كتاب الأم - المجلد الخامس3
صفحة : 1751
قال الشافعي: أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء: الرجل يقول لامرأته: أنت خلية أو خلوت مني وقوله: أنت بريئة أو برئت مني أو يقول: أنت بائنة أو بنت مني قال: سواء. قال عطاء: أما قوله أنت طالق فسنة لا يدين في ذلك وهو الطلاق قال ابن جريج: قال عطاء: أما قوله أنت بريئة أو بائنة فذلك ما أحدثوا فيدين فإن كان أراد الطلاق فهو الطلاق وإلا فلا. قال الشافعي: أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال في قوله: أنت بريئة أو أنت بائنة أو خلية أو برئت مني أو بنت مني قال: يدين أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال: إن أراد الطلاق فهو الطلاق كقوله: أنت علي حرام قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال: فما الوجوه التي ذكرت التي تكون بها الفرقة بين الزوجين فقلت له: كل ما حكم فيه بالفرقة وإن لم ينطق بها الزوج ولم يردها وما لو أراد الزوج أن لا توقع عليه الفرقة أو وقعت فهذه فرقة لا تسمى طلاقا لأن الطلاق ليس من الزوج وهو لم يقله ولم يرضه بل يريد رده ولا يرد. قال: ومثل ماذا قلت: مثل الأمة تعتق عند العبد فتختار فراقه ومثل المرأة تكون عند العنين فيؤجل سنة فلا يمس فتختار فراقه فهاتان الفرقتان. وإن كانتا صيرتا للمرأتين بعلة العبودية في الزوج والعجز فيه وليس أن الزوج طلق ومثل ذلك أن تزوج المرأة الرجل فينتسب حرا فيوجد عبدا فتخير فتفارقه ويتزوجها الرجل فتجده أجذم أو مجنونا أو أبرص فتختار فراقه. قال: أفتعد شيئا من هذا طلاقا قلت: لا هذا فسخ عقد النكاح لا إحداث طلاق فيها ومثل الزوجين يسلم أحدهما ولا يسلم الآخر حتى تنقضي العدة. قال الشافعي رحمه الله: قال: وما يشبه هذا قلت: العبد يبتاعه فيظهر منه على عيب فيكون له رده بالعيب ورده فسخ العقد الأول وليس استئناف بيع فيه ولا يجوز أن يستأنف بيعا بغير رضى المردود عليه وهذا كله فرقة من المرأة وفرقة المرأة بغير تمليك الزوج إياها لا تكون إلا فسخ عقدة النكاح لأن الطلاق الذي جعله الله تعالى ثلاثا لا تحل النساء بعده إلا بزوج وهو إلى الرجال لا إلى النساء. قال: فهل من شيء فرقة غير هذا قلت: نعم كل ما عقد فاسدا من نكاح مثل نكاح بغير ولي ونكاح العبد بغير إذن سيده ونكاح الأمة بغير إذن سيدها فكل ما وقع من النكاح كله ليس بتام يحل فيه الجماع بالعقد ويقع الميراث بين الزوجين ولا يكون لأحد فسخه زوج ولا زوجة ولا ولي فكل ما كان هكذا فالنكاح فيه فاسد يفرق العقدة ولم تعد الفرقة طلاقا ولكنه فسخ العقد. قال: فهل من تفرقة غير هذا قلت: نعم ردة أحد الزوجين
صفحة : 1752
أو إسلام أحدهما والآخر مقيم على الكفر وقد حرم الله على الكافرين أن يغشوا المؤمنات وعلى المؤمنين غشيان الكوافر سوى أهل الكتاب وليس واحد منهما فراقا من الزوج هذا فسخ كله. قال: فهل من وجه من الفرقة غير هذا قلت: نعم الخلع. قال: فما الخلع عندك فذكرت له الاختلاف فيه قال: فإن أعطته ألفا على أن يطلقها واحدة أو اثنتين أفيملك الرجعة قلت: لا قال: ولم والطلاق منه لو أراد لم يوقعه قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقلت له: يقول الله عز وجل: فلا جناح عليهما فيما افتدت به والفدية ممن ملك عليه أمره لا تكون إلا بإزالة الملك عنه وغير جائز أن يأذن الله تعالى لها بالفدية وله أن يأخذها ثم يملك عليها أمرها بغير رضى منها. ألا ترى أن كل من أخذ شيئا على شيء يخرجه من يديه لم يكن له سبيل على ما أخرج من يديه لما أخذ عليه من العوض وقد أذن رسول الله ﷺ لثابت بن قيس أن يأخذ من امرأته حين جاءته ولم يقل له لا تأخذ منها إلا في قبل عدتها كما أمر المطلق غيره ولم يسم له طلاقا يطلقها إياه ورأى رضاه بالأخذ منها فرقة والخلع اسم مفارق للطلاق وليس المختلع بمبتدىء طلاقا إلا بجعل والمطلقون غيره لم يستجعلوا. وقلت له: الذي ذهب إليه من قول الله تبارك وتعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف إنما هو على من عليه العدة لقول الله عز وجل: طلقتموهن من قبل أن تمسوهن إلى قوله: جميلا أفرأيت إن عارضك معارض في المطلقة واحدة قبل أن يدخل بها فقال: إن الله قال: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وهذه مطلقة واحدة فيمسكها ما الحجة عليه قال: قول الله تعالى: فبلغن أجلهن فأمسكوهن وقوله في العدة: أحق بردهن في ذلك فلما لم تكن هذه معتدة بحكم الله علمت أن الله تبارك وتعالى إنما قصد بالرجعة في العدة قصد المعتدات وكان المفسر من القرآن يدل على معنى المجمل ويفترق بافتراق حال المطلقات.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقلت له: فما منعك من هذه الحجة في المختلعة وقد فرق الله تبارك وتعالى بينهما بأن جعلها مفتدية وبأن هذا طلاق بمال يؤخذ وبأن المسلمين لم يختلفوا في أن الرجل إذا قال لامرأته: أنت طالق واحدة ملك الرجعة وإن قال لها: أنت طالق واحدة على شيء يأخذه لم يملك الرجعة قال: هذا هكذا لأنه إذا تكلم بكلمة واحدة فلا يجوز أن أجعل ما أخذ عليه مالا كمن لم يأخذ المال. والحجة فيه ما ذكرت من أن من ملك شيئا بشيء يخرج منه لم يكن له على ما خرج منه سبيل كما لا يكون على ما في يليه مما أخرجه إليه مالكه لمالكه
صفحة : 1753
الذي أخرجه إليه سبيل. قال الشافعي رحمه الله: قال: فأوجدني اللفظ الذي يكون فراقا في الحكم لا تدينه فيه قلت له: هو قول الرجل: أنت طالق أو قد طلقتك أو أنت سراح أو قد سرحتك أو قد فارقتك قال: فمن أين قد فرقت بين هؤلاء الكلمات في الحكم وبين ما سواهن وأنت تدينه فيما بينه وبين الله فيهن كما تدينه في غيرهن قلت: هؤلاء الكلمات التي سمى الله تبارك وتعالى بهن الطلاق فقال: إذا طلقتم النساء وقال: فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وقال عز وجل: فمتعوهن وسرحوهن . فهؤلاء الأصول وما أشبههن مما لم يسم طلاقا في كتاب ولا سنة ولا أثر إلا بنيته فإن نوى صاحبه طلاقا مع قول يشبه الطلاق كان طلاقا وإن لم ينوه لم يكن طلاقا. الخلاف في الطلاق قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقال: إنا نوافقك في معنى ونخالفك في معنى فقلت: فاذكر المواضع التي تخالفنا فيها قال: تزعم أن من قال لامرأته أنت طالق فهو يملك الرجعة إلا أن يأخذ جعلا على قوله: أنت طالق. قلت: هذا قولنا وقول العامة قال: وتقول: إن قال لامرأته: أنت خلية أو برية أو بائنة أو كلمة غير تصريح الطلاق فلم يرد بها طلاقا فليس بطلاق قلت: وهذا قولي. قال: وتزعم أنه إن أراد بهذا الذي ليس بصريح الطلاق الطلاق وأراد واحدة كانت واحدة بائنة وكذلك إن قال: واحدة شديدة أو غليظة إذا شدد الطلاق بشيء فقلت له: أفقلت هذا خبرا أو قياسا فقال: قلت: بعضه خبرا وقست ما بقي منه على الخبر بها. قال الشافعي رحمه الله: قلت: ما الذي قلته خبرا وقست ما بقي منه على الخبر قال: روينا عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال في الرجل يخير امرأته أو يملكها إن اختارته: فتطليقة يملك فيها الرجعة وإن اختارت نفسها فتطليقة بائنة. قلت: أرويت عن علي رضي الله تعالى عنه أنه جعل ألبتة ثلاثا قال: نعم. قلت: أنت تخالف ما رويت عن علي. قال: وأين. قلت: أنت تقول إذا اختارت المرأة المملكة أو التي جعل أمرها بيدها زوجها فلا شيء قال: نعم. فقلت: قد رويت عنه حكما واحدا خالفت بعضه ورويت عنه أيضا أنه فرق بين ألبتة والتشيير والتمليك فقلت في ألبتة نيته فإن أراد واحدة فواحدة بائن وهو يجعلها ثلاثا فكيف زعمت أنك جعلت ألبتة قياسا على التخيير والتمليك وهما عندك طلاق لم يغلظ وألبتة طلاق قد غلظ فكيف قست أحدهما بالآخر وعلي رضي الله تعالى عنه يفرق بينهما وهو الذي عليه
صفحة : 1754
أصلك زعمت اعتمدت قال: فإني إنما قلت في ألبتة بحديث ركانة فقلت له: أليس جعل رسول الله ﷺ ألبتة في حديث ركانة واحدة يملك الرجعة وأنت تجعلها بائنا فقال: قال شريح: نقفه عند بدعته. فقلت: ونحن قد وقفناه عند بدعته فلما أراد واحدة جعلناها تملك الرجعة كما جعلها رسول الله ﷺ وعمر وأنت رويت عن أصحاب رسول الله ﷺ في ألبتة واحدة ويملك الرجعة أو ثلاثا فخرجت من قولهم معا بتوهم في قول شريح وشريح رجل من التابعين ليس لك عند نفسا ولا لغيرك أن يقلده ولا له عندك أن يقول مع أحد من أصحاب رسول الله ﷺ ومن قال في ألبتة ثلاثا فإنه يذهب إلى الذي يغلب على القلب أنه إذا نطق بالطلاق ثم قال ألبتة فإنما أراد الإبتات والذي ليست بعده رجعة وهو ثلاث. ومن قال: ألبتة واحدة إذا لم يرد أكثر منها ذهب فيما نرى والله تعالى أعلم إلى أن ألبتة كلمة تحتمل أكثر الطلاق وأن يقول ألبتة يقينا كما تقول: لا آتيك ألبتة وأذهب ألبتة وتحتمل صفة الطلاق فلما احتملت معاني لم نستعمل عليه معنى يحتمل غيره ولم نفرق وبينه وبين أهله بالتوهم و جعلنا ما احتمل المعاني يقابله وقولك كله خارج من هذا مفارق له. قال: فإنا قد روينا عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لا يكون طلاق بائن إلا خلع أو إيلاء فقلنا: قد خالفته فجعلت كثيرا من الطلاق بائنا سوى الخلع والإيلاء. وقلت له: أرأيت لو أن رجلا من أصحاب رسول الله ﷺ قال قولك في ألبتة وروينا عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يخالفه أفي رجل أو رجال من أصحابه حجة معه قال: لا قلنا: فقد خالفت ما جاء عن رسول الله ﷺ في ألبتة وخالفت أصحابه فلم تقل بقول واحد منهم فيها وقلت له أو يختلف عندك قول الرجل لامرأته أنت طالق ألبتة وخلية وبرية وبائن وما شدد به الطلاق أو كنى عنه وهو يريد الطلاق فقال: لا كل. هذا واحد قلت: فإن كان كل واحد من هذا عندك في معنى واحد فقد خالفت قول رسول الله ﷺ وما في معناه ثم قلت فيه قولا متناقضا. قال: وأين قلت: زعمت أنه إن قال لامرأته: أنت طالق واحدة غليظة أو شديدة كانت بائنا. وإن قال لها: أنت طالق واحدة طويلة كان يملك الرجعة وكلتا الكلمتين صفة التطليقة وتشديد لها فكيف كان يملك في إحداهما الرجعة ولا يملكها في الأخرى. أرأيت لو قال لك قائل: إذا قال: طويلة فهي بائن لأن الطويلة ما كان لها منع الرجعة حتى يطول ذلك وغليظة وشديدة ليست
صفحة : 1755
كذلك فهو يملك الرجعة أما كان أقرب بما فرق إلى الصواب منك قال الشافعي رحمه الله تعالى: وقلت له: لقد خالفت في هذا القول معاني الآثار مع فراقك معنى القرآن والسنة والآثار والقياس. قال: فمن أصحابك من يقول لا أثق به في الطلاق قلت: أولئك خالفونا وإياك فإن قلت بقولهم حاججناك وإن خالفتهم فلا تحتج بقول من لا تقول بقوله. انفساخ النكاح بين الأمة وزوجها العبد إذا عتقت أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن ربيعة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: كانت في بريرة ثلاث سنن وكان في إحدى السنن أنها أعتقت فخيرت في زوجها. أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق: أن لها الخيار ما لم يمسها فإذا مسها فلا خيار لها. أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن مولاة لبني عدي بن كعب يقال لها زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد وهي أمة يومئذ فعتقت قالت: فأرسلت إلي حفصة زوج النبي ﷺ فدعتني فقالت: إني مخبرتك خبرا ولا أحب أن تصنعي شيئا إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك قالت: ففارقته ثلاثا. قال الشافعي رحمه الله: وبهذا نأخذ في تخيير رسول الله ﷺ بريرة حين عتقت في المقام مع زوجها أو فراقه دلائل منها أن الأمة إذا عتقت عند عبد كان لها الخيار في المقام معه أو فراقه وإذا جعل رسول الله ﷺ الخيار للأمة دون زوجها فإنما جعل لها الخيار في فسخ العقدة التي عقدت عليها وإذا كانت العقدة تنفسخ فليس الفسخ بطلاق إنما جعل الله الطلاق المعدود على الرجال ما طلقوهم فأما ما فسخ عليهم فذلك لا يحتسب عليهم والله تعالى أعلم لأنه ليس بقولهم ولا بفعلهم كان. قال: وفي الحديث دلالة على أن الملك يزول عن الأمة المزوجة وعقد النكاح ثابت عليها إلا أن تفسخه حرية أو اختيار في العبد خاصة وهذا يرد على من قال بيع الأمة طلاقها لأنه إذا لم يكن خروجها من ملك سيدها الذي زوجها إياه بالعتق يخرجها من نكاح الزوج كان خروجها من ملك سيدها الذي زوجها إلى رق كرقه أولى أن لا يخرجها ولا يكون لها خيار إذا خرجت إلى الرق وبريرة قد خرجت من رق مالكها إلى ملك عائشة رضي الله تعالى عنها ومن ملك عائشة إلى العتق فجمعت الخروجين من الرق إلى الرق ومن الرق إلى العتق ثم خيرها رسول الله ﷺ بعدهما. قال: ولا يكون لها الخيار إلا بأن تكون عند عبد فأما عند
صفحة : 1756
حر فلا. الخلاف في خيار الأمة قال الشافعي: فخالفنا بعض الناس في خيار الأمة فقال: تخير تحت الحر كما تخير تحت العبد وقالوا: روينا عن عائشة رضي الله عنها أن زوج بريرة كان حرا قال: فقلت له: رواه عروة عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أن زوج بريرة كان عبدا وهما أعلم بحديث عائشة ممن رويت هذا عنه. قال: فهل تروون عن غير عائشة أنه كان عبدا فقلت: هي المعتقة وهي أعلم به من غيرها وقد روي من وجهين قد ثبت أنت ما هو أضعف منهما ونحن إنما نثبت ما هو أقوى منهما. قال: فاذكرهما قلت: أخبرنا سفيان عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أنه ذكر عنده زوج بريرة فقال: كان ذلك مغيث عبد بني فلان كأني أنظر إليه يتبعها في الطريق وهو يبكي. أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن زوج بريرة كان عبدا قال: فقال: فلم تخير تحت العبد ولا تخير تحت الحر فقلت له: لاختلاف حالة العبد والحر. قال: وما اختلافهما قلت له: الاختلاف الذي لم أر أحدا يسأل عنه. قال: وما ذاك قلت: إذا صارت حرة لم يكن العبد لها كفؤا لنقصه عنها ألا ترى أنه لا يكون وليا لبنته يزوجها ألا ترى أنه يوجب بالنكاح على الناكح أشياء لا يقدر العبد على كمالها ويتطوع الزوج الحر على المرأة بأشياء لا يقدر العبد على كمالها ومنها أن المرأة ترث زوجها ويرثها والعبد لا يرث ولا يورث ومنها أن نفقة ولد الحر عليه من الحرة ومنها أن عليه أن يعدل لامرأته وسيد العبد قد يحول بينه وبين العدل عليها ومنها أشياء يتطوع لها بها من المقام معها جل نهاره ولسيد العبد منعه من ذلك مع أشباه لهذا كثيرة يخالف فيها الحر العبد قال الشافعي رحمه الله: فقال: إنا إنما ذهبنا في هذا إلى أن خيار الأمة تحت الحر والعبد أنها نكحت وهي غير مالكة لأمرها ولما ملكت أمرها كان لها الخيار في نفسها. فقلت له: أرأيت الصبية يزوجها أبوها فتبلغ قبل الدخول أو بعده أيكون لها الخيار إذا بلغت. قال: لا قلت: فإذا زعمت أنك إنما خيرتها لأن العقدة كانت وهي لا خيار لها فإذا صار الخيار لها اختارت لزمك هذا في الصبية يزوجها أبوها. قال: فإن افترق بينها وبين الصبية قلت: أو يفترقان قال: نعم قلت: فكيف تقيسها عليها والصبية وارثة موروثة وهذه غير وارثة ولا موروثة بالنكاح ثم تقيسها عليها في الخيار التي فارقتها فيه قال: إنهما وإن افترقا في بعض
صفحة : 1757
أمرهما فهما يجتمعان في بعضه قلت: وأين قال: الصبية لم تكن يوم تزوجت ممن لها خيار للحداثة. قلت: وكذلك الأمة للرق. قال: فلو كانت حرة كان لها الخيار قلت: وكذلك لو كانت الصبية بالغة. قال: فهي لا تشبهها. قلت: فكيف تشبهها بها وأنت تقول: إذا بلغت الصبية لم يزوجها أبوها إلا برضاها وهو يزوج أمته بغير رضاها قال: فأشبهها بالمرأة تزوج وهي لا تعلم أن لها الخيار إذا علمت. قلت: هذا خطأ في المرأة هذه لا نكاح لها ولو كان ما قلت كما قلت كنت قد قستها على ما يخالفها. قال: وأين مخالفها قلت: أرأيت المرأة تنكح ولا تعلم ثم تموت قبل أن تعلم أيرثها زوجها أو يموت أترثه قال: لا قلت: ولا يحل له جماعها قبل أن تعلم قال: لا قلت: أفتجد الأمة يزوجها سيدها هل يحل سيدها جماعها قال: نعم. قلت: وكذلك بعد ما تعتق ما لم تختر فسخ النكاح. قال: نعم قلت: ولو عتقت فماتت ورثها زوجها. قال: نعم قلت: ولو مات ورثته. قال: نعم قلت: أفتراها تشبه واحدة من الاثنتين اللتين شبهتهما بها قال: فما حجتك في الفرق بين العبد والحر قلت: ما وصفت لك فإن أصل النكاح كان حلالا جائزا فلم يحرم النكاح بتحول حال المرأة إلى أحسن ولا أسوأ من حالها الأول إلا بخبر لا يسع خلافه فلما جاءت السنة بتخيير بريرة وهي عند عبد قلنا به اتباعا لأمر رسول الله ﷺ الذي ألزمنا الله اتباعه حيث قال وقالنا: الحر خلاف العبد لما وصفنا وأن الأمة إذا خرجت إلى الحرية لم تكن أحسن حالا منه أكثر ما فيها أن تساويه وهو إذا كان مملوكا فعتقت خرجت من مساواته. قال: وكيف لم تجعلوا الحر قياسا على العبد فقلت. وكيف نقيس بالشيء خلافه قال: إنهما يجتمعان في معنى أنهما زوجان قلت: ويفترقان في أن حالهما مختلفة. قال: فلم لا تجمع بينهما حيث يجتمعان. قال: قلت: افتراقهما أكثر من اجتماعهما والذي هو أولى بي إذا كان الأكثر من أمرهما الافتراق أن يفرق بينهما ونحن نسألك. قال: سل. قلت: ما تقول في الأمة إذا أعتقت تخير قال: نعم قلت: فإن بيعت تخير. قال: لا قلت: ولم وقد زال رق الذي زوجها فصار في حاله هذه لو ابتدأ نكاحها لم يجز كما لو أنكحها حرة بغير إذنها لم يجز. قال: هما وإن اجتمعا في أن ملك المنكح زائل عن المنكحة فحال الأمة المنكحة مختلفة في أنها انتقلت من رق إلى رق وهي في العتاقة انتقلت من رق إلى حرية. قلت: ففرقت بينهما إذا افترقا في معنى وإن اجتمعا في آخر قال: نعم قلت: فتفريقي بين الخيار في عبد وحر أكثر مما وصفت وأصل الحجة فيه ما وصفت من أن النكاح
صفحة : 1758
كان حلالا وما كان حلالا لم يجز تحريمه ولا فسخه إلا بسنة ثابتة أو أمر أجمع الناس عليه فلما كانت السنة في تخيير الأمة إذا عتقت عند عبد لم نعد ما روينا من السنة ولم يحرم النكاح إلا في مثل ذلك المعنى وإنما جعل للأمة الخيار في التفريق والمقام والمقام لا يكون إلا والنكاح حلال إلا أن الخيار إنما يكون عندنا والله تعالى أعلم لنقص العبد عن الحرية والعلل التي فيه التي قد يمنع اللعان قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء وقال تعالى: والذين يرمون أزواجهم إلى أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فلما حكم الله في الزوج القاذف بأن يلتعن دل ذلك على أن الله إنما أراد بقوله: والذين يرمون المحصنات القذفة غير الأزواج وكان القاذف الحر الذمي والعبد المسلم والذمي إذا قذفوا الحرة المسلمة جلدوا الحد معا فجلد الحر حد الحر والعبد حد العبد وأنه لم يبرأ قاذف بالغ يجري عليه الحكم من لم يحد حده إن لم يخرج منه بما أخرجه الله تعالى به من الشهود على المقذوفة لأن الآية عامة على المقذوفة كانت الآية في اللعان كذلك والله تعالى أعلم عامة على الأزواج القذفة فكان كل زوج قاذف يلاعن أو يحد إن كانت المقذوفة ممن لها حد أو لم تكن لأن على من قذفها إذا لم يكن لها حد تعزيزا وعليها حد إذا لم تلتعن بكل حال لأنه لا افتراق بين عموم الآيتين معا وكما جعل الله الطلاق إلى الأزواج قال: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن وقال عز وجل: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقال: إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن فكان هذا عاما للأزواج والنساء لا يخرج منه زوج مسلم حر ولا عبد ولا ذمي حر ولا عبد فكذلك اللعان لا يخرج منه زوج ولا زوجة. وقال: وفيما حكي عن رسول الله ﷺ إذ لاعن بين أخوي بني العجلان ولم يتكلف أحد حكاية النبي ﷺ في اللعان أن يقول: قال للزوج: قل: كذا ولا للمرأة قولي: كذا إنما تكلفوا حكاية جملة اللعان دليل على أن الله عز وجل إنما نصب اللعان حكاية في كتابه فإنما لاعن رسول الله ﷺ بين المتلاعنين بما حكم الله عز وجل في القرآن وقد حكى من حضر اللعان في اللعان ما احتيج إليه مما ليس في القرآن منه. قال: فإذا لاعن الحاكم بين الزوجين وقال. للزوج: قل: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا ثم ردها عليه حتى يأتي بها أربع مرات فإذا فرغ من الرابعة وقفه وذكره وقال: اتق الله تعالى أن تبوء
صفحة : 1759
بلعنة الله فإن قولك: إن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا موجبة يوجب عليك اللعنة إن كنت كاذبا فإن وقف كان لها عليه الحد إن قامت به وإن حلف لها فقد أكمل ما عليه من اللعان وينبغي أن يقول للزوجة فتقول: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا حتى تقولها أربعا فإذا أكملت أربعة وقفها وذكرها وقال: اتقي الله واحذري أن تبوئي بغضب الله فإن قولك: علي غضب الله إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا يوجب عليك غضب الله إن كنت كاذبة فإن مضت فقد فرغت مما عليها وسقط الحد عنهما وهذا الحكم عليهما والله ولي أمرهما فيما غاب عما قالا. فإن لاعنها بإنكار ولد أو حبل قال: أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا وإن ولدها هذا أو حبلها هذا إن كان حبلا لمن زنا ما هو مني ثم يقولها في كل شهادة. وفي قوله: وعلي لعنة الله حتى تدخل مع حلفه على صدقه على الزنا لأنه قد رماها بشيئين: بزنا وحمل أو ولد ينفيه فلما ذكر الله عز وجل الشهادات أربعا ثم فصل بينهن باللعنة في الرجل والغضب في المرأة دل ذلك على حال افتراق الشهادات في اللعنة والغضب واللعنة والغضب بعد الشهادة موجبتان على من أوجب عليه لأنه متجرىء على النفي وعلى الشهادة بالله تعالى باطلا ثم يزيد فيجترىء على أن يلتعن وعلى أن يدعو بلعنة الله فينبغي للوالي إذا عرف من ذلك ما جهلا أن يفقههما نظرا لهما استدلالا بالكتاب والسنة. أخبرنا ابن عيينة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس أن النبي ﷺ حين لاعن بين المتلاعنين أمر رجلا أن يضع يده على فيه في الخامسة وقال: إنها موجبة أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم أرأيت لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل سل لي يا عاصم رسول الله ﷺ. قال: فسأل عاصم رسول الله ﷺ فكره رسول الله ﷺ المسائل وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله ﷺ فلما رجع إلى أهله جاءه عويمر فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله ﷺ فقال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير قد كره رسول الله ﷺ المسألة التي سألته عنها. فقال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها فجاء عويمر ورسول الله ﷺ وسط الناس فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم
صفحة : 1760
كيف يفعل فقال رسول الله ﷺ: قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فاذهب فائت بها فقال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله ﷺ فلما فرغ من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله ﷺ قال مالك: وقال ابن شهاب: فكانت تلك سنة المتلاعنين. قال الشافعي رحمه الله: سمعت إبراهيم بن سعد بن إبراهيم يحدث عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أنه أخبره قال: جاء عويمر العجلاني إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال: يا عاصم بن عدي سل لي رسول الله ﷺ عن رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فيقتل به أم كيف يصنع فسأل عاصم رسول الله ﷺ عن ذلك فعاب رسول الله ﷺ المسائل فلقيه عويمر فقال: ما صنعت قال: صنعت أنك لم تأتني بخير سألت رسول الله ﷺ فعاب المسائل فقال عويمر: والله لآتين رسول الله ﷺ ولأسألنه فأتاه فوجده قد أنزل الله عليه فيهما فدعاهما فلاعن بينهما فقال عويمر: لئن انطلقت بها لقد كذبت عليها ففارقها قبل أن يأمره رسول الله ﷺ. قال ابن شهاب: فصارت سنة في المتلاعنين ثم قال رسول الله: أبصروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا قال: فجاءت به على النعت المكروه. قال الشافعي رحمه الله: الوحرة دابة تشبه الوزع. أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن النبي ﷺ قال: إن جاءت به أشقر سبطا فهو لزوجها وإن جاءت به أديعج فهو للذي يتهمه . فجاءت به أديعج أخبرنا عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن سهل بن سعد عن النبي ﷺ في المتلاعنين مثل معنى حديث مالك وإبراهيم فلما انتهى إلى فراقها قال في الحديث: ففارقها وما أمره رسول الله ﷺ بفراقها فمضت سنة المتلاعنين. وقال رسول الله ﷺ: انظروها فإن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة فلا أحسبه إلا كذب عليها وإن جاءت به أسحم أعين ذا أليتين فلا أحسبه إلا قد صدق عليها فجاءت به على الأمر المكروه. أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أخي بني ساعدة: أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته
صفحة : 1761
رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل فأنزل الله عز وجل في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين وقال رسول الله ﷺ: قد قضى فيك وفي امرأتك فتلاعنا وأنا شاهد ثم فارقها عند رسول الله ﷺ فكانت السنة بعد فيهما أن يفرق بين المتلاعنين. قال: فكانت حاملا فأنكره فكان ابنها يدعى إلى أمه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: في حديث ابن أبي ذئب دليل على أن سهل بن سعد قال: فكانت سنة المتلاعنين. وفي حديث مالك وإبراهيم كأنه قول ابن شهاب وقد يكون هذا غير مختلف يقوله مرة ابن شهاب ولا يذكر سهلا ويقوله أخرى ويذكر سهلا. ووافق ابن أبي ذئب إبراهيم بن سعد فيما زاد في آخر الحديث على حديث مالك وقد حدثنا سفيان عن ابن شهاب عن سهل بن سعد قال: شهدت المتلاعنين عند رسول الله ﷺ وأنا ابن خمس عشرة سنة ثم ساق الحديث ولم يتقنه إتقان هؤلاء. أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن يحيى بن سعيد حدثه عن القاسم بن محمد عن ابن عباس: أن رجلا جاء إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله والله ما لي عهد بأهلي منذ عفار النخل وعفارها أنها إذا كانت تؤبر تعفر أربعين يوما ولا تسقى إلا بعد الإبار قال: فوجدت مع امرأتي رجلا قال: وكان زوجها مصفرا حمش الساقين سبط الشعر والذي رميت به خدلا إلى السواد جعدا قططا مستها فقال رسول الله ﷺ: اللهم بين ثم لاعن بينهما فجاءت برجل يشبه الذي رميت به أخبرنا ابن عيينة عن أبي الزناد عن القاسم بن محمد قال: شهدت ابن عباس رضي الله عنهما يحدث بحديث المتلاعنين قال: فقال له رجل: أهي التي قال رسول الله ﷺ: لو كنت راجما أحدا بغير بينة رجمتها فقال ابن عباس: لا تلك امرأة كانت قد أعلنت. أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن الهاد عن عبد الله بن يونس أنه سمع المقبري يحدث عن محمد بن كعب القرظي قال المقبري: وحدثني أبو هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: لما نزلت آية المتلاعنين قال رسول الله ﷺ: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه به على رؤوس الأولين والآخرين . وسمعت ابن عيينة يقول: أخبرنا عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أن النبي ﷺ قال للمتلاعنين: حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك
صفحة : 1762
عليها قال يا رسول الله مالي. قال: لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها أو منه . أخبرنا: سفيان بن عيينة عن أيوب عن سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عمر يقول: فرق رسول الله ﷺ بين أخوي بني العجلان قال: هكذا بأصبعه المسبحة والوسطى فقرنهما الوسطى والتي تليها يعني المسبحة قال: الله يعلم إن أحدكما كاذب فهل منكما تائب أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلا لاعن امرأته في زمان رسول الله ﷺ وانتفى من ولدها ففرق رسول الله ﷺ بينهما وألحق الولد بالمرأة. قال الشافعي: ففي حكم اللعان في كتاب الله ثم سنة رسول الله ﷺ دلائل واضحة ينبغي لأهل العلم أن ينتدبوا بمعرفته ثم يتحروا أحكام رسول الله ﷺ في غيره على أمثاله فهو دون الفرض وتنتفى عنهم الشبه التي عارض بها من جهل لسان العرب وبعض السنن وغني عن موضع الحجة منها أن عويمرا سأل رسول الله ﷺ: عن رجل وجد مع امرأته رجلا فكره رسول الله ﷺ المسائل. وذلك أن عويمرا لم يخبره أن هذه المسألة كانت. وقد أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه أن النبي ﷺ قال: إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يكن فحرم من أجل مسألته . وأخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي ﷺ مثل معناه قال الله عز وجل: لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم إلى قوله: بها الكافرين . قال الشافعي رحمه الله تعالى: كانت المسائل فيها فيما لم ينزل إذا كان الوحي ينزل بمكروه لما ذكرت من قول الله تبارك وتعالى ثم قول رسول الله ﷺ وغيره فيما في معناه وفي معناه كراهية لكم أن تسألوا عما لم يحرم فإن حرمه الله في كتابه أو على لسان رسوله ﷺ حرم أبدا إلا أن ينسخ الله تحريمه في كتابه أو ينسخ على لسان رسوله ﷺ. وفيه دلائل: على أن ما حرم رسول الله ﷺ بإذن الله تعالى إلى يوم القيامة بما وصفت وغيره من افتراض الله تعالى طاعته في غير آية من كتابه وما جاء عنه ﷺ مما قد وصفته في غير هذا الموضع وفيه دلالة على أن رسول الله ﷺ حين وردت عليه هذه المسألة وكانت حكما وقف عن جوابها حتى أتاه من الله عز وجل الحكم فيها فقال لعويمر: قد أنزل الله فيك وفي
صفحة : 1763
صاحبتك فلاعن بينهما كما أمر الله تعالى في اللعان ثم فرق بينهما وألحق الولد بالمرأة ونفاه عن الأب وقال له: لا سبيل لك عليها ولم يردد الصداق على الزوج فكانت هذه أحكاما وجبت باللعان ليست باللعان بعينه فالقول فيها واحد من قولين: أحدهما أني سمعت ممن أرضى دينه وعقله وعلمه يقول: إنه لم يقض فيها ولا غيرها إلا بأمر الله تبارك وتعالى قال: فأمر الله إياه وجهان: أحدهما وحي ينزله فيتلى على الناس والثاني: رسالة تأتيه عن الله تعالى بأن افعل كذا فيفعله ولعل من حجة من قال هذا القول أن يقول: قال الله تبارك وتعالى: وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم فيذهب إلى أن الكتاب هو ما يتلى عن الله تعالى والحكمة هي ما جاءت به الرسالة عن الله مما بينت سنة لرسول الله ﷺ وقد قال الله عز وجل لأزواجه: واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ولعل من حجته أن يقول: قال رسول الله ﷺ لأبي الزاني بامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله عز ذكره أما إن الغنم والخادم رد عليك وإن امرأته ترجم إذا اعترفت . وجلد ابن الرجل مائة وغربه عاما ولعله يذهب إلى أنه إذا انتظر الوحي في قضية لم ينزل عليه فيها انتظره كذلك في كل قضية وإذا كانت قضية أنزل عليه كما أنزل في حد الزاني وقضاها على ما أنزل عليه وإذا ما أنزلت عليه جملة في تبيين عن الله يمضي معنى ما أراد بمعرفة الوحي المتلو والرسالة إليه التي تكون بها سنته لما يحدث في ذلك المعنى بعينه. وقال غيره: سنة رسول الله ﷺ وجهان: أحدهما ما تبين مما في كتاب الله المبين عن معنى ما أراد الله بحمله خاصا وعاما والآخر: ما ألهمه الله من الحكمة وإلهام الأنبياء وحي. ولعل من حجة من قال هذا القول أن يقول: قال الله عز وجل فيما يحكي عن إبراهيم: إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر فقال غير واحد من أهل التفسير: رؤيا الأنبياء وحي لقول ابن إبراهيم الذي أمر بذبحه: يا أبت افعل ما تؤمر ومعرفته أن رؤياه أمر من ربه. وقال الله تبارك وتعالى لنبيه: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس إلى قوله: في القرآن وقال غيرهم: سنة رسول الله ﷺ حي وبيان عن وحي وأمر جعله الله تعالى إليه بما ألهمه من حكمته وخصه به من نبوته وفرض على العباد اتباع أمر رسول الله ﷺ في كتابه وقال: وليس تعدو السنن كلها واحدا من هذه المعاني التي وصفت باختلاف من حكيت عنه من أهل العلم وأيها كان
صفحة : 1764
فقد ألزمه الله تعالى خلقه وفرض عليهم اتباع رسوله فيه وفي انتظار رسول الله ﷺ الوحي في المتلاعنين حتى جاءه فلاعن ثم سن الفرقة وسن نفي الولد ولم يردد الصداق على الزوج وقد طلبه دلالة على أن سنته لا تعدو واحدا من الوجوه التي ذهب إليها أهل العلم بأنها تبين عن كتاب الله إما برسالة من الله أو إلهام له وإما بأمر جعله الله إليه لموضعه الذي وضعه من دينه وبيان لأمور منها: أن الله تعالى أمره أن يحكم على الظاهر ولا يقيم حدا بين اثنين إلا به لأن الظاهر يشبه الاعتراف من المقام عليه الحد أو بينة ولا يستعمل على أحد في حد ولا حق وجب عليه دلالة على كذبه ولا يعطي أحدا بدلالة على صدقه حتى كون الدلالة من الظاهر في العام لا من الخاص فإذا كان هذا هكذا في أحكام رسول الله ﷺ كان من بعده من الولاة أولى أن لا يستعمل دلالة ولا يقضي إلا بظاهر أبدا فإن قال قائل: ما دل على هذا قلنا قال رسول الله ﷺ في المتلاعنين: إن أحدكما كاذب فحكم على الصادق والكاذب حكما واحدا: أن أخرجهما من الحد. وقال رسول الله ﷺ: إن جاءت به أحيمر فلا أراه إلا قد كذب عليها وان جاءت به أديعج فلا أراه إلا قد صدق . فجاءت به على النعت المكروه وقال رسول الله ﷺ: إن أمره لبين لولا ما حكم الله فأخبر أن صدق الزوج على الملتعنة بدلالة على صدقه وكذبه بصفتين فجاءت دلالة على صدقه فلم يستعمل عليها الدلالة وأنفذ عليها ظاهر حكم الله تعالى من ادراء الحد وإعطائها الصداق مع قول رسول الله ﷺ: إن أمره لبين لولا ما حكم الله . وفي مثل معنى هذا من سنة رسول الله ﷺ قوله: إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار فأخبر أنه يقضي على الظاهر من كلام الخصمين وإنما يحل لهما ويحرم عليهما فيما بينهما وبين الله على ما يعلمان ومن مثل هذا المعنى من كتاب الله قول الله عز وجل: إذا جاءك المنافقون إلى قوله: لكاذبون فحقن رسول الله ﷺ كل دماءهم بما أظهروا من الإسلام وأقرهم على المناكحة والموارثة وكان الله أعلم بدينهم بالسرائر فأخبره الله تعالى أنهم في النار فقال: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار لهذا يوجب على الحكام ما وصفت من ترك الدلالة الباطنة والحكم بالظاهر من القول أو البينة أو الاعتراف أو الحجة ودل أن عليهم
صفحة : 1765
أن ينتهوا إلى ما انتهى بهم إليه كما انتهى رسول الله ﷺ في المتلاعنين إلى ما انتهى به إليه ولم يحدث رسول الله ﷺ في حكم الله وأمضاه على الملاعنة بما ظهر له من صدق زوجها عليها بالاستدلال بالولد أن يحدها حد الزانية فمن بعده من الحكام أولى أن لا يحدث في شيء لله فيه حكم ولا لرسوله ﷺ غير ما حكما به بعينه أو ما كان في معناه. وواجب على الحكام والمفتين أن لا يقولوا إلا من وجه لزم من كتاب الله أو سنة أو إجماع فإن لم يكن في واحد من هذه المنازل اجتهدوا عليه حتى يقولوا مثل معناه ولا يكون لهم والله أعلم أن يحدثوا حكما ليس في واحد من هذا ولا في مثل معناه. ولما حكم الله على الزوج يرمي المرأة باللعان ولم يستثن إن سمى من يرميها به أو لم يسمه ورمى العجلاني امرأته برجل بعينه فالتعن ولم يحضر رسول الله ﷺ المرمي بالمرأة والتعن العجلاني استدللنا على أن الزوج إذا التعن لم يكن للرجل الذي رماه بامرأته عليه حد ولو كان أخذه له رسول الله ﷺ وبعث إلى المرمي فسأله فإن أقر حد وإن أنكر حد له الزوج. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا للإمام إذا رمى رجل رجلا بزنا أو حد أن يبعث إليه ويسأله عن ذلك لأن الله عز وجل يقول: ولا تجسسوا قال: وإن شبه على أحد أن النبي ﷺ بعث أنيسا إلى امرأة رجل فقال: إن اعترفت فارجمها فتلك امرأة ذكر أبو الزاني بها أنها زنت فكان يلزمه أن يسأل: فإن أقرت حدت وسقط الحد عمن قذفها وإن أنكرت حد قاذفها. وكذلك لو كان قاذفها زوجها لزمه الحد إن لم تقر وسقط عنه إن أقرت ولزمها. فلا يجوز والله أعلم أن يحد رجل لامرأة ولعلها تقر بما قال. ولا يترك الإمام الحد لها وقد سمع قذفها حتى تكون تتركه. فلما كان القاذف لامرأته إذا التعن لو جاء المقذوف بعينه يطلب حده لم يؤخذ له الحد في القذف الذي يطلبه المقذوف بعينه لم يكن لمسألة المقذوف معنى إلا أن يسأل ليحد ولم يسأله رسول الله ﷺ وإنما سأل المقذوفة والله أعلم للحد الذي يقع لها إن لم تقر بالزنا ولم يلتعن الزوج ولو أقرت بالزنا لم يحد زوجها ولم يلتعن وجلدت أو رجمت وإن رجعت لم تحد لأن لها فيما أقرت به من حد الله عز وجل الرجوع ولم يحد زوجها لأنها مقرة بالزنا. ولما حكى سهل بن سعد شهود المتلاعنين مع حداثته وحكاه ابن عمر استدللنا على أن اللعان لا يكون إلا بمحضر طائفة من المؤمنين لأنه لا يحضر أمرا يريد رسول الله ﷺ ستره ولا يحضره إلا وغيره حاضر له.
صفحة : 1765
أن ينتهوا إلى ما انتهى بهم إليه كما انتهى رسول الله ﷺ في المتلاعنين إلى ما انتهى به إليه ولم يحدث رسول الله ﷺ في حكم الله وأمضاه على الملاعنة بما ظهر له من صدق زوجها عليها بالاستدلال بالولد أن يحدها حد الزانية فمن بعده من الحكام أولى أن لا يحدث في شيء لله فيه حكم ولا لرسوله ﷺ غير ما حكما به بعينه أو ما كان في معناه. وواجب على الحكام والمفتين أن لا يقولوا إلا من وجه لزم من كتاب الله أو سنة أو إجماع فإن لم يكن في واحد من هذه المنازل اجتهدوا عليه حتى يقولوا مثل معناه ولا يكون لهم والله أعلم أن يحدثوا حكما ليس في واحد من هذا ولا في مثل معناه. ولما حكم الله على الزوج يرمي المرأة باللعان ولم يستثن إن سمى من يرميها به أو لم يسمه ورمى العجلاني امرأته برجل بعينه فالتعن ولم يحضر رسول الله ﷺ المرمي بالمرأة والتعن العجلاني استدللنا على أن الزوج إذا التعن لم يكن للرجل الذي رماه بامرأته عليه حد ولو كان أخذه له رسول الله ﷺ وبعث إلى المرمي فسأله فإن أقر حد وإن أنكر حد له الزوج. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا للإمام إذا رمى رجل رجلا بزنا أو حد أن يبعث إليه ويسأله عن ذلك لأن الله عز وجل يقول: ولا تجسسوا قال: وإن شبه على أحد أن النبي ﷺ بعث أنيسا إلى امرأة رجل فقال: إن اعترفت فارجمها فتلك امرأة ذكر أبو الزاني بها أنها زنت فكان يلزمه أن يسأل: فإن أقرت حدت وسقط الحد عمن قذفها وإن أنكرت حد قاذفها. وكذلك لو كان قاذفها زوجها لزمه الحد إن لم تقر وسقط عنه إن أقرت ولزمها. فلا يجوز والله أعلم أن يحد رجل لامرأة ولعلها تقر بما قال. ولا يترك الإمام الحد لها وقد سمع قذفها حتى تكون تتركه. فلما كان القاذف لامرأته إذا التعن لو جاء المقذوف بعينه يطلب حده لم يؤخذ له الحد في القذف الذي يطلبه المقذوف بعينه لم يكن لمسألة المقذوف معنى إلا أن يسأل ليحد ولم يسأله رسول الله ﷺ وإنما سأل المقذوفة والله أعلم للحد الذي يقع لها إن لم تقر بالزنا ولم يلتعن الزوج ولو أقرت بالزنا لم يحد زوجها ولم يلتعن وجلدت أو رجمت وإن رجعت لم تحد لأن لها فيما أقرت به من حد الله عز وجل الرجوع ولم يحد زوجها لأنها مقرة بالزنا. ولما حكى سهل بن سعد شهود المتلاعنين مع حداثته وحكاه ابن عمر استدللنا على أن اللعان لا يكون إلا بمحضر طائفة من المؤمنين لأنه لا يحضر أمرا يريد رسول الله ﷺ ستره ولا يحضره إلا وغيره حاضر له.
صفحة : 1766
وكذلك جميع حدود الزنا يشهدها طائفة من المؤمنين أقلهم أربعة لأنه لا يجوز في شهادة الزنا أقل منهم وهذا يشبه قول الله عز وجل في الزانيين: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين وقال سهل بن سعد في حديثه: فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله ﷺ وقال ابن أبي ذئب وابن جريج في حديث سهل: وكانت سنة المتلاعنين وقال ابن شهاب في حديث مالك وابراهيم بن سعد: فكانت سنة المتلاعنين فاحتمل معنيين: أحدهما أنه إن كان طلقها قبل الحكم فكان ذلك إليه لم يكن اللعان فرقة حتى يجددها الزوج ولم يجبر الزوج عليها وقد روي عن سعيد بن المسيب مثل معنى هذا القول. ولو كان هذا هكذا كان رسول الله ﷺ يعيب على المطلق ثلاثا أن يطلقها لأنه لو لم يكن له أن يطلقها إلا واحدة قال: لا تفعل مثل هذا والله أعلم. فسئل وإذ لم ينهه النبي ﷺ عن الطلاق ثلاثا بين يديه فلو كان طلاقه إياها كصمته عند النبي ﷺ وكان اللعان فرقة فجهله المطلق ثلاثا أشبه والله أعلم أن يعلمه: أنه ليس له أن يطلق ثلاثا في الموضع الذي ليس له فيه الطلاق. ويحتمل طلاقه ثلاثا أن يكون بما وجد في نفسه بعلمه بصدقه وكذبها وجراءتها على اليمين طلقها ثلاثا جاهلا بأن اللعان فرقة فكان كمن طلق من طلق عليه بغير طلاقه وكمن شرط العهدة في البيع والضمان والسلف وهو يلزمه شرط أو لم يشرط. فإن قال قائل: ما دل على أن هذا المعنى أولى المعاني به قيل: قال سهل بن سعد وابن شهاب ففارقها حاملا فكانت تلك سنة المتلاعنين معنى قولهما: الفرقة لا أن سنة المتلاعنين أنه لا تقع فرقة إلا بطلاقه ولو كان ذلك كذلك لم يكن عليه أن يطلق. وزاد ابن عمر عن النبي ﷺ: أنه فرق بين المتلاعنين وتفريق النبي ﷺ غير فرقة الزوج إنما هو تفريق حكم. فإن قال قائل: هذان حديثان مختلفان فليسا عندي مختلفين. وقد يكون ابن عمر شهد متلاعنين غير المتلاعنين اللذين شهدهما سهل وأخبر عما شهد وأخبر سهل عما شهد فيكون اللعان إذا كان فرقة بطلاق الزوج وسكوته سواء. أو يكون ابن عمر شهد المتلاعنين اللذين شهد سهل فسمع النبي ﷺ حكم أن اللعان فرقة فحكى أنه فرق بين المتلاعنين سمع الزوج طلق أو لم يسمعه وذهب على سهل حفظه أو لم يذكره في حديثه وليس هذا اختلافا. هذا حكاية لمعنى بلفظين مختلفين أو مجتمعي المعنى مختلفي اللفظ أو حفظ بعض ما لم يحفظ من حضر معه. ولما قال رسول الله ﷺ للمتلاعنين: حسابكما على الله
صفحة : 1767
أحدكما كاذب دل على ما وصفت في أول المسألة: من أنه يحكم على ما ظهر له والله ولي ما غاب عنه. ولما قال رسول الله ﷺ: لا سبيل لك عليها استدللنا على أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا إذ لم يقل رسول الله ﷺ: إلا أن تكذب نفسك أو تفعل كذا أو يكون كذا كما قال الله تبارك وتعالى في المطلق الثالثة: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره. فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا واستدللنا بأن رسول الله ﷺ نفى الولد وقد قال عليه الصلاة والسلام: الولد للفراش ولا يجوز أن ينفي الولد والفراش ثابت. فإن قال قائل: فيزول الفراش عند النفي ويرجع إذا أقر به قيل له: لما سأل زوج المرأة الصداق الذي أعطاها قال له رسول الله ﷺ: إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وان كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها أو منه دل ذلك على أن ليس له الرجوع بالصداق الذي قد لزمه بالعقد والمسيس مع العقد وكانت الفرقة من قبله جاءت. فإن قال قائل: على أن الفرقة جاءت من قبله وقد رماها بالزنا قيل له: قد كان يحل له المقام معها وإن زنت وقد يمكن أن يكون كذب عليها فالفرقة به كانت لأنه لم يحكم عليه بها إلا بقذفه والتعانه وإن كانت هي لها سببا كما تكون سببا للخلع فيكون من قبله من قبل أنه لو شاء لم يقبل الخلع. والملاعن ليس بمغرور من نكاح فاسد ولا بحرام وما أشبهه يرجع بالمهر على من غره. ولما قال ابن جريج في حديث سهل الذي حكى فيه حكم النبي ﷺ بين المتلاعنين: أنها كانت حاملا فأنكر حملها فكان ولدها ينسب إلى أمه دل ذلك على معان منها: قد شبه على بعض من ينسب إلى العلم فيها أنه رماها بالزنا ورميه إياها بالزنا يوجب عليه الحد أو اللعان. ومنها: أنه أنكر حملها فلاعن رسول الله ﷺ بينهما بالرمي بالزنا وجعل الحمل إن كان منفيا عنه إذ زعم أنه من الزنا وقال: إن جاءت به كذا فهو للذي يتهمه فجاءت به على ذلك النعت. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فلو أن رجلا قال لامرأته وهي ترى أنها حبلى: ما هذا الحمل مني قيل له: أردت أنها زنت فإن قال: لا وليست بزانية ولكني لم أصبها قيل له: فقد يحتمل أن يخطىء هذا الحبل فتكون صادقا وتكون غير زانية فلا حد ولا لعان حتى تضع فإذا استيقنا أنه حبل قلنا: ما أردت فإن قال كما أول مرة قلنا: قد يحتمل أن تأخذ نطفتك فتدخلها فتحبل منك فتكون أنت صادقا في الظاهر بأنك لم تصبها وهي صادقة بأنه ولدك فإن قذفت لاعنت
صفحة : 1768
ونفيت الولد أو حددت ولا يلاعن بحمل لا قذف معه لأنه قد يكون حملا. وقد ذهب بعض من نظر في العلم إلى أن النبي ﷺ لاعن بالحمل وإنما لاعن بالقذف ونفي الولد إذا كان من الحمل الذي به القذف. ولما نفى رسول الله ﷺ الولد عن العجلاني بعدما وضعته أمه وبعد تفريقه بين المتلاعنين استدللنا هذا الحكم وحكم: أن الولد للفراش على أن الولد لا ينفى إلا بلعان وعلى أنه إذا كان للزوج نفيه وامرأته عنده. وإذا لاعنها كان له نفي ولدها إن جاءت به بعد ما يطلقها ثلاثا لأنه بسبب النكاح المتقدم. وأن رسول الله ﷺ نفاه يوم نفاه وليست له بزوجة ولكنه من زوجة كانت وبإنكار متقدم له. قال: وسواء قال: رأيت فلانا يزني بها أو لم يسمه فإذا قذفها بالزنا وادعى الرؤية للزنا أو لم يدعها أو قال: استبرأتها قبل أن تحمل حتى علمت أن الحمل ليس مني أو لم يقله يلاعنها في هذه الحالات كلها وينفي عنه الولد إذا أنكره فيها كلها إلا في خصلة واحدة وهي: في أن يذكر أنها زنت في وقت من الأوقات لم يرها تزني قبله ببلد لأقل من ستة أشهر من ذلك الوقت فيعلم أنه ابنه وأنه لم يدع زنا يمكن أن يكون هذا الحبل منه إنما ينفي عنه إذا ادعى ما يمكن أن يكون من غيره بوجه من الوجوه. أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء: الرجل يقذف امرأته وهو يقر بأنه قد أصابها في الطهر الذي رأى عليه فيه ما رأى أو قبل أن يرى عليها ما رأى قال: يلاعنها والولد لها. قال ابن جريج: قلت لعطاء: أرأيت إن نفاه بعد أن تضعه قال: يلاعنها والولد لها. قال الشافعي رحمه الله: وبهذا كله نقول وهو معنى الكتاب والسنة إلا أن يقر بحملها فلا يكون له نفيه بعد الإقرار به أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء: الرجل يقذف امرأته قبل أن تهدى إليه قال: يلاعنها والولد لها. قال: أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه قال: يلاعنها والولد لها إذا قذفها قبل أن تهدى إليه. أخبرنا سعيد عن ابن جريج في الرجل يقول لامرأته: يا زانية وهو يقول لم أر ذلك عليها قال: يلاعنها. وبهذا كله نأخذ. وقد ذهب بعض من ينسب إلى العلم: إلى أنه إنما ينفي الولد إذا قال: قد استبرأتها فكأنه إنما ذهب إلى نفي الولد عن العجلاني إذ قال: لم أقربها منذ كذا وكذا ولسنا نقول بهذا. نحن ننفي الولد عنه بكل حال إذا أنكره فيما يمكن أن يكون من غيره فإن قال قائل: آخذ بالحديث على ما جاء قيل له: فالحديث على أن العجلاني سمى الذي رأى بعينه يزني بها وذكر أنه لم يصب هو امرأته منذ أشهر العلامة التي تثبت صدق الزوج في الولد
صفحة : 1769
أفرأيت إن قذف الرجل امرأته ولم يسم من أصابها ولم يدع رؤيته فإن قال: يلاعنها قيل له: أفرأيت إن أنكر الحمل ولم ير الحاكم فيه علامة بصدق الزوج أينفيه فإن قال: نعم قيل: فقد لاعنت قبل ادعاء رؤيته وإنما لاعن رسول الله ﷺ بادعاء رؤية الزوج ونفيت بغير دلالة على صدق الزوج وقد رأى النبي ﷺ صدق الزوج في شبه الولد. فإن قال: فما حجتنا وحجتك في هذا قلت: مثل حجتنا إذا فارق الرجل امرأته. قلنا: قبل أن يأمره رسول الله ﷺ وكانت سنة المتلاعنين الفرقة ولم يقل حين فرق إنها ثلاث. فإن قال: وما الدليل على ما وصفت من أن ينفي الولد وإن لم يدع الزوج الاستبراء ويلاعن وإن لم يدع الزوج الرؤية قيل: مثل الدليل على كيف لاعن رسول الله ﷺ وإن لم يحك عنه فعلمنا أنه لم يعد ما أمره الله به. فإن قال قائل: فأوجدنا ما وصفت قلت: قال الله تبارك وتعالى في الذين يرمون المحصنات: ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة فكانت الآية عامة على رامي المحصنة فكان سواء قال الرامي لها: رأيتها تزني أو رماها ولم يقل رأيتها تزني فإنه يلزمه اسم الرامي. قال الله تبارك وتعالى: والذين يرمون أزواجهم إلى فشهادة أحدهم . فكان الزوج راميا. قال: رأيت أو علمت بغير رؤية فلما قبل منه ما لم يقل فيه من القذف رأيت يلاعن به بأنه داخل في جملة القذفة غير خارج منهم إذا كان إنما قبل في هذا قوله وهو غير شاهد لنفسه قبل قوله: إن هذا الحمل ليس مني وإن لم يذكر استبراء قبل القذف لاختلاف بين ذلك. قال: وقد يكون استبرأها وقد علقت من الوطء قبل الاستبراء ألا ترى أنه لو قال وقالت: قد استبرأني تسعة أشهر حضت فيها تسع حيض ثم جاءت بعد بولد لزمه وإن الولد يلزمه بالفراش وأن الاستبراء لا معنى له ما كان الفراش قائما. فلما أمكن أن يكون الاستبراء قد كان وحمل قد تقدمه فأمكن أن يكون قد أصابها والحمل من غيره وأمكن أن يكون كاذبا في جميع دعواه للزنا ونفي الولد وقد أخرجه الله من الحد باللعان ونفى رسول الله ﷺ عنه الولد استدللنا على أن هذا كله إنما هو بقوله. ولما كنا إذا أكذب نفسه حددناه وألحقنا به الولد استدللنا على أن نفي الولد بقوله ولو كان نفي الولد لا يكون إلا بالاستبراء فمضى الحكم بنفيه لم يكن له أن يلحقه نفسه لأنه لم يكن بقوله فقط دون الاستبراء والاستبراء غير قوله. فلما قال الله تبارك وتعالى بعدما وصف من لعان الزوج: ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله استدللنا على أن
صفحة : 1770
الله عز وجل أوجب عليها العذاب والعذاب الحد لا تحتمل الآية معنى غيره والله أعلم. فقلنا له: حاله قبل التعانه مثل حاله بعد التعانه لأنه كان محدودا بقذفه إن لم يخرج منه باللعان فكذلك أنت محدودة بقذفه والتعانه بحكم الله أنك تدرئين الحد به فإن لم تلتعني حددت حدك كان حدك رجما أو جلدا لاختلاف في ذلك بينك وبينه. قال: ولا يلاعن ولا بحد إلا بقذف مصرح. ولو قال: لم أجدك عذراء من جماع وكانت العذرة تذهب من غير جماع ومن جماع. فإذا قال هذا وقف فإن أراد الزنا حد أو لاعن وإن لم يرده حلف ولا حد ولا لعان. أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء في الرجل يقول لامرأته: لم أجدك عذراء ولا أقول ذلك من زنا فلا يحد. قال الشافعي رحمه الله: وإن قذفها ولم يكمل اللعان حتى رجع حد وهي امرأته أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء: أرأيت الذي يقذف امرأته ثم ينزع عن الذي قال قبل أن يلاعنها. قال: هي امرأته ويحد. قال الشافعي رحمه الله: وإن طلق امرأته طلاقا لا يملك الرجعة أو خالعها ثم قذفها بغير ولد حد ولا لعان لأنها ليست زوجة وهي أجنبية إذا لم يكن ولد ينفيه عنه. أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: إذا خالع الرجل امرأته ثم قذفها حد وإن كان ولد ينفيه لاعنها بنفي الولد من قبل أن رسول الله ﷺ نفى الولد بعد الفرقة لأنه كان قبلها فإن قذفها فمات قبل أن يلاعنها ورثته لأنهما على النكاح حتى يلتعن هو. وإن قذفها بعد طلاق يملك الرجعة في العدة لاعنها وإن انقضت العدة فهي مثل المبتوتة التي لا رجعة له عليها. ومن أقر بولد امرأته لم يكن له نفيه وإن قذفها بعدما يقر أنه منه جلد الحد وهو ولده. وإن قال: هذا الحمل مني وقد زنت قبله أو بعده فهو منه ويلاعنها لأنها قد تزني قبل الحمل منه وبعده وليس له نفي ولده بعد إقراره به مرة فأكثر بأن لا يراه يشبهه وغير ذلك من الدلالات إذا أقر بأنه ولد على فراشه فليس له إنكاره بحال أبدا إلا أن ينكره قبل إقراره. أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رجلا من أهل البادية أتى النبي ﷺ فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال له النبي ﷺ: هل لك من إبل قال: نعم. قال: ما ألوانها قال: حمر قال: هل فيها من أورق قال: نعم. قال: أنى ترى ذلك قال: عرقا نزعه فقال له النبي ﷺ: ولعل هذا عرق نزعه أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن أعرابيا من بني فزارة
صفحة : 1771
أتى النبي ﷺ فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال له النبي ﷺ: هل لك من إبل. قال: نعم. قال: فما ألوانها قال: حمر. قال: هل فيها من أورق قال: إن فيها لورقا قال: فأنى أتاها ذلك. قال: لعله نزعه عرق قال النبي ﷺ: وهذا لعله نزعه عرق . قال الشافعي رحمه الله تعالى: وبهذا نأخذ وفي الحديث دلالة ظاهرة على أنه ذكر أن امرأته ولدت غلاما أسود وهو لا يذكره إلا منكرا له وجواب النبي ﷺ له وضربه له المثل بالإبل يدل على ما وصفت من إنكاره وتهمته المرأة. فلما كان قول الفزاري تهمة الأغلب منها عند من سمعها أنه أراد قذفها أن جاءت بولد أسود فسمعه النبي ﷺ فلم يره قذفا يحكم عليه فيه باللعان أو الحد إذا كان لقوله وجه يحتمل أن لا يكون أراد به القذف من التعجب والمسألة عن ذلك لا قذف امرأته استدللنا على أنه لا حد في التعريض وإن غلب على السامع أن المعرض أراد القذف إن كان له وجه يحتمله ولا حد إلا في القذف الصريح وقد قال الله تبارك وتعالى في المعتدة: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء إلى ولكن لا تواعدوهن سرا فأحل التعريض بالخطبة وفي إحلاله إياها تحريم التصريح. وقد قال الله تبارك وتعالى في الآية: لا تواعدوهن سرا والسر الجماع واجتماعهما على العدة بتصريح العقدة بعد انقضاء العدة وهو تصريح باسم نهى عنه وهذا قول الأكثر من أهل مكة وغيرهم من أهل البلدان في التعريض. وأهل المدينة فيه مختلفون فمنهم من قال بقولنا ومنهم من حد في التعريض وهذه الدلالة في حديث النبي ﷺ في الفزاري موضوعة بالآثار فيها والحجج في كتاب الحدود وهو أملك بها من هذا الموضع وإن كان الفزاري أقر بحمل امرأته عند النبي ﷺ وهو الدليل على ما قلنا: بأنه ليس له أن ينفيه بعد إقراره. وقال: السر الجماع قال امرؤ القيس: ألا زعـمـت بـسـبـاسة الـقـــوم أنـــنـــي كـبـرت وأن لا يحـسـن الـسـر أمـثـالـي كذبت لقد أصبـى عـلـى الـمـرء عـرسـه وأمـنـع عـرسـي أن يزن بـهـا الـخـالـي وقال جرير يرثي امرأته: كانت إذا هجـر الـخـلـيل فـراشـهـا خـزن الـحـديث وعـفـت الأســرار ID ' ' العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج .
صفحة : 1772
الخلاف في اللعان قال الشافعي رحمه الله: خالفنا بعض الناس في جملة اللعان وفي بعض فروعه فحكيت ما في جملته لأنه موجود في الكتاب والسنة وتركت ما في فروعه لأن فروعه في كتاب اللعان وهو موضوع فيه وإنما كتبنا في كتابنا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن كما قلنا في قول الله عز وجل وأن حكم الكتاب والسنة فيه. فقال بعض من خالفنا: لا يلاعن بين الزوجين أبدا حتى يكونا حرين مسلمين ليسا بمحدودين في قذف ولا واحد مثلهما. فقلت له: ذكر الله عز وجل اللعان بين الأزواج لم يخص واحدا منهم دون غيره وما كان عاما في كتاب الله تبارك وتعالى فلا نختلف نحن ولا أنت أنه على العموم كما قلنا في قول الله عز وجل: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم فزعمنا نحن وأنتم أنها على الأزواج عامة كانوا مماليك أو أحرارا عندهم مملوكة أو حرة أو ذمية فكيف زعمتم أن اللعان على بعض الأزواج دون بعض. قالوا: روينا في ذلك حديثا فاتبعناه قلنا: وما الحديث قالوا: روى عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ أنه قال: أربع لا لعان بينهن وبين أزواجهن: اليهودية والنصرانية تحت المسلم والحرة تحت العبد والأمة عند الحر والنصرانية عند النصراني قلنا له: رويتم هذا عن رجل مجهول ورجل غلط وعمرو بن شعيب عن عبد الله ابن عمرو منقطع واللذان روياه يقول أحدهما عن النبي ﷺ والآخر يقفه على عبد الله بن عمرو موقوفا مجهولا فهو لا يثبت عن عمرو بن شعيب ولا عبد الله بن عمرو ولا يبلغ به النبي ﷺ إلا رجل غلط. وفيه أن عمرو بن شعيب قد روى لنا عن النبي ﷺ أحكاما توافق أقاويلنا وتخالف أقاويلكم يرويها عنه الثقات فنسندها إلى النبي ﷺ فرددتموها علينا ورددتم روايته ونسبتموه إلى الغلط فأنتم محجوجون إن كان ممن ثبت حديثه بأحاديثه التي بها وافقناها وخالفتموها في نحو من ثلاثين حكما عن النبي ﷺ خالفتم أكثرها فأنتم غير منصفين إن احتججتم بروايته وهو ممن لا تثبت روايته ثم احتججتم منها بما لو كان ثابتا عنه وهو ممن يثبت حديثه لم يثبت لأنه منقطع بينه وبين عبد الله بن عمرو وقلت لهم: لو كان كما أردتم كنتم محجوجين به قال: وكيف قلت: أليس ذكر الله عز وجل الأزواج والزوجات في اللعان عاما قال: بلى. قلت: ثم زعمت أن
صفحة : 1773
حديثا جاء أخرج من الجملة العامة أزواجا وزوجات مسمين. قال: نعم. قلت: أو كان ينبغي أن يخرج من جملة القرآن زوجا أو زوجة بالحديث إلا من أخرج الحديث خاصة كما ذكر الله عز وجل الوضوء فمسح النبي ﷺ على الخفين فلم يخرج من الوضوء إلا الخفين خاصة ولم يجعل غيرهما من القفازين والبرقع والعمامة قياسا عليهما قال: هكذا هو. قلت: فكيف قلت في حديثك: أليس اليهودية والنصرانية عند المسلم والنصرانية عند النصراني والحرة تحت العبد والأمة تحت الحر لا يلاعنون قال: هو هكذا. قلت: فكان ينبغي أن تقول: لا لعان بين هؤلاء وما كان من زوج سواهن لاعن. قال: وما بقي بعدهن قلت: الحرة تحت الحر المحدودين أو أحدهما في القذف والأمة تحت الحر. أليس قد زعمت أن هذين لا يلاعنان قال: فإني قد أخذت طرح اللعان عمن طرحته عنه من معنيين: أحدهما الكتاب والآخر: السنة. قلت: أو عندك في السنة شيء غير ما ذكرت وذكرنا من الحديث الذي رويت عن عمرو بن شعيب قال: لا. قلت: فقد طرحت اللعان عمن نطق القرآن به وحديث عمرو إن كان ثابتا أنه لا يلاعن لأنه إن كان رسول الله ﷺ قال ما قلت ففي قوله: أربع لا لعان بينهن ما دل على أن من سواهن من الأزواج يلاعن والقرآن يدل على أن الأزواج يلاعنون لا يخص زوجا دون زوج. قال: فمن أخرجت من الأزواج من اللعان بغير حديث عمرو بن شعيب فإنما أخرجته استدلالا بالقرآن. قلت: وأين ما استدللت به من القرآن قال: قال الله عز وجل: ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم فلم يجز أن يلاعن من لا شهادة له لأن شرط الله عز وجل في الشهود العدول وكذلك لم يجز المسلمون في الشهادة إلا العدول. فقلت له: قولك هذا خطأ عند أهل العلم وعلى لسانك وجهل بلسان العرب. قال: فما دل على ما قلت. قلت: الشهادة ههنا يمين. قال: وما دلك على ذلك قلت: أرأيت العدل أيشهد لنفسه قال: لا. قلت: ولو شهد أليس شهادته مرة في أمر واحد كشهادته أربعا قال: بلى. قلت: ولو شهد لم يكن عليه أن يلتعن. قال: بلى. قلت: ولو كانت شهادته في اللعان واللعان شهادة حتى تكون كل شهادة له تقوم مقام شاهد ألم يكف الأربع دون الخامسة وتحد امرأته قال: بلى. قلت: ولو كان شهادة أيجيز المسلمون في الحدود شهادة النساء قال: لا. قلت: ولو أجازوا شهادتهن انبغى أن تشهد المرأة ثمان مرات وتلتعن مرتين قال: بلى. قلت: أفتراها في معاني الشهادات قال: لا. ولكن الله عز وجل لما سماها شهادة رأيتها شهادة. قلت: هي
صفحة : 1774
شهادة يمين يدفع بها كل واحد من الزوجين عن نفسه ويجب بها أحكام لا في معاني الشهادات التي لا يجوز فيها إلا العدول ولا يجوز في الحدود منها النساء ولا يجوز أن يكون فيها المرء شاهدا لنفسه. قال: ما هي من الشهادة التي يؤخذ بها لبعض الناس من بعض فإن تمسكت بأنها اسم شهادة ولا يجوز فيها إلا العدول. قال: قلت: يدخل عليك ما وصفت وأكثر منه ثم يدخل عليك تناقض قولك. قال: فأوجدني تناقضه. قلت: كله متناقض. قال: فأوجدني. قلت: إن سلكت بمن يلاعن من تجوز شهادته دون من لا تجوز شهادته فقد لاعنت بين من لا تجوز شهادته وأبطلت اللعان بين من تجوز شهادته. قال: وأين قلت: لاعنت بين الأعميين النجعين غير العدلين وفيهما علل مجموعة منها: أنهما لا يريان الزنا فإنهما غير عدلين ولو كانا عدلين كانا ممن لا تجوز شهادته عندك أبدا وبين الفساق والمجان والسراق والقتلة وقطاع الطريق وأهل المعاصي ما لم يكونوا محدودين في قذف. قال: إنما منعت المحدود في القذف من اللعان لأن شهادته لا تجوز أبدا. قلت: وقولك لا تجوز أبدا خطا ولو كانت كما قلت وكنت لا تلاعن بين من لا تجوز شهادته أبدا لكنت قد تركت قولك لأن الأعميين النجعين تجوز شهادتهما عندك أبدا وقد لاعنت بينهما. فقال من حضره: أما هذا فيلزمه وإلا ترك أصل قوله فيها وغيره. قال: أما الفساق الذين لا تجوز شهادتهم فهم إذا تابوا قبلت شهادتهم. قلت: أرأيت الحال الذي لاعنت بينهم فيها أهم ممن تجوز شهادتهم في تلك الحال. قال: لا ولكنهما إن تابا قبلت شهادتهما. قلت: والعبد إن عتق قبلت شهادته من يومه إذا كان معروفا بالعدل والفاسق لا تقبل إلا بعد الاختبار فكيف لاعنت بين الذي هو أبعد من أن تقبل شهادته إذا انتقلت حاله وامتنعت من أن تلاعن من هو أقرب من أن تجوز شهادته إذا انتقلت حاله. قال: فإن قلت: إن حال العبد تنتقل بغيره وحالة الفاسق تنتقل بنفسه قلت له: أو لست تسوي بينهما إذا صارا إلى الحرية والعدل قال: بلى. قلت: فكيف تفرق بينهما في أمر تساوي بينهما فيه وقلت له: ويدخل عليك ما أدخلت على نفسك في النصراني يسلم لأنه تنتقل حاله بنقل نفسه فينبغي أن تجيز شهادته لأنه إذا أسلم قبلت. قال: ما أفعل. وكذلك المكاتب عبده ما يؤدي إن أدى عتق أفرأيت إن قذف قبل الأداء قال: لا يلاعن. قلت: وأنت لو كنت إنما تلاعن بين من تجوز شهادته لاعنت بين الذميين لأنهما ممن تجوز شهادتهما عندك. قال: وإنما تركت اللعان بينهما للحديث. قلت: فلو كان الحديث ثابتا أما يدلك على أنك أخطأت إذا قبلت شهادة
صفحة : 1775
النصارى إذ قلت لا يلاعن إلا بين من تجوز شهادته فقال بعض من حضره: فأنا أكلمك على معنى غير هذا. قلت: فقل. قال: فإني إنما ألاعن بين الزوجين إذا كانت الزوجة المقذوفة ممن يحد لها حين قذفها من قبل أني وجدت الله عز وجل حكم في قذف المحصنات بالحد ودرأ عن الزوج بالتعانه فإذا كانت المقذوفة ممن لا حد لها التعن الزوج وخرج من الحد وإلا فلا. قلت: فما تقول في عبد تحته حرة مسلمة فقذفها. قال: يحد. قلت: فإن كان الزوج حرا فقذفها. قال: يلاعن. قلت له: فقد تركت أصل قولك. قال بعض من حضره: أما في هذا فنعم ولكنه لا يقول به. قلت: فلم يزعم أنه يقول به. قلت لبعض من حكيت قوله: لا أراك لاعنت بين الزوجين على الحرية لأنك لو لاعنت على الحرية لاعنت بين الذميين ولا على الحرية والإسلام لأنك لو فعلت لاعنت بين المحدودين الحرين المسلمين ولا أراك لاعنت بينهما على العدل. لأنك لو لاعنت بينهما على العدل لم تلاعن بين الفاسقين ولا أراك لاعنت بينهما على ما وصف صاحبك من أن المقذوفة إذا كانت حرة مسلمة فعلى قاذفها الحد وأنت لا تلاعن بينها وبين زوجها الحر المحدود في القذف ولا زوجها العبد وما لاعنت بينهما بعموم الآية ولا بالحديث مع الآية ولا منفردا ولا قلت فيها قولا مستقيما على أصل ما ادعيت ثابتا كان أو غير ثابت. قال: فلم لا تأخذ أنت بحديث عمرو بن شعيب قلت له: لا نعرفه عن عمرو وإنما رواه عنه رجل لا يثبت حديثه ولو كان من حديثه كان منقطعا عن عبد الله بن عمرو ونحن لا نقبل الحديث المنقطع عمن هو أحفظ من عمرو إذا كان منقطعا. وقلنا بظاهر الآية وعمومها لم يفرق بين زوج فيها ولا زوجة إذ ذكرها الله عز وجل عامة. فقال لي: كيف قلت: إذا التعن الزوج فأبت المرأة أن تلتعن حدت حدها رجما كان أو جلدا. فقلت له: بحكم الله عز وجل قال: فاذكره قلت: قول الله تبارك وتعالى من بعد ذكره التعان الزوج: ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله فكان بينا غير مشكل والله أعلم في الآية أنها تدرأ عن نفسها بما لزمها إن لم تلتعن بالالتعان. قال: فهل توضح هذا بغيره قلت: ما فيه إشكال ينبغي لمن قرأ كتاب الله عز وجل وعرف من أحكامه ولسان العرب أن يبتغي معه غيره. قال: فإن كنت تعلم معنى توضحه غيره فقله. قلت: أرأيت الزوج إذا قذف امرأته ما عليه قال: عليه الحد إلا أن يخرج منها بالالتعان. قلت: أو ليس قد يحكم في القذفة بالحد إلا أن يأتوا بأربعة شهداء قال: بلى. قلت وقال في الزوج: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم
صفحة : 1776
شهداء إلا أنفسهم قال: نعم. قلت: أفتجد في التنزيل سقوط الحد عنه قال: أما نصا فلا وأما استدلالا فنعم. لأنه إذا ذكر غير الزوج يخرج من الحد بأربعة شهداء ثم قال في الزوج يشهد أربعا استدلالا على أنه إنما يوجب عليه الشهادة ليخرج بها من الحد فإذا لم يشهد لم يخرج من معنى القذفة أرأيت لو قال قائل: إنما شهادته للفرقة ونفي الولد دون الحد فإذا خالف الله بين الزوج في القذف وغيره ولم أحد الزوج في القذف لأن الآية تحتمل ما قلت ولا أجد فيها دلالة على حده. قال: ليس ذلك له وكل شيء إلا وهو يحتمل. قلت: وأظهر معانيه أن يفرق بينه وبين القاذف غيره إذا شهد. وقلت: ويجمع بينه وبين القاذف غيره إذا لم يشهد قال: نعم. قلت: وتعلم أن شهادة الزوج وإن لم يذكر في القرآن أنها تسقط الحد لا تكون إلا لمعنى أن يخرج بها من الحد وكذلك كل من أحلفته ليخرج عن شيء قال: نعم. قلت: أفتجد الشهادة للزوج إذا كانت أخرجته وأوجبت على المرأة اللعان وفيها هذه العلل التي وصفت قال: نعم. قلت: فشهادة المرأة أخرجتها من الحد. قال: هي تخرجها من الحد قلت: ولا معنى لها في الشهادة إلا الخروج من الحد قال: نعم. قلت: فإذا كانت تخرجها من الحد كيف لم تكن محدودة إن لم تشهد فتخرج بالشهادة منه كما قلت في الزوج: إذا لم يشهد حد وكيف اختلف حالاهما عندك فيها فقلت في الزوج ما وصفت من أنه محدود إن لم يشهد وفي المرأة ليست بمحدودة والآية تحتمل في الزوج معاني غير الحد وليس في التنزيل أن الزوج يدرأ الشهادة حدا وفي التنزيل أن المرأة تدرأ بالشهادة العذاب وهو الحد عندنا وعندك فليس في شهادة المرأة معنى غير درء الحد لأن الحد عليها في الكتاب والمعقول والقياس أثبت فتركها الشهادة كالإقرار منها بما قال الزوج فما علمتك إلا فرقت بين حد المرأة والرجل فأسقطت حد المرأة وهو أبينهما في الكتاب وأثبت حد الرجل وقلت له: أرأيت لو قالت لك المرأة المقذوفة: إن كانت شهادته علي بالزنا شهادة تلزمني فحدني وإن كانت لا تلزمني فلا تحلفني وحده لي. وكذلك تصنع في أربعة لو شهدوا علي وكانوا عدولا حددتني وإن لم يثبتوا الشهادة حددتهم أو عبيدا أو مشركين حددتهم. قال: أقول حكمك وحكم الزوج خارج من حكم الشهود عليك غير الزوج. قلت: فقالت لك: فإن كانت شهادة لا توجب علي حدا فامتنعت من أن أشهد لم حبستني وأنت لا تحبس إلا بحق قال: أقول: حبستك لتحلفي. قالت: وليميني معنى قال: نعم تخرجين بها من الحد. قالت: فإن لم أفعل فالحبس هو الحد قال: ليس به. قلت فقالت: فلم تحبسني لغير
صفحة : 1777
المعنى الذي يجب علي من الحد قال: للحد حبستك. قالت: فتقيمه علي فأقمه. قال: لا. قلت: فإن قلت: فالحبس ظلم لا أنت أخذت مني حدا ولا منعت عني حبسا فمن أين وجدت علي الحبس أتجده في كتاب أو سنة أو أمر أجمع عليه أهل العلم أو قياس قال: أما كتاب أو سنة أو إجماع فلا وأما قياس فنعم. قلت: أوجدنا القياس. قال: إني أقول في الرجل يدعى عليه الدم: يحلف ويبرأ فإن لم يفعل لم أقتله وحبسته. قال الشافعي رحمه الله: فقلت له: أو يقبل منك القياس على غير كتاب ولا سنة ولا أمر مجمع عليه ولا أثر قال: لا. قلت: فمن قال لك من ادعى عليه دم حبس حتى يحلف فيبرأ أم يقر فيقتل قال: أستحسنه. قلت له: أفعلى الناس أن يقبلوا منك ما استحسنت إن خالفت القياس فإن كان ذلك عليهم قبلوا من غيرك مثل ما قبلوا منك لأن أجهل الناس لو اعترض فسئل عن شيء فخرص فيه فقال: لم يعد قوله أن يكون خبرا لازما من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على واحد من هذا أو خارجا منه فيكون استحسنه كما استحسنته أنت. قال: ما ذلك لأحد. قلت: فقد قلته في هذا الموضع وغيره وخالفت فيه الكتاب وقياس قولك. قال: وأين خالفت قياس قولي. قلت: ما تقول فيمن ادعى على رجل درهما فأكثر إلى أي غاية شاء من الدعوى أو غصب دارا أو عبدا أو غيره قال: يحلف. فإن حلف برىء وإن نكل لزمه ما نكل عنه. وكذلك لو ادعى عليه جرحا في موضحة عمدا فصاعدا من الجراح دون النفس إن حلف برىء وإن نكل اقتص منه. قال: نعم. قلت: فكل من جعلت عليه اليمين فيما دون النفس إن حلف برىء وإن نكل قام النكول في الحكم مقام الإقرار فأعطيت به القود والمال. قال: نعم. قلت: ولم لم يكن هذا في النفس هكذا قال لي: استعظاما للنفس. قلت: فأنت تقطع اليدين والرجلين وتفقأ العينين وتشق الرأس قصاصا وهذا يكون منه التلف بالنكول وتزعم أنه يقوم مقام الإقرار فلا تأخذ به النفس. قال: أما في القياس فيلزمنا أن نأخذ به النفس وقد تفرق فيه صاحباي. فقال أحدهما: أحبسه كما قلت وقال الآخر: لا أحبسه وآخذ منه دية وحبسه ظلم. قلت: وأخذ الدية منه في أصل قول صاحبك ظلم لأن الدية عنده لا تؤخذ في العمد إلا بصلح وهذا لم يصالح فإن كان صاحباك أخطآ في دعوى القتل فأقررت عليهما معا بترك القياس فتقيس على أصل خطأ ثم تقيس عليه ما لا يشبه ما قد حكم الله عز وجل فيه نصا يدرأ به العذاب والمرء لا يكون إلا لما قد وجب. وإن قلت العذاب السجن فذاك أخطأ لك أما السجن حد
صفحة : 1778
هو فإن كان حدا فكم تحبسها أمائة يوم أو إلى أن تموت إن كانت ثيبا قال: ما السجن بحد وما السجن إلا لتبيين الحد. قلت: وقد قال الله تبارك وتعالى في الزانيين من: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين أفتراه عنى بعذابهما الحد أو الحبس. قال: بل الحد وليس السجن بحد والعذاب في الزنا الحدود ولكن السجن يلزمه اسم عذاب. قلت: والسفر اسم عذاب والدهق والتعليق وغيره مما يعذب به الناس عذاب. فإن قال لك قائل: أعذبها إن لم تحلف ببعض هذا قال: ليس له وإنما العذاب الحد قلت: أجل. وأجدك تروحت إلى ما لا حجة فيه ولو كانت لك بهذه حجة كانت عليك لغيرك بمثلها وأبين فيها. أخبرنا الشافعي عن مالك بن أنس عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس: أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام فبعث إليها وكيله بشعير فسخطته فقال: والله ما لك علينا من شيء فجاءت النبي ﷺ فذكرت ذلك له فقال: ليس لك عليه نفقة . قال الشافعي رحمه الله: وابن رضي الله عنهما طلق امرأته البتة وعلم ذلك النبي ﷺ فأسقط نفقتها لأنها لا رجعة له عليها والبتة التي لا رجعة له عليها ثلاث ولم يعب النبي ﷺ طلاق الثلاث وحكم فيما سواهما من الطلاق بالنفقة والسكنى. فإن قال قائل: ما دل على أن البتة ثلاث. فهي لو لم يكن سمى ابن عمر رضي الله عنهما ثلاثا البتة أو نوى بالبتة ثلاثا كانت واحدة يملك الرجعة وعليه نفقتها. ومن زعم أن البتة ثلاث بلا نية المطلق ولا تسمية ثلاث. قال: إن النبي ﷺ إذ لم يعب الطلاق الذي هو ثلاث دليل على أن الطلاق بيد الزوج ما أبقى منه لنفسه وما أخرج منه من يده لزمه غير محرم عليه كما لا يحرم عليه أن يعتق رقبة ولا يخرج من ماله صدقة وقد يقال له: لو أبقيت ما تستغني به عن الناس كان خيرا لك فإن قال قائل: ما دل على أن أبا عمرو لا يعدو أن يكون سمى ثلاثا أو نوى بالبتة ثلاثا قلنا: الدليل عن رسول الله ﷺ. قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية البتة ثم أتى إلى النبي ﷺ فقال: إني طلقت امرأتي سهيمة البتة والله ما أردت إلا واحدة فقال النبي ﷺ لركانة: والله ما أردت إلا واحدة فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه النبي صلى الله
صفحة : 1779
عليه وسلم فطلقها الثانية في زمان عمر والثالثة في زمان عثمان رضي الله عنهما. قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أنه أخبره: أنه تلاعن عويمر وامرأته بين يدي النبي ﷺ وهو مع الناس فلما فرغا من ملاعنتهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله ﷺ قال مالك: قال ابن شهاب: فكانت تلك سنة المتلاعنين. لئن رحمه الله: فقد طلق عويمر ثلاثا بين يدي النبي ﷺ ولو كان ذلك محرما لنهاه عنه. وقال: إن الطلاق وإن لزمك فأنت عاص بأن تجمع ثلاثا فافعل كذا كما أمر النبي ﷺ عمر أن يأمر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حين طلق امرأته حائضا أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك فلا يقر النبي ﷺ بطلاق لا يفعله أحد بين يديه إلا نهاه عنه لأنه العلم بين الحق والباطل لا باطل بين يديه إلا يغيره. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول: أخبرني المطلب بن حنطب أنه طلق امرأته البتة ثم أتى عمر فذكر ذلك له فقال: ما حملك على ذلك قال: قد فعلته فتلا ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ما حملك على ذلك قال: قد فعلته. قال: أمسك عليك امرأتك فإن الواحدة تبت أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الله بن أبي سلمة عن سليمان بن يسار: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للتؤمة مثل ما قال للمطلب. قال الشافعي: أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد عن بكير عن سليمان أن رجلا من بني زريق طلق امرأته البتة قال عمر رضي الله عنه: ما أردت بذلك قال: أتراني أقيم على حرام والنساء كثير فأحلفه فحلف. قال الشافعي رحمه الله: أراه قال: فردها عليه. قال: وهذا الخبر في الحديث في الزرقي يدل على أن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمطلب: ما أردت بذلك يريد أواحدة أو ثلاثا. فلما أخبره أنه لم يرد به زيادة في عدد الطلاق وأنه قال: بلا نية زيادة ألزمه واحدة وهي أقل الطلاق. وقوله: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لو طلق فلم يذكر البتة إذ كانت كلمة محدثة ليست في أصل الطلاق تحتمل صفة الطلاق وزيادة في عدده ومعنى غير ذلك فنهاه عن المشكل من القول ولم ينهه عن الطلاق ولم يعبه ولم يقل له لو أردت ثلاثا كان مكروها عليك وهو لا يحلفه على ما أراد إلا ولو أراد أكثر من واحدة ألزمه
صفحة : 1780
ذلك. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن طلحة بن عبد الله بن عوف وكان أعلمهم بذلك وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أن عبد الرحمن طلق امرأته البتة وهو مريض فورثها عثمان منه بعد انقضاء علتها قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين أن امرأة عبد الرحمن نشدته الطلاق فقال: إذا حضت ثم طهرت فآذنيني فطهرت وهو مريض فآذنته فطلقها ثلاثا. قال الشافعي رحمه الله: والبتة في حديث مالك بيان هذا الحديث ثلاثا لما وصفنا من أن يقول: طالق البتة ينوي ثلاثا وقد بينه ابن سيرين فقطع موضع الشك فيه. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ملك عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس بن بكير قال: طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتي فذهبت معه أسأل له فسأل أبا هريرة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم عن ذلك فقالا: لا نرى أن تنكحها حتى تنكح زوجا غيرك. قال: إنما طلاقي اياها واحدة فقال ابن عباس: إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل. قال الشافعي رحمه الله: وما عاب ابن عباس ولا أبو هريرة عليه أن يطلق ثلاثا ولو كان ذلك معيبا لقالا له: لزمك الطلاق وبئسما صنعت ثم سمى حين راجعه فما زاده ابن عباس على الذي هو عليه أن قال له: إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل ولم يقل: بئسما صنعت ولا حرجت في إرساله أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري عن عطاء بن يسار قال: جاء رجل يستفتي عبد الله بن عمرو عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها قال عطاء: فقلت: إنما طلاق البكر واحدة فقال عبد الله بن عمرو: إنما أنت قاص الواحدة تبينها وثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره ولم يقل له عبد الله: بئسما صنعت حين طلقت ثلاثا أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن بكيرا أخبره عن النعمان بن أبي عياش أنه كان جالسا عند عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر فجاءهما محمد بن إياس بن البكير فقال: إن رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها فماذا تريان فقال ابن الزبير إن هذا الأمر ما لنا فيه قول اذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة فسلهما ثم ائتنا فأخبرنا. فذهب فسألهما. فقال ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة فقد
صفحة : 1781
جاءتك معضلة. فقال أبو هريرة رضي الله عنه: الواحدة تبينها و الثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره وقال ابن عباس مثل ذلك ولم يعيبا عليه الثلاث ولا عائشة. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرني مالك عن ابن شهاب عن عروة أن مولاة لبني عدي يقال لها: زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد وهي يومئذ أمة فعتقت فقالت: فأرسلت إلى حفصة فدعتني يومئذ فقالت: إني مخبرتك خبرا ولا أحب أن تصنعي شيئا إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك. قالت: فقارقته ثلاثا فلم تقل لها حفصة: لا يجوز لك أن تطلقي ثلاثا ولو كان ذلك معيبا على الرجل إذا لكان ذلك معيبا عليها إذا كان بيدها فيه ما بيده. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن جهمان عن أم بكرة الأسلمية أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ثم أتيا عثمان في ذلك فقال: هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئا فهو ما سميت. فعثمان رضي الله عنه يخبره أنه إن سمى أكثر من واحدة كان ما سمى ولا يقول له: لا ينبغي لك أن تسمي أكثر من واحدة بل في هذا القول دلالة على أنه جائز له أن يسمي أكثر من واحدة. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: البتة ما يقول الناس فيها. فقال أبو بكر: فقلت له: كان أبان بن عثمان يجعلها واحدة فقال عمر: لو كان الطلاق ألفا ما أبقت البتة منه شيئا من قال البتة فقد رمى الغاية القصوى. قال الشافعي: ولم يحك عن واحد منهم على اختلافهم في البتة أنه عاب البتة ولا عاب ثلاثا. قال الشافعي: قال مالك في المخيرة: إن خيرها زوجها فاختارت نفسها فقد طلقت ثلاثا وإن قال زوجها: لم أخيرك إلا في واحدة فليس له في ذلك قول وهذا أحسن ما سمعت. قال الشافعي: فإذا كان مالك يزعم أن من مضى من سلف هذه الأمة قد خيروا وخير رسول الله ﷺ والخيار إذا اختارت المرأة نفسها يكون ثلاثا كان ينبغي أن يزعم أن الخيار لا يحل لأنها إذا اختارت كان ثلاثا. وإذا زعم أن الخيار يحل وهي إذا اختارت نفسها طلقت ثلاثا فقد زعم أن النبي ﷺ قد أجاز طلاق ثلاث وأصحاب النبي ﷺ. قال الشافعي: فإن قال: أنت طالق البتة ينوي ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى واحدة فواحدة وإن قال: أنت طالق ينوي بها ثلاثا فهي ثلاث. قال الشافعي: أحب أن يكون الخيار في طهر لم يمسها فيه. قال الشافعي: أحب أن لا يملك الرجل امرأته ولا
صفحة : 1782
يخيرها ولا يخالعها ولا يجعل إليها طلاقا بخلع ولا غيره ولا يوقع عليها طلاقا إلا طاهرا قبل جماع قياسا على المطلقة فإن النبي ﷺ أمر أن تطلق طاهرا وقال الله عز وجل: فطلقوهن لعدتهن فإذا كان هذا طلاقا يوقعه الرجل أو توقعه المرأة بأمر الرجل فهو كإيقاعه فلا أحب أن يكون إلا وهي طاهر من غير جماع. قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد أن سعيد بن جبير أخبره: أن رجلا أتى ابن عباس فقال: طلقت امرأتي مائة فقال ابن عباس رضي الله عنه: تأخذ ثلاثا وتدع سبعا وتسعين. قال الشافعي: أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء ومجاهدا قالا: إن رجلا أتى ابن عباس فقال: طلقت امرأتي مائة فقال ابن عباس: تأخذ ثلاثا وتدع سبعا وتسعين أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء وحده عن ابن عباس أنه قال: وسبعا وتسعين عدوانا اتخذت بها آيات الله هزوا فعاب عليه ابن عباس كل ما زاد عن عدد الطلاق الذي لم يجعله الله إليه ولم يعب عليه ما جعل الله إليه من الثلاث. وفي هذا دلالة على أنه يجوز له عنده أن يطلق ثلاثا ولا يجوز له ما لم يكن إليه.
ID ' ' صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا
يتوقف فيه إلا جاهل غبي.
والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه
الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن
يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما
سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب.
وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله
ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت
جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت
عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها
هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت
خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها
صفحة : 1783
ما جاء في أمر رسول الله ﷺ وأزواجه قال الشافعي رحمه الله: إن الله تبارك وتعالى لما خص به رسوله من وحيه وأبان من فضله من المباينة بينه وبين خلقه بالفرض على خلقه بطاعته في غير آية من كتابه فقال: من يطع الرسول فقد أطاع الله وقال: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وقال: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا وقال: إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة وقال: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي . قال الشافعي رحمه الله: افترض الله عز وجل على رسوله ﷺ أشياء خففها عن خلقه ليزيده بها إن شاء الله قربة إليه وكرامة وأباح له أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته وتبيينا لفضيلته مع ما لا يحصى من كرامته له وهي موضوعة في مواضعها. قال الشافعي رحمه الله: فمن ذلك من ملك زوجة سوى رسول الله ﷺ لم يكن عليه أن يخيرها في المقام معه أو فراقها له وله حبسها إذا أدى إليها ما يجب عليه لها وإن كرهته. وأمر الله عز وجل رسوله ﷺ أن يخير نساءه فقال: قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها إلى قوله أجرا عظيما فخيرهن رسول الله ﷺ فاخترنه فلم يكن الخيار إذا اخترنه طلاقا ولم يجب عليه أن يحدث لهن طلاقا إذا اخترنه . قال الشافعي رحمه الله: وكان تخيير رسول الله ﷺ إن شاء الله كما أمره الله عز وجل إن أردن الحياة الدنيا وزينتها ولم يخترنه وأحدث لهن طلاقا لا ليجعل الطلاق إليهن لقول الله عز وجل: فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا أحدث لكن إذا اخترتن الحياة الدنيا وزينتها متاعا وسراحا فلما اخترنه لم يوجب ذلك عليه أن يحدث لهن طلاقا ولا متاعا. فأما قول عائشة رضي الله عنها: قد خيرنا رسول الله ﷺ فاخترناه أفكان ذلك طلاقا فتعني والله أعلم لم يوجب ذلك على النبي ﷺ أن يحدث لنا طلاقا. قال الشافعي رحمه الله: وإذا فرض الله عز وجل على النبي ﷺ إن اخترن الحياة الدنيا أن يمتعهن فاخترن الله ورسوله فلم يطلق واحدة منهن فكل من خير امرأته فلم تختر الطلاق فلا طلاق عليه. قال الشافعي رحمه الله: وكذلك كل من خير فليس له الخيار بطلاق حتى تطلق المخيرة نفسها. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا الثقة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن مسروق أن عائشة قالت: قد خيرنا رسول الله صلى
صفحة : 1784
الله عليه وسلم فكان ذلك طلاقا أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها بمثل معنى هذا الحديث. قال الشافعي: فأنزل الله تبارك وتعالى: لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك . قال الشافعي: قال بعض أهل العلم: أنزلت عليه لا يحل لك بعد تخييره أزواجه أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن عائشة أنها قالت: ما مات رسول الله ﷺ حتى أحل له النساء أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: كأنها تعني اللاتي حظرن عليه في قول الله تبارك وتعالى: لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج . قال الشافعي: وأحسب قول عائشة: أحل له النساء لقول الله تبارك وتعالى: إنا أحللنا أزواجك إلى قوله: خالصة لك من دون المؤمنين . قال الشافعي: فذكر الله عز وجل ما أحل له فذكر أزواجه اللاتي آتى أجورهن وذكر بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي قال: فدل ذلك على معنيين: أحدهما أنه أحل له مع أزواجه من ليس له بزوج يوم أحل له وذلك أنه لم يكن عنده ﷺ من بنات عمه ولا بنات عماته ولا بنات خاله ولا بنات خالاته امرأة وكان عنده عدد نسوة وعلى أنه أباح له من العدد ما حظر على غيره. ومن لم يأتهب بغير مهر ما حظره على غيره. قال الشافعي رحمه الله: ثم جعل له في اللاتي يهبن أنفسهن له أن يأتهب ويترك فقال: ترجي من تشاء منهن وتؤوى إليك من تشاء إلى عليك قال الشافعي: فمن ايتهب منهن فهي زوجه لا تحل لأحد بعده ومن لم يأتهب فليس يقع عليها اسم زوجة وهي تحل له ولغيره. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن امرأة وهبت نفسها للنبي ﷺ فقامت قياما طويلا فقال رجل: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فذكر أنه زوجه إياها. قال الشافعي رحمه الله: وكان مما خص الله عز وجل به نبيه ﷺ قوله: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وقال: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا . فحرم نكاح نسائه من بعده على العالمين ليس هكذا نساء أحد غيره وقال عز وجل: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فأثابهن به ﷺ من نساء العالمين. قال الشافعي رحمه الله: وقوله: وأزواجه أمهاتهم مثل ما وصفت من
صفحة : 1785
اتساع لسان العرب وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة ومما وصفت من أن الله أحكم كثيرا من فرائضه بوحيه وسن شرائع واختلافها على لسان نبيه وفي فعله فقوله: أمهاتهم يعني في معنى دون معنى وذلك أنه لا يحل لهم نكاحهن بحال ولا يحرم عليهم نكاح بنات لو كن لهن كما يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم اللاتي ولدنهم أو أرضعنهم. قال الشافعي رحمه الله: فإن قال قائل: ما دل على ذلك فالدليل عليه أن رسول الله ﷺ زوج فاطمة بنته وهو أبو المؤمنين وهي بنت خديجة أم المؤمنين زوجها عليا رضي الله عنه وزوج رقية وأم كلثوم عثمان وهو بالمدينة وأن زينب بنت أم سلمة تزوجت وأن الزبير بن العوام تزوج بنت أبي بكر وأن طلحة تزوج ابنته الأخرى وهما أختا أم المؤمنين. وعبد الرحمن بن عوف تزوج ابنة جحش أخت أم المؤمنين زينب ولا يرثهن المؤمنون ولا يرثنهم كما يرثون أمهاتهم ويرثنهم ويشبهن أن يكن أمهات لعظم الحق عليهم مع تحريم نكاحهن. قال الشافعي رحمه الله: وقد ينزل القرآن في النازلة ينزل على ما يفهمه من أنزلت فيه كالعامة في الظاهر وهي يراد بها الخاص والمعنى دون ما سواه. قال الشافعي رحمه الله: والعرب تقول للمرأة: ترب أمرهم أمنا وأم العيال. وتقول ذلك للرجل يتولى أن يقوتهم: أم العيال بمعنى أنه وضع نفسه موضع الأم التي ترب أمر العيال وقال تأبط شرا وهو يذكر غزاة غزاها ورجل من أصحابه ولي قوتهم: وأم عـيال قـد شـهـــدت تـــقـــوتـــهـــم إذا أحـتـرتــهـــم أقـــفـــرت وأقـــلـــت تخاف علـينـا الـجـوع إن هـي أكـثـرت ونـــحـــن جـــياع أي أول تـــألــــــت ومـا إن بـهـا ضـن بـمـا فـي وعـائهـــا ولـكـنـهـا مـن خـشـية الـجـوع أبـقـــت قلت: الرجل يسمى أما وقد تقول العرب للناقة والبقرة والشاة والأرض هذه أم عيالنا على معنى التي تقوت عيالنا. قال الشافعي: قال الله عز وجل: الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم يعني أن اللائي ولدنهم أمهاتهم بكل حال: الوارثات والموروثات المحرمات بأنفسهن والمحرم بهن غيرهن اللائي لم يكن قط إلا أمهات ليس اللائي يحدثن رضاعا للمولود فيكن به أمهات وقد كن قبل إرضاعه غير أمهات له ولا أمهات المؤمنين عامة يحرمن بحرمة أحدثنها أو يحدثها الرجل أو أمهات المؤمنين اللائي حرمن بأنهن أزواج النبي ﷺ فكل هؤلاء يحرمن بشيء يحدثه رجل يحرمهن أو يحدثه أو حرمه النبي ﷺ. والأم تحرم نفسها وترث وتورث فيحرم بها غيرها فأراد بها الأم في
صفحة : 1786
جميع معانيها لا في بعض دون بعض كما وصفنا ممن يقع عليه اسم الأم غيرها والله أعلم. قال الشافعي رحمه الله: في هذا دلالة على أشباه له من القرآن جهلها من قصر علمه باللسان والفقه فأما ما سوى ما وصفنا من أن للنبي ﷺ من عدد النساء أكثر مما للناس ومن اتهب بغير مهر ومن أن أزواجه أمهاتهم لا يحللن لأحد بعده وما في مثل معناه من الحكم بين الأزواج فيما يحل منهن ويحرم بالحادث. ولا يعلم حال الناس يخالف حال النبي ﷺ في ذلك. فمن ذلك أنه كان يقسم لنسائه فإذا أراد سفرا أقرع بينهن فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه وهذا لكل من له أزواج من الناس. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرني محمد بن علي أنه سمع ابن شهاب يحدث عن عبيد الله عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها. قال الشافعي رحمه الله: ومن ذلك أنه أراد فراق سودة فقالت: لا تفارقني ودعني حتى يحشرني الله في أزواجك وأنا أهب ليلتي ويومي لأختي عائشة. قال: وقد فعلت ابنة محمد بن مسلمة شبيها بهذا حين أراد زوجها طلاقها ونزل فيها ذكر. قال الشافعي: أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب في ذلك: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا إلى صلحا . قال الشافعي: وهذا موضوع في موضعه بحججه. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب ابنة أبي سلمة عن أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: قلت: يا رسول الله لك في أختي بنت أبي سفيان قال رسول الله ﷺ: فأفعل ماذا قالت: تنكحها قال أختك قالت: نعم. قال: أو تحبين ذلك قلت: نعم. لست لك بمخلية وأحب من شركني في خير أختي قال: فإنها لا تحل لي فقلت: والله لقد أخبرت أنك تخطب ابنة أبي سلمة. قال: ابنة أم سلمة قالت: نعم قال: فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأباها ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن . قال الشافعي رحمه الله: وكل ما وصفت لك مما فرض الله على النبي ﷺ وجعل له دون الناس وبينه في كتاب الله أو قول رسول الله ﷺ وفعله أو أمر اجتمع عليه أهل العلم عندنا لم يختلفوا فيه. ID ' ' فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم.
صفحة : 1787
ما جاء في أمر النكاح قال الله تبارك وتعالى: وأنكحوا الأيامى منكم إلى قوله: يغنهم الله من فضله . قال الشافعي رحمه الله: والأمر في الكتاب والسنة وكلام الناس يحتمل معاني: أحدها أن يكون الله عز وجل حرم شيئا أباحه فكان أمره إحلال ما حرم. كقول الله عز وجل: وإذا حللتم فاصطادوا وكقوله: فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض . قال الشافعي رحمه الله: وذلك أنه حرم الصيد على الحرم ونهى عن البيع عند النداء ثم أباحهما في وقت غير الذي حرمهما فيه كقوله: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة إلى مريئا وقوله: فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا . قال الشافعي: وأشباه لهذا كثير في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه ﷺ ليس أن حتما أن يصطادوا إذا حلوا ولا ينتشروا لطلب التجارة إذا صلوا ولا يأكل من صداق امرأته إذا طابت عنه به نفسا ولا يأكل من بدنته إذا نحرها. قال: ويحتمل أن يكون دلهم على ما فيه رشدهم بالنكاح لقوله عز وجل: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله يدل على ما فيه سبب الغنى والعفاف كقول النبي ﷺ: سافروا تصحوا وترزقوا فإنما هذا دلالة لا حتم أن يسافر لطلب صحة ورزق. قال الشافعي: ويحتمل أن يكون الأمر بالنكاح حتما وفي كل الحتم من الله الرشد فيجتمع الحتم والرشد. وقال بعض أهل العلم: الأمر كله على الإباحة والدلالة على الرشد حتى توجد الدلالة من الكتاب أو السنة أو الإجماع على أنه إنما أريد بالأمر الحتم فيكون فرضا لا يحل تركه كقول الله عز وجل: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فدل على أنهما حتم. وكقوله: خذ من أموالهم صدقة وقوله: وأتموا الحج والعمرة لله . وقوله: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا فذكر الحج والعمرة معا في الأمر وأفرد الحج في الفرض فلم يقل أكثر أهل العلم العمرة على الحتم وإن كنا نحب أن لا يدعها مسلم. وأشباه هذا في كتاب الله عز وجل كثير. قال الشافعي: وما نهى الله عنه فهو محرم حتى توجد الدلالة عليه بأن النهي عنه على غير التحريم وأنه إنما أريد به الإرشاد أو تنزها أو أدبا للمنهي عنه. وما نهى عنه رسول الله ﷺ كذلك أيضا. قال الشافعي رحمه الله: ومن قال الأمر على غير الحتم حتى تأتي دلالة على أنه حتم انبغى أن تكون الدلالة على ما وصفت من الفرق بين الأمر والنهي وما وصفنا في مبتدأ كتاب الله القرآن والسنة وأشباه لذلك سكتنا عنه اكتفاء بما ذكرنا عما لم نذكر. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال:
صفحة : 1788
أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: ذروني ما تركتكم فإنه إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فما أمرتكم به من أمر فائتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فانتهوا أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي ﷺ مثل معناه. قال الشافعي رحمه الله: وقد يحتمل أن يكون الأمر في معنى النهي فيكونان لازمين إلا بدلالة أنهما غير لازمين ويكون قول النبي ﷺ: فائتوا منه ما استطعتم أن يقول عليهم إتيان الأمر فيما استطعتم لأن الناس إنما كلفوا ما استطاعوا في الفعل استطاعة شيء لأنه شيء متكلف وأما النهي فالترك لكل ما أراد تركه يستطيع لأنه ليس بتكلف شيء يحدث إنما هو شيء يكف عنه. قال الشافعي رحمه الله: وعلى أهل العلم عند تلاوة الكتاب ومعرفة السنة طلب الدلائل ليفرقوا بين الحتم والمباح والإرشاد الذي ليس بحتم في الأمر والنهي معا. قال: فحتم لازم لأولياء الأيامى والحرائر البوالغ إذا أردن النكاح ودعوا إلى رضى من الأزواج أن يزوجوهن لقول الله تعالى: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف . قال الشافعي رحمه الله: فإن شبه على أحد أن مبتدأ الآية على ذكر الأزواج ففي الآية دلالة على أنه إنما نهى عن العضل الأولياء لأن الزوج إذا طلق فبلغت المرأة الأجل فهو أبعد الناس منها فكيف يعضلها من لا سبيل ولا شرك له في أن يعضلها في بعضها فإن قال قائل: قد تحتمل إذا قاربن بلوغ أجلهن لأن الله عز وجل يقول للأزواج: إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف فالآية تدل على أنه لم يرد بها هذا المعنى وأنها لا تحتمله لأنها إذا قاربت بلوغ أجلها أو لم تبلغه فقد حظر الله تعالى عليها أن تنكح لقول الله عز وجل: ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله فلا يأمر بأن لا يمنع من النكاح من قد منعها منه إنما يأمر بأن لا يمتنع مما أباح لها من هو بسبب من منعها. قال الشافعي رحمه الله: وقد حفظ بعض أهل العلم أن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار وذلك أنه زوج أخته رجلا فطلقها وانقضت عدتها ثم طلب نكاحها وطلبته فقال: زوجتك دون غيرك أختي ثم طلقتها لا أنكحك أبدا فنزلت: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن إلى أزواجهن قال: وفي هذه الآية دلالة على أن النكاح يتم برضى الولي مع الزوج والزوجة وهذا موضوع في ذكر الأولياء: والسنة تدل على ما يدل عليه
صفحة : 1789
القرآن من أن على ولي الحرة أن ينكحها. قال الشافعي: أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها وقال: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له . قال الشافعي رحمه الله: وإذا كانت أحق بنفسها وكان النكاح يتم به لم يكن له منعها النكاح وقول النبي ﷺ: فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له يدل على أن السلطان ينكح المرأة لا ولي لها والمرأة لها ولي يمتنع من إنكاحها إذا أخرج الولي نفسه من الولاية بمعصيته بالعضل وهذان الحديثان مثبتان في كتاب الأولياء. قال الشافعي رحمه الله: والرجل يدخل في بعض أمره في معنى الأيامى الذين على الأولياء أن ينكحوهن إذا كان مولى بالغا يحتاج إلى النكاح ويقدر بالمال فعلى وليه إنكاحه. فلو كانت الآية والسنة في المرأة خاصة لزم ذلك عندي الرجل لأن معنى الذي أريد به نكاح المرأة العفاف لما خلق فيها من الشهوة وخوف الفتنة وذلك في الرجل مذكور في الكتاب لقول الله عز وجل: زين للناس حب الشهوات من النساء . قال الشافعي رحمه الله: إذا كان الرجل ولي نفسه والمرأة أحببت لكل واحد منهما النكاح إذا كان ممن تتوق نفسه إليه لأن الله عز وجل أمر به ورضيه وندب إليه وجعل فيه أسباب منافع. قال: وجعل منها زوجها ليسكن إليها وقال الله عز وجل: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة وقيل: إن الحفدة الأصهار وقال عز وجل: فجعله نسبا وصهرا فبلغنا أن النبي ﷺ قال: تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط وبلغنا أن النبي ﷺ قال: من أحب فطرتي فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح وبلغنا أن النبي ﷺ قال: من مات له ثلاثة من الولد لم تمسه النار ويقال: إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده قال: وبلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ما رأيت مثل من ترك النكاح بعد هذه الآية إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار أن ابن عمر أراد أن لا ينكح فقالت له حفصة: تزوج فإن ولد لك ولد فعاش من بعدك دعوا لك. قال الشافعي رحمه الله: ومن لم تتق نفسه ولم يحتج إلى النكاح من الرجال والنساء بأن لم تخلق فيه الشهوة التي جعلت في أكثر الخلق فإن الله عز وجل يقول: زين للناس حب الشهوات من النساء أو بعارض أذهب الشهوة
صفحة : 1790
من كبر أو غيره فلا أرى بأسا أن يدع النكاح بل أحب ذلك وأن يتخلى لعبادة الله. وقد ذكر الله عز وجل القواعد من النساء فلم ينههن عن القعود ولم يندبهن إلى نكاح فقال: والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة . وذكر عبدا أكرمه قال: وسيدا وحصورا والحصور الذي لا يأتي النساء ولم يندبه إلى نكاح فدل ذلك والله أعلم على أن المندوب إليه من يحتاج إليه ممن يكون محصنا له عن المحارم والمعاني التي في النكاح فإن الله عز وجل يقول: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . قال الشافعي رحمه الله: والرجل لا يأتي النساء إذا نكح فقد غر المرأة ولها الخيار في المقام أو فراقه إذا جاءت سنة أجلها من يوم يضرب له السلطان. قال الشافعي: أحب النكاح للعبيد والإماء اللاتي لا يطؤهن ساداتهن احتياطا للعفاف وطلب فضل وغنى فإن كان إنكاحهن واجبا كان قد أدى فرضا وان لم يكن واجبا كان مأجورا إذا احتسب نيته على التماس الفضل بالاحتياط والتطوع. قال الشافعي: ولا أوجبه إيجاب نكاح الأحرار لأني وجدت الدلالة في نكاح الأحرار ولا أجدها في نكاح المماليك. أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: قال الله تبارك وتعالى: قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم وقال: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين وقال عز وجل: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم فأطلق الله عز وجل ما ملكت الأيمان فلم يحد فيهن حدا ينتهي إليه فللرجل أن يتسرى كم شاء ولا اختلاف علمته بين أحد في هذا وانتهى ما أحل الله بالنكح إلى أربع ودلت سنة رسول الله ﷺ المبينة عن الله عز وجل على أن انتهاءه إلى أربع تحريما منه لأن يجمع أحد غير النبي ﷺ بين أكثر من أربع لا أنه يحرم أن ينكح في عمره أكثر من أربع إذا كن متفرقات ما لم يجمع بين أكثر منهن ولأنه أباح الأربع وحرم الجمع بين أكثر منهن. فقال لغيلان بن سلمة ونوفل بن معاوية وغيرهما وأسلموا وعندهم أكثر من أربع: أمسك أربعا وفارق سائرهن وقال عز وجل: قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم . وذلك مفرق في مواضعه في القسم بينهن والنفقة والمواريث وغير ذلك. وقوله: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم دليل على أمرين: أحدهما أنه أحل النكاح وما ملكت اليمين.
صفحة : 1791
والثاني: يشبه أن يكون إنما أباح الفعل للتلذذ وغيره بالفرج في زوجة أو ما ملكت يمين من الآدميين ومن الدلالة على ذلك قول الله تبارك وتعالى: فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون وإن لم تختلف الناس في تحريم ما ملكت اليمين من البهائم فلذلك خفت أن يكون الاستمناء حراما من قبل أنه ليس من الوجهين اللذين أبيحا للفرج. قال الشافعي: فإن ذهب ذاهب إلى أن يحله لقول الله تعالى: وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله فيشبه أن يكونوا إنما أمروا بالاستعفاف عن أن يتناول المرء بالفرج ما لم يبح له به فيصبر إلى أن يغنيه الله من فضله فيجد السبيل إلى ما أحل الله والله أعلم وهو يشبه أن يكون في مثل معنى قول الله عز وجل في مال اليتيم: ومن كان غنيا فليستعفف وإنما أراد بالاستعفاف أن لا يأكل منه شيئا. فإن ذهب ذاهب إلى أن للمرأة ملك يمين فقال: فلم لا تتسرى عبدها كما يتسرى الرجل أمته قلنا: إن الرجل هو الناكح المتسري والمرأة المنكوحة المتسراة فلا يجوز أن يقاس بالشيء خلافه. فإن قيل: كيف يخالفه قلنا: إذا كان الرجل يطلق المرأة فتحرم عليه وليس لها أن تطلقه ويطلقها واحدة فيكون له أن يراجعها في العدة وإن كرهت دل على أن منعها له وأنه القيم عليها وأنها لا تكون قيمة عليه ومخالفة له فلم يجز أن يقال لها أن تتسرى عبدا لأنها المتسراة والمنكوحة لا المتسرية ولا الناكحة. قال الشافعي: ولما أباح الله عز وجل لمن لا زوجة له أن يجمع بين أربع زوجات قلنا: حكم الله عز وجل يدل على أن من طلق أربع نسوة له طلاقا لا يملك رجعة أو يملك الرجعة فليس واحدة منهن في عدتها منه حل له أن ينكح مكانهن أربعا لأنه لا زوجة له ولا عدة عليه. وكذلك ينكح أخت إحداهن. قال الشافعي: ولما قال الله عز وجل: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم كان في هذه الآية دليل والله أعلم على أنه إنما خاطب بها الأحرار دون المماليك لأنهم الناكحون بأنفسهم لا المنكحهم غيرهم والمالكون لا الذين يملك عليهم غيرهم وهذا ظاهر معنى الآية وإن احتملت أن تكون على كل ناكح وإن كان مملوكا أو مالكا. وهذا وإن كان كان مملوكا فهو موضوع في نكاح العبد وتسريه. ID ' ' ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف
صفحة : 1792
الخلاف في هذا الباب قال الشافعي: فقال بعض الناس: إذا طلق الرجل أربع نسوة له ثلاثا أو طلاقا يملك الرجعة أو لا رجعة له على واحدة منهن فلا ينكح حتى تنقضي عدتهن ولا يجمع ماءه في أكثر من أربع. ولو طلق واحدة ثلاثا لم يكن له أن ينكح أختها في عدتها. قال الشافعي: قلت لبعض من يقول هذا القول: هل لمطلق نسائه ثلاثا زوجة قال: لا قلت: فقد أباح الله عز وجل لمن لا زوجة له أن ينكح أربعا وحرم الجمع بين الأختين ولم يختلف الناس في إباحة كل واحدة منهما إذا لم يجمع بينهما على الانفراد فهل جمع بينهما إذا طلق إحداهما ثلاثا وقد حكم الله بين الزوجين أحكاما فقال: للذين يؤلون من نسائهم تربص وقال: الذين يظاهرون منكم من نسائهم وقال: والذين يرمون أزواجهم وقال: ولكم نصف ما ترك أزواجكم وقال: ولهن الربع مما تركتم أفرأيت المطلق ثلاثا إن آلى منها في العدة أيلزمه إيلاء قال: لا قلت: فإن تظاهر أيلزمه الظهار قال: لا. قلت: فإن قذف أيلزمه اللعان أو مات أترثه أو ماتت أيرثها قال: لا. قلت فهذه الأحكام التي حكم الله عز وجل بها بين الزوجين تدل على أن الزوجة المطلقة ثلاثا ليست بزوجة وإن كانت تعتد قال: نعم. قلت له: فهذه سبعة أحكام لله خالفتها وحرمت عليه أن ينكح أربعا وقد أباحهن الله تعالى له وأن ينكح أخت امرأته وهو إذا نكحها لم يجمع بينهما وهي في عدد من أباح الله له فأنت تريد زعمت إبطال اليمين مع الشاهد بأن تقول تخالف القرآن وهي لا تخالفه وهي سنة رسول الله ﷺ. ثم تخالف أنت سبع آيات من القرآن لا تدعي فيها خبرا عن رسول الله ﷺ ولا خبرا صحيحا عن أحد من أصحابه. قال: قد قاله بعض التابعين. قلت: فإن من سميت من التابعين وأكثر منهم إذا قالوا شيئا ليس فيه كتاب ولا سنة لم يقبل قولهم لأن القول الذي يقبل ما كان في كتاب الله عز وجل أو سنة نبيه ﷺ أو حديث صحيح عن أحد من أصحابه أو إجماع. فمن كان عندك هكذا يترك قوله لا يخالف به غيره أتجعله حجة على كتاب الله عز وجل ومن قال قولك: في أن لا ينكح ما دام الأربع في العدة وجعلها في معاني الأزواج لزمه أن يقول: يلحقها الإيلاء والظهار واللعان ويتوارثان. قال: فما أقوله. قلت: فلم لا تكون في حكم الزوجة عندك في معنى واحد دون المعاني فقال: أقال قولك غيرك قلت: نعم القاسم بن محمد وسالم بن عبيد الله وعروة وأكثر أهل دار السنة وأهل حرم الله عز وجل. ما يحتاج
صفحة : 1793
فيه إلى أن يحكى قول أحد لثبوت الحجة فيها بأحكام الله تعالى المنصوصة التي لا يحتاج إلى تفسيرها لأنه لا يحتمل غير ظاهرها. قال الشافعي: أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم وعروة بن الزبير أنهما كانا يقولان في الرجل عنده أربع نسوة فيطلق إحداهن البتة: إنه يتزوج إن شاء ولا ينتظر أن تمضي عدتها. قال الشافعي: فإني إنما قلت هذا لئلا يجتمع ماؤه في أكثر من أربع ولئلا يجتمع في أختين. قال الشافعي: فقلت له: فإنما كان للعالمين ذوي العقول من أهل العلم أن يقولوا من خبر أو قياس عليه ولا يكون لهم أن يخرجوا منهما عندنا وعندك. لو كان لهم أن يخرجوا منهما كان لغيرهم أن يقول معهم. قال: أجل. قلت: أفقلت قولك هذا بخبر لازم أو قياس فهو خلاف هذا كله وليس لك خلاف واحد منهم في أصل ما تقول قال: يتفاحش أن يجتمع ماؤه في أكثر من أربع أو في أختين. قلت: المتفاحش أن تحرم عليه ما أحل الله تعالى له وإحدى الأختين مما أحل الله عز وجل له. وقلت له: لو كان في قولك لا يجتمع ماؤه في أكثر من أربع حجة فكنت إنما حرمت عليه أن ينكح حتى تنقضي عدة الأربع للماء كنت محجوجا بقولك. قال: وأين قلت: أرأيت إذا نكح أربعا فأغلق عليهن أو أرخى الأستار ولم يمس واحدة منهن أعليهن العدة قال: نعم. قلت: أفينكح أربعا سواهن قبل أن تنقضي عدتهن قال: لا. قلت: أفرأيت لو دخل بهن فأصابهن ثم غاب عنهن سنين ثم طلقهن ولا عهد له بواحدة منهن قبل الطلاق بثلاثين سنة أينكح في عدتهن قال: لا. قلت أفرأيت لو كان يعزل عنهن ثم طلقهن أينكح في عدتهن قال: لا. قلت له: أرأيت لو كان قولك إنما حرمت عليه أن ينكح في عدتهن للماء كما وصفت أتبيح له أن ينكح في عدة من سميت وفي عدة المرأة تلد فيطلقها ساعة تضع قبل أن يمسها وفي المرأة يطلقها حائضا أتبيح له أن ينكح بما لزمك في هذه المواضع. وقلت: اعزل عمن نكحت ولا تصب ماءك حتى تنقضي عدة نسائك اللاتي طلقت قال: أفأقفه عن إصابة امرأته فقلت: يلزمك ذلك في قولك. قال: ومن أين يلزمني أفتجدني أقول مثله قلت: نعم. أنت تزعم أنه لو نكح امرأة فأخطأها إلى غيرها فأصابها فرق بينهما وكانت امرأة الأول. واعتزلها زوجها حتى تنقضي عدتها وتزعم أن له أن ينكح المحرمة والحائض ولا يصيب واحدة منهما وتقول له أن ينكح الحبلى من زنا ولا يصيبها فقلت له: وما الماء من النكاح أرأيت لو أصابهن وفيهن ماؤه ثم أراد العود لإصابتهن أما ذلك مما يحل له قال: بلى. قلت: كما يباح له لو لم يصبهن قبل ذلك قال: نعم.
صفحة : 1794
فقلت: فإذا طلقهن وفيهن ماؤه ثلاثا أيكون له أن يعيد فيهن ماء آخر وإنما أقر فيهن ماءه قبل ذلك بساعة قال: لا وقد انتقل حكمه قلت: فالماء ههنا وغير الماء سواء فيما يحل له ويحرم عليه قال: نعم. قلت: فكيف لا يكون هكذا في مثل هذا المعنى ومعه كتاب الله عز وجل وقلت: أرأيت المرأة إذا أصيبت ليلا في شهر رمضان ثم أصبح الزوجان جنبين أيفسد صومهما أو صوم المرأة كينونة الماء فيها قال: لا. قلت له: فكذلك لو أصابها ثم أحرما جنبين وفيها الماء ثم حج بها وفيها الماء قال: نعم. قلت: وليس له أن يصيبها نهارا ولا محرما حين تحولت حاله ولا يصنع الماء في أن يحلها له ولا يفسد عليه حجا ولا صوما إذا كان مباحا ثم انتقلت حالهما إلى حالة حظرت إصابتها فيه شيئا قال: نعم. فقلت له: فالماء كان فيهن وهن أزواج يحل ذلك فيهن ثم طلقهن ثلاثا فانتقل حكمه وحكمهن إلى أن كان غير ذي زوجة وكن أبعد الناس منه غير ذوات المحارم ولا يحللن له إلا بانقضاء عدة ونكاح غيره وطلاقه أو موته والعدة منه والنساء سواهن يحللن له من ساعته فحرمت عليه أبعد النساء من أن تكون زوجا له إلا بما يحل له. وزعمت أن الرجل يعتد وقد خالفت الله بين حكم الرجل والمرأة فجعل إليه أن يطلق وأن ينفق وزعمت أن ليس له ما جعل الله تعالى إليه ولا عليه ما فرضت السنة عليه من النفقة وأن عليه كل ما جعل له وعليه. ثم جعل الله عليها أن تعتد فأدخلته معها فيما جعل عليها دونه فخالفت أيضا حكم الله فألزمتها الرجل وإنما جعلها الله على المرأة فكانت هي المعتمة والزوج المطلق أو الميت فتلزمها العدة بقوله أو موته. ثم قلت في عدته قولا متناقضا. قال: وما قلت قلت: إذا جعلت عليه العدة كما جعلتها عليها أفيحد كما تحد ويجتنب من الطيب كما تجتنب من الصبغ والحلي مثلها قال: لا. قلت: ويعتد من وفاتها كما تعتد من وفاته فلا ينكح أختها ولا أربعا سواها حتى تأتي عليه أربعة أشهر وعشر قال: لا. قلت: وله أن ينكح قبل دفنها أختها إن شاء وأربعا سواها قال: نعم قلت له: هذا في قولك يعتد مرة ويسقط عنه في عدته اجتناب ما تجتنب المعتدة ولا يعتد أخرى أفيقبل من أحد من الناس مثل هذا القول المتناقض وما حجتك على جاهل لو قال: لا تعتد من طلاق ولكن تجتنب الطيب وتعتد من الوفاة هل هو إلا أن يكون عليه ما عليها من العدة فيكون مثلها في كل حال أم لا يكون فلا يعتد بحال. ID ' ' ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه
صفحة : 1795
ما جاء في نكاح المحدودين قال الله تبارك وتعالى: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين . قال الشافعي: فاختلف أهل التفسير في هذه الآية اختلافا متباينا والذي يشبهه عندنا والله أعلم ما قال ابن المسيب. قال الشافعي: أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: هي منسوخة نسختها وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم فهي من أيامى المسلمين فهذا كما قال ابن المسيب إن شاء الله وعليه دلائل من الكتاب والسنة. قال الشافعي: أخبرنا سفيان عن عبد الله بن أبي يزيد عن بعض أهل العلم أنه قال في هذه الآية: إنها حكم بينهما. قال الشافعي: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن مجاهد أن هذه الآية نزلت في بغايا من بغايا الجاهلية كانت على منازلهم رايات. قال الشافعي رحمه الله: وروي من وجه آخر غير هذا عن عكرمة أنه قال: لا يزني الزاني إلا بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك. قال أبو عبد الله: يذهب إلى قوله ينكح أي يصيب فلو كان كما قال مجاهد نزلت في بغايا من بغايا الجاهلية فحرمن على الناس إلا من كان منهم زانيا أو مشركا فإن كن على الشرك فهن محرمات على زناة المسلمين وغير زناتهم وإن كن أسلمن فهن بالإسلام محرمات على جميع المشركين لقول الله تعالى: فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن . قال الشافعي: والاختلاف بين أحد من أهل العلم في تحريم الوثنيات عفائف كن أو زواني على من آمن زانيا كان أو عفيفا ولا في أن المسلمة الزانية محرمة على المشرك بكل حال. قال الشافعي: وليس فيما روي عن عكرمة لا يزني الزاني إلا بزانية أو مشركة تبيين شيء إذا زنى فطاوعته مسلما كان أو مشركا أو مسلمة كانت أو مشركة فهما زانيان والزنا محرم على المؤمنين فليس في هذا أمر يخالف ما ذهبنا إليه فنحتج عليه. قال الشافعي: ومن قال هذا حكم بينهما فالحجة عليه بما وصفنا من كتاب الله عز وجل الذي اجتمع على ثبوت معناه أكثر أهل العلم فاجتماعهم أولى أن يكون ناسخا وذلك قول الله عز وجل: فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وقوله عز وجل: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا فقد قيل: إن هاتين الآيتين في مشركات أهل الأوثان وقد قيل في المشركات عامة ثم رخص منهن في حرائر أهل الكتاب ولم يختلف الناس فيما
صفحة : 1796
علمنا في أن الزانية المسلمة لا تحل لمشرك وثني ولا كتابي وأن المشركة الزانية لا تحل لمسلم زان ولا غيره فإجماعهم على هذا المعنى في كتاب الله حجة على من قال هو حكم بينهما لأن في قوله إن الزانية المسلمة ينكحها الزاني أو المشرك. وقد اعترف ماعز عند رسول الله ﷺ وقد حلف رسول الله ﷺ بكرا في الزنا فجلده وجلد امرأة فلا نعلمه قال للزوج: هل لك زوجة فتحرم عليك إذا زنيت ولا يزوج هذا الزاني ولا الزانية إلا زانية أو زانيا بل يروى عنه ﷺ أن رجلا شكا من امرأته فجورا فقال: طلقها فقال إني أحبها فقال استمتع بها . وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لرجل أراد أن ينكح امرأة أحدثت وتذكر حدثها فقال عمر: انكحها نكاح العفيفة المسلمة. ما جاء فيما يحرم من نكاح القرابة والرضاع وغيره قال الشافعي رحمه الله: قال الله عز وجل: حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم إلى قوله: إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما. قال الشافعي: فالأمهات أم الرجل وأمهاتها وأمهات آبائه وإن بعدن الجدات لأنه يلزمهن اسم الأمهات والبنات بنات الرجل لصلبه وبنات بنيه وبناته وإن سفلن فكلهن يلزمهن اسم البنات. والأخوات من ولد أبوه لصلبه أو أمه بعينها وعماته من ولد جده وجدته ومن فوقهما من أجداده وجداته وخالاته من ولدته جدته أم أمه ومن فوقها من جداته من قبلها وبنات الأخ كل من ولد الأخ لأبيه أو لأمه أو لهما ومن ولد ولده وأولاد بني أخيه وإن سفلوا وهكذا بنات الأخت. وحرم الله الأم والأخت من الرضاعة فتحريمهما يحتمل معنيين: أحدهما. إذا ذكر الله تحريمهما ولم يذكر في الرضاع تحريم غيرهما لأن الرضاعة أضعف سببا من النسب فإذا كان النسب الذي هو أقوى سببا قد يحرم به ذوات نسب ذكرن ويحل ذوات نسب غيرهن إن سكت عنهن أولى أن يكون الرضاع هكذا ولا يحرم به إلا الأم والأخت. وقد تحرم على الرجل أم امرأته وإن لم يدخل بامرأته ولا تحرم عليه ابنتها إذا لم يدخل بواحدة منهما. والمعنى الثاني: إذا حرم الله الأم والأخت من الرضاعة كما حرم الله الوالدة والأخت التي ولدها أحد الوالدين أو هما ولم يحرمهما بقرابة غيرهما ولا بحرمة غيرهما كما حرم ابنة امرأته بحرمة امرأته وامرأة الابن بحرمة الابن وامرأة الأب بحرمة الأب فاجتمعت الأم من الرضاعة إذا حرمت بحرمة نفسها والأخت من الرضاعة إذ حرمت نصا وكانت ابنة الأم أن تكون من سواها من قرابتها تحرم كما تحرم بقرابة الأم
صفحة : 1797
الوالدة والأخت للأب أو الأم أو لهما. فلما احتملت الآية المعنيين كان علينا أن نطلب الدلالة على أولى المعنيين فنقول به فوجدنا الدلالة بسنة النبي ﷺ على أن هذا المعنى أولاهما فقلنا: يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال: يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة . قال الشافعي: إذا حرم من الرضاع مما حرم من الولادة حرم لبن الفحل. قال الشافعي: لو تزوج الرجل المرأة فماتت أو طلقها ولم يدخل بها فلا أرى له أن ينكح أمها لأن الله عز وجل قال: وأمهات نسائكم ولم يشترط فيهن كما شرط في الربائب وهو قول الأكثر ممن لقيت من المفتين. وكذلك جداتها وإن بعدن لأنهن أمهات امرأته. وإذا تزوج الرجل فلم يدخل بها حتى ماتت أو طلقها فأبانها فكل بنت لها وإن سفلت حلال لقول الله عز وجل: وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناج عليكم . فإن دخل بالأم لم تحل له الابنة ولا ولدها وإن تسفل كل من ولدته. قال الله عز وجل: وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم . فأي امرأة نكحها رجل دخل بها أو لم يدخل بها لم يكن للأب أن ينكحها أبدا. ومثل الأب في ذلك آباؤه كلهم من قبل أبيه وأمه فكذلك كل من نكح ولد ولده الذكور والإناث وإن سفلوا لأنهم بنوه. قال الله عز وجل: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء . قال الشافعي: وكذلك امرأة ابنه الذي أرضع تحرم هذه بالكتاب وهذه بأن النبي ﷺ قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة وليس هو خلافا للكتاب لأنه إذا حرم حلائل الأبناء من الأصلاب فلم يقل غير أبنائهم من أصلابهم وكذلك الرضاع في هذا الموضع يقوم مقام النسب. فأي امرأة ينكحها رجل دخل بها أو لم يدخل بها لم يكن لولده ولا لولد ولده الذكور والإناث وإن سفلوا أن ينكحها أبدا لأنها امرأة أب لأن الأجداد آباء في الحكم وفي أمهات النساء لأنه لم يستثن فيهما ولا في أمهات النساء وكذلك أبو المرضع له والله تعالى أعلم. ID ' ' أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو
صفحة : 1798
ما يحرم الجمع بينه من النساء في قول الله عز وجل قال الشافعي: قال الله تبارك وتعالى: وأن تجمعوا بين الأختين قال الشافعي: ولا يجمع بين أختين أبدا بنكاح ولا وطء ملك وكل ما حرم من الحرائر بالنسب والرضاع حرم من الإماء مثله إلا العدد والعدد ليس من النسب والرضاع بسبيل. فإذا نكح امرأة ثم نكح أختها فنكاح الآخرة باطل ونكاح الأولى ثابت وسواء دخل بها أو لم يدخل بها ويفرق بينه وبين الآخرة. وإذا كانت عنده أمة يطؤها لم يكن له وطء الأخت إلا بأن يحرم عليه فرج التي كان يطأ بأن يبيعها أو يزوجها أو يكاتبها أو يعتقها. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها . قال الشافعي: فأيتهما نكح أولا ثم نكح عليها أخرى فسد نكاح الآخرة ولو نكحهما في عقدة كانت العقدة مفسوخة وينكح أيتهما شاء بعد وليس في أن لا يجمع بين المرأة وعمتها خلاف كتاب الله عز وجل. لأن الله ذكر من تحرم بكل حال من النساء ومن يحرم بكل حال إذا فعل في غيره شيء مثل الربيبة إذا دخل بأمها حرمت بكل حال. وكانوا يجمعون بين الأختين فنهوا عن ذلك وليس في نهيه عنه إباحة ما سوى ذلك جمعا بين غير الأختين لأنه قد يذكر الشيء في الكتاب فيحرمه ويحرم على لسان نبيه غيره كما ذكر المرأة المطلقة ثلاثا فقال: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فبين على لسان نبيه ﷺ أن يصيبها وإلا لم تحل له مع كثير بينه الله على لسان نبيه ﷺ. قال: وكذلك ليس في قوله: وأحل لكم ما وراء ذلكم إباحة غيره مما حرم في غير هذه الآية على لسان نبيه ﷺ. ألا ترى أنه يقول: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع وقال رسول الله ﷺ لرجل أسلم وعنده عشر نسوة: أمسك أربعا وفارق سائرهن فبينت سنة رسول الله ﷺ أن انتهاء الله إلى أربع حظر أن يجمع بين أكثر منهن فلو نكح رجل خامسة على أربع كان نكاحها مفسوخا ويحرم من غير جهة الجمع كما حرم نساء منهن المطلقة ثلاثا ومنهن الملاعنة ويحرم إصابة المرأة بالحيض والإحرام فكل هذا متفرق في مواضعه وما حرم على الرجل من أم امرأته أو بنتها أو امرأة أبيه أو امرأة ابنه بالنكاح فأصيبت من غير ذلك بالزنا لم تحرم لأن حكم النكاح مخالف حكم الزنا. وقال الله عز وجل: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت
صفحة : 1799
أيمانكم والمحصنات اسم جامع فجماعه أن الإحصان المنع والمنع يكون بأسباب مختلفة منها: المنع بالحبس والمنع يقع على الحرائر بالحرية ويقع على المسلمات بالإسلام ويقع على العفائف بالعفاف ويقع على ذوات الأزواج بمنع الأزواج فاستدللنا بأن أهل العلم لم يختلفوا فيما علمت: بأن ترك تحصين الأمة والحرة بالحبس لا يحرم إصابة منهما بنكاح ولا ملك. ولأني لم أعلمهم اختلفوا في أن العفائف وغير العفائف فيما يحل منهن بالنكاح والوطء بالملك سواء على أن هاتين ليستا بالمقصود قصدهما بالآية. والآية تدل على أنه لم يرد فالإحصان ههنا الحرائر فبين أنه إنما قصد بالآية قصد ذوات الأزواج. ثم دل الكتاب وإجماع أهل العلم أن ذوات الأزواج من الحرائر والإماء محرمات على غير أزواجهن حتى يفارقهن أزواجهن بموت أو فرقة طلاق أو فسخ نكاح إلا السبايا فإنهن مفارقات لهن بالكتاب والسنة والإجماع. لأن المماليك غير السبايا لما وصفنا من هذا. ومن أن السنة دلت أن المملوكة غير السبية إذا بيعت أو أعتقت لم يكن بيعها طلاقا لأن النبي ﷺ خير بريرة حين أعتقت في المقام مع زوجها أو فراقه ولو كان زوال الملك الذي فيه العقدة يزيل عقدة النكاح كان الملك إذا زال بعتق أولى أن يزول العقد منه إذا زال ببيع ولو زال بالعتق لم يخير بريرة وقد زال ملك بريرة بأن بيعت فأعتقت فكمان زواله بمعنيين ولم يكن ذلك فرقة لأنها لو كانت فرقة لم يقل لك الخيار فيما لا عقد له عليك أن تقيمي معه أو تفارقيه. قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها: أن بريرة أعتقت فخيرها رسول الله ﷺ قال: فإذا لم يحل فرج ذات الزوج بزوال الملك في العتق والبيع فهي إذا لم تبع لم تحل بملك يمين حتى يطلقها زوجها. وتخالف السبية في معنى آخر. وذلك أنها إن بيعت أو وهبت فلم يغير حالها من الرق وإن عتقت تغير بأحسن من حالها الأول. والسبية تكون حرة الأصل فإذا سبيت سقطت الحرية واستوهبت فوطئت بالملك فليس انتقالها من الحرية بسبائها بأولى من فسخ نكاح زوجها عنها وما صارت به في الرق بعد أكثر من فرقة زوجها. ID ' ' ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال
صفحة : 1800
الخلاف في السبايا أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: ذكرت لبعض الناس ما ذهبت إليه في قول الله عز وجل: إلا ما ملكت أيمانكم فقال: هذا كما قلت ولم يزل يقول به ولا يفسره هذا التفسير الواضح غير أنا نخالفك منه في شيء قلت: وما هو قال: نقول في المرأة يسبيها المسلمون قبل زوجها تستبرأ بحيضة وتصاب ذات زوج كانت أو غير ذات زوج. قال: ولكن إن سبيت وزوجها معها فهما على النكاح. قال الشافعي: فقلت له: سبى رسول الله ﷺ نساء بني المصطلق ونساء هوازن بحنين وأوطاس وغيره فكانت سنته فيهم: أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض وأمر أن يستبرءان بحيضة حيضة. وقد أسر رجالا من بني المصطلق وهوازن فما علمناه سأل عن ذات زوج ولا غيرها فاستدللنا على أن السباء قطع للعصمة والمسبية إن لم يكن السباء يقطع عصمتها من زوجها إذا سبي معها لم يقطع عصمتها لو لم يسب معها. ولا يجوز لعالم ولا ينبغي أن يشكل عليه بدلالة السنة إذ لم يسأل رسول الله ﷺ عن ذات زوج ولا غيرها وقد علم أن فيهن ذوات أزواج بالحمل وأذن بوطئهن بعد وضع الحمل وقد أسر من أزواجهن معهن أن السباء قطع للعصمة قال الشافعي رحمه الله: فقال: إني لم أقل هذا بخبر ولكني قلته قياسا. فقلت: فعلى ماذا قسته قال: قسته على المرأة تأتي مسلمة مع زوجها فيكونان على النكاح ولو أسلمت قبله وخرجت من دار الحرب انفسخ النكاح. فقلت له: والذي قست عليه أيضا خلاف السنة فتخطىء خلافها وتخطىء القياس قال: وأين أخطأت القياس قلت: أجعلت إسلام المرأة مثل سبيها قال: نعم. قلت: أفتجدها إذا أسلمت ثبتت على الحرية فازدادت خيرا بالإسلام قال: نعم. قلت: أفتجدها إذا سبيت رقت وقد كانت حرة قال: نعم. قلت: أفتجد حالها واحدة. قال: أما في الرق فلا ولكن في الفرج. فقلت له: فلا يستويان في قولك في الفرج. قال: وأين يختلفان قلت: أرأيت إذا سبيت الحرة في دار الحرب فاستؤمنت وهرب زوجها وحاضت حيضة واحدة أتوطأ قال: أكره ذلك فإن فعل فلا بأس. قلت: وهي لا توطأ إلا والعصمة منقطعة بينها وبين زوجها قال: نعم. قلت: وحيضة استبراء كما لو لم يكن لها زوج. قال: وتريد ماذا قلت: أريد إن قلت تعتد من زوج اعتدت عندك حيضتين إن ألزمتها العدة بأنها أمة وإن ألزمتها بالحرية فحيض. قال: ليست بعدة قلت: أفتبين لك أن حالها في النساء إذا صارت
صفحة : 1801
سبيا بعد الحرية فيما يحل به من فرجها سواء كانت ذات زوج أو غير ذات زوج قال: إنها الآن تشبه ما قلت. قلت له فالحرة تسلم قبل زوجها بدار الحرب قال: فهما على النكاح الأول حتى تحيض ثلاث حيض فإن أسلم قبل أن تحيض ثلاث حيض كانا على النكاح الأول. قلت: فلم خالفت بينهما في الأصل والفرع قال: ما وجدت من ذلك بدا قلت له: فلرسول الله ﷺ سنة في الحرائر يسلمن وأخرى في الحرائر يسبين فيسترقين والأخرى في الإماء لا يسبين فكيف جاز أن تصرف سنة إلى سنة وهما عند أهل العلم سنتان مختلفتان باختلاف حالات النساء فيهما وقلت له: فالحرة تسلم قبل زوجها أو زوجها قبلها أيهما أسلم قبل الآخر ثم أسلم الآخر قبل انقضاء عدة المرأة فالنكاح الأول ثابت. فإن انقضت العدة قبل إسلام الآخر منهما فقد انقطعت العصمة بينهما وسواء في ذلك كان إسلام المرأة قبل الرجل أو الرجل قبل المرأة إذا افترقت دارهما أو لم تفترق. ولا تصنع الدار فيما يحرم من الزوجين بالإسلام شيئا سواء خرج المسلم منهما إلى دار الإسلام أو صارت داره دار الإسلام أو كان مقيما بدار الكفر لا تغير الدار من الحكم بينهما شيئا. قال الشافعي رحمه الله: فإن قال قائل: ما دل على ذلك قيل له: أسلم أبو سفيان بن حرب بمر الظهران وهي دار خزاعة وخزاعة مسلمون قبل الفتح في دار الإسلام فرجع إلى مكة وهند بنت عتبة مقيمة على غير الإسلام فأخذت بلحيته وقالت: اقتلوا الشيخ الضال. ثم أسلمت هند بعد إسلام أبي سفيان بأيام كثيرة وقد كانت كافرة مقيمة بدار ليست بدار الإسلام يومئذ وزوجها مسلم في دار الإسلام وهي في دار الحرب ثم صارت مكة دار الإسلام وأبو سفيان بها مسلم وهند كافرة ثم أسلمت قبل انقضاء العدة فاستقرا على النكاح لأن عدتها لم تنقض حتى أسلمت وكان كذلك حكيم بن حزام وإسلامه وأسلمت امرأة صفوان بن أمية وامرأة عكرمة بن أبي جهل بمكة فصارت دارهما الإسلام. وظهر حكم رسول الله ﷺ بمكة وهرب عكرمة إلى اليمن وهي دار حرب وصفوان يريد اليمن وهي دار حرب ثم رجع صفوان إلى مكة وهي دار إسلام وشهد حنينا وهو كافر ثم أسلم فاستقرت عنده امرأته بالنكاح الأول ورجع عكرمة وأسلم فاستقرت عنده امرأته بالنكاح الأول وذلك أن عدتهما لم تنقض فقلت له: ما وصفت لك من أمر أبي سفيان وحكيم بن حزام وأزواجهما وأمر صفوان وعكرمة وأزواجهما أمر معروف عند أهل العلم بالمغازي فهل ترى ما احتججت به من أن الدار لا تغير من الحكم
صفحة : 1802
شيئا إذا دلت السنة على خلاف ما قلت وقد حفظ أهل المغازي أن امرأة من الأنصار كانت عند رجل بمكة فأسلمت وهاجرت إلى المدينة فقدم زوجها وهي في العدة فأسلم فاستقرا على النكاح. ونحن وأنت نقول: إذا كانا في دار حرب فأيهما أسلم قبل الآخر لم يحل الجماع وكذلك لو كانا في دار الإسلام وإنما يمنع أحدهما من الآخر في الوطء بالدين لأنهما لو كانا مسلمين في دار حرب حل الوطء. فقال إن من أصحابك من يفرق بين المرأة والرجل وأنا أقوم بحجته. فقلت له: القيام بقول تدين به ألزم لك فإن كنت عجزت عنه فلعلك لا تقوى على غيره. قال: فأنا أقوم به فأحتج بأن الله عز وجل قال: ولا تمسكوا بعصم الكوافر فقلت له: أيعدو قول الله عز وجل: ولا تمسكوا بعصم الكوافر أن يكون إذا أسلم وزوجته كافرة كان الإسلام قطعا للعصمة بينهما حين يسلم لأن الناس لا يختلفون في أنه ليس له أن يطأها في تلك الحال إذا كانت وثنية أو يكون قول الله عز وجل: ولا تمسكوا بعصم الكوافر إذا جاءت عليهن مدة لم يسلمن فيها أو قبلها قال: ما يعدو هذا. قلت: فالمدة هل يجوز بأن تكون هكذا أبدا إلا بخبر في كتاب الله عز وجل أو سنة أو إجماع قال: لا. قلت: وذلك أن رجلا لو قال: مدتها ساعة وقال الآخر: يوما وقال آخر: سنة وقال آخر: مائة سنة لم يكن ههنا دلالة على الحق من ذلك إلا بخبر قال: نعم. قلت: والرجل يسلم قبل امرأته فقلت بأيهما شئت وليس قولك من حكيت قوله داخلا في واحد من هذين القولين. قال: فهم يقولون: إذا أسلم قبلها وتقارب ما بين إسلامهما. قلت: أليس قد أسلم وصار من ساعته لا يحل له إصابتها ثم أسلمت فقرت معه على النكاح الأول في قولهم. قال: بلى. قلت: فلم تقطع بالإسلام بينهما وقطعتها بمدة بعد الإسلام قال: نعم. ولكنه يقول: كان بين إسلام أبي سفيان وهند شيء يسير. قلت: أفتجده قال: لا. ولكنه شيء يسير. قلت: لو كان أكثر منه انقطعت عصمتها منه. قال: وما علمته يذكر ذلك. قلت: فإسلام صفوان بعد إسلام امرأته بشهر أو أقل منه. وإسلام عكرمة بعد إسلام امرأته بأيام. فإن قلنا: إذا مضى الأكثر وهو نحو من شهر انقطعت العصمة بين الزوجين لأنا لا نعلم أحدا ترك أكثر مما ترك صفوان أيجوز ذلك قال: لا. قلت: هم يقولون: إن الزهري حمل حديث صفوان وعكرمة وقال في الحديث غير هذا. قلت: فقال الزهري: إلا أن يقدم زوجها وهي في العدة فجعل العدة غاية انقطاع ما بين الزوجين إذا أسلمت المرأة فلم لا يكون هكذا إذا أسلم الزوج والزهري لم يرو في حديث مالك أمر أبي سفيان وهو أشهر من
صفحة : 1802
شيئا إذا دلت السنة على خلاف ما قلت وقد حفظ أهل المغازي أن امرأة من الأنصار كانت عند رجل بمكة فأسلمت وهاجرت إلى المدينة فقدم زوجها وهي في العدة فأسلم فاستقرا على النكاح. ونحن وأنت نقول: إذا كانا في دار حرب فأيهما أسلم قبل الآخر لم يحل الجماع وكذلك لو كانا في دار الإسلام وإنما يمنع أحدهما من الآخر في الوطء بالدين لأنهما لو كانا مسلمين في دار حرب حل الوطء. فقال إن من أصحابك من يفرق بين المرأة والرجل وأنا أقوم بحجته. فقلت له: القيام بقول تدين به ألزم لك فإن كنت عجزت عنه فلعلك لا تقوى على غيره. قال: فأنا أقوم به فأحتج بأن الله عز وجل قال: ولا تمسكوا بعصم الكوافر فقلت له: أيعدو قول الله عز وجل: ولا تمسكوا بعصم الكوافر أن يكون إذا أسلم وزوجته كافرة كان الإسلام قطعا للعصمة بينهما حين يسلم لأن الناس لا يختلفون في أنه ليس له أن يطأها في تلك الحال إذا كانت وثنية أو يكون قول الله عز وجل: ولا تمسكوا بعصم الكوافر إذا جاءت عليهن مدة لم يسلمن فيها أو قبلها قال: ما يعدو هذا. قلت: فالمدة هل يجوز بأن تكون هكذا أبدا إلا بخبر في كتاب الله عز وجل أو سنة أو إجماع قال: لا. قلت: وذلك أن رجلا لو قال: مدتها ساعة وقال الآخر: يوما وقال آخر: سنة وقال آخر: مائة سنة لم يكن ههنا دلالة على الحق من ذلك إلا بخبر قال: نعم. قلت: والرجل يسلم قبل امرأته فقلت بأيهما شئت وليس قولك من حكيت قوله داخلا في واحد من هذين القولين. قال: فهم يقولون: إذا أسلم قبلها وتقارب ما بين إسلامهما. قلت: أليس قد أسلم وصار من ساعته لا يحل له إصابتها ثم أسلمت فقرت معه على النكاح الأول في قولهم. قال: بلى. قلت: فلم تقطع بالإسلام بينهما وقطعتها بمدة بعد الإسلام قال: نعم. ولكنه يقول: كان بين إسلام أبي سفيان وهند شيء يسير. قلت: أفتجده قال: لا. ولكنه شيء يسير. قلت: لو كان أكثر منه انقطعت عصمتها منه. قال: وما علمته يذكر ذلك. قلت: فإسلام صفوان بعد إسلام امرأته بشهر أو أقل منه. وإسلام عكرمة بعد إسلام امرأته بأيام. فإن قلنا: إذا مضى الأكثر وهو نحو من شهر انقطعت العصمة بين الزوجين لأنا لا نعلم أحدا ترك أكثر مما ترك صفوان أيجوز ذلك قال: لا. قلت: هم يقولون: إن الزهري حمل حديث صفوان وعكرمة وقال في الحديث غير هذا. قلت: فقال الزهري: إلا أن يقدم زوجها وهي في العدة فجعل العدة غاية انقطاع ما بين الزوجين إذا أسلمت المرأة فلم لا يكون هكذا إذا أسلم الزوج والزهري لم يرو في حديث مالك أمر أبي سفيان وهو أشهر من
صفحة : 1803
أمر صفوان وعكرمة والخبر فيهما واحد والقرآن فيهم والإجماع واحد قال الله تبارك وتعالى: فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن عملتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن فلم يفرق بين المرأة تسلم قبل زوجها ولا الرجل يسلم قبل امرأته. قلت: فحرم الله عز وجل على الكفار نساء المؤمنين لم يبح واحدة منهن بحال ولم يختلف أهل العلم في ذلك. وحرم على رجال المؤمنين نكاح الكوافر إلا حرائر الكتابيين منهم فزعم أن إحلال الكوافر اللاتي رخص في بعضهن للمسلمين أشد من إحلال الكفار الذين لم يرخص لهم في مسلمة بما وصفنا من قولهم: إذا أسلمت المرأة لم ينفسخ النكاح إلا لانقضاء العدة وزوجها كافر وإذا أسلم الزوج انفسخ نكاح المرأة قبل العدة ولو كان يجوز أن يفرق بينهما بغير خبر كان الذي شددوا فيه أولى أن يرخصوا فيه والذي رخصوا فيه أولى أن يشددوا فيه والله الموفق. الخلاف فيما يؤتى بالزنا أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: وقلنا إذا نكح رجل امرأة حرمت على ابنه وأبيه وحرمت عليه أمها بما حكيت من قول الله عز وجل. قال: فإن زنى بامرأة أبيه أو ابنه أو أم امرأته فقد عصى الله تعالى ولا تحرم عليه امرأته ولا على أبيه ولا على ابنه امرأته لو زنى بواحدة منهما لأن الله عز وجل إنما حرم بحرمة الحلال تعزيزا لحلاله وزيادة في نعمته بما أباح منه بأن أثبت به الحرم التي لم تكن قبله وأوجب بها الحقوق والحرام خلاف الحلال وقال بعض الناس: إذا زنى الرجل بامرأة حرمت عليه أمها وابنتها. وإن زنى بامرأة أبيه أو ابنه حرمت عليهما امرأتاهما وكذلك إن قبل واحدة منهما أو لمسها بشهوة فهو مثل الزنا والزنا يحرم ما يحرم الحلال فقال لي: لم قلت: إن الحرام لا يحرم ما يحرم الحلال فقلت له: استدلالا بكتاب الله عز وجل والقياس على ما أجمع المسلمون عليه بما هو في معناه والمعقول والأكثر من قول أهل دار السنة والهجرة وحرم الله قال: فأوجدني ما وصفت. قلت: قال الله تبارك وتعالى: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء وقال تعالى: وحلائل أبنائكم وقال: وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن أفلست تجد التنزيل إنما حرم من سمي بالنكاح أو النكاح والدخول قال: بلى. قلت: أفيجوز أن يكون الله تبارك وتعالى اسمه حرم بالحلال شيئا فأحرمه والحرام ضد الحلال فقال لي: فما فرق بينهما قلت: فقد فرق الله تعالى بينهما قال: فأين قلت: وجدت الله عز وجل ندب إلى النكاح وأمر به وجعله سبب
صفحة : 1804
النسب والصهر والألفة والسكن وأثبت به الحرم والحق لبعض على بعض بالمواريث والنفقة والمهر وحق الزوج بالطاعة وإباحة ما كان محرما قبل النكاح. قال: نعم قلت: ووجدت الله تعالى حرم الزنا فقال: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا . فقال: أجد جماعا وجماعا فأقيس أحد الجماعين بالآخر. قلت: فقد وجدت جماعا حلالا حمدت به ووجدت جماعا حراما رجمت به صاحبه أفرأيتك قسته به فقال: وما يشبه فهل توضحه بأكثر من هذا قلت: في أقل من هذا كفاية وسأذكر لك بعض ما يحضرني منه. قال: ما ذاك قلت: جعل الله تبارك وتعالى اسمه الصهر نعمة فقال فجعله نسبا وصهرا قال: نعم. قلت: وجعلك محرما لأم امرأتك وابنتها تسافر بها. قال: نعم. قلت: وجعل الزنا نقمة في الدنيا بالحد وفي الآخرة بالنار إن لم يعف. قال: نعم. قلت: أفتجعل الحلال الذي هو نعمة قياسا على الحرام الذي هو نقمة أو الحرام قياسا عليه ثم تخطىء القياس وتجعل الزنا لو زنى بامرأة محرما لأمها وابنتها قال: هذا أبين ما احتججت به منه قلت: فإن الله تبارك وتعالى قال في المطلقة الثالثة: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وجاءت السنة بأن يصيبها الزوج الذي نكح فكانت حلالا له قبل الثلاث ومحرمة عليه بعد الثلاث حتى تنكح ثم وجدناها تنكح زوجا ولا تحل له حتى يصيبها الزوج. ووجدنا المعنى الذي يحلها الإصابة. أفرأيت إن احتج بهذا عليك رجل يغبى غباءك عن معنى الكتاب فقال الذي يحلها للزوج بعد التحريم: هو الجماع لأني قد وجدتها مزوجة فيطلقها الزوج أو يموت عنها فلا تحل لمن طلقها ثلاثا إذا لم يصبها الزوج الآخر وتحل إن جامعها فإنما معنى الزوج في هذا الجماع وجماع بجماع وأنت تقول جماع الزنا يحرم ما يحرم جماع الحلال فإن جامعها رجل بزنا حلت له. قال: إذا يخطىء قلت: ولم أليس لأن الله أحلها بزوج والسنة دلت على إصابة الزوج فلا تحل حتى يجتمع الأمران فتكون الإصابة من زوج قال: نعم. قلت: فإن كان الله إنما حرم بنت المرأة وأمها وامرأة الأب بالنكاح فكيف جاز أن تحرمها بالزنا وقلت له: قال الله تعالى: إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن وقال: فإن طلقها فملك الرجال الطلاق وجعل على النساء العدد. قال: نعم. قلت: أفرأيت المرأة إذا أرادت تطلق زوجها ألها ذلك قال: لا. قلت: فقد جعلت لها ذلك قال: وأين قلت: زعمت أنها إذا كرهت زوجها قبلت ابنه بشهوة فحرمت على زوجها بتقبيلها ابنه فجعلت إليها ما لم يجعل الله إليها فخالفت حكم الله ههنا وفي الآي قبله. فقال:
صفحة : 1805
قد تزعم أنت أنها إن ارتدت عن الإسلام حرمت على زوجها قلت: وإن رجعت وهي في العدة فهما على النكاح أفتزعم أنت هذا في التي تقبل ابن زوجها قال: لا. قلت: فإن مضت العدة ثم رجعت إلى الإسلام كان لزوجها أن ينكحها بعد أفتزعم في التي تقبل ابن زوجها أن لزوجها أن ينكحها بعد بحال قال: لا. قلت: فأنا أقول: إذا ثبتت على الردة حرمتها على المسلمين كلهم لأن الله حرم مثلها عليهم أفتحرم التي تقبل ابن زوجها على المسلمين كلهم قال: لا. قلت: وأنا أقتل المرتدة وأجعل مالها فيئا أفتقتل أنت التي تقبل ابن زوجها وتجعل مالها فيئا قال: لا. قلت: فبأي شيء شبهتها بها قال: إنها لمفارقة لها. قلت: نعم في كل أمرها وقلت له: أرأيت لو طلق امرأته ثلاثا أتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره قال: نعم. قلت: فإن زنى بها ثم طلقها ثلاثا أتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره قال: لا. قلت: فأسمعك قد حرمت بالطلاق إذا طلقت زوجة حلال ما لم تحرم بالزنا لو طلق مع الزنا. قال: لا يشتبهان: قلت: أجل. وتشبيهك إحداهما بالأخرى الذي أنكرنا عليك. قال: أفيكون شيء يحرمه الحلال لا يحرمه الحرام قفت: نعم. قال: وما هو قلت: ما وصفناه وغيره. أرأيت الرجل إذا نكح امرأة أيحل له أن ينكح أختها أو عمتها عليها قال: لا. قلت: فإذا نكح أربعا أيحل له أن ينكح عليهن خامسة. قال: لا. قلت: أفرأيت لو زنى بإمرأة له أن ينكح أختها أو عمتها من ساعته أو زنى بأربع في ساعة أيكون له أن ينكح أربعا سواهن قال: نعم ليس يمنعه الحرام مما يمنعه الحلال. وقلت له: قال الله عز وجل: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ثم حد الزاني الثيب على لسان نبيه محمد ﷺ وفي فعله أعظم حدا حده الرجم وذلك: أن القتل بغير رجم أخف منه وهتك بالزنا حرمة الدم فجعل حقا أن يقتل بعد تحريم دمه ولم يجعل فيه شيئا من الأحكام التي أثبتها بالحلال. فلم يثبت رسول الله ﷺ ولا أحد من أهل دين الله بالزنا نسبا ولا ميراثا ولا حرما أثبتها بالنكاح. وقالوا في الرجل إذا نكح المرأة فدخل بها: كان محرما لابنتها يدخل عليها ويخلو بها ويسافر وكذلك أمها وأمهاتها وكذلك يكون بنوه من غيرها محرما لها يسافرون بها ويخلون. وليس يكون من زنى بامرأة محرما لأمها ولا ابنتها. ولا بنوه محرما لها بل حمدوا بالنكاح وحكموا به وذموا على الزنا وحكموا بخلاف حكم الحلال. وإنما حرم الله أم المرأة
صفحة : 1806
وامرأة الأب والابن بحرمة أثبتها الله عز وجل لكل على كل وإنما ثبتت الحرمة بطاعة الله. فأما معصية الله بالزنا فلم يثبت بها حرمة بل هتكت بها حرمة الزانية والزاني فقال: ما يدفع ما وصفت فقلت: فكيف أمرتني أن أجمع بين الزنا والحلال وقد فرق الله تعالى ثم رسوله ثم المسلمون بين أحكامهما قال: فهل فيه حجة مع هذا قلت: بعض هذا عندنا وعندك يقوم بالحجة وإن كانت فيه حجج سوى هذا قال: وما هي قلت: أرأيت المرأة ينكحها ولا يراها حتى تموت أو يطلقها أنحرم عليه أمها وأمهاتها وإن بعدن والنكاح كلام قال: نعم. قلت: ويكون بالعقدة محرما لأمها يسافر ويخلو بها قال: نعم. قلت: أفرأيت المرأة يواعدها الرجل بالزنا تأخذ عليه الجعل ولا ينال منها شيئا أتحرم عليه أمها بالكلام بالزنا وإلا تعاد به وباليمين لتفين له به قال: لا. ولا تحرم إلا بالزنا واللمس والقبلة بالشهوة قلت: أرأيت المرأة إذا نكحها رجل ولم يدخل بها ويقع عليها وقذفها أو نفى ولدها أو يحد لها ويلاعن أو آلى منها أيلزمه إيلاء أو ظاهر أيلزمه ظهارا أو مات أترثه أو ماتت أيرثها قال: نعم قلت: فإن طلقها قبل أن يدخل بها وقع عليها طلاقه قال: نعم. قلت أفرأيت إن زنى بها ثم طلقها ثلاثا أتحرم عليه كما حرم الله عز وجل المنكوحة بعد ثلاث أو قذفها أيلاعنها. أو آلى منها أو تظاهر أو مات أترثه أو ماتت أيرثها قال: لا. قلت: ولم لأنها ليست له بزوجة وإنما أثبت الله عز وجل هذا بين الزوجين قال: نعم. قلت له: ولو نكح امرأة حرمت عليه أمها وأمهاتها وإن لم يدخل بالبنت قال: نعم قلت له: ولو نكح الأم فلم يدخل بها حتى تموت أو يفارقها حلت له البنت. قال: نعم فقلت: قد وجدت العقدة تثبت لك عليها أمورا منها: ولو ماتت ورثها لأنها زوجته وتثبت بينك وبينها ما يثبت بين الزوجين من الظهار والإيلاء واللعان فلما افترقتما قبل الدخول حرمت عليك أمها ولم تحرم عليك بنتها فلم فرقت بينهما وحرمت مرة بالعقدة والجماع وأخرى بالعقدة دون الجماع قال: لما أحل الله تعالى الربيبة إن لم يدخل بالأم وذكر الأم مبهمة فرقت بينهما. قلت: فلم لم تجعل الأم قياسا على الربيبة وقد أحلها غير واحد قال: لما أبهم الله الأم أبهمناها فحرمناها بغير الدخول ووضعت الشرط في الربيبة وهو الموضع الذي وضعه الله تعالى فيه ولم يكن اجتماعهما في أن كل واحدة منهما زوجة حكمها حكم الأزواج بأن كل واحدة منهما تحرم صاحبتها بعد الدخول يوجب علي أن أجمع بينهما في غيره إذا لم يدل على اجتماعهما خبر لازم. قلت له: فالحلال أشد مباينة للحرام أم الأم للابنة قال: بل الزنا للحلال
صفحة : 1807
أشد فراقا. قلت: فلم فرقت بين الأم والابنة وقد اجتمعتا في خصال وافترقتا في واحدة وجمعت بين الزنا والحلال وهو مفارق له عندك في أكثر أمره وعندنا في كل أمره فقال: فإن صاحبنا قال: يوجد كم الحرام يحرم الحلال قلت له: في مثل ما اختلفنا فيه من أمر النساء قال: لا. ولكن في غيره من الصلاة والمأكول والمشروب والنساء قياس عليه. قلت له: أفتجيز لغيرك أن يجعل الصلاة قياسا على النساء والمأكول والمشروب. قال: أما في كل شيء فلا. فقلت له: الفرق لا يصلح إلا بخبر أو قياس على خبر لازم. قلت: فإن قال قائل: فأنا أقيس الصلاة بالنساء والنساء بالمأكول والمشروب حيث تفرق وأفرق بينهما حيث تقيس فما الحجة عليه. قال: ليس له أن يفرق إلا بخبر لازم قلت: ولا لك. قال: أجل. قلت له: وصاحبك قد أخطأ القياس أن قاس شريعة بغيرها وأخطأ لو جاز له في ذلك القياس. قال: وأين أخطأ قلت صف قياسه قال: قال: الصلاة حلال والكلام فيها حرام فإذا تكلم فيها فسدت صلاته فقد أفسد الحلال بالحرام. فقلت له: لم زعمت أن الصلاة فاسدة لو تكلم فيها الصلاة لا تكون فاسدة ولكن الفاسد فعله لا هي ولكني قلت: لا تجزىء عنك الصلاة ما لم تأت بها كما أمرت فلو زعمت أنها فاسدة كانت على غير معنى ما أفسدت به النكاح. قال: وكيف. قلت: أنا أقول له عد لصلاتك الآن فائت بها كما أمرت ولا أزعم أن حراما عليه أن يعود لها ولا أن كلامه فيها يمنعه من العودة إليها ولا تفسد عليه صلاته قبلها ولا بعدها ولا يفسدها إفساده إياها على غيره ولا نفسه. قال: وأنا أقول ذلك. قلت: وأنت تزعم أنه إذا قبل امرأة حرمت عليه أمها وابنتها أبدا. قال: أجل. قلت: وتحل له هي قال: نعم. قلت: وتحرم على أبيه وابنه قال: نعم. قلت: وهكذا قلت في الصلاة. قال: لا. قلت: أفتراهما يشتبهان قال: أما الآن فلا وقد قال صاحبنا: الماء حلال والخمر حرام فإذا صب الماء في الخمر حرم الماء والخمر. فقلت له: أرأيت إذا صببت الماء في الخمر أما يكون الماء الحلال مستهلكا في الحرام قال: بلى. قلت: أفتجد المرأة التي قبلها للشهوة وابنتها كالخمر والماء قال: وتريد ماذا قلت: أتجد المرأة محرمة على كل أحد كما تجد الخمر محرمة على كل أحد. قال: لا قلت: أو تجد المرأة وابنتها تختلطان اختلاط الماء والخمر حتى لا تعرف واحدة منهما من صاحبتها كما لا يعرف الخمر من الماء. قال: لا. قلت: أفتجد القليل من الخمر إذا صب في كثير الماء نجس الماء قال: لا. قلت: أفتجد قليل الزنا والقبلة للشهوة لا تحرم ويحرم كثيرها قال: لا. ولا
صفحة : 1808
يشبه أمر النساء الخمر والماء. قلت: فكيف قاسه بالمرأة ولو قاسه كان ينبغي أن يحرم المرأة التي قبلها وزنى بها وابنتها كما حرم الخمر والماء. قال: ما يفعل ذلك وما هذا بقياس. قلت: فكيف قبلت هذا منه قال: ما وجدنا أحدا قط بين هذا لنا كما بينته ولو كلم صاحبنا بهذا لظننت أنه لا يقيم على قوله. ولكنه عقل وضعف من كلمه. قلت: أفيجوز لأحد أن يقول في رجل يعصي الله في امرأة فيزني بها فلا يحرم الزنا عليه أن ينكحها وهي التي عصى الله فيها إذا أتاها بالوجه الذي أحله له وتحرم عليه ابنتها وهو لم يعص الله في ابنتها فهل رأيت قط عورة أبين من عورة هذا القول قال: فالشعبي قال قولنا. قلت: فلو لم يكن في قولنا كتاب ولا سنة ولا ما أوجدناك من القياس والمعقول أكان قول الشعبي عندك حجة. قال: لا وقد روي عن عمران بن الحصين قلت من وجه لا يثبت قال: نقل وروى عن ابن عباس قولنا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فرجع عن قولهم. وقال: الحق عندك والعدل في قولكم ولم يصنع أصحابنا شيئا والحجة علينا بما وصفت وأقام أكثرهم على خلاف قولنا والحجة عليهم بما وصفت قال: فقال لي: فاجمع في هذا قولا. قلت: إذا حرم الشيء بوجه استدللنا على أنه لا يحرم بالذي يخالفه كما إذا أحل شيء بوجه لم يحل بالذي يخالفه والحلال ضد الحرام والنكاح حلال والزنا ضد النكاح ألا ترى أنه يحل لك الفرج بالنكاح ولا يحل لك بالزنا الذي يخالفه. فقال لي منهم قائل: فإنا روينا عن وهب بن منبه قال مكتوب في التوراة ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها قال: قلت له: ولا يدفع هذا وأصغر ذنبا من الزاني بالمرأة وابنتها والمرأة بلا ابنة ملعون قد لعنت الواصلة والموصولة والمختفي. قال الربيع: المختفي النباش والمختفية فالزنا أعظم من هذا كله ولعله أن يكون ملعونا بالزنا بأحدهما وإن لم ينظر إلى فرج أم ولا ابنتها لأن الله تبارك وتعالى قد أوعد على الزنا. ولو كنت إنما حرمته من أجل أنه ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها لم يجز أن تحرم على الرجل امرأته إن زنى بها أبوه فإنه لم ينظر مع فرج امرأته إلى فرج أمها ولا ابنتها ولو كنت حرمته لقوله: ملعون لزمك مكان هذا في آكل الربا ومؤكله وأنت لا تمنع من أربى إذا اشترى بأجل أن يحل له غير السلعة التي أربى فيها ولا إذا اختفى قبرا من القبور أن يحل له أن يحفر غيره ويحفر هو إذا ذهب الميت بالبلى. قال: أجل. قلت: فكيف لم تقل لا يمنع الحرام الحلال كما قلت في الذي أربى واختفى. ID ' ' وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع
صفحة : 1809
ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وقال تبارك وتعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم . فنهى الله عز وجل في هاتين الآيتين عن نكاح نساء المشركين كما نهى عن إنكاح رجالهم. قال: وهاتان الآيتان تحتملان معنيين: أن يكون أريد بهما مشركو أهل الأوثان خاصة فيكون الحكم فيهما بحاله لم ينسخ ولا شيء منه لأن الحكم في أهل الأوثان: أن لا ينكح مسلم منهم امرأة كما لا ينكح رجل منهم مسلمة. قال: وقد قيل هذا فيها وفيما هو مثله عندنا والله أعلم به. قال: وتحتملان أن تكونا في جميع المشركين وتكون الرخصة نزلت بعدها في حرائر أهل الكتاب خاصة كما جاءت في ذبائح أهل الكتاب من بين المشركين خاصة. قال الله تبارك وتعالى: أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم . وقال الله تبارك وتعالى: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات إلى قوله: ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم . قال الشافعي رحمه الله: فبهذا كله نقول: لا تحل مشركة من غير أهل الكتاب بنكاح ولا يحل أن ينكح من أهل الكتاب إلا حرة ولا من الإماء إلا مسلمة ولا تحل الأمة المسلمة حتى يجتمع الشرطان معا. فيكون ناكحها لا يجد طولا لحرة ويكون يخاف العنت إن لم ينكحها وهذا أشبه بظاهر الكتاب. وأحب إلي لو ترك نكاح الكتابية وإن نكحها فلا بأس وهي كالحرة المسلمة في القسم لها والنفقة والطلاق والإيلاء والظهار والعدة وكل أمر. غير أنهما لا يتوراثان وتعتد منه عدة الوفاة وعدة الطلاق وتجتنب في عدتها ما تجتنب المعتدة. وكذلك الصبية ويجبرها على الغسل من الجنابة والتنظيف. فأما الأمة المسلمة فإن نكحها وهو يجد طولا لحرة فسخ النكاح ولكنه إن لم يجد طولا ثم نكحها ثم أيسر لم يفسخ النكاح لأن العقدة انعقدت صحيحة فلا يفسدها ما بعدها. ولو عقد نكاح حرة وأمة فقد قيل: تثبت عقدة الحرة وعقدة الأمة مفسوخة. وقد قيل: هي مفسوخة معا. قال الشافعي: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو عن أبي الشعثاء قال: لا يصلح نكاح الإماء اليوم لأنه يجد طولا إلى حرة. قال الشافعي: فقال بعض الناس: لم قلت: لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب فقلت: استدلالا بكتاب الله عز وجل. قال: وأين ما استدللت به منه فقلت: قال الله تبارك
صفحة : 1810
وتعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم وقال: إذا جاءكم المؤمنات . فقلنا: نحن وأنتم لا يحل لمن لزمه اسم كفر نكاح مسلمة حرة ولا أمة بحال أبدا ولا يختلف في هذا أهل الكتاب وغيرهم من المشركين لأن الآيتين عامتان واسم المشرك لازم لأهل الكتاب وغيرهم من المشركين ووجدنا الله عز وجل قال: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب فلم نختلف نحن وأنتم أنهن الحرائر من أهل الكتاب خاصة إذا خصص وتكون الإماء منهن من جملة المشركات المحرمات. فقال: إنا نقول: قد يحل الله الشيء ويسكت عن غيره غير محرم لما سكت عنه وإذا أحل حرائرهم دل ذلك على إحلال إمائهم ودل ذلك على أنه عنى بالآيتين المشركين غيرهم من أهل الأوثان. فقلت: أرأيت إن عارضك معارض بمثل حجتك التي قلت فقال: وجدت في أهل الكتاب حكما مخالفا حكم أهل الأوثان فوجدت الله عز وجل أباح نكاح حرائر أهل الكتاب وإنما تقاس إماؤهم بحرائرهم فكذلك أنا أقيس رجالهم بنسائهم فأجعل لرجالهم أن ينكحوا المسلمات إذا كانوا خارجين من الآيتين. قال: ليس ذلك له والإرخاص في حرائر نسائهم ليس الإرخاص في أن ينكح رجالهم المسلمات. قلت: فإن قال لك ولكنه في مثل معناه قياسا عليه. قال: ولا يكون عليه قياسا وإنما قصد بالتحليل عين من جملة محرمة. قلت: فهذه الحجة عليك لأن إماءهم غير حرائرهم كما رجالهم غير نسائهم وإنما حرائرهم مستثنون من جملة محرمة. قال: قد اجتمع الناس على أن لا يحل لرجل منهم أن ينكح مسلمة. قلت: فإجماعهم على ذلك حجة عليك لأنهم إنما حرموا ذلك بكتاب الله عز وجل فرخصوا في الحرائر بكتاب الله. قال: قد اختلفوا في الإماء من أهل الكتاب. قلت: فإذا اختلفوا فالحجة عندنا وعندك لمن وافق قوله معنى كتاب الله عز وجل ومن حرمهن فقد وافق معنى كتاب الله لأنهن من جملة المشركات وبرئوا من أن يكونوا من الحرائر المخصوصات بالتحليل. قال: وقلنا: لا يحل نكاح أمة مسلمة إلا بأن لا يجد ناكحها طولا لحرة ولا تحل وإن لم يجد طولا لحرة حتى يخاف العنت فيجتمع فيه المعنيان اللذان لهما أبيح له نكاح الأمة. وخالفنا فقال: يحل نكاح الأمة بكل حال كما يحل نكاح الحرة. فقال لنا: ما الحجة فيه فقلت: كتاب الله الحجة فيه. والدليل على أن لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب مع ما وصفنا من الدلالة عليه فقلت له: قد حرم الله الميتة فقال: حرمت عليكم الميتة والدم واستثنى إحلاله للمضطر أفيجوز لأحد أن يقول لما حلت الميتة بحال لواحد موصوف وهو المضطر حلت لمن ليس في صفته قال: لا.
صفحة : 1811
قلت: وقد أمر الله تبارك وتعالى بالطهور وأرخص في السفر والمرض أن يقوم الصعيد مقام الماء لمن يعوزه الماء في السفر وللمريض مثل المحذور في السفر والحضر بغير إعواز أفيجوز لأحد أن يقول: أجيز له التيمم في السفر على غير إعواز كما يجوز للمريض قال: لا يجوز أبدا إلا لمعوز مسافر وإذا أحل شيء بشرط لم يحلل إلا بالشرط الذي أحله الله تعالى به واحدا كان أو اثنين. قلت: وكذلك حين أوجب عتق رقبة في الظهار. ثم قال: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لم يكن له أن يصوم وهو يجد عتق رقبة قال: نعم: فقلت له: قد أصبت: فإن كانت لك بهذا حجة على أحد لو خالفك فكذلك هي عليك في إحلالك نكاح إماء أهل الكتاب وإنما أذن الله تعالى في حرائرهم ونكاح إماء المؤمنين بكل حال وإنما أذن الله فيهن لمن لم يجد طولا ولمن يخاف العنت وما يلزمه في هذا أكثر مما وصفنا وفيما وصفت كفاية إن شاء الله تعالى: قال: فمن أصحابك من قال: يجوز نكاح الإماء المسلمات بكل حال قلت: فالحجة على من أجاز نكاح إماء المؤمنين بغير ضرورة الحجة عليك والقرآن يدل على أن لا يجوز نكاحهن إلا بمعنى الضرورة إلا أن لا يجد الناكح طولا لحرة ويخاف العنت فمن وافق قوله كتاب الله عز وجل كان معه الحق. ID ' ' سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ الحديث. وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل
صفحة : 1812
باب التعريض في خطبة النكاح
أخبرنا الربيع: قال: قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم . قال الشافعي: أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول في قول الله عز وجل: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها: إنك علي لكريمة وإني فيك لراغب فإن الله لسائق إليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول. قال الشافعي: كتاب الله يدل على أن التعريض في العدة جائز لما وقع عليه اسم التعريض إلا ما نهى الله عز وجل عنه من السر وقد ذكر القاسم بعضه. والتعريض كثير واسع جائز كله وهو خلاف التصريح وهو ما يعرض به الرجل للمرأة مما يدلها على أنه أراد به خطبتها بغير تصريح. والسر الذي نهى الله عنه والله أعلم يجمع بين أمرين: أنه تصريح والتصريح خلاف التعريض وتصريح بجماع وهذا كأقبح التصريح. فإن قال قائل: ما دل على أن السر الجماع قيل: فالقرآن كالدليل عليه إذ أباح التعريض والتعريض عند أهل العلم جائز سرا وعلانية فإذا كان هذا فلا يجوز أن يتوهم أن السر سر التعريض ولا بد من معنى غيره وذلك المعنى الجماع. وقال امرؤ القيس: ألا زعـمـت بـسـبـاسة الـقـــوم أنـــنـــي
كـبـرت وأن لا يحـسـن الـسـر أمـثـالـي
كذبت لقد أصبـى عـلـى الـمـرء عـرسـه
وأمـنـع عـرسـي أن يزن بـهـا الـخـالـي
وقال جرير يرثي امرأته: كانت إذا هـجـر الـخـلـيل فـراشـهـا
خـزن الـحـديث وعـفـت الأســرارا
قال الشافعي: فإذا علم أن حديثها مخزون فخزن الحديث أن لا يباح به سرا ولا علانية فإذا وصفها فلا معنى للعفاف غير الإسرار والإسرار: الجماع.
ID ' ' ولا يكاد يقدر عليه.
وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن
العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر
كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج .
صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا
صفحة : 1813
ما جاء في الصداق
قال الشافعي: قال الله تبارك وتعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة وقال عز وجل: فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن وقال: أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن وقال: ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن وقال: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم وقال: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم وقال: وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله فأمر الله الأزواج أن يؤتوا النساء أجورهن وصدقاتهن والأجر هو الصداق والصداق هو الأجر والمهر وهي كلمة عربية تسمى بعدة أسماء فيحتمل هذا أن يكون مأمورا بالصداق من فرضه دون من لم يفرضه دخل أو لم يدخل لأنه حق ألزمه نفسه ولا يكون له حبس لشيء منه إلا بالمعنى الذي جعله الله له وهو: أن يطلق قبل الدخول. قال الله عز وجل: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ويحتمل أن يكون يجب بالعقدة وإن لم يسم مهرا ولم يدخل ويحتمل أن يكون المهر لا يلزم إلا بأن يلزمه المرء نفسه أو يدخل بالمرأة وإن لم يسم لها مهرا. فلما احتمل المعاني الثلاث كان أولاها أن يقال به ما كانت عليه الدلالة من كتاب الله أو سنة أو إجماع فاستدللنا بقول الله عز وجل: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على أن عقدة النكاح تصح بغير فريضة صداق. وذلك أن الطلاق لا يقع إلا على من تصح عقدة نكاحه وإذا جاز أن يعقد النكاح بغير مهر فيثبت بهذا دليل على أن الخلاف بين النكاح والبيوع البيوع لا تنعقد إلا بثمن معلوم والنكاح ينعقد بغير مهر وإذا جاز أن ينعقد بغير مهر فيثبت استدلالنا على أن العقدة تصح بالكلام وأن الصداق لا يفسد عقدة النكاح أبدا. وإذا كان هكذا فلو عقد النكاح بمهر مجهول أو حرام ثبتت العقدة بالكلام وكان للمرأة مهر مثلها إذا أصيبت على أنه لا صداق على من طلق إذا لم يسم مهرا ولم يدخل وذلك أنه يجب بالعقدة والمسيس وإن لم يسم مهرا بالآية وبقول الله عز وجل: وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين يريد والله تعالى أعلم بالنكاح والمسيس بغير مهر على أنه ليس لأحد غير رسول الله ﷺ أن ينكح فيمس إلا لزمه مهر مع دلالة الآي قبله. ودل قول الله تبارك وتعالى:
صفحة : 1814
وآتيتم إحداهن قنطارا على أن لا وقت في الصداق كثر أو قل لتركه النهي عن القنطار وهو كثير وتركه حدا للقليل ودلت عليه السنة والقياس على الإجماع فنقول: أقل ما يجوز في المهر أقل ما يتمول الناس مما لو استهلكه رجل لرجل كانت له قيمة وما يتبايعه الناس بينهم. فإن قال قائل: وما دل على ذلك قيل: قال رسول الله ﷺ: أدوا العلائق قيل: وما العلائق يا رسول الله قال: ما تراضى عليه الأهلون ولا يقع اسم علق إلا على ما يتمول وإن قل ولا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها وتكون إذا استهلكها مستهلك أدى قيمتها. وإن قلت: وما لا يطرحه الناس من أموالهم مثل الفلس وما أشبه ذلك الذي يطرحونه. قال الشافعي: والقصد في المهر أحب إلينا. وأستحب أن لا يزيد في المهر على ما أصدق رسول الله ﷺ نساءه وبناته وذلك خمسمائة درهم طلب البركة في كل أمر فعله رسول الله ﷺ. أخبرنا الربيع: قال أخبرنا الشافعي: قال أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة قال: سألت عائشة رضي الله عنها: كم كان صداق النبي ﷺ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونش قالت: أتدري ما النش قلت: لا قالت: نصف أوقية فذلك خمسمائة درهم فذاك صداق رسول الله ﷺ لأزواجه أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله ﷺ جاءته امرأة فقالت: إني وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله ﷺ: هل عندك شيء تصدقها إياه فقال: ما عندي إلا إزاري هذا فقال النبي ﷺ: إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك قال: فالتمس شيئا قال: ما أجد شيئا فقال النبي ﷺ: التمس ولو خاتما من حديد . قال الشافعي: فالخاتم من الحديد لا يسوي درهما ولا قريبا منه ولكن له ثمن قدر ما يتبايع به الناس على ما وصفنا في الذي قبل هذا. قال الشافعي: أخبرنا سفيان عن حميد عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف تزوج على وزن نواة. ID ' ' يتوقف فيه إلا جاهل غبي. والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن
صفحة : 1815
باب الخلاف في الصداق قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولما ذكر الله عز وجل الصداق غير موقت واختلف الصداق في زمن رسول الله ﷺ فارتفع وانخفض وأجاز رسول الله ﷺ منه ما وصفنا من خاتم الحديد وقال: ما تراضى به الأهلون ورأينا المسلمين قالوا في التي لا يفرض لها إذا أصيبت: لها مهر مثلها استدللنا على أن الصداق ثمن من الأثمان والثمن ما تراضى به من يجب له ومن يجب عليه من ماله من قل أو كثر فعلمنا أن كل ما كانت له قيمة قلت أو كثرت فتراضى به الزوجان كان صداقا. وخالفنا بعض الناس في هذا فقال: لا يكون الصداق أقل من عشرة دراهم وسألنا عن حجتنا بما قلنا فذكرنا له ما قلنا من هذا القول فيما كتبنا وقلنا: بأي شيء خالفتنا قال: روينا عن بعض أصحاب النبي ﷺ: لا يكون الصداق أقل من عشرة دراهم وذلك ما تقطع فيه اليد. قلت: قد حدثناك عن رسول الله ﷺ حديثا ثابتا وليس في أحد مع رسول الله ﷺ حجة وحديثك عمن حدثت عنه لو كان ثابتا لم يكن فيه حجة مع رسول الله ﷺ فكيف وليس بثابت قال: فيقبح أن نبيح فرجا بشيء تافه قلنا: أرأيت رجلا لو اشترى جارية بدرهم أيحل له فرجها قال: نعم. قلت: فقد أحللت الفرج بشيء تافه وزدت مع الفرج رقبة وكذلك تبيح عشر جوار بدرهم في البيع. وقلت له: أرأيت شريفا ينكح امرأة دنية سيئة الحال بدرهم أدرهم أكثر لها على قدرها وقدره أو عشرة دراهم لامرأة شريفة جميلة فاضلة من رجل دنيء صغير القدر. قال: بل عشرة لهذه لقدرها أقل. قلت: فلم تجيز لها التافه في قدرها. وأنت لو فرضت لها مهرا فرضته الأقل ولو فرضت لأخرى لم تجاوز بها عشرة دراهم لأن ذلك كثير لها ولا يجاوز به مهر مثلها قال: رضيت به. قلت: فلو كان أقل من مهر مثلها مائة مرة أجزته لها وعليها قال: نعم. قلت: أليس لأنها رضيت به قال: بلى. قلت: قد رضيت الدنيئة بدرهم وهو لها بقدرها أكثر فزدتها عليه تسعة دراهم. قلت: أرأيت لو قال لك قائل: لو أن امرأة كان مهر مثلها ألفا فرضيت بمائة ألحقتها بمهر مثلها ولو أن امرأة كان مهر مثلها ألفا فأصدقها رجل عشرة آلاف رددتها إلى ألف حتى يكون الصداق موقتا على ألف قدر مهر مثلها قال: ليس ذلك له. قلت: وتجعله ههنا كالبيوع تجيز فيه التغابن لأن الناكح رضي بالزيادة والمنكوحة رضيت بالنقصان وأجزت على
صفحة : 1816
كل ما رضي به قال: نعم. قلت: فكذلك لو نكحت بغير مهر فأصابها جعلت لها مهر مثلها عشرة كان أو ألفا قال: نعم. قلت: فأسمعك تشبه المهر بالبيع في كل شيء بلغ عشرة دراهم وتجيز فيه ما تراضيا عليه ثم ترده إلى مهر مثلها. إذا لم يكن بصداق وتفرق بينه وبين البيوع في أقل من عشرة دراهم فتقول: إذا رضيت بأقل من عشرة دراهم وعدتها حتى أبلغ بها عشرة والبيع عندك إذا رضي فيه بأقل من درهم أجزته قلت: أرأيت لو قال لك قائل: لا أراك قمت من الصداق على شيء يعتدل فيه قولك فأرجع بك في الصداق إلا أن الله عز وجل قال: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا وذكر الصداق في غير موضع من القرآن سواه فلم يحد فيه حدا فتجعل الصداق قنطارا لا أنقص منه ولا أزيد عليه. قال: ليس ذلك له لأن الله عز وجل لم يفرضه على الناس وأن النبي ﷺ أصدق أقل منه وأصدق في زمانه وأجاز أقل منه. فقلنا: قد أوجدناك رسول الله ﷺ أجاز في الصداق أقل من عشرة دراهم فتركته وقلت بخلافه. وقلت: ما تقطع فيه اليد وما لليد والمهر وقلت: أرأيت لو قال قائل: أحد الصداق ولا أجيز أن يكون أقل من مهر النبي ﷺ خمسمائة درهم أو قال: هو ثمن للمرأة لا يكون أقل من خمسمائة درهم أو قال في البكر كالجناية ففيه أرش جائفة. أو قال: لا يكون أقل مما تجب فيه الزكاة وهو مائتا درهم أو عشرون دينارا ما لحجة عليه. قال: ليس المهر من هذا بسبيل. قلت: أجل ولا مما تقطع فيه اليد بل بعض هذا أولى أن يقاس عليه مما تقطع فيه اليد إن كان هذا منه بعيدا. ID ' ' يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر
صفحة : 1817
باب ما جاء في النكاح على الإجارة قال الشافعي رحمه الله تعالى: الصداق ثمن من الأثمان فكل ما يصلح أن يكون ثمنا صلح أن يكون صداقا. وذلك مثل أن تنكح المرأة الرجل على أن يخيط لها الثوب ويبني لها البيت ويذهب بها البلد ويعمل لها العمل. فإن قال قائل: ما دل على هذا قيل: إذا كان المهر ثمنا كان في معنى هذا وقد أجازه الله عز وجل في الإجارة في كتابه وأجازه المسلمون. وقال الله عز وجل: فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وقال عز وجل: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف وذكر قصة شعيب وموسى صلى الله عليهما وسلم في النكاح فقال قالت يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين وقال: فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال: ولا أحفظ من أحد خلافا في أن ما جازت عليه الإجارة جاز أن يكون مهرا. فمن نكح بأن يعمل عملا فعمله كله ثم طلق قبل الدخول رجع بنصف قيمة العمل ومن لم يعمله ثم طلق قبل الدخول عمل نصفه فإن فات المعمول بأن يكون ثوبا فهلك كان للمرأة مثل نصف أجر خياطة الثوب أو عمله ما كان قال الربيع: رجع الشافعي رحمه الله فقال: يكون لها نصف مهر مثلها. غير أن بعض الناس قال: يجوز هذا في كل شيء غير تعليم الخير فإنه لا أجر على تعليم الخير. ولو نكح رجل امرأة على أن يعلمها خيرا كان لها مهر مثلها لأنه لا يصلح أن يستأجر رجل رجلا على أن يعلمه خيرا قرآنا ولا غيره ولو صلح هذا كان تعليم الخير كخياطة الثوب يجوز النكاح عليه ويكون القول فيه كالقول في خياطة الثوب إذا علمها الخير وطلقها رجع عليها بنصف أجر تعليم ذلك الخير وإن طلقها قبل أن يعلمها رجعت عليه بنصف أجر تعليم ذلك الخير لأنه ليس له أن يخلو بها ويعلمها. وهذا قول صحيح على السنة والقياس معا لو تابعنا في تجويز الأجر على تعليم الخير رجع الشافعي فقال: لها مهر مثلها قال الربيع: للشافعي قول آخر: إذا تزوجها على أن يخيط لها ثوبا بعينه أو يعطيها شيئا بعينه فطلقها قبل أن يدخل بها فهلك الثوب قبل أن يخيطه أو هلك الشيء الذي بعينه رجعت عليه بنصف صداق مثلها. واحتج بأن من اشترى شيئا بدينار فهلك الشيء قبل أن يقبضه رجع بديناره فأخذه فهذه المرأة إنما ملكت خياطة الثوب ببضعها فلما هلك الثوب قبل أن تقبضه فلم يقدر على خياطته رجعت عليه بما ملكت به الخياطة وهو بضعها وهو الثمن الذي
صفحة : 1818
اشترت به الخياطة. قال الربيع: وهذا أصح القولين وهو آخر قولي الشافعي رحمه الله تعالى. باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم أن رسول الله ﷺ قال: لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن أبي الزناد ومحمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه . قال الشافعي: وهذان الحديثان يحتملان أن يكون الرجل منهما إذا خطب غيره امرأة أن لا يخطبها حتى تأذن أو يترك رضيت المرأة الخاطب أو سخطته. ويحتمل أن يكون النهي عنه إنما هو عند رضا المخطوبة وذلك أنه إذا كان الخاطب الآخر أرجح عندها من الخاطب الأول الذي رضيته تركت ما رضيت به الأول فكان هذا فسادا عليه وفي الفساد ما يشبه الإضرار به والله تعالى أعلم. فلما احتمل المعنيين وغيرهما كان أولاهما أن يقال به ما وجدنا الدلالة توافقه فوجدنا الدلالة عن رسول الله ﷺ: على أن النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه إذا كانت المرأة راضية. قال: ورضاها إن كانت ثيبا أن تأذن بالنكاح بنعم وإن كانت بكرا أن تسكت فيكون ذلك إذنها. وقال لي قائل: أنت تقول الحديث على عمومه وظهوره وإن احتمل معنى غير العام والظاهر حتى تأتي دلالة على أنه خاص دون عام وباطن دون ظاهر قلت: فكذلك أقول. قال: فما منعك أن تقول في هذا الحديث لا يخطب الرجل على خطبة أخيه وإن لم تظهر المرأة رضى أنه لا يخطب حتى يترك الخطبة فكيف صرت فيه إلى ما لا يحتمله الحديث باطنا خاصا دون ظاهر عام قلت: بالدلالة. قال وما الدلالة. قلت: أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن رسول الله ﷺ قال لها: إذا حللت فآذنيني قالت: فلما حللت أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال: أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه انكحي أسامة فكرهته فقال انكحي أسامة فنكحته فجعل الله لها فيه خيرا واغتبطت به. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقلت له: قد أخبرته فاطمة أن رجلين خطباها ولا أحسبهما يخطبانها إلا وقد تقدمت خطبة أحدهما خطبة الآخر لأنه قل ما يخطب اثنان معا في وقت فلم تعلمه. قال لها ما كان ينبغي لك أن يخطبك واحد حتى يدع
صفحة : 1819
الآخر خطبتك ولا قال ذلك لهما وخطبها هو ﷺ على غيرهما ولم يكن في حديثها أنها رضيت واحدا منهما ولا سخطته وحديثها يدل على أنها مرتادة ولا راضية بهما ولا بواحد منهما ومنتظرة غيرهما أو مميلة بينهما فلما خطبها رسول الله ﷺ على أسامة ونكحته دل على ما وصفت من أن الخطبة واسعة للخاطبين ما لم ترض المرأة. قال الشافعي: وقال: أرأيت إن قلت هذا مخالف حديث لا يخطب المرء على خطبة أخيه وهو ناسخ له فقلت له: أو يكون ناسخا أبدا إلا ما يخالفه الخلاف الذي لا يمكن استعمال الحديثين معا قال: لا. قلت: أفيمكن استعمال الحديثين معا على ما وصفت من أن الحال التي يخطب المرء على خطبة أخيه بعد الرضى مكروهة وقبل الرضى غير مكروهة لاختلاف حال المرأة قبل الرضى وبعده قال: نعم. قلت له: فكيف يجوز أن يطرح حديث وقد يمكن أن لا يخالفه ولا يدرى أيهما الناسخ أرأيت إن قال قائل: حديث فاطمة الناسخ ولا بأس أن يخطب الرجل المرأة بكل حال ما حجتك عليه إلا مثل حجتك على من خالفك فقال: أنت ونحن نقول: إذا احتمل الحديثان أن يستعملا لم يطرح أحدهما بالآخر فأبن لي ذلك. قلت له: نهى رسول الله ﷺ حكيم بن حزام عن بيع ما ليس عنده وأرخص في أن يسلف في الكيل المعلوم إلى أجل معلوم. وهذا بيع ما ليس عند البائع. فقلت: النهي عن بيع ما ليس عندك بعينه غير مضمون عليك فأما المضمون فهو بيع صفة فاستعملنا الحديثين معا. قال: هكذا نقول. قلت: هذه حجة عليك. قال: فإن صاحبنا قال: لا يخطب رضيت أو لم ترض حتى يترك الخاطب. قلت: فهذا خلاف الحديث ضرر على المرأة في أن يكف عن خطبتها حتى يتركها من لعله يضارها ولا يترك خطبتها أبدا. قال: هذا أحسن مما قال أصحابنا وأنا أرجع إليه ولكن قد قال غيرك: لا يخطبها إذا ركنت وجاءت الدلالة على الرضى بأن تشترط لنفسها فكيف زعمت بأن الخاطب لا يدع الخطبة في هذه الحال ولا يدعها حتى تنطق الثيب بالرضى وتسكت البكر فقلت له: لما وجدت رسول الله ﷺ لا يرد خطبة أبي جهم ومعاوية فاطمة ويخطبها على أسامة على خطبتهما لم يكن للحديث مخرج إلا ما وصفت من أنها لم تذكر رضى ولم يكن بين النطق بالرضى والسكوت عنه عند الخطبة منزلة مباينة لحالها الأولى عند الخطبة. فإن قلت: الركون والاشتراط قلت له. أو يجوز للولي أن يزوجها عند الركون والاشتراط قال: لا حتى تنطق بالرضى إن كانت ثيبا وتسكت إن كانت
صفحة : 1820
بكرا فقلت له: أرى حالها عند الركون وعند غير الركون بعد الخطبة سواء لا يزوجها الولي في واحدة منهما. قال: أجل: ولكنها راكنة مخالفة حالها غير راكنة قلت: أرأيت إذا خطبها فشتمته وقالت: لست لذلك بأهل وحلفت لا تنكحه ثم عاود الخطبة فلم تقل: لا ولا نعم أحالها الأخرى مخالفة لحالها الأولى قال: نعم قلت: أفتحرم خطبتها على المعنى الذي ذكرت لاختلاف حالها. قال: لا لأن الحكم لا يتغير في جواز تزويجها إنما تستبين في قولك إذا كشف ما يدل على أن الحالة التي تكف فيها عن الرضى غير الحال التي تنطق فيها بالرضى حتى يجوز للولي تزويجها فيها قال: هذا أظهر معانيها قلت: فأظهرها أولاها بنا وبك. ما جاء في نكاح المشرك قال الشافعي: قال الله عز وجل: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فانتهى عدد ما رخص فيه للمسلمين إلى أربع لا يحل لمسلم أن يجمع بين أكثر من أربع إلا ما خص الله به رسوله ﷺ دون المسلمين من نكاح أكثر من أربع يجمعهن ومن النكاح بغير مهر. فقال عز وعلا: خالصة لك من دون المؤمنين . قال الشافعي: أخبرنا الثقة أحسبه إسماعيل بن إبراهيم شك الشافعي عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة فقال له النبي ﷺ: أمسك أربعا وفارق سائرهن . قال الشافعي: أخبرنا بعض أصحابنا عن أبي الزناد عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن عوف بن الحارث عن نوفل بن معاوية الديلي قال: أسلمت وتحتي خمس نسوة فسألت النبي ﷺ فقال فارق واحدة وأمسك أربعا فعمدت إلى أقدمهن عندي عجوزا عاقرا منذ ستين سنة ففارقتها أخبرنا الشافعي قال: أخبرني ابن أبي يحيى عن إسحاق بن عبد الله عن أبي وهب الجيشاني عن أبي خراش عن الديلمي أو ابن الديلمي قال: أسلمت وتحتي أختان فسألت النبي ﷺ: فأمرني أن أمسك أيتهما شئت وأفارق الأخرى. قال الشافعي: فبهذا نقول إذا أسلم المشرك وعنده أكثر من أربع نسوة أمسك منهن أربعا أيتهن شاء وفارق سائرهن لأنه لا يحل له غير ذلك. لقول الله عز وجل وما جاء عن النبي ﷺ: أن لا يجمع بين أكثر من أربع نسوة في الإسلام. قال الشافعي: ولا أبالي كن في عقدة واحدة أو عقد متفرقة أو أيتهن فارق الأولى ممن نكح أو الآخرة إذا كان من يمسك منهن غير ذات محرم يحرم عليه في الإسلام أن يبتدىء
صفحة : 1821
نكاحها بكل وجه. وذلك مثل أن يسلم وعنده أختان فلا بد أن يفارق أيتهما شاء لأن محرما بكل وجه أن يجمع بينهما في الإسلام. ومثله أن يكون نكح امرأة وابنتها فأصابهما فيحرم أن يبتدىء نكاح واحدة منهما في الإسلام وقد أصابهما بالنكاح الذي قد يجوز مثله. ولو نكح أختين معا ولم يدخل بواحدة منهما قلت له: فارق أيتهما شئت وأمسك الأخرى ولا أنظر في ذلك إلى أيتهما نكح أولا وهذا القول كله موافق لمعنى السنة والله أعلم. ولو أسلم رجل وعنده يهودية أو نصرانية كانا على النكاح لأنه يحل له نكاح واحدة منهما وهو مسلم ولو أسلم وعنده وثنية أو مجوسية لم يكن له إصابتها إلا أن تسلم قبل أن تنقضي العدة وله وطء اليهودية والنصرانية بالملك وليس له وطء وثنية ولا مجوسية بملك إذا لم يحل له نكاحها لم يحل له وطؤها. وذلك للدين فيهما. ولا أعلم أحدا من أصحاب النبي ﷺ وطء سبية عربية حتى أسلمت وإذ حرم النبي ﷺ على من أسلم أن يطأ امرأة وثنية حتى تسلم في العدة دل ذلك على أن لا توطأ من كانت على دينها حتى تسلم من حرة أو أمة. باب الخلاف في الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: قال لي بعض الناس: ما حجتك أن يفارق ما زاد على أربع وإن فارق اللاتي نكح أولا ولم تقل يمسك الأربع الأوائل ويفارق سائرهن فقلت له: بحديث الديلمي وحديث نوفل بن معاوية. قال: أفرأيت لو لم يكن ثابتا أو كانا غير ثابتين أيكون لك في حديث ابن عمر حجة قلت: نعم. وما علي فيما يثبت عن النبي ﷺ أن يقال: هل فيه حجة غيره بل علي وعليك التسليم وذلك طاعة الله عز وجل. قال: هذا كله كما قلت وعلينا أن نقول به إن كان ثابتا. قلت: إن كنت لا تثبت مثله وأضعف منه فليس عليك حجة فيه فردد ما كان مثله. قال: فأحب أن تعلمني هل في حديث ابن عمر حجة لو لم يأت غيره قلت: نعم قال: وأين هي قلت: لما أعلم النبي ﷺ غيلان أنه لا يحل له أن يمسك أكثر من أربع ولم يقل له الأربع الأوائل استدللنا على أنه لو بقي فيما يحل له ويحرم عليه معنى غيره علمه إياه لأنه مبتدىء للإسلام لا علم له قبل إسلامه فيعلم بعضا ويسكت له عما يعلم في غيره. قال: أو ليس قد يعلمه الشيئين فيؤدي أحدهما دون الآخر قلت: بلى. قال: فلم جعلت هذا حجة وقد يمكن فيه ما قلت قلت له: في حديث النبي ﷺ شيئان: أحدهما العفو عما فات من ابتداء عقدة النكاح ومن يقع عليه
صفحة : 1822
النكاح من العدد فلما لم يسأل عما وقع عليه العقد أولا ولم يسأل عن أصل عقدة نكاحهن. وكان أهل الأوثان لا يعقدون نكاحا إلا نكاحا لا يصلح أن يبتدأ في الإسلام فعفاه وإذا عفا عقدا واحدا فاسدا لأنه فائت في الشرك فسواء كل عقد فاسد فيه بأن ينكح بغير ولي وبغير شهود وما أشبه ذلك مما لا يجوز ابتداؤه في الإسلام. فأكثر ما في النكاح الزوائد على الأربع في الشرك بأن يكون نكاحهن فاسدا كفساد ما وصفنا فإذا كان رسول الله ﷺ يعفو عن ذلك لكل من أسلم من أهل الشرك ويقرهم على نكاحهم وإن كان فاسدا عندنا فكذلك إن أراد أن يحبس ما عقد بعد الأربع في الشرك يجوز ذلك له لأن أكثر حالاتهن أن يكون نكاحهن فاسدا ولا شيء أولى أن يشبه بشيء من عقد فاسد يعفي عنه بعقد يعفي عنه. ولو لم يكن في هذا حجة غير هذا لاكتفي بها فكيف ومعه تخيير رسول الله ﷺ إياه وترك مسألته عن الأوائل والأواخر كما ترك مسألة من أسلم من أهل الشرك عن نكاحه ليعلم أفاسد أم صحيح وهو معفو يجوز كله والأخر أنه حظر عليه في الإسلام ما لا يجوز أن يجاوز بعده أربعا ومن الجمع بين الأختين فحكم في العقد بفواته في الجاهلية حكم ما قبض من الربا. قال الله تعالى: اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فحكم رسول الله ﷺ بحكم الله: في أن لم يرد ما قبض من الربا لأنه فات ورد ما لم يقبض منه لأن الإسلام أدركه غير فائت فكذلك حكم الله عز وجل في عقد النكاح في الجاهلية إن لم يرده رسول الله ﷺ لأنه فات إنما هو شيء واحد لا يتبعض فيجاز بعضه ويرد بعضه. وحكم فيمن أدركه الإسلام من النساء عقدة حكم الإسلام فلم يجز أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة ولا أن يجمع بين الأختين لأن هذا غير فائت أدركهن الإسلام معه كما أدرك ما لم يفت من الربا بقبض. قال: أفتوجدني سوى هذا ما يدل على أن العقدة في النكاح تكون كالعقدة في البيوع والفوت مع العقدة فقلت: فيما أوجدتك كفاية قال: فاذكر غيره إن علمته. قلت: أرأيت امرأة نكحتها بغير مهر فأصبتها أو بمهر فاسد قال: فلها مهر مثلها والنكاح ثابت لا ينفسخ. قلت له: ولو عقدت البيع بغير ثمن مسمى أو ثمن محرم رد البيع إن وجد فإن هلك في يديك كان عليك قيمته قال: نعم. قلت: أفتجد عقد النكاح ههنا أخذ كعقد البيع يربونه قال: نعم. قلت: فما منعك في عقد النكاح في الجاهلية أن تقول: هو كفائت ما اقتسموا عليه
صفحة : 1823
وقبضوا القسم وما أربوا فمضى قبضه ولا أرده وقلت: أرأيت قولك أنظر إلى العقدة فإن كانت لو ابتدئت في الإسلام جازت أجزتها وإن كانت لو ابتدئت في الإسلام ردت رددتها أما ذلك فيما جاء عن النبي ﷺ في حديث ابن الديلمي ونوفل بن معاوية ما قطع عنك موضع الشك قال: فإنما كلمتك على حديث الزهري لأن جملته قد يحتمل أن يكون عاما على ما وصفت وإن لم يكن عاما في الحديث. فقلت له: هذا لو كان كان أشد عليك ولو لم يكن فيه إلا حديث ابن عمر ولم يكن في حديث ابن عمر دلالة كنت محجوجا على لسانك مع أن في حديث ابن عمر دلالة عندنا على قولنا والله أعلم. قال: فأوجدني ما يدل على خلاف قولي لو لم يكن في حديث ابن عمر دلالة بينة. قالت: أرأيت رجلا ابتدأ في الإسلام نكاحا بشهادة أهل الأوثان أيجوز قال: لا. ولا بشهادة أهل الذمة لأنهم لا يكونون شهداء على المسلمين. قلت: أفرأيت غيلان بن سلمة أمن أهل الأوثان كان قبل الإسلام قال: نعم قلت: أفرأيت أحسن ما كان عنده أليس أن ينكح بشهادة أهل الأوثان. قال: بلى قلت: فإذا زعمت أن يقر مع أربع وأحسن حاله فيهن أن يكون نكاحهن بشهادة أهل الأوثان أما خالفت أصل قولك قال: إن هذا ليلزمني قلت: فلو لم يكن عليك حجة غيره كنت محجوجا مع أنا لا ندري لعلهم كانوا ينكحوا بغير ولي وبغير شهود وفي العدة. قال: إن هذا ليمكن فيهم ويروى عنهم أنهم كانوا ينكحون بغير شهود وفي العدة. قال: أجل ولكن لم أسمع أن النبي ﷺ كيف سألهم أصل نكاحهم قلت: أفرأيت إن قال لك قائل كما قلت لنا: قد يجوز أن يكون سألهم ولم يؤد إليك في الخبر. قال: إذا يكون ذلك له علي. قلت له: أفتجد بدا من أن يكون لما لم يؤد في الخبر أنه سألهم عن أصل العقدة كان ذلك عفوا عن العقدة لأنها لا تكون لأهل الأوثان إلا على ما لا يصلح أن يبتدئها في الإسلام مسلم أو تكون تقول في العقدة قولك في عدد النساء: أنه يفرق بينه وبين من تحرم بكل وجه عليه فتقول يبتدئون معا للنكاح في الإسلام. قال: لا أقوله. قلت وما منعك أن تقوله أليس بأن السنة دلت على أن العقدة معفوة لهم قال: بلى قلت: وإذا كانت معفوة لم ينظر إلى فسادها كما لا ينظر إلى فساد نكاح من لا يجوز نكاحه ولا الجمع بينه ولا ما جاوزت أربعا. قال: والعقدة مخالفة لهذا. قال: قلت فكيف جمعت بين المختلف ونظرت إلى فسادها مرة ولم تنظر إليه أخرى فرجع بعضهم إلى قولنا قال: يمسك أربعا أيتهن شاء ويفارق سائرهن وعاب قول أصحابه وقال: نحن نفرق بين ما لا يتفرق في
صفحة : 1824
العقول بقول الرجل من أصحاب النبي ﷺ فكيف إذا جاء قول النبي ﷺ وهو الذي ألزمناه الله تبارك وتعالى ولكن حد لي فيه حدا قلت في نكاح الشرك شيئان: عقدة وما يحرم مما تقع عليه العقدة بكل وجه ومجاوزة أربع. فلما رد النبي ﷺ ما جاوز أربعا دل على أنه يرد ذوات المحارم على الناكح وذلك في كتاب الله عز وجل: ولما لم يسأل عن العقدة علمت أنه عفا عن العقدة فعفونا عما عفا عنه وانتهينا عن إفساد عقدها إذا كانت المعقود عليها ممن تحل بحال ولولا ذلك رددنا نكاح أهل الأوثان كله وقلنا ابتدؤه في الإسلام حتى يعقد بما يحل في الإسلام. باب نكاح الولاة والنكاح بالشهادة قال الشافعي: قال الله تبارك وتعالى: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وقال في الإماء: فانكحوهن بإذن أهلهن وقال عز وجل: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف . قال الشافعي رحمه الله: فهذه الآية أبين آية في كتاب الله عز وجل دلالة على أن ليس للمرأة الحرة أن تنكح نفسها. فإن قال قائل: نرى ابتداء الآية مخاطبة الأزواج لأن الله تبارك وتعالى يقول: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن فدل على أنه إنما أراد غير الأزواج من قبل أن الزوج إذا انقضت عدة المرأة ببلوغ أجلها لا سبيل له عليها. فإن قال قائل: فقد يحتمل قوله: فبلغن أجلهن إذا شارفن بلوغ أجلهن لأن القول للأزواج فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف نهيا أن يرتجعها ضرارا ليعضلها فالآية تدل على أنه لم يرد بها هذا المعنى لأنها لا تحتمله لأن المرأة المشارفة بلوغ أجلها ولم تبلغه لا يحل لها أن تنكح وهي ممنوعة من النكاح بآخر العدة كما كانت ممنوعة منه بأولها فإن الله عز وجل يقول: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا فلا يؤمر بأن يحل إنكاح الزوج إلا من قد حل له الزوج وقال بعض أهل العلم: إن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار زوج أخته فطلقها زوجها فانقضت عدتها فأراد زوجها أو أرادت أن يتناكحا فمنعه معقل بن يسار أخوها وقال: زوجتك أختي وآثرتك على غيرك ثم طلقتها فلا أزوجكها أبدا فنزلت فلا تعضلوهن وفي هذه الآية الدلالة على أن النكاح يتم برضى الولي والمنكحة والناكح وعلى أن على الولي أن لا يعضل فإذا كان عليه أن لا يعضل فعلى السلطان التزويج إذا عضل لأن من منع حقا فأمر السلطان جائز عليه أن يأخذه
صفحة : 1825
منه وإعطاؤه عليه والسنة تدل على ما دل عليه القرآن وما وصفنا من الأولياء والسلطان. أخبرنا الربيع: قال أخبرنا الشافعي قال: حدثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ أنه قال: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثا فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له . قال الشافعي رحمه الله: ففي سنة رسول الله ﷺ دلالات منها: أن للولي شركا في بضع المرأة ولا يتم النكاح إلا به ما لم يعضلها ثم لا نجد لشركه في بضعها معنى تملكه وهو معنى فضل نظر بحياطة الموضع أن ينال المرأة من لا يساويها وعلى هذا المعنى اعتمد من ذهب إلى الأكفاء والله أعلم. ويحتمل أن تدعو المرأة الشهوة إلى أن تصير إلى ما لا يجوز من النكاح فيكون الولي أبرأ لها من ذلك فيها وفي قول النبي ﷺ البيان من أن العقدة إذا وقعت بغير ولي فهي منفسخة لقول رسول الله ﷺ: فنكاحها باطل والباطل لا يكون حقا إلا بتجديد نكاح غيره ولا يجوز لو أجازه الولي أبدا لأنه إذا انعقد النكاح باطلا لم يكن حقا إلا بأن يعقد عقدا جديدا غير باطل وفي السنة دلالة على أن الإصابة إذا كانت بالشبهة ففيها المهر ودرىء الحد لأنه لم يذكر حدا وفيها أن على الولي أن يزوج إذا رضيت المرأة وكان البعل رضي فإذا منع ما عليه زوج السلطان كما يعطي السلطان ويأخذ ما منع مما عليه. قال الشافعي: أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع عن جبير بن مطعم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها . قال الشافعي: ففي هذا الحديث دلالة على الفرق بين البكر والثيب في أمرين: أحدهما ما يكون فيه إذنهما وهو أن إذن البكر الصمت فإذا كان إذنها الصمت فإذن التي تخالفها الكلام لأنه خلاف الصمت وهي الثيب. والثاني: أن أمرهما في ولاية أنفسهما لأنفسهما مختلف فولاية الثيب أنها أحق من الولي ههنا الأب والله أعلم دون الأولياء. ومثل هذا حديث خنساء بنت خذام حين زوجها أبوها ثيبا وهي كارهة فرد النبي ﷺ نكاحه والبكر مخالفة لها حين اختلف في أصل لفظ النبي ﷺ فإذا خالفتها كان الأب أحق بأمرها من نفسها. فإن قال قائل: ما دل على ذلك قيل: اللفظ بالحديث يدل على فرق بينهما إذ قال الثيب أحق بنفسها وأمر في البكر أن تستأذن ولو كانتا معا سواء كان اللفظ
صفحة : 1826
هما أحق بأنفسهما وإذن البكر الصمت وإذن الثيب الكلام. فإن قال قائل: فقد أمر باستئمارها فاستئمارها يحتمل أن لا يكون للأب تزويجها إلا بأمرها ويحتمل أن تستأمر على معنى استطابة نفسها وأن تطلع من نفسها على أمر لو أطلعته لأب كان شبيها أن ينزهها بأن لا يزوجها. فإن قال قائل: فلم قلت: يجوز نكاحها وإن لم يستأمرها قيل له: بما وصفت من الاستدلال بفرق رسول الله ﷺ بين البكر والثيب إذ قال الأيم أحق بنفسها من وليها ثم قال: والبكر تستأذن في نفسها فلا يجوز عندي إلا أن يفرق حالهما في أنفسهما ولا يفرق حالهما في أنفسهما إلا بما قلت من أن للأب على البكر ما ليس له على الثيب كما استدللنا إذ قال في البكر: وإذنها صماتها ولم يقل في الثيب: إذنها الكلام على أن إذن الثيب خلاف البكر ولا يكون خلاف الصمت إلا النطق بالإذن. قال: فهل على ما وصفت من دلالة قيل: نعم. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله ﷺ وأنا ابنة سبع وبنى بي وأنا بنت تسع سنين. قال الشافعي: زوجه إياها أبوها فدل ذلك على أن أبا البكر أحق بإنكاحها من نفسها لأن ابنة سبع سنين وتسع لا أمر لها في نفسها وليس لأحد غير الأباء أن يزوجوا بكرا حتى تبلغ ويكون لها أمر في نفسها. فإن قال قائل: فلم لا تقول في ولي غير الأب له أن يزوج البكر وإن تأذن وجعلتها فيمن بقي من الأولياء بمنزلة الثيب قلت: فإن الولي الأب الكامل بالولاية كالأم الوالدة وإنما تصير الولاية بعد الأب لغيره بمعنى فقده أو إخراجه نفسه من الولاية بالعضل كما تصير الأم غير الأم كالوالدة بمعنى رضاع أو نكاح أب أو ما يقع عليه اسم الأم لأنها إذا قيل أم كانت الأم التي تعرف الوالدة. ألا ترى أن لا ولاية لأحد مع أب ومن كان وليا بعده فقد يشركه في الولاية غير الإخوة وبنو العم مع المولى يكونون شركاء في الولاية ولا يشرك الأب أحد في الولاية بانفراده بالولاية بما وجب له من اسم الأبوة مطلقا له دون غيره كما أوجب للأم الوالدة اسم الأم مطلقا لها دون غيرها. فإن قال قائل: فإنما يؤمر بالاستئمار من له أمر في نفسه يرد عنه إن خولف أمره وسأل عن الدلالة على ما قلنا من أنه قد يؤمر بالاستئمار من لا يحل محل أن يرد عنه خلاف ما أمر به فالدلالة عليه أن الله عز وجل يقول لنبيه ﷺ: فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإنما افترض عليهم طاعته فيما أحبوا وكرهوا وإنما أمر بمشاورتهم والله أعلم لجمع الألفة وأن يستن بالاستشارة بعده من ليس
صفحة : 1827
له من الأمر ما له وعلى أن أعظم لرغبتهم وسرورهم أن يشاوروا لا على أن لأحد من الآدميين مع رسول الله ﷺ أن يرده عنه إذا عزم رسول الله ﷺ على الأمر به والنهي عنه. ألا ترى إلى قوله عز وجل: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وقال عز وجل: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وقوله: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما . قال الشافعي: أخبرنا مسلم عن ابن جريج أن رسول الله ﷺ أمر نعيما أن يؤامر أم ابنته فيها ولا يختلف الناس أن ليس لأمها فيها أمر ولكن على معنى استطابة النفس وما وصفت أو لا ترى أن في حديث نعيم ما بين ما وصفت لأن ابنة نعيم لو كان لها أن ترد أمر أبيها وهي بكر أمر رسول الله ﷺ بمسألتها فإن أذنت جاز عليها وإن لم تأذن رد عنها كما رد عن خنساء ابنة خذام ولو كان نعيم استأذن ابنته وكان شبيها أن لا يخالف أمها ولو خالفها أو تفوت عليها فكان نكاحها لإذنها كانت أمها شبيها أن لا تعارض نعيما في كراهية نكاحها من رضيت ولا أحسب أمها تكلمت إلا وقد سخطت ابنتها أو لم تعلمها رضيت. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن حارثة عن خنساء بنت خذام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت النبي فرد نكاحها. رحمه الله: وهذا موافق قول النبي ﷺ: لأيم أحق بنفسها من وليها والدليل على ما قلنا: من أن ليس للمرأة أن تنكح إلا بإذن ولي ولا للولي أن يزوجها إلا بإذنها ولا يتم نكاح إلا برضاهما معا ورضى الزوج. قال الشافعي: وروي عن الحسن بن أبي الحسن أن رسول الله ﷺ قال: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وهذا وإن كان منقطعا دون النبي ﷺ فإن أكثر أهل العلم يقول به ويقول: الفرق بين النكاح والسفاح الشهود. قال الشافعي: وهو ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من أصحاب رسول الله ﷺ فالنكاح يثبت بأربعة أشياء الولي ورضى المنكوحة ورضى الناكح وشاهدي عدل إلا ما وصفنا من البكر يزوجها الأب والأمة يزوجها السيد بغير رضاهما فإنهما مخالفان ما سواهما. وقد تأول فيها بعض أهل العلم قول الله عز وجل: أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وقال الأب في ابنته البكر والسيد في أمته وقد خالفه غيره فيما
صفحة : 1828
تأول وقال: هو الزوج يعفو فيدع ماله من أخذ نصف المهر. وفي الآية كالدلالة على أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج والله سبحانه أعلم. وهذا مكتوب في كتاب الطلاق فإذا كان يتم بأشياء فنقص منها واحد فهو غير تام ولا جائز فأي هذه الأربعة نقص لم يجز معه النكاح ويجب خامسة أن يسمى المهر وإن لم يفعل كان النكاح جائزا فيما ذكرنا من حكم الله تعالى في المهور. الخلاف في نكاح الأولياء والسنة في النكاح قال الشافعي رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في الأولياء فقال: إذا نكحت المرأة كفؤا بمهر مثلها فالنكاح جائز وإن لم يزوجها ولي وإنما أريد بهذا أن يكون ما يفعل أن يأخذ به حظها فإذا أخذته كما يأخذه الولي فالنكاح جائز وذكرت له بعض ما وصفت من الحجة في الأولياء وقلت له: أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال: إنما أريد من الإشهاد أن لا يتجاحد الزوجان فإذا نكحها بغير بينة فالنكاح ثابت فهو كالبيوع تثبت وإن عقدت بغير بينة قال: ولم قال: لأن سنة النكاح البينة. فقلت له: الحديث في البينة في النكاح عن النبي ﷺ منقطع وأنت لا تثبت المنقطع ولو أثبته دخل عليك الولي. قال: فإنه عن ابن عباس وغيره متصل قلت: وهكذا أيضا الولي عنهم والحديث عن النبي ﷺ أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رد النكاح بغير إذن ولي وعن غيره من أصحاب رسول الله ﷺ فكيف أفسدت النكاح بترك الشهادة فيه وأثبته بترك الولي وهو أثبت في الإخبار من الشهادة ولم تقل: إن الشهود إنما جعلوا لاختلاف الخصمين فيجوز إذا تصادق الزوجان وقلت: لا يجوز لعلة في شيء جاءت به سنة وما جاءت به سنة فإنه يثبت بنفسه ولا يحتاج إلى أن يقاس على سنة أخرى لأنا لا ندري لعله أمر به لعلة أم لغيرها ولو جاز هذا لنا أبطلنا عامة السنن وقلنا: إذا نكحت بغير صداق ورضيت لم يكن لها صداق وإن دخل بها لأنا إنما نأخذ الصداق لها وأنها إذا عفت الصداق جاز فنجيز النكاح والدخول بلا مهر فكيف لم تقل في الأولياء هكذا قال: فقد خالفت صاحبي في قوله في الأولياء وعلمت أنه خلاف الحديث فلا يكون النكاح إلا بولي. قال الشافعي رحمه الله: فقلت له: وإنما فارقت قول صاحبك ورأيته محجوحا بأنه يخالف الحديث وإنما القياس الجائز أن يشبه ما لم يأت فيه حديث بحديث لازم فأما أن تعمد إلى حديث
صفحة : 1829
والحديث عام فتحمله على أن يقاس فما للقياس ولهذا الموضع إن كان الحديث يقاس فأين المنتهى إذا كان الحديث قياسا قلت: من قال هذا فهو منه جهل وإنما العلم اتباع الحديث كما جاء قال نعم: قلت: فأنت قد دخلت في بعض معنى قول صاحبك قال: وأين قلت: زعمت أن المرأة إذا نكحت بغير اذن وليها فالنكاح موقوف حتى يجيزه السلطان إذا رآه احتياطا أو يرده. قال: نعم قلت: فقد خالفت الحديث يقول النبي ﷺ: نكاحها باطل وعمر رضي الله عنه يرده فخالفتهما معا فكيف يجيز السلطان عقدة إذا كان رسول الله ﷺ أبطلها قال: وكيف تقول قلت: يستأنفها بأمر يحدثه فإذا فعل فليس ذلك بإجازة العقدة الفاسدة بل الاستئناف وهو نكاح جديد يرضيان به. قلت: أرأيت رجلا نكح امرأة على أنه بالخيار أو هي أيجوز الخيار. قال: لا. قلت: ولم لا يجوز كما يجوز في البيوع قال: ليس كالبيوع. قلت والفرق بينهما أن الجماع كان محرما قبل العقدة فلما انعقدت حل الجماع ولا يجوز أن تكون العقدة التي بها يكون الجماع بالنكاح تاما أبدا إلا والجماع مباح وان كان غير مباح فالعقدة غير ثابتة لأن الجماع ليس بملك مال يجوز للمشتري هبته للبائع وللبائع هبته للمشتري إنما هي إباحة شيء كان محرما يحل بها لا شيء يملكه ملك الأموال. قال: ما فيه فرق أحسن من هذا وإنما دون هذا الفرق قلت له تركت في المرأة تنكح بغير إذن ولي الحديث والقياس وزعمت أن العقدة مرفوعة والجماع غير مباح فإن أجازها الولي جازت وقد كان العقد فيها غير تام ثم زعمت هذا أيضا في المرأة يزوجها الولي بغير إذنها فقلت: إن أجازت النكاح جاز وإن ردته فهو مردود. وفي الرجل يزوج المرأة بغير علمه إن أجاز النكاح جاز وإن رده فهو مردود وأجزت أن تكون العقدة منعقدة والجماع غير مباح وأجزت الخيار في النكاح وهو خلاف السنة وخلاف أصل من ذلك. قال: فما تقول أنت قلت: كل عدة انعقدت غير تامة يكون الجماع بها مباحا فهي مفسوخة لا نجيزها بإجازة رجل ولا امرأة ولا ولي ولا سلطان ولا بد فيها من استئناف بالسنة والقياس عليها. وكل ما زعمت أنت من هذا أنه موقوف على رضى امرأة أو رجل أو ولي أو سلطان فهو مفسوخ عندي. وقلت له: قال صاحبك في الصبية يزوجها غير الأب: النكاح ثابت ولها الخيار إذا بلغت فجعلها وارثة موروثة يحل جماعها وتختار إذا بلغت فأجاز الخيار بعد إباحة جماعها إذا احتملت الجماع قبل أن تبلغ. قال: فقد خالفناه في هذا. فقلنا: لا خيار لها والنكاح ثابت. فقلت له: ولم أثبت النكاح
صفحة : 1830
على الصغيرة لغير الأب فجعلتها يملك عليها أمرها غير أبيها ولا خيار لها وقد زعمت أن الأمة إنما جعل لها الخيار إذا عتقت لأنها كانت لا تملك نفسها بأن تأذن فيجوز ولا ترد فيرد عنها فلم يصلح عندك أن تتم عليها عقدة انعقدت قبل أن يكون لها الأمر ثم يكون لها أمر فلا تملك النكاح ولا رد إجازته قال: فتقول ماذا قلت: لا يثبت على صغيرة ولا صغير إنكاح أحد غير أبيها وأبيه ولا يتوارثان قال: فإنا إنما أجزناه عليها على وجه النظر لها. قلت: فيجوز أن ينظر لها نظرا يقطع به حقها الذي أثبته لها الكتاب والسنة وإجماع المسلمين: من أنه ليس لغير الأب أن يزوج حرة بالغة إلا برضاها وذلك أن تزويجها إثبات حق عليها لا تخرج منه. فإن زوجها صغيرة ثم صارت بالغة لا أمر لها في رد النكاح فقد قطعت حقها المجعول لها وإن جعلت لها الخيار دخلت في المعنى الذي عبت من أن تكون وارثة مورثة ولها بعد خيار. فقال الشافعي فقال لي: فقد يدخل عليك في الأمة مثل ما دخل علي قلت: لا الأمة أنا أخيرها عند العبد بالاتباع ولا أخيرها عند الحر لاختلاف حال العبد والحر وأن العبد لو انتسب حرأ فتزوجها على ذلك خيرتها لأنه لا يصل من أداء الحق لها والتوصل إليها إلى ما يصل إليه الحر. والأمة مخالفة لها والأمة الثيب البالغ يزوجها سيدها كارهة ولا يزوج البالغة البكر ولا الصغيرة غير الأب كارهة. قال: فما ترى لو كانت فقيرة فزوجت نظرأ لها أن النكاح جائز قلت: أيجوز أن أنظر إليها بأن أقطع الحق الذي جعل لها في نفسها هل رأيت فقيرا يقطع حقه في نفسه ولا يقطع حق الغني قال: فقد بيع عليها في مالها قلت: فيما لا بد لها منه. وكذلك أبيع على الغنية وفي النظر لهما أبيع وحقهما في أموالهما مخالف حقهما في أنفسهما قال: فما فرق بينهما قلت: أفرأيت لو دعت المرأة البالغة أو الرجل البالغ المولى عليهما إلى بيع شيء من أموالهما إمساكه خير لهما بلا ضرورة في مطعم ولا غيره أتبيعه قال: لا قلت: ولو وجب على أحدهما أو احتيج إلى بيع بعض ماله في ضرورة نزلت به أو حق يلزمه أتبيعه وهو كاره قال: نعم قلت: فلو دعت البالغ إلى منكح كفء أتمنعها قال: لا. قلت: ولو خطبها فمنعته أتنكحها قال: لا. قلت: أفترى حقها في نفسها يخالف حقها في مالها قال: نعم وقد يكون النكاح للفقيرة الصغيرة والكبيرة سواء قلت له: وكيف زعمت أن لا نفقة لها حتى تبلغ الجماع فعقدت عليها النكاح ولم تأخذ لها مهرا ولا نفقة ومنعتها بذلك من غير من زوجته إياها ولعل غيره خير لها أو أحب إليها أو أوفق لها في دين أو خلق أو غير ذلك فلست أرى عقدك عليها
صفحة : 1831
إلا خلاف النظر لها لأنها لو كانت بالغا كانت أحق بنفسها منك كان النظر يكون بوجوه منها: أن توضع في كفاءة أو عند ذي دين أو عند ذي خلق أو عند ذي مال أو عند من تهوى فتعف به عن التطلع إلى غيره وكان أحد لا يقوم في النظر لها في الهوى والمعرفة والموافقة لها مقام نفسها لأنه لا يعرف ذات نفسها من الناس إلا هي فإنكاحها وإن كانت فقيرة قد يكون نظرا عليها وخلاف النظر لها. قال: أما في موضع الهوى في الزوج فنعم. قلت: فهي لو كانت بالغة فدعوتها إلى خير الناس ودعت إلى دونه إذا كان كفؤا كان الحق عندك أن زوجها من دعت إليه وكانت أعلم بمن يوافقها وحرام عندك أن تمنعها إياه ولعلها تفتتن به أليس تزوجه قال: نعم. قلت: فأراها أولى بالنظر لنفسها منك وأرى نظرك لها في الحال التي لا تنظر فيه لنفسها قد يكون عليها قلت: أفتزوج الصغيرة الغنية قال: نعم قلت: قد يكون تزويجها نظرا عليها تموت فيرثها الذي زوجتها إياه وتعيش عمرأ غير محتاجه إلى مال الزوج. ومحتاجة إلى موافقته وتكون أدخلتها فيما لا يوافقها وليست فيها الحاجة التي اعتللت بها في الفقيرة. قال: فيقبح أن نقول: تزوج الفقيرة ولا تزوج الغنية. قلت: كلاهما قبيح. قال: فقد تزوج بعض التابعين قلت: قد نخالف نحن بعض التابعين بما حجتنا فيه أضعف من هذه الحجة وأنت لا ترى قول أحد من التابعين يلزم فكيف تحتج به قلت له: أرأيت إذا جامعتنا في أن لا نكاح إلا بشاهدين واكتفينا إذا قلت بشاهدين إني إنما أردت الشاهدين اللذين تجوز شهادتهما فأما من لا تجوز شهادته فلا يجوز النكاح به كما يكون من شهد بحق ممن لا تجوز شهادته غير مأخوذ بشهادته حق. فقلت: أنت تجيز النكاح بغير من تجوز شهادته إذا وقع عليها اسم الشهادة فكيف قلت بالاسم دون العدل هنا ولم تقل هناك قال: لما جاء الحديث: فلم يذكر عدلا. قلت: هذا معفو عن العدل فيه. فقلت له: قد ذكر الله عز وجل شهود الزنا والقذف والبيع في القرآن ولم يذكر عدلا وشرط العدل في موضع غير هذا الموضع. أفرأيت إن قال لك رجل بمثل حجتك إذا سكت عن ذكر العدل وسمى الشهود اكتفيت بتسمية الشهود دون العدل قال: ليس ذلك له إذا ذكر الله الشهود وشرط فيهم العدالة في موضع ثم سكت عن ذكر العدالة فيهم في غيره استدللت على أنه لم يرد بالشهود إلا أن يكونوا عدولا. قلت: وكذلك إذا قلت لرجل في حق: ائت بشاهدين لم تقبل إلا عدولا قال: نعم قلت: أفيعدوا النكاح أن يكون كبعض هذا فلا يقبل فيه إلا العدل وكالبيوع لا يستغنى فيه عن الشهادة إذا تشاجر
صفحة : 1832
الزوجان أو يكون فيه خبر عن أحد يلزم قوله فينتهي إليه قال: ما فيه خبر وما هو بقياس ولكنا استحسناه ووجدنا بعض أصحابك يقول قريبآ منه فقلت له: إذا لم يكن خبرأ ولا قياسآ وجاز لك أن تستحسن خلاف الخبر فلم يبق عندك من الخطأ شيء إلا قد أجزته قال: فقد قال بعض أصحابك: إذا أشيد بالنكاح ولم يعقد بالشهود جاز وإن عقد بشهود ولم يشهد به لم يجز. قال الربيع أشيد يعني إذا تحدث الناس بعضهم في بعض فلان تزوج وفلانة خدر فقلت له: أفترى ما احتججت به من هذا فتشبه به على أحد قال: لا. هو خلاف الحديث وخلاف القياس لأنه لا يعدو أن يكون كالبيوع. فالبيوع يستغنى فيها عن الشهود وعن الإشادة ولا ينقصها الكتمان أو تكون سنته الشهود والشهود إنما يشهدون على العقد والعقد ما لم يعقد فإذا وقع العقد بلا شهود لم تجزه الإشادة والإشادة غير شهادة. قلت له: فإذا كان هذا القول خطأ عندك فكيف احتججت به وبالسنة عليه قال غيره من أصحابه فإن احتججت بالذي قال بالإشادة فقلت: إنما أريد بالإشادة أن يكون يذهب التهمة ويكون أمرهما عند غير الزوجين أنهما زوجان. قلت: فإن قال لك قائل: هذا في المتنازعين في البيع فجاء المدعي بمن يذكر أنه سمع في الإشادة أن فلانآ اشترى دار فلان أتجعل هذه بيعآ قال: لا. قلت: فإن كانوا ألفا قال: فإني لا أقبل إلا البينة القاطعة. قلت: فهكذا نقول لك في النكاح بل النكاح أولى لأن أصل النكاح لا يحل إلا بالبينة وأصل البيع يحل بغير بينة. وقلت: أرأيت لو أشيد بنكاح امرأة وأنكرت المرأة النكاح أكنا نلزمها النكاح بلا بينة. ID ' ' على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة
صفحة : 1833
باب طهر الحائض أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي رحمه الله: وإذا انقطع عن الحائض الدم لم يقربها زوجها حتى تطهر للصلاة فإن كانت واجدة للماء فحتى تغتسل وإن كانت مسافرة غير واجدة للماء فحتى تتيمم لقول الله عز وجل: ولا تقربوهن حتى يطهرن أي حتى ينقطع الدم ويرين الطهر. فإذا تطهرن يعني - والله تعالى أعلم - الطهارة التي تحل بها الصلاة لها ولو أتى رجل امرأته حائضا أو بعد تولية الدم ولم تغتسل فليستغفر الله ولا يعد حتى تطهر وتحل لها الصلاة وقد روي فيه شيء لو كان ثابتا أخذنا به ولكنه لا يثبت مثله. باب في إتيان الحائض قال الشافعي: قال الله عز وجل: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن يحتمل معنيين: أحدهما فاعتزلوهن في غير الجماع ولا تقربوهن في الجماع فيكون اعتزالهن من وجهين والجماع أظهر معانيه لأمر الله بالاعتزال. ثم قال: ولا تقربوهن فأشبه أن يكون أمرا بينا وبهذا نقول. لأنه قد يحتمل أن يكون أمر باعتزالهن ويعني أن اعتزالهن الاعتزال في الجماع. قال الشافعي وإنما قلنا بمعنى الجماع مع أنه ظهر الآية بالاستدلال بالسنة. ID ' ' للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ الحديث. وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م
صفحة : 1834
الخلاف في اعتزال الحائض قال الشافعي رحمه الله: قال بعض الناس: إذا اجتنب الرجل موضع الدم من امرأته وجاريته حل له ما سوى الفرج الذي فيه الأذى قال الله عز وجل: فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فاستدللنا على أنه إنما أمر باعتزال الدم. قلت: فلما كان ظاهر الآية أن يعتزلن لقول الله تبارك وتعالى: فاعتزلوا النساء وقوله تعالى: ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن كانت الآية محتملة اعتزالها اعتزالا غير اعتزال الجماع فلما نهى أن يقربن دل ذلك على أن لا يجامعن قال: إنها تحتمل ذلك ولكن كيف قلت: يعتزل ما تحت الإزار دون سائر بدنها قلت له: احتمل اعتزالهن اعتزلوا جميع أبدانهن واحتمل بعض أبدانهن دون بعض فاستدللنا بالسنة على ما أراد الله من اعتزالهن فقلت به كما بينه رسول الله ﷺ. باب ما ينال من الحائض قال الشافعي: قال الله عز وجل: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن . قال الشافعي فالبين في كتاب الله أن يعتزل إتيان المرأة في فرجها للأذى فيه. وقوله: حتى يطهرن يعني يرين الطهر بعد انقطاع الدم فإذا تطهرن إذا اغتسلن فأتوهن من حيث أمركم الله قال بعض الناس من أهل العلم: من حيث أمركم. الله أن تعتزلوهن يعني عاد الفرج إذا طهرهن فتطهرن بحاله قبل أن تحيض حلالا قال جل ثناؤه: فاعتزلوا النساء في المحيض يحتمل فاعتزلوا فروجهن بما وصفت من الأذى ويحتمل اعتزال فروجهن وجميع أبدانهن وفروجهن وبعض أبدانهن دون بعض وأظهر معانيه اعتزال أبدانهن كلها لقول الله عز وجل: فاعتزلوا النساء في المحيض فلما احتمل هذه المعاني طلبنا الدلالة على معنى ما أراد جل وعلا بسنة رسول الله ﷺ فوجدناها تدل مع نص كتاب الله على اعتزال الفرج وتدل مع كتاب الله عز وجل على أن يعتزل من الحائض في الإتيان والمباشرة ما حول الإزار فأسفل لم ولا يعتزل ما فوق الإزار إلى أعلاها فقلنا بما وصفنا لتشدد الحائض إزارا على أسفلها ثم يباشرها الرجل وينال من إتيانها من فوق الإزار ما شاء. فإن أتاها حائضا فليستغفر الله ولا يعد. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر رضي
صفحة : 1835
الله عنهما أرسل إلى عائشة رضي الله عنها يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض.
فقالت: لتشدد إزارها على أسفلها ثم يباشرها إن شاء. قال الشافعي رحمه الله: وإذا أراد الرجل أن يباشر امرأته حائضا لم يباشرها حتى تشد إزارهاعلى أسفلها ثم يباشرها من فوق الإزار منها مفضيا إليه ويتلذذ به كيف شاء منها ولا يتلذذ بما تحت الإزار منها ولا يباشرها مفضيا إليها والسرة ما فوق الإزار.
قال الشافعي رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في مباشرة الرجل امرأته وإتيانه إياها وهي حائض فقال: ولم قلت: لا ينال منها بفرجه ولا يباشرها فيما تحت الإزار وينال فيما فوق الإزار.
فقلت له: بالذي ليس لي ولا لك ولا لمسلم القول بغيره وذكرت فيه السنة فقال: قد روينا خلاف ما رويتم فروينا أن يخلف موضع الدم ثم ينال ما شاء فذكر حديثا لا يثبته أهل العلم بالحديث فقال: فهل تجد لما بين تحت الإزار وما فوقه فرقأ مع الحديث فقلت له: نعم وما فرق أقوى من الحديث أحد الذي يتلذذ به منها سوى الفرج مما تحت الإزار الاليتان والفخذان فأجدهما يفارقان ما فوق الإزار في معنيين: أحدهما الدم إذا سال من الفرج جرى فيهما وعليهما والثاني: أن الفرج عورة والاليتين عورة فهما فرج واحد من بطن الفخذين متصلين بالفرج نفسه وإذا كشف عنهما الإزار كاد أن ينكشف عنه والإزار يكشف عن الفرج ويكون عليه وليس ما فوقه.
ID ' ' ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى:
(وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية
والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى:
(ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل
ولا يكاد يقدر عليه.
وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن
العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر
كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج .
صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا
يتوقف فيه إلا جاهل غبي.
صفحة : 1836
باب إتيان النساء في أدبارهن قال الشافعي رضي الله عنه: قال الله عز وجل: نساؤكم حرث لكم الآية. قال الشافعي احتملت الآية معنيين: أحدهما أن تؤتى المرأة من حيث شاء زوجها لأن أنى شئتم ويبين أين شئتم لا محظور منها كما لا محظور من الحرث واحتملت أن الحرث إنما يراد به النبات وموضع الحرث الذي يطالب به الولد الفرج دون ما سواه لا سبيل لطلب الولد غيره فاختلف أصحابنا في إتيان النساء في أدبارهن فذهب ذاهبون منهم إلى إحلاله وآخرون إلى تحريمه وأحسب كلا الفريقين تأولوا ما وصفت من احتمال الآية على موافقة كل واحد منهما. قال الشافعي فطلبنا الدلالة عن رسول الله ﷺ فوجدنا حديثين مختلفين: أحدهما ثابت وهو حديث ابن عيينة عن محمد بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: كانت اليهود تقول من أتى امرأته في قبلها من دبرها جاء الولد أحول فأنزل الله عز وجل: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم . أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عمي محمد بن علي بن شافع قال: أخبرني عبد الله بن علي بن السائب عن عمر وبن أحيحة بن الجلاح أو عمرو بن فلان بن أحيحة بن الجلاح: أنا شككت يعني الشافعي عن خزيمة بن ثابت أن رجلا سأل النبي ﷺ عن إتيان النساء في أدبارهن أو إتيان الرجل امرأته في دبرها فقال النبي ﷺ: إي حلال فلما ولى الرجل دعاه أو أمر به فدعي فقال: كيف قلت في أي الخربتين أو في أي الخرزتين أو في أي الخصفتين أو من دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن قال: فما تقول قلت: عمي ثقة وعبد الله بن علي ثقة وقد أخبرني محمد عن الأنصاري المحدث بها أنه أثنى عليه خيرا وخزيمة ممن لا يشك عالم في ثقته فلست أرخص فيه بل أنهى عنه. ID ' ' والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت
صفحة : 1837
باب ما يستحب من تحصين الإماء عن الزنا قال الشافعي: قال الله عز وجل: ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا الآية فزعم بعض أهل العلم بالتفسير: أنها نزلت في رجل قد سماه له إماء يكرههن على الزنا ليأتينه بالأولاد فيتخولهن. وقد قيل: نزلت قبل حد الزنا والله أعلم. فإن كانت نزلت قبل حد الزنا ثم جاء حد الزنا فما قبل الحدود منسوخ بالحدود وهذا موضوع في كتاب الحدود. وإن كانت نزلت بعد حد الزنا فقد قيل: إن قول الله عز وجل: فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم نزلت في الإماء المكرهات أنه مغفور لهن بما أكرهن عليه وقيل: غفور أي هو أغفر وأرحم من أن يؤاخذهن بما أكرهن عليه وفي هذا كالدلالة على إبطال الحد عنهن إذا أكرهن على الزنا وقد أبطل الله تعالى عمن أكره على الكفر الكفر وقال رسول الله ﷺ فيما وضع الله عن أمته وما استكرهوا عليه. باب نكاح الشغار أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل الرجل ابنته على أن يزوجه الرجل الآخر ابنته. وليس بينهما صداق. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن رسول الله ﷺ قال: لا شغار في الإسلام . قال الشافعي رحمه الله: وبهذا نقول. والشغار أن يزوج الرجل ابنته الرجل على أن يزوجه ابنته صداق كل واحدة منهم بضع الأخرى فإذا وقع النكاح على هذا فهو مفسوخ فإن دخل بها فلها المهر بالوطء ويفرق بينهما. قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي قال الزهري: وكان الحسن أرضاهما عن أبيهما عن علي عن النبي ﷺ وذكر تحريم المتعة. قال الشافعي والمتعة أن ينكح الرجل المرأة إلى أجل معلوم فإذا وقع النكاح على هذا فهو مفسوخ دخل بها أو لم يدخل فإن أصابها فلها المهر بالمسيس. ID ' ' جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت
صفحة : 1838
الخلاف في نكاح الشغار قال الشافعي رحمه الله: قال بعض الناس: أما الشغار فالنكاح فيه ثابت ولكل واحدة من المنكوحين مهر مثلها وأما المتعة فإن قلت: فهو فاسد فما يدخل علي قلت: مالا يشتبه فيه خطؤك. قال: وما هو. قلت: ثبت عن النبي ﷺ أنه نهى عن الشغار ولم تختلف الرواية عنه ﷺ فأجزت الشغار الذي لا مخالف عن النبي ﷺ في النهي عنه ورددت نكاح المتعة وقد اختلف عن النبي ﷺ فيها. قال: فإن قلت فإن أبطلا الشرط في المتعة جاز النكاح وإن لم يبطلاه فالنكاح مفسوخ. قلت له: إذأ تخطىء خطأ بينآ. قال: فكيف قلت: روي عن النبي ﷺ عنها وما نهى عنه حرام لم يكن فيه رخصة بحلال وروي عنه أنه أحله فلم يحلله وأحدثت بين الحديثين شيئا خارجا منهما خارجا من مذاهب الفقه متناقضا. قال: وما ذاك. قلت: أنت تزعم أنه لو نكح رجل امرأة على أن كل واحد منهما بالخيار كان النكاح باطلا لأن الخيار لا يجوز في النكاح لآن ما شرط في عقده الخيار لم يكن العقد فيه تاما وهذا وإن جاز في الشرع لم يجز في النكاح عندنا وعندك فإن قلت: فإن أبطل المتناكحان نكاح المتعة الشرط فقد زعمت أن عقد النكاح وقع والجماع لا يحل فيه ولا الميراث إن مات أحدهما قبل إبطال الشرط لم تجزه بعد وقوعه غير جائز فقد أجزت فيه الخيار للزوجين وأنت تزعم أن الخيار لهما يفسد العقدة ثم أحللته بشيء آخر عقدة لم يشترط فيها خيار ثم أحدثت لهما شيئأ من قبلك أن جعلت لهما خيارا ولو قسته بالبيوع كنت قد أخطأت فيه القياس. قال: ومن أين قلت: الخيار في البيوع لا يكون عندك إلا بأن يشتري ما لم ير عينه فيكون له الخيار إذا رآه أو يشتري فيجد عيبا فيكون بالخيار إن شاء رده وإن شاء حبس والنكاح بريء من هذين الوجهين عندك قال: نعم. قلت: والوجه الثاني الذي تجيز فيه الخيار في البيوع أن يتشارط المتبايعان أو أحدهما الخيار وإن وقع عقدهما البيع على غير الشرط لم يكن لهما ولا لأحد منهما خيار إلا بما وصفت: من أن لا يكون المشتري رأى ما اشتراه أو دلس له بعيب. قال: نعم. قلت: فالمتناكحان نكاح المتعة إنما نكحا نكاحا يعرفانه إلى مدة لم يشترطا خيارا فكيف يكون زوجها اليوم وغدا غير زوجها بغير طلاق يحدثه والعقد إذا عقد ثبت إلا أن يحدث فرقة عندك أو كيف تكون زوجة ولا يتوارثان. أم كيف يتوارثان يوما ولا يتوارثان في غده قال:
صفحة : 1839
فإن قلت: فالنكاح جائز والشرط في المدة في النكاح باطل. قلت: فأنت تحدث للمرأة والرجل نكاحا بغير رضاهما ولم يعقداه على أنفسهما وإنما قسته بالبيع والبيع لو عقد فقال البائع والمشتري أشتري منك هذا عشرة أيام كل يوم كان البيع مفسوخا لأنه لا يجوز أن أملكه إياه عشرا دون الأبد ولا يجوز أن أملكه إياه عشرا وقد شرط أن لا يملكها إلا عشرا فكان يلزمك أن لو لم يكن في نكاح المتعة خير يحرمه أن تفسده إذا جعلته قياسا على البيع فأفسدت البيع. فقال: فإن جعلته قياسا على الرجل يشترط للمرأة دارها أن يكون النكاح ثابتا والشرط باطلا قلت له: فإن جعلته قياسا على هذا أخطأت من وجوه قال: وما هي. قلت: من الناس من يقول لها شرطها ما كان والنكاح ثابت بينهما وبينها وبينه ما بين الزوجين من الميراث وغيره فإن قسته على هذا القول لزمك أن تقول ذلك في المتناكحين نكاح متعة قال: لا أقيسه على هذا القول ولا يجوز أن يثبت بينهما ما يثبت بين الزوجين وهي زوجة في أيام غير زوجة بعدها فقلت: فإن قسته على من قال: إن النكاح ثابت وشرطها دارها باطل فقد أحدثت لهما تزويجا بغير شرطهما أن ليسا بزوجين ما لم يرضه أحداها فكنت رجلا زوج اثنين بلا رضاهما ولزمك أن أخطأت القياس من وجه آخر قال: وأين قلت: الناكحة المشترطة دارها نكحت على الأبد فليس في عقدها النكاح على الأبد شيء يفسد النكاح وشرطت أن لا يخرج بها من دارها نكحت على الأبد والشرط فهي وإن كان لها شرطها أو أبطل عنها فهي حلال الفرج في دارها وغير دارها والشرط زيادة في مهرها والزيادة في المهر عندنا وعندك كانت جائزة أو فاسدة لا تفسد العقدة والناكحة متعة لم ينكحها على الأبد إنما نكحته يوما أو عشرا فنكحته على أن زوجها حلال في اليوم أو العشر محرم بعده لأنها بعده غير زوجة فلا يجوز أن يكون فرج يوطأ بنكاح يحل في هذه ويحرم في أخرى. قال: ما هي بقياس عليها أن تكون زوجته اليوم وغير زوجته الغد بلا إحداث فرقة. قال الشافعي رحمه الله: فقلت له: أرأيت لو استقامت قياسا على واحد مما أردت أن تقيسها عليه أيجوز في العلم عندنا وعندك أن يعمد إلى المتعة وقد جاء فيها خبر عن النبي ﷺ بتحريم وخبر بتحليل فزعمنا نحن وأنت أن التحليل منسوخ فتجعله قياسا على شيء غيره. ولم يأت فيه عن النبي ﷺ خبر فإن جاز هذا لك جاز عليك أن يقول لك قائل: حرم الطعام والجماع في الصوم والصلاة وحرم الجماع في الإحرام فأحرم الطعام فيه أو أحرم الكلام في
صفحة : 1840
الصوم كما حرم في الصلاة. قال: لا يجوز هذا في شيء من العلم تمضي كل شريعة على ما شرعت عليه وكل ما جاء فيه خبر على ما جاء قلت: فقد عمدت في نكاح المتعة وفيه خبر فجعلته قياسا في النكاح على ما لاخبر فيه فجعلته قياسا على البيوع وهو شريعة غيره ثم تركت جميع ما قست عليه وتناقض قولك. فقال: فإنه كان من قول أصحابنا إفساده. فقلت: فلم لم تفسده كما أفسده من زعم أن العقدة فيه فاسدة ولم تجزه كما أجازه من زعم أنه حلال على ما تشارطا ولم يقم لك فيه قول على خبر ولا قياس ولا معقول قال: فلأي شيء أفسدت أنت الشغار والمتعة قلت: بالذي أوجب الله عز وجل علي من طاعة رسوله ﷺ ما أجد في كتاب الله من ذلك. فقال: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم وقال: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت قال كيف يخرج نهي النبي ﷺ عندك قلت ما نهى عنه كان محرما حتى أحل بنص من كتاب الله عز وجل أو خبر عن رسول الله ﷺ فنهى عن ذلك عن شيء فالنهي يدل على أن ما نهى عنه لا يحل. قال: ومثل ماذا قلت مثل النكاح كل النساء محرمات الجماع إلا بما أحل الله وسن رسوله ﷺ من النكاح الصحيح أو ملك اليمين. فمتى انعقد النكاح أو الملك بما نهى عنه رسول الله ﷺ يحلل ما كان منه محرما وكذلك البيوع ثم أموال الناس محرمة على غيرهم إلا بما أحل الله من بيع وغيره. فإن انعقد البيع بما نهى عنه رسول الله ﷺ لم يحل بعقدة منهي عنها فلما نهى النبي ﷺ عن الشغار والمتعة قلت: المنكوحات بالوجهين كانتا غير مباحتين إلا بنكاح صحيح ولا يكون ما نهى عنه رسول الله ﷺ من النكاح ولا البيع صحيحا. قال: هذا عندي كما زعمت ولكن قد يقول بعض الفقهاء في النهي ما قلت ويأتي نهي آخر فيقولون فيه خلافه ويوجهونه على أنه لم يرد به الحرام. فقلت له: إن كان ذلك بدلالة عن النبي ﷺ أنه لم يرد بالنهي الحرام فكذلك ينبغي لهم وإن لم يكن فيه عن رسول الله ﷺ دلالة لم يكن لهم أن يزعموا أن النهي مرة محرم وأخرى غير محرم فلا فرق بينهما عن النبي ﷺ. قال: فدلني في غير هذا على مثله فقلت: أرأيت لو قال لك قائل: نهى رسول الله ﷺ أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها فعلمت أنه لم ينه عن الجمع بين ابنتي
صفحة : 1841
العم ولهما قرابة ولا بين القرابات غيرهما فكانت العمة والخالة وابنة الأخ والأخت حلالا أن يبتدأ بنكاح كل واحدة منهن على الانفراد أنهن أحللن وخرجن عن معنى الأم والبنت وما حرم على الأبد بحرمة نفسه أو بحرمة غيره فاستدللت على أن النهي عن ذلك إنما هو كراهية أن يفسد ما بينهما والعمة والخالة والدتان ليستا كابنتي العم اللتين لا شىء لواحدة منهما على الأخرى إلا للأخرى مثله فإن كانتا راضيتين بذلك مأمونتين بإذنهما وأخلاقهما على أن لا يتفاسدا بالجمع حل الجمع بينهما. قال: ليس ذلك له. قلت: وكذلك الجمع بين الأختين قال: نعم قلت: فإن نكح امرأة على عمتها فلما انعقدت العقدة قبل أن يمكن الجمع بينهما ماتت التي كانت عنده وبقيت التي نكح قال: فعقدة الآخرة فاسدة. قلت: فإن قال: قد ذهب الجمع وصارت التي نهي أن ينكح على هذه المرأة الميتة فقال لك: أنا لو ابتدأت نكاحها الآن جاز فأقرر نكاحها الأول. قال: ليس ذلك له إن انعقدت العقدة بأمر نهى عنه رسول الله ﷺ تصح بحال يحدث بعدها. فقلت له: فهكذا قلت في الشغار والمتعة قد انعقد بأمر نهى رسول الله ﷺ عنه لا نعلمه في غيره وما نهى عنه بنفسه أولى أن لا يصح مما نهى عنه بغيره فإن افترق القول في النهي كان الجمع بين المرأة وعمتها ونكاح الأخت على أختها إذا ماتت الأولى منهما قبل أن تجتمع هي والآخرة وأولى أن يجوز لأنه إنما نهى عنه لعلة الجمع وقد زال الجمع. قال: فإن زال الجمع فإن العقد كان وهو ثابت على الأولى فلا يثبت على الآخرة وهو منهي عنه. قلت له: فالذي أجزته في الشغار والمتعة هكذا أو أولى أن لا يجوز من هذا فقلت له: أرأيت لو قال قائل: إنه أمر بالشهود في النكاح أن لا يتجاحد الزوجان فيجوز النكاح على غير الشهود ما تصادقا قال: لا يجوز النكاح بغير شهود. قلت: وإن تصادقا على أن النكاح كان جائزا أو أشهدا على إقرارهما بذلك قال: لا يجوز. قلت: ولم الآن المرأة كانت غير حلال إلا بما أحلها الله ثم رسوله ﷺ به فلما انعقدت عقدة النكاح بغير ما أمر به لم يحل المحرم إلا من حيث أحل. قال: نعم. قلت: فالأمر بالشهود لا يثبت عن النبي ﷺ خبرا بثبوت النهي عن الشغار والمتعة ولو ثبت كنت به محجوجا لأنك إذا قلت في النكاح بغير سنة لا يجوز لأن عقد النكاح كان بغير كمال ما أمر به وإن انعقدت بغير كمال ما أمر به فهي فاسدة. قلنا لك: فأيهما أولى أن يفسد العقدة التي انعقدت بغير ما أمر به أو العقدة التي انعقدت بما نهي. عنه والعقدة التي تعقد بما نهي عنه تجمع
صفحة : 1842
النهي وخلاف الأمر قال: كل سواء. قلت: وإن كانا سواء لم يكن لك أن تجيز واحدة وترد مثلها أو أوكد وإن من الناس لمن يزعم أن النكاح بغير بينة جائز غير مكروه كالبيوع وما من الناس أحد إلا يكره الشغار وينهى عنه وأكثرهم يكره المتعة وينهى عنها ومنهم من يقول يرجم فيها من ينكحها. وقد نهى النبي ﷺ عن بيع الطعام قبل أن يقبض أفرأيت لو تبايع رجلان بطعام قبل أن يقبض ثم تقابضا فذهب الغرر أيجوز قال: لا لأن العقدة انعقدت فاسدة منهيأ عنها. قلت: وكذلك إذا نهي عن بيع وسلف وتبايعا أيتم البيع ويرد السلف لو رفعا إليك قال: لا يجوز لأن العقدة انعقدت فاسدة. قيل: وما فسادها وقد ذهب المكروه منها قال: انعقدت بأمر منهي عنه. قلنا: وهكذا أفعل في كل أمر ينهى عنه ولو لم يكن في إفساد نكاح المتعة إلا القياس انبغى أن يفسد من قبل أنها إذا زوجت نفسها يومين كنت قد زوجت كل واحد منهما ما لم يزوج نفسه وأبحت له ما لم يبح لنفسه. قال: فكيف تفسده قلت: لما كان المسلمون لا يجيزون أن يكون النكاح إلا على الأبد حتى يحدث فرقة لم يجزأن يحل يومين ويحرم أكثر منهما ولم يجزأن يحل في أيام لم ينكحها فكان النكاح فاسدا. قال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار أخبره: أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان وأبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان: إني قد أردت أن أنكح طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير وأردت أن تحضر فأنكر ذلك أبان وقال: سمعت عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله ﷺ: لا ينكح المحرم ولا ينكح . قال الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن أيوب بن موسى عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان أظنه عن عمر عن رسول الله ﷺ مثل معناه. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يزيد بن الأصم أن رسول الله ﷺ تزوج ميمونة وهو حلال أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن ربيعة عن سليمان بن يسار أن النبي ﷺ بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة ابنة الحارث ورسول الله ﷺ بالمدينة أن يخرج. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن أمية عن ابن المسيب قال: ما نكح رسول الله ﷺ ميمونة إلا وهو حلال. أخبرنا الربيع
صفحة : 1843
قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن داود بن الحصين أن أبا غطفان بن طريف المري أخبره أن أباه طريفا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر نكاحه أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يقول: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب على نفسه ولا على غيره. أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن قدامة بن موسى عن شوذب أن زيد بن ثابت رد نكاح محرم. قال الشافعي رحمه الله: وبهذا كله نأحذ فإذا نكح المحرم أو أنكح غيره فنكاحه مفسوخ وللمحرم أن يراجع امرأته لأن الرجعة قد ثبتت بابتداء النكاح وليست بالنكاح إنما هي شيء له في نكاح كان وهو غير محرم وكذلك له أن يشتري الأمة للوطء وغيره. وبهذا نقول ة فإن نكح المحرم فنكاحه مفسوخ. باب الخلاف في نكاح المحرم أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي رحمه الله: فخالفنا بعض الناس في نكاح المحرم فقال: لا بأس أن ينكح المحرم ما لم يصب. وقال: روينا خلاف ما رويتم فذهبنا إلى ما روينا وذهبتم إلى ما رويتم روينا أن رسول الله ﷺ نكح وهو محرم فقلت له: أرايت إذا اختلفت الرواية عن رسول الله ﷺ بأيها تأخذ قال بالثابت عنه. قلت أفترى حديث عثمان عن النبي ﷺ ثابتا قال: نعم. قلت: وعثمان غير غائب عن نكاح ميمونة لأنه مع النبي ﷺ بالمدينة وفي سفره الذي بنى بميمونة فيه في عمرة القضية وهو السفر الذي زعمت أنت بأنه نكحها فيه وإنما نكحها قبله وبنى بها فيه قال: نعم ولكن الذي روينا عنه روى أن النبي ﷺ نكحها وهو محرم فهو وإن لم يكن يوم نكحها بالغا ولا له يومئذ صحبة فإنه لا يشبه أن يكون خفي عليه الوقت الذي نكحها فيه مع قرابته بها ولا يقبله هو وإن لم يشهده إلا عن ثقة. فقلت له: يزيد بن الأصم ابن أختها يقول: نكحها حلالا ومعه سليمان بن يسار عتيقها أو ابن عتيقها فقال: نكحها حلالا فيمكن عليك ما أمكنك. فقال: هذان ثقة ومكانهما منها المكان الذي لا يخفى عليهما الوقت الذي نكحها فيه لحطها وحط من هو منها نكاح رسول الله ﷺ ولا يجوز أن يقبلا ذلك وإن لم يشهداه إلا بخبر ثقة فيه فتكافأ خبر هذين وخبر من رويت عنه في المكان منها وإن كان أفضل منهما فهما ثقة أو يكون خبر اثنين أكثر من خبر واحد ويزيدونك معهما ثالثا ابن المسيب وتنفرد عليك رواية عنه إن التي هي أثبت من هذا كله. فقلت له: أو ما أعطيتنا أن الخبرين لو
صفحة : 1844
تكافئا نظرنا فيما فعل أصحاب رسول الله ﷺ فتتبع أيهما كان فعلهما أشبه وأولى الخبرين أن يكون محفوظا فتقبله ونترك الذي خالفه قال: بلى قلت: فعمر ويزيد بن ثابت يردان نكاح المحرم ويقول ابن عمر: لا ينكح ولا ينكح ولا أعلم من أصحاب رسول الله ﷺ لهما مخالفا. قال: فإن المكيين يقولون: ينكح. فقلت: مثل ما ذهبت إليه والحجة تلزمهم مثل ما لزمتك ولعلهم خفي عليهم ما خالف ما رووا من نكاح النبي ﷺ محرما. قال: فإن من أصحابك من قال إنما قلنا: لا ينكح لأن العقدة تحل الجماع وهو محرم عليه. قلت له: الحجة فيما حكينا لك عن رسول الله ﷺ وأصحابه لا فيما وصفت أنهم ذهبوا إليه من هذا وإن كنت أنت قد تذهب أحيانا إلى أضعف منه وليس هذا عندنا مذهب المذاهب في الخبر أو علة بينة فيه. قال: فأنتم قلتم للمحرم أن يراجع امرأته إذا كانت في عدة منه وأن يشتري الجارية للإصابة. قلت: إن الرجعة ليست بعقد نكاح إنما هي شيء جعله الله للمطلق في عقدة النكاح أن يكون له الرجعة في العدة وعقدة النكاح كان وهو حلال فلا يبطل العقدة حق الإحرام ولا يقال للمراجع ناكح بحال. فأما الجارية تشترى فإن البيع مخالف عندنا وعندك للنكاح من قبل: أنه قد يشتري المرأة قد أرضعته ولا يحل له إصابتها ويشتري الجارية وأمها و ولدها لا يحل له أن يجمع بين هؤلاء فأجيز الملك بغير جماع وأكثر ما في ملك النكاح الجماع ولا يصلح أن ينكح امرأة لا يحل له جماعها وقد يصلح أن يشتري من لا يحل له جماعها. ID ' ' خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه.
صفحة : 1845
باب في إنكاح الوليين
أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا إسماعيل بن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن رجل من أصحاب النبي ﷺ قال: إذا أنكح الوليان فالأول أحق وإذا باع المجيزان فالأول أحق . أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: فبهذا نقول.
وهذا في المرأة توكل رجلين فيزوجانها فيزوجها أحدهما ولا يعلم الآخر حين زوجها فنكاح الأول ثابت لأنه ولي موكل ومن نكحها بعده فقد بطل نكاحه وهذا قول عوام الفقهاء لا أعرف بينهم فيه خلافأ ولا أدري أسمع الحسن منه أم لا قال الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: إذا طلق الرجل امرأته فهو أحق برجعتها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة في الواحدة والاثنتين.
باب في إتيان النساء قبل إحداث غسل
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فإذا كان للرجل إماء فلا بأس أن يأتيهن معا قبل أن يغتسل ولو أحدث وضوءا كلما أراد إتيان واحدة كان أحب إلي لمعنيين: أحدهما أنه قد روي فيه حديث وإن كان مما لا يثبت مثله والآخر: أنه أنظف وليس عندي بواجب عليه وأحب إلي لو غسل فرجه قبل إتيان التي يريد ابتداء إتيانها. وإتيانهن معأ واحدة بعد واحدة كإتيان الواحدة مرة بعد مرة وإن كن حرائر فحللنه فكذلك وإن لم يحللنه لم أر أن يأتي واحدة في ليلة الأخرى التي يقسم لها فإن قيل: فهل في هذا حديث قيل: إنه يستغنى فيه عن الحديث بما قد يعرف الناس وقد روي فيه شيء. قال الشافعي من أصاب امرأة حرة أو أمة ثم أراد أن ينام فلا ينام حتى يتوضأ وضوءه للصلاة بالسنة.
ID ' ' وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو
ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة
للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب
غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال
وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع
سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ
الحديث.
صفحة : 1846
إباحة الطلاق أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي قال الله عز وجل: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن الآية وقال: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن وقال: إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن الآية وقال: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وقال: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان مع ما ذكرته من الطلاق في غير ما ذكرت ودلت عليه سنة رسول الله ﷺ من إباحة الطلاق فالطلاق مباح لكل زوج لزمه الفرض ومن كانت زوجته لا تحرم من محسنة ولا مسيئة في حال إلا أنه ينهى عنه لغير قبل العدة وإمساك كل زوج محسنة أو مسيئة بكل حال مباح إذا أمسكها بمعروف وجماع المعروف إعفاها بتأدية الحق. قال الشافعي رحمه الله: اختار للزوج أن لا يطلق إلا واحدة ليكون له الرجعة في المدخول بها ويكون حاطبا في غير المدخول بها ومتى نكحها بقيت له عليها اثنتان من الطلاق ولا يحرم عليه أن يطلق اثنتين ولا ثلاثا لأن الله تبارك وتعالى أباح الطلاق وما أباح فليس بمحظور على أهله. وأن النبي ﷺ علم عبد الله بن عمر موضع الطلاق ولو كان في عدد الطلاق مباح ومحظور علمه إن شاء الله تعالى إياه. لأن من خفي عليه أن يطلق امرأته طاهرا كان ما يكره من عدد الطلاق ويجب لو كان فيه مكروه أشبه أن يخفى عليه. وطلق عويمر العجلاني امرأته بين يدي النبي ﷺ ثلاثا قبل أن يأمره وقبل أن يخبره أنها تطلق عليه باللعان ولو كان ذلك شيئا محظورا عليه نهاه النبي ﷺ ليعلمه وجماعة من حضره وحكت فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ألبتة يعني والله أعلم ثلاثا فلم يبلغنا أن النبي ﷺ نهى عن ذلك وطلق ركانة امرأته البتة وهي تحتمل واحدة وتحتمل ثلاثا فسأله النبي ﷺ عن نيته واحلفه عليها ولم نعلمه نهى أن يطلق البتة يريد بها ثلاثا وطلق عبد الرحمن بن عوف امرأته ثلاثا. ID ' ' وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال
صفحة : 1847
جماع وجه الطلاق قال الشافعي: قال الله تعالى: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدلهن وقرئت: لقبل عدتهن وهما لا يختلفان في معنى. أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته في زمان النبي ﷺ وهي حائض قال عمر: فسألت النبي ﷺ عن ذلك فقال: مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل عبد الله بن عمر وأبو الزبير يسمع فقال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا فقال ابن عمر: طلق عبد الله بن عمر امرأته حائضا فقال النبي ﷺ: مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك . قال ابن عمر قال الله تبارك وتعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن أو لقبل عدتهن شك الرافعي أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن مجاهد أنه كان يقرؤها كذلك أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه كان يقرؤها إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن : قال الشافعي فبين والله أعلم في كتاب الله عز وجل بدلالة سنة النبي ﷺ أن القرآن والسنة في المرأة المدخول بها التي تحيض دون من سواها من المطلقات أن تطلق لقبل عدتها وذلك أن حكم الله تعالى أن العدة على المدخول بها وأن النبي ﷺ إنما يأمر بطلاق طاهر من حيضها التي يكون لها طهر وحيض وبين أن الطلاق يقع على الحائض لأنه إنما يؤمر بالمراجعة من لزمه الطلاق فأما من لم يلزمه الطلاق فهو بحاله قبل الطلاق وقد أمر الله تعالى بالإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان ونهى عن الضرر وطلاق الحائض ضرر عليها لأنها لا زوجة ولا في أيام تعتد فيها من زوج ما كانت في الحيضة وهي إذا طلقت وهي تحيض بعد جماع لم تدر ولا زوجها عدتها الحمل أو الحيض ويشبه أن يكون أراد أن يعلما معا العدة ليرغب الزوج وتقصر المرأة عن الطلاق إن طلبته وإذا أمر النبي ﷺ عمر أن يعلم ابن عمر موضع الطلاق فلم يسم له من الطلاق عددا فهو يشبه أن لا يكون في عدد ما يطلق سنة إلا أنه أباح له الطلاق واحدة واثنتين وثلاثآ مع دلائل تشبه هذا الحديث ودلائل القياس. ID ' ' تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون
صفحة : 1848
تفريع طلاق السنة
في غير المدخول بها والتي لا تحيض
قال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا تزوج الرجل المرأة فلم يدخل بها وكانت ممن تحيض أولا تحيض فلا سنة في طلاقها إلا أن الطلاق يقع متى طلقها فيطلقها متى شاء. فإن قال لها: أنت طالق للسنة أو أنت طالق للبدعة أو أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة طلقت مكانها. قال: ولو تزوج رجل امرأة ودخل بها وحملت فقال لها: أنت طالق للسنة أو للبدعة أو بلا سنة ولا بدعة كانت مثل المرأة التي لم يدخل بها لا تختلف هي وهي في شيء مما يقع به الطلاق عليها حين يتكلم به. قال: ولو تزوج امرأة ودخل بها وأصابها وكانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر فقال لها: أنت طالق للسنة فهي مثل المرأتين قبلها لا يختلف ذلك في وقوع الطلاق عليها حين يتكلم به لأنه ليس في طلاق واحدة ممن سميت سنة إلا أن الطلاق يقع عليها حين يتكلم به بلا وقت لعدة لأنهن خوارج من أن يكون مدخولا بهن وممن ليست عددهن الحيض. وإن نوى أن يقعن في وقت لم يدين في الحكم ودين فيما بينه وبين الله عز وجل.
ID ' ' خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م
ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى:
(وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية
والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى:
(ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل
ولا يكاد يقدر عليه.
وقال النووي في قوله ﷺ: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن
العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر
كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج .
صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا
يتوقف فيه إلا جاهل غبي.
والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه
صفحة : 1849
تفريع طلاق السنة في المدخول بها التي تحيض إذا كان الزوج غائبا قال الشافعي رحمه الله: إذا كان الرجل غائبا عن امرأته فأراد أن يطلقها للسنة كتب إليها: إذا أتاك كتابي هذا وقد حضت بعد خروجي من عندك فإن كنت طاهرا فأنت طالق وإن كان علم أنها قد حاضت قبل أن يخرج ولم يمسها بعد الطهر أو علم أنها قد حاضت وطهرت وهو غائب كتب إليها: إذا أتاك كتابي فإن كنت طاهرآ فأنت طالق وإن كنت حائضا فإذا طهرت فأنت طالق قال: وإذا قال الرجل لامرأته التي تحيض وقد دخل بها: أنت طالق للسنة سألته: فإن قال أردت أن يقع الطلاق عليها للسنة أو لم يكن له نية فإن كانت طاهرا ولم يجامعها في طهرها ذلك وقع الطلاق عليها في حالها تلك وإن كانت طاهرأ قد جامعها في ذلك الطهر أو حائضا أو نفساء وقع الطلاق عليها حين تطهر من النفس أو الحيض ووقع على الطاهر المجامعة حين تطهر من أول حيضة تحيضها بعد قوله يقع على كل واحدة منهن حين ترى الطهر وقبل الغسل. وإن قال: أردت أن يقع حين تكلمت وقعت حائضا كانت أو طاهرا بإرادته. وإذا قال الرجل لامرأته التي تحيض: أنت طالق ثلاثا للسنة وقعن جميعا معا في وقت طلاق السنة إذا كانت طاهرا من غير جماع وقعن حين قاله وإن كانت نفساء أو حائضآ أو طاهرا مجامعة فإذا طهرت قبل أن تجامع ولو نوى أن يقعن عند كل طهر واحدة وقعن معا كما وصفت في الحكم فأما فيما بينه وبين الله تعالى فيقعن على ما نواه ويسعه رجعتها وإصابتها بين كل تطليقتين ما لم تنقض عدتها. قال الشافعي وتنقضي عدة المرأة بأن تدخل في الحيضة الثالثة من يوم وقع الطلاق في الحكم ولها أن لا تنكحه وتمتنع منه. وإذا قال: أنت طالق ثلاثا عند كل قرء لك واحدة فإن كانت طاهرا مجامعة أو غير مجامعة وقعت الأولى لأن ذلك قرء. ولو طلقت فيه اعتدت به وإن كانت حائضا أو نفساء وقعت الأولى إذا طهرت من النفاس ووقعت الأخرى إذا طهرت من الحيضة الثانية والثالثة إذا طهرت من الحيضة الثالثة ويبقى عليها من عدتها قرء. فإذا دخلت في الدم من الحيضة الرابعة فقد انقضت عدتها من الطلاق كله. قال: ولو قال لها هذا القول وهي طاهر أو وهي حبلى وقعت الأولى ولم تقع الثنتان كانت تحيض على الحبل أو لا تحيض حتى تلد ثم تطهر فيقع عليها إن ارتجع فإن لم يحدث لها رجعة فقد انقضت عدتها. ولا تقع الثنتان لأنها قد بانت منه وحلت لغيره ولا يقع عليها طلاقه. وليست بزوجة له. قال: وسواء طلق واحدة أو ثنتين أو ثلاثا يقعن معا لأنه ليس في عدد الطلاق سنة إلا أني أحب له أن لا
صفحة : 1850
يطلق إلا واحدة. وكذلك إن قال: أردت طلاقا للسنة أن السنة أن يقع الطلاق عليها إذا طلقت فهي طالق مكانه. ولو قال لها: أنت طالق ولا نية له أو وهو ينوي وقوع الطلاق على ظاهر قوله وقع الطلاق حين تكلم به. ولو قال لها: أنت طالق للسنة واحدة وأخرى للبدعة فإن كانت طاهرا قد جومعت أو حائضا أو نفساء وقعت تطليقة البدعة فإذا طهرت وقعت تطليقة السنة وسواء قال لها أنت طالق تطليقة سنية وأخرى بدعية أو تطليقة للسنة وأخرى للبدعة. قال: ولو قال لها: أنت طالق ثلاثا للسنة وثلاثا للبدعة وقعت عليها ثلاث حين تكلم به لأنها لا تعدو أن تكون في حال سنة أو حال بدعة فيقعن في أي الحالين كانت. قال الشافعي وكذلك لو قال لها: أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة جعلنا القول قوله فإن أراد ثنتين للسنة وواحدة للبدعة أوقعنا اثنتين للسنة في موضعهما وواحدة للبدعة في موضعها. وهكذا لو قال لها: أنت طالق ثلاثا للسنة وللبدعة فإن قال: أردت بثلاث للسنة والبدعة أن يقعن معا وقعن في أي حال كانت المرأة. وهكذا إن قال: أردت أن السنة والبدعة في هذا سواء. ولو قال: بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة ولا نية له فإن كانت طاهرا من غير جماع وقعت ثنتان للسنة حين يتكلم بالطلاق وواحدة للبدعة حين تحيض. وإن كانت مجامعة أو في دم نفاس أو حيض وقعت حين تكلم اثنتان للبدعة وإذا طهرت واحدة للسنة. قال: ولو قال لها: أنت طالق أحسن الطلاق وأجمل الطلاق أو أفضل الطلاق أو أكمل الطلاق أو خير الطلاق أو ما أشبه هذا من تفصيل الكلام سألته عن نيته فإن قال: لم أنو شيئا وقع الطلاق للسنة وكذلك لو قال: ما نويت إيقاعه في وقت أعرفه وكذلك لو قال: ما أعرف حسن الطلاق ولا قبيحه بصفة غير أني نويت أن يكون أحسن الطلاق وما قلت معه أن يقع الطلاق حين تكلمت به لا يكون له مدة غير الوقت الذي تكلمت به فيه فيقع حينئذ حين يتكلم به أو يقول بأحسنه أني طلقت من الغضب أو غيره فيقع حين يتكلم به إذا جاء بدلالة. قال: ولو قال لها: أنت طالق أقبح أو أسمج أو أقذر أو أشر أو أنتن أو آلم أو أبغض الطلاق أو ما أشبه هذا مما يقبح به الطلاق سألناه عن نيته فإن قال: أردت ما يخالف السنة منه أو قال: أردت إن كان فيه شيء يقبح الأقبح وقع طلاق بدعة إن كانت طاهرا مجامعة أو حائضأ أو نفساء حين تكلم به وقع مكانه وإن كانت طاهرأ من غير جماع وقع إذا حاضت أو نفست أو جومعت وإن قال: لم أنو شيئا أو خرس أو عته قبل يسأل وقع الطلاق في موضع البدعة فإن سئل فقال:
صفحة : 1851
نويت أقبح الطلاق لها إذا طلقتها لريبة رأيتها منها أو سوء عشرة أو بغضة مني لها أو لبغضها من غير ريبة فيكون ذلك يقبح بها وقع الطلاق حين تكلم به لأنه لم يصفه في أن يقع في وقت فيوقعه فيه. قال: ولو قال لها: أنت طالق واحدة حسنة قبيحة أو جميلة فاحشة أو ما أشبه هذا مما يجمع الشيء وخلافه كانت طالقا حين تكلم بالطلاق لأن ما أوقع في ذلك وقع بإحدى الصفتين. وإن قال: نويت أن يقع في وقت غير هذا الوقت لم أقبل منه لأن الحكم في ظاهر قوله ثنتان أن الطلاق يقع حين تكلم به ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن لا يقع الطلاق إلا على نيته. ولو قال لها: أنت طالق إن كان الطلاق الساعة أو الآن أو في هذا الوقت أو في هذا الحين يقع عليك للسنة. فإن كانت طاهرا من غير جماع وقع عليها الطلاق وإن كانت في تلك الحال مجامعة أو حائضا أو نفساء لم يقع عليها الطلاق في تلك الحال ولا غيرها بهذا الطلاق. ولو قال لها: أنت طالق إن كان الطلاق الآن أو الساعة أو في هذا الوقت أو في هذا الحين يقع عليك للبدعة فإن كانت مجامعة أو حائضا أو نفساء طلقت وإن كانت طاهرا من غير جماع لم تطلق ولو كانت المسألة الأولى في هذا كله غير مدخول بها أو مدخولا بها لا تحيض من صغر أو كبر أو حبلى وقع هذا كله حين تكلم به. وإن أراد بقوله في المدخول بها التي تحيض في جميع المسائل أردت طلاقا ثلاثا أو أراد بقوله: أنت طالق أحسن الطلاق أو بقوله: أنت طالق أقبح الطلاق ثلاثا كان ثلاثا وكذلك إن أراد اثنتين وإن لم يرد زيادة في عدد الطلاق كانت في هذا كله واحدة. ولو قال: أنت طالق أكمل الطلاق فهكذا ولو قال لها: أنت طالق أكثر الطلاق عددا أو قال: أكثر الطلاق ولم يزد على ذلك فهن ثلاث ويدان فيما بينه وبين الله تعالى لأن ظاهر هذا ثلاث. قال: وطلاق المدخول بها حرة مسلمة أو ذمية أو أمة مسلمة سواء في وقت إيقاعه. وإن نوى شيئا وسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن لا يقع الطلاق إلا في الوقت الذي نوى ولو قال: أنت طالق ملء مكة فهي واحدة إلا أن يريد أكثر منها. وكذلك إن قال: ملء الدنيا أو قال: ملء شيء من الدنيا لأنها لا تملأ شيئا إلا بكلام فالواحدة والثلاث سواء فيما يملأ بالكلام. قال: ولو وقت فقال: أنت طالق غدا أو إلى سنة أو إذا فعلت كذا وكذا أو كان منك كذا طلقت في الوقت الذي وقت ولا تطلق قبله. ولو قال للمدخول بها التي تحيض: إذا قدم فلان أو عتق فلان أو إذا فعل فلان كذا وكذا أو إذا فعلت كذا فأنت طالق لم يقع ذلك إلا في الوقت الذي يكون فيه ما أوقع به الطلاق حائضا كانت أو
صفحة : 1852
طاهرا ولو قال: أنت طالق في وقت كذا للسنة فإن كان ذلك الوقت وهي طاهر من غير جماع وقع الطلاق وإن كان وهي حائض أو نفساء أو مجامعة لم يقع إلا بعد طهرها من حيضة قبل الجماع. ولو قال لها: أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة أو للسنة والبدعة كانت طالقا حين تكلم بالطلاق . M0لق التي لم يدخل بها قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وقال تبارك وتعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره قال الشافعي والقرآن يدل - والله أعلم - على أن من طلق زوجة له دخل بها أو لم يدخل بها ثلاثا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره فإذا قال الرجل لامرأته التي لم يدخل بها: أنت طالق ثلاثا فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن الزهري عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس بن البكير قال: طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له أن ينكحها فجاء يستفتي. فسأل أبو هريرة وعبد الله بن عباس فقالا: لا نرى أن تنكحها حتى تتزوج زوجا غيرك ففال إنما كان طلاقي إياها واحدة فقال ابن عباس: إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري عن عطاء بن يسار قال: جاء رجل يسأل عبد الله بن عمرو بن العاص عن رجل طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها قال عطاء: فقلت: إنما طلاق البكر واحدة فقال عبد الله بن عمرو: إنما أنت قاض الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره. قال الشافعي قال الله عز وجل: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وقال: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك الآية. فالقرآن يدل على أن الرجعة لمن طلق واحدة أو اثنتين إنما هي على المعتدة لأن الله عز وجل إنما جعل الرجعة في العدة وكان الزوج لا يملك الرجعة إذا انقضت العدة لأنه يحل للمرأة في تلك الحال أن تنكح زوجا غير المطلق فمن طلق امرأته ولم يدخل بها تطليقة أو تطليقتين فلا رجعة له عليها ولا عدة ولها أن تنكح من شاءت ممن يحل لها نكاحه وسواء البكر في هذا والثيب. قال: ولو قال للمرأة غير المدخول بها: أنت طالق ثلاثا للسنة أو ثلاثأ للبدعة أو ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة وقعن معا حين تكلم به لأنه ليس فيها سنة ولا بدعة. وهكذا لو كانت مدخولا بها لا تحيض من صغر أو كبر أو حبلى.
صفحة : 1853
وإذا أراد في المدخول بها ثلاثا أن يقعن في رأس كل شهر واحدة لزمه في حكم الطلاق ثلاثا يقعن معا ويسعه فيما بينه وبين الله عز وجل أن يطلقها في رأس كل شهر واحدة ويرتجعها فيما بين ذلك ويصيبها ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى ولا يسعها هي أن تصدقه ولا تتركه ونفسها لأن ظاهره أنهن وقعن معا وهي لا تعلم ذلك كما قال. وقد يكذب على قلبه ولو قال للتي لم يدخل بها: أنت طالق ثلاثا للسنة وقعن حين تكلم به. فإن نوى أن يقعن في رأس كل شهر فلا يسعها أن تصدقه لأنه لا عدة عليها فتقع الثنتان عليها في رأس كل شهر واحدة ويسعه فيما بينه وبين الله عز وجل أن تقع واحدة ولا تقع اثنتان لأنهما يقعان وهي غير زوجة ولا معتدة. ولو قال لامرأة تحيض ولم يدخل بها: أنت طالق إذا قدم فلان واحدة للسنة أو ثلاثا للسنة فدخل بها قبل أن يقدم فلان وقعت عليها الواحدة أو الثلاث إذا قدم فلان وهي طاهر من غير جماع وإن قدم فلان وهي طاهر من أول حيض طلقت قبل أن يجامع وأسأله هل أراد إيقاع الطلاق بقدوم فلان فقط فإن قال: نعم أو قال: أردت إيقاع الطلاق بقدوم فلان للسنة في غير المدخول بها لا سنة التي دخل بها أوقعته عليه كيفما كانت امرأته لأنها لم يكن فيها حين حلف ولا حين نوى السنة في التي لم يدخل بها وإني أوقع الطلاق بنيته مع كلامه. وإذا قال الرجل لامرأته لم يدخل بها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق وقعت عليها الأولى ولم تقع عليها الثنتان من قبل أن الأولى كلمة تامة وقع بها الطلاق فبانت من زوجها بلا عدة عليها ولا يقع الطلاق على غير زوجة. أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن أبي قسيط عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه قال في رجل قال لامرأته ولم يدخل بها: أنت طالق ثم أنت طالق ثم أنت طالق فقال أبو بكر: أيطلق امرأة على ظهر الطريق قد بانت منه من حين طلقها التطليقة الأولى. ID ' ' الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت
صفحة : 1854
ما جاء في الطلاق إلى وقت من الزمان قال الشافعي رحمه الله: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق غدا فإذا طلع الفجر من ذلك اليوم فهي طالق. وكذلك إن قال لها: أنت طالق في غرة شهر كذا فإذا رأى غرة شهر كذا فتلك غرته فإن أصابها وهو لا يعلم أن الفجر طلع يوم أوقع عليها الطلاق أو لا يعلم أن الهلال رئي ثم علم أن الفجر طلع قبل إصابته إياها أو الهلال رئي قبل إصابته إياها إلا أنه يعلم أن إصابته كانت بعد المغرب ثم رئي الهلال فقد وقع الطلاق قبل إصابته إياها ولها عليه مهر مثلها بإصابته إياها بعد وقوع طلاقه عليها ثلاثا إن كان طلقها ثلاثا أو تطليقة لم يكن بقي عليها من الطلاق إلا هي وإن كان طلقها واحدة فلها عليه مهر مثلها ولا تكون إصابته إياها رجعة. والقول في الإصابة قول الزوج مع يمينه وكذلك هو في الحنث إلا أن تقوم عليه بينة في الحنث بخلاف ما قال أو بينة بإقراره بإصابة توجب عليه شيئا فيؤخذ لها. قال: وإذا قال لها: أنت طالق في شهر كذا أو إلى شهر كذا أو في غرة هلال شهر كذا أو في دخول شهر كذا أو في استقبال شهر كذا كانت طالقأ ساعة تغيب الشمس من الليلة التي يرى فيها هلال ذلك الشهر. ولو رئي هلال ذلك الشهر بعشي لم تطلق إلا بمغيب الشمس لأنه لا يعد الهلال إلا من ليلته لا من نهار يرى فيه لم ير قبل ذلك في ليلته. ولو قال: أنت طالق إذا دخلت سنة كذا أو في مدخل سنة كذا أو في سنة كذا أو إذا أتت سنة كذا كان هذا كالشهر لا يختلف إذا دخلت السنة التي أوقع فيها الطلاق وقع عليها الطلاق. ولو قال لها: أنت طالق في انسلاخ شهر كذا أو بمضي شهر كذا أو نفاد شهر كذا فإذا نفد ذلك الشهر فرئي الهلال من أول الشهر الذي يليه فهي طالق. الطلاق بالوقت الذي قد مضي. قال الشافعي وإذا قال لامرأته: أنت طالق أمس أو طالق عام أول أو طالق في الشهر الماضي أو في الجمعة الماضية ثم مات أو خرس فهي طالق الساعة وتعتد من ساعتها. وقوله: طالق في وقت قد مضى يريد إيقاعه الآن محال. قال الربيع: وفيه قول آخر للشافعي: أنه إذا قال لها: أنت طالق أمس وأراد إيقاعه الساعة في أمس فلا يقع به الطلاق لأن أمس قد مضى فلا يقع في وقت غير موجود. قال الشافعي رحمه الله: ولو سئل فقال: قلته بلا نية شيء أو قال: قلته لأن يقع عليها الطلاق في هذا الوقت وقع عليها الطلاق ساعة تكلم به واعتدت من ذلك
صفحة : 1855
الوقت. ولو قال: قلته مقرا أني قد طلقتها في هذا الوقت ثم أصبتها فلها عليه مهر مثلها وتعتد من يوم أصابها. وإن لم يصبها بعد الوقت الذي قال لها أنت طالق في وقت كذا وصدقته أنه طلقها في ذلك الوقت اعتدت منه من حين قاله. وإن قالت: لا أدري اعتدت من حين استيقنت وكانت كامرأة طلقت ولم تعلم. قال: ولو كانت المسألة بحالها فقال: قد كنت طلقتها في هذا الوقت فعنيت أنك كنت طالقا فيه بطلاقي إياك أو طلقها زوج في هذا الوقت فقلت: أنت طالق أي مطلقة في هذا الوقت فإن علم أنها كانت مطلقة في هذا الوقت منه أو من غيره ببينة تقوم أو بإقرار منها أحلف ما أراد به إحداث طلاق وكان القول قوله وإن نكل حلف وطلقت. وهكذا لو قال لها: أنت مطلقة في بعض هذه الأوقات وهكذا إن قال: كنت مطلقة أو يا مطلقة في بعض هذه الأوقات. قال: وإذا قال الرجل لامرأته وقد أصابها: أنت طالق إذا طلقتك أو حين طلقتك أو متى ما طلقتك أو ما أشبه هذا لم تطلق حتى يطلقها فإذا طلقها واحدة وقعت عليها التطليقة بابتدائه الطلاق وكان وقوع الطلاق عليها غاية طلقها إليها كقوله: أنت طالق إذا قدم فلان وإذا دخلت الدار وما أشبه هذا فتطلق الثانية بالغاية ولم يقع عليها بعده طلاق. ولو قال لها: أنت طالق كلما وقع عليك طلاقي أو ما أشبه هذا لم تطلق حتى يقع عليها طلاقه فإذا أوقع عليها تطليقة يملك الرجعة وقعت عليها الثلاث الأولى بإيقاعه للطلاق والثانية بوقوع التطليقة الأولى التي هي غاية لها والثالثة بأن الثانية غاية لها وكان هذا كقوله: كلما دخلت الدار وكلما كلمت فلانا فأنت طالق فكلما أحدثت شيئا مما جعله غاية يقع عليها الطلاق به طلقت. ولو قال: إنما أردت بهذا كله أنك إذا طلقتك طالق بطلاقي لم يدان في القضاء لأن ظاهر قوله غير ما قال وكان له فيما بينه وبين الله تعالى أن يحبسها ولا يسعها هي أن تقيم معه لأنها لا تعرف من صدقه ما يعرف من صدق نفسه. وهكذا إن طلقها بصريح الطلاق أو كلام يشبه الطلاق نيته فيه الطلاق. وهكذا إن خيرها فاختارت نفسها أو ملكها فطلقت نفسها واحدة لأن كل هذا بطلاقه وقع عليها. وكذلك كل طلاق من قبل الزوج مثل الإيلاء وغيره مما يملك فيه الرجعة. قال: وإن وقع الطلاق الذي أوقع لا يملك فيه الرجعة لم يقع عليها إلا الطلاق الذي أوقع يملك فيه الرجعة لأن الطلاق الثاني والثالث لا يقع إلا بغاية الأولى بعد وقوعها فلا يقع طلاقه على امرأة لا يملك رجعتها وذلك مثل قوله: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق فخالعها فوقعت عليها تطليقة الخلع ولا يقع عليها غيرها لأن الطلاق الذي أوقع
صفحة : 1856
بالخلع يقع وهي بعده غير زوجه ولا يملك رجعتها. قال الربيع: إذا قال لها: أنت طالق إذا الفسخ قال الشافعي رحمه الله: وكل فسخ كان بين الزوجين فلا يقع به طلاق لا واحدة ولا ما بعدها. وذلك أن يكون عبد تحته أمة فتعتق فتختار فراقه أو يكون عنينا فتخير فراقه أو ينكحها محرما فيفسخ نكاحه أو نكاح متعة ولا يقع بهذا نفسه طلاق ولا بعده لأن هذا فسخ بلا طلاق. ولو قال رجل لامرأته: أنت طالق أين كنت فطلقها تطليقة لم يقع عليها إلا هي لأنها إذا طلقت واحدة فهي طالق أين كانت. وهكذا لو قال لها: أنت طالق حيث كنت وأنى كنت ومن أين كنت. ولو قال لها: أنت طالق طالقا كانت طالقا واحدة ويسأل عن قوله طالقا فإن قال: أردت أنت طالق إذا كنت طالقا وقع اثنتان الأولى بإيقاعه الطلاق والثانية بالحنث والأولى لها غاية. فإن قال: أردت اثنتين وقعت اثنتان معا. وإن قال: أردت إفهام الأولى بالثانية أحلف وكانت واحدة قال: ولو قال لها: أنت طالق إذا قدم فلان بلد كذا وكذا فقدم فلان ذلك البلد طلقت وإن لم يقدم ذلك البلد وقدم بلدا غيره لم تطلق. ولو قال: أنت طالق كلما قدم فلان فكلما قدم فلان طلقت تطليقة ثم كلما غاب من المصر وقدم فهي طالق أخرى حتى يأتي على جميع الطلاق. ولو قال لها: أنت طالق إذا قدم فلان فقدم بفلان ميتا لم تطلق لأنه لم يقدم. ولو قال لها: أنت طالق إذا قدم فلان فقدم بفلان مكرها لم تطلق لأن حكم ما فعل به مكرها كما لم يكن. ولو قال: أنت طالق متى رأيت فلانا بهذا البلد فرأته وقد قدم به مكرها طلقت لأنه أوقع الطلاق برؤيتها نفس فلان وليس في رؤيتها فلانأ إكراه لها يبطل به عنها الطلاق. قال الربيع: إذا كان كل قدومه وهي في العدة فأما إذا خرجت من العدة فغاب ثم قدم لم يقع عليها طلاق لأنها ليست بزوجة وهي كأجنبية. قال الشافعي ولو قال لها: أنت طالق إن كلمت فلانا فكلمت فلانا وهو حي طلقت إن كلمته حيث يسمع كلامها طلقت وإن لم يسمعه وإن كلمته ميتا أو نائما أو بحيث لا يسمع أحد كلام من كلمه بمثل كلامه لم تطلق. ولو كلمته وهي نائمة أو مغلوبة على عقلها لم تطلق لأنه ليس بالكلام الذي يعرف الناس ولا يلزمها به حكم بحال وكذلك لو أكرهت على كلامه لم تطلق وإذا قال لامرأته وقد دخل بها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق وقعت الأولى. وسأل عما نوى في اللتين بعدها فإن كان أراد تبيين الأولى فهي واحدة وإن كان أراد إحداث طلاق بعد الأولى فهو ما أراد و. إن أراد بالثالثة