كتاب الأم - المجلد الرابع1

ID ' ' ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 

صفحة : 1140


كتاب الشفعة 
أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي رحمه الله إذا كانت الهبة معقودة على الثواب فهو كما قال إذا أثيب منها ثوابا قيل لصاحب الشفعة إن شئت فخذها بمثل الثواب إن كان له مثل أو بقيمته إن كان لا مثل له وإن شئت فاترك وإذا كانت الهبة على غير ثواب فأثيب الواهب فلا شفعة لأنه لا شفعة فيما وهب إنما الشفعة فيما بيع والمثيب متطوع بالثواب فما بيع أو وهب على ثواب فهو مثل البيع والهبة باطلة من قبل أنه اشترط أن يثاب فهو عوض من الهبة مجهول فلما كان هكذا بطلت الهبة وهو بالبيع أشبه لأن البيع لم يعطه إلا بالعوض وهكذا هذا لم يعطه إلا بالعوض والعوض مجهول فلا يجوز البيع بالمجهول وكذلك لو نكح امرأة على شقص من دار فإن هذا كالبيع وكذلك لو استأجر عبدا أو حرا على شقص من دار فكل ما ملك به مما فيه عوض فللشفيع فيه الشفعة بالعوض وإن اشترى رجل شقصا فيه شفعة إلى أجل فطلب الشفيع شفعته قيل له إن شئت فتطوع بتعجيل الثمن وتعجل الشفعة وإن شئت فدع حتى يحل الأجل ثم خذ بالشفعة وليس على أحد أن يرضى بأمانة رجل فيتحول على رجل غيره وإن كان أملأ منه قال ولا يقطع الشفعة عن الغائب طول الغيبة وإنما يقطعها عنه أن يعلم فيترك الشفعة مدة يمكنه أخذها فيها بنفسه أو بوكيله قال ولو مات الرجل وترك ثلاثة من الولد ثم ولد لأحدهم رجلان ثم مات المولود له ودارهم غير مقسومة فبيع من الميت حق أحد الرجلين فأراد أخوه الأخذ بالشفعة دون عمومته ففيها قولان أحدهما أن ذلك له ومن قال هذا القول قال أصل سهمهم هذا فيها واحد فلما كان إذا قسم أصل المال كان هذان شريكين في الأصل دون عمومتهما فأعطيته الشفعة بأن له شركا دون شركهم وهذا قول له وجه والثاني أن يقول أنا إذا ابتدأت القسم جعلت لكل واحد سهما وإن كان أقل من سهم صاحبه فهم جميعا شركاء شركة واحدة فهم شرع في الشفعة وهذا قول يصح في القياس قال وإذا كانت الدار بين ثلاثة لأحدهم نصفها وللآخر سدسها وللآخر ثلثها وباع صاحب الثلث فأراد شركاؤه الأخذ بالشفعة ففيها قولان أحدهما أن صاحب النصف يأخذ ثلاثة أسهم وصاحب السدس يأخذ سهما على قدر ملكهم من الدار ومن قال هذا القول ذهب إلى أنه إنما يجعل الشفعة بالملك فإذا كان أحدهما أكثر ملكا من صاحبه أعطى بقدر كثرة ملكه ولهذا وجه والقول الثاني أنهما في الشفعة سواء وبهذا القول أقول ألا ترى أن الرجل يملك شفعة من الدار فيباع نصفها أو ما خلا حقه منها فيريد الأخذ بالشفعة 
 

صفحة : 1141

 بقدر ملكه فلا يكون ذلك له ويقال له خذ الكل أو دع فلما كان حكم قليل المال في الشفعة حكم كثيره كان الشريكان إذا اجتمعا في الشفعة سواء لأن اسم الملك يقع على كل واحد 
مالا يقع فيه شفعة 
أخبرنا الربيع قال الشافعي أخبرنا الثقة عن عبد الله بن إدريس عن محمد بن عمارة عن أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم عن أبان بن عثمان بن عفان أن عثمان قال الشافعي لا شفعة في بئر إلا أن يكون لها بياض يحتمل القسم أو تكون واسعة محتملة لأن تقسم فتكون بئرين ويكون في كل واحدة منهما عين أو تكون البئر بيضاء فيكون فيها شفعة لأنها تحتمل القسم قال وأما الطريق التي لا تملك فلا شفعة فيها ولا بها وأما عرصة الدار تكون بين القوم محتملة لأن تكون مقسومة وللقوم طريق إلى منازلهم فإذا بيع منها شيء ففيه الشفعة قال الشافعي وإذا باع الرجل شقصا في دار على أن البائع بالخيار والمبتاع فلا شفعة حتى يسلم البائع المشتري وإن كان الخيار للمشتري دون البائع فقد خرجت من ملك البائع برضاه وجعل الخيار للمشتري ففيها الشفعة قال الربيع وفيها قول آخر أن لا شفعة فيها حتى يختار المشتري أو تمضي أيام الذي كان له الخيار فيتم له البيع من قبل أنه إذا أخذها بالشفعة منع المشتري من الخيار الذي كان له قال الشافعي وكل من كانت في يده دار فاستغلها ثم استحقها رجل بملك متقدم رجع المستحق على الذي في يده الدار والأرض بجميع الغلة من يوم ثبت له الحق وثبوته يوم شهد شهوده أنه كان له لا يوم يقضي له به ألا ترى أنه لا معنى للحكم اليوم إلا ما ثبت يوم شهد شهوده وإنما تملك الغلة بالضمان في الملك الصحيح لأن الغلة بالضمان في الملك حدثت من شيء المالك كان يملكه لا غيره قال الشافعي وإذا اشترى الرجل شقصا لغيره فيه شفعة ثم زعم أنه لا يعلم الثمن بنسيان أحلف بالله ما تثبت الثمن ولا شفعة إلى أن يقيم المستشفع بينة فيؤخذ له ببينته وسواء قد تم الشراء وحديثه لأن الذكر قد يكون في الدهر الطويل والنسيان قد يكون في المدة القصيرة قال الشافعي وإذا كان لرجل حصة في دار فمات شريكه وهو غائب فباع ورثته قبل القسم أو بعده 
ID ' '   غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 

صفحة : 1142


باب القراض 
أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي رحمه إذا دفع الرجل إلى الرجل مالا قراضا فأدخل معه رب المال غلامه وشرط الربح بينه وبين المقارض وغلام رب المال فكل ما ملك غلامه فهو ملك له لا ملك لغلامه إنما ملك العبد شيء يضاف إليه لا ملك صحيح فهو كرجل شرط له ثلثي الربح وللمقارض ثلثه 
ما لا يجوز من القراض في العروض 
قال الشافعي رحمه الله خلاف مالك بن أنس في قوله من البيوع ما يجوز إذا تفاوت أمده وتفاحش وإن تقارب رده قال الشافعي كل قراض كان في أصله فاسدا فللمقارض العامل فيه أجر مثله ولرب المال المال وربحه لأنا إذا أفسدنا القراض فلا يجوز أن يجعل إجارة قراض والقراض غير معلوم وقد نهى النبي  عن الإجارة إلا بأمر معلوم قال الشافعي والبيوع وجهان حلال لا يرد وحرام يرد وسواء تفاحش رده أو تباعد والتحريم من وجهين أحدهما خبر لازم والآخر قياس وكل ما قسناه حلالا حكمنا له حكم الحلال في كل حالاته وكل ما قسناه حراما حكمنا له حكم الحرام فلا يجوز أن نرد شيئا حرمناه قياسا من ساعته أو يومه 
ID ' '   وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 

صفحة : 1143


الشرط في القراض 
قال الشافعي رحمه الله لا يجوز أن أقارضك بالشيء جزافا لا أعرفه ولا تعرفه فلما كان هكذا لم يجز أن أقارضك إلى مدة من المدد وذلك أني لو دفعت إليك ألف درهم على أن تعمل بها سنة فبعت بها واشتريت في شهر بيعا فربحت ألف درهم ثم اشتريت بها كنت قد اشتريت بمالي ومالك غير مفرق ولعلي لا أرضى بشركتك فيه واشتريت برأس مال لي لا أعرفه لعلي لو نض لي لم آمنك عليه أو لا أريد أن يغيب عني كله فيجمع أن يكون القراض مجهولا عندي لأني لم أعرف كم رأس مالي ونحن لم نجزه بجزاف ويجمع أنه يزيد على الجزاف أني قد رضيت بالجزاف ولم أرض بأن أقارضك بهذا الذي لم أعرفه 
السلف في القراض 
قال الشافعي رحمه الله وإذا دفع الرجل إلى الرجل مالا قراضا وأبضع منه بضاعة فإن كان عقد القراض على أنه يحمل له البضاعة فالقراض فاسد يفسخ إن لم يعمل فيه فإن عمل فيه فله أجر مثله والربح لصاحب المال وإن كانا تقارضا ولم يشترطا من هذا شيئا ثم حمل المقارض له بضاعة فالقراض جائز ولا يفسخ بحال غير أنا نأمرهما في الفتيا أن لا يفعلا هذا على عادة ولا لعلة مما اعتل به ولو عادا لما ذكرنا كرهناه لهما ولم نفسد به القراض ولا نفسد العقد الذي يحل بشيء تطوعا به وقد مضت مدة العقدة ولا بطر 1 إنما تفسد بما عقدت عليه إلا بما حدث بعدها قال الشافعي أكره منه ما كره مالك أن يأخذ الرجل مالا قراضا ثم يسأل صاحب المال أن يسلفه إياه قال الشافعي وإنما كرهته من قبل أنه لم يبرأ المقارض من ضمانه ولم يعرف المسلف كم أسلف من أجل الخوف 
ID ' '   العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 

صفحة : 1144


المحاسبة في القراض 
قال الشافعي رحمه الله وهذا كله كما قال مالك إلا قوله يحضر المال حتى يحاسبه فإن كان عنده صادقا فلا يضره يحضر المال أو لا يحضره 
مسألة البضاعة 
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال إذا أبضع الرجل من الرجل ببضاعة وتعدى فاشترى بها شيئا فإن هلكت فهو ضامن وإن وضع فيها فهو ضامن وإن ربح فالربح لصاحب المال كله إلا أن يشاء تركه فإن وجد في يده السلعة التي اشتراها بماله فهو بالخيار في أن يأخذ رأس ماله أو السلعة التي ملكت بماله فإن هلكت تلك السلعة قبل أن يختار أحدهما لم يضمن له إلا رأس المال من قبل أنه لم يختر أن يملكها فهو لا يملكها إلا باختياره أن يملكها والقول الثاني وهو أحد قوليه أنه إذا تعدى فاشترى شيئا بالمال بعينه فربح فيه فالشراء باطل والبيع مردود وإن اشترى بمال لا بعينه ثم نقد المال فهو متعد بالنقد والربح له والخسران عليه وعليه مثل المال الذي تعدى فيه فنقده ولصاحب المال إن وجده في يد البائع أن يأخذه فإن تلف المال فصاحب المال مخير إن أحب أخذه من الدافع وهو المقارض وإن أحب أخذه من الذي تلف في يده وهو البائع 
ID ' '   سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 

صفحة : 1145


المساقاة 
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال معنى قوله إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي أن يخرص النخل كأنه خرصها مائة وسق وعشرة أوسق وقال إذا صارت تمرا نقصت عشرة أوسق فصحت منها مائة وسق تمرا فيقول إن شئتم دفعت إليكم النصف الذي ليس لكم الذي أنا قيم بحق أهله على أن تضمنوا لي خمسين وسقا تمرا من تمر يسميه بعينه ولكم أن تأكلوها وتبيعوها رطبا كيف شئتم وإن شئتم فلي أكون هكذا في نصيبكم فأسلم وتسلمون إلى أنصباءكم وأضمن لكم هذه المكيلة قال الشافعي وإذا كان البياض بين أضعاف النخل جاز فيه المساقاة كما تجوز في الأصل وإن كان منفردا عن النخل له طريق غيره لم تجز فيه المساقاة ولم تصح إلا أن يكتري كراء وسواء قليل ذلك وكثيره ولا حد فيه إلا ما وصفت وليس للمساقي في النخل أن يزرع البياض إلا بإذن مالك النخل وإن زرعها فهو متعد وهو كمن زرع أرض غيره قال وإن كان دخل على الإجارة بأن له أن يعمل ويحفظ بأن له شيئا من الثمار قبل أن يبدو صلاح الثمر فالإجارة فاسدةوله أجر مثله فيما عمل وكذلك إن كان يضل على أن يتكلف من المؤنة شيئا غير عمل يديه وتكون أجرته شيئا من الثمار كانت الإجارة فاسدة فإن كان دخل في المساقاة في الحالين معا ورضي رب الحائط أن يرفع عنه من المؤنة شيئا فلا بأس بالمساقاة على هذا قال وكل ما كان مستزادا في الثمرة من اصلاح للمار وطريق الماء وتصريف الجريد وإبار النخل وقطع الحشيش الذي يضر بالنخل أو ينشف عنه الماء حتى يضر بثمرتها جاز شرطه على المساقاة وأما سد الحظار فليس فيه مستزاد لإصلاح في الثمرة ولا يصلح شرطه على المساقي فإن قال فإن أصلح للنخل أن يسد الحظار فكذلك أصلح لها أن يبني عليها حظار لم يكن وهو لا يجيزه في المساقاة وليس هذا الإصلاح من الاستزادة في شيء من النخل إنما هو دفع الداخل قال الشافعي والمساقاة جائزة في النخل والكرم لأن رسول الله  أخذ فيهما بالخرص وساقى على النخل وثمرها مجتمع لا حائل دونه وليس هكذا شيء من الثمر الثمر كله دونه حائل وهو متفرق غير مجتمع ولا تجوز المساقاة في شيء غير النخل والكرم وهي في الزرع أبعد من أن تجوز ولو جازت إذا عجز عنه صاحبه جازت إذا عجز صاحب الأرض عن زرعها أن يزارع فيها على الثلث والربع وقد نهى رسول الله  عنها وقال إذا أجزنا المساقاة قبل أن تكون ثمرا بتراضي رب المال والمساقى في أثناء السنة وقد 
 

صفحة : 1146

 تخطىء الثمرة فيبطل عمل العامل وتكثر فيأخذ أكثر من عمله أضعافا كانت المساقاة إذا بدا صلاح الثمر وحل بيعه وظهر أجوز قال وأجاز رسول الله  المساقاة فأجزناها بإجازته وحرم كراء الأرض البيضاء ببعض ما يخرج منها فحرمناها بتحريمه وإن كانا قد يجتمعان في أنه إنما للعامل في كل بعض ما يخرج النخل أو الأرض ولكن ليس في سنته إلا اتباعها وقد يفترقان في أن النخل شيء قائم معروف أن الأغلب منه أنه يثمر وملك النخل لصاحبه والأرض البيضاء لا شيء فيها قائما إنما يحدث فيها شيء بعد لم يكن وقد أجاز المسلمون المضاربة في المال يدفعه ربه فيكون للمضارب بعض الفضل والنخل أبين وأقرب من الأمان من أن يخطئ من المضاربة وكل قد يخطيء ويقل ويكثر ولم يجز المسلمون أن تكون الإجارة إلا بشيء معلوم ودلت السنة والإجماع أن الإجارات إنما هي شيء لم يعلم إنما هو عمل يحدث لم يكن حين استأجره قال وإذا ساقى الرجل الرجل النخل فكان فيه بياض لا يوصل إلى عمله إلا بالدخول على النخل فكان لا يوصل إلى سقيه إلا بشرب النخل الماء وكان غير متميز يدخل فيسقي ويدخل على النخل جاز أن يساقي عليه مع النخل لا منفردا وحده ولولا الخبر فيه عن النبي  أنه دفع إلى أهل خيبر على أن لهم النصف من النخل والزرع وله النصف فكان الزرع كما وصفت بين ظهراني النخل لم يجز فأما إذا انفرد فكان بياضا يدخل عليه من غير أن يدخل على النخل فلا تجوز المساقاة فيه قليلا كان أو كثيرا ولا يحل فيه إلا الاجارة 
ID ' '   الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 

صفحة : 1147


الشرط في الرقيق والمساقاة 
قال الشافعي رحمه الله ساقى رسول الله  خيبر والمساقون عمالها لا عامل للنبي  فيها غيرهم وإذا كان يجوز للمساقي أن يساقي نخلا على أن يعمل فيه عمال الحائط لأن رب الحائط رضي ذلك جاز أن يشترط رقيقا ليسوا في الحائط يعملون فيه لأن عمل من فيه وعمل من ليس فيه سواء وإن لم تجز إلا بأن يكون على الداخل في المساقاة العمل كله لم يجز أن يعمل في الحائط أحد من رقيقه وجواز الأمرين من أشبه الأمور عندنا والله أعلم قال ونفقة الرقيق على ما تشارطا عليه وليس نفقة الرقيق بأكثر من أجرتهم 
المزارعة 
أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي السنة عن رسول الله  تدل على معنيين أحدهما أن تجوز المعاملة في النخل على الشيء مما يخرج منها وذلك اتباع لسنة رسول الله  وأن الأصل موجود يدفعه مالكه إلى من عامله عليه أصلا يتميز ليكون للعامل بعمله المصلح للنخل بعض الثمرة ولرب المال بعضها وإنما أجزنا المقارضة قياسا على المعاملة على النخل ووجدنا رب المال يدفع ماله إلى المقارض يعمل فيه المقارض فيكون له بعمله بعض الفضل الذي يكون في المال المقارضة لولا القياس على السنة والخبر عن عمر وعثمان رضي الله عنهما بإجازتها أولى أن لا تجوز من المعاملة على النخل وذلك أنه قد لا يكون في المال فضل كبير وقد يختلف الفضل فيه اختلافا متباينا وأن ثمر النخل قلما يتخلف وقلما يختلف فإذا اختلفت تقارب اختلافها وإن كانا قد يجتمعان في أنهما مغيبان معا يكثر الفضل فيهما ويقل ويختلف وتدل سنة رسول الله  على أن لا تجوز المزارعة على الثلث ولا الربع ولا جزء من أجزاء وذلك أن المزارع يقبض الأرض بيضاء لا أصل فيها ولا زرع ثم يستحدث فيها زرعا والزرع ليس بأصل والذي هو في معنى المزارعة الإجارة ولا يجوز أن يستأجر الرجل الرجل على أن يعمل له شيئا إلا بأجر معلوم يعلمانه قبل أن يعمله المستأجر لما وصفت من السنة وخلافها للأصل والمال يدفع وهذا إذا كان النخل منفردا والأرض للزرع منفردة ويجوز كراء الأرض للزرع بالذهب والفضة والعروض كما يجوز كراء المنازل وإجارة العبيد والأحرار وإذا كان النخل منفردا فعامل عليه رجل وشرط أن يزرع ما بين ظهراني النخل على المعاملة وكان ما بين ظهراني النخل لا يسقى إلا من ماء النخل ولا يوصل إليه إلا من حيث 
 

صفحة : 1148

 يوصل إلى النخل كان هذا جائزا وكان في حكم ثمرة النخل ومنافعها من الجريد والكرانيف وإن كان الزرع منفردا عن النخل له طريق يؤتي منها أو ماء يشرب متى شربه لا يكون شربه ريا للنخل ولا شرب النخل ريا له لم تحل المعاملة عليه وجازت إجارته وذلك أنه في حكم المزارعة لاحكم المعاملة على الأصل وسواء قل البياض في ذلك أو كثر فإن قال قائل ما دل على ما وصفت وهذا مزارعة قيل كانت خيبر نخلا وكان الزرع فيها كما وصفت فعامل النبي  أهلها على الشطر من الثمرة والزرع ونهى في الزرع المنفرد عن المعاملة فقلنا في ذلك اتباعا وأجزنا ما أجاز ورددنا ما رد وفرقنا بفرقه عليه الصلاة والسلام بينهما وما به يفترقان من الافتراق أو بما وصفت فلا يحل أن تباع ثمرة النخل سنين بذهب ولا فضة ولا غير ذلك أخبرنا ابن عيينة عن حميد بن قيس عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله أن رسول الله  نهى عن بيع السنين أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي  مثله أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول نهيت ابن الزبير عن بيع النخل معاومة قال الشافعي وإذا اشترك الرجلان من عند أحدهما الأرض ومن عندهما معا البذر ومن عندهما معا البقر أو من عند أحدهما ثم تعاملا على أن يزرعا أو يزرع أحدهما فما أخرجت الأرض فهو بينهما نصفان أو لأحدهما فيه أكثر مما للاخر فلا تجوز المعاملة في هذا إلا على معنى واحد أن يبذرا معا ويمونان الزرع معا بالبقر وغيره مؤنة واحدة ويكون رب الأرض متطوعا بالأرض لرب الزرع فأما على غير هذا الوجه من أن يكون الزارع يحفظ أو يمون بقدره ما سلم له رب الأرض فيكون البقر من عنده أو الآلة أو الحفظ أو ما يكون صلاحا من صلاح الزرع فالمعاملة على هذا فاسدة فإن ترافعاها قبل أن يعملا فسخت وإن ترافعاها بعدما يعملان فسخت وسلم الزرع لصاحب البذر وإن كان البذر منهما معا فلكل واحد منهما نصفه وإن كان من أحدهما فهو للذي له البذر ولصاحب الأرض كراء مثلها وإن كان البقر من العامل أو الحفظ أو الإصلاح للزرع ولرب الأرض من البذر شيء أعطيناه من الطعام حصته ورجع الحافظ وصاحب البقر على رب الأرض بقدر ما يلزم حصته من الطعام من قيمة عمل البقر والحفظ وما أصلح به الزرع فإن أرادا أن يتعاملا من هذا على أمر يجوز لهما تعاملا على ما وصفت أولا وإن أرادا أن يحدثا غيره تكارى رب الأرض من رب البقر بقره وآلته وحرائه أياما معلومة بأن يسلم إليه نصف الأرض أو أكثر يزرعها وقتا 
 

صفحة : 1149

 معلوما فتكون الإجارة في البقر صحيحة لأنها أيام معلومة كما لو ابتدئت إجارتها بشيء معلوم ويكون ما أعطاه من الأرض بكراء صحيح كما لو ابتدأ كراءه بشيء معلوم ثم إن شاءا أن يزرعا ويكون عليهما مؤنة صلاح الزرع مستويين فيها حتى يقسما الزرع كان هذا جائزا من قبل أن كل واحد منهما زرع أرضا له زرعها ويبذر له فيها ما أخرج ولم يشترط أحدهما على الآخر فضلا عن بذره ولا فضلا في الحفظ فتنعقد عليه الإجارة فتكون الإجارة قد انعقدت على ما يحل من المعلوم وما لا يحل من المجهول فيكون فاسدا قال ولا بأس لو كان كراء الأرض عشرين دينارا وكراء البقر دينارا أو مائة دينار فتراضيا بهذا كما لا يكون بأس بأن أكريك بقري وقيمة كرائها مائة دينار بأن يخلي بيني وبين أرض أزرعها سنة قيمة كرائها دينار أو ألف دينار لأن الإجارة بيع ولا بأس بالتغابن في البيوع ولا في الإجارات وإن اشتركا على أن البقر من عند أحدهما والأرض من عند الآخر كان كراء الأرض ككراء البقر أو أقل أو أكثر والزرع بينهما فالشركة فاسدة حتى يكون عقدها على استئجار البقر أياما معلومة وعملا معلوما بأرض معلومة لأن الحرث يختلف فيقل ويكثر ويجود ويسوء ولا يصلح إلا بمثل ما تصلح به الإجارات على الانفراد فإذا زرعا على هذا والبذر من عندهما فالبذر بينهما نصفان ويرجع صاحب البقر على صاحب الأرض بحصته من الأرض بقدر ما أصابها من العمل ويرجع صاحب الأرض على صاحب الزرع بحصة كراء ما زرع من أرضه قل أو كثر الزرع أو عل أو احترق فلم يكن منه شيء 
ID ' '   سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 

صفحة : 1150


الإجارة وكراء الأرض 
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي لا بأس أن يكرى الرجل أرضه ووكيل الصدقة أو الإمام الأرض الموقوفة أرض الفيء بالدراهم والدنانير وغير ذلك من طعام موصوف يقبضه قبل أن يتفرقا وكذلك جميع ما أجرها به ولا بأس أن يجعل له أجلا معلوما وأن يفارق صاحبه قبل أن يقبضه وإن لم يكن له أجل معلوم والإجارة في هذا مخالفة لما سواها غير أني أحب إذا اكتريت أرضا بشيء مما يخرج مثله من مثلها أن يقبض ولو لم يقبض لم أفسد الكراء من أجل أنه إنما يصلح أن يؤجرها بطعام موصوف وهذه صفة بلا عين فقد لا تخرج من تلك الصفة وقد تخرجها ويكون لرب الأرض أن يعطيه تلك الصفة من غيرها فإذا كان ذلك الدين في ذمته بصفة فلا بأس من أين أعطاه وهذا خلاف المزارعة المزارعة أن تكرى الأرض بما يخرج منها ثلث أو ربع أو أقل أو أكثر وقد يخرج ذلك قليلا وكثيرا فاسدا وصحيحا وهذا فاسد بهذه العلة قال وإذا تقبل الرجل الأرض من الرجل سنين ثم أعارها رجلا أو أكراها إياه فزرع فيها الرجل فالعشر على الزارع والقبالة على المتقبل وهكذا أرض الخراج إذا تقبلها رجل من الوالي فقبالتها عليه فإن زرعها غيره بأمره بعارية أو كراء فالعشر على الزارع والقبالة على المتقبل ولو كان المتقبل زرعها كان على المتقبل القبالة والعشر في الزرع إن كان مسلما وإن كان ذميا فزرع أرض الخراج فلا عشر عليه وكذلك لو كانت له أرض صلح فزرعها لم يكن عليه عشر في زرعها لأن العشر زكاة ولا زكاة إلا على أهل الإسلام ولا أعرف ما يذهب إليه بعض الناس في أرض السواد بالعراق من أنها مملوكة لأهلها وأن عليهم خراجا فيها فإن كانت كما ذهب إليه فلو عطلها ربها أو هرب أخذ منه خراجها إلا أن يكون صلحه على غير هذا فيكون على ما صالح عليه قال ولو شرط رب الأرض أو متقبلها أو والي الأرض المتصدق بها أن الزارع لها له زرعه مسلما لا عشر عليه فيه فالعشر عليه من أجل أنها مزارعة فاسدة لأن العشر إنما هو على الزارع وقد يقل ويكثر فإذا ضمن عنه مالا يعرف فسدت الإجارة فإن أدركت قبل أن يزرع فسخت الإجارة وإن أدركت بعد ما يزرع فله زرعه وعليه كراء مثل الأرض ذهبا أو فضة بالأغلب من نقد البلد الذي تكاراها به كان ذلك أقل مما أكراه به أو أكثر قال وإذا كانت الأرض عنوة فتقبلها رجل فعجز عن عمارتها وأداء خراجها قيل له إن أديت خراجها تركت في يديك وإن لم تؤده فسخت عنك وكنت مفلسا وجد عين المال عنده ودفعت إلى من يؤدي خراجها قال وللعامل على العشر مثل 
 

صفحة : 1151

 ماله على الصدقات لأن كليهما صدقة فله بقدر أجر مثله على كل واحد منهما أو على أيهما عمل قال وإذا فتحت الأرض عنوة فجميع ما كان عامرا فيها للذين فتحوها وأهل الخمس فإن تركوا حقوقهم منها لجماعة المسلمين فذلك لهم وما كان من أرض العنوة مواتا فهو لمن أحياه من المسلمين لأنه كان وهو غير مملوك لمن فتح عليه فيملك بملكه وقد قال رسول الله  من أحيا مواتا فهو له ولا يترك ذمي يحييه لأن رسول الله  جعله لمن أحياه من المسلمين فلا يكون للذمي أن يملك على المسلمين ما تقدم من رسول الله  أنه ملك لمن أحياه منهم وإذا كان فتحها صلحا فهو على ما صالحوا عليه 
كراء الأرض البيضاء 
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي ولا بأس بكراء الأرض البيضاء بالذهب والورق والعروض وقول سالم بن عبد الله اكتر ورافع لم يخالفه في أن الكراء بالذهب والورق لا بأس به إنما روى عن النبي  النهي عن كرائها ببعض ما يخرج منها ولا بأس أن يكري الرجل أرضه البيضاء بالتمر وبكل ثمرة يحل بيعها إلا أن من الناس من كره أن يكريها ببعض ما يخرج منها ومن قال هذا القول قال إن زرعت حنطة كرهت كراءها بالحنطة لأنه نهى أن يكون كراؤها بالثلث والربع وقال غيره كراؤها بالحنطة وإن كانت إلى أجل غير ما يخرج منها لأنها حنطة موصوفة لا يلزمه إذا جاء بها على صفة أن يعطيه مما يخرج من الأرض ولو جاءت الأرض بحنطة على غير صفتها لم يكن للمكتري أن يعطيه غير صفته وإذا تعجل المكري الأرض كراءها من الحنطة فلا بأس بذلك في القولين معا قال ولا تكون المساقاة في الموز ولا القصب ولا يحل بيعهما إلى أجل لا يحل بيعهما إلا أن يريا القصب جزة والموز بجناه ولا يحل أن يباع ما لم يخلق منهما وإذا لم يحل أن يبيعهما مثل أن يكونا بصفة لم يحل أن يباع منهما ما لم يكن منهما بصفة ولا غير صفة لأنه في معنى ما كرهنا وأزيد منه لأنه لم يخلق قط ولا بأس أن يتكارى الرجل الأرض للزرع بحنطة أو ذرة أو غير ذلك مما تنبت الأرض أولا تنبته مما يأكله بنو آدم أو لا يأكلونه مما تجوز به إجارة العبد والدار إذا قبض ذلك كله قبل دفع الأرض أو مع دفعها كل ما جازت به الإجارة في البيوت والرقيق جازت به الإجارة في الأرض قال وإنما نهى رسول الله  عن المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض فيما روى عنه فأما ما أحاط العلم أني قد قبضته ودفعت الأرض إلى صاحبها فليس في معنى ما نهى النبي  عنه إنما معنى ما نهى 
 

صفحة : 1152

 النبي  عنه أن تكون الإجارة بشيء قد يكون الأشياء ويكون ألفا من الطعام ويكون إذا كان جيدا أو رديئا غير موصوف وهذا يفسد من وجهين إذا كان إجارة من وجه أنه مجهول الكيل والإجارة لا تحل بهذا ومن وجه أنه مجهول الصفة ولو كان معروف الكيل وهو مجهول الصفة لم تحل الإجارة بهذا فأما ما فارق هذا المعنى فلا بأس به ولو شرط الإجارة إلى أجل ولم يسم لها أجلا ولم يتقابضا كانت الإجارة من طعام لا تنبته الأرض أو غيره من نبات الأرض أو هو مما تنبت الأرض غير الطعام أو عرض أو ذهب أو فضة فلا بأس بالإجارة إذا قبض الأرض وإن لم يقبض الإجارة كانت إلى أجل أو غير أجل وإن شرطها بشيء من الطعام مكيل مما تخرجه الأرض كرهته احتياطا ولو وقع الأجر بهذا وكان طعاما موصوفا ما أفسدته من قبل أن الطعام مكيل معلوم الكيل موصوف معلوم الصفة وأنه لازم للمستأجر أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرجه وقد تخرج الأرض طعاما بغير صفته فلا يلزم المستأجر أن يدفعه ويدفعه بالصفة فعلى هذا الباب كله وقياسه قال الشافعي إذا تكارى الرجل الأرض ذات الماء من العين أو النهر نيل أو غير نيل أو الغيل أو الآبار على أن يزرعها غلة الشتاء والصيف فزرعها إحدى الغلتين والماء قائم ثم نضب الماء فذهب قبل الغلة الثانية فأراد رد الأرض بذهاب الماء فذلك له ويكون عليه من الكراء بحصة ما زرع إن كانت حصة الزرع الذي حصد الثلث أو النصف أو الثلثين أو أقل أو أكثر أدى ذلك وسقطت عنه حصة الزرع الثاني الذي انقطع الماء قبل أن يكون وهذا مثل الدار يكتريها فيسكنها بعض السنة ثم تنهدم في آخرها فيكون عليه حصة ما سكن وتبطل عنه حصة ما لم يقدر على سكنه فالماء إذا كان لاصلاح للرزع إلا به كالبناء الذي لا صلاح للمسكن إلا به وإذا تكارى من الرجل الأرض السنة على أن يزرعها ما شاء فزرعها وانقضت السنة وفيها زرع لم يبلغ أن يحصد فإن كانت السنة قد يمكنه فيها أن يزرع زرعا يحصد قبلها فالكراء جائز وليس لرب الزرع أن يثبت زرعه وعليه أن ينقله عن رب الأرض إلا أن يشاء رب الأرض تركه قرب ذلك أو بعد لا خلاف في ذلك وإن كان شرط أن يزرعها صنفا من الزرع يستحصد أو يستقصل قبل السنة فأخره إلى وقت من السنة وانقضت السنة قبل بلوغه فكذلك أيضا وإن تكاراها مدة هي أقل من سنة وشرط أن يزرعها شيئا بعينه ويتركه حتى يستحصد فكان يعلم أنه لا يمكنه أن يستحصد في مثل هذه المدة التي تكاراها إليها فالكراء فاسد من قبل أني أثبت بينهما شرطهما ولو أثبت على رب الأرض أن يبقى زرعه فيها بعد انقطاع المدة أبطل 
 

صفحة : 1153

 شرط رب الزرع أن يتركه حتى يستحصد وإن أثبت له زرعه حتى يستحصد أبطلت شرط رب الأرض فكان هذا كراء فاسدا ولرب الأرض كراء مثل أرضه إذا زرع وعليه ترك الزرع حتى يستحصد وإن ترافعا قبل يزرع فسخت الكراء بينهما وإذا تكارى الرجل من الرجل الأرض التي لا ماء لها والتي إنما تسقى بنطف السماء أو السيل إن حدث فلا يصلح كراؤها إلا على أن يكريه إياها أرضا بيضاء لا ماء لها يصنع بها المكتري ما شاء في سنة إلا أنه لا يبني ولا يغرس فيها وإذا وقع على هذا الكراء صح فإذا جاءه ماء من سيل أو مطر فزرع عليه أو لم يزرع أو لم يأته ماء فالكراء له لازم وكذلك إن كان شرطه أن يزرعها وقد يمكنه زرعها عثريا بلا ماء أو يمكنه أن يشتري لها ماء من موضع فأكراه إياها أرضا بيضاء لا ماء لها على أن يزرعها إن شاء أو يفعل بها ما شاء صح الكراء ولزمه زرع أو لم يزرع وإن أكراه إياها على أن يزرعها ولم يقل أرضا بيضاء لا ماء لها وهما يعلمان أنها لا تزرع إلا بمطر أو سيل يحدث فالكراء فاسد في هذا كله فإن زرعها فله ما زرع وعليه أجر مثلها وقال الربيع فإن قال قائل لم أفسدت الكراء في هذا قيل من قبل أنه قد لا يجيء الماء عليها فيبطل الكراء وقد يجيء فيتم الكراء فلما كان مرة يتم ومرة لا يتم بطل الكراء قال الشافعي وإذا تكارى الرجل الأرض ذات النهر مثل النيل وغيره مما يعلو الأرض على أن يزرعها زرعا هو معروف أن ذلك الزرع لا يصلح إلا بأن يرويها النيل لا يتركها ولا تشرب غيره كرهت هذا الكراء وفسخته إذا كانت الأرض بيضاء ثم لم يصح حتى يعلو الماء الأرض علوا يكون ريا لها أو يصلح به الزرع بحال فإذا تكوريت ريا بعد نضوب الماء فالكراء صحيح لازم للمكتري زرع أو لم يزرع قل ما يخرج من الزرع أو كثر وإن تكاراها والماء قائم عليها وقد ينحسر لا محالة في وقت يمكن فيه الزرع فالكراء فيه جائز وإن كان قد ينحسر ولا ينحسر كرهت الكراء إلا بعد انحساره وكل شيء أجزت كراءه أو بيعه أجزت النقد فيه وإن تكارى الرجل الأرض للزرع فزرعها أو لم يزرعها حتى جاء عليها النيل أو زاد أو أصابها شيء يذهب الأرض انتقض الكراء بين المستأجر ورب الأرض من يوم تلفت الأرض ولو كان بعض الأرض تلف وبعض لم يتلف ولم يزرع فرب الزرع بالخيار إن شاء أخذ ما بقي بحصته من الكراء وإن شاء ردها لأن الأرض لم تسلم له كلها وإن كان زرع أبطل عنه ما تلف ولزمته حصة ما زرع من الكراء وهكذا كراء الدور وأثمان المتاع والطعام إذا جمعت الصفقة منه مائة صاع بثمن معلوم فتلف خمسون صاعا فالمشتري بالخيار في 
 

صفحة : 1154

 أن يأخذ الخمسين بحصتها من الثمن أو يرد البيع لأنه لم يسلم له كله كما اشترى قال الشافعي وإذا اكترى الرجل الأرض من الرجل بالكراء الصحيح ثم أصابها غرق منعه الزرع أو ذهب بها سيل أو غصبها فحيل بينه وبينها سقط عنه الكراء من يوم أصابها ذلك وهي مثل الدار يكتريها سنة ويقبضها فتهدم في أول السنة أو آخرها والعبد يستأجره السنة فيموت في أول السنة أو آخرها فيكون عليه من الاجارة بقدر ما سكن واستخدم ويسقط عنه ما بقي وإن أكراه أرضا بيضاء يصنع فيها ما شاء أو لم يذكر أنه اكتراها للزرع ثم انحسر الماء عنها في أيام لا يدرك فيها زرعا فهو بالخيار بين أن يأخذ ما بقي بحصته من الكراء أو يرده لأنه قد انتقص مما اكترى وكذلك إن اكتراها للزرع وكراؤها للزرع أبين في أن له أن يردها إن شاء وإن كان مر بها ماء فأفسد زرعه أو أصابه حريق أو ضريب أو جراد أو غير ذلك فهذا كله جائحة على الزرع لا على الأرض فالكراء له لازم فإن أحب أن يجدد زرعا جدده إن كان ذلك يمكنه وإن لم يمكنه فهذا شيء أصيب به في زرعه لم تصب به الأرض فالكراء له لازم وهذا مفارق للجائمة في الثمرة يشتريها الرجل فتصيبها الجائمة في يديه قبل أن يمكنه جدادها ومن وضع الجائمة ثم انبعنى أن لا يضعها ههنا فإن قال قائل إذا كانتا جائحتين فما بال إحداهما توضع والأخرى لا توضع فإن من وضع الجائحة الأولى فإنما يضعها بالخبر وبأنه إذا كان البيع جائزا في شراء الثمرة إذا بدا صلاحها وتركها حتى تجد فإنما ينزلها بمنزلة الكراء الذي يقبض به الدار ثم تمر به أشهر ثم تتلف الدار فيسقط عنه الكراء من يوم تلفت وذلك أن العين التي اكترى واشترى تلفت وكان الشراء في هذا الموضع إنما يتم بسلامته إلى أن يجد والمكتري الأرض لم يشتر من رب الأرض زرعا إنما اكترى أرضا ألا ترى أنه لو تركها فلم يزرعها حتى تمضي السنة كان عليه كراؤها ولو أراد أن يزرعها بشيء يقيم تحت الأرض حتى لو مر به سيل لم ينزعه كان ذلك له ولو تكاراها حتى إذا استحصدت فأصاب الأرض حريق فاحترق الزرع لم يرجع على رب الأرض بشيء من قبل أنه لم يتلف شيء كان أعطاه إياه إنما تلف شيء يضعه الزراع من ماله كما لو تكارى منه دارا للبر فاحترق البر ولا مال له غيره وبقيت الدار سالمة لم ينتقص سكنها كان الكراء له لازما ولم يكن احتراق المتاع من معنى الدار بسبيل وإذا تكارى الرجل من الرجل الأرض سنة مسماة أو سنته هذه فزرعها وحصد وبقي من سنته هذه شهر أو أكثر أو أقل لم يكن لرب الأرض أن يخرجها من يده حتى تكمل سنته ولا يكون له أن يأخذ جميع الكراء إلا باستيفاء المكتري جميع السنة 
 

صفحة : 1155

 وسواء كانت الأرض أرض المطر أو أرض السقي لأنه قد يكون فيها منافع من زرع وعثرى وسيل ومطر ولا يؤيس من المطر على حال والمنافع سوى هذا لا يمنعها المكتري وإذا استأجر الرجل من الرجل الأرض ليزرعها قمحا فأراد أن يزرعها شعيرا أو شيئا من الحبوب سوى القمح فإن كان الذي أراد أن يزرعه لا يضر بالأرض إضرارا أكثر من إضرار ما شرط أنه يزرع ببقاء عروقه في الأرض أو إفساده الأرض بحال من الأحوال فله زرعها ما أراد بهذا المعنى كما يكتري منه الدار على أن يسكنها فيسكنها مثله وإن كان ما أراد زرعها ينقصها بوجه من الوجوه أكثر من نقص ما اشترط أن يزرعها لم يكن له زرعها فإن زرعها فهو متعد ورب المال بالخيار بين أن يأخذ منه الكراء الذي سمي له وما نقص زرعه الأرض عما ينقصها الزرع الذي شرط له أو يأخذ منه كراء مثلها في مثل ذلك الزرع وإن كان قائما في وقت يمكنه فيه الزرع كان لرب الأرض قطع زرعه إن شاء ويزرعها المكتري مثل الزرع الذي شرط له أو ما لا يضر أكثر من إضراره وإذا تكارى الرجل من الرجل البعير ليحمل عليه خمسمائة رطل قرطا فحمل عليه خمسمائة رطل حديد أو تكارى ليحمل عليه حديدا فحمل عليه قرطا بوزنه فتلف البعير فهو ضامن من قبل أن الحديد يستجمع على ظهره استجماعا لا يستجمعه القرط فبهذه يتلف وأن القرط ينتشر على ظهر البعير انتشارا لا ينتشره الحديد فيعمه فيتلف وأصل هذا أن ينظر إذا اكترى منه بعيرا على أن يحمل عليه وزنا من شيء بعينه فحمل عليه وزنه من شيء غيره فإن كان الشيء الذي حمل عليه يخالف الشيء الذي شرط أن يحمله حتى يكون أضر بالبعير منه فتلف ضمن وإن كان لا يكون أضر به منه وكان مثله أو أحرى أن لا يتلف البعير فحمله فتلف لم يضمن وكذلك إن تكارى دابة ليركبها فحمل عليها غيره مثله في الخفة أو أخف منه فهكذا لا يضمن وإن كان أثقل منه فتلف ضمن وإن كان أعنف ركوبا منه وهو مثله في الخفة فانظر إلى العنف فإن كان العنف شيئا ليس كركوب الناس وكان متلفا ضمن وإن كان كركوب الناس لم يضمن وذلك إن أركب الناس قد يختلف بركوب ولا يوقف للركوب على حد إلا أنه إذا فعل في الركوب ما يكون خارجا به من ركوب العامة ومتلفا فتلف الدابة ضمن وإذا تكارى الرجل من الرجل أرضا عشر سنين على أن يزرع فيها ما شاء فلا يمنع من شيء من الزرع بحال فإن أراد الغراس فالغراس غير الزرع لأنه يبقى فيها بقاء لا يبقاه الزرع ويفسد منها ما لا يفسد الزرع فإن تكاراها مطلقة عشر سنين ثم اختلفا فيما يزرع فيها أو يغرس كرهت الكراء وفسخته ولا يشبه 
 

صفحة : 1156

 هذا السكن السكن شيء على وجه الأرض وهذا شيء على وجهها وبطنها فإذا تكاراها على أن يغرس فيها ويزرع ما شاء ولم يزد على ذلك فالكراء جائز وإذا انقضت سنوه لم يكن لرب الأرض قلع غراسه حتى يعطيه قيمته في اليوم الذي يخرجه منها قائما على أصوله وبثمره إن كان فيه ثمر ولرب الغراس إن شاء أن يقلعه على أن عليه إذا قلعه ما نقص الأرض والغراس كالبناء إذا كان بإذن مالك الأرض مطلقا لم يكن لرب الأرض أن يقلع البناء حتى يعطيه قيمته قائما في اليوم الذي يخرجه قال الشافعي وإذا استأجر الرجل من الرجل الأرض يزرعها وفيها نخلة أو مائة نخلة أو أقل أو أكثر وقد رأى ما استأجر منه من البياض زرع في البياض ولم يكن له من ثمر النخل قليل ولا كثير وكان ثمر النخل لرب النخل ولو استأجرها منه بألف دينار على أن له ثمر نخلة يسوي درهما أو أقل أو أكثر كانت الإجارة فاسدة من قبل أنها انعقدت عقدة واحدة على حلال ومحرم فالحلال الكراء والحرام ثمر النخلة إذا كان هذا قبل أن يبدو صلاحه وإن كان بعد ما يبدو صلاحه فلا بأس به إذا كانت النخلة بعينها قال الشافعي وسواء في هذا كثر الكراء في الأرض أو الدار وقلت الثمرة أو كثرت أو قل الكراء كما كان لا يحل أن تباع ثمرة نخلة قبل أن يبدو صلاحها وكان هذا فيها محرما كما هو في ألف نخلة وكذلك إذا وقعت الصفقة على بيعه قبل يبدو صلاحه بحال لأن الذي يحرم كثيرا يحرم قليلا وسواء كانت النخلة صنوانا واحدا في الأرض أو مجتمعة في ناحية أو متفرقة قال الشافعي وإذا تكارى الرجل الدار أو الأرض إلى سنة كراء فاسدا فلم يزرع الأرض ولم ينتفع بها ولم يسكن الدار ولم ينتفع بها إلا أنه قد قبضها عند الكراء ومضت السنة لزمه كراء مثلها كما كان يلزمه إن انتفع بها ألا ترى أن الكراء لو كان صحيحا فلم ينتفع بواحدة منهما حتى تمضي سنة لزمه الكراء كله من قبل أنه قبضه وسلمت له منفعته فترك حقه فيها فلا يسقط ذلك حق رب الدار عليه فلما كان الكراء الفاسد إذا انتفع به المكتري يرد إلى كراء مثله كان حكم كراء مثله في الفاسد كحكم الكراء الصحيح وإذا تكارى الرجل من الرجل الدار سنة فقبضها المكتري ثم غصبه إياها من لا يقوى عليه سلطان أو من يرى أنه يقوى عليه سلطان فسواء لا كراء عليه في واحد منهما ولو أراد المكتري أن يكون خصما للغاصب لم يكن له خصما إلا بوكالة من رب الدار وذلك أن الخصومة للغاصب إنما تكون في رقبة الدار فلا يجوز أن يكون خصما في الدار إلا رب الدار أو وكيل لرب الدار والكراء لا يسلم للمكتري إلا بأن يكون المكري مالكا للدار والمكتري لم يكتر على أن 
 

صفحة : 1157

 يكون خصما لو كان ذلك جائزا له أرأيت لو خاصمه فيها سنة فلم يتبين للحاكم أن يحكم بينهما أتجعل على المكتري كراء ولم يسلم له أم تجعل للمخاصم إجارة على رب الدار في عمله ولم يوكله أو رأيت لو أقر رب الدار بأنه كان غصبها من الغاصب ألا يبطل الكراء أو رأيت لو أقر المتكاري أن رب الدار غصبها من الغاصب أيقضي على رب الدار أنه غاصب بإقرار غير مالك ولا وكيل فهل يعدو المكتري إذا قبض الدار ثم غصبت أن يكون الغصب على رب الدار ولم تسلم للمكتري المنفعة بلا مؤنة عليه كما اكترى فإن كان هذا هكذا فسواء غصبها من لا يقوى عليه سلطان أو من يقوى عليه سلطان ولا يكون عليه كراء لأنه لم تسلم له المنفعة أو يكون الغصب على المكتري دون رب الدار ويكون ذلك شيئا أصيب به المكتري كما يصاب ماله فيلزمه الكراء غصبها إياه من يقوى عليه السلطان أو من لا يقوى عليه وإذا ابتاع الرجل من الرجل العبد ودفع إليه الثمن أو لم يدفعه وافترقا عن تراض منهما ثم مات العبد قبل أن يقبضه المشتري وإن لم يحل البائع بينه وبينه كان حاضرا عندهما قبل البيع وبعده حتى توفي العبد فالعبد من مال البائع لا من مال المبتاع وإن حدث بالعبد عيب كان المبتاع بالخيار بين أن يقبض العبد أو يرده وكذلك لو اشتراه وقبضه كان الثمن دارا أو عبدا أو ذهبا بأعيانها أو عرضا من العروض فتلف الذي ابتاع به العبد مما وصفنا في يدي مشتري العبد كان البيع منتقضا وكان من مال مالكه فإن قال قائل قد هلك هذا العبد وهذا العرض ثم لم يحدث واحد منهما حولا بينه وبين ملكه إياه فكيف يكون من مال البائع حتى يسلمه للمبتاع فقيل له بالأمر البين مما لا يختلف الناس فيه من أن من كان بيده ملك لرجل مضمونا عليه أن يسلمه إليه من دين عليه أو حق لزمه من وجه من الوجوه أرش جناية أو غيرها أو غصب أو أي شيء ما كان فأحضره ليدفع إلى مالكه حقه فيه عرضا بعينه أو غير عينه فهلك في يده لم يبرأ بهلاكه في يده وإن لم يحل بينه وبين صاحبه وكان ضمانه منه حتى يسلمه إليه ولو أقاما بعد إحضاره إياه في مكان واحد يوما واحدا أو سنة أو أقل أو أكثر لأن ترك الحول بغير الدفع لا يخرج من عليه الدفع إلا بالدفع فكان أكثر ما على المتبايعين أن يسلم هذا ما باع وهذا ما اشترى به فلما لم يفعلا لم يخرجا من ضمان بحال وقال الله جل وعلا وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فلو أن امرءا نكح امرأة واستخزنها ماله ولم يحل بينها وبين قبض صداقها ولم يدفعه إليها لم يبرأ منه بأن يكون واجدا له وغير حائل دونه وأن تكون واجدة له غير محول بينها وبينه وقال الله عز وجل وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلو أن امرءا 
 

صفحة : 1158

 أحضر مساكين وأخبرهم أن لهم في ماله دراهم أخرجها بأعيانها من زكاة ماله فلم يقبضوها ولم يحل بينهم وبينها لم تخرج من أن تكون مضمونة عليه حتى يؤديها ولو تلفت في يده تلفت من ماله وكذلك لو تطهر للصلاة وقام يريدها ولا يصليها لم يخرج من فرضها حتى يصليها ولو وجب عليه أن يقتص من نفسه من دم أو جرح فأحضر الذي له القصاص وخلى بينه وبين نفسه أو خلى الحاكم بينه وبينه فلم يقتص ولم يعف لم يخرج هذا مما عليه من القصاص ثم لا يخرج أحدهما مما قبله إلا بأن يؤديه إلى من هو له أو يعفوه الذي هو له وهكذا أصل فرض الله جل وعز في جميع ما فرض قال الله عز وجل ودية مسلمة إلى أهله فجعل التسليم الدفع لا الوجود وترك الحول والدفع وقال في اليتامى فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم وقال لنبيه  وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ففرض على كل من صار إليه حق لمسلم أو حق له أن يكون مؤديه وأداؤه دفعه لا ترك الحول دونه وسواء دعاه إلى قبضه أو لم يدعه ما لم يبرئه منه فيبرأ منه بالبراءة أو بقبضه منه في مقامه أو غير مقامه ثم يودعه إياه وإذا قبضه ثم أودعه إياه فضمانه من مالكه قال الربيع يريد القابض له وهو المشتري قال الشافعي وإذا اكترى الرجل من الرجل الأرض أو الدار كراء صحيحا بشيء معلوم سنة أو أكثر ثم قبض المكتري ما اكترى فالكراء له لازم فيدفعه حين يقبضه إلا أن يشترطه إلى أجل فيكون إلى أجله فإن سلم له ما اكترى فقد استوفى وإن تلف رجع بما قبض منه من الكراء كله فيما لم يستوف فإن قال قائل فكيف يجوز أن يكون يدفع إليه الكراء كله ولعل الدار أن تتلف أو الأرض قبل أن يستوفي قيل لا أعلم يجوز غير هذا من أن تكون الدار التي ملك منفعتها مدفوعة إليه فيستوفي المنفعة في المدة التي شرطت له وأولى الناس أن يقول بهذا من زعم أن الجائحة موضوعة وقد دفع البائع الثمرة إلى المشتري ولو شاء المشتري أن يقطعها كلها قطعها فلما كان المشتري إذا تركها إلى أوان يرجو أن تكون خيرا له فتلف رجع بحصة ما تلف كان في الدار التي لا يقدر على قبض منفعتها إلا في مدة تأتي عليها أولى أن يجعل الثمن للمكري حالا كما يجعله للثمرة إلا أن يشترطه إلى أجل فإن قال قائل من قال هذا قيل له عطاء بن أبي رباح وغيره من المكيين فإن قال فما حجتك على من قال من المشرقيين إذا تشارطا فهو على شرطهما وإن لم يتشارطا فكلما مر عليه يوم له حصة من الكراء كان عليه أن يدفع كراء يومه قيل له من قال هذا لزمه في أصل قوله أن يجيز الدين بالدين إذا لم يقل كما قلنا إن الكراء يلزم بدفع الدار لأنه لا يوجد في هذا أبدا دفع غيره وقال 
 

صفحة : 1159

 المنفعة تأتي يوما بعد يوم فلا أجعل دفع الدار يكون في حكم دفع المنفعة قيل فالمنفعة دين لم يأت والمال دين لم يأت وهذا الدين بالدين وسواء كانت أرض نيل أو غيرها أو أرض مطر قال وإذا تكارى الرجل المسلم من الذمي أرض عشر أو خراج فعليه فيما أخرجت من الزرع الصدقة فإن قال قائل فما الحجة في هذا قيل لما أخذ النبي  الصدقة من قوم كانوا يملكون أرضهم من المسلمين وهذه أرض من زرعها من المسلمين فإنما زرع مالا يملك من الأرض وما كان أصله فيئا أو غنيمة فإن الله جل ذكره خاطب المؤمنين بأن قال لنبيه  خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وخاطبهم بأن قال وآتوا حقه يوم حصاده فلما كان الزرع مالا من مال المسلم والحصاد حصاد مسلم تجب فيه الزكاة وجب عليه ما كان لا يملك رقبة الأرض فإن قال فهل من شيء توضحه غير هذا قيل نعم الرجل يتكارى من الرجل الأرض أو يمنحه إياها فيكون عليه في زرعها الصدقة كما يكون عليه لو زرع أرض نفسه فإن قال فهذه لمالك معروف قيل فكذلك يتكارى في الأرض الموقوفة على أبناء السبيل وغيرهم ممن لا يعرف بعينه وإنما يعرف بصفته فيكون عليه في زرعها الصدقة فإن قال هذا هكذا ولكن أصل هذه لمسلم أو لمسلمين وأصل تلك لمشرك قيل لو كانت لمشرك ما حل لنا إلا بطيب نفسه ولكنها لما كانت عنوة أو صلحا كانت مالا للمسلمين كما تغنم أموالهم من الذهب والفضة فيكون علينا فيها الصدقة كما يكون علينا فيما ورثنا من آبائنا لأن ملكهم قد انقطع عنهم فصار لنا وكذلك الأرض فإن قال قائل فهي لقوم غير معروفين قيل هي لقوم معروفين بالصفة من المسلمين وإن لم يكونوا معروفين بأعيانهم كما تكون الأرض الموقوفة لقوم موصوفين فإن قال فالخراج يؤخذ منها قيل لولا أن الخراج كراء ككراء الأرض الموقوفة وكراء الأرض للرجل حرم على المسلم أن يؤدي خراجا وعلى الآخذ منه أن يأخذ منها خراجا ولكنه إنما هو كراء ألا ترى أن الرجل يكتري الأرض بالشيء الكثير فلا يحسب عليه ولا له فيخفف عنه من صدقتها شيء لما أدى من كرائها قال الشافعي فإذا ابتاع الرجل من الرجل عبدا فتصادقا على البيع والقبض واختلفا في الثمن والعبد قائم تحالفا وترادا فإن كان العبد تالفا تحالفا وترادا قيمة العبد وإذا كان قائما وهما يتصادقان في البيع ويختلفان في الثمن رد العبد بعينه فكل ما كان على إنسان أن يرده بعينه ففات رده بقيمته لأن القيمة تقوم مقام العين إذا فاتت العين فإن كان هذا في كل شيء فما أخرج هذا من تلك الأشياء لا يجوز أن يفرق بين المجتمع في المعنى إلا بخبر يلزم وهكذا في الدور 
 

صفحة : 1160

 والأرضين إذا اختلفا قبل أن يسكن أو يزرع تحالفا وترادا فإذا اختلفا بعد الزرع والسكن تحالفا وترادا قيمة الكراء وإن سكن بعضا رد قيمة ما سكن فسخ الكراءفيما لم يسكن وإن كتارى أرضا لزرع فزرعها وبقي له سنة أو أكثر تحالفا وتفاسخا فيما بقي ورد كراء تصادقا على الكراء ومبلغه واختلفا في الموضع الذي تكارى إليه فقال المكتري اكتريتها إلى المدينة بعشرة وقال المكري اكتريتها بعشرة إلى أيلة فإن لم يكن ركب الدابة تحالفا وترادا وإن كان ركبها تحالفا وكان لرب الدابة كراء مثلها إلى الموضع الذي ركبها إليه وفسخ الكراء في ذلك الموضع لأن كليهما مدع ومدعى عليه لأن الكراء بيع من البيوع وهذا مثل معنى قولنا في البيوع وإذا استأجر الرجل من الرجل الأرض ليزرعها فغرقت كلها قبل الزرع رجع بالإجارة لأن المنفعة لم تسلم له وهي مثل الدار تنهدم قبل السكنى فإن غرق بعضها فهذا نقص دخل عليه فيما اكترى وله الخيار بين حبسها بالكراء أو ردها لأنه لم يسلم له ما اكترى كما اكترى كما يكون له في الدار لو انهدم بعضها أن يحبس ما بقي بحصته من الكراء كأن انهدم نصفها فأراد أن يقيم في نصفها الباقي بنصف الكراء فذلك له لأنه نقص دخل عليه فرضي بالنقص وإن شاء أن يخرج ويفسخ الكراء كان ذلك له إذا كان بعض ما بقي من الدار والأرض ليس مثل ما ذهب قال الشافعي وكذلك لو اشترى مائة أردب طعاما فلم يستوفها حتى تلف نصفها في يدي البائع كان له إن شاء أن يأخذ النصف بنصف الثمن قال الربيع الطعام عندي خلاف الدار ينهدم بعضها لأن الطعام شيء واحد والدار لا يكون بعضها مثل بعض سواء مثل الطعام قال الشافعي وأصل هذا أن ينظر إلى البيعة فإذا وقعت على شيء يتبعض ويجوز أن يقبض بعضه دون بعض فتلف بعضه قلت فيه هكذا وإن وقعت على شيء لا يتبعض مثل عبد اشتريته فلم تقبضه حتى حدث به عيب كنت فيه بالخيار بين أخذه بجميع الثمن أو رده لأنه لم يسلم لك فتقبضه غير معيب فإن قال قائل ما فرق بين هذين قيل لا يكون العبد يتبعض من العيب ولا العيب يتبعض من العبد فقد يكون المسكن متبعضا من المسكن من الدار والأرض وكذلك إذا تكارى الرجل من الرجل الأرض عشر سنين بمائة دينار لم يجز حتى يسمي لكل سنة شيئا معلوما وإذا اكترى الرجل من الرجل أرضه أو داره فقال أكتريها منك كل سنة بدينار أو أكثر ولم يسم السنة التي يكتريها ولا السنة التي ينقطع إليها الكراء فالكراء فاسد لا يجوز إلا على أمر يعرفه المكري والمكتري كما لا تجوز البيوع إلا على ما يعرف وهذا كلام يحتمل أن يكون الكراء فيه ينقضي إلى مائة سنة أو 
 

صفحة : 1161

 أكثر أو اقل ويحتمل أن يكون سنة ويحتمل أقل من سنة فكان هذا كراء مجهولا يفسخه قبل السكنى فإن فات فيه السكنى جعلنا فيه على المكتري أجر مثله كان أكثر مما وقع به الكراء أو أقل إذا أبطلنا أصل العقد فيه وصيرناه قيمة لم نجعل الباطل دليلا على الحق قال الشافعي فإذا زرع الرجل أرض رجل فادعى أن رب الأرض أكراه أو أعاره إياها وجحد رب الأرض فالقول قول رب الأرض مع يمينه ويقلع الزارع في زرعه وعلى الزارع كراء مثل أرضه إلى يوم يقلع زرعه قال الشافعي وسواء كان ذلك في إبان الزرع أو في غير إبانه إذا كان زارع الأرض المدعي للكراء حبسها عن مالكها فإنما أحكم عليه حكم الغاصب وإذا تكارى الرجل من الرجل أرضا فيها زرع لغيره لا يستطيع إخراجه منها إلى أن يحصده فالكراء مفسوخ لا يجوز حتى يكون المكتري يرى الأرض لا حائل دونها من الزرع ويقبضها لا حائل دونها من الزارعين لأنا نجعله بيعا من البيوع فلا يجوز أن يبيع لرجل عينا لا يقدر المبتاع على قبضها حين تجب له ويدفع الثمن ولا أن نجعل على المبتاع والمكتري الثمن ولعل المكتري أن يتلف قبل أن يقبضه ولا يجوز أن نقول له الثمن دين إلى أن يقبض فذلك دين بدين قال الشافعي ولا بأس بالسلف في الأرض والدار قبل أن يكتريهما ويقبضهما ولكن يكتري الأرض والدار ويقبضهما مكانهما لا حائل بينهما ومتى حدث على واحد منهما حادث يمنع من منفعته رجع المكتري بحصته من الكراء من يوم حدث الحادث وهكذا العبد وجميع الإجارات وليس هذا بيع وسلف إنما البيع والسلف أن تنعقد العقدة على إيجاب بيع وسلف بين المتبايعين فيكون الثمن غير معلوم من قبل أن للمبيع حصة من السلف في أصل ثمنه لا تعرف لأن السلف غير مملوك قال الشافعي وكل ما جاز لك أن تشتريه على الانفراد جاز لك أن تكتريه على الانفراد والكراء بيع من البيوع وكل ما لم يجز لك أن تشتريه على الانفراد لم يجز لك أن تكتريه على الانفراد ولو أن رجلا اكترى من رجل أرضا بيضاء ليزرعها شجرا قائما على أن له الشجر وأرضه كان في الشجر ثمر بالغ أو غض أو لم يكن فيه كان هذا كراء جائزا كما يكون بيعا جائزا قال الربيع يريد أن لصاحب الأرض البيضاء الشجر وأرض الشجر قال الشافعي ولو تكارى الأرض بالثمرة دون الأرض والشجر فإن كانت الثمرة قد حل بيعها جاز الكراء بها وإن كانت لم يحل بيعها لم يحل الكراء بها قال الله تبارك وتعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم وقال عز وجل ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فكانت الآيتان مطلقتين على إحلال البيع كله إلا أن 
 

صفحة : 1162

 تكون دلالة من رسول الله  أو في إجماع المسلمين اللذين لا يمكن أن يجهلوا معنى ما أراد الله تخص تحريم بيع دون بيع فنصير إلى قول النبي  فيه لأنه المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد الله خاصا وعاما ووجدنا الدلالة عن النبي  بتحريم شيئين أحدهما التفاضل في النقد والآخر النسيئة كلها وذلك أنه يحرم الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد وكذلك الفضة وكذلك أصناف من الطعام الحنطة والشعير والتمر والملح فحرم في هذا كله معنيان التفاضل في الجنس الواحد وأباح التفاضل في الجنسين المختلفين وحرم فيه كله النسيئة فقلنا الذهب والورق هكذا لأن نصه في الخبر وقلنا كل ما كان مأكولا ومشروبا هكذا لأنه في معنى ما نص في الخبر وما سوى هذا فعلى أصل الآيتين من إحلال الله البيع حلال كله بالتفاضل في بعضه على بعض يدا بيد ونسيئة فكانت لنا بهذا دلائل مع ما وصفنا منها أن النبي  ابتاع عبدا بعبدين وأجاز ذلك علي بن أبي طالب وابن المسيب وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم ولو لم يكن فيه هذا الخبر ما جاز فيه إلا هذا القول على هذا المعنى أو قول ثان وهو أن يقال إذا كان الشيئان من صنف واحد فلا يجوز إلا أن يكونا سواء بسواء وعينا بعين ومثلا بمثل كما يكون الذهب بالذهب واذا اختلفا فلا بأس بالتفاضل يدا بيد ولا خير فيه نسيئة كما يكون الذهب بالورق والتمر بالحنطة ثم لم يجز أن يباع بعير ببعيرين يدا بيد من قبل أنهما من صنف واحد وإن اختلف رحلتهما ونجابتهما وإذا لم يجز يدا بيد كانت النسيئة أولى أن لا تجوز فإن قال قائل قد يختلفان في الرحلة وكذلك التمر قد يختلف في الحلاوة والجودة حتى يكون المد من البردى خيرا من المدين من غيره ولا يجوز إلا مثل بمثل ويدا بيد لأنهما تمران يجمعان معا على صاحبهما في الصدقة لأنهما جنس وكذلك البعيران جنس يجتمعان على صاحبهما في الصدقة وكذلك الذهب منه ما يكون المثقال ثمن ثلاثين درهما لجودته ومنه ما يكون المثقال بشيء أقل منه بكثير لتفاضلهما ولا يجوز وإن تفاضلا أن يباعا إلا مثلا بمثل يدا بيد ويجمعان على صاحبهما في الصدقة فإما أن تجري الأشياء كلها قياسا عليه وإما أن يفرق بينها وبينه كما قلنا وبالدلائل التي وصفنا وبأن المسلمين أجمعوا على أن الذهب والورق يسلمان فيما سواهما بخلاف ما سواهما فيهما فأما أن يتحكم المتحكم فيقول مرة في شيء من الجنس لا يجوز الفضل في بعضه على بعض قياسا على هذا ثم يقول مرة أخرى ليس هو من هذا فإن كان هذا جائزا لأحد جاز لكل امرئ أن يقول ما خطر على قلبه وإن لم يكن 
 

صفحة : 1163

 من أهل العلم لأن الخاطر لا يعدو أن يوافق أثرا أو يخالفه أو قياسا أو يخالفه فإذا جاز لأحد الأخذ بالأثر وتركه والأخذ بالقياس وتركه لم يكن ههنا معنى إلا أن يقول امرؤ بما شاء وهذا محرم على الناس قال الشافعي الإجارة كما وصفت بيعا من البيوع فلا بأس أن تستأجر العبد سنة بخمسة دنانير فتعجل الدنانير أو تكون إلى سنة أو سنتين أو عشر سنين فلا بأس إن كانت عليك خمسة دنانير حالة أن تؤاجر بها عبدا لك من رب الدنانير إذا قبض العبد وليس من هذا شيء دينا بدين الحكم في المستأجر أن يدفع إلى المستأجر له نقدا غير أن صاحبه يستوفي الإجارة في مدة تأتي ولولا أن الحكم فيه هكذا ما جازت الإجارة بدين أبدا من قبل أن هذا دين بدين ولا عرفت لها وجها تجوز فيه وذلك أني إن قلت لا تجب الإجارة إلا باستيفاء المستأجر من المنفعة ما يكون له حصة من الثمن كانت الإجارة منعقدة والمنفعة دين فكان هذا دينا بدين ولو قلت يجوز أن أستأجر منك عبدك بعشرة دنانير شهرا فإذا مضى الشهر دفعت إليك العشرة كانت العشرة دينا وكانت المنفعة دينا فكان هذا دينا بدين ولو قلت أدفع إليك عشرة وأقبض العبد يخدمني شهرا كان هذا سلفا في شيء غير موصوف وسلفا غير مضمون على صاحبه وكان هذا في هذه المعاني كلها إبطال الإجارات وقد أجازها الله تعالى وأجازتها السنة وأجازها المسلمون وقد كتبنا تثبيت إجازتها في كتاب الإجارات ولولا أن ما قلت كما قلت إن دفع المستأجر من دار وعبد إلى المستأجر دفع العين التي فيها المنفعة فيحل في الإجارة النقد والتأخير لأن هذا نقد بنقد ونقد بدين ما جازت الإجارات بحال أبدا فإن قال قائل فهي لا يقدر على المنفعة فيها إلا في مدة تأتي قلنا قد عقلنا أن الإجارات منذ كانت هكذا فإن حكمها حكم الطعام يبتاع كيلا فتشرع في كيله فلا تأخذ منه ثانيا أبدا إلا بعد بادئ وكذلك أنه لا يمكنك فيه غير هذا وكذلك السكنى والخدمة لا يمكن فيهما أبدا غير هذا فأما من قال ممن أجاز الإجارات يجوز أن يستأجر العبد شهرا بدينار أو شهرين أو ثلاثة ثم قال ولا يجوز أن يكون لي عليك دينار فاستأجره منك به لأن هذا دين بدين فالذي أجاز هو الدين بالدين إذا كانت الإجارة دينا لا شك والذي أبطل هو الذي ينبغي أن يجيز من قبل أنه يجوز لي أن يكون لي عليك دينار فآخذ به منك دراهم ويكون كينونته عليك كقبضك إياه من يدي ولا يجوز أن يعطيك دراهم بدينار مؤجل ويزعم هنا في الصرف أنه نقد ويزعم في الإجارة أنه دين فلا بد أن يكون الحكم أنه نقد فيهما جميعا أو دين فيهما جميعا فإن جاز هذا جاز لغيره أن يجعله نقدا 
 

صفحة : 1164

 حيث جعله دينا ودينا حيث جعله نقدا قال الشافعي البيوع الصحيحة صنفان بيع عين يراها المشتري والبائع وبيع صفة مضمونة على البائع وبيع ثالث وهو الرجل يبيع السلعة بعينها غائبة عن البائع والمشتري غير مضمونة على البائع إن سلمت السلعة حتى يراها المشتري كان فيها بالخيار باعه إياها على صفة وكانت على تلك الصفة التي باعه إياها أو مخالفة لتلك الصفة لأن بيع الصفات التي تلزم المشتري ما كان مضمونا على صاحبه ولا يتم البيع في هذا حتى يرى المشتري السلعة فيرضاها ويتفرقان بعد البيع من مقامهما الذي رآها فيه فحينئذ يتم البيع ويجب عليه الثمن كما يجب عليه الثمن في سلعة حاضرة اشتراها حتى يتفرقا بعد البيع عن تراض فيلزمهما ولا يجوز أن تباع هذه السلعة بعينها إلى أجل من الآجال قريب ولا بعيد من قبل أنه إنما يلزم بالأجل ويجوز فيما حل لصاحبه وأخذه مشتريه ولزمه بكل وجه فأما بيع لم يلزم فلا يجوز أن يكون إلى أجل وكيف يكون على المشتري دين إلى أجل ولم يتم له بيع ولم يره ولم يرضه فإن تطوع فنقد فيه على أنه إن رضي كان نقد الثمن وإن سخط رجع بالثمن لم يكن بهذا بأس وليس هذا من بيع وسلف ولا أن أسلفك في الطعام إلى أجل فآخذ منك بعد مجيء الأجل بعض طعام وبعض رأس مال فإن ذهب ذاهب إلى أن هذين أو أحدهما أو ما كان في مثل معناهما أو معنى واحد منهما من بيع وسلف فليس هذا من ذلك بسبيل ألا ترى أن معقولا لا شك فيه في الحديث إذا كان إنما نهى عن بيع وسلف فإنما نهى أن يجمعا ونهيه أن يجمعا معقول وذلك أن الأثمان لا تحل إلا معلومة فإذا اشتريت شيئا بعشرة على أن أسلفك عشرة أو تسلفني عشرة فهذا بيع وسلف لأن الصفقة جمعتهما معلوم السلف غير مملوك للمستسلف فله حصة من الثمن غير معلومة أولا ترى بأن لا بأس بأن أبيعك على حدة وأسلفك على حدة وإنما النهي أن يكونا بالشرط مجموعين في صفقة فأما إذا أعطيتك عشرة دنانير على مائة فرق إلى أجل فحلت فإنما لي عليك المائة فإن أخذتها كلها فهي مالي وإن أخذت بعضها فهي بعض مالي وأقيلك فيما بقي منها بإحداث شيء لم يكن على ولم يكن في أصل عقد البيع فيحرم به البيع وإذا جاز أن أقيلك منها كلها فيكون هذا إحداث إقالة لم تكن علي جاز هذا في بعضها قال الربيع قال الشافعي البيع بيعان لا ثالث لهما أحدهما بيع عين يراها البائع والمشتري عند تبايعهما وبيع مضمون بصفة معلومة وكيل معلوم وأجل معلوم والموضع الذي يقبض فيه قال الربيع وقد كان الشافعي يجيز بيع السلعة بعينها غائبة بصفة ثم قال لا يجوز من قبل أنها قد تتلف فلا يكون يتم البيع فيها فلما 
 

صفحة : 1165

 كانت مرة تسلم فيتم البيع ومرة تعطب فلا يتم البيع كان هذا مفسوخا 
كراء الدواب 
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال وإذا تكارى رجل دابة من مكة إلى مر فركبها إلى المدينة فعليه الكراء الذي تراضيا عليه إلى مر فإن سلمت الدابة فعليه كراء مثلها إلى المدينة وإن عطبت الدابة فعليه الكراء إلى مر وقيمة الدابة وإن نقصت بعيب دخلها من ركوبه فأثر فيها مثل الدبر والعور وما أشبه ذلك ردها وأخذ قيمة ما نقصها كما يأخذ قيمتها لو هلكت وإذا رجعت إلى صاحبها أخذ ما نقصها وكراء مثلها إلى حيث تعدى وإذا هلكت الدابة فلم يتعد المكتري البلد الذي تكاراها إليه ولم يتعد بأن يحمل عليها ما ليس له ولا أن يركبها ركوبا لا تركبه الدواب فلا ضمان عليه وإن كان الكراء ذاهبا وجائيا فإنما عليه في الذهاب نصف الكراء إلا أن يكون الذهاب والجيئة يختلفان فيقسم الكراء على قدر اختلافهما بقول أهل العلم باختلافهما ولو تعدى عليها بعد ما بلغت المكان الذي تكاراها إليه ميلا أو أقل ثم ردها فعطبت في الموضع الذي اكتراها إليه ضمن لا يخرج من الضمان الذي تعدى إلا بأدائها سالمة إلى ربها 
ID ' '   (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 

صفحة : 1166


الإجارات 
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى قال قائل ليس كراء البيوت ولا الأرضين ولا الظهر يلازم ولا جائز وذلك أنه تمليك والتمليك بيع ولما رأينا البيوع تقع على أعيان حاضرة ترى وأعيان غائبة موصوفة مضمونة والكراء ليس بعين حاضر ولا غائب يرى أبدا ورأينا من أجازهما قال إذا انهدم المنزل أو هلك العبد انتقض الكراء والإجارة فيهما وإنما التمليك ما انقطع ملك صاحبه عنه إلى من ملكه إياه وهو إذا ملك مستأجره منفعته فالإجارة ليست هكذا ملك العبد لمالكه ومنفعته لمستأجره إلى المدة التي تشترط وخدمة العبد مجهولة أيضا مختلفة بقدر نشاطه وبذله وكسله وضعفه وكذلك الركوب مختلف ففيها أمور تفسدها وهي عندنا بيع والبيوع كما وصفنا ومن أجازها فقد يحكم فيها بحكم البيع لأنها تمليك ويخالف بينها وبين البيع في أنها تمليك وليست محاطا بها فإن قال أشبهها بالبيع فليحكم لها بحكمه وإن قال هي بيع فقد أجاز فيها ما لا يجيزه في البيع قال الشافعي وهذا القول جهل ممن قاله والإجارات أصول في أنفسها بيوع على وجهها وهذا كله جائز قال الله تبارك وتعالى فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن فأجاز الإجارة على الرضاع والرضاع يختلف لكثرة رضاع المولود وقلته وكثرة اللبن وقلته ولكن لما لم يوجد فيه إلا هذا جازت الإجارة عليه وإذا جازت عليه جازت على مثله وما هو في مثل معناه وأحرى أن يكون أبين منه وقد ذكر الله عز وجل الإجارة في كتابه وعمل بها بعض أنبيائه قال الله عز وجل قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرين ثماني حجج الآية قال الشافعي قد ذكر الله عز وجل أن نبيا من أنبيائه آجر نفسه حججا مسماة ملكه بها بضع امرأة فدل على تجويز الإجارة وعلى أنه لا بأس بها على الحجج إن كان على الحجج استأجره وإن كان استأجره على غير حجج فهو تجويز الإجارة بكل حال وقد قيل استأجره على أن يرعى له والله تعالى أعلم قال الشافعي فمضت بها السنة وعمل بها غير واحد من أصحاب رسول الله  ولا يختلف أهل العلم ببلدنا علمناه في إجازتها وعوام فقهاء الأمصار أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن عن حنظلة بن قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض فقال نهى رسول الله  عن كراء الأرض فقال أبالذهب والورق قال أما بالذهب والورق فلا بأس به قال الشافعي فرافع سمع النهي من رسول الله صلى الله عليه 
 

صفحة : 1167

 وسلم وهو أعلم بمعنى ما سمع وإنما حكى رافع النهي عن كرائها بالثلث والربع وكذلك كانت تكرى وقد يكون سالم سمع عن رافع بالخبر جملة فرأى أنه حدث به عن الكراء بالذهب والورق فلم ير بالكراء بالذهب والورق بأسا لأنه لا يعلم أن الأرض تكرى بالذهب والورق وقد بينه غير مالك عن رافع أنه على كراء الأرض ببعض ما يخرج منها أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه سأله عن استكراء الأرض بالذهب والورق فقال لا بأس به أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه شبيها به أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه مثله أخبرنا مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف تكارى أرضا فلم تزل بيده حتى هلك قال ابنه فما كنت أراها إلا أنها له من طول ما مكثت بيده حتى ذكرها عند موته فأمرنا بقضاء شيء بقي عليه من كرائها من ذهب أو ورق قال الشافعي والإجارات صنف من البيوع لأن البيوع كلها إنما هي تمليك من كل واحد منهما لصاحبه يملك بها المستأجر المنفعة التي في العبد والبيت والدابة إلى المدة التي اشترط حتى يكون أحق بالمنفعة التي ملك من مالكها ويملك بها مالك الدابة والبيت العوض الذي أخذه عنها وهذا البيع نفسه فإن قال قائل قد تخالف البيوع في أنها بغير أعيانها وأنها غير عين إلى مدة قال الشافعي فهي منفعة معقولة من عين معروفة فهي كالعين قال الشافعي والبيوع قد تجتمع في معنى أنها ملك وتختلف في أحكامها ولا يمنعها اختلافها في عامة أحكامها وأنه يضيق في بعضها الأمر ويتسع في غيره من أن تكون كلها بيوعا يحللها ما يحلل البيع ويحرمها ما يحرم البيع في الجملة ثم تختلف بعد معان أخر فلا يبطل صنف منها خالف صنفا في بعض أمره بخلافه صاحبه وإن كانا قد يتفقان في معنى غير المعنى الذي اختلفا فيه فالبيوع لا تحل إلا برضا من البائع والمشتري وثمن معلوم وعندنا لا تجب إلا بأن يتفرق البائع والمشتري من مقامهما أو أن يخير أحدهما صاحبه بعد البيع فيختار إجازة البيع ثم تختلف البيوع فيكون منها المتصارفان لا يحل لهما أن يتبايعا ذهبا بذهب وإن تفاضلت الذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد وزنا بوزن ثم يكونان إن تصارفا ذهبا بورق فلا بأس بالفضل في أحدهما على الآخر يدا بيد فإن تفرق المتصارفان الأولان أو هذان قبل أن يتقابضا انتقض البيع بينهما ويكون المتبايعان السلعة سوى الصرف يتبايعان الثوب بالنقد ويقبض الثوب المشترى ولا يدفع الثمن إلا بعد حين فلا يفسد البيع ويكون السلف في الشيء المضمون إلى أجل يعجل الثمن ويكون المشتري غير حال على صاحبه إلا أنه يكون مضمونا ويضيق فيما كان يكون غير هذا من البيوع التي 
 

صفحة : 1168

 جازت في هذا مع اختلاف البيوع في غير هذا وكل ما يقع عليه جملة اسم البيع ولا يحل إلا بتراض منهما فحكمهما في هذا واحد وفي سواه مختلف قال الشافعي وقبض الإجارات الذي يجب به على المستأجر دفع الثمن كما يجب دفع الثمن إذا دفعت السلعة المشتراة بعينها أن يدفع الشيء الذي فيه المنفعة إن كان عبدا استؤجر دفع العبد وإن كان بعيرا دفع البعير وإن كان مسكنا دفع المسكن حتى يستوفي المنفعة التي فيه كمال الشرط إلى المدة التي اشترط وذلك أنه لا يوجد له دفع إلا هكذا فإن قال قائل هذا دفع مالا يعرف فهذا من علة أهل الجهالة الذين أبطلوا الإجارات قال الشافعي والمنفعة من عين معروفة قائمة إلى مدة كدفع العين وإن كانت المنفعة غير عين ترى فهي معقولة من عين وليس دفع المنفعة بدفع الشيء الذي به المنفعة وإن كانت المنفعة غير عين ترى حين دفعت فأولى أن يفسد البيع من ملك المنفعة وإن كانت غير عين وإذا صح أن يملكها من السلعة والمسكن وهي غير عين ولا مضمونة فلم تفسد كما زعم من أفسدها لأنها وإن كانت غير عين فهي كالعين بأنها من عين فكأنه شيء انتفعوا به من عين معروفة وأجازه المسلمون له فدفعه إذا دفع كما لا يستطاع غيره أولى أن يقوم مقام الدفع من الأعيان والدفع أخف من ملك العقدة لأن العقدة تفسد فيبطل الدفع والدفع يفسد ولا تفسد العقدة فإذا جاز أن يكون ملك المنفعة معروفا وإن كان بغير عينه من عين فيصح ويلزم كما يصح ملك الأعيان جاز أن يكون الدفع للعين التي فيها المنفعة يقوم مقام دفع الأعيان إذا دفعت العين التي فيها المنفعة فهو كدفع العين إذا كان هذا الدفع الذي لا يستطاع فيها غيره أبدا قال الشافعي فقال قولنا في إجازة الإجارات بعض الناس وشددها واحتج فيها بالآثار وزعم أن ما احتججنا به فيها حجة على من خالفنا في ردها لا يخرج ثم عاد لما ثبت منها فقال فيها أقاويل كأنه عمد نقد بعض ما ثبت منها وتوهين ما شدد فقال الإجارات جائزة وقال إذا استأجر الرجل من الرجل عبدا أو منزلا لم يكن للمستأجر أن يأخذ المؤاجر بالإجارة وإنما يجب له من الإجارة بقدر ما اختدم العبد أو سكن المسكن كأنه تكارى بيتا بثلاثين درهما في كل شهر فما لم الشافعي فقلت لبعض من يقول هذا القول الخبر وإجماع الفقهاء بإجازة الإجارة ثابت عندنا وعندك والإجارة ملك من المستأجر للمنفعة ومن المؤجر للعوض الذي بالمنفعة والبيوع إنما هي تحويل لملك من شيء لملك غيره وكذلك الإجارة فقال منهم قائل ليست الإجارة ببيع قلنا وكيف زعمت أنها ليست ببيع وهي تمليك شيء بتمليك غيره قال ألا ترى أن لها اسما غير البيع قلنا قد يكون للبيوع أسماء 
 

صفحة : 1169

 مختلفة تعرف دون البيوع والبيوع تجمعها مثل الصرف والسلم يعرفان بلا اسم بيع وهما من البيوع عندنا وعندك قال فكيف يقع البيع مغيبا لعله لا يتم قلنا أو ليس قد نوقع نحن وأنت البيع على المغيب إلى المدة البعيدة في السلم ونوقعها أيضا على الرطب بكيل والرطب قد ينفد ثم تخير أنت المشتري إذا لم يقبض حتى ينفد في رده إلى رأس ماله وأن يترك إلى رطب قابل فإما أخر ماله عن غلة سنة إلى سنة أخرى وإما رجع إليه رأس ماله بعد حبسه وقد كان يملك به رطبا بكيل معلوم فلم يقبض ما ملك كما ملك ولم يكن في يديه رأس ماله قال هذا كله مضمون قلنا أو لست قد جعلته مضمونا ثم صرت إلى أن تحكم له في المضمون بأحد حكمين تخيره أنت في أن يرد رأس المال وتبطل ما وجب له وضمن الرطب بعد ما انتفع به المسلم إليه ولم ينتفع المسلم وأما أن يؤخر ماله عن غلة سنة بلا طيب من نفسه إلى سنة أخرى فقال هذا كله كما قلت ولكني لا أجد غيره فيه قلت فإذا كان قولك لا أجد غيره فيه حجة فكيف لم تجعل لنا الذي هو أوضح وأبين ونحن لا نجد فيه غيره حجة قال وما ذاك قلنا زعمنا أن البيوع تجوز ويحل ثمنها مقبوضا وأن القبض مختلف فمنه ما يقبض باليد ومنه ما يدفع إليه المفتاح وذلك في الدور ومنه ما يخلى المالك بينه وبين المشتري وهو لا يغلق عليه ولا يقبضه بيده وذلك مثل الأرض المحدودة ومنه ما هو مشاع في الأرض لا يدري أشرقيها هو أم غربيها غير أنه شريك في كلها ومنه ما هو مشاع في العبد لا ينفصل أبدا وكل هذا يقال له دفع يقبض به الثمن ويجب دفعه ويتم به البيع وهو قبض مختلف وذلك أنه لا يوجد فيه مع اختلافه غير هذا فلو قال لك مشتري نصف العبد البيع يتم مقبوضا والقبض ما يكون منفصلا معروفا وليس يكون في نصف العبد قبض فأنا أنقض البيع قلت القبض يختلف فإذا لم يكن دون نصف العبد حائل وسلمه إليك فهذا القبض الذي لا يستطاع غيره في هذا ومن دفع الدفع الذي لا يستطاع غيره فقد وجب له الثمن فالمنفعة التي في العبد بالإجارة لا يستطاع دفعها إلا بأن يسلم العبد أو المسكن فإذا دفعت كما لا يستطاع غيره فلم لا يجب ما تملك به المنفعة ما بين هذا فرق وقبض الإجارة إنما هو دفع الذي فيه الإجارة وسلامته فإذا دفع الدار وسلمت فله سكناها إلى المدة وإذا دفع العبد وسلم فله خدمته إلى مدة شرطه وخدمته حركة يحدثها العبد وليست في الدار حركة تحدثها إنما منفعته فيها محليته إياها ولا يستطاع أبدا في دفع ما ملك المستأجر غير تسليم ما فيه المنفعة إليه وسلامة ما فيه المنفعة حتى تتم المنفعة إلى مدتها فإن قال قائل فهذا ليس كدفع الأعيان الأعيان بدفع يرى وهذا 
 

صفحة : 1170

 بدفع لا يرى قيل وما يختلف دفع الأعيان فيه فتكون عين أشتريها بعينها عندك وتصف لي فإذا رأيتها كنت بالخيار وقد كانت عند تبايعنا عينا مضمونة كالسلم مضمونا ويكون السلم بالصفة بغير عينه ويجب ثمنه وإنما هو صفة لا عين فإذا أراد المسلم نقض البيع أو المسلم إليه لم يكن ذلك لواحد منهما وإن جاء به المسلم إليه فقال المسلم لا أرضى قلت له ليس ذلك لك إذا جاء على الصفة التي شرطت لم يكن لك خيار قال بلى قد يفعل هذا كله ولكن الإجارات مغيبة قلنا مغيبة معقولة كالسلم مغيب موصوف قال هو وإن كان موصوفا بغير عينه يصير إلى أن يكون عينا قلت يكون عينا وهو لم ير فلا يكون فيها خيار كما يكون في الأعيان التي لم تر قال فهي على الصفة قلنا ولم لا تجعل ما اشترى ولم ير من غير السلم وقد وصف كما وصف السلم إذا جاء على الصفة يلزم كما يلزم السلم قال البيوع قد تختلف قلنا فنراك تجيزها مع اختلافها لنفسك وتريد أن لا تجيزها مع اختلافها لنا قال إني وإن أجزتها فهي صائرة عينا قلنا الصفة في السلم قبل يكون الشراء مغيبة موصوف بها شيء لم يخلق بعد ثياب وطعام قال ولكنها تقع على عين فتعرف قلنا فالإجارة في عين قائم تكون في ذلك العين قائمة تعرف فإن زعمت أن الإجارة إنما هي منفعة والمنفعة مغيبة وقد تختلف فلم أجزتها ولم تقل فيها قول من ردها وعبت من ردها ونسبته إلى الجهالة قال لأنه ترك السنة وإجماع الفقهاء وليس في السنة ولا إجماع الفقهاء إلا التسليم ولا تضرب له الأمثال ولا تدخل عليه المقاييس قلنا فإذا اجتمع الفقهاء على إجازتها وصيروها ملك منفعة معقولة وإن كانت لا تكون شيئا يكال ولا يوزن ولا يذرع وأجازوها مغيبة وأوجبوها كما أوجبوا غيرها من البيوع ثم صرت إلى عيب قولنا فيها وأنت تجيزها وقولنا قول مستقيم على السنة والآثار وصرت تحتج بحجة من أبطلها فإذا قيل لك إن كانت في هذا حجة فأبطلها وإن لم يكن فيه حجة فلا تحتج به قلت لا أبطلها لأنها السنة وإجماع الفقهاء فإن قال قائل فدع حجة من أخطأ في إبطالها وأجزها كما أجازها الفقهاء فقد أجازوها وإذا أجازوها فلا يجوز عندنا أن يكونوا أجازوها إلا على أنها تمليك منفعة معقولة وما كان تمليكا فقد يوجب ثمنه وإلا صرت إلى حجة من أبطلها فإن قال لك قائل فكيف صيرت هذا قبضا والقبض ما يصير في يدي صاحبه الذي قبضه ويقطع عنه ملك الذي دفعه قيل له إن الدفع من المالك لمن ملكه يختلف ألا ترى أن رجلا لو ابتاع بيوعا ودفع إليه أثمانها ثم حاكمه إلى القاضي فقضى عليه بدفعها فإن كان عبدا أو ثوبا أو شيئا واحدا سلمه إليه وإن كان شيئا يتجزأ بعينه 
 

صفحة : 1171

 فكان طعاما في بيت استوجبه كله بكيل على أن كل مد بدرهم قال كله له فكان يقبضه شيئا بعد شيء لا جملة كقبضه الواحد فيقضي عليه بدفع كل صنف من هذا كما يستطاع قبضه فكذلك قضى عليه بدفع الإجارة كما يستطاع ولا يستطاع فيها أكثر من تسليم الذي فيه المنفعة إلى الذي ملك فيه المنفعة والمنفعة فيها معروفة كما الشراء في الدار المشاعة معروف بحساب وفي غيره فإن قال قائل فإن الذي فيه المنفعة يسلم ثم ينهدم المنزل أو يموت العبد فتكون أوجبت عليه دفع ماله وهو مائة ثم لا يستوفى بالمائة إلا حق بعضها ويكون المؤاجر قد انتفع بالثمن قلنا بذلك رضي المستأجر قال ما رضي إلا بأن يستوفي قلنا إن قدر على الاستيفاء فذلك له وإن لم يقدر أخذ ماله قال وأي شيء يشبه هذا من البيوع قلنا ما وصفنا من السلم أدفع لهذا مائة درهم في رطب فمضى الرطب ولم يوف منه شيئا فيعود إلى أن يقول لي خذ رأس مالك وقد انتفع به المسلم إليه أو اخر مالك بعد محله سنة بلا رضا منك إلى سنة أخرى فإذا قلت قد انتفع بمالي فإن أخذته فقد أخذ منفعة مالي بلا عوض أخذته وإن أخرته سنة فقد انتفع بمالي سنة بلا طيب نفسي ولا عوض أعطيته منه قال لا أجد إلا هذا فإن قلت لك وصدقني المسلم إليه بأنه تغيب مني حتى مضى الرطب قلت لا أجد شيئا أعديك عليه لأنك رضيت أمانته قلت ما رضيت إلا بالاستيفاء وقد كان يقدر على أن يوفيني قلت وقد فات الرطب الذي يوفيك منه قبل فالمستأجر للعين إنما استأجره وهو يعلم أن العين إذا ذهبت ذهبت المنفعة فكيف عبته فيه وهو يعلمه ولم تعب في المسلم إليه الذي ضمن لصاحبه الرطب كيلا معلوما بصفة من غير شيء يعينه المسلم إليه كان أولى أن تعيبه فيه من المستأجر وهو يقول في الرجل يبتاع الشيء من الرجل والشيء المبتاع بعينه ببلد غائب عن المتبايعين ويدفع المشتري إلى المشترى منه الثمن وافيا على أن يسلم البائع للمشتري ما اشترى منه وأشهد به له ودفع إليه ثمنه ثم هلك الشيء المبتاع فيقول يرجع المشتري بالثمن وقد انتفع به رب السلعة ولم يأخذ رب المال عوضا فيقول للمشتري أنت رضيت بذلك وقد كانت لك السلعة لو تمت فلما لم تتم انتقض البيع وإنما رضيت بتمامها ويقول أيضا في الرجل ينكح المرأة بعبد فتخليه ونفسها فلم يدخل بها وتخليتها إياه ونفسها هو الذي يلزمها فإذا فعلت جبرته على دفع العبد إليها ويكون ملكها له صحيحا فإن باعت أو وهبت أو أعتقت أو دبرت أو كاتبت جاز لأنه لها ملك تام فإن طلقها قبل يكون من هذا شيء رجع بنصف العبد فكان شريكها فيه فقد زعمت أن ملكها فيه تام كما يتم ملك من دفع 
 

صفحة : 1172

 العوض بالعبد ثم انتقض ملكها في نصفه فإن قيل لك كيف يتم ملكها ثم ينتقض قلت ليس في هذا قياس هو لم يدخل بها فلها نصف المهر إذا طلقها فإن قيل لك كيف ينتقض نصفه رأيت ذلك جهلا ممن يقوله وقلت هذا مما لا يختلف فيه الفقهاء وتزعم أيضا أنه إذا اشترى عبدا فدلس له فيه عيب كان ملكا صحيحا إن باع أو وهب أو أعتق فإن لم يفعل فشاء حبسه بالعيب حبسه وإن لم يشأ حبسه وشاء نقض البيع وقد كان تاما نقضه وقد يبيع الرجل الشقص من الرجل فيكون المشتري تام الملك لا سبيل للبائع عليه ولا على أخذه منه ويكون له أن يبيع ويهب ويصنع ما يصنع ذو المال في ماله فإن كان له شفيع فأراد أخذه من يديه بالثمن الذي اشتراه به وإن كان كارها أخذه وقد نجعل نحن وأنت ملكا تاما ويؤخذ به الثمن ثم ينتقض بأسباب بعد تمامه فكيف عبت هذا في الإجارة وأن ما نقوله في الإجارة إذا فات الشيء الذي فيه المنفعة فلم يكن إلى الإستيفاء سبيل ويرد المستأجر ما بقي من حقه كما يرده لو اشترى سفينة طعام كل قفيز بكذا فاستوفى عشرة أقفزة ثم استهلكها ثم هلك ما بقي من الطعام رددناه بما بقي من المال وألزمناه عشرة بحصتها من الثمن وأنت تنقض الملك والأعيان التي فيها الملك قائمة ثم لو عابك أحد بهذا قلت هذا من أمر الناس فإن كان في نقض الإجارة إذا كانت العين التي فيها المنفعة قد فاتت عيب فنقض الملك والعين المملوكة قائمة أعيب فإن لم يكن فيه عيب فعيبه فيه جهل قال الشافعي ثم قالوا فيها أيضا إن دفع المستأجر الإجارة كلها إلى المؤجر قبل أن يسكن البيت أو يركب الدابة ثم أراد أن يرجع فيما دفع لم يكن ذلك له فإن كان دفع ما يجب عليه فهو ما قلنا وإن كان دفع ما لا يجب عليه فلم لا يرجع به فهو لم يهبه ولم يقطع عنه ملكه إلا بأمر يزعم أنه لا يجب عليه أن يدفعه ولا يحق عليه منه شيء إلا أن يسكن أو يركب وهم يقولون إذا انفسخت الإجارة رده لأنه إنما دفعه باسم الإجارة لا واهبا له فإن كان دفعه بالإجارة والإجارة لا يلزمه بها دفع فينبغي أن يرده عليه متى شاء ثم قال فيه قولا آخر أعجب من هذا قال إن تكارى دابة بمائة درهم فلم يجب من المائة شيء فأراد أن يدفعها دنانير يصرفها كان حلالا فقيل له أتعني به تحول الكراء إلى الدنانير وتنقضه من الدراهم قال لا ولكنه يصارفه بها بسعر يومه قلنا أو يحل الصرف في شيء لم يجب قال هو واجب فلما قالوا يجب على صاحبه إذا لم يسم له أجلا دفع مكانه كما لو اشترى رجل سلعة بمائة أو ضمن عن رجل مائة ولم يسم أجلا كان عليه أن يدفع المائة مكانه وهذا قولنا وقولك في الواجب كله إذا لم يسم له أجلا فكيف 
 

صفحة : 1173

 قلت في المستأجر الإجارة واجبة عليه وليس عليه أن يدفعها وله أن يصارف بها والإجارة إلى غير أجل قال الشافعي فإن قال هي إلى أجل معلوم وذلك أنه إذا استأجر عبدا سنة فكل يوم من السنة أجل معلوم ولكل يوم من السنة أجرة معلومة والمائة الدرهم التي استأجر بها العبد السنة لازمة على هذا الحساب قيل له فما تقول فيه إن مرض أحد عشر شهرا من السنة أو شهرا من أولها أو وسطها فلم يقدر على الخدمة أليس إن قلت ينتظر فإذا صح استخدمه فيما يستقبل فقد زعمت أن حصة الأحد عشر شهرا أو الشهر قد كانت في وقت لازم ثم استأخر عنه أو كان واجبا ثم بطل فإن جعلت له أن يستخدمه أحد عشر شهرا أو شهرا من سنة أخرى فقد جعلت أجلا بعد أجل ونقلت عمل سنة في سنة أخرى وإن قلت واجبة إن كانت فهذا الفساد الذي لا يشكل لأن الإجارة تمليك منفعة من عين معروف والمنفعة معروفة بتمليك دراهم مسماة فإذا كان التمليك مغيبا لا يدري أيكون أم لا يكون لأنه قد يموت العبد ويابق ويمرض فكيف يجوز أن تملك منفعة مغيبة بدراهم معينة مسماة هذا تمليك الدين بالدين والمسلمون ينهون عن بيع الدين بالدين والتمليك بيع فإن قلت يملك المنفعة إن كانت فهذا أفسد من قبل أن هذا مخاطرة ويلزم أن تفسد الإجارة كما أفسدها من عاب قوله قال فقد يلزمك في هذا شبيه بما يلزمني فليس يلزمني إذا زعمت أن الإجارة تجب بالقبض وأن المنفعة معلومة وأنه لا قبض لها إلا بقبض الذي فيه المنفعة فإذا قبضت كان ذلك قبضا للمنفعة إن سلمت المنفعة وقد أجاز المسلمون هذا كله كما أجازوا البيوع على اختلافها وكما يحل بيع الطعام بضربين أحدهما بصفة والآخر عين فلو اشتريت من طعام عين مائة قفيز كان صحيحا فإن أخذت في اكتياله واستهلكت ما اكلت منه وهلك بعض المائة القفيز وجب على ما استهلكت بحصته من الثمن وبطل عني ثمن ما هلك فإن قال فالخدمة ليست ثمنا فهي معلومة من عين لا يوصل إلى أخذها لتستوفي إلا بأخذ العين فأخذ العين بكمالها التي هي أكثر من المنفعة يوجب الثمن على شرط سلامة المنفعة لا تعدو الإجارة أن تكون واجبة فعليه دفعها أو تكون غير واجبة والصرف عندنا وعندك فيها ربا قال الشافعي فإذا قيل له فإن كانت أثمان الإجارات غير واجبة فلا يحل له أن يأخذ بشيء لم يكن ولا يدري أيكون أم لا يكون ثم يأخذ من جهة الصرف فيفسد من أنه غير واجب لأن الصرف فيما لم يجب ربا قال نعم ولكن الإجارة واجبة وثمنها واجب فلا يكون ربا فإذا قيل له وإذا كان واجبا فليدفعه قال ليس بواجب وهم يروون عن عمر أو ابن عمر أنه 
 

صفحة : 1174

 تكارى من رجل بالمدينة ثم صارفه قبل أن يركب فإن كان ثابتا عن عمر فهو موافق قولنا وحجة لنا عليهم قال وإذا تكارى الرجل الدار من الرجل فالكراء لازم له لا ينفسخ بموت المكتري ولا المكري ولا بحال أبدا ما دامت الدار قائمة فإذا دفع الدار إلى المكتري كان الكراء لازما للمكتري كله إلا أن يشترط عند عقده الكراء أنه إلى أجل معلوم فيكون إليه كالبيوع وقال بعض الناس تفسخ الإجارات بموت أيهما مات ويفسخها بالعذر ثم ذكر أشياء يفسخها بها قد يكون مثلها ولا يفسخها به قال الشافعي فقيل لبعض من يقول هذا القول أقلت هذا بخبر قال روينا عن شريح أنه قال إذا ألقى المفتاح برئ فقيل له أكذا تقول بقول شريح فشريح لا يرى الإجارة لازمة ويرى أن لكل واحد منهما فسخها بلا موت ولا عذر قال هكذا قال شريح ولسنا نأخذ بقوله قيل فلم تحتج بما تخالف فيه وتزعم أنه ليس بحجة قال فما عندنا فيه خبر ولكنه يقبح أن يتكارى رجل منزلا يسكنه فيموت وولده لا يحتاجون إليه فيقال إن شئتم فاسكنوه وهم أيتام ويقبح أن يموت المؤجر فيتحول ملك الدار لغيره فتكون الدار لولده والميت لا يملك شيئا ويسكنها المستأجر بأمر الميت والميت لا أمر له حين مات فقيل له أو يملكها الوارث إلا بملك الميت قال لا قيل أفيزيد الوارث أبدا على أن يقوم إلا مقام الميت فيها قال لا قلنا فالميت قبل موته كان يقدر أن يفسخ هذه الإجارة عن داره ساعة واحدة قبل انقضاء مدتها عندك من غير عذر قال لا قيل أفيكون الوارث الذي إنما ملك عن الميت الكل أو البعض أحسن حالا من المالك قال فهل رأيت ملكا ينتقل ويملك على من انتقل إليه فيه شيء قلنا الذي وصفنا لك من أنه إنما ملك ما كان الميت يملك كاف لك منه ونحن نوجدك ملكا ينتقل ويملك على من انتقل إليه فيه شيء قال وأين قلنا أرأيت رجلا رهن رجلا دارا تسوى ألفا بمائة ثم مات الراهن أينفسخ الرهن قال لا قلنا ولم وقد انتقل ملك الدار فصار للوارث قال إنما يملكها الوارث كما كان يملكها الميت والميت قد أوجب فيها حقا لم يكن له فسخه إلا بإيفاء الغريم حقه فالوارث أولى أن لا يفسخه قلنا فلا نسمعك تقبل مثل هذا ممن يحتج به عليك في الإجارة وتحتج به في الرهن ولا بد من أن تكون تاركا للحق في رده في الإجارة أو في إنفاذه في الرهن لأن حالهما واحد قد أوجب الميت في كليهما حقا عندنا وعندك فلا نفسخه بوجه حتى يستوفيه من أوجبه له عندنا بحال وعندك إلا من عذر ثم تفسخه بعد الموت في الإجارة مما لا يكون عذرا في حياة المؤاجر والعذر أيضا شيء ما وضعته أنت لا أثرا ولا معقولا وأنت لا تفسخه بعذر ولا غير عذر في الرهن وما 
 

صفحة : 1175

 بينهما في هذا فرق كلاهما أوجب له فيه مالكه حقا جائزا عندنا وعندك فإما أن يثبتا معا بكل حال وإما أن يزول أحدهما بشيء فيزول الآخر أرأيت لو قال لك قائل وضعت العذر تفسخ به الإجارة وأنا أبطله في الإجارة واضعه في الرهن فأفسخ به الرهن أتكون الحجة عليه إلا أن يقال ما ثبت فيه حق لمسلم وكان الحق حلالا لم يفسخه عذر وقد تقدمه الحق الواجب عند المسلمين قال الشافعي مع كثير من مثل هذا يقولونه من ذلك الرجل يوصي للرجل برقبة داره ولآخر أن ينزلها في كل سنة عشرة أيام ثم يموت الموصى له برقبة الدار فيملك وارثه الدار فإن أراد منع الموصى له بالنزول قيل ليس ذلك لك أنت للدار مالك ولهذا شرط في النزول ولا تملك عن أبيك إلا ما كان يملك ولا يكون لك فيها أكثر مما كان له قال الشافعي فأما قوله إن مات المستأجر فلا حاجة بالورثة إلى المسكن فلو قاله غيره أشبه أن يقول له لست تعرف ما تقول قال الشافعي أرأيت لو أن رجلا كان يريد التجارة فاشترى دابة بألف وهو لا يملك إلا ألفا فلما استوجبها مات وله ورثة أطفال والراحلة تسوى ألفا أو مائة فقال عنهم وصي أو كان فيهم مدرك محتاج كان أبو هؤلاء يعني بالرواحل لتكسبه فيها وهؤلاء لا يكتسبون أو يعني بها لضرب من الجسارة وقد أصبح هؤلاء أيتاما وناقة الرجل في يده لم تخرج بعد من يده فأفسخ البيع ورد الدراهم لحاجة الأيتام ولا تنزعها من أيديهم إن لم يكن أبوهم دفعها أو كان هذا في حمام اشتراه أو ما أشبهه مما لا منفعة فيه أو مما فيه المنفعة اليسيرة قال لا أفسخ شيئا من هذا وأمضي عليهم ما فعل أبوهم في ماله لأنه فعله وهو يملك فأملكهم عنه ما كان هو يملك في حياته ولا يكونون أحسن حالا من أبيهم فيما ملكوه عنه قال الشافعي قيل وكذلك الكراء يتكاراه وهو حلال جائز له فقد ملكوا ما ملك أبوهم من منفعة المسكن فإن شاءوا سكنوا فإن شاءوا أكروا قال وزعم أن رجلا لو تكارى من الرجل ألف بعير على أن يسير من بغداد ثمان عشرة إلى مكة فخلف الجمال إبله وعلفها بأثمانها أو أقل أو أكثر وخرج الحاج فلم يبق إلا هو وترك الجمال الكراء من غيره للشرط حتى فاته الحج كان له ذلك ولم يغرم شيئا فإن قال لك الجمال قد غررتني ومنعتني الكراء من غيرك وكلفتني مؤنة أتت على أثمان إبلي وصدقه المكترى فلا يقضي له عليه بشيء ويجلس بلا مؤنة عليه لأنه لم يأخذ منه شيئا وإن كان قد غره وقال قائل هذا القول فإن أراد الجمال أن يجلس وقال بدا لي أن أدع الحج وأنصرف إلى غيره فليس ذلك له فإذا قيل له ولم لا يكون ذلك له قال من قبل أنه غره فمنعه أن يكتري من غيره وعقد له عقدة حلالا فليس له أن 
 

صفحة : 1176

 يفسخها قال الشافعي فلم لا يكون للجمال على المتكاري أن يجلس وقد عقد له كما قال عقدة حلالا وغره كما كان المتكاري أن يجلس وحالهما وحجتهما واحدة لو كان يكون لأحدهما في العقدة ما ليس للآخر انبغى أن يكون الكراء للمتكاري ألزم بكل وجه من قبل أن المؤنة على الجمال في العلف وحبس الإبل وضمانها ومن قبل أن لا مؤنة على المكتري فعمد إلى أحقهما لو تفرق الحكم فيهما أن يلزمه فأبطل عنه وأحقهما أن يبطل عنه فألزمه قال ولا فرق بينهما من قبل أن العقدة حلال لا تنفسخ إلا باجتماعهما على فسخها قال الشافعي وسئل هل وجد عقدة حلالا لا شرط فيها ولا عيب يكون لأحد المتعاقدين فيها ما ليس ليس للاخر فلا أعلمه ذكرها فقيل وما بال هذه العقدة من بين العقد لا خبر ولا قياس قال الشافعي وإذا اختلف المكاري والمكتري في قولنا وقولهم تحالفا وترادا قيل لهم في هذا كيف تحكمون بحكم البيوع قال هو تمليك وإنما البيوع تمليك فقيل لهم فاحكموا له بحكم البيوع فيما أثبتم فيه حكم البيوع فيقولون ليس ببيع وهم لا يقبلون هذا من أحد فإذا قيل لبعضهم أنتم لا تصيرون في هذه الأقاويل إلى خبر يكون حجة زعمتم ولا قياس ولا معقول فكيف قلتموه قالوا قاله أصحابنا وقال لنا بعضهم ما في الإجارة إلا ما قلتم من أن نحكم لها بحكم البيوع ما كانت السلامة للمنفعة قائمة أو تبطل ولا تجوز بحال فقيل له فتصير إلى أحد القولين فلا أعلمه صار إليه قال وإن تكارى رجل من رجل دابة من مكة إلى مر فتعدى بها إلى عسفان فإن سلمت الدابة كان عليه كراؤها إلى مر وكراء مثلها إلى عسفان فإن عطبت الدابة فله الكراء إلى مر وقيمة الدابة في أكثر ما كانت ثمنا من حين تعدى بها من الساعة التي تعدى بها فيها كان أو بعدها ولا يكون عليه قيمتها قبل التعدي إنما يكون عليه حين صار ضامنا في حال التعدي وقال بعضهم لصاحب الدابة إن شاء الكراء بحساب وإن شاء يضمنه قيمة الدابة وإن سلمت وليس نقول بهذا قولنا هو الأول لا يضمنها حتى تعطب قال الشافعي ومن أعطى مالا رجلا قراضا ونهاه عن سلعة يشتريها بعينها فاشتراها فصاحب المال بالخيار إن أحب أن تكون السلعة قراضا على شرطها وإن شاء ضمن المقارض رأس ماله قال الربيع وله قول آخر أنه إذا أمره أن يشتري سلعة بعينها فتعدى فاشترى غيرها فإن كان عقد الشراء بالعين بعينها فالشراء باطل وإن كان الشراء بغير العين فالشراء قد تم ولزم المشتري الثمن والربح له والنقصان عليه وهو ضامن للمال لأنه لما اشترى بغير عين المال صار المال في ذمة المشتري وصار له الربح والخسارة عليه وهو ضامن المال لصاحب المال قال 
 

صفحة : 1177

 الشافعي فان أعطى رجل رجلا شيئا ليشتري له شيئا بعينه فاشترى له ذلك الشيء وغيره بما أعطاه أو أمره أن يشتري له شاة فاشترى شاتين أو عبدا فاشترى عبدين ففيها قولان أحدهما أن صاحب المال بالخيار في أخذ ما أمر به وما ازداد له بغير أمره أو أخذ ما أمره به بحصته من الثمن والرجوع على المشتري بما يبقى من الثمن وتكون الزيادة التي اشترى للمشتري وكذلك إن اشترى بذلك الشيء وباع والخيار في ذلك إلى رب المال لأنه بماله ملك ذلك كله وبماله باع وفي ماله كان الفضل والقول الآخر أنه قد رضي أن يشتري له شيئا بدينار فاشتراه وازداد معه شيئا فهو له فإن شاء أمسكه وإن شاء وهبه لأن من رضي شيئا بدينار فلم يتعد من زاده معه غيره لأنه قد جاء بالذي رضي وزاده شيئا لا مؤنة عليه في ماله وهو معنى قول الشافعي وقال بعض الناس في الدابة يسقط الكراء حيث تعدى لأنه ضامن وقال في المقارض إذا تعدى ضمن وكان له الفضل بالضمان ولا أدري أقال يتصدق به أم لا قال الشافعي وقال في الذي اشترى ما أمر به وغيره معه للامر ما أمر به بحصته من الثمن وللمأمور ما بقي ولا يكون للامر بحال لأنه اشترى بغير أمره قال الشافعي فجعل هذا القول بابا من العلم ثبته أصلا قاس عليه في الإجارات والبيوع والمقارضة شيئا كثيرا أحسبه لو جمع كان دفاتر قال الشافعي فقيل لبعض من قال هذا القول قد زعمنا وزعمتم أن الأصل من العلم لا يكون أبدا إلا من كتاب الله تعالى أو سنة رسول الله  أو قول أصحاب رسول الله  أو بعضهم أو أمر أجمعت عليه عوام الفقهاء في الأمصار فهل قولكم هذا واحد من هذا قال لا قيل فإلى أي شيء ذهبتم فيه قال قال شريح في بعضه قلنا قد رددنا نحن وأنتم هذا الكلام وأكثرنا أتزعمون أن شريحا حجة على أحد إن لم يقله إلا شريح قال لا وقد نخالف شريحا في كثير من أحكامه بآرائنا قلنا فإذا لم يكن شريح عندكم حجة على الإنفراد فيكون حجة على خبر رسول الله  أو على أحد من أصحابه قال لا وقال ما دلكم على أن الكراء والربح والضمان قد يجتمع فقلنا لو لم يكن فيه خير كان معقولا وقلنا دلنا عليه الخبر الثابت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن عمر والخبر عندكم الذي تثبتونه عن رسول الله  قال الشافعي ولو كان ما قالوا من أن من ضمنت له دابة أو بيته أو شيء من ملكه لم يكن له إجارة أو ماله لم يكن له من ربحه شيء كانوا قد أكثروا خلافه قال الشافعي وهم يزعمون أن رجلا لو تكارى من رجل بيتا لم يكن له أن يعمل فيه رحى ولا قصارة ولا عمل 
 

صفحة : 1178

 الحدادين لأن هذا مضر بالبناء فإن عمل هذا فانهدم البيت فهو ضامن لقيمة البيت وإن سلم البيت فله أجره ويزعمون أن من تكارى قميصا فليس له أن يأتزر به لأن القميص لا يلبس هكذا فإن فعل فتخرق ضمن قيمة القميص وإن سلم كان له أجره ويزعمون أنه لو تكارى قبة لينصبها فنصبها في شمس أو مطر فقد تعدى لإضرار ذلك بها فإن عطبت ضمن وإن سلمت فعليه أجرها مع أشياء من هذا الضرب يكتفي بأقلها حتى يستدل على أنهم قد تركوا ما قالوا ودخلوا فيما عابوا مما مضت به الآثار ومما فيه صلاح الناس قال الشافعى وأما ما قالوا الحيلة يسيرة لمن لا يخاف الله أن يعطي مالا قراضا فيغيب به ويتعدى فيه فيأخذ فضله ويمنعه رب المال ويتكارى دابة ميلا فيسير عليها أشهرا بلا كراء ولا مؤنة إن سلمت قال قائل منهم إنا لنعلم أن قد تركنا قولنا حيث ألزمنا الضمان والكراء ولكنا استحسنا قولنا قلنا إن كان قولك عندك حقا فلا ينبغي أن تدعه وإن كان غير حق فلا ينبغي أن تقيم على شيء منه فما الأحاديث التي عليها اعتمدتم قلنا لهم أما أحاديثكم فإن سفيان بن عيينة أخبرنا عن شبيب ابن غرقدة أنه سمع الحي يحدثون عن عروة بن أبي الجعد أن رسول الله  أعطاه دينارا يشتري له به شاة أو أضحية فاشترى له شاتين فباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار فدعا له رسول الله  في بيعه بالبركة فكان لو اشترى ترابا لربح فيه قال الشافعي وروى هذا الحديث غير سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة فوصله ويرويه عن عروة بن أبي الجعد بمثل هذه القصة أو معناها قال الشافعي فمن قال له جميع ما اشترى له بأنه بماله اشترى فهو ازدياد مملوك له قال إنما كان ما فعل عروة من ذلك ازديادا ونظرا لرسول الله  ورضى رسول الله  بنظره أن لا يضمنه وأن يملك ما ملك عروة بماله ودعا له في بيعه ورأى عروة بذلك محسنا غير عاص ولو كان معصية نهاه ولم يقبلها ولم يملكها في الوجهين معا قال الشافعي ومن رضي أن يملك شاة بدينار فملك بالدينار شاتين كان به أرضى وإن معنى ما نضمنه إن أراد مالك المال بأنه إنما أراد ملك واحدة وملكه المشتري الثانية بلا أمره ولكنه إن شاء ملكها على المشتري ولم يضمنه ومن قال هما له جميعا بلا خيار قال إذا جاز عليه أن يشتري شاة بدينار فأخذ شاتين فقد أخذ واحدة تجوز بجميع الدينار فأوفاه وازداد له بديناره شاة لا مؤنة عليه في ماله في ملكها وهذا أشبه القولين بظاهر الحديث والله تعالى أعلم قال الشافعي والذي يخالفنا يقول في مثل هذه المسألة هو مالك لشاة بنصف دينار والشاة 
 

صفحة : 1179

 الأخرى وثمن إن كان لها للمشتري لا يكون للآمر أن يملكها أبدا بالملك الأول والمشتري ضامن لنصف دينار أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم خرجا في جيش إلى العراق فلما قفلا مرا على عامل لعمر فرحب بهما وسهل وهو أمير البصرة وقال لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت ثم قال بلى ههنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان متاعا من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح فقالا وددنا ففعل وكتب لهما إلى عمر أن يأخذ منهما المال فلما قدما المدينة باعا فربحا فلما دفعا إلى عمر قال لهما أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما فقالا لا فقال عمر قال إبنا أمير المؤمنين فأسلفكما فأديا المال وربحه فأما عبد الله فسكت وأما عبيد الله فقال ما ينبغي لك هذا يا أمير المؤمنين لو هلك المال أو نقص لضمناه فقال أدياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله فقال رجل من جلساء عمر يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح ذلك المال قال الشافعي ألا ترى إلى عمر يقول أكل الجيش أسلفه كما أسلفكما كأنه والله أعلم يرى أن المال لا يحمل إليه مع رجل يسلفه فيبتاع به ويبيع إلا وفي ذلك حبس للمال بلا منفعة للمسلمين وكان عمر والله تعالى أعلم يرى أن المال يبعث به أو يرسل به مع ثقة يسرع به المسير ويدفعه عند مقدمه لا حبس فيه ولا منفعة للرسول أو يدفع بالمصر الذي يجتاز إليه إلى ثقة يضمنه ويكتب كتابا بأن يدفع في المصر الذي فيه الخليفة بلا حبس أو يدفع قراضا فيكون فيه الحبس بلا ضرر على المسلمين ويكون فضل إن كان فيه حبس إن كان له فلما لم يكن المال المدفوع إلى عبد الله وعبيد الله بواحد من هذه الوجوه ولم يكن ملكا للوالي الذي دفعه إليهما فيجيز أمره فيما يملك إليه فيما يرى أن الربح والمال للمسلمين فقال عمر أدياه وربحه فلما راجعه عبيد الله وأشار عليه بعض جلسائه وبعض جلسائه عندنا من أصحاب رسول الله  أن يجعله قراضا رأى أن يفعل وكأنه والله تعالى أعلم رأى أن الوالي القائم به الحاكم فيه حتى يصير إلى عمر ورأى أن له أن ينفذ ما صنع الوالي مما يوافق الحكم فلما كان لو دفعه الوالي قراضا كان على عمر أن ينفذ الحبس له والعوض بالمنفعة للمسلمين في فضله رد ما صنع الوالي إلى ما يجوز مما لو صنعه لم يرده عليه ورد منه فضل الربح الذي لم ير له أن يعطيهما وأنفذ لهما نصف الربح الذي كان له أن يعطيهما قال الشافعي قد كانا ضامنين للمال وعلى الضمان 
 

صفحة : 1180

 أخذاه ولو هلك ضمناه ألا ترى أن عمر لم يرد على عبيد الله قوله لو هلك أو نقص كنا له ضامنين ولم يرده أحد ممن حضره من أصحاب رسول الله  ولم يقل عمر ولا أحد من أصحاب رسول الله  لكما الربح بالضمان بل جمع عليهما الضمان وأخذ منهما بعض الربح فقال قائل فلعل عمر استطاب أنفسهما قلنا أو ما في الحديث دلالة على أنه إنما حكم عليهما ألا ترى أن عبيد الله راجعه قال فلم أخذ نصف الربح ولم يأخذه كله قلنا حكم فيه بأن أجاز منه ما كان يجوز على الإبتداء لأن الوالي لو دفعه إليهما على المقارضة جاز فلما رأى ومن حضره أن أخذهما المال غير تعد منهما وأنهما أخذاه من وال له فكانا يريان والوالي أن ما صنع جائز فلم يزعم ومن حضره ما صنع يجوز إلا بمعنى القراض أنفذ فيه القراض لأنه كان نافذا لو فعله الوالي أولا ورد فيه الفضل الذي جعله لهما على القراض ولم يره ينفذ لهما بلا منفعة للمسلمين فيه أخبرنا عبد الوهاب عن داود بن أبي هند عن رياح ابن عبيدة قال بعث رجل مع رجل من أهل البصرة بعشرة دنانير إلى رجل بالمدينة فابتاع بها المبعوث معه بعيرا ثم باعه بأحد عشر دينارا فسأل عبد الله بن عمر فقال الأحد عشر لصاحب المال ولو حدث بالبعير حدث كنت له ضامنا أخبرنا الثقة من أصحابنا عن عبد الله بن عمر مثل معناه قال الشافعي وابن عمر يرى على المشتري بالبضاعة لغيره الضمان ويرى الربح لصاحب البضاعة ولا يجعل الربح لمن ضمن إذ المبضع معه تعدى في مال رجل بعينه والذي يخالفنا في هذا يجعل له الربح ولا أدري أيأمره أن يتصدق به أم لا وليس معه خبر إلا توهم عن شريح وهم يزعمون أن الأقاويل التي تلزم ما جاء عن النبي  أو عن رجل من أصحابه أو اجتمع الناس عليه فلم يختلفوا وقولهم هذا ليس داخلا في واحد من هذه الأشياء التي تلزم عندنا وعندهم 
ID ' '   سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 

صفحة : 1181


كراء الإبل والدواب 
قال الشافعي رحمه الله تعالى كراء الإبل جائز للمحامل والزوامل والرواحل وغير ذلك من الحمولة وكذلك كراء الدواب للسروج والأكف والحمولة قال الشافعي ولا يجوز من ذلك شيء على شيء مغيب لا يجوز حتى يرى الراكب والراكبين وظرف المحمل والوطاء وكيف الظل إن شرطه لأن ذلك يختلف فيتباين أو تكون الحمولة بوزن معلوم أو كيل معلوم أو ظروف ترى أو تكون إذا شرطت عرفت مثل غرائر الحلبة وما أشبه هذا قال الشافعي فإن قال أتكارى منك محملا أو مركبا أو زاملة فهو مفسوخ ألا ترى أنهما إذا اختلفا لم يوقف على حد هذا وإن شرط وزنا وقال المعاليف أو أراه محملا وقال ما يصلحه فالقياس في هذا كله أنه فاسد لأن ذلك غير موقوف على حده وإن شرط وزنا وقال المعاليق أو أراه محملا فكذلك من الناس من قال أجيزه بقدر ما يراء الناس وسطا قال الشافعي فعقدة الكراء لا تجوز إلا بأمر معلوم كما لا تجوز البيوع إلا معلومة قال الشافعي وإذا تكارى رجل محملا من المدينة إلى مكة فشرط سيرا معلوما فهو أصح وإن لم يشترط فالذي أحفظ أن المسير معلوم وأنه المراحل فيلزمان المراحل لأنها الأغلب من سير الناس فإن قال قائل كيف لا يفسد في هذا الكراء والسير يختلف قيل ليس للافساد ههنا موضع فإن قال فبأي شيء قسته قيل بنقد البلد البلد له نقد وصنج وغلة مختلفة فيبيع الرجل بالدراهم ولا يشترط نقدا بعينه ولا يفسد البيع ويكون له الأغلب من نقد البلد وكذلك يلزمهما الغالب من مسير الناس قال الشافعي فإن أراد المكتري مجاوزة المراحل أو الجمال التقصير عنها أو مجاوزتها فليس ذلك لواحد منهما إلا برضاهما فإن كان بعدد أيام فأراد الجمال أن يقيم ثم يطوى بقدر ما أقام أو أراده المكتري فليس لواحد منهما وذلك أنه يدخل على المكتري التعب والتقصير وكذلك يدخل على الجمال قال الشافعي فإن تكارى منه لعبده عقبة فأراد أن يركب الليل دون النهار بالأميال أو النهار دون الليل أو أراد ذلك به الجمال فليس ذلك لواحد منهما ويركب على ما يعرف الناس العقبة ثم ينزل فيمشي بقدر ما يركب ثم يركب بقدر ما مشى ولا يتابع المشي فيفدحه ولا الركوب فيضر بالبعير قال وإن تكارى إبلا بأعيانها ركبها قال وإن تكارى حمولة ولم يذكر بأعيانها ركب ما يحمله فإن حمله على بعير غليظ فإن كان ذلك ضررا متفاحشا أمر أن يبدله وإن كان شبيها بما يركب الناس لم يجبر على إبداله قال الشافعي وإن كان البعير يسقط أو يعثر فيخاف منه العنت على راكبه أمر بإبداله قال الشافعي وعليه أن يركب 
 

صفحة : 1182

 المرأة البعير باركا وتنزل عنه باركا لأن ذلك ركوب النساء أما الرجال فيركبون على الأغلب من ركوب الناس وعليه أن ينزله للصلوات وينتظر حتى يصليها غير معجل له ولما لا بد له منه كالوضوء وليس عليه أن ينتظره لغير ما لا بد له منه قال وليس للجمال إذا كانت القرى هي المنازل أن يتعداها إن أراد الكلأ ولا للمكتري إذا أراد عزلة الناس وكذلك إن اختلفا في الساعة التي يسيران فيها فإن أراد الجمال أو المكتري ذلك في حر شديد نظر إلى مسير الناس بقدر المرحلة التي يريدان قال الشافعي ولا خير في أن يتكارى بعيرا بعينه إلى أجل معلوم ولا يجوز أن يتكارى إلا عند خروجه لأن المكارى ينتفع بما أخذ من المكتري ولا يلزم الجمال الضمان للحمولة إن مات البعير بعينه لا يجوز أن يشتري شيئا غائبا بعينه إلى أجل وإنما يجوز الكراء على مضمون بغير عينه مثل السلم أو على شيء يقبض المكتري فيه ما اكترى عند اكترائه كما يقبض المبيع قال الشافعي فإن تكارى إبلا بأعيانها فركبها ثم ماتت رد الجمال مما أخذ منه بحساب ما بقي ولم يضمن له الحمولة وذلك بمنزلة المنزل يكتريه والعبد يستأجره وإنما تلزمه الحمولة إذا شرطها عليه غير إبل بأعيانها كانت لازمة للجمال بكل حال والكراء لازم للمكتري والكراء بكل حال لا يفسخ أبدا بموتهما ولا بموت واحد منهما هو في مال الجمال إن مات ومال المكتري إن مات وتحمل ورثة الميت حمولته أو وزنها وراكبا مثله وورثة الجمال إن شاءوا قاموا بالكراء وإلا باع السلطان في ماله واستأجر عليه من يوفى المكتري ما شرط له من الحمولة قال الشافعي وإن اختلفا في الرحلة رحل لا مكبوبا ولا مستلقيا وإن انكسر المحمل أو الظل أبدل محملا مثله أو ظلا مثله وإن اختلفا في الزاد الذي ينفد بعضه فقال صاحب الزاد أبدله بوزنه فالقياس أن يبدل له حتى يستوفى الوزن قال ولو قال قائل ليس له أن يبدل من قبل أنه معروف أن الزاد ينقص قليلا ولا يبدل مكانه كان مذهبا والله أعلم من مذاهب الناس قال الشافعي والدواب في هذا مثل الإبل إذا اختلفا في المسير سار كما يسير الناس إن لم يكن بينهما شرط لا متعبا ولا مقصرا كما يسير الأكثر من الناس ويعرف خلاف الضرر بالمكتري للدابة والمكري فإن كانت صعبة نظر فإن كانت صعوبتها مشابهة صعوبة عوام الدواب أو تقاربها لزمت المكتري وإن كان ذلك منها مخوفا فإن تكاراها بعينها ولم يعلم تناقضا الكراء إن شاء المكترى وإن تكارى مركبا فعلى المكري الدابة له غيرها مما لا يباين دواب الناس قال الشافعي وعلف الدواب والإبل على الجمال أو مالك الدواب فإن تغيب واحد منهما فعلف المكتري فهو متطوع إلا أن يرفع ذلك إلى السلطان وينبغي 
 

صفحة : 1183

 للسلطان أن يوكل رجلا من أهل الرفقة بأن يعلف ويحسب ذلك على رب الدابة والإبل وإن ضاق ذلك فلم يوجد أحد غير الراكب فإن قال قائل يأمر الراكب أن يعلف لأن من حقه الركوب والركوب لا يصلح إلا بعلف ويحسب ذلك على صاحب الدابة وهذا موضع ضرورة ولا يوجد فيه إلا هذا لأنه لا بد من العلف وإلا تلفت الدابة ولم يستوف المكتري الركوب كان مذهبا قال الشافعي وفي هذا أن المكتري يكون أمين نفسه وإن رب الدابة إن قال لم يعلفها إلا بكذا وقال الأمين علفتها بكذا لأكثر فإن قبل قول رب الدابة في ماله سقط كثير من حق العالف وإن قبل قول المكتري العالف كان القول قوله فيما يلزم غيره وإن نظر إلى علف مثلها فصدق به فيه فقد خرج مالك الدابة والمكتري من أن يكون القول قولهما وقد ترد أشباه من هذا في الفقه فيذهب بعض أصحابنا إلى أن لا قياس وأن القياس ضعيف وقد ذكر في غير هذا الموضع ويقولون يقضى فيما بين الناس بأقرب الأمور في العدل فيما يراه إذا لم يجد فيه متقدما من حكم يتبعه قال الشافعي فيعيب هذا المذهب بعض الناس ويقول لا بد من القياس على متقدم الأحكام ثم يصير إلى أن يكثر القول بما عاب ويرد ما يشبه هذا فيما يرى رده من كره الرأي فإن جاز أن يحكم فيه بما يكون عدلا عند الناس فيما يرى الحاكم فهو مذهب أصحابنا في بعض أقاويلهم وإن لم يجز فقد يترك أهل القياس القياس فيكون والله أعلم فمن ذهب مذهب أصحابنا حمل الناس على أكثر معاملتهم وعلى الأقرب من صلاحهم وأنفذ الحكم على كل أحد من المتنازعين بقدر ما يحضره مما يسمع من قضيتهما مما يشبه الأغلب ومن ذهب مذهب القياس أعاد الأمور إلى الأصول ثم قاسها عليها وحكم لها بأحكامها وهذا ربما تفاحش 
ID ' '   خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 

صفحة : 1184


مسألة الرجل يكتري الدابة فيضربها فتموت 
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي وإذا اكترى الرجل من الرجل الدابة فضربها أو نخسها بلجام أو ركضها فماتت سئل أهل العلم بالركوب فإن كان فعل من ذلك ما تفعل العامة فلا يكون فيه عندهم خوف تلف أو فعل بالكبح والضرب مثل ما يفعله بمثلها عند ما فعله فلا أعد ذلك خرقة ولا شيء عليه وإن كان فعل ذلك عند الحاجة إليه بموضع قد يكون بمثله تلف أو فعله في الموضع الذي لا يفعل في مثله ضمن في كل حال من قبل أن هذا تعد والمستعير هكذا إن كان صاحبه لا يريد أن يضمنه فإن أراد صاحبه أن يضمنه العارية فهو ضامن تعدى أو لم يتعد وأما الرائض فإن من شأن الرواض الذي يعرف به إصلاحهم للدواب الضرب على حملها من السير والحمل عليها من الضرب أكثر ما يفعل الركاب غيرهم فإذا فعل من ذلك ما يكون عند أهل العلم بالرياضة إصلاحا وتأديبا للدابة بلا إعناف بين لم يضمن إن عيت وإن فعل خلاف هذا كان متعديا وضمن والمستعير الدابة هكذا كالمكتري في ركوبها إذا تعدى ضمن وإذا لم يتعد لم يضمن قال الربيع قوله الذي نأخذ به في المستعير أنه يضمن تعدى أو لم يتعد لحديث النبي  العارية مضمونة مؤداة وهو آخر قوله قال الشافعي والراعي إذا فعل ما للرعاء أن يفعلوه مما لا صلاح للماشية إلا به وما يفعله أهل الماشية بمواشي أنفسهم على استصلاحها ومن إذا رأوا من يفعله بمواشيهم ممن يلي رعيتها كان عندهم صلاحا لا تلفا ولا خرقة ففعله الراعي لمن يضمن وإن تلف فيه وإن فعل ما يكون عندهم خزفة فتلف منه شيء ضمنه عند من لا يضمن الأجير ومن ضمن الأجير ضمنه في كل حال 
ID ' '   ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 

صفحة : 1185


مسألة الأجراء 
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال الأجراء كلهم سواء فإذا تلف في أيديهم شيء من غير جنايتهم فلا يجوز أن يقال فيه إلا واحد من قولين أحدهما أن يكون كل من أخذ الكراء على شيء كان له ضامنا يؤديه على السلامة أو يضمنه أو ما نقصه ومن قال هذا القول فينبغي أن يكون من حجته أن يقول الأمين هو من دفعت إليه راضيا بأمانته لا معطى أجرا على شيء مما دفعت إليه وإعطائي هذا الأجر تفريق بينه وبين الأمين الذي أخذ ما استؤمن عليه بلا جعل أو يقول قائل لا ضمان على أجير بحال من قبل أنه إنما يضمن من تعدى فأخذ ما ليس له أو أخذ الشيء على منفعة له فيه إما بتسلط على إتلافه كما يأخذ سلفا فيكون مالا من ماله فيكون إن شاء ينفقه ويرد مثله وإما مستعير سلط على الانتفاع بما أعير فيضمن لأنه أخذ ذلك لمنفعة نفسه لا لمنفعة صاحبه فيه وهذان معا نقص على المسلف والمعير أو غير زيادة له والصانع والأجير من كان ليس في هذا المعنى فلا يضمن بحال إلا ما جنت يده كما يضمن المودع ما جنت يده وليس في هذا سنة أعلمها ولا أثر يصح عند أهل الحديث عن أحد من أصحاب النبي  وقد روى فيه شيء عن عمر وعلي ليس يثبت عند أهل الحديث عنهما ولو ثبت عنهما لزم من يثبته أن يضمن الأجراء من كانوا فيضمن أجير الرجل وحده والأجير المشترك والأجير على الحفظ والرعي وحمل المتاع والأجير على الشيء يصنعه لأن عمر إن كان ضمن الصناع فليس في تضمينه لهم معنى إلا علي رضي الله عنه ضمن القصار والصائغ فكذلك كل صانع وكل من أخذ أجرة وقد يقال للراعي صناعته الرعية وللحمال صناعته الحمل للناس ولكنه ثابت عن بعض التابعين ما قلت أولا من التضمين أو ترك التضمين ومن ضمن الأجير بكل حال فكان مع الأجير ما قلت مثل أن يستحمله الشيء على ظهره أو يستعمله الشيء في بيته أو غير بيته وهو حاضر لماله أو وكيل له بحفظه فتلف ماله بأي وجه ما تلف به إذا لم يجن عليه جان فلا ضمان على الصانع ولا على الأجير وكذلك إن جنى عليه غيره فلا ضمان عليه والضمان على الجاني ولو غاب عنه أو تركه يغيب عليه كان ضامنا له من أي وجهة ما تلف وإن كان حاضرا معه فعمل فيه عملا فتلف بذلك العمل وقال الأجير هكذا يعمل هذا فلم أتعد بالعمل وقال المستأجر ليس هكذا يعمل وقد تعديت وبينهما بينة أو لا بينة بينهما فإن كانت البينة سئل عدلان من أهل تلك الصناعة فإن قالا هكذا يعمل هذا فلا يضمن وإن 
 

صفحة : 1186

 قالا هذا تعدي في عمل هذا ضمن كان التعدي ما كان قل أو كثر وإذا لم تكن بينة كان القول قول الصانع مع يمينه ثم لا ضمان عليه وإذا سمعتني أقول القول قول أحد فلست أقوله إلا على معنى ما يعرف إذا ادعى الذي أجعل القول قوله ما يمكن بحال من الحالات جعلت القول قوله وإذا ادعى مالا يمكن بحال من الحالات لم أجعل القول قوله ومن ضمن الصانع فيما يغيب عليه فجنى جان على ما في يديه فأتلفه فرب المال بالخيار في تضمين الصانع لأنه كان عليه أن يرده إليه على السلامة فإن ضمنه رجع به الصانع على الجاني أو يضمن الجاني فإن ضمنه لم يرجع به الجاني على الصانع وإذا ضمنه الصانع فأفلس به الصانع كان له أن يأخذ من الجاني وكان الجاني في هذا الموضع كالحميل وكذلك لو ضمنه الجاني فأفلس به الجاني رجع به على الصانع إلا أن يكون أبرأ كل واحد منهما عند تضمين الآخر فلا يرجع به وللصانع في كل حال أن يرجع به على الجاني إذا أخذ من الصانع وليس للجاني أن يرجع به على الصانع إذا أخذ منه بحال قال وإذا تكارى الرجل من الرجل على الوزن المعلوم والكيل المعلوم والبلد المعلوم فزاد الوزن أو الكيل أو نقصا وتصادقا على أن رب المال ولي الوزن والكيل قلنا في الزيادة والنقصان لأهل العلم بالصناعة هل يزيد ما بين الوزنين وينقص ما بينهما وبين الكيلين هكذا فيما لم تدخله آفة فإن قالوا نعم قد يزيد وينقص قلنا في النقصان لرب المال قد يمكن النقص عما زعم أهل العلم بلا جناية ولا آفة فلما كان النقص يكون ولا يكون قلنا إن شئت أحلفنا لك الحمال ما خانك ولا تعدى بشيء أفسد متاعك ثم لا ضمان عليه وقلنا للحمال في الزيادة كما قلنا لرب المال في النقصان إذا كانت الزيادة قد تكون لا من حادث ولا زيادة ويكون النقصان وكانت ههنا زيادة فإن لم تدعها فهي لرب المال ولا كراء لك فيها وإن ادعيتها أوفينا رب المال ماله تاما ولم نسلم لك الفضل إلا بأن تحلف ما هو من مال رب المال وتأخذه وإن كان زيادة لا يزيد مثلها أوفينا رب المال ماله وقلنا الزيادة لا يدعيها رب المال فإن كانت لك فخذها وإن لم تكن لك جعلناها كمال في يديك لا مدعى له وقلنا الورع أن لا تأكل ما ليس لك فإن ادعاها رب المال وصدقته كانت الزيادة له وعليه كراء مثلها وإن كنت أنت الكيال للطعام بأمر رب الطعام ولا أمين له معك قلنا لرب الطعام هو يقر بأن هذه الزيادة لك فإن ادعيتها فهي لك وعليك في المكيلة التي اكتريت عليها ما سميت من الكراء وعليك اليمين ما رضيت أن يحمل لك الزيادة ثم هو ضامن لأن يعطيك مثل قمحك ببلدك الذي حمل منه لأنه متعد إلا بأن ترضى أن تأخذه من موضعك فلا يحال بينك 
 

صفحة : 1187

 وبين عين مالك ولا كراء عليك بالعدوان وإن قلت رضيت بأن يحمل لي مكيلة بكراء معلوم وما زاد فبحسابه فالكراء في المكيلة جائز وفي الزيادة فاسد والطعام لك وله كراء مثله في كله فإن كان نقصان لا ينقص مثله فالقول فيه كالقول في المسألة الأولى فمن رأى تضمين الحمال ضمن ما نقص عن المكيلة لا يرفع عنه شيئا ومن لم ير تضمينه لم يضمنه وطرح عنه من الكراء بقدر النقصان 
اختلاف الأجير والمستأجر 
أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا اختلف الرجلان في الكراء وتصادقا في العمل تحالفا وكان للعامل أجر مثله فيما عمل قال وإذا اختلفا في الصنعة فقال أمرتك أن تصبغه أصفر أو تخيط قميصا فخطته قباء وقال الصانع عملت ما قلت لي تحالفا وكان على الصانع ما نقص الثوب ولا أجر له وإن زاد الصبغ فيه كان شريكا بما زاد الصبغ في الثوب وإن نقصت منه فلا ضمان عليه ولا أجر له قال الربيع الذي يأخذ به الشافعي في هذا أن القول قوب رب الثوب وعلى الصانع ما نقص الثوب وإن كان نقصه شيئا لأنه مقر بأخذ الثوب صحيحا ومدع على أنه أمره بقطعه أو صبغه كما وصفت فعليه البينة بما قال فإن لم يكن بينة حلف رب الثوب ولزم الصانع ما نقصته الصنعة وإن كانت زادت الصنعة فيه شيئا كان الصانع شريكا بها إن كانت عينا قائمة فيه مثل الصبغ ولا يأخذ من الأجرة شيئا فإن لم تكن عين قائمة فلا شيء له 
ID ' '   وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 

صفحة : 1188


إحياء الموات 
أخبرنا الربيع قال قال محمد بن إدريس الشافعي ولم أسمع هذا الكتاب منه وإنما أقرأه على معرفة أنه من كلامه قال وبلاد المسلمين شيئان عامر وموات فالعامر لأهله وكل ما صلح به العامر إن كان مرفقا لأهله من طريق وفناء ومسيل ماء أو غيره فهو كالعامر في أن لا يملكه على أهل العامر أحد إلا بإذنهم والموات شيئان موات قد كان عامرا لأهل معروفين في الإسلام ثم ذهبت عمارته فصار مواتا لا عمارة فيه فذلك لأهله كالعامر لا يملكه أحد أبدا إلا عن أهله وكذلك مرافقه وطريقه وأفنيته ومسايل مائه ومشاربه والموات الثاني ما لم يملكه أحد في الإسلام بعرف ولا عمارة ملك في الجاهلية أو لم يملك فذلك الموات الذي قال رسول الله  من أحيا مواتا فهو له والموات الذي للسلطان أن يقطعه من يعمره خاصة وأن يحمي منه ما رأى أن يحميه عاما لمنافع المسلمين وسواء كل موات لا مالك له إن كان إلى جنب قرية جامعة عامرة وفي واد عامر بأهله وبادية عامرة بأهلها وقرب نهر عامر أو صحراء أو أين كان لا فرق بين ذلك قال وسواء من أقطعه الخليفة أو الوالي أو حماه هو بلا قطع من أحد مواتا لا مالك له وكل هؤلاء أحياء لا فرق بينهم 
ID ' '   ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 

صفحة : 1189


ما يكون إحياء 
قال الشافعي رحمه الله تعالى وإنما يكون الإحياء ما عرفه الناس إحياء لمثل المحيا إن كان مسكنا فأن يبني بمثل ما يبنى به مثله من بنيان حجر أو لبن أو مدر يكون مثله بناء وهكذا ما أحيا الآدمي من منزل له أو لدواب من حظار أو غيره فأحياه ببناء حجر أو مدر أو بماء لأن هذه العمارة بمثل هذا ولو جمع ترابا لحظار أو خندق لم يكن هذا إحياء وكذلك لو بنى خياما من شعر أو جريد أو خشب لم يكن هذا إحياء تملك له الأرض بالإحياء وما كان هذا قائما لم يكن لأحد أن يزيله فإذا أزاله صاحبه لم يملكه وكان لغيره أن ينزله ويعمره وهذا كالفسطاط يضربه المسافر أو المنتجع لغيث وكالخباء وكالمناخ وغيره ويكون الرجل أحق به حتى يفارقه فإذا فارقه لم يكن له فيه حق وهكذا الحظار بالشوك والخصاف وغيره وعمارة الغراس والزرع أن يغرس الرجل الأرض فالغراس كالبناء إذا أثبته في الأرض كان كالبناء يبنيه فإذا انقطع الغراس كان كانهدام البناء وكان مالكا للأرض ملكا لا يحول عنه إلا منه وبسببه وأقل عمارة الزرع الذي لا يظهر ماء لرجل عليه التي تملك بها الأرض كما يملك ما ينبت من الغراس أن يحظر على الأرض بما يحظر بمثله من حجر أو مدر أو سعف أو تراب مجموع ويحرثها ويزرعها فإذا اجتمع هذا فقد أحياها إحياء تكون به له وأقل ما يكفيه من هذا أن يجمع ترابا يحيط بها وإن لم يكن مرتفعا أكثر من أن تبين به الأرض مما حولها ويجمع مع هذا حرثها وزرعها وهكذا إن ظهر عليه ماء سيل أو غيل مشترك أو ماء مطر لأن الماء مشترك فإن كان له ماء خاص وذلك ماء عين أو نهر يحفرها يسقي بها أرضا فهذا إحياء لها وهكذا إن ساق إليها من نهر أو واد أو غيل مشترك في ماء عين له أو خليج خاصة فسقاها به فقد أحياها الإحياء الذي يملكها به قال الشافعي ما لا يملكه أحد من المسلمين صنفان أحدهما يجوز أن يملكه من يحييه وذلك مثل الأرض تتخذ للزرع والغراس والآبار والعيون والمياه ومرافق هذا الذي لا يكمل صلاحه إلا به وهذا إنما تجلب منفعته بشيء من غيره لا كبير منفعة فيه هو نفسه وهذا إذا أحياه رجل بأمر وال أو غير أمره ملكه ولم يملك أبدا إلا أن يخرجه من أخياه من يده والصنف الثاني ما تطلب المنفعة منه نفسه ليخلص إليها لا شيء يجعل فيه من غيره وذلك المعادن كلها الظاهرة والباطنة من الذهب والتبر والكحل والكبريت والملح وغير ذلك وأصل المعادن صنفان ما كان ظاهرا كالملح الذي يكون في الجبال ينتابه الناس فهذا لا يصلح لأحد أن يقطعه أحدا بحال والناس فيه شرع وهكذا النهر 
 

صفحة : 1190

 والماء الظاهر فالمسلمون في هذا كلهم شركاء وهذا كالنبات فيما لا يملكه أحد وكالماء فيما لا يملكه أحد فإن قال قائل ما الدليل على ما وصفت قيل أخبرنا ابن عيينة عن معمر عن رجل من أهل مأرب عن أبيه أن الأبيض بن جمال سأل رسول الله  أن يقطعه ملح مأرب فأراد أن يقطعه أو قال أقطعه إياه فقيل له إنه كالماء العد قال فلا إذن قال الشافعي فنمنعه إقطاع مثل هذا فإنما هذا حمى وقد قضى رسول الله  لا حمى إلا لله ورسوله فإن قال قائل فكيف يكون حمى قيل هو لا يحدث فيه شيئا تكون المنفعة فيه من عمله ولا يطلب فيه شيئا لا يدركه إلا بالمؤنة عليه إنما يستدرك فيه شيئا ظاهرا ظهور الماء والكلأ فإذا تحجر ما خلق الله من هذا فقد حمى لخاصة نفسه فليس ذلك له ولكنه شريك فيه كشركته في الماء والكلأ الذي ليس في ملك أحد فإن قال قائل فإقطاع الأرض للبناء والغراس ليس حمى قيل إنه إنما يقطع من الأرض ما لا يضر بالناس وما يستغني به وينتفع به هو وغيره قال ولا يكون ذلك إلا بما يحدثه هو فيه من ماله فتكون منفعته بما استحدث من ماله من بناء أحدثه أو غرس أو زرع لم يكن لآدمي وماء احتفره ولم يكن وصل إليه آدمي إلا باحتفاره وقد أقطع رسول الله  الدور والأرضين فدل على أن الحمى الذي نهى عنه رسول الله  هو أن يحمي الرجل الأرض لم تكن ملكا له ولا لغيره بلا مال ينفقه فيها ولا منفعة يستحدثها بها فيها لم تكن فيها فهذا معنى قطيع مأذون فيه لا حمى منهي عنه قال الربيع يريد الذي هو مأذون فيه الذي استحدث فيه بالنفقة من ماله وأما ما كان فيه منفعة بلا نفقة على من حماه فليس له أن يحميه قال الشافعي ومثل هذا كل عين ظاهرة كنفط أو قار أو كبريت أو موميا أو حجارة ظاهرة كموميا في غير ملك لأحد فليس لأحد أن يتحجرها دون غيره ولا لسلطان أن يمنعها لنفسه ولا لخاص من الناس لأن هذا كله ظاهر كالماء والكلأ وهكذا عضاه الأرض ليس للسلطان أن يقطعها لمن يتحجرها دون غيره لأنها ظاهرة ولو أقطعه أرضا يعمرها فيها عضاه فعمرها كان ذلك له لأنه حينئذ يحدث فيها ما وصفت بماله مما هو أنفع مما كان فيها ولو تحجر رجل لنفسه من هذا شيئا أو منعه له سلطان كان ظالما ولو أخذ في هذا الحال من هذا شيئا لم يكن عليه أن يرده إلا أنه يشرك فيه من منعه منه ولا أن يغرم لمن منعه شيئا بمنعه وذلك أنه لم يأخذ شيئا كان لأحد فيضمن له ما أخذ منه وإن منع الرجل مما للرجل أن يأخذه من جهة الإباحة لا يلزمه غرما إلا أنه لم يمنعه أن يحتطب حطبا أو ينزل أرضا لم يضمن له شيئا 
 

صفحة : 1191

 إنما يضمن ما أتلف لرجل أو أخذ مما كان ملكه لرجل ولو أحدث على شيء من هذا بناء قيل له حول بناءك ولا قيمة له فيما أحدث بتحويله لأنه أحدث فيما ليس له بغير إذن فإن كان أحدث البناء في عين لا يمنع منفعتها لم يحول بناؤه وقيل له لك بناؤك ولا تمنع أحدا من هذه المنفعة وأنت وهم فيها شرع ولو كان بقعة من الساحل أو الأرض يرى أنها تصلح للملح لا يوجد فيها إلا بصنعة وذلك أن يحفر ترابا من أعلاها فينحى ثم يسرب إليها ماء فيدخلها فيظهر ملحها بذلك أو يحفر عنها التراب فيظهر فيها في وقت من الأوقات ماء ثم يظهر فيها ملح كان للسلطان والله تعالى أعلم أن يقطعها وللرجل أن يعمرها ثم تكون له كما تكون له الأرض بالزرع والبناء وذلك أن هذا أكثر عمارتها وأن هذا شيء لا تأتي منفعته إلا بصنعة وفي وقت ليس بدائم وحديث معمر أن النبي  أقطع الملح فلما أخبر أنه دائم كالماء منعه ذلك وهذا كالأرض يقطعها فيحفر فيها البئر لأن المنفعة كانت محولا دونها إلا بعمله وقد يعمل فيها فتقل المنفعة وتكثر ويخلف ولا يخلف قال الشافعي ثم تفرق القطائع فرقين فتكون بما وصفت مما إذا أقطعه الرجل فأحياه ملكه من الأرض بالبناء والغراس والزرع والآبار والملح وما أشبه هذا فإذا ملكه لم يملك أبدا إلا عنه وهكذا إذا أحياه ولم يقطعه لأن كل من أحيا مواتا فبقطع رسول الله  أحياه وعطاء رسول الله  أكثر من عطاء كل أحد بعده من سلطان وغيره ثم يكون شيء يقطعه المرء فيكون له الانتفاع به ومنعه من غيره ما أقام فيه أو وكيل له فإذا فارقه لم يكن ملكا له ولا يكون له أن يبيعه وذلك أنه إقطاع أرفاق لا تمليك وذلك مثل المقاعد بالأسواق التي هي طرق المسلمين كافة فمن قعد في موضع منها لبيع كان أحق به بقدر ما يصلح له ومتى قام عنه لم يكن له ان يمنعه من غيره قال وهكذا القوم من العرب يحلون الموضع من الأرض في أبنيتهم من الشعر وغيره ثم ينتجعون عنه لا تكون هذه عمارة يملكون بها حيث نزلوا وكذلك لو بنوا خياما لأن الخيام تجف وتحول تحويل أبنية الشعر والفساطيط وهذا والمقاعد بالسوق ليس بإحياء موات وفي إقطاع المعادن قولان أحدهما أنه مخالف لإقطاع الأرض لأن من أقطع أرضا فيها معادن أو عملها ليست لأحد فسواء في ذلك كله وسواء كان المعادن ذهبا أو فضة أو نحاسا أو حديدا أو شيئا في معنى الذهب والفضة مما لا يخلص إلا بمؤنة ولم يكن ملكا لأحد فللسلطان أن يقطعها من استقطعه إياها ممن يقوم به وكانت هذه كالموات في أن له أن يقطعه إياها ومخالفة للموات في أحد القولين وأن الموات إذا أحييت مرة 
 

صفحة : 1192

 ثبت إيحاؤها وهذه إذا أحييت مرة ثم تركت دثر إحياؤها وكانت في كل يوم مبتدأ الإحياء يطلبون فيها مما يطلب في المعادن فإقطاعه الموات ليحييه يثبته له ملكا ولا ينبغي أن يقطعه المعادن إلا على أن يكون له منفعتها ما أحياها وإحياؤها إدامة العمل فيها فإذا عطلها فليس له منعها من أحد عمل فيها ولا ينبغي أن يقطعه منها ما لا يعمل ولا وقت في قدر ما يقطعه منها إلا ما احتمل عمله قل منها ما عمل أو كثر والتعطيل للمعادن أن يقول قد عجزت عنها قال الشافعي فمن خالف بين إقطاع المعادن والأرضين للزرع البغي أن يكون من حجته أن يقول إن المعادن إنما هي شيء يطلب فيه ذهب أو فضة أو غير ذلك مما هو غائب عن الطالب مخلوق فيه ليست للآدميين فيه صنعة إنما يلتمسونه ويخلصونه والتماسه وتخليصه ليس صنعة فيه فلا يكون لأحد أن يحتجره على أحد إلا ما كان يعمل فيه فأما أن يمنع المنفعة فيه غيره ولا يعمل هو فيه فليس له ولقد رأيت للسلطان أن لا يقطع معدنا إلا على ما أصف من أن يقول أقطع فلانا معادن كذا على أن يعمل فيها فما رزقه الله أدى ما يجب عليه فيما يخرج منه وإذا عطلها كان لمن يحييها العمل فيها وليس له أن يبيعها له قال ومن حجة من فرق بين ملكها وبين ملك الأرض أن يقول ليس له بيعها ولا بيع الأرض لا معدن فيها قال ومن قال هذا قال ولو ملكه إياها السلطان وهو يعملها ملكا بكل حال لم يكن له إلا على ما وصفت وكان هذا جورا من السلطان يرد وإن عملها هو بغير عطاء من السلطان كانت له حتى يعطلها ومن قال هذا أشبه أن يحتج بأن الرجل يحفر البئر بالبادية فتكون له فإذا أورد ما شيته لم يكن له منع فضل مائها وجعل عمله فيها غير إحياء له جعله مثل المنزل ينزل بالبادية فلا يكون لأحد أن يحوله عنه وإذا خرج منه لم يمنع منه من ينزله وجعله غير مملوك وسواء في هذا معدن الذهب والفضة وكل تبر وغيره مما يطلب بالعمل ولا يكون ظاهرا كظهور الماء والملح الظاهر وأما ما كان من هذا ظاهرا من ذهب أو غيره فليس لأحد أن يقطعه ولا يمنعه وللناس أن يأخذوا منه ما قدروا عليه وكذلك الشذر يوجد في الأرض ولو أن رجلا أقطع أرضا فأحياها بعمارة بناء أو زرع أو غيره فظهر فيها معدن كان يملكه ملك الأرض وكان له منعه كما يمنع أرضه في القولين معا والقول الثاني أن الرجل إذا أقطع المعدن فعمل فيه فقد ملكه ملك الأرض وكذلك إذا عمله بغير إقطاع وما قلت في القولين معا في المعادن فإنما أردت بها الأرض القفر تكون أرض معادن فيعملها الرجل معادن وفي القول الأول يكون عمله فيها لا يملكه إياها إلا ملك الاستمتاع يمنعه ما كان يعمل فيه فإذا عطله لم 
 

صفحة : 1193

 يمنعه غيره وفي القول الثاني إذا عمل فيها فهو كإحياء الأرض يملكها أبدا ولا تملك إلا عنه قال وكل معدن عمل جاهليا ثم أراد رجل استقطاعه ففيه أقاويل منها أنه كالبئر الجاهلية والماء المعد فلا يمنع أحد العمل فيه ولا يكون أحد أولى به من أحد يعمل فيه فإذا استبقوا إليه فإن وسعهم عملوا معا وإن ضاق أقرع بينهم أيهم يبدأ ثم يتبع الآخر فالآخر حتى يتواسوا فيه والثاني أن للسلطان أن يقطعه على المعنى الأول يعمل فيه من أقطعه ولا يملكه ملك الأرض فإذا تركه عمل فيه غيره والثالث يقطعه فيملكه ملك الأرض إذا أحدث فيه عمارة وكل ما وصفت من إحياء الموات وإقطاع المعادن وغيرها فإنما أعني في عفو بلاد العرب الذي عامره عشر وعفوه غير مملوك قال وكل ما ظهر عليه عنوة من بلاد العجم فعامره كله لمن ظهر عليه من المسلمين على خمسة أسهم لأهل الخمس سهم وأربعة لمن أوجف عليه فيقسم بينهم قسم الميراث وما ملكوا بوجه من الوجوه وما كان في قسم أحدهم من معدن فهو له كما يظهر المعدن في دار الرجل فيكون له ويظهر بئر الماء فيكون له قال الشافعي وإن كان فيها معدن ظاهر فوقع في قسم رجل بقيمته فذلك له كما يقع في قسمة العمارة بقيمة فتكون له وكل ما كان في بلاد العنوة مما عمر مرة ثم ترك فهو كالعامر القائم العمارة وذلك ما ظهرت عليه الأنهار وعمر بغير ذلك على نطف السماء وبالرشاء وكل ما كان لم يعمر قط من بلادهم وكان مواتا فهو كالموات من بلاد العرب لا يختلف في أنه ليس بملك لأحد دون أحد ومن أراد أن يقطع منه أقطع ممن أوجف أو لم يوجف هم سواء فيه لا تختلف حالاتهم فيما أحيوا وأرادوا من الإقطاع قال وما كان من بلاد العجم صلحا فأنظر مالكه فإن كان المشركون مالكيه فهو لهم ليس لأحد أن يعمل فيه معدنا ولا غيره إلا بإذنهم وعليهم ما صولحوا عليه قال وإن كان المسلمون مالكين شيئا منه بشيء ترك لهم فخمس ما صولح عليه المسلمون لأهل الخمس وأربعة أخماسه لجماعة أهل الفيء من المسلمين حيث كانوا فيقسم لأهل الخمس رقبة الأرض والدور ولجماعة المسلمين أربعة أخماس فمن وقع في ملكه شيء كان له وإن صالحوا المسلمين على موات مع العامر فالموات مملوك كالعامر وما كان في حق امرئ من معدن فهو له وما كان في حق جماعة من معدن فبينهم كما يكون بينهم ما سواه وإن صالحوا المسلمين على أن لهم الأرض ويكونون أحرارا ثم عاملهم المسلمون بعد فإن الأرض كلها صلح وخمسها لأهل الخمس وأربعة أخماسها لجماعة المسلمين كما وصفت وإذا وقع صلحهم على العامر ولم يذكروا العامر فقالوا لكم أرضنا فلهم من أرضهم ما وصفت من العامر 
 

صفحة : 1194

 والعامر ما فيه أثر عمارة أو ظهر عليه النهر أو عرفت عمارته بوجه وما كان من الموات في بلادهم فمن أراد اقطاعه ممن صالح عليه أو لم يصالح أو عمره ممن صالح أو لم يصالح فسواء لأن ذلك كان غير مملوك كما كان عفو بلاد العرب غير مملوك لهم ولو وقع الصلح على عامرها ومواتها كان الموات مملوكا لمن ملك العامر كما يجوز بيع الموات من بلاد المسلمين إذا حازه رجل يجوز الصلح من المشركين إذا حازوه دون المسلمين فمن عمل في معدن في أرض ملكها لواحد أو جماعة فجميع ما خرج من المعدن لمن ملك الأرض ولا شيء للعامل في عمله لأنه متعد بالعمل ومن عمل في معدن بينه وبين غيره أدى إلى غيره نصيبه مما خرج من المعدن وكان متطوعا بالعمل لا أجر له فيه وإن عمل بإذنه أو على أن له ما خرج من عمله فسواء وأكثر هذا أن يكون هبة لا يعرفها الواهب ولا الموهوب له ولم يقبض فالآذن في العمل والقائل اعمل ولك ما خرج من عملك سواء له الخيار في أن يتم ذلك للعامل وكذلك أحب له أن يرجع فيأخذ نصيبه مما خرج من غلة ويرجع عليه العامل بأجر مثله في قول من قال يرجع وليس هذا كالدابة يأذن له في ركوبها لأنه قد عرف ما أعطاه وقبضه 
عمارة ما ليس معمورا من الأرض التي لا مالك لها 
قال الشافعي كان يقال الحرم دار قريش ويثرب دار الوس والخزرج وأرض كذا دار بني فلان على معنى أنهم ألزم الناس لها وأن من نزلها غيرهم إنما ينزلها شبيها بالمجتاز وعلى معنى أن لهم مياهها التي لا تصلح مساكنها إلا بها وليس ما سمته العرب من هذا دارا لبني فلان بالموجب لهم أن يكون ملكا مثل ما بنوه أو زرعوها أو اختبروه لأنه موات أحي كماء زلوه مجتازين وفارقوه وكما يحي ما قارب ما عمروا وإنما يملكون بما أحيوا ما أحيوا ولا يملكون ما لم يحيوا قال الشافعي وبيان ما وصفت في السنة ثم الأثر منه ما وصفت قبل هذا الباب من قول النبي  لا حمى إلا لله ورسوله ثم قول عمر رضي الله عنه إنها لبلادهم ولولا المال الذي احمل عليه في سبيل الله تعالى ما حميت عليهم من بلادهم شبرا أي أنها تنسب إليهم إذا كانوا ألزم الناس لها وأمنعه أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي  قال من أحيا مواتا فهو له وليس لعرق ظالم فيه حق قال الشافعي وجماع العرق الظالم كل ما حفر أو غرس أو بني ظلما في حق امرئ بغير خروجه منه أخبرنا سفيان عن طاوس أن رسول الله  قال من أحيا مواتا من الأرض فهو له وعادى الأرض لله لله ولرسوله 
 

صفحة : 1195

 ثم هي لكم مني قال الشافعي ففي هذين الحديثين وغيرهما الدلالة على أن الموات ليس ملكا لأحد بعينه وأن من أحيا مواتا من المسلمين فهو له وأن الإحياء ليس هو بالنزول فيه وما أشبهه وأن الإحياء الذي يعرفه الناس هو العمارة بالحجر والمدر والحفر لما بني دون اضطراب الأبنية وما أشبه ذلك ومن الدليل على ما وصفت أيضا ان ابن عيينة أخبرنا عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة أن رسول الله  لما قدم المدينة أقطع الناس الدور فقال حي من بني زهرة يقال لهم بنو عبد بن زهرة لرسول الله  نكب عنا ابن أم عبد فقال رسول الله  فلم ابتعثني الله إذا إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه قال الشافعي والمدينة بين لا بتين تنسب إلى أهلها من الأوس والخزرج ومن فيه من العرب والعجم فلما كانت المدينة صنفين أحدهما معمور ببناء وحفر وغراس وزرع والآخر خارج من ذلك فأقطع رسول الله  الخارج من ذلك من الصحراء استدللنا على أن الصحراء وإن كانت منسوبة إلى حي بأعيانهم ليست ملكا لهم كملك ما أحيوا ومما يبين ذلك أن مالكا أخبرنا عن ابن هشام عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال كان الناس يحتجرون على عهد عمر بن الخطاب فقال عمر من أحيا أرضا مواتا فهي له أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرقي عن أبيه عن علقمة بن نضلة أن أبا سفيان بن حرب قام بفناء داره فضرب برجله وقال سنام الأرض إن لها أسناما زعم ابن فرقد الأسلمي أني لا أعرف حقي من حقه لي بياض المروة وله سوادها ولي ما بين كذا إلى كذا فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال ليس لأحد إلا ما أحاطت عليه جدرانه إن إحياء الموات ما يكون زرعا أو حفرا أو يحاط بالجدران وهو مثل إبطاله التحجير بغير ما يعمر به مثل ما يحجر قال الشافعي وإذا أبان رسول الله  أن من أحيا أرضا مواتا فهي له والموات ما لا ملك فيه لأحد خالصا دون الناس فللسطان أن يقطع من طلب مواتا فإذا أقطع كتب في كتابه ولم أقطعه حق مسلم ولا ضررا عليه قال الشافعي وخالفنا في هذا بعض الناس فقال ليس لأحد أن يحمي مواتا إلا بإذن سلطان ورجع صاحبه إلى قولنا فقال وعطية رسول الله  أثبت العطايا فمن أحيا مواتا فهو له بعطية رسول الله  وليس للسلطان أن يعطي إنسانا ما لا يحل للانسان أن يأخذه من موات لا مالك له أو حق لغيره يعرفه له والسلطان لا يحل له شيئا ولا يحرمه ولو أعطى السلطان أحدا شيئا لا يحل له لم يكن له أخذه أخبرنا ابن عيينة عن هشام عن 
 

صفحة : 1196

 أبيه أن رسول الله  أقطع الزبير أرضا وأن عمر رضي الله عنه أقطع العقيق وقال أين المستقطعون منذ اليوم أخبرناه مالك عن ربيعة قال الشافعي ومن أقطعه السلطان اليوم قطيعا أو تحجر أرضا فمنعها من أحد يعمرها ولم يعمرها رأيت للسلطان والله أعلم أن يقول له هذه أرض كان المسلمون فيها سواء لا يمنعها منهم أحد وإنما أعطيناكها أو تركناك وحوزها لأنا رأينا العمارة لها غير ضرر بين على جماعة المسلمين منفعة لك وللمسلمين فيها ينالون من رفقها فإن أحييتها وإلا خلينا من أراد إحياءها من المسلمين فأحياها فإن أراد أجلا رأيت أن يؤجل قال الشافعي وإذا كان هذا هكذا كان للسلطان أن لا يعطيه ولا يدعه يتحجر على المسلمين شيئا لا يعمره ولم يدعه أن يتحجر كثيرا يعلمه لا يقوى عليه وتركه وعمارة ما يقوى عليه قال الشافعي وإن كانت أرضا يطلب غير واحد عمارتها فإن كانت تنسب إلى قوم فطلبها بعضهم وغيرهم كان أحب إلى أن يعطيها من تنسب إليهم دون غيرهم ولو أعطاها الإمام غيرهم لم أر بذلك بأسا إن كانت غير مملوكة لأحد ولو تشاحوا فيها فضاقت عن أن تسعهم رأيت أن يقرع بينهم فأيهم خرج سهمه أعطاه إياها ولو أعطاهم بغير قرعة لم أر عليه بأسا إن شاء الله وإن اتسع الموضع أقطع من طلب منه فإن بدأ بأحد فأقطعه ترك له حريما للطريق ومسيلا للماء ومغيضة وكل ما لا صلاح لما أقطعه إلا به 
ID ' '   جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 

صفحة : 1197


من أحيا مواتا كان لغيره 
قال الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل مولى له يقال له هنى على الحمى فقال له يا هني ضم جناحك للناس واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابة وأدخل رب الصريمة والغنيمة وإياي ونعم ابن عفان ونعم ابن عوف فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع وإن رب الصريمة والغنيمة يأتي بعياله فيقول يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبالك فالماء والكلأ أهون علي من الدنانير والدراهم وأيم الله لعلى ذلك إنهم ليرون أني قد ظلمتهم إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام ولولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا فقال لو ثبت هذا عن عمر بإسناد موصول أخذت به وهذا أشبه ما روي عن عمر رضي الله عنه من أنه ليس لأحد أن يتحجر 
وما يملك به الأرض وما لا يملك وكيف يكون الحمى 
قال الشافعي رحمه الله أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب ابن جثامة أن رسول الله  قال لا حمى إلا لله ورسوله وحدثنا غير واحد من أهل العلم أن رسول الله  حمى النقيع قال الشافعي كان الرجل العزيز من العرب إذا انتجع بلدا مخصبا أوفى بكلب على جبل إن كان به أو نشز إن لم يكن جبل ثم استعواه ووقف له من يسمع منتهى صوته بالعواء فحيث بلغ صوته حماه من كل ناحية فيرعى مع العامة فيما سواه ويمنع هذا من غيره لضعفاء سائمته وما أراد قرنه معها فيرعى معها فنرى أن قول رسول الله  والله أعلم لا حمى إلا لله ورسوله لا حمى على هذا المعنى الخاص وأن قوله لله كل محمي وغيره ورسوله أن رسول الله  إنما كان يحمي لصلاح عامة المسلمين لا لما يحمي له غيره من خاصة نفسه وذلك أنه  لا يملك إلا ما لا غناء به وبعياله عنه ومصلحتهم حتى يصير ما ملكه الله من خمس الخمس مردودا في مصلحتهم وكذلك ماله إذا حبس فوق سنته مردودا في مصلحتهم في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله وأن ماله ونفسه كان مفرغا لطاعة الله تعالى ف وجزاه أفضل ما جزى به نبيا عن أمته قال الشافعي والحمى ليس بإحياء موات فيكون لمن أحياه بقول رسول الله  وقول رسول الله  لا حمى إلا لله ورسوله 
 

صفحة : 1198

 يحتمل معنيين أحدهما أن لا يكون لأحد أن يحمي للمسلمين غير ما حماه رسول الله  ومن ذهب هذا المذهب قال يحمي الوالي كما حمى رسول الله  من البلاد لجماعة المسلمين على ما حماها رسول الله  ولا يكون لوال إن رأى صلاحا لعامة من حمى أن يحمي بحال شيئا من بلاد المسلمين والمعنى الثاني أن قوله لا حمى إلا لله ورسوله يحتمل لا حمى على مثل ما حمى عليه رسول الله  ومن ذهب هذا المذهب قال للخليفة خاصة دون الولاة أن يحمي على مثل ما حمى عليه رسول الله  قال والذي عرفناه نصا ودلالة فيما حمى رسول الله  أنه حمى النقيع والنقيع بلد ليس بالواسع الذي إذا حمى ضاقت البلاد بأهل المواشي حوله حتى يدخل ذلك الضرر على مواشيهم أو أنفسهم كانوا يجدون فيما سواه من البلاد سعة لأنفسهم ومواشيهم وأن ما سواه مما لا يحمى أوسع منه وأن النجع يمكنهم فيه وأنه لو ترك فكان أوسع عليهم لا يقع موقع ضرر بين عليهم لأنه قليل من كثير غير مجاوز القدر وفيه صلاح لعامة المسلمين بأن تكون الخيل المعدة لسبيل الله وما فضل من سهمان أهل الصدقات وما فضل من النعم التي تؤخذ من أهل الجزية ترعى فيه فأما الخيل فقوة لجميع المسلمين وأما نعم الجزية فقوة لأهل الفيء من المسلمين ومسلك سبل الخير أنها لأهل الفيء المحامين المجاهدين قال وأما الإبل التي تفضل عن سهمان أهل الصدقة فيعاد بها على أهل سهمان الصدقة لا يبقى مسلم إلا دخل عليه من هذا صلاح في دينه ونفسه ومن يلزمه أمره من قريب أو عامة من مستحقي المسلمين فكان ما حمى عن خاصتهم أعظم منفعة لعامتهم من أهل دينهم وقوة على من خالف دين الله من عدوهم وحمى القليل الذي حمى عن عامة المسلمين وخواص قراباتهم الذين فرض الله لهم الحق في أموالهم ولم يحم عنهم شيئا ملكوه بحال قال الشافعي وقد حمى من حمى على هذا المعنى وأمر أن يدخل الحمى ماشية من ضعف عن النجعة ممن حول الحمى ويمنع ماشية من قوي على النجعة فيكون الحمى مع قلة ضرره أعم منفعة من أكثر منه مما لم يحم وقد حمى بعد رسول الله  عمر رضي الله عنه أرضا لم نعلم رسول الله  حماها وأمر فيها بنحو مما وصفت من أنه ينبغي لمن حمى أن يأمر به أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر استعمل مولى له يقال هنى على الحمى فقال له يا هنى ضم جناحك للناس واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابة وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة 
 

صفحة : 1199

 وإياي ونعم ابن عفان ونعم ابن عوف فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع وإن رب الغنيمة والصريمة يأتي بعياله فيقول يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبالك فالماء والكلأ أهون علي من الدراهم والدنانير وايم الله لعلي ذلك إنهم ليرون أني قد ظلمتهم إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام ولولا المال الذي أحمل عليه في سيبل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا قال الشافعي في معنى قول عمر إنهم يرون أني قد ظلمتهم إنها لبلادهم قاتوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام إنهم يقولون إن منعت لأحد من أحد فمن قاتل عليها وأسلم أولى أن تمنع له وهذا كما قال لو كانت تمنع لخاصة فلما كان لعامة لم يكن في هذا إن شاء الله مظلمة وقول عمر لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين بلادهم شبرا إني لم أحمها لنفس ولا لخاصتي وإني حميتها لمال الله الذي أحمل عليه في سبيل الله وكانت من أكثر ما عنده مما يحتاج إلى الحمى فنسب الحمى إليها لكثرتها وقد أدخل الحمى خيل الغزاة في سبيل الله فلم يكن ما حمي ليحمل عليه أولى بما عنده من الحمى مما تركه أهله ويحملون عليها في سبيل الله لأن كلا لتعزيز الإسلام وأدخل فيها إبل الضوال لأنها قليل لعوام من أهل البلدان وأدخل فيها ما فضل من سهمان أهل الصدقة من إبل الصدقة وهم عوام من المسلمين يحتاجون إلى ما جعل لهم مع إدخاله من ضعف عن النجعة ممن قل ماله وفي تماسك أموالهم عليهم غنى عن أن يدخلوا على أهل الفيء من المسلمين وكل هذا وجه عام النفع للمسلمين قال الشافعي أخبرني عمي محمد بن علي عن الثقة أحسبه محمد بن علي بن حسين أو غيره عن مولى لعثمان بن عفان رضي الله عنه قال بينا أنا مع عثمان في ماله بالعالية في يوم صائف إذ رأى رجلا يسوق بكرين وعلى الأرض مثل الفراش من الحر فقال ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح ثم دنا الرجل فقال انظر من هذا فقلت أنا رجلا معمما بردائه يسوق بكرين ثم دنا الرجل فقال انظر فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقلت هذا أمير المؤنين فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فأذاه لفح السموم فأعاد رأسه حتى حاذاه فقال ما أخرجك هذه الساعة فقال بكران من إبل الصدقة تخلفا وقد مضى بإبل الصدقة فأردت أن ألحقهما بالحمى وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما فقال عثمان يا أمير المؤمنين هلم إلى الماء والظل ونكفيك فقال عد إلى ظلك فقلت عندنا ما يكفيك فقال عد إلى ظلك فمضى فقال عثمان من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا فعاد إلينا فألقى نفسه قال الشافعي في حكاية قول عمر لعثمان في البكرين 
 

صفحة : 1200

 اللذين تخلفا وقول عثمان من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا أخبرنا مالك عن ابن شهاب يعني بما حكاه عن عمر وعثمان قال الشافعي وإن كان للخليفة مال يحمل عليه في سبيل الله من إبل وخيل فلا بأس أن يدخلها الحمى وإن كان منها مال لنفسه فلا يدخلها الحمى فإنه إن يفعل ظلم لأنه منع منه وأدخل لنفسه وهو من أهل القوة قال الشافعي وهكذا من كان له مال يحمل عليه في سبيل الله دون الخليفة قال ومن سأل الوالي أن يقطعه في الحمى موضعا يعمره فإن كان حمى النبي  لم يكن إلا منعه إياه وأن عمر أبطل عمارته وكان كمن عمر فيما ليس له أن يعمر فيه وإن كان حمى أحدث بعده فكان يرى الحمى حقا كان له منعه ذلك وإن أراد العمارة كان له منعه العمارة وإن سبق فعمر لم يبن لي أن تبطل عمارته والله تعالى أعلم ويحتمل إذا جعل الحمى حقا وكان هو في معنى ما حمى رسول الله  لأنه حمى لمثل ما حماه له أن يبطل عمارته وإن أذن له الوالي بعمارة لم يكن له إبطال عمارته لأن إذنه له إخراج له من الحمى وقد يجوز أن يخرج ما أحدث حماه من الحمى ويحمي غيره إذا كان غير ضرر على من حماه عليه وليس للوالي بحال أن يحمي من الأرض إلا أقلها وقد يوسع الحمى حتى يقع موقعا ويبين ضرره على من حمى عليه وما أحدث من حمى فرعاه أحد لم يكن عليه في رعيته شيء أكثر من أن يمنع رعيته فأما غرم أو عقوبة فلا أعلمه عليه 
ID ' '   ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 

صفحة : 1201


تشديد أن لا يحمي أحد على أحد 
قال الشافعي أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله  قال من منع فضول الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة قال الشافعي ففي هذا الحديث ما دل على أنه ليس لأحد أن يمنع فضل مائه وإنما يمنع فضل رحمة الله بمعصية الله فلما كان منع فضل الماء معصية لم يكن لأحد منع فضل الماء وفي هذا الحديث دلالة على أن مالك الماء أولى أن يشرب به ويسقي وأنه إنما يعطى فضله عما يحتاج إليه لأن رسول الله  قال من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته وفضل الماء الفضل عن حاجة مالك الماء قال الشافعي وهذا أوضح حديث روي عن رسول الله  في الماء وأشبه معنى لأن مالكا روى عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن عمر أن النبي  قال لا يمنع نقع البئر قال الشافعي فكان هذا جملة ندب المسلمون إليها في الماء وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أصحها وأبينها معنى قال الشافعي وكل ماء ببادية يزيد في عين أو بئر أو غيل أو نهر بلغ مالكه منه حاجته لنفسه وماشيته وزرع إن كان له فليس له منع فضله عن حاجته من أحد يشرب أو يسقي ذا روح خاصة دون الزرع وليس لغيره أن يسقي منه زرعا ولا شجرا إلا أن يتطوع بذلك مالك الماء وإذا قال رسول الله  من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته ففي هذا دلالة إذا كان الكلأ شيئا من رحمة الله أن رحمة الله رزقه خلقه عامة للمسلمين وليس لواحد منهم أن يمنعها من أحد إلا بمعنى ما وصفنا من السنة والأثر الذي في معنى السنة وفي منع الماء ليمنع به الكلأ الذي هو من رحمة الله عام يحتمل معنيين أحدهما أن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل وكذلك ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله تعالى قال الشافعي فإن كان هذا هكذا ففي هذا ما يثبت أن الذرائع إلى الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام ويحتمل أن يكون منع الماء إنما يحرم لأنه في معنى تلف على ما لا غنى به لذوي الأرواح والآدميين وغيرهم فإذا منعوا فضل الماء منعوا فضل الكلأ والمعنى الأول أشبه والله أعلم فلو أن جماعة كان لهم مياه ببادية فسقوا بها واستقوا وفضل منها شيء فجاء من لا ماء له يطلب أن يشرب أو يسقي إلى واحد منهم دون واحد لم يجز لمن معه فضل عن الماء وإن قل منعه إياه إن كان في عين أو بئر أو نهر أو غيل لأنه فضل ماء يزيد ويستخلف وإن كان الماء في سقاء أو جرة أو وعاء ما كان 
 

صفحة : 1202

 فهو مخالف للماء الذي يستخلف فلصاحبه منعه وهو كطعامه إلا أن يضطر إليه مسلم والضرورة أن يكون لا يجد غيره بشراء أو يجد بشراء ولا يجد ثمنا فلا يسع عندي والله أعلم منعه لأن في منعه تلفا له وقد وجدت السنة توجب الضيافة بالبادية والماء أعز فقدا وأقرب من أن يتلف من منعه وأخف مؤنة على من أخذ منه من الطعام فلا أرى من منع الماء في هذه الحال إلا آثما إذا كان معه فضل من ماء في وعاء فأما من وجد غنى عن الماء بماء غير ماء صاحب الوعاء فأرجو أن لا يحرج من منعه قال الشافعي رحمه الله أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال لما قدم رسول الله  المدينة أقطع الناس الدور فقال حي من بني زهرة يقال لهم بنو عبد بن زهرة نكب عنا ابن أم عبد فقال رسول الله  فلم ابتعثني الله إذا إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه قال الشافعي في هذا الحديث دلائل منها أن حقا على الوالي إقطاع من سأله القطيع من المسلمين لأن قول رسول الله  إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه دلالة أن لمن سأله الإقطاع أن يؤخذ للضعيف فيهم حقه وغيره ودلالة على أن النبي  أقطع الناس بالمدينة وذلك بين ظهراني عمارة الأنصار من المنازل والنخل فلم يكن لهم بالعامر منع غير العامر ولو كان لهم لم يقطعه الناس وفي هذا دلالة على أن ما قارب العامر وكان بين ظهرانيه وما لم يقارب من الموات سواء في أنه لا مالك له فعلى السلطان إقطاعه ممن سأله من المسلمين قال الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن هشام عن عروة عن أبيه أن رسول الله  أقطع الزبير أرضا وأن عمر بن الخطاب أقطع العقيق أجمع وقال أين المستقطعون قال الشافعي والعقيق قريب من المدينة وقوله أين المستقطعون نقطعهم رسول الله  ثم عمر ومن أقطع ما لا يملكه أحد يعرف من الموات وفي قول رسول الله  من أحيا مواتا فهو له دليل على أن من أحيا مواتا كان له كما يكون له إن أقطعه واتباع في أن يملك من أحيا الموات ما أحيا كاتباع أمره في أن يقطع الموات من يحييه لا فرق بينهما ولا يجوز أن يقطع الموات من يحييه ولا مالك له وإذا قال رسول الله  من أحيا مواتا فهو له فعطية رسول الله  عامة لمن أحيا الموات فمن أحيا الموات فبعطية رسول الله  أحياه وعطيته في الجملة أثبت من عطية من بعده في النص والجملة وقد روي عن عمر مثل هذا 
 

صفحة : 1203

 المعنى لا يخالفه 
باب الركاز يوجد في بلاد المسلمين 
قال الشافعي رحمه الله الركاز دفن الجاهلية أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة عن النبي  قال لا حمى إلا لله ورسوله قال الشافعي فلما قال رسول الله  لا حمى إلا لله ورسوله لم يكن لأحد أن ينزل بلدا غير معمور فيمنع منه شيئا يرعاه دون غيره وذلك أن البلاد لله عز وجل لا مالك لها من الادميين وإنما سلط الله الآدميين على منع ما لهم خاصة لا منع ما ليس لأحد بعينه وقول رسول الله  لا حمى إلا لله ولرسوله أن لا حمى إلا حمى رسول الله  في صلاح المسلمين الذين هم شركاء في بلاد الله ليس أنه حمى لنفسه دونهم ولولاة الأمر بعد رسول الله  أن يحموا من الأرض شيئا لمن يحتاج إلى الحمى من المسلمين وليس لهم أن يحموا شيئا لأنفسهم دون غيرهم قال الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل مولى له يقال له هنى على الحمى قال الشافعي وقول عمر إنهم ليرون أني قد ظلمتهم يقول يذهب رأيهم أني حميت بلادا غير معمورة لنعم الصدقة ولنعم الفيء وأمرت بإدخال أهل الحاجة الحمى دون أهل القوة على الرعي في غير الحمى إلى أني قد ظلمتهم قال الشافعي ولم يظلم عمر رضي الله عنه وإن رأوا ذلك بل حمى على معنى ما حمى عليه رسول الله  لأهل الحاجة دون أهل الغنى وجعل الحمى حوزا لهم خالصا كما يكون ما عمر الرجل له خالصا دون غيره وقد كان مباحا قبل عمارته فكذلك الحمى لمن حمى له من أهل الحاجة وقد كان مباحا قبل يحمي قال وبيان ذلك في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت على المسلمين من بلادهم شبرا أنه لم يحم إلا لما يحمل عليه لمن يحتاج إلى الحمى من المسلمين أن يحموا ورأى إدخال الضعيف حقا له دون القوي فكل ما لم يعمر من الأرض فلا يحال بينه وبين المسلمين أن ينزلوا ويرعوا فيه حيث شاءوا إلا ما حمى الوالي لمصلحة عوام المسلمين فجعله لما يحمل عليه في سبيل الله من نعم الجزية وما يفضل من نعم الصدقة فيعده لمن يحتاج إليه من أهلها وما يصير إليه من ضوال المسلمين وماشية أهل الضعف دون أهل القوة قال الشافعي وكل هذا عام المنفعة بوجوه لأن من حمل في سبيل الله فذلك لجماعة المسلمين ومن 
 

صفحة : 1204

 أرصد له أن يعطى من ماشية الصدقة فذلك لجماعة ضعفاء المسلمين وكذلك من ضعف من المسلمين فرعيت له ماشيته فذلك لجماعة ضعفاء المسلمين وأمر عمر رضي الله عنه أن لا يدخل نعم ابن عفان وابن عوف لقوتهما في أموالهما وإنهما لو هلكت ماشيتهما لم يكونا ممن يصير كلا على المسلمين فكذلك يصنع بمن له غنى غير الماشية 
الأحباس 
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى قال جميع ما يعطى الناس من أموالهم ثلاثة وجوه ثم يتشعب كل وجه منها والعطايا منها في الحياة وجهان وبعد الوفاة واحد فالوجهان من العطايا في الحياة مفترقا الأصل والفرع فأحدهما يتم بكلام المعطى والآخر يتم بأمرين بكلام المعطى وقبض المعطى أو قبض من يكون قبضه له قبضا قال الشافعي والعطايا التي تتم بكلام المعطى دون أن يقبضها المعطى ما كان إذا خرج به الكلام من المعطى له جائزا على ما أعطى لم يكن للمعطى أن يملك ما خرج منه فيه الكلام بوجه أبدا وهذه العطية الصدقات المحرمات الموقوفات على قوم بأعيانهم أو قوم موصوفين وما كان في معنى هذه العطايا مما سبل محبوسا على قوم موصوفين وإن لم يسم ذلك محرما فهو محرم باسم الحبس قال الشافعي فإذا أشهد الرجل على نفسه بعطية من هذه فهي جائزة لمن أعطاها قبضها أو لم يقبضها ومتى قام عليه أخذها من يدي معطيها وليس لمعطيها حبسها عنه على حال بل يجبر على دفعها إليه وإن استهلك منها شيئا بعد إشهاده بإعطائها ضمن ما استهلك كما يضمنه أجنبي لو استهلكه لأنه إذا خرج من ملكه فهو والأجنبي فيما استهلك منه سواء ولو مات من جعلت هذه الصدقة عليه قبل قبضها وقد أغلت غلة أخذ وارثه حصته من غلتها لأن الميت قد كان مالكا لما أعطى وإن لم يقبضه كما يكون له غلة أرض لو غصبها أو كانت وديعة في يدي غيره فجحدها ثم أقر بها وإن لم يكن قبض ذلك ولو مات المتصدق بها قبل أن يقبضها من تصدق بها عليه لم يكن لوارثه منها شيء وكانت لمن تصدق بها عليه ولا يجوز أن يقال ترجع موروثة والموروث إنما يورث ما كان ملكا للميت فإذا لم يكن للمتصدق الميت أن يملك شيئا في حياته ولا بحال أبدا لم يجز أن يملك الوارث عنه بعد وفاته ما لم يكن له أن يملك في حياته بحال أبدا قال وفي هذا المعنى العتق إذا تكلم الرجل بعتق من يجوز له عتقه تم العتق ولم يحتج إلى أن يقبله المعتق ولم يكن للمعتق ملكه ولا لغيره ملك رق يكون له فيه بيع ولا هبة ولا ميراث بحال والوجه الثاني من 
 

صفحة : 1205

 العطايا في الحياة ما أخرجه المالك من يده ملكا تاما لغيره بهبته أو ببيعه ويورث عنه وهذا من العطايا يحل لمن أخرجه من يديه أن يملكه بوجوه وذلك أن يرث من أعطاه أو يرد عليه المعطى العطية أو يهبها له أو يبيعه إياها وهذا مثل النحل والهبة والصدقة غير المحرمة ولا التي في معناها بالتسبيل وغيره وهذه العطية تتم بأمرين إشهاد من أعطاها وقبضها بأمر من أعطاها والمحرمة والمسبلة تجوز بلا قبض قيل تقليد الهدى وإشعاره وسياقه وإيجابه بغير تقليد يكون على مالكه بلاغة البيت ونحره والصدقة فيه بما صنع منه ولم يقبضه من جعل له وليس كذلك ما تصدق به بغير حبس مما لا يتم إلا بقبض من أعطيها لنفسه أو قبض غيره له ممن قبضه له قبض وهذا الوجه من العطايا لمعطيه أن يمنعه من أعطاه إياه ما لم يقبضه ومتى رجع في عطيته قبل قبض من أعطيه فذلك له وإن مات المعطى قبل يقبض العطية فالمعطي بالخيار إن أحب أن يعطيها ورثته عطاء مبتدأ لا عطاء موروثا عن المعطي لأن المعطي لم يملكها فعل وذلك أحب إلي له وإن شاء حبسها عنهم وإن مات المعطى قبل يقبضها المعطي فهي لورثة المعطى لأن ملكها لم يتم للمعطى قال والعطية بعد الموت هي الوصية لمن أوصى له في حياته فقال إذا مت فلفلان كذا فله أن يرجع في الوصية ما لم يمت فإذا مات ملك أهل الوصايا وصاياهم بلا قبض كان من المعطى ولا بعده وليس للورثة أن يمنعوه الموصى لهم وهو لهم ملكا تاما قال وأصل ما ذهبنا إليه أن هذا موجود في السنة والآثار أو فيهما ففرقا بينه اتباعا وقياسا 
ID ' '   القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 

صفحة : 1206


الخلاف في الصدقات المحرمات 
قال الشافعي رحمه الله فخالفنا بعض الناس في الصدقات المحرمات وقال من تصدق بصدقة محرمة وسبلها فالصدقة باطل وهي ملك للمتصدق في حياته ولوارثه بعد موته قبضها من تصدق بها عليه أو لم يقبضها وقال لي بعض من يحفظ قول قائل هذا إنا رددنا الصدقات الموقوفات بأمور قلت له وما هي فقال قال شريح جاء محمد  بإطلاق الحبس فقلت له وتعرف الحبس التي جاء رسول الله  بإطلاقها قال لا أعرف حبسا إلا الحبس بالتحريم فهل تعرف شيئا يقع عليه اسم الحبس غيرها قال الشافعي فقلت له أعرف الحبس التي جاء رسول الله  بإطلاقها وهي غير ما ذهبت إليه وهي بينة في كتاب الله عز وجل قال اذكرها قلت قال الله عز وجل ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام فهذه الحبس التي كان أهل الجاهلية يحبسونها فأبطل الله شروطهم فيها وأبطلها رسول الله  بإبطال الله إياها وهي أن الرجل كان يقول إذا نتج فحل إبله ثم ألقح فأنتج منه هو حام أي قد حمى ظهره فيحرم ركوبه ويجعل ذلك شبيها بالعتق له ويقول في البحيرة والوصيلة على معنى يوافق بعض هذا ويقول لعبده أنت حر سائبة لا يكون لي ولاؤك ولا علي عقلك قال فهل قيل في السائبة غير هذا فقلت نعم قيل إنه أيضا في البهائم قد سيبتك قال الشافعي فلما كان العتق لا يقع على البهائم رد رسول الله  ملك البحيرة والوصيلة والحام إلى مالكه وأثبت العتق وجعل الولاء لمن أعتق السائبة وحكم له بمثل حكم النسب ولم يحبس اهل الجاهلية علمته دارا ولا أرضا تبررا بحبسها وإنما حبس أهل الإسلام قال الشافعي فالصدقات يلزمها اسم الحبس وليس لك أن تخرج مما لزمه اسم الحبس شيئا إلا بخبر عن رسول الله  يدل على ما قلت وقلت أخبرنا سفيان عن عبد الله بن عمر بن حفص العمري عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب ملك مائة سهم من خيبر اشتراها فأتى رسول الله  فقال يا رسول الله إني أصبت مالا لم أصب مثله قط وقد أردت أن أتقرب به إلى الله عز وجل فقال حبس الأصل وسبل الثمرة قال الشافعي وأخبرني عمر بن حبيب القاضي عن عبد الله بن عون عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب قال يا رسول الله إني أصبت مالا من خيبر لم أصب مالا قط أعجب إلي أو أعظم عندي منه فقال رسول الله  إن شئت حبست أصله وسبلت ثمره 
 

صفحة : 1207

 فتصدق به عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم حكى صدقته به قال الشافعي فقال إن كان هذا ثابتا فلا يجوز إلا أن يكون الحبس التي أطلق غير الحبس التي أمر بحبسها قلت هذا عندنا وعندك ثابت وعندنا أكثر من هذا وإن كانت الحجة تقوم عندنا وعندك بأقل منه قال فكيف أجزت الصدقات المحرمات وإن لم يقبضها من تصدق بها عليه فقلت اتباعا وقياسا فقال وما الاتباع فقلت له لما سأل عمر رسول الله  عن ماله فأمره أن يحبس أصل ماله ويسبل ثمره دل ذلك على إجازة الحبس وعلى أن عمر كان يلي حبس صدقته ويسبل ثمرها بأمر النبي  لا يليها غيره قال فقال أفيحتمل قول النبي  حبس أصلها وسبل ثمرها اشترط ذلك قلت نعم والمعنى الأول أظهرهما وعليه من الخبر دلالة أخرى قال وما هي قلت إذا كان عمر لا يعرف وجه الحبس أفيعلمه حبس الأصل وسبل الثمر ويدع أن يعلمه أن يخرجها من يديه إلى من يليها عليه ولمن حبسها عليه لأنها لو كانت لا تتم إلا بأن يخرجها المحبس من يديه إلى من يليها دونه كان هذا أولى أن يعلمه لأن الحبس لا يتم إلا به ولكنه علمه ما يتم به ولم يكن في إخراجها من يديه شيء يزيد فيها ولا في إمساكها يليها هو شيء ينقص صدقته ولم يزل عمر بن الخطاب المتصدق بأمر رسول الله  يلي فيما بلغنا صدقته حتى قبضه الله تبارك وتعالى ولم يزل علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلي صدقته بينبع حتى لقي الله عز وجل ولم تزل فاطمة عليها السلام تلي صدقتها حتى لقيت الله تبارك وتعالى قال الشافعي أخبرنا بذلك أهل العلم من ولد فاطمة وعلي وعمر ومواليهم ولقد حفظنا الصدقات عن عدد كثير من المهاجرين والأنصار لقد حكى لي عدد كثير من أولادهم وأهليهم أنهم لم يزالوا يلون صدقاتهم حتى ماتوا ينقل ذلك العامة منهم عن العامة لا يختلفون فيه وإن أكثر ما عندنا بالمدينة ومكة من الصدقات لكما وصفت لم يزل يتصدق بها المسلمون من السلف يلونها حتى ماتوا وأن نقل الحديث فيها كالتكلف وإن كنا قد ذكرنا بعضه قبل هذا فإذا كنا إنما أجزنا الصدقات وفيها العلل التي أبطلها صاحبك بها من قول شريح جاء محمد بإطلاق الحبس بأنه لا يجوز أن يكون مال مملوكا ثم يخرجه مالكه من ملكه إلى غير مالك له كله إلا بالسنة واتباع الآثار فكيف اتبعناهم في إجازتها وإجازتها أكثر ونترك اتباعهم في أن يحوزها كما حازوها ولم يولوها أحدا فقال فما الحصة فيه من القياس قلت له لما أجاز رسول الله  أن يحبس الأصل أصل المال وتسبل الثمرة دل ذلك على أنه أجاز أن 
 

صفحة : 1208

 يخرجه مالك المال من ملكه بالشرط إلى أن يصير المال محبوسا لا يكون لمالكه بيعه ولا أن يرجع إليه بحال كما لا يكون لمن سبل ثمره عليه بيع الأصل ولا ميراثه فكان هذا مالا مخالفا لكل مال سواه لأن كل مال سواه يخرج من مالكه إلى مالك فالمالك يملك بيعه وهبته ويجوز للمالك الذي أخرجه من ملكه أن يملكه بعد خروجه من يديه ببيع وهبة وميراث وغير ذلك من وجوه الملك ويجامع المال المحبوس الموقوف العتق الذي أخرجه مالكه من ماله بشيء جعله الله إلى غير ملك نفسه ولكن ملكه منفعة نفسه بلا ملك لرقبته كما ملك المحبس من جعل منفعة المال له بغير ملك منه لرقبة المال وكان بإخراجه الملك من يديه محرما على نفسه أن يملك المال بوجه أبدا كما كان محرما أن يملك العبد بشيء أبدا فاجتمعا في معنيين وإن كان العبد مفارقه في أنه لا يملك منفعة نفسه غير نفسه كما يملك منفعة المال مالك وذلك أن المال لا يكون مالكا إنما يملك الآدميون فلو قال قائل لماله أنت حر لم يكن حرا ولو قال أنت موقوف لم يكن موقوفا لأنه لم يملك منفعته أحدا وهو إذا قال لعبده أنت حر فقد ملكه منفعة نفسه فقال قد قال فيها فقهاء المكيين وحكامهم قديما وحديثا وقد علمنا أنهم يقولون قولك وأبو يوسف حين أجاز الصدقات قال قولك في أنها تجوز وإن وليها صاحبها حتى يموت واحتج فيها بأنه إنما أجازها اتباعا وأن المتصدقين بها من السلف ولوها حتى ماتوا ولكنا قد ذهبنا فيها وبعض البصريين إلى أن الرجل إن لم يخرجها من ملكه إلى من يليها دونه في حياته لمن تصدق بها عليه كانت منتقضة وأنزلها منزلة الهبات وتابعنا بعض المدنيين فيها وخالفنا في الهبات قال الشافعي فقلت له قد حفظنا عن سلفنا ما وصفت وما أعرف عن أحد من التابعين أنه أبطل صدقة بأن لم يدفعها المتصدق بها إلى وال في حياته وما هذا إلا شيء أحدثه منهم من لا يكون قوله حجة على أحد وما أدري لعله سمع قولكم أو قول بعض البصريين فيه فاتبعه فقال وأنا أقوم بهذا القول عليك قلت له هذا قول تخالفه فكيف تقوم به قال أقوم به لمن قاله من أصحابنا وأصحابك فأقول إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه نحل عائشة جداد عشرين وسقا فمرض قبل تقبضه فقال لها لو كنت خزنتيه وقبضتيه كان لك وإنما هو اليوم مال الوارث وإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها فإن مات أحدهم قال مال أبي نحلنيه وإن مات ابنه قال مالي وبيدي لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد حتى يكون إن مات أحق بها وأنه شكى إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه قول عمر فرأى أن الوالد يحوز لولده ما داموا صغارا فأقول إن الصدقات 
 

صفحة : 1209

 الموقوفات قياسا على هذا ولا أزعم ما زعمت من أنها مفترقة فقلت له أفرأيت لو اجتمعت هي والصدقات في معنى واختلفتا في معنيين أو أكثر الجمع بينهما أولى بتأويل أو التفريق قال بل التفريق فقلت له أفرأيت الهبات كلها والنحل والعطايا سوى الوقف لو تمت لمن أعطيها ثم ردها على الذي أعطاها أو لم يقبلها منه أو رجعت إليه بميراث أو شراء أو غير ذلك من وجوه الملك أيحل له أن يملكها قال نعم قلت ولو تمت لمن أعطيها حل له بيعها وهبتها قال نعم قلت أفتجد الوقف إذا تم لمن وقف له يرجع إلى مالكه أبدا بوجه من الوجوه أو يملكه من وقف عليه ملكا يكون له فيه بيعه وهبته وأن يكون موروثا عنه قال لا قلت والوقوف خارجة عن ملك مالكها بكل حال ومملوكة المنفعة لمن وقف عليه غير مملوكة الأصل قال نعم قلت أفترى العطايا تشبه الوقوف في معنى واحد من معانيها قال في أنها لا تجوز إلا مقبوضة قلت كذلك قلت أنت فأراك جعلت قولك أصلا قال قسته على ما ذكرت وإن خالف بعض أحكامه قلت فكيف يجوز أن يقاس الشيء بخلافه وهي مخالفة ما ذكرت من العطايا غيرها أو رأيت لو قال لك قائل أراك تسلك بالعطايا كلها مسلكا واحدا فأزعم أن الرجل إذا أوجب الهدي على نفسه بكلام أو ساقه او قلده أو أشعره كان له أن يبيعه ويهبه ويرجع لأنه لمساكين الحرم ولم يقبوضه أله ذلك قال لا قلت وأنت تقول لو دفع رجل إلى وال مالا يحمل به في سبيل الله أو يتصدق به متطوعا لم يكن له أن يخرجه من يدي الوالي بل يدفعه قال نعم قال ما العطايا بوجه واحد قلت فعمدت إلى ما دلت عليه السنة وجاءت الآثار بإجازته من الصدقات المحرمات فجعلته قياسا على ما يخالفه وامتنعت من أن تقيس عليه ما هو أقرب منه مما لا أصل فيه تفرق بينه وبينه قال وقلت له لو قال لك قائل أنا أزعم أن الوصية لا تجوز إلا مقبوضة قال وكيف تكون الوصية مقبوضة قلت بأن يدفعها الموصى إلى الموصى له ويجعلها له بعد موته فإن مات جازت وإن لم يدفعها لم تجز كما أعتق رجل مماليك له فأنزلها النبي  وصية وكما يهب في المرض فيكون وصية قال ليس ذلك له قلت فإن قال لك ولم قال أقول لأن الوصايا مخالفة للعطايا في الصحة قلت فاذكر من قال لك يجوز بغير ما وصفنا من السلف قال ما أحفظه عن السلف وما أعلم فيه اختلافا قلنا فبان لك أن المسلمين فرقوا بين العطايا قال ما وجدوا بدا من التفريق بينهما قلت والوصايا بالعطايا أشبه من الوقف بالعطايا فإن للموصي أن يرجع في وصيته بعد الإشهاد عليها ويرجع في ماله وإن مات من أوصى له بها أو ردها فكيف باينت بين العطايا والوصايا سواها 
 

صفحة : 1210

 وامتنعت من المباينة بين الوقف والعطايا سواه وأنت تفرق بين العطايا سواه فرقا بينا فتقول في العمرى هي لصاحبها لا ترجع إلى الذي أعطاها ولا تقول هذا في العارية ولا العطية غير العمرى قال بالسنة قلت وإذا جاءت السنة اتبعتها قال فذلك يلزمني قلت فقد وصفت لك في الوقت السنة والخبر العام عن الصحابة لم تتبعه وقلت له أرأيت النحل والهبة والعطايا غير الوقف ألصاحبها أن يرجع فيها ما لم يقبضها من جعلها له قال نعم قلت فمن تقويت به فمن قال قولك من أصحابنا يقول لا يرجع فيها وإن مات قبل يقبضها من أعطيها رجعت ميراثا يكون في ذلك الوقف فيسوى بين قوليه قال فهذا قول لا يستقيم ولا يجوز فيه إلا واحد من قولين إما أن يكون كما قلت إذا تكلم بالوقف أو العطية تمت لمن جعلها له وجبر على إعطائها إياه وإما أن يكون لا يتم إلا بالقبض مع العطايا فيكون له أن يرجع ما لم تتم بقبض من أعطيها ولا يجوز أبدا أن يكون له حبسها إذا تكلم بإعطائها ولا يكون لوارثه ملكها عنه إذا لم ترجع في حياته إلى ملكه لم ترجع في وفاته إلى ملكه فتكون موروثة عنه وهذا قول محال وكل ما وهبت لك فلى الرجوع فيه ما لم تقبضه أو يقبض لك وهذا مثل أن أقول قد بعتك عبدي بألف فإن قلت قد رجعت قبل تختار أخذه كان لي الرجوع وكل أمر لا يتم إلا بأمرين لم يجز أن يملك بواحد فقلت هذا كما قلت إن شاء الله ولكن رأيتك ذهبت إلى رد الصدقات قال ما عندي فيها أكثر مما وصفت فهل لك فيها حجة غير ما ذكرت مما لزمك به عندنا إثبات الصدقات قال ما عندي فيها أكثر مما وصفت قال الشافعي رحمه الله قلت ففيما وصفت أن صدقات المهاجرين والأنصار بالمدينة معروفة قائمة وقد ورث المهاجرين والأنصار النساء الغرائب والأولاد ذوو الدين والإهلاك لأموالهم والحاجة إلى بيعه فمنعهم الحكام في كل دهر إلى اليوم فكيف أنكرت إجازتها مع عموم العلم وأنت تقول لو أخرج رجل بيتا من داره فبناه مسجدا وأذن فيه لمن صلى ولم يتكلم بوقفه كان وقفا للمصلين ولم يكن له أن يعود في ملكه إذا أذن للمصلين فيه وفي قولك هذا أنه لم يخرجه من ملكه ولو كان إذنه في الصلاة إخراجه من ملكه كان إخراجه إلى غير مالك بعينه فكان مثل الحبس الذي يلزمك إطلاقها لحديث شريح فعمدت إلى ما جاءت به السنة من الوقف في الأموال والدور وما أخرجه مالكه من ملك نفسه فأبطلته بعلة وأجزت المسجد بلا خبر من أحد من أصحاب رسول الله  ثم جاوزت القصد فيه فأخرجته من ملك صاحبه ولم يخرجه صاحبه من ملكه إنما يخرجه بالكلام وأنت تعيب على المدنيين أن يقضوا بحيازة 
 

صفحة : 1211

 عشرة وعشرين سنة إذا حاز الرجل الدار والمحوز عليه حاضر يراه يبنيها ويهدمها وهو يبيع المنازل لا يكلمه فيها وقلت الصمت والحوز لا يبطل الحق إنما يبطله القول وتجعل إذن صاحب المسجد وهو لم ينطق بوقفه وقفا فتزكن عليه وتعيب ما هو أقوى في الحجة من قول المدنيين في الحيازة من قولك في المسجد وتقول هذا وهو إزكان وقلت له أرأيت لو أذن في داره للحاج أن ينزلوها سنة أو سنتين أتكون صدقة عليهم قال لا وله منعهم متى شاء من النزول فيها قلت فكيف لم تقل هذا في المسجد يخرجه من الدار ولا يتكلم بوقفه فقال إن صاحبينا قد عابا قول صاحبهم وصارا إلى قولكم في إجازة الصدقات فقلت له ما زاد قولنا قوة بنزوعهما إليه ولا ضعفا بفراقهما حين فارقاه ولهما بالرجوع إليه أسعد وما علمتهما أفادا حين رجعا إليه علما كانا يجهلانه قال ولكن قد يصح عندهما الشيء بعد أن لم يصح فقلت الله أعلم كيف كان رجوعهما ومقامهما والرجوع بكل حال خير لهما إن شاء الله وقلت له أيجوز لعالم أن يأتيه الخبر عن رسول الله  في أمر منصوص فيقول به وإن عارضه معارض بخبر غير منصوص فيقول به ثم يأتي مثله فلا يقبله ويصرف أصلا إلى أصل قال لا قلت فقد فعلت وصرفت الصدقات إلى النحل وهما مفترقان عندك وقلت له أيجوز أن يأتيك الحديث عن بعض أصحاب النبي  في الصدقات بأمر يدل على أنهم تصدقوا بها وولوها وهم لا يفعلون إلا الجائز عندهم ثم يقولون في النخل عندهم إنما تكون بأن تكون مقبوضات فتقول اجعلوا الصدقات مثله قال لا قلت فقد فعلت قال فلو كان هذا مأثورا عندهم عرفه الحجازيون فقلت قد ذكرت لك بعض ما حضرني من الأخبار على الدلالة عليه وأنه قول المكيين ولا أعلم من متقدمي المدنيين أحدا قال بخلافه قال الشافعي ووصفت لك أهل أن أهل هذه الصدقات من آل علي وغيرهم قد ذكروا ما وصفت من أن عليا رضي الله عنه ومن تصدق لم يزل يلي صدقته وصدقاتهم فيه جارية ثم ثبتت قائمة مشهورة القسم والموضع إلى اليوم وهذا أقوى من خبر الخاصة فقال فما تقول في الرجل يتصدق على ابنه أو ذي رحمه أو أجنبي بصدقة غير محرمة ولا في سبيل الله بالتسبيل أيكون له ما لم يقبضها المتصدق عليه أن يرجع فيها قلت نعم قال وسبيلها سبيل الهبات والنحل قلت نعم قال فأين هذا لي قلت معنى تصدقت عليك متطوعا معنى وهبت لك ونحلتك لأنه إنما هو شيء من مالي لم يلزمني أن أعطيكه ولا غيرك أعطيتك متطوعا وهو يقع عليه اسم صدقة ونحل وهبه وصلة وإمتاع ومعروف وغير ذلك من 
 

صفحة : 1212

 اسماء العطايا وليس يحرم علي لو أعطيتكه فرددته علي أن أملكه ولو مت أن أرثه كما يحرم علي لو تصدقت عليك بصدقة محرمة أن أملكها عنك بميراث أو غيره وقد لزمها اسم صدقة بوجه أبدا قلت له نعم أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عبد الله بن زيد الأنصاري ذكر الحديث قال الشافعي وأخبرنا الثقة أو سمعت مروان بن معاوية عن عبد الله بن عطاء المديني عن ابن بريدة الأسلمي عن أبيه أن رجلا سأل النبي  فقال إني تصدقت على أمي بعبد وإنها ماتت فقال رسول الله  قد وجبت صدقتك وهو لك بميراثك قال فلم جعلت ما تصدق به غير واجب عليه على أحد بعينه في معنى الهبات تحل لمن لا تحل له الصدقة الواجبة فهل من دليل على ما وصفت قلت نعم أخبرني محمد بن علي بن شافع قال أخبرني عبد الله بن حسن بن حسين عن غير واحد من أهل بيته وأحسبه قال زيد بن علي أن فاطمة بنت رسول الله  تصدقت بمالها على بني هاشم وبني المطلب وأن عليا رضي الله عنه تصدق عليهم وأدخل معهم غيرهم قال الشافعي وأخرج إلى والي المدينة صدقة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخبرني أنه أخذها من آل أبي رافع وأنها كانت عندهم فأمر بها فقرئت علي فإذا فيها تصدق بها علي رضي الله عنه على بني هاشم وبني المطلب وسمى معهم غيرهم قال وبنو هاشم وبنو المطلب تحرم عليهم الصدقة المفروضة ولم يسم علي ولا فاطمة منهم غنيا ولا فقيرا وفيهم غني قال الشافعي أخبرنا إبراهيم عن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات كان يضعها الناس بين مكة والمدينة فقلت أو قيل له فقال إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة قال الشافعي فقال أفتجيز أن يتصدق الرجل على الهاشمي والمطلبي والغني منهم ومن غيرهم متطوعا فقلت نعم استدلالا بما وصفت وأن الصدقة تطوعا إنما هي عطاء ولا بأس أن يعطى الغني تطوعا قال فهل تجد أنه يجوز أن يعطى الغني فقلت ما للمسألة من هذا موضع وما بأس أن يعطى الغني قال فاذكر فيه حجة قلت أخبرنا سفيان عن معمر عن الزهري عن السائب ابن يزيد عن حويطب بن عبد العزى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال استعملني قال فهل تحرم الصدقة تطوعا على أحد فقلت لا إلا أن رسول الله  كان لا يأخذها ويأخذ الهدية وقد يجوز تركه إياها على ما رفعه الله به وأبانه من خلقه تحريما ويجوز لغير ذلك لأن معنى الصدقات من العطايا هبة لا يراد ثوابها ومعنى الهدية يراد ثوابها قال أفتجد دليلا على 
 

صفحة : 1213

 قبوله الهدية فقلت نعم أخبرنيه مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله  دخل فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت فقال ألم أر برمة لحم فقالوا ذلك شيء تصدق به على بريرة فقال هو لها صدقة وهو لنا هدية فقال ما الذي يجوز أن يكون صدقة محرمة قلت كل ما كان الشهود يسمونه بحدود من الأرضين والدور معمورها وغير معمورها والرقيق فقال أما الأرضون والدور فهي صدقات من مضى فكيف أجزت الرقيق وأصحابنا لا يجيزون الصدقة بالرقيق إلا أن يكونوا في الأرض المتصدق بها فقلت له تصدق السلف بالدور والنخل ولعل في النخل زرعا أفرأيت إن قال قائل لا أجيز الصدقة بحمام ولا مقبرة لأنهما مخالفان للدور وأراضي النخل والزرع هل الحجة عليه إلا أن يقال إذا كان السلف تصدقوا بدور وأراضي نخل وزرع فكان ذلك إنما يعرف بالحدود وقد تتغير وكذلك الحمام والمقبرة يعرفان بحد وإن تغيرا قال هذه حجة عليه قال فإذا كانوا يعرفون العبيد بأعيانهم أتجدهم في معرفة الشهود بهم في معنى الأرضين والنخل أو أكثر بأنهم إذا عرفوا بأعيانهم كانوا كأرض تعرف حدودها قال إنهم لقريب مما وصفت قلت فكيف أبطلت الصدقة المحرمة فيهم قال قد يهلكون ويأبقون وتنقطع منفعتهم قلت فكل هذا يدخل الأرض والشجر قد تخرب الأرض بذهاب الماء ويأتي عليها السيل فيذهب بها وتنهدم الدار ويذهب بها السيل فما كانت قائمة فهي موقوفة ولا جناية لنا فيما أتى عليها من قضاء الله عز وجل قلت وكذلك العبد لا جناية لنا في ذهابه ولا نقصه قال الشافعي وكل ما عرف بعينه وقطع عليه الشهود مثل الإبل والبقر والغنم أنه صدقة محرمة جازت الصدقة في الماشية قال وتتم الصدقات المحرمات أن يتصدق بها مالكها على قوم معروفين بأعيانهم وأنسابهم وصفاتهم ويجمع في ذلك أن يقول المتصدق بها تصدقت بداري هذه على قوم أو رجل معروف بعينه يوم تصدق بها أو صفته أو نسبه حتى يكون إنما أخرجها من ملكه لمالك ملكه منفعتها يوم أخرجها ويكون مع ذلك أن يقول صدقة لا تباع ولا توهب أو يقول لا تورث أو يقول غير موروثة أو يقول صدقة محرمة أو يقول صدقة مؤبدة فإذا كان واحد من هذا فقد حرمت الصدقة فلا تعود ميراثا أبدا وإن قال صدقة محرمة على من لم يكن بعد بعينه ولا نسبه ثم على بني فلان أو قال صدقة محرمة على من كان بعدي بعينه فالصدقة منفسخة ولا يجوز أن يخرجها من ملكه إلا إلى مالك منفعة له فيها يوم يخرجها إليه وإذا انفسخت عادت في ملك صاحبها كما كانت قبل يتصدق بها ولو تصدق 
 

صفحة : 1214

 بداره صدقة محرمة على رجل بعينه أو قوم بأعيانهم ولم يسبلها على من بعدهم كانت محرمة أبدا فإذا انقرض الرجل المتصدق بها عليه أو القوم المتصدق بها عليهم كانت هذه صدقة محرمة بحالها أبدا ورددناها على اقرب الناس بالرجل الذي تصدق بها يوم ترجع الصدقة إنما تصير غير راجعة موروثة بواحد مما وصفنا أو ما كان في معناه وإنما فسخناها إذا تصدق بها فكانت حين عقدت صدقة لا مالك لمنفعتها لأنه لا يجوز أن تخرج من مالك إلى غير مالك منفعة لأنها لا تملك منفعة نفسها كما يملك العبد منفعة نفسه بالعتق ولا يزول عنها الملك إلا إلى مالك منفعة فيها فأما إذا لم يقل في صدقته محرمة أو بعض ما قلنا مما هو في معنى تحريمها من شرط المتصدق فالصدقة كالهبات تملك بما تملك به الأموال غير المحرمات وكالعمرى أو غيرها من العطايا وسواء في الصدقات المحرمات يوم يتصدق بها إلى مالك يملك منفعتها سبلت بعده أو لم تسبل أو دفعت إليه أو إلى غير المتصدق أو لم تدفع كل ذلك يحرم بيعها بكل حال وسواء في الصدقات كل ما جازت فيه الصدقات المحرمات من أرض ودار وغيرهما وعلى ما شرط المتصدق لمن تصدق بها عليه من منفعتها فإن شرط أن لبعضهم على بعض الأثرة بالتقدمة أو الزيادة من المنفعة فذلك على ما اشترط فإن شرطها عليهم بأسمائهم وأنسابهم فسواء كانوا أغنياء أو فقراء فإن قال على الأحوج منهم فالأحوج كانت على ما شرط لا يعدى بها شرطه وإن شرطها على جماعة رجال ونساء تخرج النساء منها إذا تزوجن ويرجعن إليها بالفراق وموت الأزواج كانت على ما شرط وكذلك إن شرط بأن يخرج الرجال منها بالغين ويدخلوا صغارا أو يخرجوا أغنياء ويدخلوا فقراء أو يخرجوا غيبا عن البلد الذي به الصدقة ويدخلوا حضورا كيفما شرط أن يكون ذلك كان إذا بقي لمنفعتها مالك سوى من أخرجه منها 
ID ' '   كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 

صفحة : 1215


الخلاف في الحبس وهي الصدقات الموقوفات 
قال الشافعي رحمه الله وخالفنا بعض الناس في الصدقات الموقوفات فقال لا تجوز بحال قال وقال شريح جاء محمد  بإطلاق الحبس قال وقال شريح لا حبس على فرائض الله تعالى قال الشافعي والحبس التي جاء رسول الله  بإطلاقها والله أعلم ما وصفنا من البحيرة والوصيلة والحام والسائبة إن كانت من البهائم فإن قال قائل ما دل على ما وصفت قيل ما علمنا جاهليا حبس دارا على ولد ولا في سبيل الله ولا على مساكين وحبسهم كانت ما وصفنا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام فجاء رسول الله  بإطلاقها والله أعلم وكان بينا في كتاب الله عز وجل إطلاقها فإن قال قائل فهو يحتمل ما وصفت ويحتمل إطلاق كل حبس فهل من خبر يدل على أن هذا الحبس في الدور والأموال خارجة من الحبس المطلقة قيل نعم أخبرنا سفيان عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال جاء عمر إلى النبي  فقال يا رسول الله إني أصبت مالا لم أصب مثله قط وقد أردت أن أتقرب به إلى الله عز وجل فقال رسول الله  حبس أصله وسبل ثمرته قال الشافعي وحجة الذي أبطل الصدقات الموقوفات أن شريحا قال لا حبس عن فرائض الله تعالى لا حجة فيها عندنا ولا عنده لأنه يقول قول شريح على الإنفراد لا يكون حجة ولو كان حجة لم يكن في هذا حبس عن فرائض الله عز وجل فإن قال وكيف قيل إنما أجزنا الصدقات الموقوفات إذا كان المتصدق بها صحيحا فارغة من المال فإن كان مريضا لم نجزها إلا من الثلث إذا مات من مرضه ذلك وليس في واحدة من الحالين حبس عن فرائض الله تعالى فإن قال قائل وإذا حبسها صحيحا ثم مات لم تورث عنه قيل فهو أخرجها وهو مالك لجميع ماله يصنع فيه ما يشاء ويجوز له أن يخرجها لأكثر من هذا عندنا وعندك أرأيت لو وهبها لأجنبي أو باعه إياها فحاباه أيجوز فإن قال نعم قيل فإذا فعل ثم مات أورث عنه فإن قيل لا قيل فهذا فرار من فرائض الله تعالى فإن قال لا لأنه أعطى وهو يملك وقبل وقوع فرائض الله تعالى قيل وهكذا الصدقة تصدق بها صحيحا قبل وقوع فرائض الله تعالى وقولك لا حبس عن فرائض الله تعالى محال لأنه فعله قبل أن تكون فرائض الله في الميراث لأن الفراض إنما تكون بعد موت المالك وفي المرض قال الشافعي وحجة الذي صار إليه من أبطل الصدقات أن قال إنها في معنى البحيرة والوصيلة والحام لأن سيدها أخرجها من ملكه إلى غير مالك قيل له قد أخرجها 
 

صفحة : 1216

 إلى مالك يملك منفعتها بأمر جعله الله تعالى وسنه رسول الله  والبحيرة والوصيلة والحام لم تخرج رقبته ولا منفعته إلى مالك فهما متباينان فكيف تقيس أحدهما بالآخر قال الشافعي والذي يقول هذا القول يزعم أن الرجل إذا تصدق بمسجد له جاز ذلك ولم يعد في ملكه وكان صدقة موقوفا على من صلى فيه فإذا قيل له فهل أخرجه إلى مالك يملك منه ما كان مالكه يملك قال لا ولكن ملك من صلى فيه الصلاة وجعله لله تبارك وتعالى فلو لم يكن عليه حجة بخلاف السنة إلا ما أجازه في المسجد مما ليس فيه سنة ورد من الدور والأرضين وفي الأرضين سنة كان محجوجا فإن قال قائل أجيز الأرضين والدور لأن في الأرضين سنة والدور مثلها لأنها أرضون تغل وأرد المساجد كان أولى أن يكون قوله مقبولا ممن رد الدور والأرضين وأجاز المساجد ثم تجاوز في المساجد إلى أن قال لو بنى رجل في داره مسجدا فأخرج له بابا وأذن للناس أن يصلوا فيه كان حبسا وقفا وهو لم يتكلم بوقفه ولا بحبسه وجعل إذنه بالصلاة كالكلام بحبسه ووقفه قال الشافعي فعاب هذا القول عليه صاحباه واحتجا عليه بما ذكرنا وأكثر منه وقالا هذا جهل صدقات المسلمين في القديم والحديث أشهر من أن ينبغي أن يجهلها عالم وأجازوا الصدقات المحرمات في الدور والأرضين على ما أجزناها عليه ثم اعتدل قول أبي يوسف فيها فقال بأحسن قول فقال تجوز الصدقات المحرمات إذا تكلم بها صاحبها قبضت أو لم تقبض وذلك أنا إنما أجزناها اتباعا لمن كان قبلنا مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وغيرهم وهم ولوا صدقاتهم حتى ماتوا فلا يجوز أن نخالفهم في أن لا نجيزها إلا مقبوضة وهم قد أجازوها غير مقبوضة بالكلام بها فنوافقهم في إجازتها قال الشافعي وما قال فيها أبو يوسف كما قال قال الشافعي أخبرني غير واحد من آل عمر وآل علي أن عمر ولى صدقته حتى مات وجعلها بعده إلى حفصة وولى علي صدقته حتى مات ووليها بعده الحسن ابن علي رضي الله عنهما وأن فاطمة بنت رسول الله  وليت صدقتها حتى ماتت وبلغني عن غير واحد من الأنصار أنه ولى صدقته حتى مات قال الشافعي وفي أمر النبي  عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن يسبل ثمر أرضه ويحبس أصلها دليل على أنه رأى ما صنع جائزا فبهذا نراه بلا قبض جائزا ولم يأمره أن يخرجه عمر من ملكه إلى غيره إذا حبسه ولما صارت الصدقات مبدأة في الإسلام لا مثال لها قبله علمها رسول الله  عمر فلم يكن فيما أمره به إذا حبس أصلها وسبل ثمرتها أن يخرجها إلى 
 

صفحة : 1217

 أحد يحوزها دونه ثمرتها دون وال يليها كما كان في أمر النبي  أبا إسرائيل أن يصوم ويستظل ويجلس ويتكلم دلالة على أن لا كفارة عليه ولم يامره في ذلك بكفارة قال الشافعي وخالفنا بعض الناس في الصدقات المحرمات فقال لا تجوز حتى يخرجها المتصدق بها إلى من يحوزها عليه والحجة عليه ما وصفنا وغيره من افتراق الصدقات الموقوفات وغيرها مما يحتاج فيه إلى أن لا يتم إلا بقبض 
وثيقة في الحبس 
أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي إملاء قال هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني في صحة من بدنه وعقله وجواز أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا إني تصدقت بداري التي بالفسطاط من مصر في موضع كذا أحد حدود جماعة هذه الدار ينتهي إلى كذا والثاني والثالث والرابع تصدقت بجميع أرض هذه الدار وعمارتها من الخشب والبناء والأبواب وغير ذلك من عمارتها وطرقها ومسايل مائها وأرفاقها ومرتفقها وكل قليل وكثير هو فيها ومنها وكل حق هو لها داخل فيها وخارج منها وحبستها صدقة بتة مسبلة لوجه الله وطلب ثوابه لا مثنوية فيها ولا رجعة حبسا محرمة لا تباع ولا تورث ولا توهب حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين وأخرجتها من ملكي ودفعتها إلى فلان بن فلان يليها بنفسه وغيره ممن تصدقت بها عليه على ما شرطت وسميت في كتابي هذا وشرطي فيه اني تصدقت بها على ولدي لصلبي ذكرهم وأنثاهم من كان منهم حيا اليوم أو حدث بعد اليوم وجعلتهم فيها سواء ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم شرعا في سكناها وغلتها لا يقدم واحد منهم على صاحبه ما لم تتزوج بناتي فإذا تزوجت واحدة منهن وباتت إلى زوجها انقطع حقها ما دامت عند زوج وصار بين الباقين من أهل صدقتي كما بقي من صدقتي يكونون فيهم شرعا ما كانت عند زوج فإذا رجعت بموت زوج أو طلاق كانت على حقها من داري كما كانت عليه قبل أن تتزوج وكلما تزوجت واحدة من بناتي فهي على مثل هذا الشرط تخرج من صدقتي ناكحة ويعود حقها فيها مطلقة أو ميتا عنها لا تخرج واحدة منهن من صدقتي إلا بزوج وكل من مات من ولدي لصلبي ذكرهم وأنثاهم رجع حقه على الباقين معه من ولدي لصلبي فإذا انقرض ولدي لصلبي فلم يبق منهم واحد كانت هذه الصدقة حبسا على ولد ولدي الذكور لصلبي وليس لولد البنات من غير ولدي شيء ثم كان ولد ولدي الذكور من الإناث والذكور في صدقتي هذه على مثل ما كان 
 

صفحة : 1218

 عليه ولدي لصلبي الذكر والأنثى فيها سواء وتخرج المرأة منهم من صدقتي بالزوج وترد إليها بموت الزوج أو طلاقه وكل من حدث من ولدي الذكور من الإناث والذكور فهو داخل في صدقتي مع ولد ولدي وكل من مات منهم رجع حقه على الباقين معه حتى لا يبقى من ولد ولدي أحد فإذا لم يبق من ولد ولدي لصلبي أحد كانت هذه الصدقة بمثل هذا الشرط على ولد ولد ولدي الذكور الذين إلى عمود نسبهم تخرج منها المرأة بالزوج وترد إليها بموته أو فراقه ويدخل عليهم من حدث أبدا من ولد ولد ولدي ولا يدخل قرن ممن إلى عمود نسبه من ولد ولدي ما تناسلوا على القرن الذي هم أبعد إلي منهم ما بقي من ذلك القرن أحد ولا يدخل عليهم أحد من ولد بناتي الذين إلى عمود انتسابهم إلا أن يكون من ولد بناتي هو من ولد ولدي الذكور الذين إلى عمود نسبه فيدخل مع القرن الذين عليهم صدقتي لولادتي إياه من قبل أبيه لا من قبل أمه ثم هكذا صدقتي أبدا على من بقي من ولد أولادي الذين إلى عمودي نسبهم وإن سفلوا أو تناسخوا حتى يكون بيني وبينهم مائة أب وأكثر ما بقي أحد إلى عمود نسبه فإذا انقرضوا كلهم فلم يبق منهم أحد إلى عمود نسبه فهذه الدار حبس صدقة لا تباع ولا توهب لوجه الله تعالى على ذوي رحمي المحتاجين من قبل أبي وأمي يكونون فيها شرعا سواء ذكرهم وأنثاهم والأقرب إلي منهم والأبعد مني فإذا انقرضوا ولم يبق منهم أحد فهذه الدار حبس على موالي الذين أنعمت عليهم وأنعم عليهم آبائي بالعتاقة لهم وأولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم من بعد إلي وإلى آبائي نسبه بالولاء ونسبه إلى من صار مولاي بولاية سواء فإذا انقرضوا فلم يبق منهم أحد فهذه الدار حبس صدقة لوجه الله تعالى على من يمر بها من غزاة المسلمين وأبناء السبيل وعلى الفقراء والمساكين من جيران هذه الدار وغيرهم من أهل الفسطاط وأبناء السبيل والمارة من كانوا حتى يرث الله الأرض ومن عليها ويلي هذه الدار ابني فلان بن فلان الذي وليته في حياتي وبعد موتي ما كان قويا على ولايتها أمينا عليها بما أوجب الله تعالى عليه من توفير غلة إن كانت لها والعدل في قسمها وفي إسكان من أراد السكن من أهل صدقتي بقدر حقه فإن تغيرت حال فلان بن فلان ابني بصعف عن ولايتها أو قلة أمانه فيها أوليها من ولدي أفضلهم دينا وأمانة على الشروط التي شرطت على ابني فلان ويليها ما قوي وأدى الأمانة فإذا ضعف أو تغيرت أمانته فلا ولاية له فيها وتنتقل الولاية عنه إلى غيره من أهل القوة والأمانة من ولدي ثم كل قرن صارت هذه الصدقة إليه وليها من ذلك القرن أفضلهم قوة وأمانة ومن 
 

صفحة : 1219

 تغيرت حاله ممن وليها بضعف أو قلة أمانة نقلت ولايتها عنه إلى أفضل من عليه صدقتي قوة وأمانة وهكذا كل قرن صارت صدقتي هذه إليه يليها منه أفضلهم دينا وأمانة على مثل ما شرطت على ولدي ما بقي منهم أحد ثم من صارت إليه هذه الدار من قرابتي أو موالي وليها ممن صارت إليه أفضلهم دينا وأمانة ما كان في القرن الذي تصير إليهم هذه الصدقة ذو قوة وأمانة وإن حدث قرن ليس فيهم ذو قوة ولا أمانة ولي قاضي المسلمين صدقتي هذه من يحمل ولايتها بالقوة والأمانة من أقرب الناس إلي رحما ما كان ذلك فيهم فإن لم يكن ذلك فيهم موالي وموالي آبائي الذين أنعمنا عليهم فإن لم يكن ذلك فيهم فرجل يختاره الحاكم من المسلمين فإن حدث من ولدي أو من ولد ولدي أو من موالي رجل له قوة وأمانة نزعها الحاكم من يدي من ولاه من قبله وردها إلى من كان قويا وأمينا ممن سميت وعلى كل وال يليها أن يعمر ما وهى من هذه الدار ويصلح ما خاف فساده منها ويفتح فيها من الأبواب ويصلح منها ما فيه الصلاح لها والمستزاد في غلتها وسكنها مما يجتمع من غلة هذه الدار ثم يفرق ما يقى منه على من له هذه الغلة سواء بينهم ما شرطت لهم وليس للوالي من ولاة المسلمين أن يخرجها من يدي من وليته إياها ما كان قويا أمينا عليها ولا من يدي أحد من القرن الذي تصير إليهم ما كان فيهم من يستوجب ولايتها بالقوة والأمانة ولا يولى غيرهم وهو يجد فيهم من يستوجب الولاية شهد على إقرار فلان بن فلان فلان بن فلان ومن شهد 
ID ' '   وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 

صفحة : 1220


كتاب الهبة 

وترجم في اختلاف مالك والشافعي باب القضاء في الهبات 
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن ابي الغطفان ابن طريف المري عن مروان بن الحكم أن عمر بن الخطاب قال من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد به الثواب فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها وقال مالك إن الهبة إذا تغيرت عند الموهوب للثواب بزيادة أو نقصان فإن على الموهوب له أن يعطى الواهب قيمتها يوم قبضها فقلت للشافعي فإنا نقول بقول صاحبنا فقال الشافعي فقد ذهب عمر في الهبة يراد ثوابها أن الواهب على هبته إن لم يرض منها أن للواهب الخيار حتى يرضى من هبته ولو أعطى أضعافها في مذهبه والله أعلم كان له أن يرجع فيها ولو تغيرت عند الموهوب له بزيادة كان له أخذها وكان كالرجل يبيع الشيء وله فيه الخيار عبد أو أمة فيزيد عند المشتري فيختار البائع نقض البيع فيكون له نقضه وإن زاد العبد المبيع أو الأمة المبيعة فكثرت زيادته ومذهبكم خلاف ما رويتم عن عمر بن الخطاب وفي اختلاف العراقيين باب الصدقة والهبة قال الشافعي رحمه الله وإذا وهبت المرأة لزوجها هبة أو تصدقت أو تركت له من مهرها ثم قالت أكرهني وجاءت على ذلك ببينة فإن أبا حنيفة كان يقول لا أقبل بينتها وأمضى عليها ما فعلت من ذلك وكان ابن أبي ليلى يقول أقبل بينتها على ذلك وأبطل ما صنعت قال الشافعي وإذا تصدقت المرأة على زوجها بشيء أو وضعت له من مهرها أو من دين كان لها عليه فأقامت البينة أنه أكرهها على ذلك والزوج في موضع القهر للمرأة أبطلت ذلك عنها كله وإذا وهب الرجل هبة وقبضها الموهوبة له وهي دار فبناها بناء وأعظم النفقة أو كانت جارية صغيرة فأصلحها أو صنعها حتى شبت وأدركت فإن أبا حنيفة كان يقول لا يرجع الواهب في شيء من ذلك ولا في كل هبة زادت عند صاحبها خيرا ألا ترى أنه قد حدثه فيها في ملك الموهوبة له شيء لم يكن في ملك الواهب أرأيت إن ولدت الجارية ولدا أكان للواهب أن يرجع فيه ولم يهبه له ولم يملكه قط وبهذا يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول له أن رجع في ذلك كله وفي الولد قال الشافعي وإذا وهب الرجل للرجل جارية أو دارا فزادت الجارية في يديه أو بنى الدار فليس للواهب الذي ذكر أنه وهب للثواب ولم يشترط ذلك أن يرجع في الجارية اي حال ما كانت زادت خيرا أو نقصت كما لا يكون له إذا أصدق المرأة الجارية فزادت في يديها ثم 
 

صفحة : 1221

 طلقها أن يرجع بنصفها زائدة فأما الدار فإن الباني إنما بنى ما يملك فلا يكون له أن يبطل بناءه ولا يهدمه ويقال له إن أعطيته قيمة البناء أخذت نصف الدار والبناء كما يكون لك وعليك في الشفعة يبني فيها صاحبها ولا ترجع بنفصها كما لو أصدقها دارا فبنتها لم يرجع بنصفها لأنه مبنيا أكثر قيمة منه غير مبني ولو كانت الجارية ولدت كان الولد للموهوبة له لأنه حادث في ملكه بائن منها كمباينة الخراج والخدمة لها كما لو ولدت في يد المرأة المصدقة ثم طلقت قبل الدخول كان الولد للمرأة ورجع بنصف الجارية إن أراد ذلك وإذا وهب الرجل جاريته لإبنه وابنه كبير وهو في عياله فإن أبا حنيفة كان يقول لا يجوز إلا أن يقبض وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كان الولد في عيال أبيه وإن كان قد أدرك فهذه الهبة له جائزة وكذلك الرجل إذا وهب لامرأته قال الشافعي وإذا وهب الرجل لابنه جارية وابنه في عياله فإن كان الإبن بالغا لم تكن الهبة تامة حتى يقبضها الإبن وسواء كان في عياله أو لم يكن كذلك روى عن أبي بكر وعائشة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم في البالغين وعن عثمان أنه رأى أن الأب يجوز لولده ما كانوا صغارا فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم إلا في حال الصغر قال الشافعي وهكذا كل هبة ونحلة وصدقة غير محرمة فهي كلها من العطايا التي لا يؤخذ عليها عوض ولا تتم إلا بقبض المعطى وإذا وهب الرجل دارا لرجلين أو متاعا وذلك المتاع مما يقسم فقبضاه جميعا فإن أبا حنيفة كان يقول لا تجوز تلك الهبة إلا أن يقسم لكل واحد منهما حصته وكان ابن أبي ليلى يقول الهبة جائزة وبهذا يأخذ وإذا وهب اثنان لواحد وقبض فهو جائز وقال أبو يوسف هما سواء قال الشافعي وإذا وهب الرجل لرجلين بعض دار لا تقسم أو طعاما أو ثيابا أو عبدا لا ينقسم فقبضا جميعا الهبة فالهبة جائزة كما يجوز البيع وكذلك لو وهب اثنان دارا بينهما تنقسم أو لا تنقسم أو عبد الرجل وقبض جازت الهبة وإذا كانت الدار لرجلين فوهب أحدهما حصته لصاحبه ولم يقسمه له فإن أبا حنيفة كان يقول الهبة في هذا باطلة ولا تجوز وبهذا يأخذ ومن حجته في ذلك أنه قال لا تجوز الهبة إلا مقسومة معلومة مقبوضة بلغنا عن أبي بكر رضي الله عنه أنه نحل عائشة أم المؤمنين جداد عشرين وسقا من نخل له بالعالية فلما حضره الموت قال لعائشة إنك لم تكوني قبضتيه وإنما هو مال الوارث فصار بين الورثة لأنها لم تكن قبضته وكان إبراهيم يقول لا تجوز الهبة إلا مقبوضة وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول إذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فهذا قبض منه للهبة وهذه معلومة وهذه جائزة وإذا وهب الرجلان دارا لرجل 
 

صفحة : 1222

 فقبضها فهو جائز في قول أبي حنيفة ولا تفسد الهبة لأنها كانت لاثنين وبه يأخذ قال الشافعي وإذا كانت الدار بين رجلين فوهب أحدهما لصاحبه نصيبه فقبض الهبة فالهبة جائزة والقبض أن تكون كانت في يدي الموهبة له ولا وكيل معه فيها أو يسلمها ربها ويخلى بينه وبينها حتى يكون لا حائل دونها هو ولا وكيل له فإذا كان هذا هكذا كان قبضا والقبض في الهبات كالقبض في البيوع ما كان قبضا في البيع كان قبضا في الهبة وما لم يكن قبضا في البيع لم يكن قبضا في الهبة وإذا وهب الرجل للرجل الهبة وقبضها دارا أو أرضا ثم عوضه بعد ذلك منها عوضا وقبضه الواهب فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول ذلك جائز ولا تكون فيه شفعة وبه يأخذ وليس هذا بمنزلة الشراء ويأخذ الشفيع بالشفعة بقيمة العوض ولا يستطيع الواهب أن يرجع في الهبة بعد العوض في قولهما جميعا قال الشافعي وإذا وهب الرجل لرجل شقصا من دار فقبضه ثم عوضه الموهوبة له شيئا فقبضه الواهب سئل الواهب فإن قال وهبتها للثواب كان فيها شفعة وإن قال وهبتها لغير ثواب لم يكن فيها شفعة وكانت المكافأة كابتداء الهبة وهذا كله في قول من قال للواهب الثواب إذا قال أردته فأما من قال لا ثواب للواهب إن لم يشترطه في الهبة فليس له الرجوع في شيء وهبه ولا الثواب منه قال الربيع وفيه قول آخر وإذا وهب واشترط الثواب فالهبة باطلة من قبل أنه اشترط عوضا مجهولا وإذا وهب لغير الثواب وقبضه الموهوب فليس له أن يرجع في شيء وهبه وهو معنى قول الشافعي وإذا وهب الرجل للرجل هبة في مرضه فلم يقبضها الموهوبة له حتى مات الواهب فإن أبا حنيفة كان يقول الهبة في هذا باطل لا تجوز وبه يأخذ ولا يكون له وصية إلا أن يكون ذلك في ذكر وصية وكان ابن أبي ليلى يقول هي جائزة من الثلث قال الشافعي وإذا وهب الرجل في مرضه الهبة فلم يقبضها الموهوبة له حتى مات الواهب لم يكن للموهوبة له شيء وكانت الهبة للورثة الحجاج بن أرطأة عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لا تجوز الصدقة إلا مقبوضة الأعمش عن إبراهيم قال الصدقة إذا علمت جازت والهبة لا تجوز إلا مقبوضة وكان أبو حنيفة يأخذ بقول ابن عباس في الصدقة وهو قول أبي يوسف قال الشافعي وليس للواهب أن يرجع في الهبة إذا قبض منها عوضا قل أو كثر 
ID ' '   الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 

صفحة : 1223


باب في العمرى من كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما 
قال الربيع سألت الشافعي عمى أعمر عمرى له ولعقبة فقال هي للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها فقلت ما الحجة في ذلك قال السنة الثابتة من حديث الناس وحديث مالك عن النبي  أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله أن رسول الله  قال أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث قال الشافعي وبهذا نأخذ ويأخذ عامة أهل العلم في جميع الأمصار بغير المدينة وأكابر أهل المدينة وقد روى هذا مع جابر بن عبد الله زيد بن ثابت عن النبي  فقلت للشافعي فإنا نخالف هذا فقال تخالفونه وأنتم تروونه عن رسول الله  فقلت إن حجتنا فيه أن مالكا قال أخبرني يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي يسأل القاسم بن محمد عن العمرى وما يقول الناس فيها فقال له القاسم ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا قال الشافعي ما أجابه القاسم في العمرى بشيء وما أخبره إلا أن الناس على شروطهم فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول العمرى من المال والشرط فيها جائز فقد يشترط الناس في أموالهم شروطا لا تجوز لهم فإن قال قائل وما هي قيل الرجل يشتري العبد على أن يعتقه والولاء للبائع فيعتقه فهو حر والولاء للمعتق والشرط باطل فإن قال السنة تدل على إبطال هذا الشرط قلنا والسنة تدل على إبطال الشرط في العمرى فلم أخذتم بالسنة مرة وتركتموها مع أن قول القاسم يرحمه الله لو كان قصد به قصد العمرى فقال إنهم على شروطهم فيها لم يكن في هذا ما يرد به الحديث عن النبي  فإن قال قائل ولم قيل نحن لا نعلم أن القاسم قال هذا إلا بخبر يحيى عن عبد الرحمن عنه وكذلك علمنا قول النبي  في العمرى بخبر ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر عن النبي  وغيره فإذا قبلنا خبر الصادقين فمن روى هذا عن النبي  أرجح مما روى هذا عن القاسم لا يشك عالم أن ما ثبت عن رسول الله  أولى أن يقال به مما قاله ناس بعده قد يمكن فيهم أن لا يكونوا سمعوا من رسول الله  ولا بلغهم عنه شيء وأنهم أناس لا نعرفهم فإن قال قائل لا يقول القاسم قال الناس إلا لجماعة من اصحاب رسول الله  أو من أهل العلم لا يجهلون للنبي  
 

صفحة : 1224

 سنة ولا يجتمعون أبدا من جهة الرأي ولا يجتمعون إلا من جهة السنة فقيل له قد أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلا كانت عنده وليدة لقوم فقال لأهلها شأنكم بها فرأى الناس انها تطليقة وأنتم تزعمون أنها ثلاث وإذا قيل لكم لم لا تقولون قول القاسم والناس إنها تطليقة قلتم لا ندري من الناس الذي يروى هذا عنهم القاسم فلئن لم يكن قول القاسم رأى الناس حجة عليكم في رأي أنفسكم له عن أن يكون على رسول الله  حجة أبعد ولئن كانت حجة لقد أخطأتم بخلافكم إياه برأيكم وإنا لنحفظ عن ابن عمر في العمرى مثل قول رسول الله  أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار وحميد الأعرج عن حبيب ابن أبي ثابت قال كنت عند ابن عمر فجاءه رجل من أهل البادية فقال إني وهبت لابني هذا ناقة حياته وإنها تناتجت إبلا فقال ابن عمر هي له حياته وموته فقال إني تصدقت عليه بها قال ذلك أبعد لك منها أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن حبيب بن أبي ثابت مثله إلا أنه قال أضنت يعني كبرت واضطربت أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سليمان بن يسار أن طارقا قضى بالمدينة بالعمرى عن قول جابر بن عبد الله عن النبي  أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت أن النبي  جعل العمرى للوارث أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله  قال لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو سبيل الميراث أخبرنا سفيان عن أيوب عن ابن سيرين قال حضرت شريحا قضى لأعمى بالعمرى فقال له الأعمى يا أبا أمية بم قضيت لي فقال شريح لست أنا قضيت لك ولكن محمد  قضى لك منذ أربعين سنة قال من أعمر شيئا حياته فهو لورثته إذا مات قال الشافعي فتتركون ما وصفتم من العمرى مع ثبوته عن رسول الله  وأنه قول زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وابن عمر وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وهكذا عندكم عمل بعد النبي  لتوهم في قول القاسم وأنتم تجدون في قول القاسم يعني في رجل قال لأمة قوم شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة ثم تخالفونه برأيكم وما روى القاسم عن الناس 
ID ' '   ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 

صفحة : 1225


وفي بعض النسخ مما ينسب للأم في العمرى 
قال الشافعي وهو يروي عن ربيعة إذ ترك حديث العمرى أنه يحتج بأن الزمان قد طال وأن الرواية يمكن فيها الغلط فإذا روى الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن النبي  من أعمر عمرى له ولعقبه فهي للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطى لأنه أعطى عطاء وقعت فيه الموارث قال الشافعي وقد أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن جابر أن النبي  قال من أعمر شيئا فهو له قال الشافعي وأخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت عن رسول الله  أنه قال العمرى للوارث قال الشافعي وأخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار وابن أبي نجيح عن حبيب بن أبي ثابت قال كنا عند عبد الله بن عمر فجاءه أعرابي فقال له إني أعطيت بعض بني ناقة حياته قال عمر وفي الحديث وإنها تناتجت وقال ابن أبي نجيح في حديثه وإنها أضنت واضطربت فقال هي له حياته وموته قال فإني تصدقت بها عليه قال فذلك أبعد لك منها قال الشافعي أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن أيوب عن محمد بن سيرين أن شريحا قضى بالعمرى لأعمى فقال بم قضيت لي يا أبا أمية فقال ما أنا قضيت لك ولكن قضى لك محمد  منذ أربعين سنة قضى من أعمر شيئا حياته فهو له حياته وموته قال سفيان وعبد الوهاب فهو لورثته إذا مات قال الشافعي فترك هذا وهو يرويه عن النبي  جابر بن عبد الله من وجوه ثابتة وزيد بن ثابت ويفتي به جابر بالمدينة ويفتي به ابن عمر ويفتي به عوام أهل البلدان لا أعلمهم يختلفون فيه بأن قال أخبرني يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا يسأل القاسم بن محمد عن العمرى وما يقول الناس فيها فقال القاسم ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا قال الشافعي والقاسم يرحمه الله لم يجبه في العمرى بشيء إنما أخبره أنه إنما أدرك الناس على شروطهم ولم يقل له إن العمرى من تلك الشروط التي أدرك الناس عليها ويجوز أن لا يكون القاسم سمع الحديث ولو سمعه ما خالفه إن شاء الله قال فإذا قيل لبعض من يذهب مذهبه لو كان القاسم قال هذا في العمرى أيضا فعارضك معارض بأن يقول أخاف أن يغلط على القاسم من روى هذا عنه إذا كان الحديث عن النبي  كما وصفنا يروى من وجوه يسندونه قال لا يجوز أن يتهم أهل الحفظ بالغلط فقيل ولا يجوز أن يتهم من روى عن النبي  فإذا قال لا يجوز 
 

صفحة : 1226

 قلنا ما يثبت عن النبي أولى أن يكون لازما لأهل دين الله أو ما قال القاسم أدركت الناس ولسنا نعرف الناس الذين حكى هذا عنهم فإن قال لا يجوز على مثل القاسم في علمه أن يقول أدركت الناس إلا والناس الذين أدرك أئمة يلزمه قولهم قيل له فقد روى يحيى بن سعيد عن القاسم أن رجلا كانت عنده وليدة لقوم فقال لأهلها شأنكم بها فرأى الناس أنها تطليقة وهو يفتي برأي نفسه أنها ثلاث تطليقات فإن قال في هذه لا أعرف الناس الذين روى القاسم هذا عنهم جاز لغيره أن يقول لا أعرف الناس الذين روى هذا عنهم في الشروط وإن كان يقول إن القاسم لا يقول 
كتاب اللقطة الصغيرة 
قال الشافعي رحمه الله تعالى في اللقطة مثل حديث مالك عن النبي  سواء وقال في ضالة الغنم إذا وجدتها في موضع مهلكة فهي لك فكلها فإذا جاء صاحبها فاغرمها له وقال في المال يعرفه سنة ثم يأكله إن شاء فإن جاء صاحبه غرمه له وقال يعرفها سنة ثم يأكلها موسرا كان أو معسرا إن شاء إلا أني لا أرى له أن يخلطها بماله ولا يأكلها حتى يشهد على عددها ووزنها وظرفها وعفاصها ووكائها فمتى جاء صاحبها غرمها له وإن مات كانت دينا عليه في ماله ولا يكون عليه في الشاة يجدها بالمهلكة تعريف إن أحب أن يأكلها فهي له ومتى لقي صاحبها غرمها له وليس ذلك له في ضالة الإبل ولا البقر لأنهما يدفعان عن أنفسهما وإنما كان ذلك له في ضالة الغنم والمال لأنهما لا يدفعان عن أنفسهما ولا يعيشان والشاة يأخذها من أرادها وتتلف لا تمتنع من السبع إلا أن يكون معها من يمنعها والبعير والبقرة يردان المياه وإن تباعدت ويعيشان أكثر عمرهما بلا راع فليس له أن يعرض لواحد منهما والبقر قياسا على الإبل قال الشافعي وإن وجد رجل شاة ضالة في الصحراء فأكلها ثم جاء صاحبها قال يغرمها خلاف مالك قال الشافعي ابن عمر لعله أن لا يكون سمع الحديث عن النبي  في اللقطة ولو لم يسمعه انبغى أن يقول لا يأكلها كما قال ابن عمر انبغى أن يفتيه أن يأخذها وينبغي للحاكم أن ينظر فإن كان الآخذ لها ثقة أمره بتعريفها واشهد شهودا على عددها وعفاصها ووكائها وأمره أن يوقفها في يديه إلى أن يأتي ربها فيأخذها وإن لم يكن ثقة في ماله وأمانته أخرجها من يديه إلى من يعف عن الأموال ليأتي ربها وأمره بتعريفها لا يجوز لأحد ترك لقطة وجدها إذا كان من أهل الأمانة ولو وجدها فأخذها ثم أراد تركها لم يكن ذلك له وهذا في كل ما سوى الماشية فأما الماشية فإنها تخرق بأنفسها فهي مخالفة لها وإذا وجد رجل بعيرا 
 

صفحة : 1227

 فأراد رده على صاحبه فلا بأس بأخذه وإن كان إنما يأخذه ليأكله فلا وهو ظالم وإن كان للسلطان حمى ولم يكن على صاحب الضوال مؤنة تلزمه في رقاب الضوال صنع كما صنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه تركها في الحمى حتى يأتي صاحبها وما تناتجت فهو لمالكها ويشهد على نتاجها كما يشهد على الأم حين يجدها ويوسم نتاجها ويوسم أمهاتها وإن لم يكن للسلطان حمى وكان يستأجر عليها فكانت الأجرة تعلق في رقابها غرما رأيت أن يصنع كما صنع عثمان بن عفان إلا في كل ما عرف أن صاحبه قريب بأن يعرف بعير رجل بعينه فيحبسه أو يعرف وسم قوم بأعيانهم حبسها لهم اليوم واليومين والثلاثة ونحو ذلك أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي رحمه الله تعالى إذا التقط الرجل اللقطة مما لا روح له ما يحمل ويحول فإذا التقط الرجل لقطة قلت أو كثرت عرفها سنة ويعرفها على أبواب المساجد والأسواق ومواضع العامة ويكون أكثر تعريفه إياها في الجماعة التي أصباها فيها ويعرف عفاصها ووكاءها وعددها ووزنها وحليتها ويكتب ويشهد عليه فإن جاء صاحبها وإلا فهي له بعد سنة على أن صاحبها متى جاء غرمها وإن لم يأت فهي مال من ماله وإن جاء بعد السنة وقد استهلكها الملتقط حمي أو ميت فهو غريم من الغرماء يحاص الغرماء فإن جاء وسلعته قائمة بعينها فهي له دون الغرماء والورثة وأختى الملتقط إذا عرف رجل العفاص والوكاء والعدد والوزن ووقع في نفسه أنه لم يدع باطلا أنه يعطيه ولا أجبره في الحكم إلا ببنية تقوم عليها كما تقوم على الحقوق فإن ادعاها واحد أو اثنان أو ثلاثة فسواء لا يجبر على دفعها إليهم إلا ببينة يقيمونها عليه لأنه قد يصيب الصفة بأن الملتقط وصفها ويصيب الصفة بأن الملتقطة عنه قد وصفها فليس لإصابته الصفة معنى يستحق به أحد شيئا في الحكم وإنما قوله أعرف عفاصها ووكاءها والله أعلم أن تؤدى عفاصها ووكاءها مع ما تؤدى منها ولتعلم إذا وضعتها في مالك أنها للقطة دون مالك ويحتمل أن يكون ليستدل على صدق المعترف وهذا الأظهر إنما قال رسول الله  البينة على من المدعى فهذا مدع أرأيت لو أن عشرة أو أكثر وصفوها كلهم فأصابوا صفتها ألنا أن نعطيهم إياها يكونون شركاء فيها ولو كانوا ألفا أو ألفين ونحن نعلم أن كلهم كاذب إلا واحدا بغير عينه ولعل الواحد يكون كاذبا ليس يستحق أحد بالصفة شيئا ولا تحتاج إذا التقطت أن تأتي بها إماما ولا قاضيا قال الشافعي فإذا أراد الملتقط أن يبرأ من ضمان اللقطة ويدفعها إلى من اعترفها فليفعل ذلك بأمر حاكم لأنه إن دفعها بغير أمر حاكم ثم جاء 
 

صفحة : 1228

 رجل فأقام عليه البينة ضمن قال وإذا كان في يدي رجل العبد الآبق أو الضالة من الضوال فجاء سيده فمثل اللقطة ليس عليه أن يدفعه إلا ببينة يقيمها فإذا دفعه ببينة يقيمها عنده كان الاحتياط له أن لا يدفعه إلا بأمر الحاكم لئلا يقيم عليه غيره بينة فيضمن لأنه إذا دفعه ببينة تقوم عنده فقد يمكن أن تكون البينة غير عادلة ويقيم آخر بينة عادلة فيكون أولى وقد تموت البينة ويدعي هو أنه دفعه ببينة فلا يقبل قوله غير أن الذي قبض منه إذا اقر له فيضمنه القاضي للمستحق الآخر رجع هذا على المستحق الأول إلا أن يكون أقر أنه له فلا يرجع عليه وإذا أقام رجل شاهدا على اللقطة أو ضالة حلف مع شاهده وأخذ ما أقام عليه بينة لأن هذا مال وإذا أقم الرجل بمكة بينة على عبد ووصفت البينة العبد وشهدوا أن هذه صفة عبده وأنه لم يبع ولم يهب أو لم نعلمه باع ولا وهب وحلف رب العبد كتب الحاكم بينته إلى قاضي بلد غير مكة فوافقت الصفة صفة العبد الذي في يديه لم يكن للقاضي أن يدفعه إليه بالصفة ولا يقبل إلا أن يكون شهود يقدمون عليه فيشهدون عليه بعينه ولكن إن شاء الذي له عليه بينة أن يسأل القاضي أن يجعل هذا العبد ضالا فيبيعه فيمن يزيد ويأمر من يشتريه ثم يقبضه من الذي اشتراه قال الشافعي وإذا أقام عليه البينة بمكة بعينه أبرأ القاضي الذي اشتراه من الثمن بإبراء رب العبد ويرد عليه الثمن إن كان قبضه منه وقد قيل يختم في رقبة هذا العبد ويضمنه الذي استحقه بالصفة فإن ثبت عليه الشهود فهو له ويفسخ عنه الضمان وإن لم يثبت عليه الشهود رد وإن هلك فيما بين ذلك كان له ضامنا وهذا يدخله أن يفلس الذي ضمن ويستحقه ربه فيكون القاضي أتلفه ويدخله أن يستحقه ربه وهو غائب فإن قضى على الذي دفعه إليه بإجازته في غيبته قضى عليه بأجر ما لم يغصب ولم يستأجر وإن أبطل عنه كان قد منع هذا حقه بغير استحقاق له ويدخله أن يكون جارية فارهة لعلها أم ولد لرجل فيخلى بينها وبين رجل يغبب عليها ولا يجوز فيه إلا القول الأول قال الشافعي وإذا اعترف الرجل الدابة في يدي رجل فأقام رجل عليها بينة أنها له قضى له القاضي بها فإن ادعى الذي هي في يديه أنه اشتراها من رجل غائب لم يحبس الدابة عن المقضي له بها ولم يبعث بها إلى البلد الذي فيها البيع كان البلد قريبا أو بعيدا ولا أعمد إلى مال رجل فأبعث به إلى البلد لعله يتلف قبل أن يبلغه بدعوى إنسان لا أدري كذب أم صدق ولو علمت أنه صدق ما كان لي أن أخرجها من يدي مالكها نظرا لهذا أن لا يضيع حقه على المغتصب لا تمنع الحقوق بالظنون ولا تملك بها وسواء كان الذي استحق 
 

صفحة : 1229

 الدابة مسافرا أو غير مسافر ولا يمنع منها ولا تنزع من يديه إلا أن يطيب نفسا عنها ولو أعطى قيمتها أضعافا لأنا لا نجبره على بيع سلعته قال الشافعي ويأكل اللقطة الغني والفقير ومن تحل له الصدقة ومن لا تحل له فقد أمر النبي  أبي بن كعب وهو أيسر أهل المدينة أو كأيسرهم وجد صرة فيها ثمانون دينارا أن يأكلها أخبرنا الدراوردي عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه وجد دينارا على عهد رسول الله  فذكره للنبي  فأمره أن يعرفه فلم يعترف فأمره أن يأكله ثم جاء صاحبه فأمره أن يغرمه قال الشافعي وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ممن تحرم عليه الصدقة لأنه من صلبية بني هاشم وقد روى عن النبي  الإذن بأكل اللقطة بعد تعريفها سنة علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وزيد بن خالد الجهني وعبد الله بن عمرو بن العاص وعياض ابن حماد المجاشعي رضي الله عنهم قال الشافعي والقليل من اللقطة والكثير سواء لا يجوز أكله إلا بعد سنة فأما أن آمر الملتقط وإن كان أمينا أن يتصدق بها فما أنصفت الملتقط ولا الملتقط عنه إن فعلت إن كانت اللقطة مالا من مال الملتقط بحال فلم آمره أن يتصدق وأنا لا آمره أن يتصدق به ولا بميراثه من أبيه وإن أمرته بالصدقة فكيف أضمنه ما آمره بإتلافه وإن كانت الصدقة مالا من مال الملتقط عنه فكيف آمر الملتقط بأن يتصدق بمال غيره بغير إذن رب المال ثم لعله يجده رب المال مفلسا فأكون قد أتويت ماله ولو تصدق بها ملتقطها كان متعديا فكان لربها أن يأخذها بعينها فإن نقصت في أيدي المساكين أو تلفت رجع على الملتقط إن شاء بالتلف والنقصان وإن شاء أن يرجع بها على المساكين رجع بها إن شاء قال الشافعي وإذا التقط العبد اللقطة فعلم السيد باللقطة فأقرها بيده فالسيد ضامن لها في ماله في رقبة العبد وغيره إذا استهلكها العبد قبل السنة أو بعدها دون مال السيد لأن أخذه اللقطة عدوان إنما يأخذ اللقطة من له ذمة يرجع بها عليه ومن له مال يملكه والعبد لا مال له ولا ذمة وكذلك إن كان مدبرا او مكاتبا أو أم ولد والمدبر والمدبرة كلهم في معنى العبد إلا أن أم الولد لا تباع ويكون في ذمتها إن لم يعلمه السيد وفي مال المولى إن علم قال الربيع وفي القول الثاني إن علم السيد أن عبده التقطها أو لم يعلم فأقرها في يده فهي كالجناية في رقبة العبد ولا يلزم السيد في ماله شيء قال الشافعي والمكاتب في اللقطة بمنزلة الحر لأنه يملك ماله والعبد بعضه حر وبعضه عبد يقضي بقدر رقه فيه فإن التقط اللقطة في اليوم الذي يكون لنفسه فيه 
 

صفحة : 1230

 أقرت في يديه وكانت مالا من ماله لأن ما كسب في ذلك اليوم في معاني كسب الأحرار وإن التقطها في اليوم الذي هو فيه للسيد أخذها السيد منه لأن ما كسبه في ذلك اليوم للسيد وقد قيل إذا التقطها في يوم نفسه أقر في يدي العبد بقدر ما عتق منه وأخذ السيد بقدر ما يرق منه وإذا اختلفا فالقول قول العبد مع يمينه لأنها في يديه ولا يحل للرجل أن ينتفع من اللقطة بشيء حتى تمضي سنة وإذا باع الرجل الرجل اللقطة قبل السنة ثم جاء ربها كان له فسخ البيع وإن باعها بعد السنة فالبيع جائز ويرجع رب اللقطة على البائع بالثمن أو قيمتها إن شاء فأيهما شاء كان له قال الربيع ليس له إلا ما باع إذا كان باع بما يتغابن الناس بمثله فإن كان باع بما لا يتغابن الناس بمثله فله ما نقص عما يتغابن الناس بمثله قال الشافعي وإذا كانت الضالة في يدي الوالي فباعها فالبيع جائز ولسيد الضالة ثمنها فإن كانت الضالة عبدا فزعم سيد العبد أنه أعتقه قبل البيع قبلت قوله مع يمينه إن شاء المشتري يمينه وفسخت البيع وجعلته حرا ورددت المشتري بالثمن الذي أخذ منه قال الربيع وفيه قول آخر أنه لا يفسخ البيع إلا ببينة تقوم لأن بيع الوالي كبيع صاحبه فلا يفسخ بيعه إلا ببينة أنه أعتقه قبل بيعه لأن رجلا لو باع عبدا ثم أقر أنه أعتقه قبل أن يبيعه لم يقبل قوله فيفسخ على المشتري بيعه إلا ببينة تقوم على ذلك قال الشافعي وإذا التقط الرجل الطعام الرطب الذي لا يبقى فأكله ثم جاء صاحبه غرم قيمته وله أن يأكله إذا خاف فساده وإذا التقط الرجل ما يبقى لم يكن له أكله إلا بعد سنة مثل الحنطة والتمر وما أشبهه قال الشافعي والركاز دفن الجاهلية فما وجد من مال الجاهلية على وجه الأرض فهو لقطة من اللقط يصنع فيه ما يصنع في اللقطة لأن وجوده على ظهر الأرض وفي مواضع اللقطة يدل على انه ملك سقط من مالكه ولو تورع صاحبه فأدى خمسه كان أحب إلي ولا يلزمه ذلك قال الشافعي وإذا وجد الرجل ضالة الإبل لم يكن له أخذها فإن أخذها ثم أرسلها حيث وجدها فهلكت ضمن لصاحبها قيمتها والبقر والحمير والبغال في ذلك بمنزلة ضوال الإبل وغيرها وإذا أخذ السلطان الضوال فإن كان لها حمى يرعونها فيه بلا مؤنة على ربها رعوها فيه إلى أن يأتي ربها وإن لم يكن لها حمى باعوها ودفعوا أثمانها لأربابها ومن أخذ ضالة فأنفق عليها فهو متطوع بالنفقة لا يرجع على صاحبها بشيء وإن أراد أن يرجع على صاحبها بما أنفق فليذهب إلى الحاكم حتى يفرض لها نفقة ويوكل غيره بأن يقبض لها تلك النفقة منه وينفق عليها ولا يكون للسلطان أن يأذن له أن ينفق عليها إلا اليوم واليومين وما أشبه ذلك مما لا يقع من ثمنها موقعا فإذا جاوز ذلك أمر 
 

صفحة : 1231

 ببيعها ومن التقط لقطة فاللقطة مباحة فإن هلكت منه بلا تعد فيها فليس بضامن لها والقول قوله مع يمينه وإذا التقطها ثم ردها في موضعها فضاعت فهو ضامن لها وإن رآها فلم يأخذها فليس بضامن لها وهكذا إن دفعها إلى غيره فضاعت أضمنه من ذلك ما أضمن المستودع واطرح عنه الضمان فيما أطرح عن المستودع قال الشافعي وإذا حل الرجل دابة الرجل فوقفت ثم مضت أو فتح قفصا لرجل عن طائر ثم خرج بعد لم يضمن لأن الطائر والدابة أحدثا الذهاب والذهاب غير فعل الحال والفاتح وهكذا الحيوان كله وما فيه روح وله عقل يقف فيه بنفسه ويذهب بنفسه فأما ما لا عقل له ولا روح فيه مما يضبطه الرباط مثل زق زيت وراوية ماء فحلها الرجل فتدفق الزيت فهو ضامن إلا أن يكون حل الزيت وهو مستند قائم فكان الحل لا يدفقه فثبت قائما ثم سقط بعد فإن طرحه إنسان فطارحه ضامن لما ذهب منه وإن لم يطرحه إنسان لم يضمنه الحال الأول لأن الزيت إنما ذهب بالطرح دون الحل وأن الحل قد كان ولا جناية فيه قال الشافعي ولا جعل لأحد جاء بآبق ولا ضالة إلا أن يكون جعل له فيه فيكون له ما جعل له وسواء في ذلك من يعرف بطلب الضوال ومن لا يعرف به ومن قال لأجنبي إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرة دنانير ثم قال لآخر إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرون دينارا ثم جاءا به جميعا فكل واحد منهما نصف ما جعله لأنه إنما أخذ نصف ما جعل عليه كله كان صاحب العشرة قد سمع قوله لصاحب العشرين أو لم يسمعه وكذلك لو قال لثلاثة فقال لأحدهم إن جئتني به فلك كذا ولآخر ولآخر فجعل أجعالا مختلفة ثم جاءوا به جميعا فلكل واحد منهم ثلث جعله 
ID ' '   ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 

صفحة : 1232


وفي اختلاف مالك والشافعي اللقطة قال الربيع 
سألت الشافعي رحمه الله عمن وجد لقطة قال يعرفها سنة ثم يأكلها إن شاء موسرا كان أو معسرا فإذا جاء صاحبها ضمنها له فقلت له وما الحجة في ذلك فقال السنة الثابتة وروى هذا عن رسول الله  أبي بن كعب وأمره النبي  بأكلها وأبي من مياسير الناس يومئذ وقبل بعد أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني أنه قال جاء رجل إلى النبي  فسأله عن اللقطة فقال أعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها أخبرنا مالك عن أيوب بن موسى عن معاوية بن عبد الله بن بدر أن أباه أخبره أنه نزل منزل قوم بطريق الشام فوجد صرة فيها ثمانون دينارا فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فقال له عمر عرفها على أبواب المساجد واذكرها لمن يقدم من الشام سنة فإذا مضت السنة فشأنك بها قال الشافعي فرويتم عن النبي  ثم عن عمر أنه أباح بعد سنة أكل اللقطة ثم خالفتم ذلك فقلتم يكره أكل اللقطة للغني والمسكين أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر فقال إني وجدت لقطة فماذا ترى فقال له ابن عمر عرفها قال قد فعلت قال فزد قال فعلت قال لا آمرك أن تأكلها ولو شئت لم تأخذها قال الشافعي وابن عمر لم يوقت في التعريف وقتا وأنتم توقتون في التعريف سنة وابن عمر كره للذي وجد اللقطة أكلها غنيا كان أو فقيرا وأنتم ليس هكذا تقولون وابن عمر يكره له أخذها وابن عمر كره له أن يتصدق بها وأنتم لا تكرهون له أخذها بل تستحبونه وتقولون لو تركها ضاعت 
ID ' '   هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 

صفحة : 1233


وترجم في كتاب اختلاف علي وابن مسعود رضي الله عنهما اللقطة 
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال دخل على ابن قيس قال سمعت هزيلا يقول رأيت عبد الله أتاه رجل بصرة مختومة فقال عرفتها ولم أجد من يعرفها قال استمتع بها وهذا قولنا إذا عرفها سنة فلم يجد من يعرفها فله أن يستمتع بها وهكذا السنة الثابتة عن النبي  وحديث ابن مسعود يشبه السنة وقد خالفوا هذا كله ورووا حديثا عن عامر عن أبيه عن عبد الله أنه اشترى جارية فذهب صاحبها فتصدقوا بثمنها وقال اللهم عن صاحبها فإن كره فلي وعلى الغرم ثم قال وهكذا نفعل باللقطة فخالفوا السنة في اللقطة التي لا حجة فيها وخالفوا حديث ابن مسعود الذي يوافق السنة وهو عندهم ثابت واحتجوا بهذا الحديث الذي عن عامر وهم يخالفونه فيما هو بعينه يقولون إن ذهب البائع فليس للمشتري أن يتصدق بثمنها ولكنه يحبسه حتى يأتي صاحبها متى جاء 
كتاب اللقيط 
أخبرنا الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي رحمه الله يقول في المنبوذ هو حر ولا ولاء له وإنما يرثه المسلمون بأنهم قد خولوا كل مال لا مالك له ألا ترى أنهم يأخذون مال النصراني ولا وارث له ولو كانوا أعتقوه لم يأخذوا ماله بالولاء ولكنهم خولوا ما لا مالك له من الأموال ولو ورثه المسلمون وجب على الإمام أن لا يعطيه أحدا من المسلمين دون أحد وأن يكون أهل السوق والعرب من المسلمين فيه سواء ثم وجب عليه أن يجعل ولاءه يوم ولدته أمه لجماعة الأحياء من المسلمين الرجال والنساء ثم يجعل ميراثه لورثته من كان حيا من المسلمين من الرجال دون النساء كما يورث الولاء ولكنه مال كما وصفنا لا مالك له ويرد على المسلمين يضعه الإمام على الاجتهاد حيث يرى 
ID ' '   ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 

صفحة : 1234


وترجم في سير الأوزاعي الصبي يسبى ثم يموت 
سئل أبو حنيفة رحمه الله عن الصبي يسبى وأبوه كافر وقعا في سهم رجل ثم مات أبوه وهو كافر ثم مات الغلام قبل أن يتكلم بالإسلام فقال لا يصلى عليه وهو على دين أبيه لأنه لا يقر بالإسلام وقال الأوزاعي مولاه أولى من أبيه يصلى عليه وقال لو لم يكن معه أبوه وخرج أبوه مستأمنا لكان لمولاه أن يبيعه من أبيه وقال أبو يوسف إذا لم يسب معه أبوه صار مسلما ليس لمولاه أن يبيعه من أبيه إذا دخل بأمان وهو ينقض قول الأوزاعي إنه لا بأس أن يبتاع السبي ويرد إلى دار الحرب في مسألة قبل هذا فالقول في هذا ما قال أبو حنيفة إذا كان معه ابواه أو أحدهما فهو على دينه حتى يقر بالإسلام وإذا لم يكن معه أبواه أو أحدهما فهو مسلم قال الشافعي سبى رسول الله  نساء بني قريظة وذراريهم فباعهم من المشركين فاشترى أبو الشحم اليهودي أهل بيت عجوز ولدها من النبي  وبعث رسول الله  بما بقي من السبايا اثلاثا ثلثا إلى تهامة وثلثا إلى نجد وثلثا إلى طريق الشام فبيعوا بالخيل والسلاح والإبل والمال وفيهم الصغير والكبير وقد يحتمل هذا أن يكونوا من أجل أن أمهات الأطفال معهم ويحتمل أن يكون في الأطفال من لا أم له فإذا سبوا مع أمهاتهم فلا بأس أن يباعوا من المشركين وكذلك لو سبوا مع آبائهم ولو مات أمهاتهم وآباؤهم قبل أن يبلغوا فيصفوا الإسلام لم يكن لنا أن نصلي عليهم لأنهم على دين الأمهات والآباء إذا كان النساء بلغا فلنا بيعهم بعد موت أمهاتهم من المشركين لأنا قد حكمنا عليهم بأن حكم الشرك ثابت عليهم إذا تركنا الصلاة عليهم كما حكمنا به وهم مع آبائهم لا فرق بين ذلك إذا لزمهم حكم الشرك كان لنا بيعهم من المشركين وكذلك النساء البوالغ قد استوهب رسول الله  جارية بالغا من أصحابه 
ID ' '   والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 

صفحة : 1235


وترجم في اختلاف مالك والشافعي باب المنبوذ 
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سنين أبي جميلة رجل من بني سليم أنه وجد منبوذا في زمان عمر بن الخطاب فجاء به إلى عمر فقال ما حملك على أخذ هذه النسمة قال وجدتها ضائعة فأخذتها فقال عريفي يا أمير المؤمنين أنه رجل صالح فقال أكذلك قال نعم قال عمر اذهب فهو حر وولاؤه لك وعلينا نفقته قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في المنبوذ أنه حر وأن ولاءه للمسلمين فقلت للشافعي فبقول مالك نأخذ قال الشافعي فقد تركتم ما روى عن عمر في المنبوذ فإن كنتم تركتموه لأن النبي  قال الولاء لمن أعتق فقد زعمتم أن في ذلك دليلا على أن لا يكون الولاء إلا لمن أعتق ولا يزول عن معتق فقد خالفتم عمر استدلالا بالسنة ثم خالفتم السنة فزعمتم أن السائبة لا يكون ولاؤه للذى أعتقه وهو معتق فخالفتموهما جميعا وخالفتم السنة في النصراني يعتق العبد المسلم فزعمتم أن لا ولاء له وهو معتق وخالفتم السنة في المنبوذ إذ كان النبي  يقول فإنما الولاء لمن أعتق فهذا نفي أن يكون الولاء لمن أعتق والمنبوذ غير معتق ولا ولاء له فمن أجمع ترك السنة وخالف عمر فياليت شعري من هؤلاء المجمعون لا يسمون فإنا لا نعرفهم وهو المستعان ولم يكلف الله أحدا أن يأخذ دينه عمن لا يعرفه ولو كلفه أفيجوز له أن يقبل عمن لا يعرف إن هذه لغفلة طويلة فلا أعرف أحدا يؤخذ عنه هذا العلم يؤخذ عليه مثل هذا في قوله واحد يترك ما روى في اللقيط عن عمر للسنة ثم يدع السنة فيه في موضع آخر في السائبة والنصراني يعتق المسلم قال الشافعي وقد خالفنا بعض الناس في هذا فكان قوله أشد توجيها من قولكم قالوا يتبع ما جاء عن عمر في اللقيط لأنه قد يحتمل أن لا يكون خلافا للسنة وأن تكون السنة في المعتق فيمن لا ولاء له ويجعل ولاء الرجل يسلم على يديه الرجل للمسلم بحديث عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن النبي  وقالوا في السائبة والنصراني يعتق المسلم قولنا فزعمنا أن عليهم حجة بأن قول النبي  فإنما الولاء لمن أعتق لا يكون الولاء إلا لمعتق ولا يزول عن معتق فإن كانت لنا عليهم بذلك حجة فهي عليكم أبين لأنكم خالفتموه حيث ينبغي أن توافقوه ووافقتموه حيث كان لكم شبهة لو خالفتموه 
ID ' '   عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 

صفحة : 1236


باب الجعالة وليس في التراجم 
وفي آخر اللقطة الكبيرة قال الشافعي رحمه الله تعالى ولا جعل لأحد جاء بآبق ولا ضالة إلا أن يكون جعل له فيه فيكون له ما جعل له وسواء في ذلك من يعرف بطلب الضوال ومن لا يعرف به ومن قال لأجنبي إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرة دنانير ثم قال لآخر إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرون دينارا ثم جاآ به جميعا فلكل واحد منهما نصف جعله لأنه إنما أخذ نصف ما جعل عليه كان صاحب العشرة قد سمع قوله لصاحب العشرين أو لم يسمعه وكذلك لو قال لثلاثة فقال لأحدهم إن جئتني به فلك كذا ولآخر ولآخر فجعل أجعالا مختلفة ثم جاءوا به جميعا فلكل واحد منهم ثلث جعله 
كتاب الفرائض 

باب المواريث 
من سمى الله تعالى له الميراث وكان يرث ومن خرج من ذلك قال الشافعي رحمه الله تعالى فرض الله تعالى ميراث الوالدين والإخوة والزوجة والزوج فكان ظاهره أن من كان والدا أو أخا محجوبا وزوج وزوجة فإن ظاهره يحتمل أن يرثوا وغيرهم ممن سمى له ميراث إذا كان في حال دون حال فدلت سنة رسول الله  ثم أقاويل أكثر أهل العلم على أن معنى الآية أن أهل المواريث إنما ورثوا إذا كانوا في حال دون حال قلت للشافعي وهكذا نص السنة قال لا ولكن هكذا دلالتها قلت وكيف دلالتها قال أن يكون النبي  قال قولا يدل على أن بعض من سمى له ميراث لا يرث فيعلم أن حكم الله تعالى لو كان على أن يرث من لزمه اسم الأبوة والزوجة وغيره عاما لم يحكم رسول الله  في أحد لزمه اسم الميراث بأن لا يرث بحال قيل للشافعي فاذكر الدلالة فيمن لا يرث مجموعة قال لا يرث أحد ممن سمي له ميراث حتى يكون دينه دين الميت الموروث ويكون حرا ويكون بريئا من أن يكون قاتلا للموروث فإذا برئ من هذه الثلاث الخصال ورث وإذا كانت فيه واحدة منهن لم يرث فقلت فاذكر ما وصفت قال أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن رسول الله  قال لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن النبي  قال لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم وأخبرنا مالك عن ابن 
 

صفحة : 1237

 شهاب عن علي بن الحسين قال إنما ورث أبا طالب عقيل وطالب ولم يرثه علي ولا جعفر قال فلذلك تركنا نصيبنا من الشعب قال الشافعي فدلت سنة رسول الله  على ما وصفت لك من أن الدينين إذا اختلفا بالشرك والإسلام لم يتوارث من سميت له فريضة أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله  قال من باع عبدا له مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع قال الشافعي فلما قال رسول الله  إن مال العبد إذا بيع لسيده دل هذا على أن العبد لا يملك شيئا وأن اسم ماله إنما هو إضافة المال إليه كما يجوز في كلام العرب أن يقول الرجل لأجير في غنمه وداره وأرضه هذه أرضك وهذه غنمك على الإضافة لا الملك فإن قال قائل ما دل على أن هذا معناه وهو يحتمل أن يكون المال ملكا له قيل له قضاء رسول الله  بأن ماله للبائع دلالة على أن ملك المال لمالك الرقبة وأن المملوك لا يملك شيئا ولم أسمع اختلافا في أن قاتل الرجل عمدا لا يرث من قتل من دية ولا مال شيئا ثم افترق الناس في القاتل خطأ فقال بعض أصحابنا يرث من المال ولا يرث من الدية وروى ذلك عن بعض أصحابنا عن النبي  لا يثبته أهل العلم بالحديث وقال غيرهم لا يرث قاتل الخطإ من دية ولا مال وهو كقاتل العمد وإذا لم يثبت الحديث فلا يرث قاتل عمد ولا خطإ شيئا أشبه بعموم أن لا يرث قاتل ممن قتل 
ID ' '   خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 

صفحة : 1238


باب الخلاف في ميراث أهل الملل 

وفيه شيء يتعلق بميراث العبد والقاتل 
قال الربيع قال الشافعي رحمه الله تعالى فوافقنا بعض الناس فقال لا يرث مملوك ولا قاتل عمدا ولا خطأ ولا كافر شيئا ثم عاد فقال إذا ارتد الرجل عن الاسلام فمات على الردة أو قتل ورثه ورثته المسلمون قال الشافعي فقيل لبعضهم أيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مسلما قال بل كافر قيل فقد قال رسول الله  لا يرث الكافر المسلم ولم يستثن من الكفار أحدا فكيف ورثت مسلما كافرا فقال إنه كافر قد كان ثبت له حكم الإسلام ثم أزاله عن نفسه قلنا فإن كان زال بإزالته إياه فقد صار إلى أن يكون ممن قضى رسول الله  أن لا يرثه مسلم ولا يرث مسلما وإن كان لم يزل بإزالته إياه أفرأيت أن من مات له ابن مسلم وهو مرتد أيرثه قال لا قلنا ولم حرمته قال للكفر قلنا فلم لا يحرم منه بالكفر كما حرمته هل يعدو أن يكون في الميراث بحاله قبل أن يرتد فيرث ويورث أو يكون خارجا من حاله قبل أن يرتد فلا يرث ولا يورث وقد قتلته وذلك يدل على أن حاله قد زالت بإزالته وحرمت عليه امرأته وحكمت عليه حكم المشركين في بعض وحكم المسلمين في بعض قال فإني إنما ذهبت إلى أن عليا رضي الله تعالى عنه ورث ورثة مرتد قتله من المسلمين ماله قلنا قد رويته عن علي رضي الله عنه وقد زعم بعض أهل العلم بالحديث قبلك أنه غلط على علي كرم الله وجهه ولو كان ثابتا عنه كان أصل مذهبنا ومذهبك أنه لا حجة في أحد مع رسول الله  قال فيحتمل أن يكون لا يرث الكافر الذي لم يزل كافر قلنا فإن كان حكم المرتد مخالفا حكم من لم يزل كافرا فورثه فورثته المسلمون إذا ماتوا قبله فعلى لم ينهك عن هذا قال هو داخل في جملة الحديث عن النبي  قلت فإن كان داخلا في جملة الحديث عن النبي  لزمك أن تترك قولك في أن ورثته من المسلمين يرثونه قال الشافعي وقد روى عن معاذ بن جبل ومعاوية ومسروق وابن المسيب ومحمد بن علي بن الحسين أن المؤمن يرث الكافر ولا يرثه الكافر وقال بعضهم كما تحل لنا نساؤهم ولا تحل لهم نساؤنا فإن قال لك قائل قضاء النبي  كان في كافر من أهل الأوثان وأولئك لا تحل ذبائحهم ولا نساؤهم وأهل الكتاب غيرهم فيرث المسلمون من أهل الكتاب اعتمادا على ما وصفنا أو بعضهم لأنه يحتمل لهم ما احتمل لك بل لهم شبهة ليست لك بتحليل ذبائح أهل الكتاب ونسائهم قال لا يحل 
 

صفحة : 1239

 له ذلك قلنا ولم قال لأنهم داخلون في الكافرين وحديث النبي  جملة قلنا فكذلك المرتد داخل في جملة الكافرين 
باب من قال لا يورث أحد حتى يموت 
قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله عز وجل إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد وقال الله عز وجل ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد وقال عز وعلا ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد وقال النبي  لا يرث المسلم الكافر قال الشافعي وكان معقولا عن الله عز وجل ثم عن رسول الله  ثم في لسان العرب وقول عوام أهل العلم ببلدنا أن امرأ لا يكون موروثا أبدا حتى يموت فإذا مات كان موروثا وأن الأحياء خلاف الموتى فمن ورث حيا دخل عليه والله تعالى أعلم خلاف حكم الله عز وجل وحكم رسول الله  فقلنا والناس معنا بهذا لم يختلف في جملته وقلنا به في المفقود وقلنا لا يقسم ماله حتى يعلم يقين وفاته وقضى عمر وعثمان في امرأته بأن تتربص أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا وقد يفرق بين الرجل والمرأة بالعجز عن إصابتها ونفرق نحن بالعجز عن نفقتها وهاتان سببا ضرر والمفقود قد يكون سبب ضرر أشد من ذلك فعاب بعض المشرقيين القضاء في المفقود وفيه قول عمر وعثمان وما وصفنا مما يقولون فيه بقولنا ويخالفونا وقالوا كيف يقضي لامرأته بأن يكون ميتا بعد مدة ولم يأت يقين موته ثم دخلوا في أعظم مما عابوا خلاف الكتاب والسنة وجملة ما عابوا فقالوا في الرجل يرتد في ثغر من ثغور المسلمين فيلحق بمسلحة من مسالح المشركين فيكون قائما فيها يترهب أو جاء إلينا مقاتلا يقسم ميراثه بين ورثته المسلمين وتحل ديونه ويعتق مدبروه وأمهات أولاده ويحكم عليه حكم الموتى في جميع أمره ثم يعود لما حكم به عليه فيقول فيه قولا متناقضا خارجا كله من أقاويل الناس والقياس والمعقول قال الشافعي فقال ما وصفت بعض من هو أعلمهم عندهم أو كأعلمهم فقلت له ما وصفت وقلت له أسالك عن قولك فقد زعمت أن حراما أن يقول أحد أبدا قولا ليس خبرا لازما أو قياسا أقولك في أن يورث المرتد وهو حي إذا لحق بدار الكفر خبرا أو قياسا فقال أما خبر فلا فقلت فقياس قال نعم من وجهه قلت فأوجدنا ذلك الوجه قال ألا ترى أنه لو كان معي في الدار وكنت قادرا عليه قتلته فقلت فإن لم تكن قادرا عليه فتقتله أفمقتول هو أم ميت بلا قتل قال لا قلت فكيف حكمت عليه حكم الموتى وهو غير ميت 
 

صفحة : 1240

 أورأيت لو كانت علتك بأنك لو قدرت عليه في حاله تلك فقتلته فجعلته في حكم الموتى فكان هاربا في بلاد الإسلام مقيما على الردة دهرا من دهره أتقسم ميراثه قال لا قلت فأسمع علتك بأنك لو قدرت عليه قتلته قال فإن لم تقدر عليه حكم عليه حكم الموتى كانت باطلا عندك فرجعت إلى الحق عندك في أن لا تقتله إذا كان هاربا في بلاد الإسلام وأنت لو قدرت عليه قتلته ولو كانت عندك حقا فتركت الحق في قتله إذا كان هاربا في بلاد الإسلام قلت فإنما قسمت ميراثه بلحوقه بدار الكفر دون الموت قال نعم قلت فالمسلم يلحق بدار الكفر أيقسم ميراثه إذا كان في دار لا يجرى عليه فيها الحكم قال لا قلنا فالدار لا تميت أحدا ولا تحييه فهو حي حيث كان حيا وميت حيث كان ميتا قال نعم قلنا أفتستدرك على أحد أبدا بشيء من جهة الرأي أقبح من أن تقول الحي ميت أرأيت لو تابعك أحد على أن تزعم أن حيا يقسم ميراثه ما كان يجب عليك أن من تابعك على هذا مغلوب على عقله أو غبي لا يسمع منه فكيف إذا كان الكتاب والسنة يدلان معا مع دلالة المعقول على خلافكما معا قال الشافعي وقلت له عبتم على من قال قول عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما في امرأة المفقود ومن أصل ما تذهبون كما تزعمون أن الواحد من أصحاب رسول الله  إذا قال قولا كان قوله غاية ينتهي إليها وقبلتم عن عمر أنه قال إذا أرخيت الستور وجب المهر والعدة ورددتم على من تأول الآيتين وهما قول الله عز وجل وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقوله فما لكم عليهن من عدة تعتدونها وقد روى هذا عن ابن عباس وشريح وذهبنا إلى أن الإرخاء والإغلاق لا يصنع شيئا إنما يصنعه المسيس فكيف لم تجيزوا لمن تأول على قول عمر وقال بقول ابن عباس وقلتم عمر في إمامته أعلم بمعنى القرآن ثم امتنعتم من القبول عن عمر وعثمان القضاء في امرأة المفقود وهما لم يقضيا في ماله بشيء علمناه وقلتم لا يجوز ان يحكم عليه حكم الموتى قبل أن تستيقن وفاته وإن طال زمانه ثم زعمتم أنكم تحكمون على رجل حكم الموت وأنت على يقين من حياته في طرفة عين فلقلما رأيتكم عبتم على أحد في الإخبار التي انتهى إليها شيئا قط إلا قلتم من جهة الراي بمثله وأولى أن يكون معيبا فأي جهل أبين من أن تعيب في الخبر الذي هو عندك فيما تزعم غاية ما نقول من جهة الرأي ما عبت منه أو مثله وقلت لبعضهم أرأيت قولك لو لم يعب بخلاف كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا معقول وسكت لك عن هذا كله ألا يكون قولك معيبا بلسانك قال وأين قلت أرأيت إذا كانت الردة واللحوق بدار الحرب يوجب عليه حكم الموت لم 
 

صفحة : 1241

 زعمت أن القاضي إن فرط أو لم يرفع ذلك إليه حتى يمضي سنين وهو في دار الحرب ثم رجع قبل أن يحكم القاضي مسلما أنه على اصل ملكه ولم زعمت أن القاضي إن حكم في طرفة عين عليه بحكم الموت ثم رجع مسلما كان الحكم ماضيا في بعض دون بعض ما زعمت أن حكم الموت يجب عليه بالردة واللحوق بدار الحرب لأنك لو زعمت ذلك قلت لو رجع مسلما أنفذ عليه الحكم لأنه وجب ولا زعمت أن الحكم إذا أنفذ عليه ورجع مسلما رد الحكم فلا ينفذ فأنت زعمت أن ينفذ بعضا ويرد بعضا قال وما ذلك قلت زعمت أنه يعتق مدبروه وأمهات أولاده ويعطى غريمه الذي حقه إلى ثلاثين سنة حالا ويقسم ميراثه فيأتي مسلما ومدبروه وأمهات أولاده وماله قائم في يدي غريمه يقر به ويشهد عليه ولا يرد من هذا شيئا وهو ماله بعينه فكل مال في يدي الغريم ماله بعينه وتقول لا ينقض الحكم ثم تنزع ميراثه من يدي ورثته فكيف نقضت بعض الحكم دون بعض قال قلت هو ماله بعينه لم يحلل له ومدبروه وأمهات أولاده بأعيانهم ثم زعمت أنه ينقض الحكم للورثة وأنه إن استهلك بعضهم ماله وهو موسر لم يغرمه إياه وإن لم يستهلكه بعضهم أخذته ممن لم يستهلكه هل يستطيع أحد كمل عقله وعلمه لو تخاطأ أن يأتي بأكثر من هذا في الحكم بعينه أرأيت من نسبتم إليه الضعف من أصحابنا وتعطيل النظر قلتم إنما يتخرص فيلقى ما جاء على لسانه هل كان تعطيل النظر يدخل عليه أكثر من خلاف كتاب وسنة فقد جمعتهما جميعا أو خلاف معقول أو قياس أو تناقض قول فقد جمعته كله فإن كان أخرجك عند نفسك من أن تكون ملوما على هذا أنك أبديته وأنت تعرفه فلا أحسب لمن أتى ما ليس له وهو يعرفه عذرا عندنا لأنه إذا لم يكن للجاهل بأن يقول من قبل أنه يخطيء ولا يعلم فأحسب العالم غير معذور بأن يخطىء وهو يعلم قال الشافعي فقال فما تقول أنت فقلت أقول إني أقف ماله حتى يموت فأجعله فيئا أو يرجع إلى الإسلام فأرده إليه ولا أحكم بالموت على حي فيدخل على بعض ما دخل عليك 
ID ' '   للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 

صفحة : 1242


باب رد المواريث 
قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله عز وجل إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد وقال الله عز وجل وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين وقال ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين وقال تعالى ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم وقال عز اسمه ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس قال الشافعي فهذه الآي في المواريث كلها تدل على أن الله عز وجل انتهى بمن سمى له فريضة إلى شيء فلا ينبغي لأحد أن يزيد من انتهى الله به إلى شيء غير ما انتهى به ولا ينقصه فبذلك قلنا لا يجوز رد المواريث قال الشافعي وإذا ترك الرجل أخته أعطيتها نصف ما ترك وكان ما بقي للعصبة فإن لم تكن عصبة لمواليه الذين أعتقوه فإن لم يكن له موال أعتقوه كان النصف مردودا على جماعة المسلمين من أهل بلده ولا تزاد أخته على النصف وكذلك لا يرد على وارث ذي قرابة ولا زوج ولا زوجة له فريضة ولا تجاوز بذي فريضة فريضته والقرآن إن شاء الله تعالى يدل على هذا وهو قول زيد بن ثابت وقول الأكثر ممن لقيت من أصحابنا 
ID ' '   وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 

صفحة : 1243


باب الخلاف في رد المواريث 
قال الشافعي رحمه الله تعالى فقال لي بعض الناس إذا ترك الميت أخته ولا وارث له غيرها ولا مولى أعطيت الأخت المال كله قال فقلت لبعض من يقول هذا إلى أي شيء ذهبتم قال ذهبنا إلى أن روينا عن علي بن أبي طالب وابن مسعود رد المواريث فقلت له ما هو عن واحد منهما فيما علمته بثابت ولو كان ثابتا كنت قد تركت عليهما أقاويل لهما في الفرائض غير قليلة لقول زيد بن ثابت فكيف إن كان زيد لا يقول بقولهما لا يرد المواريث لم لم تتبعه دونهما كما اتبعته دونهما في غير هذا من الفرائض قال الشافعي فقال فدع هذا ولكن أرأيت إذا اختلف القولان في رد المواريث أليس يلزمنا أن نصير إلى أشبه القولين بكتاب الله تبارك وتعالى قلنا بلى قال فعدهما خالفاه أي القولين أشبه بكتاب الله تبارك وتعالى قلنا قول زيد بن ثابت لا شك إن شاء الله تعالى قال وأين الدلالة على موافقة قولكم في كتاب الله عز وجل دون قولنا قلت قال الله عز وجل إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد وقال فإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين فذكر الأخت منفردة فانتهى بها إلى النصف وذكر الأخ منفردا فانتهى به إلى الكل وذكر الأخ والأخت مجتمعين فجعلها على النصف من الأخ في الاجتماع كما جعلها في الإنفراد أفرأيت إن أعطيتها الكل منفردة أليس قد خالفت حكم الله تبارك وتعالى نصا لأن الله عز وجل انتهى بها إلى النصف وخالفت معنى حكم الله إذ سويتها به وقد جعلها الله تبارك وتعالى معه على النصف منه قال الشافعي فقلت له وآي المواريث كلها تدل على خلاف رد المواريث قال فقال أرأيت إن قلت لا أعطيها النصف الباقي ميراثا قلت له قل ما شئت قال أراها موضعه قلت فإن رأى غيرك غيرها موضعه فأعطاها جارة له محتاجة أو جارا له محتاجا أو غريبا محتاجا قال فليس له ذلك قلت ولا لك بل هذا أعذر منك هذا لم يخالف حكم الكتاب نصا وإنما خالف قول عوام المسلمين لأن عوام منهم يقولون هو لجماعة المسلمين 
ID ' '   وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 

صفحة : 1244


باب المواريث 
أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني وقال عز وجل وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر فنسب إبراهيم إلى أبيه وأبوه كافر ونسب ابن نوح إلى أبيه نوح وابنه كافر وقال الله عز وجل لنبيه  في زيد بن حارثة ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وقال تبارك وتعالى وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه فنسب الموالي نسبين أحدهما إلى الآباء والآخر إلى الولاء وجعل الولاء بالنعمة وقال رسول الله  ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق وإنما الولاء لمن أعتق فبين رسول الله  أن الولاء إنما يكون للمعتق قال وروي عن رسول الله  أنه قال الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب فدل الكتاب والسنة على أن الولاء إنما يكون بمتقدم فعل من المعتق كما يكون النسب بمتقدم ولاد من الأب ألا ترى أن رجلا لو كان لا أب له يعرف جاء رجلا فسأله أن ينسبه إلى نفسه ورضي ذلك الرجل لم يجز أن يكون له ابنا أبدا فيكون مدخلا به على عاقلته مظلمة في أن يعقلوا عنه ويكون ناسبا إلى نفسه غير من ولد وإنما قال رسول الله  الولد للفراش وكذلك إذا لم يعتق الرجل الرجل لم يجز أن يكون منسوبا إليه بالولاء فيدخل على عاقلته المظلمة في عقلهم عنه وينسب إلى نفسه ولاء من لم يعتق وإنما قال رسول الله  الولاء لمن أعتق فبين في قوله إنما الولاء لمن أعتق أنه لا يكون الولاء إلا لمن أعتق أو لا ترى أن رجلا لو أمر ابنه أن ينتسب إلى غيره أو ينتفي من نسبه وتراضيا على ذلك لم تنقطع أبوته عنه بما أثبت الله عز وجل لكل واحد منهما على صاحبه أولا ترى أنه لو أعتق عبدا له ثم أذن له بعد العتق أن يوالي من شاء أو ينتفي من ولايته ورضي بذلك المعتق لم يكن لواحد منهما أن يفعل ذلك لما أثبت الله تعالى عليه من النعمة فلما كان المولى في المعنى الذي فيه النسب ثبت الولاء بمتقدم المنة كما ثبت النسب بمتقدم الولادة لم يجز أن يفرق بينهما أبدا إلا بسنة أو إجماع من أهل العلم وليس في الفرق بينهما في هذا المعنى سنة ولا إجماع قال الشافعي قد حضرني جماعة من أصحابنا من الحجازيين وغيرهم فكلمني رجل من غيرهم بأن قال إذا اسلم الرجل على يدي رجل فله ولاؤه إذا لم يكن له ولاء نعمة وله ان يوالي من شاء 
 

صفحة : 1245

 وله أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فإذا عقل عنه لم يكن له أن ينتقل عنه وقال لي فما حجتك في ترك هذا قلت خلافه ما حكيت من قول الله عز وجل ادعوهم لآبائهم الآية وقول النبي  فإنما الولاء لمن أعتق فدل ذلك على أن النسب يثبت بمتقدم الولاء كما ثبت الولاء بمتقدم العتق وليس كذلك الذي يسلم على يدي الرجل فكان النسب شبيها بالولاء والولاء شبيها بالنسب فقال لي قائل إنما ذهبت في هذا إلى حديث رواه ابن موهب عن تميم الداري قلت لا يثبت قال أفرأيت إذا كان هذا الحديث ثابتا أيكون مخالفا لما رويت عن النبي  الولاء لمن أعتق قلت لا قال فكيف تقول قلت أقول إن قول رسول الله  إنما الولاء لمن أعتق ونهيه عن بيع الولاء وعن هبته وقوله الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب فيمن أعتق لأن العتق نسب والنسب لا يحول والذي يسلم على يدي الرجل ليس هو المنهي أن يحول ولاؤه قال فبهذا قلنا فما منعك منه إذا كان الحديثان محتملين أن يكون لكل واحد منهما وجه قلت منعني أنه ليس بثابت إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن موهب عن تميم الداري وابن موهب ليس بالمعروف عندنا ولا نعلمه لقي تميما ومثل هذا لا يثبت عندنا ولا عندك من قبل أنه مجهول ولا نعلمه متصلا قال فإن من حجتنا أن عمر قال في المنبوذ هو حر ولك ولاؤه يعني للذي التقطه قلت وهذا لو ثبت عن عمر حجة عليك لأنك تخالفه قال ومن أين قلت أنت تزعم أنه لا يوالى عن الرجل إلا نفسه بعد أن يعقل وأن له إذا والى عن نفسه أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه فإن زعمت أن موالاة عمر عنه لأنه وليه جائزة عليه فهل لوصي اليتيم أن يوالي عنه قال ليس ذلك له قلت فإن زعمت أن ذلك للوالي دون الوصي فهل وجدته يجوز للوالي شيء في اليتيم لا يجوز للوصي فإن زعمت أن ذلك حكم من عمر والحكم لا يجوز عندك على أحد إلا بشيء يلزمه نفسه أو فيما لا بد له منه مما لا يصلحه غيره ولليتيم بد من الولاء فإن قلت هو حكم فلا يكون له أن ينتقل به فكيف يجوز أن يكون له أن ينتقل إذا عقد على نفسه عقدا ما لم يعقل عنه ولا يكون له أن ينتقل إن عقده عليه غيره قال فإن قلت هو أعلم بمعنى حديث رسول الله  قلت ونعارضك بما هو أثبت عن ميمونة وابن عباس من هذا عن عمر بن الخطاب قال وما هو قلت وهبت ميمونة ولاء بني يسار لابن اختها عبد الله بن عباس فاتهبه فهذه زوج النبي  وابن عباس وهما اثنان قال فلا يكون في أحد ولو كانوا عددا كثيرا مع النبي  حجة قلنا فكيف احتججت بأحد 
 

صفحة : 1246

 على النبي  قال هكذا يقول بعض أصحابنا قلت أبيت أن تقبل هذا من غيرك فقال من حضرنا من المدنيين هذه حجة ثابتة قال فأنتم إن كنتم ترونها ثابتة فقد تخالفونها في شيء قالوا ما نخالفها في شيء وما نزعم أن الولاء يكون إلا لذي نعمة قال الشافعي فقال لي قائل اعتقد عنهم جوابهم فأزعم أن للسائبة أن يوالي من شاء قلت لا يجوز هذا إذا كان من احتججنا به من الكتاب والسنة والقياس إلا أن يأتي فيه خبر عن النبي  أو أمر أجمع الناس عليه فنخرجه من جملة المعتقين اتباعا قال فهم يروون أن حاطبا أعتق سائبة على عهد رسول الله  قلنا ونحن لا نمنع أحدا أن يعتق سائبة فهل رويت أن النبي  قال ولاء السائبة إليه يوالي من شاء قال لا قلت فداخل هو في معنى المعتقين قال نعم قلت أفيجوز أن يخرج وهو معتق من أن يثبت له وعليه الولاء قال فإنهم يروون أن رجلا قتل سائبة فقضى عمر بعقله على القاتل فقال أبو القاتل أرأيت لو قتل ابني قال إذا لا يغرم قال فهو إذا مثل الأرقم قال عمر فهو مثل الأرقم فاستدلوا بأنه لو كانت له عاقلة بالولاء قضى عمر بن الخطاب على عاقلته قلت فأنت إن كان هذا ثابتا عن عمر محجوج به قال وأين قلت تزعم أن ولاء السائبة لمن أعتقه قال فأعفني من ذا فإنما أقوم لهم بقولهم قلت فأنت تزعم أن من لا ولاء له من لقيط ومسلم وغيره إذا قتل إنسانا قضى بعقله على جماعة المسلمين لأن لهم ميراثه وأنت تزعم أن عمر لم يقض بعقله على أحد قال وهكذا يقول جميع المفتين قلت أفيجوز لجميع المفتين أن يخالفوا عمر قال لا هو عن عمر منقطع ليس بثابت قلت فكيف احتججت به قال لا أعلم لهم حجة غيره قلت فبئس ما قضيت على من قمت بحجته إذا كان احتج بغير حجة عندك قال فعندك في السائبة شيء مخالف لهذا قلت إن قبلت الخبر المنقطع فنعم قال الشافعي أخبرنا سعيد ومسلم عن ابن جريج عن عطاء أن طارق بن المرقع أعتق أهل أبيات من أهل اليمن سوائب فانقلعوا عن بضعة عشر ألفا فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فأمر أن تدفع إلى طارق أو إلى ورثة طارق قال الشافعي فهذا إن كان ثابتا يدلك على أن عمر يثبت ولاء السائبة لمن سيبه وهذا معروف عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في تركة سالم الذي يقال له سالم مولى أبي حذيفة أن أبا بكر أعطى فضل ميراثه عمرة بنت يعار الأنصارية وكانت أعتقته سائبة وروى عن ابن مسعود أنه قال في السائبة شبيها بمعنى ذلك فيما أظن حديث منقطع قال فهل عندك حجة تفرق بين السائبة وبين الذي يسلم على يدي الرجل غير الحديث المنقطع قلت 
 

صفحة : 1247

 نعم من القياس قال ما هو قلت إن الذي يسلم على يدي الرجل وينتقل بولائه إلى موضع إنما ذلك برضا المنتسب والمنسوب إليه وله أن ينتقل بغير رضا من انتسب إليه وإن السائبة يقع العتق عليه بلا رضا منه وليس له أن ينتقل منه ولو رضي بذلك هو ومعتقه وإنه ممن يقع عليه عتق المعتق مع دخوله في جملة المعتقين كان أهل الجاهلية يبحرون البحيرة ويسبون السائبة ويوصلون الوصيلة ويعفون الحام وهذه من الإبل والغنم فكانوا يقولون في الحام إذا ضرب في إبل الرجل عشر سنين وقيل نتج له عشرة حام أي حمى ظهره فلا يحل أن يركب ويقولون في الوصيلة وهي من الغنم إذا وصلت بطونا توما ونتج نتاجها فكانوا يمنعونها مما يفعلون بغيرها مثلها ويسيبون السائبة فيقولون قد اعتقناك سائبة ولا ولاء لنا عليك ولا ميراث يرجع منك ليكون أكمل لتبررنا فيك فأنزل الله عز وجل ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام الآية فرد الله ثم رسول الله  الغنم إلى مالكها إذا كان العتق لا يقع على غير الآدميين وكذلك لو أنه أعتق بعيره لم يمنع بالعتق منه إذا حكم الله عز وجل أن يرد إليه ذلك ويبطل الشرط فيه فكذلك أبطل الشروط في السائبة ورده إلى ولاء من أعتقه مع الجملة التي وصفنا لك قال الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد أن عبد الله بن أبي بكر وعبد العزيز أخبراه أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته في سائبة مات أن يدفع ميراثه إلى الذي أعتقه قال الشافعي وإن كانت الكفاية فيما ذكرنا من الكتاب والسنة والقياس فقال فما تقول في النصراني يعتق العبد المسلم قلت فهو حر قال فلمن ولاؤه قلت للذي أعتقه قال فما الحجة فيه قلت ما وصفت لك إذ كان الله عز وجل نسب كافرا إلى مسلم ومسلما إلى كافر والنسب أعظم من الولاء قال فالنصراني لا يرث المسلم قلت وكذلك الأب لا يرث ابنه إذا اختلف أديانهما وليس منعه ميراثه بالذي قطع نسبه منه هو ابنه بحاله إذ كان ثم متقدم الأبوة وكذلك العبد مولاه بحاله إذ كان ثم متقدم العتق قال وإن أسلم المعتق قلت يرثه قال فإن لم يسلم قلت فإن كان للمعتق ذوو رحم مسلمون فيرثونه قال وما الحجة في هذا ولم إذ دفعت الذي أعتقه عن ميراثه تورث به غيره إذ لم يرث هو فغيره أولى أن لا يرث بقرابته منه قلت هذا من شبهك قال فأوجدني الحجة فيما قلت قلت أرأيت الإبن إذا كان مسلما فمات وأبوه كافر قال لا يرثه قلت فإن كان له إخوة أو أعمام أو بنو عم مسلمون قال يرثونه قلت وبسبب من ورثوه قال بقرابتهم من الأب قلت فقد منعت الأب من الميراث وأعطيتهم بسببه قال إنما منعته بالدين فجعلته إذا خالف دينه كأنه ميت وورثته أقرب الناس به ممن هو على دينه 
 

صفحة : 1248

 قلت فما منعنا من هذه الحجة في النصراني قال هي لك ونحن نقول بها معك ولكنا احتججنا لمن خالفك من أصحابك قلت أو رأيت فيما احتججت به حجة قال لا وقال أرأيت إذا مات رجل ولا ولاء له قلت فميراثه للمسلمين قال بأنهم مواليه قلت لا ولا يكون المولى إلا معتقا وهذا غير معتق قال فإذا لم تورثهم بأنهم موال وليسوا بذوي نسب فكيف أعطيتهم ماله قلت لم أعطهموه ميراثا ولو أعطيتهموه ميراثا وجب على أن أعطيه من الأرض حين يموت كما أجعله لو كانوا معا أعتقوه وأنا وأنت إنما نصيره للمسلمين يوضع منهم في خاصة والمال الموروث لا يوضع في خاصة فكان يدخل عليك لو زعمت بأنه ورث بالولاء هذا وأن تقول أنظر اليوم الذي أسلم فيه فأثبت ولاءه لجماعة من كان حيا من المسلمين يومئذ فيرثه ورثة أولئك الأحياء دون غيرهم ويدخل عليك في النصراني يموت ولا وارث له فتجعل ماله لجماعة المسلمين وقد قال رسول الله  لا يرث المسلم الكافر قال فبأي شيء تعطي المسلمين ميراث من لا نسب له ولا ولاء له من المسلمين وميراث النصراني إذا لم يكن له نسب ولا ولاء قلت بما أنعم الله تعالى به على أهل دينه فخولهم من أموال المشركين إذا قدروا عليها ومن كل مال لا مالك له يعرف من المسلمين مثل الأرض الموات فلم يحرم عليهم أن يحيوها فلما كان هذان المالان لا مالك لهما يعرف 
ID ' '   يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 

صفحة : 1249


الرد في المواريث 
قال الشافعي رحمه الله تعالى ومن كانت له فريضة في كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله  أو ما جاء عن السلف انتهينا به إلى فريضته فإن فضل من المال شيء لم نرده عليه وذلك أن علينا شيئين أحدهما أن لا ننقصه مما جعله الله تعالى له والآخر أن لا نزيده عليه والإنتهاء إلى حكم الله عز وجل هكذا وقال بعض الناس نرده عليه إذا لم يكن للمال من يستغرقه وكان من ذوي الأرحام وأن لا نرده على زوج ولا زوجة وقالوا روينا قولنا هذا عن بعض أصحاب رسول الله  قلنا لهم أنتم تتركون ما تروون عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود في أكثر الفرائض لقول زيد بن ثابت وكيف لم يكن هذا مما تتركون قالوا إنا سمعنا قول الله عز وجل وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله فقلنا معناها على غير ما ذهبتم إليه ولو كان على ما ذهبتم إليه كنتم قد تركتموه قالوا فما معناها قلنا توارث الناس بالحلف والنصرة ثم توارثوا بالإسلام والهجرة ثم نسخ ذلك فنزل قول الله عز وجل وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله على معنى ما فرض الله عز ذكره وسن رسوله  لا مطلقا هكذا ألا ترى أن الزوج يرث أكثر مما يرث ذوو الأرحام ولا رحم له أو لا ترى أن ابن العم البعيد يرث المال كله ولا يرثه الخال والخال أقرب رحما منه فإنما معناها على ما وصفت لك من أنها على ما فرض الله لهم وسن رسول الله  عليه وأنتم تقولون إن الناس يتوارثون بالرحم وتقولون خلافه في موضع آخر تزعمون أن الرجل إذا مات وترك أخواله ومواليه فماله لمواليه دون أخواله فقد منعت ذوي الأرحام الذين قد تعطيهم في حال وأعطيت المولى الذي لا رحم له المال قال فما حجتك في أن لا ترد المواريث قلنا ما وصفت لك من الإنتهاء إلى حكم الله عز وجل وأن لا أزيد ذا سهم على سهمه ولا أنقصه قال فهل من شيء تثبته سوى هذا قلت نعم قال الله عز وجل إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد وقال عز ذكره وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين فذكر الأخ والأخت منفردين فانتهى بالأخت إلى النصف وبالأخ إلى الكل وذكر الإخوة والأخوات مجتمعين فحكم بينهم مثل حكمه بينهم منفردين قال فللذكر مثل حظ الأنثيين فجعلها على النصف منه في كل حال فمن قال برد المواريث قال أورث الأخت المال كله فخالف قوله الحكمين معا قلت فإن قلتم نعطيها النصف بكتاب الله عز وجل ونرد عليها 
 

صفحة : 1250

 النصف لا ميراثا قلنا بأي شيء ترده عليها قال ما نرده أبدا إلا ميراثا أو يكون ما لا حكمه إلى الولاة فما كان كذلك فليس الولاة بمخيرين وعلى الولاة أن يجعلوه لجماعة المسلمين ولو كانوا فيه 
باب ميراث الجد 
قال الشافعي رحمه الله تعالى وقلنا إذا ورث الجد مع الإخوة قاسمهم ما كانت المقاسمة خيرا له من الثلث فإذا كان الثلث خيرا له منها أعطيه وهذا قول زيد بن ثابت وعنه قبلنا أكثر الفرائض وقد روى هذا القول عن عمر وعثمان أنهما قالا فيه مثل قول زيد بن ثابت وقد روى هذا أيضا عن غير واحد من أصحاب النبي  وهو قول الأكثر من فقهاء البلدان وقد خالفنا بعض الناس في ذلك فقال الجد أب وقد اختلف فيه أصحاب النبي  فقال أبو بكر وعائشة وابن عباس وعبد الله بن عتبة وعبد الله بن الزبير رضي الله عنه إنه أب إذا كان معه الإخوة طرحوا وكان المال للجد دونهم وقد زعمنا نحن وأنت أن أصحاب النبي  إذا اختلفوا لم نصر إلى قول واحد منهم دون قول الآخر إلا بالتثبت مع الحجة البينة عليه وموافقته للسنة وهكذا نقول وإلى الحجة ذهبنا في قول زيد بن ثابت ومن قال قوله قالوا فإنا نزعم أن الحجة في قول من قال الجد أب لخصال منها أن الله عز وجل قال يا بني آدم وقال ملة أبيكم إبراهيم فأقام الجد في النسب أبا وأن المسلمين لم يختلفوا في أن لم ينقصوه من السدس وهذا حكمهم للأب وأن المسلمين حجبوا بالجد الأخ للأم وهكذا حكمهم في الأب فكيف جاز أن يجمعوا بين أحكامه في هذه الخصال وأن يفرقوا بين أحكامه وحكم الأب فيما سواها قلنا إنهم لم يجمعوا بين أحكامه فيها قياسا منهم للجد على الأب قالوا وما دل على ذلك قلنا أرأيتم الجد لو كان إنما يرث باسم الأبوة هل كان اسم الأبوة يفارقه لو كان دونه أب أو يفارقه لو كان قاتلا أو مملوكا أو كافرا قال لا قلنا فقد نجد اسم الأبوة يلزمه وهو غير وارث وإنما ورثناه بالخبر في بعض المواضع دون بعض لا باسم الأبوة قال فإنهم لا ينقصونه من السدس وذلك حكم الأب قلنا ونحن لا ننقص الجدة من السدس افترى ذلك قياسا على الأب فتقفها موقف الأب فتحجب بها الإخوة قالوا لا ولكن قد حجبتم الإخوة من الأم بالجد كما حجبتموهم بالأب قلنا نعم قلنا هذا خبرا لا قياسا ألا ترى أنا نحجبهم بابنة ابن متسفلة ولا نحكم لها بحكم الأب وهذا يبين لكم أن الفرائض تجتمع في بعض الأمور دون بعض قالوا وكيف لم تجعلوا أبا الأب كالأب كما جعلتم ابن الابن كالابن قلنا لاختلاف الأبناء والآباء لأنا وجدنا الأبناء أولى بكثرة المواريث 
 

صفحة : 1251

 من الآباء وذلك أن الرجل يترك أباه وابنه فيكون لابنه خمسة أسداس ولأبيه السدس ويكون له بنون يرثونه معا ولا يكون أبوان يرثانه معا وقد نورث نحن وأنتم الأخت ولا نورث ابنتها أو نورث الأم ولا نورث ابنتها إذا كان دونها غيرها وإن ورثناها لم نورثها قياسا على أمها وإنما ورثناها خبرا لا قياسا قال فما حجتكم في أن أثبتم فرائض الإخوة مع الجد قلنا ما وصفنا من الاتباع وغير ذلك قالوا وما غير ذلك قلنا أرأيت رجلا مات وترك أخاه وجده هل يدلي واحد منهما إلى الميت بقرابة نفسه قالوا لا قلنا اليس إنما يقول أخوه أنا ابن أبيه ويقول جده أنا أبو أبيه وكلاهما يطلب ميراثه لمكانه من أبيه قالوا بلى قلنا أفرأيتم لو كان أبوه الميت في تلك الساعة ايهما أولى بميراثه قال يكون لابنه خمسة أسداسه ولأبيه السدس قلنا وإذا كانا جميعا إنما يدليان بالأب فابن الأب أولى بكثرة ميراثه من أبيه فكيف جاز أن يحجب الذي هو أولى بالأب الذي يدليان بقرابته بالذي هو أبعد منه قلنا ميراث الإخوة ثابت في القرآن ولا فرض للجد فيه فهو اقوى في القرآن والقياس في ثبوت الميراث قال فكيف جعلتم الجد إذا كثر الإخوة أكثر ميراثا من أحدهم قلنا خبرا ولو كان ميراثه قياسا جعلناه أبدا مع الواحد وأكثر من الإخوة أقل ميراثا فنظرنا كل ما صار للأخ ميراثا فجعلنا للأخ خمسة اسهم وللجد سهما كما ورثناهما حين مات ابن الجد أبو الابن قال فلم لم تقولوا بهذا قلنا لم نتوسع بخلاف ما روينا عنه من أصحاب النبي  إلا أن يخالف بعضهم إلى قول بعض فنكون غير خارجين من أقاويلهم 
ID ' '   على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 

صفحة : 1252


ميراث ولد الملاعنة 
قال الشافعي رحمه الله تعالى وقلنا إذا مات ولد الملاعنة وولد الزنا ورثت أمه حقها في كتاب الله عز وجل وإخوته لأمه حقوقهم ونظرنا ما بقي فإن كانت أمه مولاة عتاقة كان ما بقي ميراثا لموالي أمه وإن كانت عربية أو لا ولاء لها كان ما بقي لجماعة المسلمين وقال بعض الناس بقولنا فيها إلا في خصلة واحدة إذا كانت أمه عربية أو لا ولاء لها ردوا ما بقي من ميراثه على عصبة أمه وكان عصبة أمه عصبته واحتجوا فيه برواية ليست بثابتة وأخرى ليست مما يقوم بها حجة وقالوا كيف لم تجعلوا عصبته عصبة أمه كما جعلتم مواليه موالي أمه قلنا بالأمر الذي لم نختلف نحن وأنتم في أصله ثم تركتم قولكم فيه قلت أرأيتم المولاة العتيقة تلد من مملوك أو ممن لا يعرف أليس يكون ولاء ولدها تبعا لولائها حتى يكونوا كأنهم أعتقوا معا ما لم يجر أب ولاءهم قالوا بلى قلنا أو يعقل عنهم موالي أمهم ويكونون أولياء في التزويج لهم قالوا بلى قلنا فإن كانت عربية فتكون عصبتها عصبة ولدها فيعقلون عنهم ويزوجون بناتهم قالوا لا قلنا فإذا كان موالي الأم يقومون مقام العصبة في ولد مولاتهم وكان الأخوال لا يقومون ذلك المقام في بني أختهم فكيف أنكرت ما قلنا والأصل الذي ذهبنا إليه واحد 
ID ' '   غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 

صفحة : 1253


ميراث المجوس 
قال الشافعي رحمه الله تعالى وقلنا إذا أسلم المجوسي وابنة الرجل امرأته أو أخته أمه نظرنا إلى أعظم السببين فورثناها به والغينا الآخر وأعظمهما أثبتهما بكل حال وإذا كانت أم أختا ورثناها بأنها أم وذلك أن الأم قد تثبت في كل حال والأخت قد تزول وهكذا جميع فرائضهم على هذه المنازل وقال بعض الناس أورثها من الوجين معا فقلنا له أرأيت إذا كان معها أخت وهي أخت أم قال أحجبها من الثلث بأن معها أختين وأورثها من الوجه الآخر لأنها أخت قلنا أرأيت حكم الله عز وجل إذ جعل للأم الثلث في حال ونقصها منه بدخول الإخوة عليها أليس إنما نقصها بغيرها لا بنفسها قال بلى بغيرها نقصها فقلنا وغيرها خلافها قال نعم قلنا فإذا نقصتها بنفسها أفليس قد نقصتها بخلاف ما نقصها الله عز وجل به وقلنا أرأيت إذا كانت أما على الكمال فكيف يجوز أن تعطيها بنقصها دون الكمال وتعطيها أما كاملة وأخت كاملة وهما بدنان وهذا بدن قال فقد دخل عليك أن عطلت أحد الحقين قلنا لما لم يكن سبيل إلى استعمالهما إلا بخلاف الكتاب وخلاف المعقول لم يجز إلا تعطيل أصغرهما لا أكبرهما قال فهل تجد علينا شيئا من ذلك قلنا نعم قد تزعم أن المكاتب ليس بكامل الحرية ولا رقيق وأن كل من لم تكمل فيه الحرية صار إلى حكم العبيد لأنه لا يرث ولا يورث ولا تجوز شهادته ولا يحد من قذفه ولا يحد هو إلا حد العبيد فتعطل موضع الحرية منه قال إني أحكم عليه أنه رقيق قلت أفي كل حاله أو في بعض حاله دون بعض قال بل في بعض حاله دون بعض لأني لو قلت لك في كل حاله قلت لسيد المكاتب أن يبيعه ويأخذ ماله قلت فإذا كان قد اختلط أمره فلم يمحض عبدا ولم يمحض حرا فكيف لم تقل فيه بما رويته عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه يعتق منه بقدر ما أدى وتجوز شهادته بقدر ما أدى ويحد بقدر ما أدى ويرث ويورث بقدر ما أدى قال لا نقول به قلنا وتصيره على أصل أحكامه وهو حكم العبيد فيما نزل به وتمنعه الميراث قال نعم قلنا فكيف لم تجز لنا في فرض المجوس ما وصفنا وإنما صيرنا المجوس إلى أن أعطيناهم بأكثر ما يستوجبون فلم نمنعهم حقا من وجه إلا أعطيناهم ذلك الحق أو بعضه من وجه آخر وجعلنا الحكم فيهم حكما واحدا معقولا لا متبعضا لا أنا جعلنا بدنا واحدا في حكم بدنين 
ID ' '   والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 

صفحة : 1254


ميراث المرتد 
قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن رسول الله  قال لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم قال الشافعي وبهذا نقول فكل من خالف دين الإسلام من أهل الكتاب ومن أهل الأوثان فإن ارتد أحد من هؤلاء عن الإسلام لم يرثه المسلم لقول رسول الله  وقطع الله الولاية بين المسلمين والمشركين فوافقنا بعض الناس على كل كافر إلا المرتد وحده فإنه قال ترثه ورثته من المسلمين فقلنا فيعدو المرتد أن يكون داخلا في معنى الكافرين أو يكون في أحكام المسلمين فإن قلت هو في بعض حكمه في أحكام المسلمين قلنا أفيجوز أن يكون كافرا في حكم مؤمنا في غيره فيقول لك غيرك فهو كافر حيث جعلته مؤمنا ومؤمن حيث جعلته كافرا قال لا قلنا أفليس يجوز لك من هذا شيء إلا جاز عليك مثله قال فإنا إنما صرنا في هذا إلى أثر رويناه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتل المستورد وورث ميراثه ورثته المسلمين قلنا فقد زعم بعض أهل الحديث منكم أنه غلط ونحن نجعله لك ثابتا أفرأيت حكمه في سوى الميراث أحكم مشرك أو مسلم قال بل حكم مشرك قلنا فإن حبست المرتد لتقتله أو لتستتيبه فمات ابن له مسلم أيرثه قال لا قلنا أفرأيت أحدا قط لا يرث ولده إلا أن يكون قاتله ويرثه ولده إنما أثبت الله عز وجل المواريث للأبناء من الآباء حيث أثبت المواريث للآباء من الأبناء وقطع ولاية المسلمين من المشركين وسن رسول الله  أن لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فإن كان المرتد خارجا من معنى حكم الله تبارك وتعالى وحكم رسول الله  من بين المشركين بالأثر الذي زعمت لزمك أن تكون قد خالفت الأثر لأن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه لم يمنعه ميراث ولده لو ماتوا وهو لو ورث ولده منه انبغى أن يورثه ولده إذا كان عنده مخالفا لغيره من المشركين ولو جاز أن يرثوه ولا يرثهم كان في مثل معنى ما حكم به معاوية بن أبي سفيان وتابعه عليه غيره فقال نرث المشركين ولا يرثونا كما تحل لنا نساؤهم ولا تحل لهم نساؤنا أفرأيت إن احتج عليك أحد بهذا من قول معاوية ومن تابعه عليه منهم سعيد بن المسيب ومحمد بن علي بن الحسين وغيرهما وقد روى عن معاذ بن جبل شبيهه وقد قاله معاوية ومعاذ في أهل الكتاب وقال لك إن النبي  إنما كان يحكم به على أهل الأوثان والنساء اللاتي يحللن للمسلمين نساء أهل الكتاب لا نساء أهل الأوثان 
 

صفحة : 1255

 فقال لمعاذ بن جبل ولمعاوية ولهما فقه وعلم فلم لم توافق قولهما وقد يحتمل قول النبي  لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم أن يكون أراد به الكفار من أهل الأوثان وأتبع معاوية ومعاذا في أهل الكتاب فأورث المسلم من الكافر ولا أورث الكافر من المسلم كما أقول في نكاح نسائهم قال لا يكون ذلك له لأنه إذا قال النبي  لا يرث المسلم الكافر فهذا على جميع الكفار قلنا ولم لا تستدل بقول من سمينا مع أن الحديث محتمل له قال إنه قل حديث إلا وهو يحتمل معاني والأحاديث على ظاهرها لا تحال عنه إلى معنى تحتمله إلا بدلالة عمن حدث عنه قلنا ولا يكون أحد من أصحاب النبي  وإن كان مقدما حجة في أن يقول بمعنى يحتمله الحديث عن رسول الله  قال لا قلنا فكل ما قلت من هذا حجة عليك في ميراث المرتد وفيما رويت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثله قال الشافعي وقلنا لا يؤخذ مال المرتد عنه حتى يموت أو يقتل على ردته وإن رجع إلى الإسلام كان أحق بماله وقال بعض الناس إذا ارتد فلحق بدار الحرب قسم الإمام ميراثه كما يقسم ميراث الميت وأعتق أمهات أولاده ومدبريه وجعل دينه المؤجل حالا وأعطى ورثته ميراثه فقيل له عبت أن يكون عمر وعثمان رضي الله عنهما حكما في دار السنة والهجرة في امرأة المفقود الذي لا يسمع له بخبر والأغلب أنه قد مات بأن تتربص امرأته أربع سنين ثم أربعة أشهر وعشرا ثم تنكح فقلت وكيف نحكم بحكم الوفاة على رجل في امرأته وقد يمكن أن يكون حيا وهم لم يحكموا في ماله لحكم الحياة إنما حكموا به لمعنى الضرر على الزوجة وقد نفرق نحن وأنت بين الزوج وزوجته بأقل من هذا الضرر على الزوجة فنزعم أنه إذا كان عنينا فرق بينهما ثم صرت برأيك إلى أن حكمت على رجل حي لو ارتد بطرسوس فامتنع بمسلحة الروم ونحن نرى حياته بحكم الموتى في كل شيء في ساعة من نهار خالفت فيه القرآن ودخلت في أعظم من الذي عبت وخالفت من عليك عندك اتباعه فيما عرفت وأنكرت قال وأين القرآن الذي خالفت قلت قال قال الله عز وجل إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وقال جل وعز ولكم نصف ما ترك أزواجكم فإنما نقل ملك الموتى إلى الأحياء والموتى خلاف الأحياء ولم ينقل بميراث قط ميراث حي إلى حي فنقلت ميراث الحي إلى الحي وهو خلاف حكم الله تبارك وتعالى قال فإني أزعم أن ردته ولحوقه بدار الحرب مثل موته قلت قولك هذا خبر قال ما فيه خبر ولكني قلته قياسا قلت فأين القياس قال ألا ترى أني لو وجدته في هذه الحال قتلته فكان 
 

صفحة : 1256

 ميتا قلت قد علمت أنك إذا قتلته مات فأنت لم تقتله فأين القياس إنما قتلته لو أمته فأنت لم تمته ولو كنت بقولك لو قدرت عليه قتلته كالقاتل له لزمك إذا رجع إلى بلاد الإسلام أن يكون حكمه حكم الميت فتنفذ عليه حكم الموتى قال ما أفعل وكيف أفعل وهو حي قلت قد فعلت أولا وهو حي ثم زعمت أنك إن حكمت عليه بحكم الموتى فرجع تائبا وأم ولده قائمة ومدبرة قائم وفي يد غريمه ماله بعينه الذي دفعته إليه وهو إلى عشر سنين وفي يد أبيه ميراثه فقال لك رد علي مالي وهذا غريمي يقول هذا مالك بعينه لم أغيره وإنما هو لي إلى عشر سنين وهذه أم ولدي مدبري بأعيانهما قال لا أرده عليه لأن الحكم قد نفذ فيه قلنا فكيف رددت عليه ما في يدي وارثه وقد نفذ له به الحكم قال هذا ماله بعينه قلنا والمال الذي في يد غريمه وأم ولده ومدبره ماله بعينه فكيف نقضت الحكم في بعضه دون بعض هل قلت هذا خبرا أو قياسا قال ما قلته خبرا ولكن قلته قياسا قلنا فعلى أي شيء قسته قال على أموال أهل البغي يصيبها أهل العدل فإن تاب أهل البغي فوجدوا أموالهم بأعيانها أخذوها وإن لم يجدوها بأعيانها لم يغرمها أهل العدل وكذلك ما أصاب أهل العدل لأهل البغي قلنا فهذا وجد ماله بعينه فرددت بعضه ولم تردد بعضه فأما أهل العدل لو أصابوا لأهل البغي أم ولد أو مدبرة رددتهما على صاحبهما وقلت لا يعتقان ولا يملكهما غير صاحبهما وليس هكذا قلت في مال المرتد 
ID ' '   ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 

صفحة : 1257


ميراث المشركة 
قال الشافعي رحمه الله تعالى قلنا إن المشركة زوج وأم وأخوان لأب وأم وأخوان لأم فللزوج النصف وللأم السدس وللأخوين من الأم الثلث ويشركهم بنو الأب والأم لأن الأب لما سقط حكمه صاروا بني أم معا وقال بعض الناس مثل قولنا إلا أنهم قالوا لا يشركهم بنو الأب والأم واحتجوا علينا بأن أصحاب النبي  اختلفوا فيها فقال بعضهم قولنا وقال بعضهم قولهم فقالوا اخترنا قول من قلنا بقوله من قبل أنا وجدنا بني الأب والأم قد يكونون مع بني الأم فيكون للواحد منهم الثلثان وللجماعة من بني الأم الثلث ووجدنا بني الأب والأم قد يشركهم أهل الفرائض فيأخذون أقل مما يأخذ بنو الأم فلما وجدناهم مرة يأخذون أكثر مما يأخذون ومرة أقل مما يأخذون فرقنا بين حكميهم فورثنا كلا على حكمه لأنا وإن جمعتهم الأم لم نعطهم دون الأب وإن أعطيناهم بالأب مع الأم فرقنا بين حكميهم فقلنا إنا إنما أشركناهم مع بني الأم لأن الأم جمعتهم وسقط حكم الأب فإذا سقط حكم الأب كان كأن لم يكن ولو صار للأب موضع يكون له فيه حكم استعملناه قل نصيبهم أو كثر قال فهل تجد مثل ما وصفت من أن يكون الرجل مستعملا في حال ثم تأتي حال لا يكون مستعملا فيها قلنا نعم قال وما ذاك قلنا ما قلنا نحن وأنت وخالفت فيه صاحبك من الزوج ينكح المرأة بعد ثلاث تطليقات ثم يطلقها فتحل للزوج قبله ويكون مبتدئا لنكاحها وتكون عنده على ثلاث ولو نكحها بعد واحدة أو اثنتين لم يهدم الواحد ولا الثنتين كما يهدم الثلاث لأنه لما كان له معنى في إحلال المرأة هدم الطلاق الذي تقدمه إذا كانت لا تحل إلا به ولما لم يكن له معنى في الواحدة والثنتين وكانت تحل لزوجها بنكاح قبل زوج كما كانت تحل لو لم يطلقها لم يكن له معنى فلم نستعمله قال إنا لنقول هذا خبرا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قلت وقياسا كما وصفنا لأنه قد خالف عمر فيه غيره قال فهل تجد لي هذا في الفرائض قلت نعم الأب يموت ابنه وللإبن إخوة فلا يرثون مع الأب فإذا كان الأب قاتلا ورثوا ولم يورث الأب من قبل أن حكم الأب قد زال وما زال حكمه كان كمن لم يكن فلم نمنعهم الميراث به إذا صار لا حكم له كما منعناهم به إذا كان له حكم وكذلك لو كان كافرا أو مملوكا قال فهذا لا يرث بحال وأولئك يرثون بحال قلنا أو ليس إنما ننظر في الميراث إلى الفريضة التي يدلون فيها بحقوقهم لا ننظر إلى حالهم قبلها ولا بعدها قال وما تعني بذلك قلت لو لم يكن قاتلا ورث وإذا صار قاتلا لم يرث ولو كان مملوكا فمات ابنه لم يرث ولو عتق قبل أن يموت ورث قال هذا 
 

صفحة : 1258

 هكذا قلنا فنظرنا إلى الحال التي لم يكن فيها للأب حكم في الفريضة أسقطناه ووجدناهم لا يخرجون من أن يكونوا إلى بني الأم 
كتاب الوصايا 
أخبرنا الربيع بن سليمان قال كتبنا هذا الكتاب من نسخة الشافعي من خطه بيده ولم نسمعه منه وذكر الربيع في أوله وإذا أوصى الرجل للرجل بمثل نصيب أحد ولده وذكر بعده تراجم وفي آخرها ما ينبغي أن يكون مقدما وهو 
باب الوصية وترك الوصية 
قال الشافعي رحمه الله تعالى فيما روى عن النبي  في الوصية إن قوله  ما حق امرئ له مال يحتمل ما لامرئ أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ويحتمل ما المعروف في الأخلاق إلا هذا لا من وجه الفرض 
باب الوصية يمثل نصيب أحد ولده 

أو أحد ورثته ونحو ذلك وليس في التراجم 
قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا وصى الرجل للرجل بمثل نصيب أحد ولده فإن كانوا اثنين فله الثلث وإن كانوا ثلاثة فله الربع حتى يكون مثل أحد ولده وإن كان أوصى بمثل نصيب ابنه فقد أوصى له بالنصف فله الثلث كاملا إن أن يشاء الإبن أن يسلم له السدس قال وإنما ذهبت إذا كانوا ثلاثة إلى أن يكون له الربع وقد يحتمل أن يكون له الثلث لأنه يعلم أن أحد ولده الثلاثة يرثه الثلث وأنه لما كان القول محتملا أن يكون أراد أن يكون كأحد ولده وأراد أن يكون له مثل ما يأخذ أحد ولده جعلت له الأقل فأعطيته إياه لأنه اليقين ومنعته الشك وهكذا لو قال أعطوه مثل نصيب أحد ولدي فكان في ولده رجال ونساء أعطيته نصيب امرأة لأنه أقل وهكذا لو كان ولده ابنة وابن ابن فقال أعطوه مثل نصيب أحد ولدي أعطيته السدس ولو كان ولد الإبن اثنين أو أكثر أعطيته أقل ما يصيب واحدا منهم ولو قال له مثل نصيب أحد ورثني فكان في ورثته امرأة ترثه ثمنا ولا وارث له يرث أقل من ثمن أعطيته إياه ولو كان له أربع نسوة يرثنه ثما أعطيته ربع الثمن وهكذا لو كانت له عصبة فورثوه أعطيته مثل نصيب أحدهم وإن كان سهما من ألف سهم وهكذا لو كانوا موالي وإن قل عددهم وكان معهم وارث غيرهم زوجة أو غيرها أعطيته أبدا الأقل مما يصيب أحد ورثته ولو كان ورثته إخوة لأب وأم وإخوة لأب وإخوة لأم فقال 
 

صفحة : 1259

 أعطوه مثل نصيب أحد إخوتي أو له مثل نصيب أحد إخوتي فذلك كله سواء ولا تبطل وصيته بأن الإخوة للأب لا يرثون ويعطى مثل نصيب أقل إخوته الذين يرثونه نصيبا إن كان أحد إخوته لأم أقل نصيبا أو بني الأم والأب أعطي مثل نصيبه قال ولو قال أعطوه مثل أكثر نصيب وارث لي نظر من يرثه فأيهم كان أكثر له ميراثا أعطي مثل نصيبه حتى يستكمل الثلث فإن جاوز نصيبه الثلث لم يكن له إلا الثلث إلا أن يشاء ذلك الورثة وهكذا لو قال أعطوه أكثر مما يصيب أحدا من ميراثي أو أكثر نصيب أحد ولدي أعطي ذلك حتى يستكمل الثلث ولو قال أعطوه ضعف ما يصيب أكثر ولدي نصيبا أعطى مثلي ما يصيب أكثر ولده نصيبا ولو قال ضعفي ما يصيب ابني نظرت ما يصيب ابنه فإن كان مائة أعطيته ثلثمائة فأكون أضعفت المائة التي تصيبه بميراثه مرة ثم مرة فذاك ضعفان وهكذا إن قال ثلاثة أضعاف وأربعة لم أزد على أن أنظر أصل الميراث فأضعفه له مرة بعد مرة حتى يستكمل ما أوصى له به ولو قال أعطوه مثل نصيب أحد من أوصيت له أعطي أقل ما يصيب أحدا ممن أوصى له لأني إذا أعطيته أقل فقد أعطيته ما أعلم أنه أوصى له به فأعطيته باليقين ولا أجاوز ذلك لأنه شك والله تعالى أعلم 
باب الوصية بجزء من ماله 
قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو قال لفلان نصيب من مالي أو جزء من مالي أو حظ من مالي كان هذا كله سواء ويقال للورثة أعطوه منه ما شئتم لأن كل شيء جزء ونصيب وحظ فإن قال الموصى له قد علم الورثة أنه أراد أكثر من هذا أحلف الورثة ما تعلمه أراد أكثر مما أعطاه ونعطيه وهكذا لو قال أعطوه جزءا قليلا من مالي أو حظا أو نصيبا ولو قال مكان قليل كثيرا ما عرفت للكثير حدا وذلك أني لو ذهبت إلى أن أقول الكثير كل ما كان له حكم وجدت قوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فكان مثقال ذرة قليلا وقد جعل الله تعالى لها حكما يرى في الخير والشر ورأيت قليل مال الآدميين وكثيره سواء يقضي بأدائه على من أخذه غصبا أو تعديا أو استهلكه قال الشافعي ووجدت ربع دينار قليلا وقد يقطع فيه قال الشافعي ووجدت مائتي درهم قليلا وفيها زكاة وذلك قد يكون قليلا فكل ما وقع عليه اسم قليل وقع عليه اسم كثير فلما لم يكن للكثير حد يعرف وكان اسم الكثير يقع على القليل كان ذلك إلى الورثة وكذلك لو كان حيا فأقر لرجل بقليل ماله أو كثيره كان ذلك إليه فمتى لم يسم شيئا ولم يحدده فذلك إلى الورثة لأني لا أعطيه بالشك ولا أعطيه إلا باليقين 
 

صفحة : 1260


باب الوصية بشيء مسمى بغير عينه 
قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو أوصى لرجل فقال أعطوه عبدا من رقيقي أعطوه اي عبد شاءوا وكذلك لو قال أعطوه شاة من غنمي أو بعيرا من إبلي أو حمارا من حميري أو بغلا من بغالي أعطاه الورثة أي ذلك شاءوا مما سماه ولو قال أعطوه أحد رقيقي أو بعض رقيقي أو رأسا من رقيقي أعطوه أي رأس شاءوا من رقيقه ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا معيبا أو غير معيب وكذلك إذا قال دابة من دوابي أعطوه أي دابة شاءوا أنثى أو ذكرا صغيرة كانت أو كبيرة وكذلك يعطونه صغيرا من الرقيق إن شاءوا أو كبيرا ولو أوصى فقال أعطوه رأسا من رقيقي أو دابة من دوابي فمات من رقيقه رأس أو من دوابه دابة فقال الورثة هذا الذي أوصى لك به وأنكر الموصى له ذلك فقد ثبت للموصى له عبد أو رأس من رقيقه فيعطيه الورثة أي ذلك شاءوا وليس عليه ما مات ما حمل الثلث ذلك كما لو أوصى له بمائة دينار فهلك من ماله مائة دينار لم يكن عليه أن يحسب عليه ما حمل ذلك الثلث وذلك أنه جعل المشيئة فيما يقطع به إليهم فلا يبرءون حتى يعطوه إلا أن يهلك ذلك كله فيكون كهلاك عبد أوصى له به بعينه وإن لم يبق إلا واحدا مما أوصى له به من دواب أو رقيق فهو له وإن هلك الرقيق أو الدواب أو ما أوصى له به كله بطلت الوصية 
ID ' '   ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 

صفحة : 1261


باب الوصية بشيء مسمى لا يملكه 
قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو قال الموصى أعطوا فلانا شاة من غنمي أو بعيرا من إبلي أو عبدا من رقيقي أو دابة من دوابي فلم يوجد له دابة ولا شيء من الصف الذي اوصى له به بطلت الوصية لأنه أوصى له بشيء مسمى أضافه إلى ملكه لا يملكه وكذلك لو أوصى له وله هذا الصنف فهلك أو باعه قبل موته بطلت الوصية له ولو مات وله من صنف ما أوصى فيه شيء فمات ذلك الصنف إلا واحدا كان ذلك الواحد للموصى له إذا حمله الثلث ولو مات فلم يبق منه شيء بطلت وصية الرجل له بذهابه ولو تصادقوا على أنه بقي منه شيء فقال الموصى له استهلكه الورثة وقال الورثة بل هلك من السماء كان القول قول الورثة وعلى الموصى له البينة فإن جاء بها قيل للورثة أعطوه ما شئتم مما يكون مثله ثمنا لأقل الصنف الذي أوصى له به والقول في ثمنه قولكم إذا جئتم بشيء يحتمل واحلفوا له إلا أن يأتي ببينة على أن أقله ثمنا كان مبلغ ثمنه كذا ولو استهلك ذلك كله وارث أو أجنبي كان للموصى له أن يرجع على مستهلكه من كان بثمن أي شيء سلمه له الوارث منه فإن أخذ الوارث منه ثمن بعض ذلك الصنف وأفلس ببعضه رجع الموصى له على الوارث بما اصاب ما سلم له الوارث من ذلك الصنف بقدر ما أخذ كأنه أخذ نصف ثمن غنم فقال الوارث أسلم له أدنى شاة منها وقيمتها درهمان فيرجع على الوارث بدرهم وهكذا هذا في كل صنف والله تعالى أعلم 
ID ' '   أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 

صفحة : 1262


باب الوصية بشاة من ماله 
قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو أن رجلا أوصى لرجل بشاة من ماله قيل للورثة أعطوه أي شاة شئتم كانت عندكم أو اشتريتموها له صغيرة أو كبيرة ضائنة أو ماعزة فإن قالوا نعطيه ظبيا أو أروية لم يكن ذلك لهم وإن وقع على ذلك اسم شاة لأن المعروف إذا قيل شاة ضائنة أو ماعزة وهكذا لو قالوا نعطيك تيسا أو كبشا لم يكن ذلك لهم لأن المعروف إذا قيل شاة أنها أنثى وكذلك لو قال أعطوه بعيرا أو ثورا من مالي لم يكن لهم أن يعطوه ناقة ولا بقرة لأنه لا يقع على هذين اسم البعير ولا الثور على الإنفراد وهكذا لو قال أعطوه عشر أينق من مالي لم يكن لهم أن يعطوه فيها ذكرا وهكذا لو قال أعطوه عشرة أجمال أو عشرة أثوار أو عشرة أتياس لم يكن لهم أن يعطوه أنثى من واحد من هذه الأصناف ولو قال أعطوه عشرا من غنمي أو عشرا من إبلي أو عشرا من أولاد غنمي أو إبلي أو بقري أو قال أعطوه عشرا من الغنم أو عشرا من البقر أو عشرا من الإبل كان لهم أن يعطوه عشرا إن شاءوا إناثا كلها وإن شاءوا ذكورا كلها وإن شاءوا ذكورا وإناثا لأن الغنم والبقر والإبل جماع يقع على الذكور والإناث ولا شيء أولى من شيء ألا ترى أن النبي  قال ليس فيما دون خمس ذود صدقة فلم يختلف الناس أن ذلك في الذكور دون الإناث والإناث دون الذكور والذكور والإناث لو كانت لرجل ولو قال أعطوا فلانا من مالي دابة قيل لهم أعطوه إن شئتم من الخيل أو البغال أو الحمير انثى أو ذكرا لأنه ليس الذكر منها بأولى باسم الدابة من الأنثى ولكنه لو قال أنثى من الدواب أو ذكرا من الدواب لم يكن له إلا ما أوصى به ذكرا كان أو أنثى صغيرا كان أو كبيرا أعجف كان أو سمينا معيبا كان أو سليما والله تعالى الموفق 
ID ' '   أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 

صفحة : 1263


باب الوصية بشيء مسمى فيهلك بعينه أو غير عينه 
قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو أوصى الرجل لرجل بثلث شيء واحد بعينه مثل عبد وسيف ودار وأرض وغير ذلك فاستحق ثلثا ذلك الشيء أو هلك وبقي ثلثه مثل دار ذهب السيل بثلثيها أو أرض كذلك فالثلث الباقي للموصى له به إذا خرج من الثلث من قبل أن الوصية موجودة وخارجة من الثلث 
باب ما يجوز من الوصية في حال ولا يجوز في أخرى 
قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو قال أعطوا فلانا كلبا من كلابي وكانت له كلاب كانت الوصية جائزة لأن الموصى له يملكه بغير ثمن وإن استهلكه الورثة ولم يعطوه إياه أو غيرهم لم يكن له ثمن يأخذه لأنه لا ثمن للكلب ولو لم يكن له كلب فقال أعطوا فلانا كلبا من مالي كانت الوصية باطلة لأنه ليس على الورثة ولا لهم أن يشتروا من ثلثه كلبا فيعطوه إياه ولو استوهبوه فوهب لهم لم يكن داخلا في ماله وكان ملكا لهم ولم يكن عليهم أن يعطوا ملكهم للموصى له والموصى لم يملكه ولو قال أعطوه طبلا من طبولي وله الطبل الذي يضرب به للحرب والطبل الذي يضرب به للهو فإن كان الطبل الذي يضرب به للهو يصلح لشيء غير اللهو قيل للورثة أعطوه أي الطبلين شئتم لأن كلا يقع عليه اسم طبل ولو لم يكن له إلا أحد الصنفين لم يكن لهم أن يعطوه من الآخر وهكذا لو قال أعطوه طبلا من مالي ولا طبل له ابتاع له الورثة أي الطبلين شاءوا بما يجوز له فيه وإن ابتاعوا له الطبل الذي يضرب به للحرب فمن أي عود أو صفر شاءوا ابتاعوه ويبتاعونه وعليه أي جلد شاءوا مما يصلح على الطبول فإن أخذوه بجلدة لا تعمل على الطبول لم يجز ذلك حتى يأخذوه بجلدة يتخذ مثلها على الطبول وإن كانت أدنى من ذلك فإن اشترى له الطبل الذي يضرب به فكان يصلح لغير الضرب واشترى له طبلا فإن كان الجلدان اللذان يجعلان عليهما يصلحان لغير الضرب أخذ بجلدته وإن كانا لا يصلحان لغير الضرب أخذ الطبلين بغير جلدين وإن كان يقع على طبل الحرب اسم طبل بغير جلدة أخذته الورثة إن شاءوا بلا جلد وإن كان الطبل الذي يضرب به لا يصلح إلا للضرب لم يكن للورثة أن يعطوه طبلا إلا طبلا للحرب كما لو كان أوصى له بأي دواب الأرض شاء الورثة لم يكن لهم أن يعطوه خنزيرا ولو قال أعطوه كبرا كان الكبر الذي يضرب به دون ما سواه من الطبول ودون الكبر الذي يتخذه النساء في رءوسهن لأنهن إنما سمين ذلك كبرا تشبيها بهذا وكان القول فيه كما وصفت إن صلح لغير الضرب جازت 
 

صفحة : 1264

 الوصية وإن لم يصلح إلا للضرب لم تجز عندي ولو قال أعطوه عودا من عيداني وله عيدان يضرب بها وعيدان قسى وعصى وغيرها فالعود إذا وجه به المتكلم للعود الذي يضرب به دون ما سواه مما يقع عليه اسم عود فإن كان العود يصلح لغير الضرب جازت الوصية ولم يكن عليه إلا أقل ما يقع عليه اسم عود وأصغره بلا وتر وإن كان لا يصلح إلا للضرب بطلت عندي الوصية وهكذا القول في المزامير كلها وإن قال مزمار من مزاميري أو من مالي فإن كانت له مزامير شتى فأيها شاءوا أعطوه وإن لم يكن له إلا صنف منها أعطوه من ذلك الصنف وإن قال مزمار من مالي أعطوه أي مزمار شاءوا ناي أو قصبة أو غيرها إن صلحت لغير الزمر وإن لم تصلح إلا للزمر لم يعط منها شيئا ولو أوصى رجل لرجل بجرة خمر بعينها بما فيها أهريق الخمر وأعطى ظرف الجرة ولو قال أعطوه قوسا من قسي وله قسى معمولة وقسى غير معمولة أو ليس له منها شيء فقال أعطوه عودا من القصي كان عليهم أن يعطوه قوسا معمولة أي قوس شاءوا صغيرة أو كبيرة عربية أو أي عمل شاءوا إذا وقع عليها اسم قوس ترمى بالنبل أو النشاب أو الحسبان ومن أي عود شاءوا ولو ارادوا أن يعطوه قوس جلاهق أو قوس نداف أو قوس كرسف لم يكن لهم ذلك لأن من وجه بقوس فإنما يذهب إلى قوس رمي بما وصفت وكذلك لو قال أي قوس شئتم أو أي قوس الدنيا شئتم ولكنه لو قال اعطوه اي قوس شئتم مما يقع عليه اسم قوس أعطوه إن شاءوا قوس نداف أو قوس قطن أو ما شاءوا مما وقع عليه اسم قوس ولو كان له صنف من القسى فقال أعطوه من قسي لم يكن لهم أن يعطوه من غير ذلك الصنف ولا عليهم وكان لهم أن يعطوه أيها شاءوا كانت عربية أو فارسية أو دودانية أو قوس حسبان أو قوس قطن 
ID ' '   والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 

صفحة : 1265