كتاب الأم/باب الولاء والحلف/الخلاف في الولاء

ملاحظات: الخلاف في الولاء



[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وقال: لي بعض الناس الكتاب والسنة والقياس والمعقول والأثر على أكثر ما قلت في أصل، ولاء السائبة وغيره ونحن لا نخالفك منه إلا في موضع، ثم نقيس عليه غيره فيكون مواضع قلت: وما ذاك؟ قال: الرجل إذا أسلم على يدي الرجل كان له، ولاؤه كما يكون للمعتق قلت: أتدفع أن الكتاب والسنة والقياس يدل على ما وصفنا من أن المنعم بالعتق يثبت له الولاء كثبوت النسب؟ قال: لا. قلت والنسب إذا ثبت فإنما الحكم فيه أن الولد مخلوق من الوالد؟ قال نعم. قلت فلو أراد الوالد بعد الإقرار بأن المولود منه نفيه وأراد ذلك الولد لم يكن لهما، ولا لواحد منهما ذلك. قال: نعم. قلت، فلو أن رجلا لا أب له رضي أن ينتسب إلى رجل ورضي ذلك الرجل وتصادقا مع التراضي بأن ينتسب أحدهما إلى الآخر وعلم أن أم المنسوب إلى المنتسب إليه لم تكن للمنتسب إليه زوجة، ولا أمة وطئها بشبهة لم يكن ذلك لهما، ولا لواحد منهما؟ قال: نعم قلت؛ لأنا إنما ننسب بأمرين أحدهما الفراش، وفي مثل معناه ثبوت النسب بالشبهة بالفراش والنطفة بعد الفراش؟ قال: نعم قلت، ولا ننسب بالتراضي إذا تصادقا إذا لم يكن ما ينسب به، قال: نعم: قلت: وثبت له حكم الأحرار وينتقل عن أحكام العبودية. قال: نعم قلت والولاء هو إخراجك مملوكك من الرق بعتقك والعتق فعل منك لم يكن لمملوكك رده عليك؟ قال: نعم. قلت ولو رضيت أن تهب ولاءه، أو تبيعه لم يكن ذلك لك؟ قال: نعم. قلت، فإذا كان هذا ثبت فلا يزول بما وصفت من متقدم العتق والفراش والنطفة وما وصفت من ثبوت الحقوق في النسب والولاء، أفتعرف أن المعنى الذي اجتمعنا عليه في تثبيت النسب والولاء لا ينتقل، وإن رضي المنتسب والمنتسب إليه، والمولى المعتق والمولى المعتق لم يجز له، ولا لهما بتراضيهما قال: نعم. هكذا السنة والأثر وإجماع الناس فهل تعرف السبب الذي كان ذلك؟

[قال الشافعي]: فقلت له في واحد مما وصفت ووصفنا كفاية والمعنى الذي حكم بذلك بين عندي والله تعالى أعلم. قال: فما هو؟ قلت إن الله عز وجل أثبت للولد والوالد حقوقا في المواريث وغيرها وكانت الحقوق التي تثبت لكل واحد منهما على صاحبه تثبت للوالد على ولد الولد، وللولد من الأم على والدي الوالد حقوقا في المواريث وولاء الموالي وعقل الجنايات وولاية النكاح وغير ذلك، فلو ترك الوالد والولد حقهما من ذلك وما يثبت لأنفسهما لم يكن لهما تركه لآبائهما، أو أبنائهما أو عصبتهما، ولو جاز للابن أن يبطل حقه عن الأب في ولاية الصلاة عليه لو مات والقيام بدمه لو قتل والعقل عنه لو جنى، لم يجز له أن يبطل ذلك لآبائه، ولا أبنائه، ولا لإخوته، ولا عصبته؛ لأنه قد ثبت لآبائه وأبنائه وعصبته حقوق على الولد لا يجوز للوالد إزالتها بعد ثبوتها، ومثل هذه الحال الولد. فلما كان هذا هكذا لم يجز أن يثبت رجل على آبائه وأبنائه وعصبته نسب من قد علم أنه لم يلده فيدخل عليهم ما ليس له، ولا من قبل أحد من المسلمين ميراث من نسب إليه من نسب له والمولى المعتق كالمولود فيما يثبت له من عقل جنايته ويثبت عليه من أن يكون موروثا وغير ذلك، فكذلك لا يجوز أن ينتسب إلى ولاء رجل لم يعتقه؛ لأن الذي يثبت المرء على نفسه يثبت على ولده وآبائه وعصبته ولايتهم، فلا يجوز له أن يثبت عليهم ما لا يلزمهم من عقل وغيره بأمر لا يثبت، ولا لهم بأمر لم يثبت. فقال: هذا كما وصفت إن شاء الله تعالى قلت فلم جاز لك أن توافقه في معنى وتخالفه في معنى؟ وما وصفت في تثبيت الحقوق في النسب والولاء. قال: أما القياس على الأحاديث التي ذكرت وما يعرف الناس فكما قلت لولا شيء أراك أغفلته والحجة عليك فيه قائمة. قلت وما ذاك؟ قال: حديث عمر بن عبد العزيز قلت له ليس يثبت مثل هذا الحديث عند أهل العلم بالحديث. قال: لأنه خالف غيره من حديثك الذي هو أثبت منه. قلت لو خالفك ما هو أثبت منه لم نثبته وكان علينا أن نثبت الثابت ونرد الأضعف. قال: أفرأيت لو كان ثابتا أيخالف حديثنا حديثك عن النبي في الولاء؟ فقلت لو ثبت لاحتمل خلافها وأن لا يخالفها؛ لأنا نجد توجيه الحديثين معا لو ثبت وما وجدنا له من الأحاديث توجيها استعملناه مع غيره، قال: فكيف كان يكون القول فيه لو كان ثابتا؟ قلت: يقال الولاء لمن أعتق لا ينتقل عنه أبدا، ولو نقله عن نفسه، وبوجه قول النبي (فإنما الولاء لمن أعتق) على الإخبار عن شرط الولاء فيمن باع فأعتقه غيره أن الولاء للذي أعتق إذا كان معتقا لا على العام أن الولاء لا يكون إلا لمعتق إذ جعل رسول الله ولاء لغير معتق ممن أسلم على يديه. قال: هذا القول المنصف غاية النصفة فلم لم تثبت هذا الحديث فنقول بهذا؟ قلت؛ لأنه عن رجل مجهول ومنقطع ونحن وأنت لا نثبت حديث المجهولين، ولا المنقطع من الحديث. قال: فهل يبين لك أنه يخالف القياس إذا لم يتقدم عتق؟ قلت نعم، وذلك إن شاء الله تعالى بما وصفنا من تثبيت الحق له وعليه بثبوت العتق وأنه إذا كان يثبت بثبوت العتق لم يجز أن يثبت بخلافه. قال: فإن قلت يثبت على الموالي بالإسلام؛ لأنه أعظم من العتق، فإذا أسلم على يديه فكأنما أعتقه.

قلت: فما تقول في مملوك كافر ذمي لغيرك أسلم على يديك أيكون إسلامه ثابتا؟ قال: نعم. قلت: أفيكون ولاؤه لك أم يباع على سيده ويكون رقيقا لمن اشتراه؟ قال: بل يباع ويكون رقيقا لمن اشتراه. قلت فلست أراك جعلت الإسلام عتقا، ولو كان الإسلام يكون عتقا كان للعبد الذمي أن يعتق نفسه، ولو كان كذلك كان الذمي الحر الذي قلت هذا فيه حرا وكان إسلامه غير إعتاق من أسلم على يديه؛ لأنه إن كان مملوكا للمسلمين فلهم عندنا، وعندك أن يسترقوه، ولا يخرج بالإسلام من أيديهم، وإن قلت كان مملوكا للذميين فينبغي أن يباع ويدفع ثمنه إليهم قال: ليس بمملوك للذميين وكيف يكون مملوكا لهم، وهو يوارثهم وتجوز شهادته، ولا للمسلمين بل هو حر، قلت وكيف كان الإسلام كالعتق؟ قال: بالخبر، قلت لو ثبت قلنا به معك إن شاء الله تعالى، وقلت له: وكيف قلت في الذي لا ولاء له، ولم يسلم على يدي رجل يوالي من شاء؟ قال: قياسا أن عمر قال: في المنبوذ هو حر ولك، ولاؤه، قلت أفرأيت المنبوذ إذا بلغ أيكون له أن ينتقل بولائه؟ قال: فإن قلت لا؛ لأن الوالي عقد الولاء عليه قلت أفيكون للوالي أن يعقد عليه ما لم يسبق به حرية، ولم يعقد على نفسه؟ قال: فإن قلت هذا حكم من الوالي؟ قلت أو يحكم الوالي على غير سبب متقدم يكون به لأحد المتنازعين على الآخر حق، أو يكون صغيرا يبيع عليه الحاكم فيما لا بد له منه وما يصلحه، وإن كان كما وصفت أفيثبت الولاء بحكم الوالي للملتقط فقست الموالي عليه؟ قلت، فإذا والى فأثبت عليه الولاء، ولا تجعل له أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فأنت تقول ينتقل بولائه، قال: فإن قلت ذلك في اللقيط؟ قلت، فقد زعمت أن للمحكوم عليه أن يفسخ الحكم، قال: فإن قلت ليس للقيط، ولا للموالى أن ينتقل، وإن لم يعقل عنه؟ قلت فهما يفترقان، قال: وأين افتراقهما؟ قلت اللقيط لم يرض شيئا، وإنما لزمه الحكم بلا رضا منه، قال: ولكن بنعمة من الملتقط عليه، قلت فإن أنعم على غير لقيط أكثر من النعمة على اللقيط فأنقذ من قتل وغرق وحرق وسجن وأعطاه مالا أيكون لأحد بهذا، ولاؤه؟ قال: لا: قلت، فإذا كان الموالى لا يثبت عليه الولاء إلا برضاه فهو مخالف للقيط الذي يثبت به بغير رضاه فكيف قسته عليه؟ قال: ولأي شيء خالفتم حديث عمر؟ قلنا: وليس مما يثبت مثله هو عن رجل ليس بالمعروف، وعندنا حديث ثابت معروف أن ميمونة زوج النبي وهبت ولاء بني يسار لابن عباس، فقد أجازت ميمونة وابن عباس هبة الولاء فكيف تركته؟ قال نهى رسول الله عن بيع الولاء وعن هبته؛ قلنا أفيحتمل أن يكون نهيه على غير التحريم؟ قال: هو على التحريم، وإن احتمل غيره، قلت: فإن قال: لك قائل لا يجهل ابن عباس وميمونة كيف وجه نهيه. قال قد يذهب عنهما الحديث رأسا فتقول ليس في أحد مع النبي حجة، قلت فكيف أغفلت هذه الحجة في اللقيط؟ فلم ترها تلزم غيرك كما لزمتك حجتك في أن الحديث عن النبي قد يعزب عن بعض أصحابه؛ وأنه على ظاهره، ولا يحال إلى باطن، ولا خاص إلا بخبر عن النبي لا عن غيره، قال: فهكذا نقول: قلت نعم في الجملة، وفي بعض الأمر دون بعض، قال: قد شركنا في هذا بعض أصحابك. قلت أفحمدت ذلك منهم؟ قال: لا قلت فلا أشركهم فيما لم تحمد، وفيما نرى الحجة في غيره. فقال: لمن حضرنا من الحجازيين: أكما قال: صاحبكم في أن لا ولاء إلا لمن أعتق؟ فقالوا نعم وبذلك جاءت السنة، قال: فإن منكم من يخالف في السائبة والذمي يعتق المسلم، قالوا: نعم. قال: فيكلمه بعضكم أو أتولى كلامه لكم؟ قالوا افعل فإن قصرت تكلمنا؛ قال: فأما أتكلم عن أصحابك في ولاء السائبة ما تقول في ولاء السائبة وميراثه إذا لم يكن له وارث إلا من سيبه؟ فقلت، ولاؤه لمن سيبه وميراثه له. قال فما الحجة في ذلك؟ قلت الحجة البينة أمعتق المسيب للمسيب؟ قال: نعم قلت: فقد قال: رسول الله (الولاء لمن أعتق) وجعل المسلمون ميراث المعتق لمن أعتقه إذا لم يكن دونه من يحجبه بأصل فريضة. قال: فهل من حجة غير هذه؟ قلت ما أحسب أحدا سلك طريق النصفة يريد وراءها حجة، قال: بلى. وقلت له: قال: الله تبارك وتعالى {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} قال: وما معنى هذا؟ قلت سمعت من أرضى من أهل العلم يزعم أن الرجل كان يعتق عبده في الجاهلية سائبة فيقول لا أرثه، ويفعل في الوصيلة من الإبل والحام أن لا يركب، فقال الله عز وجل: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} على معنى ما جعلتم فأبطل شروطهم فيها وقضى أن الولاء لمن أعتق ورد البحيرة والوصيلة والحام إلى ملك مالكها إذا كان العتق في حكم الإسلام أن لا يقع على البهائم، قال: فهل تأول أحد السائبة على بعض البهائم؟ قلت: نعم. وهذا أشبه القولين بما يعرف أهل العلم والسنة، قال: أفرأيت قولك قد أعتقتك سائبة أليس خلاف قولك قد أعتقتك؟ قلت أما في قولك أعتقتك فلا، وأما في زيادة سائبة فنعم. قال: فهما كلمتان خرجتا معا فإنما أعتقه على شرط، قلت: أو ما أعتقت بريرة على شرط أن الولاء للبائعين فأبطل رسول الله الشرط؟ فقال: (الولاء لمن أعتق) قال: بلى: قلت، فإذا أبطل رسول الله شرط البائع والمبتاع المعتق، وإنما انعقد البيع عليه؛ لأن الولاء لمن أعتق ورده إلى المعتق فكيف لا يبطل شرط المعتق، ولم يجعله لغيره من الآدميين؟ قال: فإن قلت فله الولاء، ولا يرثه؟ قلت فقل إذا الولاء للمعتق المشترط عليه أن الولاء لغيره، ولا يرثه، قال: لا يجوز أن أثبت له الولاء وأمنعه الميراث وديناهما واحد.

[قال الشافعي]: وقلت له أرأيت الرجل يملك أباه ويتسرى الجارية ويموت لمن، ولاء هذين؟ قال: لمن عتقا بملكه وفعله، قلت أفرأيت لو قال لك قائل: قال النبي : (إنما الولاء لمن أعتق)، ولم يعتق واحد من هذين. هذا ورث أباه فيعتقه، وإن كره، وهذا ولدت جاريته، ولم يعتقها بالولد، وهو حي فأعتقها به بعد الموت فلا يكون لواحد من هذين ولاء؛ لأن كليهما غير معتق هل حجتنا وحجتك عليه إلا أنه إذا زال عنه الرق بسبب من يحكم له بالملك كان له ولاؤه؟ قال: لا وكفى بهذا حجة منك، وهذا في معاني المعتقين، قلت فالمعتق سائبة هو المعتق، وهذا أكثر من الذي في معاني المعتقين، قال، فإن القوم يذكرون أحاديث، قلت فاذكرها قال: ذكروا أن حاطب بن أبي بلتعة أعتق سائبة، قلت ونحن نقول إن أعتق رجل سائبة فهو حر وولاؤه له، قال: فيذكرون عن عمر وعثمان ما يوافق قولهم ويذكر سليمان بن يسار أن سائبة أعتقه رجل من الحاج فأصابه غلام من بني مخزوم فقضى عمر عليهم بعقله، فقال: أبو المقضي عليه لو أصاب ابني، قال: إذا لا يكون له شيء، قال: فهو إذا مثل الأرقم، قال: عمر فهو إذا مثل الأرقم، فقلت له هذا إذا ثبت بقولنا أشبه، قال ومن أين؟ قلت؛ لأنه لو رأى ولاءه للمسلمين رأى عليهم عقله، ولكن يشبه أن يكون رأى عقله على مواليه فلما كانوا لا يعرفون لم ير فيه عقلا حتى يعرف مواليه، ولو كان على ما تأولوا، وكان الحديث يحتمل ما قالوا كانوا يخالفونه، قال: وأين؟ قلت هم يزعمون أن السائبة لو قتل كان عقله على المسلمين، ونحن نروي عن عمر وغيره مثل معنى قولنا، قال: فاذكره: قلت أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أن طارق بن المرقع أعتق أهل بيت سوائب فأتى بميراثهم، فقال: عمر بن الخطاب أعطوه ورثة طارق فأبوا أن يأخذوا، فقال: عمر فاجعلوه في مثلهم من الناس، قال: فحديث عطاء مرسل قلت يشبه أن يكون سمعه من آل طارق، وإن لم يسمعه عنهم فحديث سليمان مرسل قال: فهل غيره؟ قلت أخبرنا سفيان عن سليمان بن مهران عن إبراهيم النخعي أن رجلا أعتق سائبة فمات فقال: عبد الله هو لك قال: لا أريد قال فضعه إذا في بيت المال، فإن له وارثا كثيرا.

[قال الشافعي]: أخبرنا سفيان قال أخبرني أبو طوالة عبد الله بن عبد الرحمن عن معمر قال: كان سالم مولى أبي حذيفة لامرأة من الأنصار يقال لها عمرة بنت يعار أعتقته سائبة فقتل يوم اليمامة فأتى أبو بكر بميراثه فقال: أعطوه عمرة فأبت تقبله، قال: قد اختلفت فيه الأحاديث قلت فما كنا نحتاج إليها مع قول النبي (الولاء لمن أعتق)، وإذا اختلفت فالذي يلزمنا أن نصير إلى أقربها من السنة، وما قلنا معنى السنة مع ما ذكرنا من الاستدلال بالكتاب، قال: فإن قالوا إنما أعتق السائبة عن المسلمين، قلنا: فإن قال: قد أعتقتك عن نفسي سائبة لا عن غيري وأشهد بهذا القول قبل العتق ومعه، فقال: أردت أن يكمل أجري بأن لا يرجع إلي، ولاؤه، قال: فإن قالوا: فإذا قال: هذا؟ فهذا يدل على أنه أعتقه على المسلمين، قلنا هذا الجواب محال، يقول أعتقتك عن نفسي ويقول أعتقه عن المسلمين، فقال: هذا قول غير مستقيم، قلت أرأيت لو كان أخرجه من ملكه إلى المسلمين أكان له أن يعتقه، ولم يأمروه بعتقه؟، ولو فعل لكان عتقه باطلا إذا أعتق ما أخرج من ملكه إلى غيره بغير أمره، فإن قال: إنما أجزته؛ لأنه مالك معتق، فقد قضى النبي أن الولاء لمن أعتق، قال: فما حجتك عليهم في الذمي يسلم عبده فيعتقه؟ قلت مثل أول حجتي في السائبة أنه لا يعدو أن يكون معتقا، فقد قضى رسول الله بالولاء لمن أعتق، أو يكون إذا اختلف الدينان لا يجوز عتقه فيكون عتقه باطلا؟ قال: بل هو معتق والعتق جائز قلت فما أعلمك بقيت للمسألة موضعا قال: بلى لو مات العبد لم يرثه المعتق قلت وما منع الميراث إنما منع الميراث الذي منعه الورثة أيضا غير المعتق باختلاف الدينين، وكذلك يمنعه وارثه بالنسب باختلاف الولاء والنسب قال: أفيجوز أن يثبت له عليه ولاء، وهو لا يرثه؟ قلت نعم كما يجوز أن يثبت له على أبيه أبوة، وهو لا يرثه إذا اختلف الدينان، أو يجوز أن يقال: إن الذمي إذا أعتق العبد المسلم وللذمي ولد مسلمون كان الولاء لبنيه المسلمين، ولا يكون للذي أعتقه؟ لئن لم يكن للمعتق فالمعتق لهم من بنيه أبعد أن يجوز قال: وأنت تقول مثل هذا؟ قلت وأين؟ قال تزعم أن رجلا لو كان له ولد مسلمون، وهو كافر فمات أحدهم ورثته إخوته المسلمون، ولم يرثه أبوه وبه ورثوه قلت أجل فهذه الحجة عليك قال: وكيف؟ قلت أرأيت أبوته زالت عن الميت باختلاف دينهما؟ قال لا، هو أبوه بحاله قلت، وإن أسلم قبل أن يموت ورثته قال نعم قلت، وإنما حرم الميراث باختلاف الدينين قال نعم قلت فلم لم تقل في الموالي هذا القول فنقول مولاه من أعتقه، ولا يرثه ما اختلف ديناهما، فإذا أسلم المعتق ورثه إن مات بعد إسلامه قال: فإنهم يقولون إذا أعتقه الذمي ثبت، ولاؤه للمسلمين، ولا يرجع إليه قلت وكيف ثبت، ولاؤه للمسلمين وغيرهم أعتقه؟ قال فبأي شيء يرثونه؟ قلت ليسوا يرثونه ولكن ميراثه لهم؛ لأنه لا مالك له بعينه قال: وما دلك على ما تقول، فإن الذي يعرف أنهم لا يأخذونه إلا ميراثا؟ قلت أفيجوز أن يرثوا كافرا؟ قال: لا قلت أفرأيت الذمي لو مات، ولا وارث له من أهل دينه لمن ميراثه؟ قال: للمسلمين قلت؛ لأنه لا مالك له لا أنه ميراث قال: نعم قلت، وكذلك من لا ولاء من لقيط ومسلم لا ولاء له، أو، ولاؤه لكافر لا قرابة له من المسلمين وذكرت ما ذكرت في أول الكتاب من أنه لا يؤخذ على الميراث قال: فإن من أصحابنا من خالفك في معنى آخر فقال: لو أن مسلما أعتق نصرانيا فمات النصراني ورثه إنما قال: النبي (لا يرث المسلم الكافر في النسب) فقلت أموجود ذلك في الحديث؟ قال فيقولون الحديث يحتمله قلت أفرأيت إن عارضنا وإياهم غيرنا فقال: فإنما معنى الحديث في الولاء؟ قال: ليس ذلك له قلت ولم؟ ألأن الحديث لا يحتمله؟ قال: بل يحتمله ولكنه ليس في الحديث والمسلمون يقولون هذا في النسب قلت ليس كل المسلمين يقولونه في النسب فمنهم من يورث المسلم الكافر كما يجيز له النكاح إليه، ولا يورث الكافر المسلم قال: فحديث النبي جملة؟ قلت أجل في جميع الكفار والحجة على من قال: هذا في بعض الكافرين في النسب كالحجة على من قال: في الولاء قلت فإنهم يقولون إن عمر بن عبد العزيز قضى به فقلت قد أخبرتك أن ميمونة وهبت ولاء بني يسار لابن عباس فأتهيبه وقلت: إذا جاء الحديث عن النبي جملة فهو على جمله، ولم نحمله ما احتمل إلا بدلالة عن النبي قال: وكذلك أقول قلت فلم لم تقل هذا في المسلم يعتق النصراني مع أن الذي روينا عن عمر بن عبد العزيز أنه وضع ميراث مولى له نصراني في بيت المال، وهذا أثبت الحديثين عنه وأولاهما به عندنا والله تعالى أعلم والحجة في قول النبي (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم)، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز خلاف هذا قال، فقد يحتمل أن يكون هذا من عمر بن عبد العزيز ترك شيء، وإن كان له قلت نعم وأظهر معانيه عندنا أنه ليس له أن يرث كافرا وأنه إذا منع الميراث للولد والوالد والزوج بالكفر كان ميراث المولى أولى أن يمنعه؛ لأن المولى أبعد من ذي النسب قال: فما حجتك على أحد إن خالفك في الرجل يعتق عبده عن الرجل بغير أمره فقال الولاء للمعتق عنه دون المعتق لعبده؛ لأنه عقد العتق عنه؟ قلت أصل حجتي عليك ما وصفت من أن النبي قال: (الولاء لمن أعتق)، وهذا معتق قال، فقد زعمت أنه إن أعتق عبده عنه بأمره كان الولاء للآمر المعتق عنه عبده، وهذا معتق عنه قلت نعم من قبل أنه إذا أعتق عنه بأمره فإنما ملكه عبده وأعتقه عنه بعدما ملكه قال: أفقبضه المالك المعتق عنه؟ قلت إذا أعتقه عنه بأمره فعتقه أكثر من قبضه هو لو قبضه قال: ومن أين؟ قلت إذا جاز للرجل أن يأمر الرجل أن يعتق عبد نفسه فأعتقه فجاز بأنه وكيل له ماضي الأمر فيه ما لم يرجع في وكالته وجاز للرجل أن يشتري العبد من الرجل فيعتقه المشتري بعد تفرقهما عن المقام الذي تبايعا فيه وقبل القبض فينفذ العتق؛ لأنه مالك جاز إذا ملكه سيد العبد عبده أن ينفذ عليه عتقه وعتق غيره بأمره قال: والولاء للآمر قلت نعم؛ لأنه مالك معتق قال: ومن أين يكون معتقا، وإنما أعتق عنه غيره بأمره؟ قلت إذا أمر بالعتق رجلا فأعتق عنه فهو وكيل له جائز العتق، وهو المعتق إذا وكل ونفذ العتق بأمره قال: فكيف؟ قلت في الرجل يعتق عن غيره عبده بغير أمره العتق جائز قلت نعم؛ لأنه أعتق ما يملك قال أرأيت قوله هو حر عن فلان ألهذا معنى؟ قلت أما معنى له حكم يرد به العتق أو ينتقل به الولاء فلا، قال: فما الحجة في هذا سوى ما ذكرت أرأيت لو قال: إذا أعتقه عنه بغير أمره فقبل العتق كان له الولاء قلت إذا يلزمه فيه العلة التي لا نرضى أن نقوله قال: وما هو؟ قلت يقال له هل يكون العتق إلا لمالك؟ قال: يقول لا قلنا فمتى ملك؟ قال: حين قبل قلت أفرأيت حين قبل أقبل حرا، أو مملوكا؟ قال: فأقول بل قبل حرا قلنا أفيعتق حرا أو يملكه قال: فأقول بل حين فعل علمنا أنه كان مالكا حين وهبه له قلت أفرأيت إن قال: لك قد قبلت وأبطلت عتقك أيكون العبد المعتق مملوكا له؟ قال وكيف يكون مملوكا له؟ قلت تجعله بإعتاقه إياه عنه مملوكا له قبل العتق، وإذا ملكتني عبدك، ثم أعتقته أنت، جاز تمليكك إياي وبطل عنه عتقك إذا لم أحدث له عتقا، ولم آمرك تحدثه لي قال: هذا يلزم من قال هذا، وهذا خطأ بين ما يملكه إياه إلا بعد خروجه من الرق وما أخرجه من الرق غيره فالولاء له كما قلت، وهذا قول قد قاله غيرك من أصحابنا أفتوضحه لي بشيء؟ قلت نعم أرأيت لو أعتقت عبدا لي ثم قلت بعد عتقه قد جعلت أجره وولاءه الآن لك؟ قال: فلا يكون لي أجره، ولا، ولاؤه، وإنما يقع الأجر والولاء يوم أعتقت فلما أعتقت عن نفسك لم ينتقل إلى أجرك كما لا ينتقل أجر عملك غير هذا إلي.

[قال الشافعي]: وقلت له الولاء لا يملكه إلا من أعتق، ولا يكون لمن أعتق إخراجه من ملكه إلى غيره، وهو غير الأموال المملوكة التي يحولها الناس من أموالهم إلى أموال من شاءوا قال نعم قلت فهذه الحجة على من خالفنا في هذا.