كتاب الأم/الإجارة وكراء الأرض/الإجارات

ملاحظات: الإجارات


أخبرنا الربيع قال: [قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قال قائل ليس كراء البيوت، ولا الأرضين، ولا الظهر يلازم، ولا جائز وذلك أنه تمليك والتمليك بيع ولما رأينا البيوع تقع على أعيان حاضرة ترى وأعيان غائبة موصوفة مضمونة، والكراء ليس بعين حاضر، ولا غائب يرى أبدا ورأينا من أجازهما، قال إذا انهدم المنزل، أو هلك العبد انتقض الكراء والإجارة فيهما، وإنما التمليك ما انقطع ملك صاحبه عنه إلى من ملكه إياه، وهو إذا ملك مستأجره منفعته فالإجارة ليست هكذا ملك العبد لمالكه، ومنفعته لمستأجره إلى المدة التي تشترط وخدمة العبد مجهولة أيضا مختلفة بقدر نشاطه وبذله وكسله وضعفه وكذلك الركوب مختلف ففيها أمور تفسدها وهي عندنا بيع والبيوع ما وصفنا، ومن أجازها، فقد يحكم فيها بحكم البيع؛ لأنها تمليك ويخالف بينها وبين البيع في أنها تمليك وليست محاطا بها، فإن قال أشبهها بالبيع فليحكم لها بحكمه، وإن قال هي بيع، فقد أجاز فيها ما لا يجيزه في البيع.

[قال الشافعي]: وهذا القول جهل ممن قاله والإجارات أصول في أنفسها بيوع على وجهها، وهذا كله جائز قال الله تبارك وتعالى {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} فأجاز الإجارة على الرضاع والرضاع يختلف لكثرة رضاع المولود وقلته وكثرة اللبن وقلته، ولكن لما لم يوجد فيه إلا هذا جازت الإجارة عليه، وإذا جازت عليه جازت على مثله وما هو في مثل معناه وأحرى أن يكون أبين منه، وقد ذكر الله عز وجل الإجارة في كتابه وعمل بها بعض أنبيائه. قال الله عز وجل: {قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج} الآية.

[قال الشافعي]: قد ذكر الله عز وجل أن نبيا من أنبيائه آجر نفسه حججا مسماة ملكه بها بضع امرأة، فدل على تجويز الإجارة على أنه لا بأس بها على الحجج إن كان على الحجج استأجره، وإن كان استأجره على غير حجج فهو تجويز الإجارة بكل حال، وقد قيل: استأجره على أن يرعى له والله تعالى أعلم.

[قال الشافعي]: فمضت بها السنة وعمل بها غير واحد من أصحاب رسول الله ولا يختلف أهل العلم ببلدنا علمناه في إجارتها وعوام فقهاء الأمصار [أخبرنا] مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن حنظلة من قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض فقال: (نهى رسول الله عن كراء الأرض فقال: أبالذهب والورق؟ قال أما بالذهب والورق فلا بأس به).

[قال الشافعي]: فرافع سمع النهي من رسول الله وهو أعلم بمعنى ما سمع، وإنما حكى رافع النهي عن كرائها بالثلث والربع، وكذلك كانت تكرى، وقد يكون سالم سمع عن رافع بالخبر جملة فرأى أنه حدث به عن الكراء بالذهب والورق فلم ير بالكراء بالذهب والورق بأسا؛ لأنه لا يعلم أن الأرض تكرى بالذهب والورق، وقد بينه غير مالك عن رافع أنه على كراء الأرض ببعض ما يخرج منها [أخبرنا] مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه سأله عن استكراء الأرض بالذهب والورق فقال لا بأس به [أخبرنا] مالك عن هشام بن عروة عن أبيه شبيها به، أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه مثله، أخبرنا مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف تكارى أرضا فلم تزل بيده حتى هلك قال ابنه: فما كنت أراها إلا أنها له من طول ما مكثت بيده حتى ذكرها عند موته فأمرنا بقضاء شيء بقي عليه من كرائها من ذهب، أو ورق.

[قال الشافعي]: والإجارات صنف من البيوع؛ لأن البيوع كلها إنما هي تمليك من كل واحد منهما لصاحبه يملك بها المستأجر المنفعة التي في العبد والبيت والدابة إلى المدة التي اشترط حتى يكون أحق بالمنفعة التي ملك من مالكها ويملك بها مالك الدابة والبيت العوض الذي أخذه عنها، وهذا البيع نفسه، فإن قال قائل: قد تخالف البيوع في أنها بغير أعيانها وأنها غير عين إلى مدة.

[قال الشافعي]: فهي منفعة معقولة من عين معروفة فهي كالعين.

[قال الشافعي]: والبيوع قد تجتمع في معنى أنها ملك وتختلف في أحكامها، ولا يمنعها اختلافها في عامة أحكامها وأنه يضيق في بعضها الأمر ويتسع في غيره من أن تكون كلها بيوعا يحللها ما يحلل البيع ويحرمها ما يحرم البيع في الجملة ثم تختلف بعد في معان أخر فلا يبطل صنف منها خالف صنفا في بعض أمره بخلافه صاحبه، وإن كانا قد يتفقان في معنى غير المعنى الذي اختلفا فيه فالبيوع لا تحل إلا برضا من البائع والمشتري وثمن معلوم، وعندنا لا تجب إلا بأن يتفرق البائع والمشتري من مقامهما، أو أن يخير أحدهما صاحبه بعد البيع فيختار إجازة البيع ثم تختلف البيوع فيكون منها المتصارفان لا يحل لهما أن يتبايعا ذهبا بذهب، وإن تفاضلت الذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد وزنا بوزن ثم يكونان إن تصارفا ذهبا بورق فلا بأس بالفضل في أحدهما على الآخر يدا بيد فإن تفرق المتصارفان الأولان، أو هذان قبل أن يتقابضا انتقض البيع بينهما ويكون المتبايعان السلعة سوى الصرف يتبايعان الثوب بالنقد ويقبض الثوب المشتري، ولا يدفع الثمن إلا بعد حين فلا يفسد البيع ويكون السلف في الشيء المضمون إلى أجل يعجل الثمن ويكون المشترى غير حال على صاحبه إلا أنه يكون مضمونا ويضيق فيما كان يكون غير هذا من البيوع التي جازت في هذا مع اختلاف البيوع في غير هذا وكل ما يقع عليه جملة اسم البيع، ولا يحل إلا بتراض منهما فحكمهما في هذا واحد وفي سواه مختلف.

[قال الشافعي]: وقبض الإجارات الذي يجب به على المستأجر دفع الثمن كما يجب دفع الثمن إذا دفعت السلعة المشتراة بعينها أن يدفع الشيء الذي فيه المنفعة إن كان عبدا استؤجر دفع العبد، وإن كان بعيرا دفع البعير، وإن كان مسكنا دفع المسكن حتى يستوفي المنفعة التي فيه كمال الشرط إلى المدة التي اشترط وذلك أنه لا يوجد له دفع إلا هكذا فإن قال قائل: هذا دفع ما لا يعرف فهذا من علة أهل الجهالة الذين أبطلوا الإجارات.

[قال الشافعي]: والمنفعة من عين معروفة قائمة إلى مدة كدفع العين، وإن كانت المنفعة غير عين ترى فهي معقولة من عين وليس دفع المنفعة بدفع الشيء الذي به المنفعة، وإن كانت المنفعة غير عين ترى حين دفعت فأولى أن يفسد البيع من ملك المنفعة، وإن كانت غير عين، وإذا صح أن يملكها من السلعة والمسكن وهي غير عين، ولا مضمونة فلم تفسد كما زعم من أفسدها؛ لأنها، وإن كانت غير عين فهي كالعين بأنها من عين، فكأنه شيء انتفعوا به من عين معروفة وأجازه المسلمون له فدفعه إذا دفع كما لا يستطاع غيره أولى أن يقوم مقام الدفع من الأعيان والدفع أخف من ملك العقدة؛ لأن العقدة تفسد فيبطل الدفع والدفع يفسد، ولا تفسد العقدة، فإذا جاز أن يكون ملك المنفعة معروفا، وإن كان بغير عينه من عين فيصح ويلزم كما يصح ملك الأعيان جاز أن يكون الدفع للعين التي فيها المنفعة يقوم مقام دفع الأعيان إذا دفعت العين التي فيها المنفعة فهو كدفع العين إذا كان هذا الدفع الذي لا يستطاع فيها غيره أبدا.

[قال الشافعي]: فقال قولنا في إجازة الإجارات بعض الناس وشددها واحتج فيها بالآثار وزعم أن ما احتججنا به فيها حجة على من خالفنا في ردها لا يخرج منها ثم عاد لما ثبت منها فقال فيها أقاويل كأنه عمد نقض بعض ما ثبت منها وتوهين ما شدد فقال: الإجارات جائزة، وقال: إذا استأجر الرجل من الرجل عبدا، أو منزلا لم يكن للمستأجر أن يأخذ المؤجر بالإجارة، وإنما يجب له من الإجارة بقدر ما اختدم العبد، أو سكن المسكن كأنه تكارى بيتا بثلاثين درهما في كل شهر فما لم يسكن لم يجب عليه شيء ثم إذا سكن يوما، فقد وجب عليه درهم ثم هكذا على هذا الحساب.

[قال الشافعي]: فقلت لبعض من يقول هذا القول " الخبر وإجماع الفقهاء بإجازة الإجارة ثابت عندنا، وعندك والإجارة ملك من المستأجر للمنفعة ومن المؤجر للعوض الذي بالمنفعة والبيوع إنما هي تحويل الملك من شيء لملك غيره، وكذلك الإجارة فقال منهم قائل ليست الإجارة ببيع قلنا وكيف زعمت أنها ليست ببيع وهي تمليك شيء بتمليك غيره؟ قال، ألا ترى أن لها اسما غير البيع؟ قلنا: قد يكون للبيوع أسماء مختلفة تعرف دون البيوع والبيوع تجمعها مثل الصرف والسلم يعرفان بلا اسم بيع، وهما من البيوع عندنا، وعندك قال: فكيف يقع البيع مغيبا لعله لا يتم قلنا أو ليس قد نوقع نحن وأنت البيع على المغيب إلى المدة البعيدة في السلم ونوقعها أيضا على الرطب بكيل والرطب قد ينفد ثم تخير أنت المشتري إذا لم يقبض حتى ينفد في رده إلى رأس ماله وأن تترك إلى رطب قابل فإما أخر ماله عن غلة سنة إلى سنة أخرى وإما رجع إليه رأس ماله بعد حبسه، وقد كان يملك به رطبا بكيل معلوم فلم يقبض ما ملك، ولم يكن في يديه رأس ماله؟ قال: هذا كله مضمون قلنا: أولست قد جعلته مضمونا ثم صرت إلى أن تحكم به في المضمون بأحد حكمين تخيره أنت في أن يرد رأس المال وتبطل ما وجب له وضمن الرطب بعدما انتفع به المسلم إليه ولم ينتفع المسلم، وإما أن يؤخر ماله عن غلة سنة بلا طيب من نفسه إلى سنة أخرى فقال هذا كله كما قلت، ولكني لا أجد غيره فيه قلت: فإذا كان قولك لا أجد غيره فيه حجة فكيف لم تجعل لنا الذي هو أوضح وأبين ونحن لا نجد فيه غيره حجة؟ قال وما ذاك؟ قلنا زعمنا أن البيوع تجوز ويحل ثمنها مقبوضا وأن القبض مختلف، فمنه ما يقبض باليد ومنه ما يدفع إليه المفتاح وذلك في الدور ومنه ما يخلى المالك بينه وبين المشتري، وهو لا يغلق عليه، ولا يقبضه بيده وذلك مثل الأرض المحدودة، ومنه ما هو مشاع في الأرض لا يدرى أشرقيها هو أم غربيها؟ غير أنه شريك في كلها ومنه ما هو مشاع في العبد لا ينفصل أبدا وكل هذا يقال له دفع يقبض به الثمن ويجب دفعه ويتم به البيع، وهو قبض مختلف وذلك أنه لا يوجد فيه مع اختلافه غير هذا. فلو قال لك مشتري نصف العبد: البيع يتم مقبوضا والقبض ما يكون منفصلا معروفا وليس يكون في نصف العبد قبض فأنا أنقض البيع قلت: القبض يختلف، فإذا لم يكن دون نصف العبد حائل وسلمه إليك فهذا القبض الذي لا يستطاع غيره في هذا ومن الدفع الذي لا يستطاع غيره، فقد وجب له الثمن فالمنفعة التي في العبد بالإجارة لا يستطاع دفعها إلا بأن يسلم العبد، أو المسكن، فإذا دفعت كما لا يستطاع غيره فلم لا يجب ما تملك به المنفعة؟ ما بين هذا فرق وقبض الإجارة إنما هو دفع الذي فيه الإجارة وسلامته، فإذا دفع الدار وسلمت فله سكناها إلى المدة، وإذا دفع العبد وسلم فله خدمته إلى مدة شرطه وخدمته حركة يحدثها العبد وليست في الدار حركة تحدثها إنما منفعته فيها محليته إياها، ولا يستطاع أبدا في دفع ما ملك المستأجر غير تسليم ما فيه المنفعة إليه وسلامة ما فيه المنفعة حتى تتم المنفعة إلى مدتها. فإن قال قائل: فهذا ليس كدفع الأعيان الأعيان بدفع يرى، وهذا بدفع لا يرى، قيل: وما يختلف دفع الأعيان فيه فتكون عينا أشتريها بعينها عندك ونصف لي فإذا رأيتها كنت بالخيار، وقد كانت عند تبايعنا عينا مضمونة كالسلم مضمونا ويكون السلم بالصفة بغير عينه ويجب ثمنه، وإنما هو صفة لا عين، فإذا أراد المسلم نقض البيع، أو المسلم إليه لم يكن ذلك لواحد منهما، وإن جاء به المسلم إليه فقال المسلم: لا أرضى، قلت له: ليس ذلك لك إذا جاء على الصفة التي شرطت لم يكن لك خيار قال بلى قد يفعل هذا كله، ولكن الإجارات مغيبة قلنا مغيبة معقولة كالسلم مغيب موصوف، قال: هو وإن كان موصوفا بغير عينه يصير إلى أن يكون عينا، قلت: يكون عينا، وهو لم ير فلا يكون فيها خيار كما يكون في الأعيان التي لم تر، قال: فهي على الصفة، قلنا: ولم لا تجعل ما اشتري، ولم ير من غير السلم، وقد وصف كما وصف السلم إذا جاء على الصفة يلزم كما يلزم السلم؟ قال: البيوع قد تختلف، قلنا: فنراك تجيزها مع اختلافها لنفسك وتريد أن لا تجيزها مع اختلافها لنا قال: إني وإن أجزتها فهي صائرة عينا، قلنا: الصفة في السلم قبل يكون الشراء مغيبة موصوف بها شيء لم يخلق بعد من ثياب وطعام قال: ولكنها تقع على عين فتعرف قلنا فالإجارة في عين قائم تكون في ذلك العين قائمة تعرف فإن زعمت أن الإجارة إنما هي منفعة والمنفعة مغيبة، وقد تختلف فلم أجزتها، ولم تقل فيها قول من ردها وعبت من ردها ونسبته إلى الجهالة؟ قال: لأنه ترك السنة وإجماع الفقهاء وليس في السنة ولا إجماع الفقهاء إلا التسليم، ولا تضرب له الأمثال، ولا تدخل عليه المقاييس قلنا: فإذا اجتمع الفقهاء على إجازتها وصيروها ملك منفعة معقولة، وإن كانت لا تكون شيئا يكال، ولا يوزن، ولا يذرع وأجازها مغيبة وأوجبوها كما أوجبوا غيرها من البيوع ثم صرت إلى عيب قولنا فيها وأنت تجيزها. وقولنا قول مستقيم على السنة والآثار وصرت بحجة من أبطلها، فإذا قيل لك: إن كانت في هذا حجة فأبطلها، وإن لم يكن فيه حجة فلا تحتج به قلت: لا أبطلها؛ لأنها السنة وإجماع الفقهاء، فإن قال قائل: فدع حجة من أخطأ في إبطالها وأجزها كما أجازها الفقهاء، فقد أجازوها، وإذا أجازوها فلا يجوز عندنا أن يكونوا أجازوها إلا على أنها تمليك منفعة معقولة وما كان تمليكا، فقد يوجب ثمنه وإلا صرت إلى حجة من أبطلها. فإن قال لك قائل: فكيف صيرت هذا قبضا والقبض ما يصير في يدي صاحبه الذي قبضه ويقطع عنه ملك الذي دفعه؟ قيل له: إن الدفع من المالك لمن ملكه يختلف، ألا ترى أن رجلا لو ابتاع بيوعا ودفع إليه أثمانها ثم حاكمه إلى القاضي قضى عليه بدفعها فإن كان عبدا، أو ثوبا، أو شيئا واحدا سلمه إليه، وإن كان شيئا يتجزأ بعينه فكان طعاما في بيت استوجبه كله بكيل على أن كل مد بدرهم قال كله له فكان يقبضه شيئا بعد شيء لا جملة كقبضه الواحدة فيقضي عليه بدفع كل صنف من هذا كما يستطاع قبضه فكذلك قضى عليه بدفع الإجارة كما يستطاع، ولا يستطاع فيها أكثر من تسليم الذي فيه المنفعة إلى الذي ملك فيه المنفعة، والمنفعة فيها معروفة كما الشراء في الدار المشاعة معروف بحساب وفي غيره. فإن قال قائل: فإن الذي فيه المنفعة بسلم ثم ينهدم المنزل، أو يموت العبد فتكون أوجبت عليه دفع ماله، وهو مائة ثم لا يستوفي بالمائة إلا حق بعضها ويكون المؤاجر قد انتفع بالثمن قلنا بذلك رضي المستأجر قال ما رضي إلا بأن يستوفي قلنا إن قدر على الاستيفاء فذلك له، وإن لم يقدر أخذ ماله قال وأي شيء يشبه هذا من البيوع؟ قلنا ما وصفنا من السلم أدفع لهذا مائة درهم في رطب فمضى الرطب، ولم يوف منه شيئا فيعود إلى أن يقول لي خذ رأس مالك، وقد انتفع به المسلم إليه، أو أخر مالك بعد محله سنة بلا رضا منك إلى سنة أخرى، فإذا قلت: قد انتفع بمالي فإن أخذته، فقد أخذ منفعة مالي بلا عوض أخذته، وإن أخرته سنة، فقد انتفع بمالي سنة بلا طيب نفسي، ولا عوض أعطيته منه قال: لا أجد إلا هذا فإن قلت لك وصدقني المسلم إليه بأنه تغيب مني حتى مضى الرطب قلت: لا أجد شيئا أعديك عليه؛ لأنك رضيت أمانته، قلت: ما رضيت إلا بالاستيفاء، وقد كان يقدر على أن يوفيني قلت: وقد فات الرطب الذي يوفيك منه. قيل: فالمستأجر للعين إنما استأجره، وهو يعلم أن العين إذا ذهبت المنفعة فكيف عبته فيه، وهو يعلمه، ولم تعب في المسلم إليه الذي ضمن لصاحبه الرطب كيلا معلوما بصفة من غير شيء يعينه المسلم إليه كان أولى أن تعيبه فيه من المستأجر. وهو يقول: في الرجل يبتاع الشيء من الرجل والشيء المبتاع بعينه ببلد غائب عن المتبايعين ويدفع المشتري إلى المشترى منه الثمن وافيا على أن يسلم البائع للمشتري ما اشترى منه وأشهد به له ودفع إليه ثمنه ثم هلك الشيء المبتاع فيقول يرجع المشتري بالثمن، وقد انتفع به رب السلعة، ولم يأخذ رب المال عوضا فيقول للمشتري أنت رضيت بذلك، وقد كانت لك السلعة لو تمت فلما لم تتم انتقض البيع، وإنما رضيت بتمامها ويقول أيضا في الرجل ينكح المرأة بعبد فتخليه ونفسها فلم يدخل بها وتخليتها إياه ونفسها هو الذي يلزمها، فإذا فعلت جبرته على دفع العبد إليها ويكون ملكها له صحيحا فإن باعت، أو وهبت أو أعتقت، أو دبرت، أو كاتبت جاز؛ لأنه لها ملك تام فإن طلقها قبل يكون من هذا شيء رجع بنصف العبد فكان شريكها فيه، فقد زعمت أن ملكها فيه تام كما يتم ملك من دفع العوض بالعبد ثم انتقض ملكها في نصفه فإن قيل لك كيف يتم ملكها ثم ينتقض؟ قلت ليس في هذا قياس هو لم يدخل بها فلها نصف المهر إذا طلقها فإن قيل لك كيف ينتقض نصفه رأيت ذلك جهلا ممن يقوله؟ وقلت: هذا مما لا يختلف فيه الفقهاء وتزعم أيضا أنه إذا اشترى عبدا فدلس له فيه عيب كان ملكا صحيحا إن باع أو وهب، أو أعتق فإن لم يفعل فشاء حبسه بالعيب حبسه، وإن لم يشأ حبسه وشاء نقض البيع، وقد كان تاما نقضه، وقد يبيع الرجل الشقص من الرجل فيكون المشتري تام الملك لا سبيل للبائع عليه، ولا على أخذه منه ويكون له أن يبيع ويهب ويصنع ما يصنع ذو المال في ماله فإن كان له شفيع فأراد أخذه من يديه بالثمن الذي اشتراه به، وإن كان كارها أخذه، وقد نجعل نحن وأنت ملكا تاما ويؤخذ به الثمن ثم ينتقض بأسباب بعد تمامه فكيف عبت هذا في الإجارة وأن ما نقوله في الإجارة إذا فات الشيء فيه الذي فيه المنفعة فلم يكن إلى الاستيفاء سبيل ويرد المستأجر ما بقي من حقه كما يرده لو اشترى سفينة طعام كل قفيز بكذا فاستوفى عشرة أقفزة ثم استهلكها ثم هلك ما بقي من الطعام رددناه بما بقي من المال وألزمناه عشرة بحصتها من الثمن وأنت تنقض الملك والأعيان التي فيها الملك قائمة ثم لو عابك أحد بهذا قلت: هذا من أمر الناس فإن كان في نقض الإجارة إذا كانت العين التي فيها المنفعة قد فاتت عيب فنقض الملك والعين المملوكة قائمة أعيب فإن لم يكن فيه عيب فعيبه فيه جهل.

[قال الشافعي]: ثم قالوا فيها أيضا إن دفع المستأجر الإجارة كلها إلى المؤجر قبل أن يسكن البيت، أو يركب الدابة ثم أراد أن يرجع فيما دفع لم يكن ذلك له فإن كان دفع ما يجب عليه فهو ما قلنا، وإن كان دفع ما لا يجب عليه فلم لا يرجع به فهو لم يهبه، ولم يقطع عنه ملكه إلا بأمر يزعم أنه لا يجب عليه أن يدفعه، ولا يحق عليه منه شيء إلا أن يسكن، أو يركب وهم يقولون إذا انفسخت الإجارة رده؛ لأنه إنما دفعه باسم الإجارة لا واهبا له فإن كان دفعه بالإجارة والإجارة لا يلزمه بها دفع فينبغي أن يرده عليه متى شاء ثم قال فيه قولا آخر أعجب من هذا قال إن تكارى دابة بمائة درهم فلم يجب من المائة شيء فأراد أن يدفعها دنانير يصرفها كان حلالا فقيل له أتعني به تحول الكراء إلى الدنانير وتنقضه من الدراهم؟ قال لا: ولكنه يصارفه بها بسعر يومه قلنا أو يحل الصرف في شيء لم يجب؟ قال هو واجب فلما قالوا يجب على صاحبه إذا لم يسم له أجلا دفع مكانه كما لو اشترى رجل سلعة بمائة أو ضمن عن رجل مائة، ولم يسم أجلا كان عليه أن يدفع المائة مكانه، وهذا قولنا وقولك في الواجب كله إذا لم يسم له أجلا فكيف قلت في المستأجر الإجارة واجبة عليه وليس عليه أن يدفعها وله أن يصارف بها والإجارة إلى غير أجل.

[قال الشافعي]: فإن قال: هي إلى أجل معلوم وذلك أنه إذا استأجر عبدا سنة فكل يوم من السنة أجل معلوم ولكل يوم من السنة أجرة معلومة والمائة الدرهم التي استأجر بها العبد السنة لازمة على هذا الحساب قيل له فما تقول فيه إن مرض أحد عشر شهرا من السنة، أو شهرا من أولها، أو وسطها فلم يقدر على الخدمة؟ أليس إن قلت ينتظر، فإذا صح استخدمه فيما يستقبل؟، فقد زعمت أن حصة الأحد عشر شهرا، أو الشهر قد كانت في وقت لازم ثم استأجر عنه، أو كان واجبا ثم بطل فإن جعلت له أن يستخدمه أحد عشر شهر، أو شهرا من سنة أخرى، فقد جعلت أجلا بعد أجل ونقلت عمل سنة في سنة أخرى، وإن قلت واجبة إن كانت فهذا الفساد الذي لا شكل؛ لأن الإجارة تمليك منفعة من عين معروف والمنفعة معروفة بتمليك دراهم مسماة، فإذا كان التمليك مغيبا لا يدري أيكون أم لا يكون؛ لأنه قد يموت العبد ويأبق ويمرض فكيف يجوز أن تملك منفعة مغيبة بدراهم معينة مسماة؟ هذا تمليك الدين بالدين والمسلمون ينهون عن بيع الدين بالدين والتمليك بيع، فإن قلت: يملك المنفعة إن كانت فهذا أفسد من قبل أن هذا مخاطرة ويلزم أن تفسد الإجارة كما أفسدها من عاب قوله قال: فقد يلزمك في هذا شبيه بما يلزمني فليس يلزمني إذا زعمت أن الإجارة تجب بالقبض وأن المنفعة معلومة وأنه لا قبض لها إلا بقبض الذي فيه المنفعة، فإذا قبضت كان ذلك قبضا للمنفعة إن سلمت المنفعة. وقد أجاز المسلمون هذا كله كما أجازوا البيوع على اختلافها وكما يحل بيع الطعام بضربين: أحدهما بصفة والآخر عين، فلو اشتريت من طعام عين مائة قفيز كان صحيحا فإن أخذت في اكتياله واستهلكت ما اكتلت منه وهلك بعض المائة القفيز وجب على ما استهلكت بحصته من الثمن وبطل عني ثمن ما هلك، فإن قال: فالخدمة ليست ثمنا فهي معلومة من عين لا يوصل إلى أخذها لتستوفى إلا بأخذ العين فأخذ العين بكمالها التي هي أكثر من المنفعة يوجب الثمن على شرط سلامة المنفعة لا تعدو الإجارة أن تكون واجبة فعليه دفعها، أو تكون غير واجبة والصرف عندنا، وعندك فيها ربا.

[قال الشافعي]: فإذا قيل له: فإن كانت أثمان الإجارات غير واجبة فلا يحل له أن يأخذ بشيء لم يكن، ولا يدري أيكون أم لا يكون ثم يأخذ من جهة الصرف فيفسد من أنه غير واجب؛ لأن الصرف فيما لم يجب ربا قال: نعم، ولكن الإجارة واجبة وثمنها واجب فلا يكون ربا، فإذا قيل له، وإذا كان واجبا فليدفعه قال ليس بواجب، وهم يروون عن عمر، أو ابن عمر أنه تكارى من رجل بالمدينة ثم صارفه قبل أن يركب فإن كان ثابتا عن عمر فهو موافق قولنا وحجة لنا عليهم.

قال: وإذا تكارى الرجل الدار من الرجل فالكراء لازم له لا ينفسخ بموت المكتري ولا المكرى، ولا بحال أبدا ما دامت الدار قائمة، فإذا دفع الدار إلى المكتري كان الكراء لازما للمكتري كله إلا أن يشترط عند عقدة الكراء أنه إلى أجل معلوم فيكون إليه كالبيوع وقال بعض الناس تفسخ الإجارات بموت أيهما مات ويفسخها بالعذر ثم ذكر أشياء يفسخها بها قد يكون مثلها، ولا يفسخها به.

[قال الشافعي]: فقيل لبعض من يقول هذا القول أقلت هذا بخبر؟ قال: روينا عن شريح أنه قال: إذا ألقى المفتاح برئ فقيل: له أكذا نقول بقول شريح فشريح لا يرى الإجارة لازمة ويرى أن لكل واحد منهما فسخها بلا موت، ولا عذر قال: هكذا قال: شريح ولسنا نأخذ بقوله قيل فلم تحتج بما تخالف فيه وتزعم أنه ليس بحجة؟ قال: فما عندنا فيه خبر، ولكنه يقبح أن يتكارى رجل منزلا يسكنه فيموت وولده لا يحتاجون إليه فيقال إن شئتم فاسكنوه وهم أيتام ويقبح أن يموت المؤجر فيتحول ملك الدار لغيره فتكون الدار لولده والميت لا يملك شيئا ويسكنها المستأجر بأمر الميت والميت لا أمر له حين مات فقيل له: أو يملكها الوارث إلا بملك الميت؟ قال: لا قيل: أفيزيد الوارث أبدا على أن يقوم إلا مقام الميت فيها؟ قال: لا قلنا فالميت قبل موته كان يقدر أن يفسخ هذه الإجارة عن داره ساعة واحدة قبل انقضاء مدتها عندك من غير عذر؟ قال: لا، قيل: أفيكون الوارث الذي إنما ملك عن الميت الكل، أو البعض أحسن حالا من المالك؟ قال: فهل رأيت ملكا ينتقل ويملك على من انتقل إليه فيه شيء؟ قلنا الذي وصفنا لك من أنه إنما ملك ما كان الميت يملك كاف لك منه ونحن نوجدك ملكا ينتقل ويملك على من انتقل إليه فيه شيء قال: وأين؟ قلنا: أرأيت رجلا رهن رجلا دارا تسوى ألفا بمائة ثم مات الراهن أينفسخ الرهن؟ قال: لا. قلنا ولم، وقد انتقل ملك الدار فصار للوارث؟ قال: إنما يملكها الوارث كما كان يملكها الميت والميت قد أوجب فيها حقا لم يكن له فسخه إلا بإيفاء الغريم حقه فالوارث أولى أن لا يفسخه، قلنا فلا نسمعك تقبل مثل هذا ممن يحتج به عليك في الإجارة وتحتج به في الرهن، ولا بد من أن تكون تاركا للحق في رده في الإجارة، أو في إنفاذه في الرهن؛ لأن حالهما واحد قد أوجب الميت في كليهما حقا عندنا، وعندك فلا نفسخه بوجه حتى يستوفيه من أوجبه له عندنا بحال، وعندك إلا من عذر ثم تفسخه بعد الموت في الإجارة مما لا يكون عذرا في حياة المؤاجر والعذر أيضا شيء ما وضعته أنت لا أثرا، ولا معقولا وأنت لا تفسخه بعذر، ولا غير عذر في الرهن وما بينهما في هذا فرق كلاهما أوجب له فيه مالكه حقا جائزا عندنا، وعندك فإما أن يثبتا معا بكل حال وإما أن يزول أحدهما بشيء فيزول الآخر، أرأيت لو قال لك قائل: وضعت العذر تفسخ به الإجارة وأنا أبطله في الإجارة وأضعه في الرهن فأفسخ به الرهن أتكون الحجة عليه؟ إلا أن يقال: ما ثبت فيه حق لمسلم وكان الحق حلالا لم يفسخه عذر، وقد تقدمه الحق الواجب عند المسلمين.

[قال الشافعي]: مع كثير من مثل هذا يقولونه من ذلك الرجل يوصي للرجل برقبة داره ولآخر أن ينزلها في كل سنة عشرة أيام ثم يموت الموصى له برقبة الدار فيملك وارثه الدار فإن أراد منع الموصى له بالنزول قيل: ليس ذلك لك أنت للدار مالك، ولهذا شرط في النزول، ولا تملك عن أبيك إلا ما كان يملك، ولا يكون لك فيها أكثر مما كان له.

[قال الشافعي]: فأما قوله إن مات المستأجر فلا حاجة بالورثة إلى المسكن، فلو قاله غيره أشبه أن يقول له لست تعرف ما تقول.

[قال الشافعي]: أرأيت لو أن رجلا كان يريد التجارة فاشترى دابة بألف، وهو لا يملك إلا ألفا فلما استوجبها مات وله ورثة أطفال والراحلة تسوى ألفا، أو مائة فقال عنهم وصي أو كان فيهم مدرك محتاج كان أبو هؤلاء يعني بالرواحل لتكسبه فيها وهؤلاء لا يكتسبون، أو يعني بها لضرب من الخسارة، وقد أصبح هؤلاء أيتاما وناقة الرجل في يده لم تخرج بعد من يده فأفسخ البيع ورد الدراهم لحاجة الأيتام، ولا تنزعها من أيديهم إن لم يكن أبوهم دفعها، أو كان هذا في حمام اشتراه أو ما أشبهه مما لا منفعة فيه أو مما فيه المنفعة اليسيرة، قال: لا أفسخ شيئا من هذا وأمضي عليهم ما فعل أبوهم في ماله؛ لأنه فعله وهو يملك فأملكهم عنه ما كان هو يملك في حياته، ولا يكونون أحسن حالا من أبيهم فيما ملكوه عنه.

[قال الشافعي]: قيل: وكذلك الكراء يتكاراه، وهو حلال جائز له، فقد ملكوا ما ملك أبوهم من منفعة المسكن فإن شاءوا سكنوا فإن شاءوا أكروا. قال: وزعم أن رجلا لو تكارى من الرجل ألف بعير على أن يسير من بغداد ثمان عشرة إلى مكة فخلف الجمال إبله وعلفها بأثمانها، أو أقل، أو أكثر وخرج الحاج فلم يبق إلا هو وترك الجمال الكراء من غيره للشرط حتى فاته الحج كان له ذلك، ولم يغرم شيئا، فإن قال لك الجمال: قد غررتني ومنعتني الكراء من غيرك وكلفتني مؤنة أتت على أثمان إبلي وصدقه المكتري فلا يقضى له عليه بشيء ويجلس بلا مؤنة عليه؛ لأنه لم يأخذ منه شيئا، وإن كان قد غره، وقال قائل هذا القول فإن أراد الجمال أن يجلس وقال: بدا لي أن أدع الحج وأنصرف إلى غيره فليس ذلك له، فإذا قيل له ولم لا يكون ذلك له؟ قال: من قبل أنه غره فمنعه أن يكتري من غيره وعقد له عقدة حلالا فليس له أن يفسخها.

[قال الشافعي]: فلم لا يكون للجمال على المتكاري أن يجلس، وقد عقد له كما قال عقدة حلالا وغره كما كان للمتكاري أن يجلس وحالهما وحجتهما واحدة لو كان يكون لأحدهما في العقدة ما ليس للآخر انبغى أن يكون الكراء للمتكاري ألزم بكل وجه من قبل أن المؤنة على الجمال في العلف وحبس الإبل وضمانها ومن قبل أن لا مؤنة على المكتري فعمد إلى حقهما لو تفرق الحكم فيهما أن يلزمه فأبطل عنه وأحقهما أن يبطل عنه فألزمه؟ قال: ولا فرق بينهما من قبل أن العقدة حلال لا تنفسخ إلا باجتماعهما على فسخها.

[قال الشافعي]: وسئل هل وجد عقدة حلالا لا شرط فيها، ولا عيب يكون لأحد المتعاقدين فيها ما ليس ليس للآخر فلا أعلمه ذكرها؟ فقيل وما بال هذه العقدة من بين العقد لا خبر، ولا قياس؟

[قال الشافعي]: وإذا اختلف المكارى والمكتري في قولنا وقولهم تحالفا وترادا، قيل لهم في هذا كيف تحكمون بحكم البيوع؟ قال: هو تمليك، وإنما البيوع تمليك فقيل لهم فاحكموا له بحكم البيوع فيما أثبتم فيه حكم البيوع فيقولون ليس ببيع وهم لا يقبلون هذا من أحد، فإذا قيل لبعضهم أنتم لا تصيرون في هذه الأقاويل إلى خبر يكون حجة زعمتم، ولا قياس، ولا معقول فكيف قلتموه؟ قالوا قال أصحابنا وقال لنا بعضهم ما في الإجارة إلا ما قلتم من أن نحكم لها بحكم البيوع ما كانت السلامة للمنفعة قائمة، أو تبطل، ولا تجوز بحال فقيل له فتصير إلى أحد القولين فلا أعلمه صار إليه.

[قال]: وإن تكارى رجل من رجل دابة من مكة إلى مر فتعدى بها إلى عسفان فإن سلمت الدابة كان عليه كراؤها إلى مر وكراء مثلها إلى عسفان فإن عطبت الدابة فله الكراء إلى مر وقيمة الدابة في أكثر ما كانت ثمنا من حين تعدى بها من الساعة التي تعدى بها فيها كان، أو بعدها، ولا يكون عليه قيمتها قبل التعدي إنما يكون عليه حين صار ضامنا في حال التعدي. وقال بعضهم لصاحب الدابة: إن شاء الكراء بحساب، وإن شاء يضمنه قيمة الدابة وإن سلمت، وليس نقول بهذا، قولنا هو الأول لا يضمنها حتى تعطب.

[قال الشافعي]: ومن أعطى مالا رجلا قراضا ونهاه عن سلعة يشتريها بعينها فاشتراها فصاحب المال بالخيار، إن أحب أن تكون السلعة قراضا على شرطها، وإن شاء ضمن المقارض رأس ماله. قال الربيع وله قول آخر أنه إذا أمره أن يشتري سلعة بعينها فتعدى فاشترى غيرها فإن كان عقد الشراء بالعين بعينها فالشراء باطل، وإن كان الشراء بغير العين فالشراء قد تم ولزم المشتري الثمن والربح له والنقصان عليه، وهو ضامن للمال؛ لأنه لما اشترى بغير عين المال صار المال في ذمة المشتري وصار له الربح والخسارة عليه، وهو ضامن المال لصاحب المال.

[قال الشافعي]: فإن أعطى رجل رجلا شيئا ليشتري له شيئا بعينه فاشترى له ذلك الشيء وغيره بما أعطاه، أو أمره أن يشتري له شاة فاشترى شاتين، أو عبدا فاشترى عبدين ففيها قولان: أحدهما أن صاحب المال بالخيار في أخذ ما أمر به وما ازداد له بغير أمره، أو أخذ ما أمره به بحصته من الثمن والرجوع على المشتري بما يبقى من الثمن وتكون الزيادة التي اشترى للمشتري، وكذلك إن اشترى بذلك الشيء وباع والخيار في ذلك إلى رب المال؛ لأنه بماله ملك ذلك كله وبماله باع، وفي ماله كان الفضل، والقول الآخر أنه قد رضي أن يشتري له شيئا بدينار فاشتراه وازداد معه شيئا فهو له فإن شاء أمسكه، وإن شاء وهبه؛ لأن من رضي شيئا بدينار فلم يتعد من زاده معه غيره؛ لأنه قد جاء بالذي رضي وزاده شيئا لا مؤنة عليه في ماله، وهو معنى قول الشافعي. وقال بعض الناس في الدابة يسقط الكراء حيث تعدى؛ لأنه ضامن، وقال في المقارض إذا تعدى ضمن وكان له الفضل بالضمان، ولا أدري أقال: يتصدق به أم لا؟

[قال الشافعي]: وقال في الذي اشترى ما أمره به وغيره معه للآمر ما أمره به بحصته من الثمن وللمأمور ما بقي، ولا يكون للآمر بحال؛ لأنه اشترى بغير أمره.

[قال الشافعي]: فجعل هذا القول بابا من العلم ثبته أصلا قاس عليه في الإجارات والبيوع والمقارضة شيئا أحسبه لو جمع كان دفاتر.

[قال الشافعي]: فقيل لبعض من قال هذا القول: قد زعمنا وزعمتم أن الأصل من العلم لا يكون أبدا إلا من كتاب الله تعالى، أو سنة رسول الله أو قول أصحاب رسول الله أو بعضهم، أو أمر أجمعت عليه عوام الفقهاء في الأمصار فهل قولكم هذا واحد من هذا؟ قال: لا قيل: فإلى أي شيء ذهبتم فيه؟ قال: قال شريح في بعضه قلنا قد رددنا نحن وأنتم هذا الكلام وأكثرنا أتزعمون أن شريحا حجة على أحد إن لم يقله إلا شريح؟ قال: لا، وقد نخالف شريحا في كثير من أحكامه بآرائنا: قلنا، فإذا لم يكن شريح عندكم حجة على الانفراد فيكون حجة على خبر رسول الله أو على أحد من أصحابه؟ قال: لا وقال: ما دلكم على أن الكراء والربح والضمان قد يجتمع؟ فقلنا لو لم يكن فيه خبر كان معقولا وقلنا دلنا عليه الخبر الثابت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن عمر والخبر عندكم الذي تثبتونه عن رسول الله .

[قال الشافعي]: ولو كان ما قالوا من أن من ضمنت له دابته، أو بيته، أو شيء من ملكه لم يكن له إجارة، أو ماله لم يكن له من ربحه شيء كانوا قد أكثروا خلافه.

[قال الشافعي]: وهم يزعمون أن رجلا لو تكارى من رجل بيتا لم يكن له أن يعمل فيه رحى، ولا قصارة، ولا عمل الحدادين؛ لأن هذا مضر بالبناء فإن عمل هذا فانهدم البيت فهو ضامن لقيمة البيت، وإن سلم البيت فله أجره، ويزعمون أن من تكارى قميصا فليس له أن يأتزر به؛ لأن القميص لا يلبس هكذا فإن فعل فتخرق ضمن قيمة القميص، وإن سلم كان له أجره ويزعمون أنه لو تكارى قبة لينصبها فنصبها في شمس، أو مطر، فقد تعدى لإضرار ذلك بها فإن عطبت ضمن، وإن سلمت فعليه أجرها مع أشياء من هذا الضرب يكتفى بأقلها حتى يستدل على أنهم قد تركوا ما قالوا ودخلوا فيما عابوا مما مضت به الآثار ومما فيه صلاح الناس.

[قال الشافعي]: وأما ما قالوا: الحيلة يسيرة لمن لا يخاف الله أن يعطى مالا قراضا فيغيب به ويتعدى فيه فيأخذ فضله ويمنعه رب المال ويتكارى دابة ميلا فيسير عليها أشهرا بلا كراء، ولا مؤنة إن سلمت قال قائل منهم: إنا لنعلم أن قد تركنا قولنا حيث ألزمنا الضمان والكراء، ولكنا استحسنا قولنا، قلنا: إن كان قولك عندك حقا فلا ينبغي أن تدعه، وإن كان غير حق فلا ينبغي أن تقيم على شيء منه فما الأحاديث التي عليها اعتمدتم؟ قلنا لهم: أما أحاديثكم، فإن سفيان بن عيينة أخبرنا عن شبيب بن غرقدة أنه سمع الحي يحدثون عن عروة بن أبي الجعد (أن رسول الله أعطاه دينارا يشتري له به شاة، أو أضحية فاشترى له شاتين فباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار فدعا له رسول الله في بيعه بالبركة فكان لو اشترى ترابا لربح فيه).

[قال الشافعي]: وروى هذا الحديث غير سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة فوصله ويرويه عن عروة بن أبي الجعد بمثل هذه القصة أو معناها.

[قال الشافعي]: فمن قال له جميع ما اشترى له بأنه بماله اشترى فهو ازدياد مملوك له قال: إنما كان ما فعل عروة من ذلك ازديادا ونظرا لرسول الله ورضي رسول الله بنظره وازدياده واختار أن لا يضمنه وأن يملك ما ملك عروة بماله ودعا له في بيعه ورأى عروة بذلك محسنا غير عاص، ولو كان معصية نهاه، ولم يقبلها، ولم يملكها في الوجهين معا.

[قال الشافعي]: ومن رضي أن يملك شاة بدينار فملك بالدينار شاتين كان به أرضى، وإن معنى ما تضمنه إن أراد مالك المال بأنه إنما أراد ملك واحدة وملكه المشتري الثانية بلا أمره، ولكنه إن شاء ملكها على المشتري، ولم يضمنه. ومن قال: هما له جميعا بلا خيار قال: إذا جاز عليه أن يشتري شاة بدينار فأخذ شاتين، فقد أخذ واحدة تجوز بجميع الدينار فأوفاه وازداد له بديناره شاة لا مؤنة عليه في ماله في ملكها، وهذا أشبه القولين بظاهر الحديث والله تعالى أعلم.

[قال الشافعي]: والذي يخالفنا يقول في مثل هذه المسألة هو مالك لشاة بنصف دينار والشاة الأخرى وثمن إن كان لها للمشتري لا يكون للآمر أن يملكها أبدا بالملك الأول والمشتري ضامن لنصف دينار. [أخبرنا] مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم خرجا في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على عامل لعمر فرحب بهما وسهل، وهو أمير البصرة، وقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت. ثم قال: بلى ها هنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان متاعا من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح فقالا: وددنا ففعل وكتب لهما إلى عمر أن يأخذ منهما المال فلما قدما المدينة باعا فربحا فلما دفعا إلى عمر قال لهما أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما؟ فقالا لا: فقال عمر: قال أنا أمير المؤمنين فأسلفكما فأديا المال وربحه فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك هذا يا أمير المؤمنين لو هلك المال، أو نقص لضمناه فقال أدياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح ذلك المال.

[قال الشافعي]: ألا ترى إلى عمر يقول " أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما؟ " كأنه والله أعلم يرى أن المال لا يحمل إليه مع رجل يسلفه فيبتاع ويبيع إلا وفي ذلك حبس للمال بلا منفعة للمسلمين وكان عمر والله تعالى أعلم يرى أن المال يبعث به، أو يرسل به مع ثقة يسرع به المسير ويدفعه عند مقدمه لا حبس فيه، ولا منفعة للرسول، أو يدفع بالمصر الذي يجتاز إليه إلى ثقة يضمنه ويكتب كتابا بأن يدفع في المصر الذي فيه الخليفة بلا حبس، أو يدفع قراضا فيكون فيه الحبس بلا ضرر على المسلمين ويكون فضل إن كان فيه حبس إن كان له فلما لم يكن المال المدفوع إلى عبد الله وعبيد الله بواحد من هذه الوجوه، ولم يكن ملكا للوالي الذي دفعه إليهما فيجيز أمره فيما يملك إليه فيما يرى أن الربح والمال للمسلمين فقال عمر " أدياه وربحه " فلما راجعه عبيد الله وأشار عليه بعض جلسائه وبعض جلسائه عندنا من أصحاب رسول الله أن يجعله قراضا رأى أن يفعل وكأنه والله تعالى أعلم رأى أن الوالي القائم به الحاكم فيه حتى يصير إلى عمر ورأى أن له أن ينفذ ما صنع الوالي مما يوافق الحكم فلما كان لو دفعه الوالي قراضا كان على عمر أن ينفذ الحبس له والعوض بالمنفعة للمسلمين في فضله رد ما صنع الوالي إلى ما يجوز مما لو صنعه لم يرده عليه، ورد منه فضل الربح الذي لم ير له أن يعطيهما وأنفذ لهما نصف الربح الذي كان له أن يعطيهما.

[قال الشافعي]: قد كانا ضامنين للمال وعلى الضمان أخذاه لو هلك ضمناه، ألا ترى أن عمر لم يرد على عبيد الله قوله لو هلك أو نقص كنا له ضامنين، ولم يرده أحد ممن حضره من أصحاب رسول الله ولم يقل عمر، ولا أحد من أصحاب رسول الله لكما الربح بالضمان، بل جمع عليهما الضمان وأخذ منهما بعض الربح، فقال قائل: فلعل عمر استطاب أنفسهما، قلنا: أوما في الحديث دلالة على أنه إنما حكم عليهما، ألا ترى أن عبيد الله راجعه قال: فلم أخذ نصف الربح، ولم يأخذه كله؟ قلنا: حكم فيه بأن أجاز منه ما كان يجوز على الابتداء؛ لأن الوالي لو دفعه إليهما على المقارضة جاز، فلما رأى ومن حضره أن أخذهما المال غير تعد منهما وأنهما أخذاه من وال له فكانا يريان والوالي أن ما صنع جائز فلم يزعم ومن حضره ما صنع يجوز إلا بمعنى القراض أنفذ فيه القراض؛ لأنه كان نافذا لو فعله الوالي، أو لا ورد فيه الفضل الذي جعله لهما على القراض، ولم يره ينفذ لهما بلا منفعة للمسلمين فيه. [أخبرنا] عبد الوهاب عن داود بن أبي هند عن رياح بن عبيدة قال: بعث رجل مع رجل من أهل البصرة بعشرة دنانير إلى رجل بالمدينة فابتاع بها المبعوث معه بعيرا ثم باعه بأحد عشر دينارا فسأل عبد الله بن عمر فقال: الأحد عشر لصاحب المال، ولو حدث بالبعير حدث كنت له ضامنا. [أخبرنا] الثقة من أصحابنا عن عبد الله بن عمر مثل معناه [قال: الشافعي] وابن عمر يرى على المشتري بالبضاعة لغيره الضمان ويرى الربح لصاحب البضاعة، ولا يجعل الربح لمن ضمن إذا المبضع معه تعدى في مال رجل بعينه والذي يخالفنا في هذا يجعل له الربح، ولا أدري أيأمره أن يتصدق به أم لا؟ وليس معه خبر إلا توهم عن شريح وهم يزعمون أن الأقاويل التي تلزم ما جاء عن النبي أو عن رجل من أصحابه، أو اجتمع الناس عليه فلم يختلفوا وقولهم هذا ليس داخلا في واحد من هذه الأشياء التي تلزم عندنا، وعندهم.

كتاب الأم - الإجارة وكراء الأرض
كراء الأرض البيضاء | كراء الدواب | الإجارات | كراء الإبل والدواب | مسألة الرجل يكتري الدابة فيضربها فتموت | مسألة الأجراء | اختلاف الأجير والمستأجر