمر من شيء " .
مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا وكيع ، عن سعيد بن عبيد الطائي ، ومحمد بن قيس ، عن علي بن ربيعة قال : " أول من نيح عليه بالكوفة : قرظة بن كعب ، فقال المغيرة بن شعبة : سمعت رسول الله - ﷺ - يقول : من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة " .
الترمذي : حدثنا علي بن حجر ، أنا محمد بن عمار ، ثنا أسيد بن أبي أسيد ، أن موسى بن أبي موسى الأشعري أخبره ، عن أبيه ، أن رسول الله - ﷺ - قال : " ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول : واجبلاه ، وأسيداه أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه : أهكذا كنت ؟ ! " .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب .
البخاري : حدثنا عمران بن ميسرة ، ثنا محمد بن فضيل ، عن حصين ، عن عامر ، عن النعمان بن بشير قال : " أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي : واجبلاه ، وكذا وكذا تعدد عليه ، فقال حين أفاق : ما قلت شيئا إلا قيل لي : آنت كذلك " .
حدثنا قتيبة : ثنا عبثر ، عن حصين ، عن الشعبي ، عن النعمان بن بشير قال : " أغمي على عبد الله ... . . " بهذا " فلما مات لم تبك عليه " .
مسلم : حدثنا خلف بن هشام ، وأبو الربيع الزهراني ، جميعا عن حماد - قال خلف بن هشام : أنا حماد بن زيد - عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : " ذكر عند عائشة قول ابن عمر : الميت يعذب ببكاء أهله عليه ، فقالت : يرحم الله أبا عبد الرحمن ، سمع شيئا فلم يحفظ ، إنما مرت على رسول الله - ﷺ - جنازة يهودي ، وهم يبكون عليه ، فقال : أنتم تبكون ، وإنه ليعذب " .
مسلم : حدثنا أبو كريب ، ثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه قال : " ذكر عند عائشة أن ابن عمر يرفع إلى رسول الله - ﷺ - : إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله ، فقالت : وهل ، إنما قال رسول الله - ﷺ - : إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه ، وإن أهله ليبكون عليه الآن . وذلك مثل قوله : إن رسول الله - ﷺ - قام على القليب يوم بدر ، وفيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم ما قال ، فقال : إنهم ليسمعون ما أقول . وقد وهل ، إنما قال : إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق ، ثم قرأت : {فإنك لا تسمع الموتى} {وما أنت بمسمع من في القبور} يقول : حين تبوءوا مقاعدهم من النار " .
باب غسل الميت
مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى ، أنا يزيد بن زريع ، عن أيوب ، عن محمد ابن سيرين ، عن أم عطية قالت : " دخل علينا رسول الله - ﷺ - ونحن نغسل ابنته ، فقال : اغسلنها ثلاثا أو خمسا ، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور ، فإذا فرغتن فآذنني ، فلما فرغنا آذناه ، فألقى إلينا حقوه ، فقال : أشعرنها إياه " .
وبهذا الإسناد إلى ابن سيرين ، عن حفصة ، عن أم عطية قالت : " مشطناها ثلاثة قرون " .
مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد ، جميعا عن أبي معاوية قال عمرو : حدثنا محمد بن خازم أبو معاوية قال : ثنا عاصم الأحول ، عن حفصة بنت سيرين ، عن أم عطية قالت : " لما ماتت زينب بنت رسول الله - ﷺ - ، قال لنا رسول الله - ﷺ - : اغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا ، واجعلن في الخامسة كافورا أو شيئا من كافور ، فإذا غسلتنها فأعلمنني . قالت : فأعلمناه ، فأعطانا حقوه فقال : أشعرنها إياه " .
ولمسلم في بعض ألفاظ هذا الحديث : " فضفرنا شعرها أثلاثا : قرنيها ، وناصيتها " .
البخاري : حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن هشام بن حسان ، ثنا حفصة ، عن أم عطية - رضي الله عنها - قالت : " توفيت إحدى بنات النبي - ﷺ - ... " فذكرت الحديث وفيه : " فضفرنا شعرها ثلاثة قرون ، وألقيناها خلفها " .
البخاري : حدثنا أحمد ، ثنا ابن وهب ، أنا ابن جريج قال : قال أيوب : وسمعت حفصة بنت سيرين ، حدثتنا أم عطية " أنهن جعلن رأس بنت النبي - ﷺ - ثلاثة قرون نقضنه ، ثم غسلنه ، ثم جعلنه ثلاثة قرون " .
مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى ، أنا هشيم ، عن خالد ، عن حفصة ، عن أم عطية " أن رسول الله - ﷺ - حيث أمرها أن تغسل ابنته ، قال : ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها " .
أبو داود : حدثنا النفيلي ، ثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد ، عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير ، سمعت عائشة تقول : " لما أرادوا غسل النبي - ﷺ - فقالوا : والله ما ندري أنجرد رسول الله - ﷺ - من ثيابه كما نجرد موتانا ، أم نغسله وعليه ثيابه ؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو : اغسلوا رسول الله وعليه ثيابه ، فقاموا إلى رسول الله - ﷺ - فغسلوه وعليه قميصه ، يصبون الماء فوق القميص ، ويدلكونه بالقميص دون أيديهم ، وكانت عائشة تقول : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه " .
باب في الكفن وتحسينه والنهي عن التغالي فيه
مسلم : حدثنا أبو كريب ، ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس " أن رجلا أو قصته راحلته وهو محرم ، فمات ، فقال رسول الله - ﷺ - : اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه ، ولا تخمروا وجهه ، ولا رأسه ؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " .
مسلم : حدثنا هارون بن عبد الله وحجاج بن الشاعر ، قالا : ثنا حجاج ابن محمد ، قال ابن جريج : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث " أن النبي - ﷺ - خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل ، وقبر ليلا ، فزجر النبي - ﷺ - أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك ، وقال النبي - ﷺ - : إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه " .
الترمذي : حدثنا محمد بن بشار ، ثنا عمر بن يونس ، ثنا عكرمة بن عمار ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي قتادة قال : قال رسول الله - ﷺ - : " إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه " .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب .
أبو داود : حدثنا محمد بن عبيد المحاربي ، ثنا عمرو بن هاشم أبو مالك الجنبي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عامر ، عن علي بن أبي طالب قال : " لا تغال في كفن فإني سمعت رسول الله - ﷺ - يقول : لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعا " .
عامر هو الشعبي ، أدرك خمسمائة من الصحابة أو أكثر ، ورأى علي بن أبي طالب ، مات سنة أربع ومائة ، وبلغ ثنتين وثمانين سنة ، ذكر ذلك البخاري ، إلا رؤيته عليا فإن ابن أبي حاتم ذكر ذلك .
باب ما يستحب من الكفن
الترمذي : حدثنا محمد بن بشار ، ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ميمون بن أبي شبيب ، عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله - ﷺ - : " البسوا البياض فإنها أطهر وأطيب ، وكفنوا فيها موتاكم " .
الترمذي : حدثنا قتيبة ، ثنا بشر بن المفضل ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - ﷺ - : " البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم ، وكفنوا فيها موتاكم " .
قال : حديث حسن صحيح .
باب إذا كان الكفن قصيرا
البخاري : حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، ثنا أبي ، ثنا الأعمش ، ثنا شقيق ، ثنا خباب قال : " هاجرنا مع النبي - ﷺ - نلتمس وجه الله ، فوقع أجرنا على الله ، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا ، منهم مصعب بن عمير ، ومنا من أينعت له ثمرته ، فهو يهدبها ، قتل يوم أحد ، فلم نجد ما نكفنه به إلا بردة ، إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه ، فأمرنا النبي - ﷺ - أن نغطي رأسه ، ونجعل على رجليه من الإذخر " .
باب في كم كفن النبي - ﷺ -
أبو داود : حدثنا أحمد بن حنبل ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا الأوزاعي ، ثنا الزهري ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " أدرج رسول الله في ثوب حبرة ، ثم أخر عنه " .
مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى ، أنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : " كفن رسول الله في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ، ليس فيها قميص ، ولا عمامة ، أما الحلة فإنما شبه على الناس فيها ، أنها اشتريت له ليكفن فيها ، فتركت الحلة ، وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ، فأخذها عبد الله بن أبي بكر ، فقال : لأحبسنها حتى أكفن فيها نفسي ، ثم قال : لو رضيها الله لنبيه - ﷺ - لكفنه فيها . فباعها ، وتصدق بثمنها " .
مسلم : حدثني علي بن حجر السعدي ، ثنا علي بن مسهر ، أنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : " أدرج رسول الله - ﷺ - في حلة يمنية ، كانت لعبد الله بن أبي بكر ، ثم نزعت عنه ، وكفن في ثلاثة أثواب سحول يمانية ، ليس فيها عمامة ، ولا قميص ... " وذكر باقي الحديث .
باب حكم المحرم إذا مات
مسلم : حدثنا علي بن خشرم ، ثنا عيسى - يعني ابن يونس - عن ابن جريج ، أخبرني عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : " أقبل رجل حراما مع النبي - ﷺ - فخر من بعيره ، فوقص وقصا فمات ، فقال رسول الله - ﷺ - : اغسلوه بماء وسدر ، وألبسوه ثوبيه ، ولا تخمروا رأسه ؛ فإنه يأتي يوم القيامة يلبي " .
مسلم : حدثني أبو كامل ، ثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس " أن رجلا وقصه بعيره وهو محرم ، فوقع من ناقته ، فأمر النبي - ﷺ - أن يغسل بماء وسدر ، ولا يمس طيبا ، ولا يخمر رأسه ؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبدا " .
مسلم : حدثنا عبد بن حميد ، أنا عبيد الله بن موسى ، أنا إسرائيل ، عن منصور ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : " كان مع النبي - ﷺ - رجل ، فوقصته ناقته فمات ، فقال النبي - ﷺ - : اغسلوه ، ولا تقربوه طيبا ، ولا تغطوا وجهه ؛ فإنه يبعث يلبي " .
النسائي : أخبرنا عتبة بن عبد الله بن عتبة ، ثنا يونس بن نافع ، عن عمرو ابن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - ﷺ - : " اغسلوا المحرم في ثوبيه اللذين أحرم فيهما ، واغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه ، ولا تمسوه بطيب ، ولا تخمروا رأسه ؛ فإنه يبعث يوم القيامة محرما " .
باب حكم الشهيد
البخاري : حدثنا عبد الله بن يوسف ، ثنا الليث ، حدثني ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن جابر بن عبد الله قال : " كان النبي - ﷺ - يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ، ثم يقول : أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد ، وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة . وأمر بدفنهم في دمائهم ، ولم يغسلوا ، ولم يصل عليهم " .
روى أبو داود : عن زياد بن أيوب ، وعيسى بن يونس كلاهما يقول : حدثنا علي بن عاصم ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : " أمر رسول الله - ﷺ - بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد ، والجلود ، وأن يدفنوا بدمائهم بثيابهم " .
وعلي بن عاصم هذا ضعيف ، وأيضا فسماعه من عطاء كان بعد اختلاط عطاء .
وروى الترمذي : عن ابن أبي عمر ، عن بشر بن السري ، عن زائدة ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله " أن رسول الله - ﷺ - كفن حمزة في نمرة في ثوب واحد " .
وعبد الله بن محمد بن عقيل ضعفه : يحيى بن معين ، وأبو حاتم ، وأبو عبد الرحمن النسائي وغيرهم ، وكان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية والحميدي يحتجون بحديثه ، وصحح أبو عيسى حديثه هذا عند ذكره له .
وروى أبو داود : عن عثمان بن أبي شيبة ، عن زيد بن الحباب .
وعن قتيبة بن سعيد ، عن أبي صفوان ، كلاهما عن أسامة ، عن الزهري ، عن أنس " أن رسول الله - ﷺ - مر على حمزة وقد مثل به ، فقال : لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى تأكله العافية ، حتى يحشر من بطونها " .
وأسامة هذا هو أسامة بن زيد الليثي ، وثقه يحيى بن معين ، وضعفه يحيى ابن سعيد القطان ، وتكلم أحمد بن حنبل في حديثه عن نافع ، وقد روى عنه الثوري ، وابن المبارك ، وغيرهما .
باب الجمع بين الاثنين في كفن واحد
النسائي : أخبرنا قتيبة بن سعيد ، ثنا الليث ، عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، أن جابر بن عبد الله أخبره " أن رسول الله - ﷺ - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد " .
باب مواراة الموتى
مسلم : حدثني محمد بن رافع ، ثنا وهب بن جرير بن حازم ، ثنا أبي ، سمعت أسماء بن عبيد ، يحدث عن رجل يقال له : السائب - وهو عندنا أبو السائب - قال : " دخلنا على أبي سعيد الخدري ... " فذكر حديث الرجل الذي قتل الحية فخر ميتا ، فقال النبي - ﷺ - : " اذهبوا فادفنوا صاحبكم ... . " وسيأتي الحديث بطوله في باب قتل الحيات - إن شاء الله .
باب وجوب اتباع الجنائز
البخاري : حدثنا أبو الوليد ، ثنا شعبة ، عن الأشعث ، سمعت معاوية بن سويد بن مقرن ، عن البراء قال : " أمرنا رسول الله - ﷺ - بسبع ، ونهانا عن سبع : أمرنا باتباع الجنائز ، وعيادة المريض ، وإجابة الداعي ، ونصر المظلوم ، وإبرار القسم ، ورد السلام ، وتشميت العاطس ، ونهانا عن آنية الفضة ، وخاتم الذهب ، والحرير ، والديباج ، والقسي ، والإستبرق " .
البخاري : حدثنا محمد - هو ابن يحيى الذهلي - ثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن الأوزاعي ، أخبرني ابن شهاب ، أخبرني سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله - ﷺ - يقول : " حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس " .
أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا وكيع ، عن همام ، عن قتادة ، عن أبي عيسى الأسواري ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - ﷺ - : " عودوا المريض ، واتبعوا الجنازة تذكركم الآخرة " .
رواه أبو داود الطيالسي قال : ثنا المثنى وهمام بإسناده .
باب ما جاء في اتباع النساء الجنائز
مسلم : حدثنا يحيى بن أيوب ، ثنا ابن علية ، أنا أيوب ، عن محمد بن سيرين قال : قالت أم عطية : " كنا ننهى عن اتباع الجنائز ، ولم يعزم علينا " .
باب فضل اتباع الجنائز والصلاة عليها وشهود دفنها
البخاري : حدثنا أحمد بن عبد الله بن علي المنجوفي ، ثنا روح ، ثنا عوف ، عن الحسن ومحمد ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - ﷺ - قال : " من تبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا ، وكان معه حتى يصلى عليها ، ويفرغ من دفنها ، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين ، كل قيراط مثل أحد ، ومن صلى عليها ، ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط " .
مسلم : حدثني أبو الطاهر ، وحرملة بن يحيى ، وهارون بن سعيد - واللفظ لهارون وحرملة - قال هارون : ثنا ، وقال الآخران : أنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، أن أبا هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - : " من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان . قيل : وما القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظمين " .
مسلم : حدثني محمد بن حاتم ، ثنا بهز ، ثنا وهيب ، ثنا سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي - ﷺ - قال : " من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط ، فإن تبعها فله قيراطان . قيل : وما القيراطان ؟ قال : أصغرهما مثل أحد " .
مسلم : حدثني محمد بن عبد الله بن نمير ، ثنا عبد الله بن يزيد ، حدثني حيوة ، حدثني أبو صخر ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، أنه حدثه أن داود ابن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، حدثه عن أبيه " أنه كان قاعدا عند عبد الله بن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال : يا عبد الله بن عمر ، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة : أنه سمع رسول الله - ﷺ - يقول : من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ، ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد ، ومن صلى عليها ، ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد . فأرسل ابن عمر خبابا إلىعائشة يسألها عن قول أبي هريرة ، ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت ، وأخذ ابن عمر قبضة من حصباء المسجد يقلبها في يده حتى رجع إليه الرسول ، فقال : قالت عائشة : صدق أبو هريرة ، فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض ، ثم قال : لقد فرطنا في قراريط كثيرة " .
باب كيف تتبع الجنازة
النسائي : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، وعلي بن حجر ، وقتيبة بن سعيد ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه " أنه رأى النبي - ﷺ - وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة " .
قال النسائي : وأنا محمد بن عبد الله بن يزيد ، ثنا أبي ، ثنا همام ، ثنا سفيان ومنصور وزياد ، وبكر ، كلهم ذكر أنه سمعه من الزهري ، يحدث أن سالما أخبره ، أن أباه أخبره : " أنه رأى النبي - ﷺ - ، وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان يمشون بين يدي الجنازة " . بكر وحده لم يذكر " عثمان " .
أرسل هذا الحديث مالك ، ومعمر ، ويونس وغير واحد من الحفاظ عن الزهري " أن النبي - ﷺ - كان يمشي أمام الجنازة " .
قال الزهري : وأخبرني سالم " أن أباه كان يمشي أمام الجنازة " .
ذكر ذلك أبو عيسى الترمذي - رحمه الله - قال : وحديث الزهري مرسلا أصح .
النسائي : أخبرنا زياد بن أيوب ، حدثني عبد الواحد بن واصل ، ثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي ، وأخوه المغيرة ، جميعا عن زياد بن جبير ، عن المغيرة بن شعبة قال : قال رسول الله - ﷺ - : " الراكب خلف الجنازة ، والماشي حيث شاء منها ، والطفل يصلى عليه " .
قال : وأخبرني أحمد بن بكار الحراني ، ثنا بشر بن السري ، عن سعيد بن عبيد الله بهذا الإسناد مثله .
باب ما جاء في الركوب في اتباع الجنازة
أبو داود : حدثنا يحيى بن موسى البلخي ، ثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن ثوبان " أن رسول الله - ﷺ - أتي بدابة وهو مع الجنازة ، فأبى أن يركب ، فلما انصرف أتي بدابة فركب ، فقيل له ، فقال : إن الملائكة كانت تمشي ، فلم أكن لأركب وهو يمشون ، فلما ذهبوا ركبت " .
مسلم : حدثنا محمد بن مثنى وابن بشار - واللفظ لابن مثنى - قالا : ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، عن جابر بن سمرة قال : " صلى رسول الله - ﷺ - على ابن الدحداح ، ثم أتي بفرس عري فعقله رجل فركبه ، فجعل يتوقص به ، ونحن نتبعه نسعى خلفه ، قال : فقال رجل من القوم : إن النبي - ﷺ - قال : كم من عذق معلق - أو مدلى - في الجنة لابن الدحداح " . أو قال شعبة : " لأبي الدحداح " .
باب الإسراع بالجنازة
مسلم : حدثني أبو الطاهر وحرملة وهارون بن سعيد الأيلي ، قال هارون : ثنا ، وقال الآخران : أنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - ﷺ - يقول : " أسرعوا بالجنازة ، فإن كانت صالحة قربتموها إلى الخير ، وإن كان غير ذلك كان شرا تضعونه عن رقابكم " .
النسائي : أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا خالد - هو ابن الحارث - ثنا عيينة ، ثنا أبي قال : " شهدت جنازة عبد الرحمن بن سمرة ، وخرج زياد يمشي بين يدي السرير ، فجعل رجال من أهل عبد الرحمن ومواليه يستقيلون السرير ، ويمشون على أعقابهم ، ويقولون : رويدا بارك الله فيكم ، فكانوا يدبون دبيبا ، حتى إذا كنا ببعض الطريق المربد لحقنا أبو بكرة على بغلة ، فلما رأى الذي يصنعون حمل عليهم بغلته وأهوى إليهم بالسوط ، وقال : خلوا ، فوالذي أكرم وجه أبي القاسم ، لقد رأيتنا مع رسول الله - ﷺ - وإنا لنكاد نرمل بها رملا ، فانبسط القوم " .
باب ما تقول الجنازة إذا احتملت
النسائي : أخبرنا قتيبة بن سعيد ، ثنا الليث ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبيه ، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : قال رسول الله - ﷺ - : " إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت : قدموني ، قدموني . وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها أين تذهبون بها . يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ، ولو سمعها إنسان لصعق " .
باب وجوب الصلاة على الجنائز
مسلم : حدثني علي بن حجر ، وزهير بن حرب قالا : ثنا إسماعيل .
وثنا يحيى بن أيوب ، ثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين ، قال : قال رسول الله - ﷺ - : " إن أخا لكم قد مات ، فقوموا فصلوا عليه - يعني النجاشي " . وفي رواية زهير : " إن أخاكم " .
باب الصفوف على الجنازة والتكبير وقراءة أم القرآن
البخاري : حدثنا إبراهيم بن موسى ، ثنا هشام بن يوسف ، أن ابن جريج أخبرهم قال : أخبرني عطاء ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : قال النبي - ﷺ - : " قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلم فصلوا عليه . قال : فصففنا فصلى النبي - ﷺ - ، ونحن صفوف " .
قال أبو الزبير عن جابر : " كنت في الصف الثاني " .
مسلم : حدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث ، حدثني أبي ، عن جدي قال : حدثني عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، أنهما حدثاه عن أبي هريرة ، أنه قال : " نعى لنا رسول الله - ﷺ - النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه ، وقال : استغفروا لأخيكم " .
قال ابن شهاب : وحدثني سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة حدثه " أن رسول الله - ﷺ - صف بهم بالمصلى : فكبر عليه أربع تكبيرات " .
مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة " أن رسول الله - ﷺ - نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، فخرج بهم إلى المصلى فكبر أربع تكبيرات " .
مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن مثنى ، ومحمد بن بشار قالوا : ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة - وقال أبو بكر : عن شعبة - عن عمرو ابن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : " كان زيد يكبر على جنائزنا أربعا ، وإنه كبر على جنازة خمسا ، فسألته فقال : كان رسول الله - ﷺ - يكبرها " .
وروى الترمذي : من طريق يزيد بن سنان أبي فروة ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة " أن رسول الله - ﷺ - كبر في جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ، ووضع اليمنى على اليسرى " .
ويزيد بن سنان ضعفه يحيى بن معين ، وقال أبو حاتم : يزيد بن سنان محله الصدق ، وفيه غفلة . وقوى البخاري أمره وقال : هو مقارب الحديث ما بحديثه بأس ، إلا أن ابنه محمدا يروي عنه مناكير .
وقال أبو عيسى عند ذكره هذا الحديث : " هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه " رواه عن القاسم بن دينار الكوفي ، عن إسماعيل بن أبان ، عن يحيى بن يعلى ، عن أبي فروة يزيد بن سنان .
البخاري : حدثنا محمد بن كثير ، أبنا سفيان ، عن سعد بن إبراهيم ، عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال : " صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ فاتحة الكتاب ، فقال : لتعلموا أنها سنة " .
النسائي : أخبرنا الهيثم بن أيوب ، ثنا إبراهيم - وهو ابن سعد - ثنا أبي ، عن طلحة بهذا الإسناد مثله ، وقال : " صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة ، وجهر حتى أسمعنا " .
طلحة هو ابن عبد الله بن عوف ، ابن أخي عبد الرحمن بن عوف .
باب الدعاء في الصلاة على الميت
أبو داود : حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني ، حدثني محمد - يعني ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، سمعت رسول الله - ﷺ - يقول : " إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء " .
مسلم : حدثني أبو الطاهر ، وهارون بن سعيد - واللفظ لأبي الطاهر - قالا : ثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أبي حمزة بن سليم ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن عوف بن مالك الأشجعي قال : " سمعت النبي - ﷺ - وصلى على جنازة يقول : اللهم اغفر له وارحمه ، واعف عنه وعافه ، وأكرم نزله ، ووسع مدخله ، واغسله بماء وثلج وبرد ، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله دارا خيرا من داره ، وأهلا خيرا من أهله ، وزوجا خيرا من زوجه ، وقه فتنة القبر ، وعذاب القبر ، وعذاب النار " .
قال عوف : فتمنيت أن أكون أنا الميت لدعاء رسول الله - ﷺ - على ذلك الميت " .
وزاد مسلم أيضا في بعض طرقه : " وأدخله في الجنة " .
أبو داود : حدثنا موسى بن مروان الرقي ، ثنا شعيب - يعني ابن إسحاق - عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : " صلى رسول الله - ﷺ - على جنازة فقال : اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، وشاهدنا وغائبنا ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ، ومن توفيته فتوفه على الإسلام ، اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده " .
الترمذي : حدثنا علي بن حجر ، أنا هقل بن زياد ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، حدثني أبو إبراهيم الأشهلي ، عن أبيه قال قال : " كان رسول الله - ﷺ - إذا صلى على الجنازة قال : اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا " .
قال يحيى : وحدثني أبو سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - ﷺ - مثل ذلك وزاد فيه : " اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان " .
قال أبو عيسى : حديث والد أبي إبراهيم حديث حسن صحيح .
وروى هشام الدستوائي ، وعلي بن المبارك هذا الحديث ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن النبي - ﷺ - . وحديث عكرمة غير محفوظ .
وسمعت محمدا يقول : أصح الروايات في هذا حديث يحيى بن أبي كثير ، عن أبي إبراهيم الأشهلي ، عن أبيه ، وسألته عن اسم أبي إبراهيم فلم يعرفه .
وقال أبو عيسى أيضا ، وذكر طرفا من حديث مسلم الذي تقدم في أول الباب ، قال محمد : أصح شيء في هذا الباب هذا الحديث .
أبو داود : حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو ، وثنا عبد الوارث ، ثنا أبو الجلاس عقبة بن سيار أو سنان ، حدثني علي بن شماخ قال : " شهدت مروان سأل أبا هريرة : كيف سمعت رسول الله - ﷺ - يصلي على الجنائز ؟ قال : أمع الذي قلت ؟ قال : نعم - قال : كلام كان بينهما قبل ذلك - قال أبو هريرة : اللهم أنت ربها وأنت خلقتها ، وأنت هديتها إلى الإسلام ، وأنت قبضت روحها ، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها ، جئنا شفعاء فأغفر له " .
الصواب : عقبة بن سيار ، هكذا ذكره البخاري ، وابن أبي حاتم ، وهو ثقة معروف ، وعلي بن شماخ قال فيه شعبة : عثمان بن شماخ . والصواب : علي بن شماخ ، هكذا قال عبد الوارث وعباد بن صالح في باب علي ، ذكره ابن أبي حاتم والبخاري - رحمه الله تعالى .
باب ما جاء في الصلاة على الشهيد
البخاري : حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، قال زكريا بن عدي : أنا ابن المبارك ، عن حيوة بن شريح ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر قال : " صلى رسول الله - ﷺ - على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات ، ثم طلع المنبر فقال : إني بين أيديكم فرط ، وأنا شهيد عليكم ، وإن موعدكم الحوض و إني لأنظر إليه من مقامي هذا ، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا ، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها ، قال : فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله - ﷺ - " .
النسائي : أخبرنا سويد بن نصر عن عبد الله - هو ابن المبارك - عن ابن جريج ، أخبرني عكرمة بن خالد ، أن ابن أبي عمار أخبره ، عن شداد بن الهاد " أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي - ﷺ - فآمن به ، واتبعه ، ثم قال : أهاجر معك ، فأوصى به النبي - ﷺ - بعض أصحابه ، فلما كانت غزوة غنم النبي - ﷺ - شيئا فقسم ، وقسم له ، فأعطى أصحابه ما قسم له ، وكان يرعى ظهرهم ، فلما جاء دفعوه إليه فقال : ما هذا ؟ قالوا : قسم قسمة لك النبي - ﷺ - ، فأخذه فجاء به النبي - ﷺ - فقال : ما هذا ؟ قال : قسمته لك ، قال : ما على هذا اتبعتك ، ولكن اتبعتك على أن أرمى هاهنا - وأشار إلى حلقه - بسهم فأموت فأدخل الجنة . قال : إن تصدق الله يصدقك . فلبثوا قليلا ، ثم نهضوا في قتال العدو ، فأتي به النبي - ﷺ - يحمل قد أصابه سهم حيث أشار ، فقال النبي - ﷺ - : أهوهو ؟ فقالوا : نعم . قال : صدق الله فصدقه . ثم كفنه النبي - ﷺ - في جبة النبي ، ثم قدمه فصلى عليه ، فكان مما ظهر من صلاته عليه : اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا ، وأنا شهيد عليه " .
قال أبو عبد الرحمن : ما نعلم أن أحدا تابع ابن المبارك على هذا ، والصواب : أن ابن أبي عمار ، عن ابن شداد بن الهاد ، وابن المبارك أحد الأئمة ، ولعل الخطأ من غيره ، والله أعلم .
قال ابن أبي حاتم : ابن أبي عمار روى عن شداد بن الهاد ، واسمه عمار .
النسائي : أخبرنا قتيبة بن سعيد ، ثنا الليث ، عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، أن جابر بن عبد الله أخبره " أن رسول الله - ﷺ - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ، ثم يقول : أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد ، وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة . وأمر بدفنهم بدمائهم ، ولم يصل عليهم ، ولم يغسلوا " .
قال النسائي : لا نعلم أحدا من ثقات أصحاب الزهري تابع الليث على هذه الرواية ، واختلف على الزهري فيه .
باب ما جاء في الصلاة على الطفل
أبو داود : حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ، ثنا يعقوب بن إبراهيم ، ثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة قالت : " مات إبراهيم ابن النبي - ﷺ - ، وهو ابن ثمانية عشر شهرا فلم يصل عليه رسول الله - ﷺ - " .
النسائي : أخبرنا إسماعيل بن مسعود ، ثنا خالد ، ثنا سعيد بن عبيد الله ، سمعت زياد بن جبير - هو ابن حية - يحدث عن أبيه ، عن المغيرة بن شعبة ، أنه ذكر أن رسول الله - ﷺ - قال : " الراكب خلف الجنازة ، والماشي حيث شاء منها ، والطفل يصلى عليه " .
الترمذي : حدثنا بشر بن آدم - ابن بنت أزهر السمان البصري - ثنا إسماعيل بن سعيد بن عبيد الله ، ثنا أبي بهذا الإسناد مثله .
وقال : هذا حديث حسن صحيح .
باب الصلاة على من قتلته الحدود
النسائي : أخبرنا إسماعيل بن مسعود ، ثنا خالد ، ثنا هشام ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين " أن امرأة من جهينة أتت رسول الله - ﷺ - ، فقالت : إني زنيت ، وهي حبلى . فدفعها إلى وليها ، وقال : أحسن إليها ، فإذا وضعت فائتني بها . فلما وضعت جاء بها فأمرها ، فشكت عليها ثيابها ، ثم رجمها ، ثم صلى عليها ، فقال له عمر : تصلي عليها وقد زنت ؟ فقال : لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم " .
البخاري : حدثنا محمود ، ثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن جابر " أن رجلا من أسلم جاء النبي - ﷺ - فاعترف بالزنا ... . " واقتص الحديث ، وفيه : " فأمر به النبي - ﷺ - فرجم ، وقال له خيرا ، وصلى عليه " .
سئل أبو عبد الله : " فصلى عليه " يصح ؟ قال : رواه معمر : قيل له : رواه غير معمر ؟ قال : لا .
باب الصلاة على من مات من أهل الكبائر
النسائي : أخبرنا عبيد الله بن سعيد ، ثنا يحيى ، عن يحيى ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن أبي عمرة ، عن زيد بن خالد الجهني قال : " مات رجل بخيبر ، فقال رسول الله - ﷺ - : صلوا على صاحبكم فإنه غل في سبيل الله . ففتشنا متاعه ، فوجدنا فيها خرزا من خرز يهود ما يساوي درهمين " .
أبو عمرة لا أعلم روى عنه إلا محمد بن يحيى بن حبان .
باب هل يصلى على من قتل نفسه وما جاء فيه
مسلم : حدثنا عون بن سلام الكوفي ، ثنا زهير ، عن سماك ، عن جابر ابن سمرة قال : " أتي النبي - ﷺ - برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه " .
النسائي : أخبرنا إسحاق بن منصور ، أنا أبو الوليد ، ثنا أبو خيثمة زهير ، ثنا سماك ، عن جابر بن سمرة " أن رجلا قتل نفسه بمشاقص ، فقال رسول الله - ﷺ - : أما أنا فلا أصلي عليه " .
البخاري : حدثنا مسدد ، ثنا يزيد بن زريع ، ثنا خالد ، عن أبي قلابة ، عن ثابت بن الضحاك ، عن النبي - ﷺ - قال : " من حلف بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال ، ومن قتل نفسه بحديدة عذب بها في نار جهنم " .
وقال حجاج بن منهال : ثنا جرير بن حازم ، عن الحسن ، ثنا جندب في هذا المسجد ، فما نسيناه ، وما نخاف أن يكذب جندب على النبي - ﷺ - قال : " كان برجل جراح فقتل نفسه ، فقال الله : بدرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة " .
البخاري : حدثنا أبو اليمان ، ثنا شعيب ، ثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال النبي - ﷺ - : " الذي يخنق نفسه يخنقها في النار ، والذي يطعنها يطعنها في النار " .
الترمذي : حدثنا محمود بن غيلان ، ثنا أبو داود ، عن شعبة ، عن الأعمش قال : سمعت أبا صالح ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - ﷺ - قال : " من قتل نفسه بحديده فحديدته في يده ، يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده ، يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تردى من جبل فقتل نفسه ، فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا " .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ، تابعه وكيع ، وأبو معاوية ، عن الأعمش ، ورواه أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، ولم يذكر : الخلود ، ذكر ذلك أبو عيسى - رحمه الله .
وروى مسلم - رحمه الله - قال : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وإسحاق بن إبراهيم ، جميعا عن سليمان - قال أبوبكر : ثنا سليمان بن حرب - ثنا حماد بن زيد ، عن حجاج الصواف ، عن أبي الزبير ، عن جابر " أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي - ﷺ - قال : يا رسول الله ، هل لك في حصن حصين منعه ؟ - قال : حصن كان لدوس في الجاهلية - فأبى ذلك النبي - ﷺ - ؛ للذي ذخر الله - عز وجل - للأنصار ، فلما هاجر النبي - ﷺ - إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو الدوسي ، وهاجر معه رجل من قومه ، فاجتووا المدينة ، فمرض ، فجزع فأخذ مشقاص فقطع بها براجمة ، فشخبت يداه حتى مات ، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه ، فرآه وهيئته حسنة ، ورآه مغطيا يديه ، فقال له : ما صنع بك ربك - عز وجل - ؟ قال : غفر لي بهجرتي إلى نبيه - ﷺ - . فقال : ما لي أراك مغطيا يديك ؟ قال : قيل لي : لم نصلح منك ما أفسدت . فقصها الطفيل على رسول الله - ﷺ - ، فقال رسول الله - ﷺ - : اللهم وليديه فأغفر " .
قال أبو عبد الرحمن النسائي : أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس مكي ، كان شعبة سيئ الرأي فيه .
وأبو الزبير من الحفاظ روى عنه : مالك بن أنس ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وأيوب السختياني ، وكان يدلس ، فإذا قال : سمعت جابرا . فهو صحيح ، زاد ابن أبي حاتم : وروى عنه : سلمة بن كهيل ، وداود بن أبي هند ، وعبيد الله بن عمر ، وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، وشعبة ، وذكر تضعيفه ، ومعنى تضعيفه ، عن أيوب ، وابن عيينة ، وأبي زرعة ، وقول أحمد بن حنبل : أبو الزبير احتمله الناس ليس به بأس ، وقال : قال يحيى بن معين : أبو الزبير صاحب جابر ثقة . وقال الحاكم : أبو الزبير احتج به مسلم في مواضع يسيرة ، وأخرج عامة حديثه في الشواهد ، وهو من كبار التابعين . كان عطاء يقول : أبو الزبير أحفظنا لما سمعناه من جابر . وقال ابن عون : ما كان أبو الزبير بدون عطاء . وقد غمزه أيوب السختياني ، والليث بن سعد ، وأفحش شعبة القول فيه ، ولم يحتج به البخاري ، ولا النسائي ، وليس عند شعبة فيما يقول فيه حجة أكثر من أنه لبس السواد ، وتسفه بحضرته على رجل من أهل العلم ، وقال ابن أبي حاتم ، عن شعبة : كان أبو الزبير لا يحسن يصلي . وقال الحاكم أيضا : قال ابن المديني : سمعت عبد الرزاق ، عن أبيه قال : شيخان ضعفهما الناس للحاجة إلى الناس : أبو الزبير ، ومحمد بن عباد بن جعفر ، ولسنا نرضى لأبي الزبير بهذا القول ، فإنه في الصدق والإتقان فوق محمد بدرجات .
باب الصلاة على الميت في المسجد وفي المصلى
مسلم : حدثني محمد بن حاتم ، ثنا بهز ، ثنا وهيب ، ثنا موسى بن عقبة ، عن عبد الواحد ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، يحدث عن عائشة " أنها لما توفي سعد بن أبي وقاص - رحمة الله عليه - أرسل أزواج النبي - ﷺ - أن يمروا بجنازته في المسجد ، فيصلين عليه ، ففعلوا ، فوقف به على حجرهن يصلين عليه ، أخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد ، فبلغهن أن الناس عابوا ذلك ، وقالوا : ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد . فبلغ ذلك عائشة - رحمة الله عليها - فقالت : ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به ! عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد ، وما صلى رسول الله - ﷺ - على سهيل بن بيضاء إلا في جوف المسجد " .
البخاري : حدثنا يحيى بن بكير ، ثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة ، أنهما حدثاه ، عن أبي هريرة قال : " نعى لنا رسول الله - ﷺ - النجاشي صاحب الحبشة اليوم الذي مات فيه فقال : استغفروا لصاحبكم " .
وعن ابن شهاب : حدثني سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة قال : " إن النبي - ﷺ - صف بهم في المصلى فكبر عليه أربعا " .
باب الصلاة على الميت بعدما يدفن
مسلم : حدثني أبو الربيع الزهراني ، وأبو كامل فضيل بن حسين - واللفظ لأبي كامل - قالا : ثنا حماد - وهو ابن زيد - عن ثابت البناني ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة " أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد - أو شابا - ففقدها رسول الله - ﷺ - فسأل عنها - أو عنه - فقالوا : مات . قال : أفلا كنتم آذنتموني ؟ قال : وكأنهم صغروا أمرها - أو أمره - فقال : دلوني على قبره . فدلوه ، فصلى عليها ، ثم قال : إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهله ، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم " .
البزار : حدثنا أحمد بن عبدة ، ثنا حماد بن زيد بهذا الإسناد : " كانت امرأة سوداء تقم المسجد ، ففقدها النبي - ﷺ - ، فسأل عنها فقالوا : ماتت . فأتى قبرها فصلى عليها " .
مسلم : حدثنا حسن بن الربيع ، ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا : ثنا عبد الله بن إدريس ، عن الشيباني ، عن الشعبي " أن رسول الله - ﷺ - صلى على قبر بعدما دفن فكبر عليه أربعا " .
قال الشيباني : فقلت للشعبي : من حدثك ؟ قال : الثقة ابن عباس - هذا لفظ حديث حسن - وفي رواية ابن نمير قال : " : انتهى رسول الله - ﷺ - إلى قبر رطب فصلى عليه ، وصفوا خلفه ، وكبر أربعا " قلت لعامر : من حدثك ؟ قال : الثقة من شهده : ابن عباس .
باب الصلاة على الميت ببلد آخر وبعد سنين
مسلم : حدثنا محمد بن حاتم ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - ﷺ - : " مات اليوم عبد لله صالح أصحمة - وهو اسم النجاشي - فقام فأمنا وصلى عليه " .
مسلم : حدثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا ليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر " أن رسول الله - ﷺ - خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ، ثم انصرف إلى المنبر فقال : إني فرط لكم ، وأنا شهيد عليكم . فإني والله لأنظر إلى حوضي الآن ، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض - أو مفاتيح الأرض - وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا ، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها " .
أبو داود : حدثنا الحسن بن علي ، ثنا يحيى بن آدم ، ثنا ابن المبارك ، عن حيوة بن شريح ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر " أن رسول الله - ﷺ - صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات " .
باب ذكر الأوقات التي لا تجوز الصلاة فيها على الميت ولا يجوز أن يقبر فيها
النسائي : أخبرنا سويد بن نصر ، ثنا عبد الله ، عن موسى بن علي بن رباح ، سمعت أبي يقول : سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول : " ثلاث ساعات كان رسول الله - ﷺ - نهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل ، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب " .
باب ما جاء فيمن صلى عليه مائة من المسلمين
مسلم : حدثنا الحسن بن عيسى ، ثنا ابن المبارك ، أنا سلام بن أبي مطيع ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن عبد الله بن يزيد - رضيع عائشة - عن عائشة ، عن النبي - ﷺ - قال : " ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه " .
قال : فحدثت به شعيب بن الحبحاب ، فقال : حدثني به أنس بن مالك ، عن النبي - ﷺ - .
باب ما جاء فيمن صلى عليه أربعون رجلا
مسلم : حدثنا هارون بن معروف ، وهارون بن سعيد ، والوليد بن شجاع ، قال الوليد : حدثني ، وقال الآخران : ثنا ابن وهب ، أخبرني أبو صخر ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن كريب مولى ابن عباس ، عن عبد الله بن عباس " أنه مات ابن له بقديد أو بعسفان ، فقال : يا كريب ، انظر ما اجتمع له من الناس . قال : فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له ، فأخبرته فقال : تقول : هم أربعون ؟ قال : نعم . قال : أخرجوه فإني سمعت رسول الله - ﷺ - يقول : ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه " .
وفي رواية ابن معروف : عن شريك بن أبي نمر ، عن كريب ، عن ابن عباس .
باب ما جاء فيمن صفت عليه ثلاثة صفوف
الترمذي : حدثنا أبو كريب ، ثنا عبد الله بن المبارك ، ويونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد بن عبد الله اليزني قال : " كان مالك بن هبيرة إذا صلى على جنازة ، فتقال الناس عليها جزأهم ثلاثة أجزاء ، ثم قال : قال رسول الله - ﷺ - : من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب " .
قال أبو عيسى : حديث ابن هبيرة حديث حسن ، هكذا روى غير واحد ، عن محمد بن إسحاق ، وروى إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق هذا الحديث ، وأدخل بين مرثد ومالك رجلا ، ورواية هؤلاء أصح عندنا .
باب أين يقوم من المرأة والرجل في الصلاة عليهما
مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى ، أنا عبد الوارث بن سعيد ، عن حسين بن ذكوان قال : حدثني عبد الله بن بريدة ، عن سمرة بن جندب قال : " صليت خلف رسول الله - ﷺ - على أم كعب ، ماتت وهي نفساء ، فقام - ﷺ - للصلاة عليها وسطها " .
أبو داود : حدثنا داود بن معاذ ، ثنا عبد الوارث ، عن نافع أبي غالب قال : " كنت في المربد ، فمرت جنازة معها ناس كثير ، قالوا : جنازة عبد الله بن عمير ، فتبعتها فإذا أنا برجل عليه كساء رقيق على بريذينة ، على رأسه خرقة تقيه من الشمس ، فقلت : من هذا الدهقان ؟ قالوا : هذا أنس بن مالك ، فلما وضعت الجنازة قام أنس فصلى عليها ، وأنا خلفه لا يحول بيني وبينه شيء ، فقام عند رأسه فكبر أربع تكبيرات لم يطل ، ولم يسرع ، ثم ذهب يقعد ، قالوا : يا أبا حمزة ، المرأة الأنصارية . فقربوها ومعها نعش أخضر ، فقام عند عجيزتها فصلى عليها نحو صلاته على الرجل ، ثم جلس ، فقال العلاء بن زياد : يا أبا حمزة ، وهكذا كان رسول الله - ﷺ - يصلي على الجنائز كصلاتك ، يكبر عليها أربعا ، ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة ؟ قال : نعم . قال : يا أبا حمزة ، غزوت مع رسول الله - ﷺ - ؟ قال : نعم ، غزوت معه حنينا ، فخرج المشركون فحملوا علينا حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا ، وفي القوم رجل يحمل علينا فيدقنا ، ويحطمنا ، فهزمهم الله - عز وجل - وجعل يجاء بهم فيبايعونه على الإسلام ، فقال رجل من أصحاب رسول الله - ﷺ - : إن علي نذرا إن جاء الله - عز وجل - بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه . وسكت رسول الله - ﷺ - ، فجيء بالرجل ، فلما رأى رسول الله قال : يا رسول الله ، تبت إلى الله . فأمسك رسول الله عنه لا يبايعه ليفي الرجل بنذره ، قال : فجعل الرجل يتصدى لرسول الله - ﷺ - ليأمره بقتله ، وجعل يهاب رسول الله أن يقتله ، فلما رأى رسول الله - ﷺ - أنه لا يصنع شيئا بايعه ، فقال الرجل : يا رسول الله ، نذري . فقال : إني لم أمسك عنه منذ اليوم إلا لتوفي بنذرك . قال : يا رسول الله ، ألا أموضت إلي ، فقال رسول الله - ﷺ - : إنه ليس لنبي أن يومض " . قال أبو غالب : فسألت عن صنيع أنس عن قيامه على المرأة عند عجيزتها ، فحدثوني أنه إنما كان ؛ لأنه لم تكن النعوش فكان يقوم الإمام حيال عجيزتها يسترها من القوم .
قال أبو داود : قول النبي - ﷺ - : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله " نسخ من هذا الحديث الوفاء بالنذر في قتله ، بقوله : " إني قد تبت " .
باب إذا اجتمع جنائز نساء ورجال كان الرجل مما يلي الإمام
النسائي : أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد ، ثنا أبي ، ثنا سعيد ، حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عمار قال : " شهدت جنازة امرأة وصبي فقدم الصبي مما يلي القوم ، ووضعت المرأة وراءه ، فصلي عليهما ، وفي القوم أبو سعيد الخدري ، وابن عباس ، وأبو قتادة ، وأبو هريرة ، فسألتهم عن ذلك فقالوا : السنة " .
عمار هذا الذي روى عنه عطاء هو مولى بني هاشم ثقة مشهور .
باب دفن الاثنين والثلاثة في القبر للضرورة
النسائي : أخبرنا محمد بن بشار ، ثنا إسحاق بن يوسف ، ثنا سفيان ، عن أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن هشام بن عامر قال : " شكونا إلى رسول الله - ﷺ - يوم أحد ، فقلنا : يا رسول الله ، الحفر علينا لكل إنسان شديد . فقال رسول الله : احفروا وأعمقوا ، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد ، فقالوا : من نقدم يا رسول الله ؟ قال : قدموا أكثرهم قرآنا . قال : فكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد " .
النسائي : أخبرنا محمد بن المبارك ، ثنا وكيع ، عن سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال ، عن هشام بن عامر قال : " لما كان يوم أحد أصاب الناس جهد شديد ، فقال النبي - ﷺ - : احفروا وأوسعوا ، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر . قالوا : يا رسول الله ، فمن نقدم ؟ قال : قدموا أكثرهم قرآنا " .
قال : أخبرنا إبراهيم بن يعقوب ، ثنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن حميد بإسناده ومعناه ، وقال : " احفروا وأوسعوا وأحسنوا " .
باب من يقدم في اللحد
الترمذي : حدثنا قتيبة ، ثنا الليث ، عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، أن جابر بن عبد الله أخبره " أن النبي - ﷺ - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في الثوب الواحد ، ثم يقول : أيهما أكثر أخذا للقرآن ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما ؛ قدمه في اللحد ، وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة . وأمر بدفنهم في ثيابهم ، ولم يصل عليهم ، ولم يغسلوا " .
قال أبو عيسى : حديث جابر حديث حسن صحيح .
النسائي : أخبرنا محمد بن منصور ، أنا سفيان ، ثنا أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن هشام بن عامر قال : " قتل أبي يوم أحد ، فقال النبي - ﷺ - : احفروا ، وأوسعوا ، وأحسنوا ، وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر ، وقدموا أكثرهم قرآنا ، وكان أبي ثالث ثلاثة ، وكان أكثرهم قرآنا فقدموه " .
باب في اللحد
مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى ، أنا عبد الله بن جعفر المسوري ، عن إسماعيل بن محمد ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص " أن سعدا قال في مرضه الذي هلك فيه : الحدوا لي لحدا ، وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله - ﷺ - " .
أبو داود : حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، ثنا حكام بن سلم ، عن علي بن عبد الأعلى ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - ﷺ - : " اللحد لنا ، والشق لغيرنا " .
النسائي : أخبرنا عبد الله بن محمد ، عن حكام بإسناده مثله سواء .
باب الثوب يجعل تحت الميت في القبر
مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى ، أنا وكيع .
وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا غندر ، ووكيع ، جميعا عن شعبة .
وثنا محمد بن مثنى - واللفظ له - ثنا يحيى بن سعيد ، ثنا شعبة ، ثنا أبو جمرة - هو نصر بن عمران الضبعي - عن ابن عباس قال : " جعل في قبر رسول الله - ﷺ - قطيفة حمراء " .
باب ما يقال عند وضع الميت في قبره
النسائي : أخبرنا أبو داود ، ثنا سعيد بن عامر ، عن همام ، عن قتادة ، عن أبي الصديق ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله - ﷺ - قال : " إذا وضعتم موتاكم في القبر فقولوا : بسم الله ، وعلى سنة رسول الله - ﷺ - " .
أوقفه شعبة ، عن قتادة .
وأبو الصديق اسمه بكر بن عمرو الناجي .
باب من ينزل في القبر
البخاري : حدثنا محمد بن سنان ، ثنا فليح ، ثنا هلال بن علي ، عن أنس قال : " شهدنا بنت رسول الله - ﷺ - ورسول الله جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان ، فقال : هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة ؟ فقال أبو طلحة : أنا . قال : فانزل في قبرها " .
قال ابن المبارك : قال فليح : أراه يعني الذنب وقال أبو عبد الله : {ليقترفوا} أي ليكتسبوا .
الطحاوي : حدثنا محمد بن علي بن داود ، ثنا عبيد الله بن محمد بن أبي عائشة التيمي ، ثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال : " ماتت إحدى بنات رسول الله - ﷺ - ، فقال رسول الله - ﷺ - : لا يدخل القبر أحد قارف أهله الليلة ، فلم يدخل زوجها " .
قال أبو جعفر الطحاوي : وابنة رسول الله - ﷺ - هذه هي أم كلثوم ، كانت وفاتها في سنة تسع من الهجرة .
وقد روى الطحاوي أيضا هذا الحديث : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن العقدي أبي عامر ، عن فليح ، عن هلال ، عن أنس مثل حديث البخاري إلا أنه قال : " لم يقارف أهله الليلة " .
باب النهي عن الدفن بالليل
النسائي : أخبرنا عبد الرحمن بن خالد الرقي ، ويوسف بن سعيد - واللفظ له - قالا : ثنا حجاج - هو ابن محمد الأعور - عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابرا يقول : " خطب رسول الله - ﷺ - فذكر رجلا من أصحابه مات ، فقبر ليلا ، وكفن في كفن غير طائل ، فزجر رسول الله - ﷺ - أن يقبر إنسان ليلا إلا أن يضطر إلى ذلك ، وقال رسول الله - ﷺ - : إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه " .
أبو داود : حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع ، ثنا أبو نعيم ، عن محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار قال : أخبرني جابر بن عبد الله - أو قال : سمعت جابر بن عبد الله - قال : " رأى ناس نارا في المقبرة ، فأتوها ، فإذا رسول الله في القبر ، وإذا هو يقول : ناولوني صاحبكم ، فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر " .
محمد بن مسلم هو الطائفي ، وثقه يحيى بن معين ، وضعفه أحمد بن حنبل .
باب إخراج الميت من القبر للعلة
البخاري : حدثنا مالك بن إسماعيل ، ثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار سمع جابرا " أتى النبي - ﷺ - عبد الله بن أبي بعدما دفن ، فأخرجه فنفث فيه من ريقه ، وألبسه قميصه " .
باب دفن القتلى في مصارعهم
النسائي : أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ، ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأسود بن قيس ، عن نبيح ، عن جابر ، أن النبي - ﷺ - قال : " ادفنوا القتلى في مصارهم " .
النسائي : أخبرنا محمد بن منصور ، ثنا سفيان ، ثنا الأسود بهذا الإسناد " أن النبي - ﷺ - أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم ، وكانوا قد نقلوا إلى المدينة " .
روى أبو عيسى هذا الحديث ، وقال : حديث حسن صحيح ، ونبيح ثقة .
ونبيح هو ابن عبد الله أبو عمرو العنزي ، روى عن : أبي سعيد الخدري ، وجابر ، وابن عمر ، قال أبو زرعة : نبيح العنزي ثقة ، لم يرو عنه إلا الأسود ابن قيس .
باب ما جاء في تسوية القبور
مسلم : حدثني أبو الطاهر ، ثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، أن أبا علي الهمداني حدثه قال : " كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا ، فأمر فضالة بقبره فسوي ، ثم قال : سمعت رسول الله - ﷺ - يأمر بتسويتها " .
مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى ، أنا وكيع ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي وائل ، عن أبي الهياج الأسدي قال قال لي علي بن أبي طالب : " ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - ﷺ - : ألا تدع تمثالا إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته " .
البخاري : حدثني محمد ، أنا عبد الله ، أنا أبو بكر بن عياش ، عن سفيان التمار أنه حدثه " أنه رأى قبر النبي - ﷺ - مسنما " .
أبو داود : حدثنا أحمد بن صالح ، ثنا ابن أبي فديك ، أخبرني عمر ابن عثمان بن هانئ ، عن القاسم قال : " دخلت على عائشة فقلت : يا أمه ، اكشفي لي عن قبر رسول الله - ﷺ - وصاحبيه ، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ، ولا لاطئة ، مبطوحة ببطحاء العرضة الحمراء " .
ابن أيمن : حدثنا محمد بن وضاح ، ثنا يعقوب بن كعب ، ثنا ابن أبي فديك بهذا الإسناد وزاد " فرأيت رسول الله - ﷺ - مقدما ، وأبو بكر عند رأسه ، ورجلاه بين كتفي رسول الله - ﷺ - ، ورأيت عمر عند رجلي أبي بكر " .
حدثنيه القرشي : ثنا شريح ، ثنا أبو محمد ، ثنا حمام ، ثنا عباس بن أصبغ ، ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن فذكره .
باب الجريدة على القبر
البخاري : ثنا يحيى ، ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : " مر النبي - ﷺ - بقبرين يعذبان ، فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما : فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر : فكان يمشي بالنميمة . ثم أخذ جريدة رطبة فشقها بنصفين ، ثم غرز في كل قبر واحدة ، فقالوا : يا رسول الله ، لم صنعت هذا ؟ فقال : لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا " .
باب النهي عن الذبح على القبر
أبو داود : حدثنا يحيى بن موسى البلخي ، ثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله - ﷺ - : " لا عقر في الإسلام " .
قال عبد الرزاق : كانوا يعقرون عند القبر - يعني ببقرة أو شيء .
باب التفريق بين قبور المسلمين والمشركين
النسائي : أخبرنا محمد بن عبد الله ، ثنا وكيع ، عن الأسود بن شيبان - وكان ثقة - عن خالد بن سمير ، عن بشير بن نهيك ، عن بشير بن الخصاصية قال : " كنت أمشي مع رسول الله - ﷺ - فمر على قبور المسلمين ، فقال : لقد سبق هؤلاء شرا كثيرا ، ثم مر على قبور المشركين ، فقال : لقد سبق هؤلاء خيرا كثيرا ، فحانت منه التفاتة ، فرأى رجلا يمشي بين القبور في نعليه ، فقال : يا صاحب السبتيتين ، ألقهما " .
باب النهي أن يجلس على القبور أو يصلي إليها أو يبني عليها
مسلم : حدثني زهير بن حرب ، حدثنا جرير ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - : " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر " .
النسائي : أخبرنا يوسف بن سعيد ، ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : " نهى رسول الله - ﷺ - عن تقصيص القبور ، أو يبنى عليها ، أو يجلس عليها أحد " .
رواه مسلم من حديث أبي الزبير ، عن جابر ، ولم يذكر السماع ، وحديث النسائي أحسن .
مسلم : حدثنا حسن بن الربيع البجلي ، ثنا ابن المبارك ، عن عبد الرحمن ابن يزيد ، عن بسر بن عبيد الله ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن واثلة بن الأسقع ، عن أبي مرثد الغنوي قال : سمعت رسول الله - ﷺ - يقول : " لا تصلوا إلى القبور ، ولا تجلسوا عليها " .
باب ما جاء في اتخاذ المساجد على القبور
النسائي : أخبرنا عمرو بن علي ، ثنا خالد بن الحارث ، ثنا شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، عن النبي - ﷺ - قال : " لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " .
البخاري : حدثنا إسماعيل ، حدثني مالك ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : " لما اشتكى النبي - ﷺ - ذكر بعض نسائه كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها مارية ، وكانت أم سلمة ، وأم حبيبة أتتا أرض الحبشة فذكرتا من حسنها ، وتصاوير فيها ، فرفع رأسه ، فقال : أولئك إذا مات منهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ثم صوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله " .
باب مواراة الكافر
مسلم : حدثنا هداب بن خالد ، ثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك " أن رسول الله - ﷺ - ترك قتلى بدر ثلاثا ثم أتاهم ، فقام عليهم فناداهم فقال : يا أبا جهل بن هشام ، يا أمية بن خلف ، يا عتبة بن ربيعة ، يا شيبة بن ربيعة ، أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا . فسمع عمر قول النبي - ﷺ - ، فقال : يا رسول الله ، كيف يسمعون ، أو أني يجيبون ، وقد جيفوا ؟ قال : والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا ، ثم أمرهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر " .
أبو داود : أخبرنا عبيد الله بن سعيد ، ثنا يحيى ، عن سفيان ، حدثني أبو إسحاق ، عن ناجية بن كعب ، عن علي قال : " قلت للنبي - ﷺ - : إن عمك الشيخ الضال مات فمن يواريه ؟ قال : اذهب فوار أباك ، ولا تحدثن حدثا حتى تأتيني . فواريته ، ثم جئته ، فأمرني فاغتسلت ، ودعا لي ، وذكر لي دعاء لم أحفظه " .
ناجية بن كعب صالح الحديث ، قاله يحيى بن معين ، وقال أبو حاتم : ناجية بن كعب : شيخ .
باب القيام للجنازة ونسخ ذلك
مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وعمرو الناقد ، وزهير بن حرب ، وابن نمير ، قالوا : ثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن عامر بن ربيعة قال : قال رسول الله - ﷺ - : " إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم ، أو توضع " .
مسلم : حدثنا قتيبة ، ثنا ليث .
وثنا ابن رمح ، أنا الليث ، عن نافع عن ابن عمر ، عن عامر بن ربيعة ، عن النبي - ﷺ - قال : " إذا رأى أحدكم الجنازة فإن لم يكن ماشيا معها فليقم حتى تخلفه أو توضع من قبل أن تخلفه " .
مسلم : حدثني سريج بن يونس ، وعلي بن حجر ، قالا : ثنا إسماعيل - وهو ابن علية - عن هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبيد الله بن مقسم ، عن جابر بن عبد الله قال : " مرت جنازة فقام لها رسول الله - ﷺ - ، وقمنا معه ، فقلنا : يا رسول الله ، إنها يهودية . فقال : إن الموت فزع ، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا " .
مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا غندر ، عن شعبة .
وثنا محمد بن مثنى وابن بشار قالا : ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن ابن أبي ليلى " أن قيس بن سعد ، وسهل بن حنيف كانا بالقادسية فمرت بهما جنازة ، فقاما فقيل لهما : إنها من أهل الأرض . فقالا : إن رسول الله - ﷺ - مرت به جنازة ، فقام فقيل : إنه يهودي . فقال : أليست نفسا " .
النسائي : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أنا النضر ، أنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن أنس " أن جنازة مرت برسول الله - ﷺ - فقام ، فقيل : إنها جنازة يهودي . فقال : إنما قمنا للملائكة " .
مسلم : حدثنا قتيبة بن سعيد ، أنا الليث .
وثنا محمد بن رمح - واللفظ له - ثنا الليث ، عن يحيى بن سعيد ، عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ أنه قال : " رآنى نافع بن جبير ونحن في جنازة قائما ، وقد جلس ينتظر أن توضع ، فقال لي : ما يقيمك ؟ قلت : أنتظر أن توضع لما يحدث أبو سعيد الخدري . فقال نافع : فإن مسعود بن الحكم حدثني ، عن علي بن أبي طالب أنه قال : قام رسول الله - ﷺ - ثم قعد " .
باب ما جاء في المشي بين القبور في النعال
أبو داود : حدثنا سهل بن بكار ، ثنا الأسود بن شيبان ، عن خالد بن سمير السدوسي ، عن بشير بن نهيك " عن بشير مولى رسول الله - ﷺ - وكان اسمه في الجاهلية : زحم بن معبد ، فهاجر إلى رسول الله - ﷺ - ، فقال : ما أسمك ؟ قال : زحم . قال : بل أنت بشير - قال : بينا أماشي رسول الله - ﷺ - مر بقبور المشركين ، فقال : لقد سبق هؤلاء خيرا كثيرا - ثلاثا - ثم مر بقبور المسلمين ، فقال : لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا . ثم حانت من رسول الله - ﷺ - نظرة ، فإذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان ، فقال : يا صاحب السبتيتين ، ويحك ! ألق سبتيتيك . فنظر الرجل ، فلما عرف رسول الله - ﷺ - خلعهما ، فرمى بهما " .
ابن أيمن : حدثنا محمد بن سليمان البصري ، ثنا سليمان بن حرب ، ثنا الأسود بن شيبان بهذا الإسناد ، عن بشير مولى رسول الله - ﷺ - قال : " بينما أنا أمشي بين المقابر وعلي نعلان إذ ناداني رسول الله - ﷺ - : يا صاحب السبتيتين ، إذا كنت في مثل هذا المكان فاخلع نعليك . قال : فخلعتهما " .
حدثني القرشي : ثنا شريح ، ثنا علي ، ثنا حمام ، ثنا عباس ، ثنا ابن أيمن فذكره .
باب زيارة القبور والصلاة على أهلها والتسليم عليهم
مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا محمد بن فضيل ، عن أبي سنان ، عن محارب بن دثار ، عن ابن يريدة - هو عبد الله - عن أبيه قال : قال رسول الله - ﷺ - : " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث ، فأمسكوا ما بدا لكم ، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء ، فاشربوا في الأسقية كلها ، ولا تشربوا مسكرا " .
النسائي : أخبرنا عمرو بن منصور ، ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، ثنا زهير .
وأخبرني محمد بن معدان ، ثنا الحسن بن أعين ، ثنا زهير ، ثنا زبيد ، عن محارب بن دثار ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله - ﷺ - : " إني كنت نهيتكم عن ثلاث : عن زيارة القبور فزوروها ، ولتزدكم زيارتها خيرا ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ، فكلوا منها ، وأمسكوا ما شئتم ، ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية ، فاشربوا في أي وعاء شئتم ، ولا تشربوا مسكرا " . لم يذكر محمد : " وأمسكوا ما شئتم " .
قال : وأخبرني محمد بن قدامة بن قدامة ، ثنا جرير ، عن أبي فروة ، عن المغيرة ابن سبيع ، حدثني عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، عن النبي - ﷺ - في هذا الحديث : " نهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور قبرا فليزره ، ولا تقولوا هجرا " .
مسلم " : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وزهير بن حرب ، قالا : ثنا محمد ابن عبيد ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : " زار النبي - ﷺ - قبر أمه فبكى ، وأبكى من حوله ، فقال النبي - ﷺ - : استأذنت ربي في أن أستغفر لها ، فلم يؤذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فاذن لي ، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت " .
مالك : عن علقمة بن أبي علقمة ، عن أمه أنها قالت : سمعت عائشة تقول : " قام رسول الله - ﷺ - ذات ليلة فلبس ثيابه ثم خرج ، قالت : فأمرت جاريتي بريرة تتبعه ، فتبعته حتى جاء البقيع ، فوقف في أدناه ما شاء الله أن يقف ، ثم انصرف ، فسبقته بريرة فأخبرتني ، فلم أذكر له شيئا حتى أصبح ، ثم ذكرت ذلك له ، فقال : إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم " .
وروى أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار قال : ثنا أبو عبد الله عبيد بن محمد - رحمه الله - قراءة مني عليه ، قال : أملت علينا فاطمة بنت الريان المخزومي المستملي - في دارها بمصر في شوال سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة - قالت : ثنا الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي ، ثنا بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - ﷺ - : " ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام " .
باب ما يقول إذا مر على القبور
مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وزهير بن حرب ، قالا : ثنا محمد ابن عبد الله ، عن سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه قال : " كان رسول الله - ﷺ - يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر ، فكان قائلهم يقول - في رواية أبي بكر - : السلام على أهل الديار - وفي رواية زهير - : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين ، والمسلمين والمسلمات ، وإنا إن شاء الله للاحقون ، أسأل الله لنا ولكم العافية " .
النسائي : أخبرنا عبيد الله بن سعيد ، ثنا حرمي بن عمارة ، ثنا شعبة ، عن علقمة بهذا الإسناد " أن رسول الله - ﷺ - كان إذا أتى على المقابر قال : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين ، والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، أنتم لنا فرط ، ونحن لكم تبع ، أسأل الله العافية لنا ولكم " .
النسائي : أخبرنا يوسف بن سعيد ، ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، أخبرني عبد الله بن أبي مليكة ، أنه سمع محمد بن قيس بن مخرمة يقول : سمعت عائشة قالت : " كيف أقول يا رسول الله ؟ قال : قولي : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين والمستأخرين ، وإنا إن شاء الله للاحقون " .
مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ، ويحيى بن أيوب ، وقتيبة بن سعيد ، قال يحيى بن يحيى : أنا ، وقال الآخران : ثنا إسماعيل - وهو ابن جعفر - عن شريك - وهو ابن أبي نمر - عن عطاء بن يسار ، عن عائشة أنها قالت : " كان رسول الله - ﷺ - كلما كان ليلتها من رسول الله - ﷺ - يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون غدا ، مؤجلون ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد " . ولم يقل قتيبة : " وأتاكم " .
باب ما جاء في موت المؤمن والفاجر
مسلم : حدثنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه ، عن محمد بن عمرو بن حلحلة ، عن معبد بن كعب بن مالك ، عن أبي قتادة بن ربعي أنه كان يحدث " أن رسول الله - ﷺ - مر عليه بجنازة ، فقال : مستريح ، ومستراح منه قالوا : يا رسول الله - ﷺ - ، ما المستريح والمستراح منه ؟ فقال : العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا ، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب " .
مسلم : حدثنا محمد بن مثنى ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن عبد الله بن سعيد ابن أبي هند ، عن محمد بن عمرو ، عن ابن لكعب بن مالك ، عن أبي قتادة ، عن النبي - ﷺ - ، وفي حديث يحيى بن سعيد : " يستريح من أذى الدنيا ونصبها إلى رحمة الله - عز وجل " .
باب الثناء الصالح أو السيىء على الميت
مسلم : حدثنا يحيى بن أيوب ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وزهير ابن حرب وعلي بن حجر السعدي ، كلهم عن ابن علية - واللفظ ليحيى - ثنا ابن عليه ، أنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك قال : " مر بجنازة فأثني عليها خير ، فقال نبي الله - ﷺ - : وجبت ، وجبت ، وجبت . ومر بجنازة فأثني عليها شر ، فقال نبي الله - ﷺ - : وجبت ، وجبت ، وجبت . قال عمر : فداك أبي وأمي ، مر بجنازة ، فأثني عليها خير فقلت : وجبت ، وجبت ، وجبت . ومر بجنازة فأثني عليها شر ، فقلت : وجبت ، وجبت ، وجبت ؟ فقال رسول الله - ﷺ - : من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار ، أنتم شهداء الله في الأرض ، أنتم شهداء الله في الأرض ، أنتم شهداء الله في الأرض " .
النسائي : أخبرنا محمد بن بشار ، ثنا هشام بن عبد الملك ، ثنا شعبة ، سمعت إبراهيم بن عامر - وجده أمية بن خلف - قال : سمعت عامر بن سعد ، عن أبي هريرة قال : " مروا بجنازة على النبي - ﷺ - ... . " فذكر معناه ، وفيه : " قال النبي - ﷺ - : الملائكة شهداء الله في السماء ، وأنتم شهداء الله في الأرض " .
النسائي : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أنا هشام بن عبد الملك ، وعبد الله ابن يزيد ، قالا : ثنا داود بن أبي الفرات ، ثنا عبد الله بن بريدة ، عن أبي الأسود الديلي قال : " أتيت المدينة فجلست إلى عمر بن الخطاب فمرت جنازة فأثني على صاحبها خير ، فقال عمر : وجبت . ثم مر بأخرى ، فأثنى على صاحبها خير ، فقال عمر : وجبت . ثم مر بالثالث فأثنى على صاحبها شر ، فقال عمر : وجبت . فقال : ما وجبت يا أمير المؤمنين ؟ قال : قلت كما قال رسول الله - ﷺ - ، أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة . قلنا : أو ثلاثة ؟ قال : أو ثلاثة . قلنا : أو اثنان ؟ قال : أو اثنان " .
باب النهي عن سب الأموات
البخاري : حدثنا علي بن الجعد ، أنا شعبة ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن عائشة قالت : قال النبي - ﷺ - : " لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا " .
الترمذي : حدثنا محمود بن غيلان ، ثنا أبو داود الحفري ، عن سفيان ، عن زياد بن علاقة قال : سمعت المغيرة بن شعبة يقول : قال رسول الله - ﷺ - : " لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء " .
قال : رواه بعضهم ، عن زياد ، عن رجل ، عن المغيرة .
الترمذي : حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا محمد بن يوسف ، ثنا سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قال رسول الله - ﷺ - : " خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ، وإذا مات صاحبكم فدعوه " .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب من حديث الثوري ، ما أقل من رواه عن الثوري .
أبو داود الطيالسي : ثنا إياس بن أبي تميمة ، عن عطاء ، عن عائشة قالت : إن رسول الله - ﷺ - قال : " لا تذكروا موتاكم إلا بخير " .
إياس هو ابن دغفل ثقة مشهور .
وروى أبو داود من طريق عمران بن أنس المكي ، عن عطاء ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - ﷺ - : " اذكروا محاسن موتاكم ، وكفوا عن مساوئهم " .
وعمران بن أنس منكر الحديث ، قاله البخاري - رحمه الله .
باب النهي أن يمثل بالموتى
البخاري : حدثنا آدم بن أبي إياس ، ثنا شعبة ، عن عدي بن ثابت ، سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري - وهو جده أبو أمه - قال : " نهى النبي - ﷺ - عن النهبي والمثلة " .
أبو داود : حدثنا القعنبي ، ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن سعد بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة ، أن رسول الله - ﷺ - قال : " كسر عظم الميت ككسره حيا " .
ورواه زهير بن محمد ، عن إسماعيل بن أبي حكيم ، عن القاسم بن محمد بن الحسين بن أبي الحسين الكوفي ، عن أبي حذيفة ، عن زهير بن محمد ذكر ذلك أبو عمر في التمهيد .
باب لعن الذي ينبش القبور
الطحاوي : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، ثنا يحيى بن صالح الوحاظي ، ثنا مالك ، عن أبي الرجال ، عن عمرة ، عن عائشة قالت : " لعن رسول الله - ﷺ - المختفي والمختفية " .
رواه أبو عمر بن عبد البر في التمهيد ، عن أحمد بن عبد الله بن محمد ، عن ميمون بن حمزة ، عن الطحاوي .
ورواه أيضا عن خلف بن قاسم ، عن أبي عبد الله محمد بن أحمد ابن يحيى ، عن هشام بن إسحاق ، عن جعفر بن محمد القلانسي ، عن عبد الله ابن عبد الوهاب ، عن مالك بإسناد الطحاوي .
قال أبو عمر : لا أعلم خلافا بين أهل العلم أن المقصود باللعن في هذا الحديث هو النباش الذي يحفر على الميت فيجرده من ثيابه .
باب ثواب من مات له ولد
مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - ﷺ - قال : " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم " .
وحدثنا : زهير بن حرب ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري بإسناد مالك وحديثه إلا أن فيه : " فيلح النار إلا تحلة القسم " .
مسلم : حدثنا أبو كامل ، ثنا أبو عوانة ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن أبي صالح ذكوان ، عن أبي سعيد الخدري : قال : " جاءت امرأة إلى النبي - ﷺ - فقالت : يا رسول الله ، ذهب الرجال بحديثك ، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله . قال : اجتمعن يوم كذا وكذا . فاجتمعن ، فأتاهن رسول الله - ﷺ - فعلمهن مما علمه الله ، ثم قال : ما منكن من امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة إلا كانوا لها حجابا من النار ، فقالت امرأة : واثنين ، واثنين ، واثنين ؟ فقال رسول الله - ﷺ - : واثنين ، واثنين ، واثنين " .
مسلم : حدثنا محمد بن المثنى ، وابن بشار قالا : ثنا محمد بن جعفر .
وثنا عبيد الله بن معاذ ، ثنا أبي قالا : ثنا شعبة ، عن عبد الرحمن في هذا الإسناد بمثل معناه ، وزادا جميعا عن شعبة ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني قال : سمعت أبا حازم ، يحدث عن أبي هريرة قال : " ثلاثة لم يبلغوا الحنث " .
مسلم : حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثني أبي ، عن جدي طلق ابن معاوية ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة قال : " أتت امرأة إلى النبي - ﷺ - فقالت : يا نبي الله ، ادع الله لي ، فلقد دفنت ثلاثة . فقال : دفنت ثلاثة ؟ قالت : نعم قال : لقد احتظرت بحظار شديد من النار " .
مسلم : حدثنا سويد بن سعيد ، ومحمد بن عبد الأعلى - وتقاربا في اللفظ - قالا : ثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن أبي السليل ، عن أبي حسان قال : قلت لأبي هريرة : " إنه قد مات لي ابنان ، فما أنت محدثي عن رسول الله - ﷺ - بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا ؟ قال : نعم ، صغارهم دعاميص الجنة ، يتلقى أحدهم أباه - أو قال : أبويه - فيأخذ بثوبه - أو قال : بيده - كما آخذ أنا بصنفة ثوبك ، فلا يتناهى - أو قال : فلا ينتهي - حتى يدخله الله وأبويه الجنة " .
وفي رواية سويد : ثنا أبو السليل .
النسائي : أخبرنا محمد بن إسماعيل ، وعبد الرحمن بن محمد قالا : ثنا إسحاق الأزرق ، عن عوف ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - ﷺ - قال : " ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث ، إلا أدخلهما الله بفضل رحمته إياهم الجنة ، قال : يقال لهم : ادخلوا الجنة . فيقولون : حتى يدخل أبوانا . فيقال : ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم " .
أبو بكر بن أبي شيبة : عن شبابة ، ثنا شعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن أبيه " أن رجلا كان يأتي النبي - ﷺ - ومعه ابن له ، فقال له النبي - ﷺ - : أتحبه ؟ فقال : أحبك الله كما أحبه . قال : ففقده النبي - ﷺ - ، فقال : ما فعل ابنك ؟ فقال : أما شعرت أنه توفي ؟ فقال النبي - ﷺ - : أما يسرك ألا تأتي بابا من أبواب الجنة ، فتستفتحه إلا جاء يسعى حتى يفتح لك . قال : فقيل له : يا رسول الله ، أله خاصة أم للناس عامة ؟ قال : لكم عامة " .
باب ثواب الصبر لمن مات له ولي
البخاري : ثنا قتيبة ، ثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو ، عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - ﷺ - قال : " يقول الله تعالى : ما لعبدي المؤمن جزاء عندي إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ، ثم احتسبه إلا الجنة " .
النسائي : أخبرنا سويد بن نصر ، أنا عبد الله ، أنا عمر بن سعيد بن أبي حسين ، أن عمرو بن شعيب كتب إلى عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين يعزيه بابن له هلك ، فذكر في كتابه أنه سمع أباه شعيب بن محمد ، يحدث عن جده عبد الله بنعمرو بن العاص قال : قال رسول الله - ﷺ - : " إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض فصبر واحتسب ، وقال ما أمره الله بثواب دون الجنة " .
شعيب بن محمد سمع جده عبد الله بن عمرو ، قاله البخاري .
باب من كان له فرطان من أمتي
الترمذي : حدثنا نصر بن علي ، وأبو الخطاب زياد بن يحيى البصري ، قالا : ثنا عبد ربه بن بارق الحنفي قال : سمعت جدي أبا أمي سماك بن الوليد ، أنه سمع ابن عباس ، يحدث أنه سمع رسول الله - ﷺ - يقول : " من كان له فرطان من أمتي أدخله الله بهما الجنة . فقالت عائشة : فمن كان له فرط من أمتك ؟ قال : ومن كان له فرط يا موفقه . قالت : فمن لم يكن له فرط من أمتك ؟ قال : فأنا فرط أمتي لن يصابوا بمثلي " .
قال أبو عيسى : هذا حديث غريب . انتهى كلام أبي عيسى .
عبد ربه ضعفه يحيى بن معين ، وقال أحمد بن حنبل : عبد ربه بن بارق ما به بأس . وأثنى عليه عمرو بن علي خيرا وروى عنه .
باب التعزية
أبو بكر بن أبي شيبة : عن خالد بن مخلد ، عن موسى بن يعقوب الزمعي ، حدثني أبو حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله - ﷺ - : " سيعزي الناس بعضهم بعضا من بعدي للتعزية بي ، وكان الناس يقولون : ما هذا ؟ فلما قبض رسول الله - ﷺ - لقي الناس بعضهم ، يعزي الناس بعضهم بعضا برسول الله - ﷺ - " .
باب ما يقال عند المصيبة
مسلم : حدثنا يحيى بن أيوب ، وقتيبة ، وابن حجر ، جميعا عن إسماعيل ابن جعفر - قال ابن أيوب : ثنا إسماعيل - أخبرني سعد بن سعيد ، عن عمر بن كثير بن أفلح ، عن ابن سفينة ، عن أم سلمة أنها قالت : سمعت رسول الله - ﷺ - يقول : " ما من مسلم تصيبه مصيبة ، فيقول ما أمره الله - عز وجل - : إنا لله ، وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي ، واخلفني خيرا منها . إلا أخلف الله له خيرا منها . قالت : فلما مات أبو سلمة ، قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ، أول بيت هاجر إلى رسول الله - ﷺ - ، ثم إني قلتها ، فأخلف الله لي رسول الله - ﷺ - ، فأرسل إلي رسول الله - ﷺ - حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له ، فقلت : إن لي بنتا ، وأنا غيور . فقال : أما ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها ، وأدعو الله أن يذهب بالغيرة " .
باب ذكر الموت وكراهيته وشدته
النسائي : أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك ، ثنا يزيد بن هارون ، ثنا محمد بن إبراهيم ، عن محمد بن عمرو ، وعن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - : " أكثروا ذكر هاذم اللذات : الموت " .
النسائي : أخبرنا عمرو بن منصور ، ثنا عبد الله بن يوسف ، ثنا الليث ، حدثني ابن الهاد ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : " مات رسول الله - ﷺ - بين حاقنتي وذاقنتي ، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعدما رأيت من رسول الله - ﷺ - " .
البخاري : حدثنا محمد بن عبيد بن ميمون ، ثنا عيسى بن يونس ، عن عمر بن سعيد ، أخبرني ابن أبي مليكة ، أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة أخبره ، أن عائشة كانت تقول : " إن رسول الله - ﷺ - كان بين يديه ركوة ، أو علبة فيها ماء - شك عمر - فجعل يدخل يده في الماء ، فيسمح بها وجهه ، ويقول : لا إله إلا الله ، إن للموت سكرات . ثم نصب يده فجعل يقول : في الرفيق الأعلى . حتى قبض ، ومالت يده " .
النسائي : أخبرنا سليمان بن داود ، أنا ابن وهب ، أخبرني الليث ، عن ابن الهاد ، عن موسى بن سرجس ، عن القاسم ، عن عائشة قالت : " رأيت رسول الله - ﷺ - وهو يموت ، وعنده قدح فيه ماء يدخل يده في القدح ، ويمسح وجهه بالماء ، ثم يقول : اللهم أعني على سكرات الموت " .
البزار : حدثنا عباس بن أبي طالب ، ثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا الربيع ابن مسلم ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة أن النبي - ﷺ - قال : " قال الله - تبارك وتعالى - للنفس : اخرجي . قالت : لا أخرج إلا كارهة . قال : اخرجي وإن كرهت " .
تفرد به الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، والربيع ثقة مأمون .
أبو بكر بن أبي شيبة : ثنا وكيع ، عن الربيع بن سعد ، عن ابن سابط ، عن جابر قال : قال رسول الله - ﷺ - : " تحدثوا عن بني إسرائيل ، فإنه كانت فيهم أعاجيب . ثم أنشأ يحدث قال : خرجت طائفة منهم فأتوا مقبرة من مقابرهم ، فقالوا : لو صلينا ركعتين ، ودعونا الله يخرج لنا بعض الأموات فيخبرنا عن الموت .
قال : ففعلوا ، فبينا هم كذلك إذا طلع رجل رأسه من قبر خلاسي بين عينيه أثر السجود ، فقال : يا هؤلاء ، ما أردتم إلي ، فوالله لقد مت منذ مائة سنة ، فما سكنت عني حرارة الموت حتى الآن ، فادعوا الله أن يعيدني كما كنت " .
ابن سابط هو عبد الرحمن بن سابط القرشي الجمحي المكي ثقة مشهور ، روايته عن جابر متصلة ، ذكر ذلك ابن أبي حاتم .
النسائي : أخبرنا محمد بن معمر ، ثنا يوسف بن يعقوب ، عن كهمس - وهو ابن الحسن - عن ابن بريدة - هو عبد الله - عن أبيه قال : سمعت رسول الله - ﷺ - يقول : " المؤمن يموت بعرق الجبين " .
مسلم : حدثنا محمد بن رافع ، ثنا عبد الرزاق ، أنا ابن جريج ، عن العلاء ، أخبرني أبي ، أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله - ﷺ - : " ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره ؟ قالوا : بلى . قال : فذاك حين يتبع بصره نفسه " .
باب ما جاء في موت الفجأة
البزار : حدثنا عمرو بن علي ، ثنا يحيى بن سعيد ، ثنا شعبة ، عن منصور ، عن تميم بن سلمة أو سعد بن عبيدة ، عن عبيد بن خالد السلمي - قال : رفعه مرة ، ولم يرفعه مرة - قال : " موت الفجأة أخذة أسف " .
وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن النبي - ﷺ - إلا من هذا الوجه عن عبيد بن خالد ، ولا نعلم روى عبيد بن خالد عن النبي - عليه السلام - إلا يعني هذا الحديث وحديثا آخر .
أبو داود : حدثنا مسدد ، ثنا يحيى بهذا الإسناد وهذا الحديث .
قال أبو عمر بن عبد البر : عبيد بن خالد مهاجري ، يكنى أبا عبد الله ، سكن الكوفة ، روى عنه جماعة من الكوفيين منهم : سعد بن عبيدة ، وتميم بن سلمة شهد صفين مع علي - رضي الله عنه .
البخاري : أخبرنا سعيد بن أبي مريم ، أنا محمد بن جعفر ، أخبرني هشام ابن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة " أن رجلا قال للنبي - ﷺ - : إن أمي افتلتت نفسها ، وأظنها لو تكلمت تصدقت ، فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : نعم " .
باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه
مسلم : ثنا محمد بن عبد الله الرزي ، حدثنا خالد بن الحارث الهجيمي ، ثنا سعيد ، عن قتاده ، عن زارة ، عن سعد بن هشام ، عن عائشة قالت : قال رسول الله - ﷺ - : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ، فقلت : يا نبي الله ، أكراهية الموت ؟ فكلنا نكره الموت . قال : ليس كذلك ، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ، ورضوانه ، وجنته ؛ أحب لقاء الله ، فأحب الله لقاءه ، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله ، وسخطه ؛ كره لقاء الله ، وكره الله لقاءه " .
مسلم : حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي ، أنا عبثر ، عن مطرف ، عن عامر ، عن شريح بن هانئ ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه . قال : فأتيت عائشة فقلت : يا أم المؤمنين ، سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله - ﷺ - حديثا ، إن كان كذلك فقد هلكنا . فقالت : إن الهالك من هلك بقول رسول الله - ﷺ - ، وما ذاك ؟ قال . قال رسول الله - ﷺ - : من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ، وليس منا أحد إلا وهو يكره الموت . فقالت : قد قاله رسول الله - ﷺ - ، وليس بالذي تذهب إليه ، ولكن إذا شخص البصر ، وحشرج الصدر ، واقشعر الجلد ، وتشنجت الأصابع ، فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " .
مسلم : وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا علي بن مسهر ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي ، عن شريح بن هانئ ، عن عائشة قالت : قال رسول الله - ﷺ - : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ، والموت قبل لقاء الله " .
باب ما جاء في أرواح المؤمنين والكافرين
مسلم : حدثني عبيد الله بن عمر القواريري ، ثنا حماد بن زيد ، ثنا بديل ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي هريرة قال : " إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها - قال حماد - فذكر من طيب ريحها ، وذكر المسك ، قال : ويقول أهل السماء : روح طيبة جاءت من قبل الأرض ، صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه ، فينطلق به إلى ربه ، ثم يقول : انطلقوا به إلى آخر الأجل ، قال : وإن الكافر إذا خرجت روحه ، قال حماد : وذكر من نتنها ، وذكر لعنا ، ويقول أهل السماء : روح خبيثة جاءت من قبل الأرض قال : فيقال : انطلقوا به إلى آخر الأجل . قال أبو هريرة : فرد رسول الله - ﷺ - ريطة كانت على أنفه هكذا " .
البزار : حدثنا عمرو بن علي ، ومحمد بن بشار قالا : ثنا أبو داود ، ثنا هشام ، عن قتادة ، عن أبي الجوزاء ، عن أبي هريرة ، عن النبي - ﷺ - : " إن المؤمن إذا قبض قبضته ملائكة الرحمة ، وتسلم نفسه من حريرة بيضاء ، فينطلق به إلى السماء فيقولون : ما وجدنا ريحا أطيب من هذه ، فيقولون : دعوه حتى يستريح ، فإنه كان في غم الدنيا ، ويقولون : ما فعل فلان ؟ ما فعلت فلانة ؟ حتى ينتهون به إلى السماء ، وأما الكافر فإذا قبض قالت الخزنة : ما وجدنا ريحا أنتن من هذا ، فينطلقون به إلى الأرض السفلى " .
النسائي : أخبرنا عبيد الله بن سعيد ، ثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن قسامة بن زهير ، عن أبي هريرة أن النبي - ﷺ - قال : " إذا حضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة ... " وذكر نحو حديث عمرو بن علي ، وقال فيه : " فيأتون به أرواح المؤمنين ، فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه ، فيسألونه : ما فعل فلان ؟ فيقولون : دعوه ، فإنه كان في غم الدنيا ، فإذا قال : أما أتاكم ؟ قالوا : ذهب به إلى أمه الهاوية " .
النسائي : أخبرنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن كعب أنه أخبره ، أن أباه كعب بن مالك كان يحدث ، عن رسول الله - ﷺ - قال : " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " .
الترمذي : حدثنا ابن أبي عمر ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الزهري ، عن ابن كعب بن مالك ، عن أبيه ، أن رسول الله - ﷺ - قال : " إن أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من ثمرة الجنة - أو شجر الجنة " .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
مسلم : حدثني زهير بن حرب ، ثنا جرير ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - : " رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف - أخا بني كعب هؤلاء - يجر قصبه في النار " .
باب ما جاء أن الميت يعرض عليه مقعده من الجنة أو النار
مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - ﷺ - قال : " إن أحدكم إذا مات عرض على مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة " .
وثنا عبد بن حميد ، ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه بنحوه ، وقال : " هذا مقعدك الذي يبعثك الله إلى يوم القيامة " .
البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، ثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال النبي - ﷺ - : " لا يدخل أحد الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ، ولا يدخل النار أحدا إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ، ليكون عليه حسرة " .
باب في عذاب القبر والمساءلة بعد الموت
مسلم : حدثني زهير بن حرب ، وإسحاق بن إبراهيم ، كلاهما عن جرير - قال زهير : ثنا جرير - عن منصور ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : " دخلت علي عجوزان من عجز يهود المدينة ، فقالتا : إن أهل القبور يعذبون في قبورهم . قالت : فكذبتهما ، ولم أنعم أن أصدقهما ، فخرجتا ودخل علي رسول الله - ﷺ - فقلت له : يا رسول الله ، إن عجوزين من عجز يهود المدينة دخلتا علي ، فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم . فقال : صدقتا إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم . قالت : فما رأيته بعد في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر " .
مسلم : حدثنا يحيى بن أيوب ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، جميعا عن ابن علية - قال يحيى : أنا ابن علية - قال : وأنا سعيد الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، عن زيد بن ثابت - قال : قال أبو سعيد ، ولم أشهده من النبي - ﷺ - ، ولكن حدثنيه زيد بن ثابت - قال : " بينما النبي - ﷺ - في حائط لبني النجار على بغلته ونحن معه إذ حادت به ، فكادت تلقيه ، وإذا أقبر ستة ، أو خمسة ، أو أربعة - قال : كذا كان يقول الجريري - فقال : من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ فقال رجل : أنا . قال : فمتى مات هؤلاء ؟ قال : ماتوا في الإشراك . فقال : إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه . ثم أقبل علينا بوجهه فقال : تعوذوا بالله من عذاب النار . قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار . قال : تعوذوا بالله من عذاب القبر . قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر . قال : تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن . قالوا : نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن . قال : تعوذوا بالله من فتنة الدجال . قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال " .
مسلم : وحدثنا زهير بن حرب ، ثنا يحيى ين سعيد ، ثنا شعبة ، حدثني عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه ، عن البراء بن عازب ، عن أبي أيوب قال : " خرج رسول الله - ﷺ - بعدما غربت الشمس ، فسمع صوتا قال : يهود تعذب في قبورها " .
النسائي : أخبرنا سليمان بن داود ، عن ابن وهب ، أخبرني يونس ، قال ابن شهاب : أخبرني عروة بن الزبير ، أنه سمع أسماء بنت أبي بكر تقول : " قام رسول الله - ﷺ - فذكر الفتنة التي يفتن بها المرء في قبره ، فلما ذكر ذلك ، ضج المسلمون ضجة حالت بيني وبين أن أفهم كلام رسول الله - ﷺ - ، فلما سكنت ضجتهم قلت لرجل قريب مني : أي بارك الله فيك ، ماذا قال رسول الله - ﷺ - في آخر قوله ؟ قال : أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريبا من فتنة الدجال " .
أبو داود : حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ، حدثنا هشام ، عن عبد الله بن بحير ، عن هانئ مولى عثمان ، عن عثمان قال : " كان النبي - ﷺ - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه ، فقال : استغفروا لأخيكم ، وسلوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل " .
هانئ مولى عثمان يكنى أبا سعيد ، ليس به بأس ، قاله النسائي - رحمه الله .
مسلم : حدثنا محمد بن بشار بن عثمان العبدي ، ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن علقمة بن مرثد ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء بن عازب ، عن النبي - ﷺ - قال : " {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} قال : نزلت في عذاب القبر ، يقال له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، ونبيي محمد ، فذلك قوله - عز وجل - : {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} " .
البخاري : حدثنا أبو الوليد ، ثنا شعبة بهذا الإسناد قال : " المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فذلك قوله : {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} " .
مسلم : حدثنا عبد بن حميد ، ثنا يونس بن محمد ، ثنا شيبان بن عبد الرحمن ، عن قتادة ، ثنا أنس بن مالك قال : قال نبي الله - ﷺ - : " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم . قال : يأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فأما المؤمن فإنه يقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله . قال : فيقال له : أنظر إلى مقعدك من النار ، قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة . قال نبي الله - ﷺ - : فيراهما جميعا . قال قتادة : وذكر لنا أنه يفسخ في قبره سبعون ذراعا ، ويملأ عليه خضرا إلى يوم يبعثون " .
مسلم : حدثنا محمد بن العلاء الهمداني ، ثنا ابن نمير ، ثنا هشام ، عن فاطمة ، عن أسماء بنت أبي بكر ، عن النبي - ﷺ - قال : " إنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريبا ، أو مثل فتنة المسيح الدجال - لا أدري أي ذلك قالت أسماء - فيؤتي أحدكم فيقال له : ما علمك بهذا الرجل ؟ فأما المؤمن أو الموقن - لا أدري أي ذلك قالت أسماء - فيقول : هو محمد ، هو رسول الله جاءنا بالبينات والهدى ، فأجبنا وأطعنا - ثلاث مرار - فيقال له : نم قد كنا نعلم أنك لتؤمن به ، نم صالحا . وأما المنافق ، أو المرتاب - لا أدري أي ذلك قالت أسماء - فيقول : لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلت " .
النسائي : أخبرنا أحمد بن أبي عبيد الله البصري ، ثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أنس ، أن النبي - ﷺ - قال : " إن العبد إذا وضع في قبره ، وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم ، أتاه ملكان فيقعدانه ، فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل محمد - ﷺ - ؟ فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله . فيقال له : انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا خيرا منه . قال رسول الله - ﷺ - : فيراهما جميعا . وأما الكافر ، أو المنافق ، فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ : فيقول : لا أدري ، كنت أقول كما يقول الناس . فيقال له : لا دريت ولا تليت . ثم يضرب ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة ، فيسمعها من يليه غير الثقلين " .
البخاري : حدثنا عياش بن الوليد ، ثنا عبد الأعلى ، ثنا سعيد ، عن قتادة بإسناده نحوه ، إلا أنه قال : " ويضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح ... " وذكر باقي الحديث .
الترمذي : حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف ، ثنا بشر بن المفضل ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - : " إذا أقبر الميت - أو قال : أحدكم - أتاه ملكان أسودان أزرقان ، يقال لأحدهما : المنكر ، والآخر : النكير ، فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول ما كان يقول : هو عبد الله ورسوله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا . ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ، ثم ينور له فيه ، ثم يقال له : نم . فيقول : أرجع إلى أهلي فأخبرهم . فيقولان : نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه . حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك . وإن كان منافقا قال : سمعت الناس يقولون فقلت مثلهم ، لا أدري . فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ذلك . فيقال للأرض : التئمي عليه . فتلتئم عليه ، فتختلف فيها أضلاعه ، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله - عز وجل - من مضجعه ذلك " .
قال أبو عيسى : هذا الحديث حسن غريب . انتهى كلام أبي عيسى .
عبد الرحمن هذا هو ابن إسحاق بن الحارث القرشي المدني - ويقال : عباد ابن إسحاق - وثقه ابن معين ، وقال النسائي فيه : لا بأس به . وقال أحمد بن حنبل : عبد الرحمن بن إسحاق المدني صالح الحديث ، لا بأس به ، روى عن أبي الزناد أحاديث منكرة ، وكان ابن علية يرضاه . وقال أبو حاتم : عبد الرحمن ابن إسحاق حسن الحديث ، وليس بقوي ، يكتب حديثه ، ولا يحتج به . وكان يحيى لا يرضى عبد الرحمن هذا .
أبو داود : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا جرير .
وثنا هناد بن السري ، ثنا أبو معاوية - وهذا لفظ هناد - عن الأعمش ، عن المنهال ، عن زاذان ، عن البراء بن عازب قال : " خرجنا مع رسول الله - ﷺ - في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ، ولما يلحد ، فجلس رسول الله - ﷺ - وجلسنا حوله كأنما على رءوسنا الطير ، وفي يده عود ينكت به الأرض فرفع رأسه ، فقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر - مرتين أو ثلاثا - زاد في حديث جرير ها هنا - قال : وإنه ليسمع خفق نعالهم مدبرين ، فيقال له : يا هذا من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ - قال هناد - : ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان : ما دينك ؟ فيقول " ديني الإسلام ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ قال : فيقول هو رسول الله . فيقولان : وما يدريك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله ، فآمنت به وصدقت - زاد في حديث جرير - فذلك قول الله : {يثبت الله الذين آمنوا} الآية - ثم اتفقا - قال : فينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة . قال : فيأتيه من روحها وطيبها ، وقال : ويفتح له مد بصره . قال : وإن الكافر ، فذكر موته ، قال : وتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ، فيقولان : من هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه ، لا أدري . فينادي مناد من السماء : أن كذب - ثم اتفقا - فأفرشوه من النار ، وألبسوه من النار ، وافتحوا له بابا إلى النار . قال : فيأتيه من حرها ، وسمومها . قال : ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه - زاد في حديث جرير - قال : ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابا . قال : فيضربه ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين ، فيصير ترابا ، ثم تعاد فيه الروح " .
المنهال بن عمرو وثقه يحيى بن معين والنسائي ، وقال أحمد بن حنبل : ترك شعبة المنهال على عمد . قال ابن أبي حاتم : إنما تركه لأنه سمع من داره صوت قراءة بالتطريب .
البزار : حدثنا الحسين بن أبي كبشة ، ومحمد بن معمر قالا : ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو ، ثنا عباد بن راشد ، عن داود - يعني ابن أبي هند - عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : " شهدنا مع رسول الله - ﷺ - جنازة ، فقال رسول الله - ﷺ - : يا أيها الناس ، إن هذه الأمة تسأل في قبورها ، فإذا الإنسان دفن ، وتفرق أصحابه جاءه ملك في يده مطراق ، فأقعده ، فقال : ما تقول في هذا الرجل ؟ يعني محمدا - ﷺ - ، فإن كان مؤمنا قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . فيقول : صدقت . ثم يفتح له باب إلى النار ، فيقول : هذا كان منزلك لو كفرت بربك ، فأما إذ آمنت به فهذا منزلك ، فيفتح له باب إلى الجنة ، فيريد أن ينهض إليه فيقول : اسكن . ويفسح له في قبره ، وإن كان كافرا أو منافقا يقول له : ما تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا . فيقول له الملك : لا دريت ، ولا تليت ، ولا اهتديت ، ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول : هذا منزلك ، لو كنت آمنت بربك ، فأما إذ كفرت ، فإن الله قد أبدلك به هذا ، ويفتح له باب إلى النار ، ثم يقمعه قمعه بالمطراق يسمعها خلق الله كلهم إلا الثقلين . فقال بعض القوم : يا رسول الله ، ما من أحد يقوم عليه ملك في يده مطرقه إلا يهيل عند ذلك ، فقال رسول الله : {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} " .
قال أبو بكر وهذا الحديث لا نعلمه يروي عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد من هذا الوجه ، ولا رواه عن داود إلا عباد بن راشد . قال أبو بكر : هذا من أغرب ما كان يسأل عنه الحسين ، وابن معمر .
وقال أبو بكر في موضع آخر : عباد بن راشد ثقة بصري .
وهكذا قال أحمد بن حنبل : عباد بن راشد ثقة شيخ صدوق . وقال يحيى ابن معين : عباد بن راشد صالح . وقال أبو حاتم : عباد بن راشد صالح الحديث ، وأنكر على البخاري إدخاله في كتاب الضعفاء ، وقال : يحول من هنالك .
أبو بكر بن أبي شيبة : عن أبي عبد الرحمن المقرئ ، عن سعيد بن أبي أيوب ، سمعت دراجا يقول : سمعت أبا الهيثم يقول : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : سمعت رسول الله - ﷺ - يقول : " يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه وتلدغه حتى تقوم الساعة ، ولو أن تنينا منها نفخ في الأرض ما أنبتت خضرا " .
دراج هو أبو السمح بن سمعان ، وثقه ابن معين ، وضعفه أحمد بن حنبل والنسائي .
البزار : حدثنا رزق الله بن موسى أبو الفضل ، ثنا شبابة بن سوار ، ثنا ابن أبي ذئب ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سعيد بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - : " تحضر الملائكة - يعني الميت - فإذا كان الرجل الصالح قال : اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ، ورب غير غضبان . فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء ، فيستفتح لها فيقال : من هذا ؟ فيقولون : فلان . فيقولون : مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، أدخلي حميدة . فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهى به إلى الله - تبارك وتعالى - وإذا كان الرجل السوء قال : اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ، اخرجي ذميمة ، وأبشري بحميم وغساق ، وآخر من مشكله أزواج . قال : فتخرج ثم يعرج بها إلى السماء ، فيستفتح لها ، فيقال : من هذا ؟ فيقال : فلان . فيقولون لها : مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ، ارجعي ذميمة ، فإنه لا تفتح لك أبواب السماء . ثم تصير إلى القبر ، فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا مشعوف - أو مشغوف - فيقال له : فيما كنت ؟ قال : فيقول : في الإسلام . فيقال له : ما تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : هو رسول الله جاءنا بالبينات من عند ربنا ، فآمنا به وصدقناه . فيقال له : هل رأيت الله ؟ فيقول : ما ينبغي لأحد أن يرى الله . فتفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا ، فيقال : انظر إلى ما وقاك الله . قال : ثم تفرج له فرجة قبل الجنة فينظر إلى زهرتها ، وما فيها . فيقال له : هذا ما أعد الله لك . ويقال له : على اليقين كنت ، وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله . ويجلس الرجل السوء فزعا مشعوفا - أو مشغوفا - فيقال له : فيما كنت ؟ فيقول : لا أدري . فيقول : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئا . فتفرج له فرجة قبل الجنة ، فينظر إلى زهرتها ، وما فيها ، فيقال له : انظر إلى ما صرف الله عنك ، ثم تفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا ، فيقال : هذا مقعدك - أو مثواك ، على الشك كنت وعليه مت ، ثم يعذب " .
وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي هريرة ، عن النبي - ﷺ - إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد .
باب ضمة القبر
النسائي : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أنا عمرو بن محمد ثقة حدثنا ابن إدريس ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله - ﷺ - قال : " هذا الذي تحرك له العرش ، وفتحت له أبواب السماء ، وشهده سبعون ألفا من الملائكة ، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه " .
باب ما جاء في أولاد المسلمين والمشركين
البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني عطاء بن يزيد الليثي ، أنه سمع أبا هريرة يقول : " سئل رسول الله - ﷺ - عن ذراري المشركين ، فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين " .
قال البخاري : وثنا آدم ، ثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ، كمثل البهيمة تنتج البهيمة ، هل ترى فيها جدعاء " .
وقال أيضا : حدثنا مؤمل بن هشام أبو هشام ، ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، ثنا عوف ، ثنا أبو رجاء ، ثنا سمرة بن جندب قال : " كان رسول الله - ﷺ - مما يكثر أن يقول لأصحابه : هل رأى أحد منكم من رؤيا ؟ قال : فيقص عليه من شاء الله أن يقص ، وإنه قال لنا ذات غداة : إني أتاني الليلة آتيان ، وإنهما ابتعثاني ، وإنهما قالا لي : انطلق ، وإني انطلقت معهما ، وإنا أتينا على رجل مضطجع ، وإذا آخر قائم عليه بصخرة ، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسة فيثلغ رأسه ، فيتدهده الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه ، فلا يرجع إليه حتى تصح رأسه كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى . قال : قلت لهما : سبحان الله ! ما هذان ؟ قالا لي : انطلق ، انطلق . قال : فانطلقنا ، فأتينا على رجل مستلق لقفاه ، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه ، فيشر شر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه - قال : وربما قال أبو رجاء : فيشق - قال : ثم يتحول إلى الجانب الآخر ، فيفعل به مثل ما يفعل بالجانب الأول ، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ، ثم يعود عليه ، فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى . قال : قلت : سبحان الله ! ما هذان ؟ قال : قالا لي : انطلق ، انطلق . فانطلقا ، فأتينا على مثل التنور - فأحسب أنه كان يقول : فإذا فيه لغط وأصوات - قال : فاطلعنا فيه ، فإذا فيه رجال ونساء عراة ، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم ، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا ، قلت لهما : ما هؤلاء ؟ قال : قالا لي : انطلق ، انطلق . قال : فانطلقنا فأتينا على نهر - حسبت أنه كان يقول : أحمر مثل الدم - وإذا في النهر رجل سابح يسبح ، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة ، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة ، فيفغر فاه فيلقمه حجرا ، فينطلق فيسبح ، ثم يرجع إليه ، كلما رجع إليه فغرله فاه ، فألقمه حجرا ، قال : قلت لهما : ما هذان ؟ قال : قالا لي : انطلق ، انطلق . قال : فانطلقنا ، فأتينا على رجل كريه المرآة ، كأكره ما أنت رائي رجلا مرآة ، وإذا هو عنده نار له يحشها ، ويسعى حولها ، قال : قلت لهما : ما هذا ؟ قال : قالا لي : انطلق . انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل لون الربيع ، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل ، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء ، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط ، قال : قلت لهما : ما هذا ؟ ما هؤلاء ؟ قالا لي : انطلق ، انطلق . قال : فانطلقنا ، فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قط أعظم منها ، ولا أحسن ، قال : قالا لي : ارق فيها . قال : فارتقينا فيها ، فانتهينا إلى المدينة مبنية بلبن ذهب وفضة ، فأتينا باب المدينة ، فاستفتح ففتح لنا فدخلنا ، فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت رائي ، وشطر منهم كأقبح ما أنت رائي . قال : قال لهم : اذهبوا فقعوا في ذلك النهر ، وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض ، فذهبوا ، فوقعوا في ذلك ، ثم رجعوا إلينا فذهب ذلك الشق عنهم ، فصاروا في أحسن صورة ، قال : قالا لي : هذه جنة عدن ، وهذاك منزلك . قال : فسما بصري صعدا ، فإذا قصر مثل الرباية البيضاء ، قال : قالا لي : هذاك منزلك . قال : قلت : بارك الله فيكما ، ذراني فأدخله ، قالا : أما الآن فلا ، وأنت داخله . قلت لهما : فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا ، فما هذا الذي رأيت ؟ قال : قالا لي : أما إنا سنخبرك ، أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر ، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه ، وينام عن الصلاة المكتوبة ، وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق ، وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور ، فإنهم الزناة والزواني ، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر فيلقم الحجارة ، فإنه آكل الربا ، وأما الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها ، فإنه مالك خازن جهنم ، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة ، فإنه إبراهيم - عليه السلام - وأما الولدان الذين حوله ، فكل مولود مات على الفطرة . قال : فقال بعض المسلمين : يا رسول الله ، وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله : وأولاد المشركين وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن ، وشطر قبيح ، فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم " .
روى هذا الحديث عبد بن حميد في " تفسيره " : عن يزيد بن هارون ، عن جرير ، عن أبي رجاء ، عن سمرة ، عن النبي - ﷺ - قال فيه : " أما الرجل الأول الذي رأيت ، فإنه رجل كذاب يكذب الكذبة فتحمل عنه في الآفاق ، فهو يصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة ، ثم يصنع الله به ما شاء " .
وللبخاري أيضا زيادات ليست عند عبد بن حميد .
وذكر أبو بكر البزار في مسنده : ثنا عمرو بن علي ، ثنا عيسى بن شعيب ، ثنا عباد بن منصور ، عن أبي رجاء ، عن سمرة بن جندب " أن النبي - ﷺ - سئل عن أطفال المشركين ، فقال : هم خدم أهل الجنة " .
تفرد به عباد بن منصور ، وهو يضعف ، إلا أن يحيى بن سعيد قال : عباد ابن منصور ثقة ، ليس ينبغي أن يترك حديثه لرأى أخطأ فيه .
تم كتاب الجنائز وما يتعلق به .