كتاب الأم - المجلد السابع1

صفحة : 2414


باب ما لا يقضى فيه باليمين 

مع الشاهد وما يقضى 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا ادعى الرجل على الرجل المال فأتى بامرأتين تشهدان له على حقه لم يحلف مع الامرأتين. فإن قال قائل: ما الحجة فيه. فالحجة فيه أن النساء إذا كن لا يجزن عند الحاكم إلا مع الرجال إلا فيما لا يراه الرجال فهاتان امرأتان ليس معهما رجل يشهد فإن قال قائل: معهما رجل يحلف فالحالف غير شاهد. فإن قال: فقد يعطى بيمينه. قيل: يعطى بها بالسنة ليس أنه شاهد والرجل لا يشهد لنفسه ولو شهد لنفسه لم يحلف. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ومن قال امرأتان تقومان مقام الرجل قيل: إذا كانتا مع رجل ولزمه عندي أن يقول: لو شهد أربع نسوة لرجل بحق أخذه كما يأخذه بشاهدين وشاهد وامرأتين ولا أحسب أحدا يقول بهذا القول. قال: ولو أن امرأة رجل أقامت شاهدا أنه طلقها لم تحلف مع شاهدها وقيل: ائت بشاهد آخر وإلا أحلفناه ما طلقك ولو أقام رجل شاهدا على أنه نكح امرأة بولي ورضاها وشهود ومهر لم يكن له أن يحلف مع شاهده وذلك أن الرجل لم يملك رقبة المرأة كما يملك الأموال بالبيع وغيره من وجوه الملك إنما أبيح له منها بالنكاح شيء كان محرما عليه قبله ولأن المرأة لا تملك من نفسها ما كان الزوج يملك منها فتقوم في نفسها مقام الزوج فيها في كل أمره أو في بعضه والزوج نفسه لم يكن يملكها ملك المال فهما خارجان من معنى من حكم له رسول الله  باليمين مع الشاهد عندي والله تعالى أعلم. لأن رسول الله  إنما حكم بها لمن يملك ما حكم له به ملكا يكون له فيه بيعه وهبته أو سلطان رق أو ملك بوجه من الوجوه مما قد ملكه عليه غيره ومما يملك هو على غيره وليس هكذا الزوج والمرأة إنما سلطانه عليها سلطان إباحة شيء كان محرما قبل النكاح. 
ولو أقام عبد شاهدا على أن سيده أعتقه أو كاتبه لم يحلف مع شاهده وذلك أن العبد لا يملك من نفسه ما كان سيده مالكه لأن سيده كان له بيعه وهبته وليس ذلك للعبد في نفسه ولا يثبت شيء من الرق للعبد على نفسه إنما يثبت ذلك لإنسان على غيره فأما على نفسه فلا. 
فإذا كان الحق للمشهود له في نفسه مثل العبد يعتق والمرأة تطلق والحد يثبت أو يبطل فهذا كله لا يجوز فيه يمين مع الشاهد من قبل أن اليمين مع الشاهد فيما يملك به الحالف مع شاهده شيئا كان بيد غيره مما قد يملك بوجه من الوجوه. والذي قضى به رسول الله  
 

صفحة : 2415

 من ذلك مال والمال غير المقضي له وغير المقضي عليه بل هو ملك أحدهما ينتقل إلى الآخر فالعبد الذي يطلب أن يقضى له باليمين على عتقه كان إنما يقضى له بنفسه وهو لا يملكها ونفسه ليست كغيره فكان هذا خارجا من معنى ما حكم به رسول الله  عندي والله تعالى أعلم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو أتى رجل بشاهد يشهد أن رجلا أشهده أن له على فلان حقا لم يقبل إلا بشاهد آخر فإن قال: أحلف لقد شهد لي لم يحلف لأن حلفه على أنه شهد له ليس أن يحلف على مال يأخذه إنما يحلف على أن يثبت شهادة شاهده وليس اليمين على هذا باليمين على المال يملك. ولو أقام رجل شاهدا أن فلانا أوصى إليه أو أن فلانا وكله لم يحلف مع شاهده. وذلك أنه لا يملك بالوصية ولا بالوكالة شيئا ومثل ذلك لو أقام بينة أن فلانا أودعه داره أو أرضه لم يحلف مع شاهده. ولو أقام شاهدا أن فلانا قذفه بالزنا لم يحلف مع شاهده وذلك أنه لا يملك بالحد شيئا إنما الحد ألم على المحدود لا شيء يملكه المشهود له على المشهود عليه. ولو أقام بينة على أنه جرحه جراحة عمدا في مثلها قود أو قتل ابنا له لم يحلف مع شاهده وذلك أن الشهادة ليست بمال بعينه وأنه لا يجب بها المال دون التخيير في المال أو القصاص فإذا كان القصاص هو الذي يثبت بها فالقصاص ليس بشيء يملكه أحد على أحد. فإن قال قائل: فالمال يملكه قيل: أجل ولكن ليس يملكه إلا بأن يملك القصاص معه لا أن المال إذا حلف كان له دون القصاص ولا القصاص دون المال فلما كان إنما لا يثبت له أحدهما بعينه وكان المال لا يملك دون القصاص لم يجز أن يكون اليمين مع الشاهد في القصاص وهو لا يملك. ولو أقام عليه شاهدا أنه سرق له متاعا من حرز يسوي أكثر مما تقطع فيه اليد كان مخالفا لأن يقيم عليه الشاهد فيما يجب به القصاص فيحلف مع شاهده ويغرم السارق ما ذهب له به ولا يقطع. فإن قيل: ما فرق بين هذا والقصاص. قيل له في السرقة شيئان: أحدهما شيء يجب لله عز وجل وهو القطع والآخر شيء يجب للآدميين وهو الغرم فكل واحد منهما حكمه غير حكم صاحبه. فإن قال قائل: ما دل على هذا قيل: قد يسقط القطع عنه ولا يسقط الغرم ويسقط الغرم ولا يسقط القطع. فإن قال: وأين قيل: يسرق من غير حرز فلا يقطع ويغرم ويختلس وينتهب فيكون بهذا سارقا فلا يقطع ويغرم ويكون له شبهة في السرقة فلا يقطع ويغرم. ويسرق الرجل من امرأته والمرأة من زوجها من منزلهما الذي يسكنانه فلا يقطع واحد منهما ويغرم فإن قال: وأين يسقط الغرم عنه ويقطع. 

 

صفحة : 2416

 قيل: يسرق السرقة فيهبها له المسروق أو يبرئه من ضمانها فلا يكون عليه غرم ويقطع فلا يسقط القطع عنه إن سقط عنه غرم ما سرق وفي هذا بيان أن حكم الغرم غير حكم القطع وأن على السارق حكمين قد يزول أحدهما ويثبت الآخر وليس هكذا حكم الجراح التي لا يجب فيها أبدا مال إلا ومعه القصاص أو تخيير بين القود والعقل فأيهما اختار سقط الآخر. وإن اختار القود ثم عفاه لم يكن له عقل وإن اختار العقل ثم أبرأه منه لم يكن له قصاص فهذان حكمان كل واحد منهما بدل من صاحبه فلا يشبهان الحكمين اللذين لا يكون أحدهما بدلا من صاحبه ولا يبطل أحدهما إن بطل صاحبه ويشبه الشهادة على السرقة أن يأتي رجل بشاهد على أنه قال: امرأته طالق إن كنت غصبت فلانا هذا العبد ويشهد أنه غصبه فيحلف صاحب العبد مع شاهده ويأخذ العبد ولا تطلق المرأة بشهادة واحد أنه حنث حتى يكون معه آخر وذلك أن الشاهد مع اليمين إنما جاز على الغصب دون الطلاق والطلاق ليس بالغصب إنما هي يمين يحلف بها وحكم الأيمان غير حكم الأموال وكذلك حكم الطلاق غير حكم الأموال. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو كانت الجراحة عمدا لا قود فيها بحال مثل أن يقتل الحر المسلم عبدا مسلما أو يقتل ذميا أو مستأمنا أو يقتل ابن نفسه أو تكون جراحة لا قود فيها مثل: الجائفة والمأمومة وما لا قصاص فيه فهذا كله لا قود فيه قبلت فيه يمين المدعي مع شاهده فقضى له به كله ما كان عمدا منه ففي مال الجاني وما كان خطأ فعلى العاقلة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو شهد شاهد أن رجلا رمى رجلا بسهم فأصاب بعض جسده ثم خرج منه فأصاب آخر فقتله أو جرحه فالرمية الأولى عمد والمصاب الثاني خطأ. فإن كانت الرمية الأولى لا قصاص فيها فالشهادة جائزة ويحلفان مع شاهدهما ويقضي في كل واحد منهما بالأرش الأولى في مال الرامي والثانية على عاقلته. وإن كانت الرمية الأولى يجب فيها القصاص في نفس كانت لأولياء الدم القسامة ويستحقون الدية ثم القول في الرمية الثانية قولان: أحدهما أن اليمين لا تكون مع الشاهد في هذا وذلك أن صاحب الخطأ لا يثبت له شيء إلا بثبوته لصاحب العمد فلما كانت هذه الجناية واحدة فيها عمد فيه قصاص لم يجز في القصاص إلا شاهدان لأنه لم يملك فيه شيئا. والقول الثاني: أن الشاهد يبطل لصاحب العمد إلا أن يقسم معه أولياؤه ويثبت لصاحب الخطأ باليمين مع شاهده وهذا أصح القولين عندي - والله تعالى أعلم - وبه نأخذ وهي في مثل معنى المسألة من اليمين بالطلاق على الغصب والشهادة عليها 
 

صفحة : 2417

 وعلى الغصب. ولو أقام رجل على جارية وابنها شاهدا أنهما له حلف مع شاهده وأخذ الجارية وابنها. ولو أقام البينة على أنها له وابنها له ولد منه حلف أيضا وقضي له بالجارية وكانت وابنها له وكانت أم ولد له بإقراره وشهادة شاهده ويمينه. قال: ولو أقام شاهدا بأن أباه تصدق بهذه الدار عليه صدقة محرمة موقوفة حلف مع شاهده وكانت الدار صدقة عليه كما شهد شاهده. ولو أقام البينة على أن أباه تصدق بهذه الدار عليه صدقة محرمة موقوفة وعلى أخوين له موقوفة فإذا انقرضوا فعلى أولادهم أو على المساكين حلفوا وثبتت حقوقهم فمن حلف ثبت حقه له فإن قال قائل: ما بال الرجل إذا أقام شاهدا أن أباه وقف عليه دارا وعلى أخوين له ثم على أولادهم بعدهم أحلفته وأثبت حقه من الصدقة المحرمة فإن حلف أخواه ثبت حقهما وإن لم يحلف لم يثبت حقهما بثبوت حقه قيل له: لأنا إنما أخرجنا الدار من ملك من شهد عليه الشاهد بيمين من شهد له. فإذا شهد الشاهد لثلاثة لم يكن لواحد منهم أن يأخذ بيمين صاحبه شيئا لأن حقه غير حق صاحبه وإن كان من شيء واحد فحق كل واحد منهم حق صاحبه. فإذا حلفوا معا فأخرجت الدار من ملك صاحبها إلى ملك من حلف فكانت بكمالها لمن حلف حياته فقد مضى الحكم فيها لهم ومن جاء بعدهم ممن وقفت عليه إذا ماتوا يقوم مقام الوارث لهم فيها. ألا ترى أن رجلا لو أقام شاهدا على رجل بدار فحلف فقضى له بها فإن مات كانت لوارثه بعده ولا يمين على الوارث لأن الحكم قد مضى فيها بيمين الذي أقام الشاهد له وإنما هي موروثة عن الذي حلف مع شاهده وإن حلف أخواه فهي عليهما معه ثم على من بعدهم. وإن أبى أخواه أن يحلفا فنصيبه منها وهو الثلث صدقة كما شهد شاهده ثم نصيبه بعد منها على من تصدق به أبوه عليه بعده وبعد أخويه. فإن قال الذين تصدق عليهم بعد الاثنين: نحن نحلف على ما أبى أن يحلف عليه الاثنان فلهم أن يحلفوا من قبل أنهم مالكون حين كانوا إذا حلفوا بعد موت أبيهم الذي جعل لهم ملكه إذا مات. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإنما قلنا: يملك المتصدق عليهم باليمين لأن السنة والآثار تدل على أن هذا ملك صحيح إذا أخرج المتصدق من ملكه أرضه صدقة على أقوام بعينهم ثم على من بعدهم فملكه المتصدق عليهم ما على ملكه المتصدق كما ملكهموه فهذا ملك صحيح. قال الشافعي رحمه الله: وإذا قضينا بأن ملك المتصدق يتحول إلى ملك المتصدق عليهم كما ملكهم فهذا تحويل ملك مال إلى مالك ينتفع به انتفاع المال يباع ما صار في أيديهم من 
 

صفحة : 2418

 غلته ويوهب ويورث وإن كان مسكنا أسكنوا فيه من أحبوا أو أكروه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو شهد شاهد أن فلانا تصدق بهذه الدار على فلان وفلان وفلان بينهم وبين من حدث للمتصدق من ولد صدقة موقوفة محرمة فقال أحد القوم: أنا أحلف وأبى الآخران قلنا: فإذا حلفت جعلنا لك ثلث هذه الصدقة ثم كلما حدث معك ولد واحد وقفنا له الثلث الآخر الذي ليس في يديك ثم إن حدث آخر وقفنا له الثلث الآخر الذي ليس في يديك ولا يوقف للحادث قبله فإن حدث آخر نقصناك وكلما حدث ولد بعد الولدين اللذين يوقف لهما الثلثان حتى تستكمل الدار انتقصت من حقك وانتقص كل من كان معك من حقوقهم لأنه كذلك تصدق عليك فمن حلف من الكبار كان على حقه ومن بلغ فحلف كان على حقه ومن أبى بطل حقه وتوقف غلة من لم يبلغ حتى يبلغوا فيحلفوا فتكون لهم أو يأبوا فيرد نصيبهم منها على المتصدق عليهم معهم. وإن تصدق على ثلاثة ثم على من بعدهم فحلف واحد كان له الثلث وبطل الثلثان فصارا ميراثا للورثة. فإن قيل: كيف تكون دار شهد عليها أنها كلها موقوفة محرمة بعضها ميراث وبعضها موقوف فإنها لو وقفت على عشرة كان لكل واحد منهم العشر فمن حلف أخذ حقه ومن أبى لم يكن له فيها حق وما لم يكن لأحد وقفا كان ميراثا على الأصل. فإن قيل: ما يشبه ذلك. قيل: عشرة شهد شاهد أن ميتا أوصى لهم بدار فحلف واحد فله عشرها فإن أبى التسعة رجع ما بقي من الدار ميراثا. قال الشافعي رحمه الله: ولو تصدق بها على ثلاثة فحلف واحد وأبى اثنان كان نصيبهما ميراثا وكان الثلث صدقة على واحد فإن قال: هي صدقة على الثلاثة ثم على أبنائهم من بعدهم فحلف واحد جعلنا ثلثها له وأبى الاثنان فجعلنا نصيبهما منها ميراثا وهو الثلثان ثم حدث لهما ولدان وماتا وقف لهما نصيبهما حتى يبلغا فيحلفا أو يموتا فيحلف وارثهما فإن أبى وارثهما رد ما بقي ميراثا للورثة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإنما يوقف للمولود من يوم ولد إذا مات أبوه أو من جعلت له الصدقة بعده فإن ولد قبل أن يموت أبوه أو من جعلت له الصدقة بعده لم يوقف حقه إلا بعد موتهما لأنه إنما يكون له الحق بموتهما فأما ما كان من غلة قبل أن يولد أو يموت من قبله فليس للمولود منها شيء لأنه إنما شرط له أن يكون له الحق يوم يولد بعد موت من قبله. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو أن شاهدا شهد أن فلانا تصدق على فلان وولده وولد ولده ما تناسلوا هم فيها سواء فحلف رجل مع شاهده كان له منها بقدر عدد من معه وذلك أن 
 

صفحة : 2419

 يكون معه فيها عشرة فيكون له عشرها فكلما حدث ولد يدخل معه في الصدقة نقص من حقه ووقف حق المولود حتى يحلف فيستحق أو يدع اليمين فيبطل حقه ويرد كراء ما وقف من حقه على الذين انتقصوا حقوقهم من أجله سواء بينهم كأنه وقف لاثنين حدثا سدس الدار وأكرى بمائة درهم إلى أن يبلغا فلم يحلفا فأبطلنا حقوقهما ورددنا المائة على العشرة لكل واحد منهم عشرة فإن مات من العشرة واحد قبل بلوغ الموقوف عليهما الصدقة في نصف عمر اللذين وقف لهما فإن بلغا فأبيا اليمين فرد نصيبهما على من معهما رد عليه فأعطى ورثته ما استحق مما رد عليه وذلك خمسة وترد الخمسة على التسعة الباقين وعلى هذا الحساب يعطى كل من مات قبل بلوغ الصبيين اللذين بطل ما وقف لهما. فإن شهد الشاهد أنه تصدق بها عليه وعلى بني أب معروفين يحصون فالأمر فيها على ما وصفت تكون له حصة بقدر عددهم قلوا أو كثروا. وإن شهد أنه تصدق بها عليه وعلى بني أب لا يحصون أبدا أو على مساكين وفقراء فقد قيل في الوصية: يوصي بها لفلان ولقوم يحصون هو كأحدهم وقيل: فإن أوصى بها له ولبني أب لا يحصون أو مساكين لا يحصون فله النصف ولهم النصف. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وهذا أمر تخف فيه المؤنة ويسهل فيه الجواب في مسألتنا هذه لو كان يصح قياسا أو خبرا أعطيناه النصف وجعلنا النصف على من تصدق به عليه معه ممن لا يحصي ولكن لا أرى القياس فيها إذا كانت الصدقة إذا تصدق بها عليه وعلى الفقراء وهم لا يحصون جائزة إلا أن يقال له: إن شئت فاحلف فكن أسوة الفقراء فإن حلف أعطيناه ذلك وأحلف من معه في الصدقة ثم حاص من قسمنا عليه فإذا زاد الفقراء بعد ذلك أو نقصوا حاصهم كواحد منهم. 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وقد قيل: إذا كان شرط السكنى سكن كل فقير في أقل ما يكفيه إن كان المتصدق قال يسكن كل واحد منهم بلا أن يدخل عليه من يضيق عليه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وأصح من هذا القول والله تعالى أعلم وبه أقول أن السكنى مثل الغلة فإذا ضاق السكن اصطلحوا أو أكروا ولم يؤثر واحد منهم بالسكن على صاحبه وكلهم فيه شرع. 
وإذا كانت غلة أو شيء فيها بين من الفقراء وإن قل ذلك فلا يعطى واحد منهم أقل مما يعطى الآخر. وقد قيل: إذا لم يسم فقراء قبيلة فهو على فقراء قرابته قياسا على الصدقات التي يعطاها جيران المال المأخوذ منه الصدقة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وبه أقول إذا كان قرابته جيران صدقته فإن جازت فيها الأثرة لبعض الجيران دون بعض كانت لذوي قرابة 
 

صفحة : 2420

 المتصدق فإن لم يجد فجيران الصدقة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو أقام رجل شاهدا على رجل وحلف أنه غصبه أم ولد وولدها فيخرجان من يده فتكون أم ولد للمشهود له الحالف ويكون الابن ابنه ويخرج من رق الذي هي في يديه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وكذلك لو أقام شاهدا على رجل في يديه عبد يسترقه أنه كان عبدا له فأعتقه ثم غصبه إياه بعد العتق حلف وكان هذا مولى له. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه وليس يدخل في هذا العبد يقيم شاهدا على سيده أنه أعتقه لأن العبد هو الذي فيه الخصومة كما وصفت في الباب الأول واليمين مع الشاهد في الدين الذي يتنازع فيه المشهود له والمشهود عليه لا واحد منهما والنسب والولاء شيئان يصير لصاحبهما بهما منفعة في غير نفسه وإن كانت لا تملك فهي منفعة للخصم في غير نفسه والمملوك لا ينتفع بشيء غير نفسه. 

الخلاف في اليمين مع الشاهد 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فخالفنا في اليمين مع الشاهد مع ثبوتها عن رسول الله  بعض الناس خلافا أسرف فيه على نفسه فقال: لو حكمتم بما لا نراه حقا من رأيكم لم نرده وإن حكمتم باليمين مع الشاهد رددناها. 
فقلت لبعضهم: رددت الذي يلزمك أن تقول به ولا يحل لأحد من أهل العلم عندنا خلافه لأنه سنة رسول الله  وأجزت آراءنا التي لو رددتها كانت أخف عليك في المأثم. قال: إنها خلاف كتاب الله ونحن نردها بأشياء. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وقد جهدت أن أتقصى ما كلموني به في رد اليمين مع الشاهد فكان مما كلمني به بعض من ردها أن قال: لم ترووها إلا من حديث مرسل قلنا: لم نثبتها بحديث مرسل وإنما ثبتناها بحديث ابن عباس وهو ثابت عن رسول الله  الذي لا يرد أحد من أهل العلم مثله لو لم يكن فيها غيره مع أن معه غيره ممن يشده. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقال منهم قائل: كيف قلتم: يقضي بها في الأموال دون غيرها فجعلتموها تامة في شيء ناقصة في غيره فقلت له: لما قال عمرو بن دينار وهو حملها قضى بها رسول الله  في الأموال كان هذا موصولا في خبره عن النبي  وقال جعفر في الحديث: في الدين والدين مال وقاله من لقيت من حملتها والحكام بها. قلنا: إذا قيل: قضى بها في الأموال دل ذلك والله تعالى أعلم على أنه لا يقضي بها في غير ما قضي بها فيه لأن الشاهدين أصل في الحقوق فهما ثابتان 
 

صفحة : 2421

 واليمين مع الشاهد أصل فيما يحكم بها فيه وفيما كان في معناه فإن كان شيء يخرج من معناه كان على الأصل الأول وهو الشاهدان قال: فالعبد قلت: فإذا أقام رجل شاهدا على عبد أنه له حلف مع شاهده واستحق العبد قال: فإن أقام شاهدا أن سيده أعتقه قلت: فلا يعتق. 
قال: فما الفرق بين العبد يقيم رجل عليه شاهدا ويحلف ويأخذه وبين العبد يقيم شاهدا أن سيده أعتقه قلت: الفرق البين قال: وما هو قلت: أرأيت أن قضى رسول الله  باليمين مع الشاهد في الأموال أما في هذا بيان أن المال المقضي به للمقيم شاهدا الحالف هو ما ليس بالمقضي له ولا بالمقضي عليه وإنما هو مال أخرجه من يدي المقضي عليه إلى يدي المقضي له به فملكه إياه كما كان المقضي عليه له مالكا. قال: بلى قلت: وهكذا العبد الذي سألت عنه أخرجه من يدي مالكه المقضي عليه إلى مالك مقضي له قال: نعم قلت: أفليس تجد معنى العبد إذا أقام شاهدا أن سيده أعتقه غير معنى المال الذي يتنازع فيه المشهود له والمشهود عليه لأنه إنما ينازع في نفسه قال: إنه ليخالفه في هذا الموضع. قلت: ويخالفه أنه لا يخرجه من يدي مالكه إلى ملك نفسه فيكون يملك من نفسه ما كان سيده يملكه كما كان المقضي عليه يملك المال ثم أخرج من يده فملكه المقضي له. قال: أجل قلت: فكيف أقضي باليمين مع الشاهد في شيء معناه غير معنى ما قضى به رسول الله  قال: فإنك تعتقه بالشاهدين. قلت: أجل وأقتل بالشاهدين لأنهما حكم مطلق واليمين مع الشاهد حكم خاص. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وقلت له: رأيتك عبت أن تكون الشهادة تامة في بعض الأشياء دون بعض أفرأيت الشاهدين أليسا تامين في كل شيء ناقصين في الزنا قال: بلى. قلت: أفرأيت الشاهد والامرأتين أليسا تامين في الأموال ناقصين في الحدود وغيرها قال: بلى قلت: أرأيت شهادة النساء في الاستهلال والرضاع وعيوب النساء أليست تامة حتى يلحق بها النسب وفيه عظيم من الأموال وأن يكون لمن شهدت له امرأة عندك أن فلانة ولدته والمشهود عليه ينكر أن يلحق به نسبه فيعفو دمه ويرى بناته ويرث ماله قال بلى قلت: أرأيت أهل الذمة أليست تتم شهادتهم عندك فيما بينهم على كل شيء ولو شهدوا على مسلم لم يجز قال: بلى. قلت: ولو شهدت لرجل امرأة وحدها على أحد بفلس لم يجز قال: بلى قلت: فأسمعك فيما عدا شهود الزنا من المسلمين قد جعلت الشهادات كلها تامة في شيء ناقصة في غيره وعبت ذلك علينا وإنما قلنا بسنة رسول الله  
 

صفحة : 2422

 فوضعناها حيث وضعها رسول الله  ووضعنا حكم الله عز وجل حيث وضعه. قال: فقال: فإذا حلفتم الرجل مع شاهده فكيف زعمتم أن رجلا لو كان غائبا من بلد فشهد له رجل بحق له على رجل من وصية أوصى له بها ميت أو شهد لابنه بحق وهو يوم شهد الشاهد صغير وغائب أو شهد له بحق وليه عبد له أو وكيل حلف وهو لا يعلم شهد شاهده بحق أم لا وهو إن حلف حلف على ما لا يعلمه. قال الشافعي رحمه الله: فقلت له: لا ينبغي لرجل أن يحلف على ما لا يعلم ولكن العلم يكون من وجوه. قال: وما هي قلت: أن يرى الرجل بعينه أو يسمع بأذنه من الذي عليه الحق أو يبلغه فيما غاب عنه الخبر يصدقه فيسعه اليمين على كل واحد من هذا. قال: أما الرؤية وما سمع من الذي عليه الحق فأعرفه. وأما ما جاء به الخبر الذي يصدق فقد يمكن فيه الكذب فكيف يكون هذا علما أحلفه عليه. قال: فقلت. له: الشهادة على علمه أولى أن لا يشهد بها حتى يسمعها من المشهود عليه أو يراها أو اليمين قال: كل لا ينبغي إلا هكذا وإن الشهادة لأولاهما أن لا يشهد منها إلا على ما رأى أو سمع. قلت: لأن الله عز وجل حكم عن قوم أنهم قالوا:  وما شهدنا إلا بما علمنا  وقال:  إلا من شهد بالحق وهم يعلمون  قال: نعم قلت له: أفيشهد الرجل على أن فلانا ابن فلان وهو غريب لم ير أباه قط قال: نعم قلت: فإنما سمعه ينتسب هذا النسب ولم يسمع من يدفعه عنه ولا من شهد له بأن ما قال كما قال. قال: نعم قلت: ويشهد أن هذه الدار دار فلان وأن هذا الثوب ثوبه وقد يمكن أن يكون غصب هذه الدار أو أعيرها ويمكن ذلك في الثوب. قال: وإن أمكن إذا لم ير مدافعا له في الدار والثوب وكان الأغلب عليه أن ما شهد به كما شهد وسعته الشهادة وإن أمكن فيه أن يكون ليس على ما شهد به ولكن يشهد على الأغلب قلت: أرأيت لو اشترى رجل من رجل عبدا ولد بالمشرق أو بالمغرب والمشترى ابن مائة سنة أو أكثر والمشتري ابن خمس عشرة سنة ثم باعه فأبق عند المشتري فكيف تحلف البائع قال: أحلفه لقد باع العبد بريئا من الإباق. قال: فقلت: يحلف البائع فقال لك: هذا مغربي أو مشرقي وقد يمكن أن يكون أبق قبل أن يولد جدي قال: وإن يسأل قلت: وكيف تمكن المسألة. قال: كما أمكنتك قلت وكيف يجوز هذا قال: لأن الإيمان يدخلها هذا قال: أو رأيت لو كان العبد ولد عنده أما كان يمكن فيه أن يأبق ولا يدري به. قلت: بلى: قال: فهذا لا تختلف الناس في أنهم يحلفون على البت لقد باع بريئا من الإباق ولكن يسعه أن يحلف على البت وإنما ذلك على 
 

صفحة : 2423

 علمه. قلت: فهل طعنت في الحالف على الحق يصير له بوجه من الوجوه وصية أو ميراث أو شيء يليه عبده أو وكيله غائبا عنه بشيء إلا لزمك أكثر منه في الشهادات والأيمان. قال: ما يجد الناس من هذا بدا وما زال الناس يجيزون ما وصفت لد. قلت: فإذا أجاوزا الشيء فلم لم يجيزوا مثله وأولى أن يكون علما يسمع عليه الشهادة واليمين منه قال: هذا يلزمنا. قال: فإن مما رددنا به اليمين مع الشاهد أن الزهري أنكرها. قلت: لقد قضى بها الزهري حين ولي فلو كان أنكرها ثم عرفها وكنت إنما اقتديت به فيها كأن ينبغي أن يكون أثبت لها عندك أن يقضي بها بعد إنكارها وتعلم أنه إنما أنكرها غير عارف بها وقضى بها مستفيدا علمها. ولو أقام على إنكارها ما كان في هذا ما يشبه على عالم. قال: وكيف قلت أرويت أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنكر على معقل بن يسار حديث بروع بنت واشق أن النبي  جعل لها المهر والميراث ورد حديثه وقال بخلافه قال: نعم قلت: وقال بخلاف حديث بروع بنت واشق مع علي زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر قال: نعم قلت: ورويت عن عمر بن الخطاب أن عمار بن ياسر روى أن النبي  أمر الجنب أن يتيمم فأنكر ذلك عليه وأقام عمر على أن لا يتيمم الجنب وأقام على ذلك مع عمر ابن مسعود وتأولا قول الله عز وجل  وإن كنتم جنبا فاطهروا  قال: نعم قلت: ورويت وروينا أن النبي  دخل الكعبة وليس معه من الناس إلا بلال وأسامة وعثمان فأغلقها عليه وكلهم سميع بصير حريص على حفظ فعله والاقتداء به فخرج أسامة فقال: أراد النبي  الصلاة فيها فجعل كلما استقبل منها ناحية استدبر الأخرى وكره أن يستدبر من البيت شيئا فكبر في نواحيها وخرج ولم يصل فكان ابن عباس يفتي أن لا يصلى في البيت وغيره من أصحابنا بحديث أسامة وقال بلال: صلى فما تقول أنت قال: يصلى في البيت وقول من قال أحق من قول من قال لم يكن لأن الذي قال كان شاهدا والذي قال: لم يكن ليس بشاهد قلت: وجعلت حديث بروع بنت واشق سنة ولم تبطلها برد علي رضي الله تعالى عنه وخلاف ابن عباس وابن عمر وزيد وثبت حديث بروع قال: نعم قلت: وجعلت تيمم الجنب سنة ولم تبطلها برد عمر وخلاف ابن مسعود التيمم وتأولهما قول الله عز وجل  وإن كنتم جنبا فاطهروا  والطهور بالماء وقول الله عز ذكره:  ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا  قال: نعم قلت له: وكذلك تقول: لو دخلت أنا وأنت على فقيه أو قاض فخرجت. فقلت: 
 

صفحة : 2424

 حدثنا كذا وقضى بكذا وقلت أنت: ما حدثنا ولا قضى بشيء كان القول قولي لأني شاهد وأنت مضيع أو غافل قال: نعم قلت: فالزهري لم يدرك رسول الله  ولا أكثر أصحابه فلو أقام على إنكار اليمين مع الشاهد أي حجة تكون فيه إذا كان من أنكر الحديث عن النبي  من أصحابه لا يبطل قول من روى الحديث كان الزهري إذا لم يدرك رسول الله  أولى بأن لا يوهن به حديث من حدث عن رسول الله  وإذا كان بعض السنن قد يعزب عن عامة أصحاب رسول الله  حتى يجدوها عند الضحاك بن سفيان وحمل بن مالك مع قلة صحبتهما وبعد دارهما وعمر يطلبها من الأنصار والمهاجرين فلا يجدها فإن كان الحكم عندنا وعندك أن من حدث أولى ممن أنكر الحديث فكيف احتججت بأن الزهري أنكر اليمين مع الشاهد فقال لي: لقد علمت ما في هذا حجة. قلت: فلم احتججت به. قال: احتج به أصحابنا وأن عطاء أنكرها. قلت: والزنجي أخبرنا عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: لا رجعة إلا بشاهدين إلا أن يكون عذر فيأتي بشاهد ويحلف مع شاهده. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فعطاء يفتي باليمين مع الشاهد فيما لا يقول به أحد من أصحابنا ولو أنكرها عطاء هل كانت الحجة فيه إلا كهي في الزهري وأضعف منها فيمن أنكر ما لم يسمع من أصحاب رسول الله  قال لا قلت: لو ثبت أن النبي  قضى بها أكان لأحد خلافها وردها بالتأويل قال: لا. فذكرت له بعض ما روينا فيها وقلت له: أتثبت مثل هذا قال: نعم ولكني لم أكن سمعته قلت: أفذهب عليك من العلم شيء قال: نعم قلت: فلعل هذا مما قد ذهب عليك وإذ قد سمعته فصر إليه فكذلك يجب عليك. قال: فإنه قد بلغنا أن النبي  قضى باليمين مع الشاهد أن خزيمة بن ثابت شهد لصاحب الحق. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فسألته من أخبره فإذا هو يأتي بخبر ضعيف لا يثبت مثله عندنا ولا عنده فقلت له: أرأيت لو كان خبرك هذا قويا وكان خزيمة قد شهد لصاحب الحق فأحلفه النبي  ألم تكن خالفت خبرك الذي به احتججت قال: وأين خالفته قلت: أيعدو خزيمة أن يكون يقوم مقام شاهد. فهو كما قلنا قال: لا ولكنه من بين الناس يقوم مقام شاهدين. قلت: فإن جاء طالب حق بشاهدين أتحلفه معهما. قال: لا ولكن أعطيه حقه بغير يمين قلت له: فهذه إذا سنة لرسول الله  أخرى خالفتها لأنه إن كان 
 

صفحة : 2425

 قضى بشهادة خزيمة وهو يقوم مقام شاهدين فقد أحلف مع شاهدين وإن كان قضى بشهادة خزيمة وهو كشاهدين فيما روينا عنه فقد قضى قضيتين خالفتهما معا. قال: فلعل النبي  إنما قضى باليمين أنه علم أن حق الطالب حق. فقلت له: أفيجوز في جميع ما روي عن النبي  أنه قضى فيه بقضية إما بإقرار من المدعى عليه أو ببينة المدعي أن يقال لعله إنما قضى به أنه علم أن ما أقر به المقر أو ما قامت به البينة حق فلا يجوز لأحد بعده أن يقضي ببينة ولا بإقرار لأن أحدا بعده لا يعلم صدق البينة ولا المقر لأن هذا لا يعلم إلا من جهة الوحي والوحي قد انقطع بعد النبي  قال: لا قلت: وما قضى به على ما قضى به ولا يبطل بلعل. قال: نعم قلت: فلم أردت إبطال اليمين مع الشاهد بلعل وقلت له: وأكلمك على لعل أفرأيت لو جاءك رجل يدعي على رجل ألفا فعلمت أنها عليه ثابتة هل تعدو من أن تكون ممن يقضي بعلمه فتأخذها له منه ولا تكلفه شاهدا ولا يمينا أو ممن لا يأخذ بعلمه فلا تعطيه إياها إلا بشاهدين سواك. قال: ما أعدو هذا قلت له: فلو كان النبي  قضى باليمين مع الشاهد من قبل أنه علم أن ما ادعى المدعي حق كنت خالفته قال: فلعل المطلوب رضي بيمين الطالب. قلت: وقد عدت إلى لعل وقلت: أرأيت لو جاءك خصمان فرضي المطلوب بيمين الطالب أكنت تكلفه شاهدا وتحلفه. قال: لا قلت: ولو حلف مع شاهده والمطلوب يرضى بيمينه لم تعطه شيئا قال: لا أعطيه بيمينه مع شاهده شيئا ولكن إن أقر بحقه أعطيته. قلت: أنت تعطيه إذا أقر ولا تحلف الطالب قال: نعم قلت: فهذه سنة أخرى إن كانت كما قلت خالفتها. قال: فما تقول أنت في أحكام رسول الله  قلت: على المسلمين أن يحكموا بها كما حكم وكذلك ألزمهم الله. قال فلعل النبي  كان يحكم من جهة الوحي قلت: فما حكم به من جهة الوحي فقد بينه وذلك مثل ما أحل للناس وحرم وما حكم به بين الناس بالبينة فعلى الظاهر حكم به قال: فما يدل على ذلك. قلت: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة زوج النبي  أن النبي  قال:  إنما أنا بشر وأنكم تختصمون إلى فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار  قال الشافعي رحمه الله تعالى قلت له: فقد أعلم رسول الله صلى الله عليه 
 

صفحة : 2426

 وسلم الناس أنه إنما يقضي بينهم بما يظهر له وأن الله ولي ما غاب عنه وليستن به المسلمون فيحكموا على ما يظهر لهم لأن أحدا بعده من ولاة المسلمين لا يعرف صدق الشاهد أبدا إنما يحكم على الظاهر وقد يمكن في الشهود الكذب والغلط ولو كان القضاء لا يكون إلا من جهة الوحي لم يكن أحد يقضي بعد النبي  لأن أحدا لا يعرف الباطن بعد رسول الله . فقال: إذا حلفتم الحر مع شاهده فكيف أحلفتم المملوك والكافر الذي لا شهادة له قلت: أرأيت الحر العدل إذا شهد لنفسه أتجوز شهادته قال: لا قلت: ولو جازت شهادته أحلف على شهادته قال: لا قلت: فكيف توهمت أنا جعلناه شاهدا لنفسه قال: لأنكم أعطيتموه بيمينه فقامت مقام شاهد فقلت له: أعطيناه بما قضى به رسول الله  وهي وإن أعطى بها كما يعطى بشاهد فليس معناها معنى الشهادة قال: وهل تجد على ما تقول دلالة. قلت: نعم إن شاء الله تعالى قلت له: أرأيت إن ادعي عليه حق فجاء بشاهدين يشهدان له بالبراءة مما ادعي عليه أيبرأ قال: نعم قلت: فإن حلف ولا بينة عليه أيبرأ قال: نعم قلت: أفتقوم يمينه ببراءته مما ادعى عليه مقام شاهدين قال: نعم في هذا الموضع قلت: أفيمينه شاهدان قال: لا وهما إن اجتمعا في معنى فقد يفترقان في غيره لأنه لو حلف فأبرأته ثم جاء طالب الحق بشاهدين أبطلت يمينه وأخذت لصاحب الحق حقه بشهادته قلنا: فهكذا قلنا في اليمين وإن أعطينا بها كما أعطينا بشاهد فليست كالشاهد في كل أمرها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وقلت له: أرأيت لو قال لك قائل: قال النبي   اليمين على المدعى عليه في زمان أهله أهل عدل وإسلام والناس اليوم ليسوا كذلك ولا أحلف من ادعى عليه من مشرك ولا مسلم غير عدل قال: ليس ذلك له وإذا قال النبي  شيئا فهو عام قلنا: وكذلك اليمين مع الشاهد لما قضى بها رسول الله  لطالب الحق كان الحر العدل وغيره سواء فيها والعبد والكافر كما يكونون سواء فيما يقع عليهم من الأيمان فيكون خير الناس لو كان يعرف إذا ادعى عليه يحلف فيبرأ والكافر أيضا كذلك فكذلك يحلفان ويأخذان. وقلت له: أرأيت أهل محلة وجد بين أظهرهم قتيل فأقام وليه شاهدين أنهم قتلوه خطأ. قال: فالدية عليهم قلت: فلو لم يقم شاهدين أتحلفهم وتعطيهم الدية قال: نعم كما نعطيهم إذا أتى بشاهدين قلت: فأيمانهم بالبراءة من دمه إذا لم يكن له شاهدان كشاهدين لو شهدا عليهم بقتله 
 

صفحة : 2427

 فقال: لا فقلت له: ولم وقد أعطيت بها كما أعطيت بالشاهدين قال: إنما أعطيت بالأثر قلت: ولا يلزمك ههنا حجة. قال: لا قلنا: فنحن أعطينا بالسنة التي هي أولى من الأثر فكيف زعمت أن الحجة لزمتنا قلت. له: فأيمان أهل المحلة وهم مشركون كأيمانهم لو كانوا مسلمين قال: نعم قلت: ولو ادعى رجل على رجل حقا فنكل عن اليمين أتعطي المدعي حقه قال: نعم قلت: أفنكوله كشاهدين لو شهدا عليه قال: لا قلت: فقد أعطيته بنكوله كما تعطي منه بشاهدين. قال: فإن النبي  قال:  البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه  قلنا: هذا روي عن ابن عباس عن النبي  ورواه عمرو بن شعيب عن النبي  وثبته وثبتناه برواية ابن عباس خاصة. وروى ابن عباس عن النبي  أنه قضى باليمين مع الشاهد وروى ذلك عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي  وروى ذلك أبو هريرة وسعد بن عبادة وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز عن النبي  فرددته وهو أكثر وأثبت وثبتنا وثبت معنا الذي هو دونه وقلت له: أرأيت إذ حكم الله عز وجل في الزنا بأربعة شهود وجاءت بذلك السنة وقال الله عز وجل:  شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان  أما صار أهل العلم إلى إجازة أربعة في الزنا واثنين في غير الزنا ولم يقولوا إن واحدا منهما نسخ الآخر ولا خالفه وأمضوا كل واحد منهما على ما جاء فيه. قال: بلى. قلت: فإذا أجاز أهل العلم شهادة النساء وحدهن في عيوب النساء وغيرها من أمر النساء بلا كتاب مضى فيه ولا سنة أيجوز أن يقال إذا حد الله الشهادات فجعل أقلها شاهدا وامرأتين فلا تجوز شهادة النساء لا رجل معهن ومن أجازها خالف القرآن والسنة إذا كان أقل ما روي عن النبي  شاهد ويمين قال: لا يجوز إذا لم يحظر القرآن لا يجوز أقل من شاهد وامرأتين نصا ولم تحظر ذلك السنة والمسلمون أعلم بمعنى القرآن والسنة. قلمت: والسنة عن النبي  ألزم أو ما قالت الفقهاء عن رجل من أصحاب النبي قال: بل السنة قلت: فلم رددت السنة في اليمين مع الشاهد وتأولت القرآن ولم ترد أثرا بأقل من شاهد ويمين فتأولت عليه القرآن. قال: ولو ثبتت السنة لم أردها وكانت السنة دليلا على القرآن. قلت: فإن عارضك أحد بمثل ما عارضت به فقال: لا يثبت عن علي رضي الله عنه أنه أجاز شهادة القابلة ولا عن عمر أنه حكم بالقسامة قال: إذا رواه الثقات فليس له هذا قلت: فمن روى 
 

صفحة : 2428

 اليمين مع الشاهد عن رسول الله  أوثق وأعرف ممن روى عن عمر وعلي ما رويت أفترد القوي وتأخذ بأضعف منه وقلت له: لا يعدو الحكم بالشاهدين أن يكون محرما أن يجوز أقل منه فأنت تجيزه أو لا يكون محرما ذلك فأنت مخطىء بقولك إنه محرم أن يجوز أقل منه وقد بينا بعض ذلك في مواضعه وسكتنا عن كثير لعله أن يكون أكثر مما بينا اكتفاء بما بينا عما لم نبين وإن الحجة لتقوم بأقل مما بينا والله تعالى أعلم. 

المدعي والمدعى عليه 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال: فما تقول في البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه أهي عامة قلت: لا ولكنها خاصة على بعض الأشياء دون بعض. قال: فإني أقول: إنها عامة. قلت: حتى يبطل بها جميع ما خالفتنا عليه. قال: فإن قلت ذلك قلت: إذا تترك عامة ما في يدك. قال: وأين قلت فما البينة التي أمرت أن لا تعطى بأقل منها قال: بشاهدين أو شاهد وامرأتين. قلت: فما تقول في مولى لي وجدته قتيلا في محلة فلم أقم بينة على أحد منهم بعينه أنه قتله قال: نحلف منهم خمسين رجلا خمسين يمينا ثم نقضي بالدية عليهم وعلى عواقلهم في ثلاث سنين. قلت: فقالوا لك: زعمت أن كتاب الله يحرم أن يعطى بأقل من شاهدين أو شاهد وامرأتين وزعمت أن سنة رسول الله  تحرم أن يعطى مدع إلا بالبينة وهي شاهدان عدلان أو شاهد وامرأتان وزعمت أن سنة رسول الله  تدل على أن اليمين براءة لمن حلف فكيف أعطيت بلا شاهد وأحلفتنا ولم تبرئنا فخالفت في جملة قولك الكتاب والسنة قال: لم أخالفهما وهذا عن عمر بن الخطاب. 
قلت: أرأيت لو كان ثابتا عن عمر لكان هذا الحكم مخالفا للكتاب والسنة وما قال عمر من أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه قال: لا لأن عمر أعلم بالكتاب والسنة ومعنى ما قال. قلت: أفدلك هذا الحكم خاصة على أن دعواك أن الكتاب يحرم أن يعطى أحد بأقل من شاهدين وأن السنة تحرم أن يحول حكم عن أن يعطى فيه بأقل من شاهدين أو يحلف فيه أحد ثم لا يبرأ ليس بعام على جمع الأشياء كما قلت. قال: نعم ليس بعام ولكني إنما أخرجت هذا من جملة الكتاب والسنة بالخبر عن عمر. قلت: أفرأيتنا قلنا باليمين مع الشاهد بآرائنا أو بالخبر عن رسول الله  وذلك ألزم لنا ولك من الخبر عن غير رسول الله  وقلت: أرأيت إن قال لك أهل المحلة إنما قال النبي : 
 

صفحة : 2429

  البينة على المدعي  فلم لا تكلف هذا بينة وقال: اليمين على المدعى عليه وقال ذلك عمر أفمدعى علينا قال: كأنكم. قلنا: وكأنكم ظن أو يقين هذا ولي القتيل لا يزعم أنا قتلناه وقد يمكن أن يكون غيرنا قتله وطرحه علينا فكيف أحلفتنا ولسنا مدعى علينا قلنا: فأجعلكم كالمدعى عليهم. قلنا: فقالوا: ولم تجعلنا وولي الدم لا يدعي علينا وإذا جعلتنا أفبعضنا مدعى عليه أو كلنا فقال: بل كلكم. فقلنا: فقالوا: فأحلفنا كلنا فلعل فينا من يقر فتسقط الغرامة عنا وتلزمه. قال: فلا أحلفكم كلكم إذا جاوزتم خمسين. قلنا: فقالوا: لو ادعى علينا درهما أتحلفنا كلنا تال: نعم. قلنا: فقالوا: فأنت تظلم ولي القتيل إذا لم تحلف كلنا وكلنا مدعى علينا وتظلمنا إذا أحلفتنا ولسنا مدعى علينا وتخص بالظلم خيارنا ولا تقتصر على يمين واحدة على إنسان لو كنا اثنين أحلفت كل واحد منا خمسة وعشرين يمينا أو واحدا أحلفته خمسين يمينا وإنما الأيمان على كل من حلف من كان فيما سوى هذا عندك وإن عظم يمين واحدة وتحلفنا وتغرمنا فكيف جاز هذا لك فال: رويت هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. 
قلت: فقالوا لك: فإذا رويت أنت الشيء عن عمر ألا تتهم المخبرين عنه وتتركه بأن ظاهر الكتاب يخالفه والسنة وما جاء عنه قال: لا يجوز لي أن أزعم أن الكتاب ولا السنة ولا قوله يخالفه ولكني أقول الكتاب على خاص والسنة وقوله كذلك. قلت: فإن قيل: إنه غلط من رواه عن عمر لأن عمر لا يخالف ظاهر الكتاب والسنة وقوله هو نفسه البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه. قال: لا يجوز أن أتهم من أثق به ولكني أقول: إن الكتاب والسنة وقول عمر على خاص وهذا كما جاء فيما جاء فيه وأستعمل الأخبار إذا وجدت إلى استعمالها سبيلا ولا أبطل بعضها ببعض. قلت: فلم إذا قلنا باليمين مع الشاهد زعمت أن الكتاب والسنة عام ثم قلت الآن خاص ولم تجز لنا ما أجزت لنفسك. وقلت له: أرأيت إن قال لك: أهذا الحديث ثابت عن عمر قال: نعم هو ثابت. فقلت: فقال لك فقلت به على ما قضى به عمر ولم تلتفت إلى شيء إن خالفه في أصل الجملة وقلدت عمر فيه. قال: نعم وهو ثابت. فقلت له: فقال لك: خالفت الحديث عن عمر فيه فال: وأين قلت: أخبرنا سفيان بن عيينة عن منصور عن الشعبي أن عمر رضي الله تعالى عنه كتب في قتيل وجد بين خيران ووداعة أن يقاس ما بين القريتين فإلى أيهما كان أقرب أخرج إليه منها خمسون رجلا حتى يوافوه بمكة فأدخلهم الحجر فأحلفهم ثم قضى عليهم بالدية فقالوا: ما وقت أموالنا أيماننا ولا أيماننا 
 

صفحة : 2430

 أموالنا فقال عمر: كذلك الأمر وقال غير سفيان عن عاصم الأحول عن الشعبي قال: قال عمر: حقنتم بأيمانكم دماءكم ولا يبطل دم مسلم قال وهكذا الحديث قلنا: أفللحاكم اليوم أن يرفع قوما من مسيرة اثنين وعشرين ليلة وعندهم حاكم يجوز حكمه. قال: لا ولا من مسيرة ثلاث. قلنا: فقد رفعهم عمر من مسيرة اثنين وعشرين ليلة وعندهم حكام تجوز أحكامهم هم أقرب إليهم من مكة. قلنا: أفللحاكم أن يكتب إلى الحاكم يخرج خمسين رجلا أو إنما ذلك إلى ولي الدم يختار منهم خمسين رجلا قال: بلى إلى ولي الدم. قلنا: فعمر إنما كتب إلى الحاكم برفع خمسين فرفعهم زعمت ولم يجعل رفعهم إلى ولي الدم ولم يأمره بتخيرهم فيرفعهم الحاكم باختيار الولي. قلنا: أو للحاكم أن يحلفهم في الحجر قال: لا وبحلفهم حيث يحكم. قلنا: فعمر لا يحكم في الحجر وقد أحلفهم فيه. قلنا: أو للحاكم لو لم يحلفوا أن يقتلهم قال: لا قلنا: فعمر يخبر أنهم إنما حقنوا دماءهم بأيمانهم وهذا يدل على أنه يقتلهم لو لم يحلفوا. فهذه أحكام أربعة تخالف فيها عمر لا مخالف لعمر فيها من أصحاب رسول الله  أحد علمته خالفه فيها وتقبل عنه حكما يخالف بعض حكم النبي  في القسامة لأن رسول الله  لم يجعل على يهود دية وقد وجد عبد الله بن سهل بينهم أفتأخذ ببعض ما رويت عن عمر وله عن النبي  مخالف وتترك ما رويت عنه مما لا مخالف له عن النبي  ولا عن غيره من أصحابه أربعة أحكام فأي جهل أبين من قولك هذا قال: أفثابت هو عندك قلت: لا إنما رواه الشعبي عن الحارث الأعور والحارث الأعور مجهول ونحن نروي عن رسول الله  بالإسناد الثابت أنه بدأ المدعين فلما لم يحلفوا قال: أفتبرئكم يهود بخمسين يمينا فإذا قال: أفتبرئكم لا يكون عليهم غرامة ولما لم يقبل الأنصاريون أيمانهم وداه النبي  ولم يجعل على اليهود والقتيل بين أظهرهم شيئا ويروى عن عمر أنه بدأ المدعى عليهم ثم ردوا الأيمان على المدعين وهذان جميعا يخالفان ما رويتم عنه. وقلت له: إذ زعمت أن الكتاب يدل على أن لا يقبل أقل من شاهد وامرأتين وأن السنة تدل على أن لا يعطى أحدا إلا ببينة فما تقول في رجل قال لامرأته: ما ولدت هذا الولد مني وإنما استعرتيه ليلحق بي نسبه قال: إن جاءت بامرأة واحدة تشهد بأنها ولدته ألحقته به إلا أن يلاعنها. قلت: وكذلك عيوب النساء والولادة تجيز فيه شهادة امرأة واحدة قال: نعم قلت: فعمن رويت هذا القول قال: عن علي رضي الله تعالى 
 

صفحة : 2431

 عنه بعضه قلت: أفيد لك هذا على أن ما زعمت من أن القرآن يدل على أن لا يقبل أقل من شاهد وامرأتين والسنة ليس كما ادعيت قال: نعم وقد أعطيتك هذا قبل هذا في القسامة ولكن في هذا علة أخرى. قلت: وما هي قال: إن الله عز وجل إنما وضع حدوده على ما يحل فلو أن شاهدين عمدا أن ينظرا إلى فرج امرأة تلد ليشهدا لها بذلك كانا بذلك فاسقين لا تقبل شهادتهما. قلت: فهل في القرآن استثناء إلا ما لا يراه الرجال قال: لا قلت: فقد خالفت في أصل قولك القرآن. قلت: أفرأيت شهود الزنا إذا كانوا يديمون النظر ويرصدون المرأة والرجل يزنيان حتى يثبتوا ذلك يدخل منه دخول المرود في المكحلة فيرون الفرج والدبر والفخذين وغير ذلك من بدنهما إلى ما يحل لهم نظره أم إلى ما يحرم عليهم. قال: بل إلى ما يحرم عليهم. قلت: فكيف أجزت شهادتهم قال: أجازها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قلت: فإن كان عمر بن الخطاب يجيز شهادة من نظر إلى ما يحرم عليه لأنه إنما نظر ليشهد لا ليفسق فكيف زعمت أنك ترد شهادة من نظر إلى ما يحرم عليه ليشهد وفسقته قال: ما أردها. قلت: قد زعمت ذلك أولا فانظر فإن كانت امرأة مسلمة صالحة عند فاسق فقالت: هو ينكر ولدي فيقلدني وولدي عارا وأنت تزعم أن الكتاب والسنة لا يجيزان أقل من شاهد وامرأتين فأجلس شاهدين أو شاهدا وامرأتين من خلف الباب والنساء معي فإذا خرج رأس ولدي كشفني ليروا خروجه مني فيلحق بأبيه فهذا نظر لتثبت به شهادة لي وللمولود وهو من حقوق الناس وأنت تشدد في حقوق الناس وليس هذا بنظر يتلذذ به الشاهدان بل هو نظر يقذرانه ونظر شهود الزنا يجمع أمرين: أنه أطول من نظرهما إلى ولادتي وأعم لعامة البدن وأنه نظر لذة يحرك الشهوة ويدعو إليها فأجز هؤلاء كما أجزت شهادة شهود الزنا واردد شهادة شهود الزنا فهم أولى أن يرعوا إذا كان ذلك يجوز لقولك إن من نظر إلى ما يحرم عليه فهو بذلك فاسق ترد شهادته إذا كان حدا لله عز وجل وأنت تدرأ حد الله بالشبهات وتأمر بالستر على المسلمين. قال: لا أرد هؤلاء لو شهدوا ولا أكلفك هذا ا قلت: فقد خالفت ما قلت أولا من أن الله عز وجل حرم أن يجوز أقل من شاهدين أو شاهد وامرأتين ومما ادعيت في السنة وما احتججت به من أن هذا محرم على الناس أن يشهدوا فيه وقلت: أرأيت استهلال المولود لم تقبل عليه شهادة امرأة والرجال يرونه. قال: قبلتها على ما قلت أولا قلت: أفلا تدع ذلك بما ادعيت في الكتاب والسنة قال: لا يخالف الكتاب. قلت: فالكتاب والسنة بهذا وبالقتيل 
 

صفحة : 2432

 يوجد في المحلة خاص قال: نعم. قلت: لا تحتج بأنه عام مرة وتقول أخرى: هو خاص. وقلت له: أرأيت الرجل والمرأة يتداعيان متاع البيت لم لم تحكم فيه بأن تجعله للذي له البيت أو للمرأة لأنها ألزم للبيت وتجعل الزوج مدعيا أو المرأة وتكلف أيهما جعلت مدعيا البينة أو تجعله في أيديهما فتقسمه بينهما وبهذا نقول نحن فنقسمه بينهما وأنت تخالف هذا فتعطيها على غير بينة ولا معنى لكينونة الشيء في أيديهما فتجعل متاع الرجال للرجال ومتاع النساء للنساء وما يصلح لهما معا بينهما وقد يملك الرجل متاع النساء والمرأة متاع الرجال أو رأيت الرجلين يتداعيان الجدار معا لم لم تجعله بينهما وكذلك نقول نحن ولم جعلته لمن يليه معاقد القمط وأنصاف اللبن فتقول هذا كالدلالة على أن من يليه معاقد القمط وأنصاف اللبن مالك للجدار وقد يبني الرجل الجدار بناء مختلفا وقد يكونان اقتسما المنزل فلم يعتدل القسم إلا بأن يجعلا هذا الجدار لمن ليس إليه معاقد القمط وأنصاف اللبن ويكون أحدهما اشتراه هكذا. أو رأيت الرجل يتكارى من رجل بيتا فيختلفان في رفاف البيت والرفاف بناء فلم لم تجعل البناء لصاحب البيت وكذلك نقول زعمت أنت أن الرفاف إن كانت ثابتة في الجدار فهي لصاحب البيت وإن كانت ملتصقة فهي للساكن. وقد يبني صاحب البيت رفافا ملتصقة ويبني الساكن رفافا فيحفر لها في الجدار فتصير فيه ثابتة وأعطيت في هذا كله بلا بينة واستعملت فيه أضعف الدلالة ولم تعتمد فيه على أثر ثابت ولا إجماع من الناس ثم لم تنسب نفسك إلى خلاف كتاب الله ولا سنة ولا قياس وإن كان قول الله عز وجل فيه:  واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان  محرما أن يعطى أحد بأقل من هذا فقد أعطيته بأقل من هذا وخالفته بلا عذر وخالفت ما ادعيت من أن السنة دلت على أن لا يعطى أحد إلا ببينة فيه وفي غيره مما هذا كاف منه ومبين عليك تركك قولك فيه. قال: فإنه بلغني أن رسول الله  قال:  ما جاءكم عني فاعرضوه على القرآن فإن وافقه فأنا قلته وإن خالفه فلم أقله  فقلت له فهذا غير معروف عندنا عن رسول الله  والمعروف عن رسول الله  عندنا خلاف هذا وليس يعرف ما أراد خاصا وعاما وفرضا وأدبا وناسخا ومنسوخا إلا بسنته  فيما أمره الله عز وجل به فيكون الكتاب بحكم الفرض والسنة تبينه قال: وما دل على ذلك. قلت. قول الله عز وجل:  وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا  فقد بين الله عز وجل أن 
 

صفحة : 2433

 الرسول قد يسن وفرض الله على الناس طاعته. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة قال: حدثني سالم أبو النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال: قال رسول الله :  لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما نهيت عنه أو أمرت به فيقول ما ندري ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه  . قال الشافعي رحمه الله تعالى: وقلت له: لو كان هذا الحديث الذي احتججت به ثابتا كنت قد تركته فيما وصفنا وفيما سنصف بعض ما يحضرنا منه إن شاء الله تعالى. وقال لي بعض من يخالفنا في اليمين مع الشاهد قال الله عز وجل:  ذوي عدل منكم  وقال:  شهيدين من رجالكم  فكيف أجزتم أقل من هذا فقلت له: لما لم يكن في التنزيل أن لا يجوز أقل من شاهدين وكان التنزيل محتملا أن يكون الشاهدان تامين في غير الزنا ويؤخذ بهما الحق لطالبه ولا يمين عليه ثم وجدت رسول الله  يجيز اليمين مع الشاهد لصاحب الحق ويأخذ حقه ووجدت المسلمين يجيزون شهادة أقل من شاهدين ويعطون بها دلت السنة وعمل المسلمين على أن قول الله عز وجل:  شهيدين من رجالكم  ليس محرما أن يجوز أقل منه والله تعالى أعلم ونحن نسألك فإن قلت بمثل قولنا لزمك أن ترجع إلى اليمين مع الشاهد وإن خالفته لزمك أن تترك عامة قولك وأن تبين لك أن ما قلت من هذا ونحلتنا على غير ما قلت وأنك أولى بما نحلتنا من الخطأ في القرآن منا قال: فسل فقلت: جد لي كل حكم في  شهيدين من رجالكم  قال: أن يجوز. فيؤخذ به الحق بغير يمين من الطالب قلت: وماذا قال وفيه تحريم أن يؤخذ الحق بأقل منه. قلت: وما الشاهدان من رجالنا. 
قال: حران مسلمان عدلان. قلت له: فالاثنان ذوي عدل كما وصفت يجوزان ومحرم أن يجوز إلا ما زعمت ووصفت أنهم شرطوا في الكتاب قال: نعم قلت: فلم أجزت أهل الذمة فيما بينهم والآيتان بينتان أنهما في المؤمنين. وإنما قلت في الأحرار المؤمنين خاصة بتأول ونحن بالآيتين لا نجيز شهادة أهل الذمة فيما بينهم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فرجع بعضهم إلى قولنا فقال: لا تجوز شهادة أهل الذمة. وقال: القرآن يدل على ما قلتم وأقام أكثرهم على إجازتها فقلت له: لو لم يكن عليكم حجة فيما ادعيتم في الآيتين إلا إجازة شهادة أهل الذمة كنتم محجوجين ليس لكم أن تتأولوا على أحد ما قلتم لأنكم خالفتموه وكنتم أولى بخلاف ظاهر ما تأولتم من غيركم. قال: فإنما أجزنا شهادة أهل الذمة بآية أخرى قلنا: وما هي قال: قول الله 
 

صفحة : 2434

 عز وجل:  حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم  فقلت له: أناسخة هذه الآية عندك ل  شهيدين من رجالكم  أو منسوخة بها قال: ليست بناسخة ولا منسوخة ولكن كل فيما نزل فيه: قلت: فقولك إذا لا يجوز إلا الأحرار المسلمون ليس كما قلت قال: فأنت تقول بهذا قلت: لست أقول به بل سمعت من أرضى يقول فيه غير ما قلت قال: فإنا نقول هي في المشركين فقلت: فقل: هي في جماعة المشركين أهل الأوثان وغيرهم لأن كلهم مشرك وأجز شهادة بعضهم لبعض قال: لا قلت: فمن قال هي في أهل الكتاب خاصة. أرأيت إن قال قائل: أجيز شهادة أهل الأوثان دون أهل الكتاب لأن أهل الأوثان لم يبدلوا كتابا إنما وجدوا آباءهم على ضلال فتبعوهم وأهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله عز وجل وكتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا: هذا من عند الله. فلما بان لنا أن أهل الكتاب عمدوا الكذب على الله لم تكن شهادتهم جائزة فأخبرنا الله عز وجل أنهم كذبة وإذ كنا نبطل الشهادة بالكذب على الآدميين كانوا هم أولى فماذا تقول له ما أعلمه إلا أحسن مذهبا وأقوى حجة منك. قلت له: أفتجيز شهادة أهل الذمة على وصية مسلم اليوم كما زعمت أنها في القرآن قال: لا قلت: ولم قال هي منسوخة قلت: بماذا قال بقوله  ذوي عدل منكم  قلت: وما نسخ لم يعلم به وعمل بالذي نسخه. قال: نعم قلت: فقد زعمت بلسانك أنك خالفت القرآن إذ زعمت أن الله شرط أن لا يجوز إلا مسلم وأجزت كافرا وإذا نسخت فيما زعمت أنها نزلت فيه أفتثبت في غير ما نزلت فيه. 
قال: لا قلت: فما الحجة في إجازة شهادة أهل الذمة قال:  إن شريحا أجازها فقلت له: أنت تزعم أنها منسوخة بقول الله عز وجل  ذوي عدل منكم  أو  شهيدين من رجالكم  يعني المؤمنين ثم تخالف هذا قال: فإن شريحا أعلم مني: قلت: فلا تقل هي منسوخة إذا. قال: فهل يخالف شريحا غيره قلت: نعم سعيد بن المسيب وابن حزم وغيرهما. وفي كتاب الله الحجة التي هي أقوى من هذا. وقلت له: تخالف أنت شريحا فيما ليس فيه كتاب ولا له فيه مخالف مثله. قال: إني لأفعل. قلت له: وكيف تحتج به على الكتاب وعلى ما له فيه مخالف وأنت تدع قوله لرأي نفسك. فقال: أجزت شهادتهم للرفق بهم لئلا تبطل حقوقهم إن لم نجز شهادتهم بينهم. فقلت له: نحن لم نبطل حقوقهم فيما بينهم فهم حكام لم يزالوا يتراضون بهم لا ندخل في أمرهم فإن أرادوا دخولنا في أحكامهم لم ندخل إلا بما أمرنا الله تعالى به من إجازة شهادة من أمرنا من المسلمين. وقلت له: أرأيت إذا اعتللت بالرفق بهم لئلا تبطل حقوقهم فالرفق بالمسلمين 
 

صفحة : 2435

 أوجب أو الرفق بهم قال: بل الرفق بالمسلمين. قلت له: ما تقول في عبيد عدول مأمونين كانوا بموضع في صناعة أو على حفظ مال فشهد بعضهم لبعض في دم أو مال قال: لا تجوز شهادتهم قلت: فما تقول في أهل البحر والأعراب الأحرار المسلمين لا يخالطهم غيرهم إذا لم نجد من يعدلهم من أهل العدل فشهد بعضهم لبعض في دم أو مال قال: لا تجوز شهادتهم قلت: فإذا لم تجزها بطلت حقوقهم بينهم. قال: وإن بطلت فأنا لم أبطلها وإنما أمرت بأخذ الحق بالعدول الأحرار فإذا كانوا عدولا غير أحرار فقد نقصوا أحد الشرطين أو كانوا أحرارا لا يعرف عدلهم فقد نقصوا أحد الشرطين. قلت: والشرط الثالث مؤمنين. قال: نعم. قلت: فقد نقص أهل الكتاب أعظم الشروط الإيمان وأجزت شهادتهم ونقص العبيد والأحرار أقل الشروط فرددت شهادتهم وفيهم شرطان ولم إذا اعتللت بالرفق بهم لم ترفق بالمسلمين فتجيز شهادة بعضهم على بعض فالعبيد العدول لو عتق أحدهم اليوم جازت شهادته وأهل الذمة لو أسلموا لم تقبل شهادتهم حتى نختبر إسلامهم بعد مدة تطول والمسلمون أولى بأن نرفق بهم ونحتاط لهم في أن لا نبطل حقوقهم من المشركين. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فما زاد على أن قال هكذا قال أصحابنا. وقلت: أرأيت قول الله تبارك وتعالى  إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين  أليس بين في كتاب الله عز وجل بأن فرض غسل القدمين أو مسحهما قال بلى: قلت لم مسحت على الخفين ومن أصحاب رسول الله  والناس إلى اليوم من ترك المسح على الخفين ويعنف من مسح قال: ليس في رد من رده حجة وإذا ثبت عن النبي  شيء لم يضره من خالفه. وقلت: ونعمل به وهو مختلف فيه كما نعمل به لو كان متفقا عليه ولا نعرضه على القرآن قال: لا بل سنة رسول الله  تدل على معنى ما أراد الله عز وجل. قلنا: فلم لا تقول بهذا في اليمين مع الشاهد وغيره مما تخالف فيه الحديث وتريد إبطال الحديث الثابت بالتأويل وبأن تقول الحديث يخالف ظاهر القرآن وقلت له: قال الله عز وجل:  والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما  وقال الله عز وجل:  الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة  وقال بعض الخوارج بمثل معنى قولك في اليمين مع الشاهد: يقطع كل من لزمه اسم سرقة قلت سرقته أو كثرت ويجلد كل من لزمه اسم الزنا مملوكا كان أو حرا محصنا أو غير محصن. وزعمت أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه جلد الزاني ورجمه فلم 
 

صفحة : 2436

 رغبت عن هذا قال: جاء عن النبي  ما يدل على أن لا يقطع إلا من سرق من حرز ومن بلغت سرقته شيئا موقتا دون غيره ورجم ماعزأ ولم يجلده ورسول الله  أعلم بمعنى ما أراد الله عز ذكره. قلت له: وهل جاء هذا عن النبي  إلا بحديث كحديث اليمين مع الشاهد فما استطاع دفع ذلك وذكرت له أمر المواريث كلها وما ورث الله الولد والوالد والإخوة والأخوات والزوجة والزوج. فقلت له: فلم قلت: إذا كان الأب كافرا أو مملوكا أو قاتلا عمدا أو خطأ لم يرث واحد من هؤلاء قال: جاء عن النبي :  لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم  قلت: فهل روي عن معاذ بن جبل ومعاوية وسعيد بن المسيب ومحمد بن علي بن حسين أنهم قالوا: يرث المسلم الكافر وقال بعضهم: كما تحل لنا نساؤهم ولا يرث الكافر المسلم كما لا تحل لهم نساؤنا فلم لم تقل به قال ليس في أحد مع النبي  حجة وحديث النبي  يقطع هذا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: قلنا: وإن قال لك قائل: هؤلاء أعلم بحديث رسول الله  ولعله أراد بعض الكافرين دون بعض. قال: مخرج القول من النبي  عام فهو على العموم ولا نزعم أن وجها لتفسير قول النبي  قول غيره ثم قول من لم يحتمل ذلك الحديث المفسر وقد يكون لم يسمعه. قلنا هذا كما قلت الآن فكيف زعمت أن المرتد يرثه ورثته من المسلمين قال: بقول علي رضي الله تعالى عنه قلنا: فقد قلنا لك إن احتج عليك بقول معاذ وغيره فقلت: ليس فيه حجة فإن لم تكن فليست في حجتك بقول علي رضي الله تعالى عنه حجة وإن كانت فيه حجة فقد خالفتها مع أن هذا غير ثابت عن علي عند أهل العلم منكم. وقلت له حديث اليمين مع الشاهد أثبت عن رسول الله  من حديث  لا يرث المسلم الكافر  فثبته ورددت قضاء النبي  باليمين وهو أصح منه. وقلت له في الحديث عن النبي :  لا يرث قاتل من قتل  حديث يرويه عمرو بن شعيب مرسلا وعمرو بن شعيب يروي مسندا عن النبي  أنه قال:  يرث قاتل الخطأ من المال ولا يرث من الدية ولا يرث قاتل العمد من مال ولا دية  وترد حديثه وتضعفه ثم نحتج من حديثه بأضعف مما احتججت به. وقلت له: قد قال الله عز ذكره:  فإن كان له إخوة فلأمه السدس  وكان ابن عباس لا يحجبها عن الثلث إلا بثلاثة إخوة وهذا الظاهر وحجبتها بأخوين وخالفت 
 

صفحة : 2437

 ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومعه ظاهر القرآن. قال: قاله عثمان رضي الله تعالى عنه وقال: توارث عليه الناس قلنا: فإن قيل لك: فاترك ما توارثوا عليه إلى ظاهر القرآن قال: فقال: عثمان أعلم بالقرآن منا وقلنا: ابن عباس أيضا أعلم منا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى:  ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين  فقلت لبعض من يخالفنا في اليمين مع الشاهد: إنما ذكر الله عز وجل المواريث بعد الوصية والدين فلم تختلف الناس في أن المواريث لا تكون حتى يقضى جميع الدين وإن أتى ذلك على المال كله أفرأيت إن قال لنا ولك قائل: الوصية مذكورة مع الدين فكيف زعمت أن الميراث يكون قبل أن ينفذ شيء من جميع الوصية وأقتصرت بها على الثلث هل الحجة عليه إلا أن يقال الوصيه وأن كانت مذكورة بغير توقيت فإن اسم الوصية يقع على القليل والكثير فلما احتملت الآية أن يكون يراد بها خاص وإن كان مخرجها عاما استدللنا على ما أريد بالوصية بالخبر عن رسول الله  المبين عن الله عز وجل معنى ما أراد الله عز وجل قال: ما له جواب إلا هذا. قلت: فإن قال لنا ولك قائل: ما الخبر الذي دل على هذا قال: قول رسول الله  لسعد:  الثلث والثلث كثير  قلنا: فإن قال لك: هذه مشورة ليست بحكم ولا أمر أن لا يتعدى الثلث وقد قال غير واحد: الخمس أحب إلي في الوصية من غير أن يقول لا تعدوا الخمس ما الحجة عليه قال: حديث عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند الموت فأقرع رسول الله  بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة قلنا: فقال لك: فدلك هذا على أن العتق وصية وأن الوصية مرجوعة إلى الثلث. قال: نعم أبين الدلالة. قلنا: فقال لك: أفثابت هذا عن النبي  حتى دلك على أن الوصية في القرآن على خاص قال: نعم: قلنا: فقال لك: نوهيه بأن مخرج الوصية كمخرج المدين وقد قلت في الدين عام قال: لا والسنة تدل على معنى الكتاب قلت: فأي حجة على أحد أبين من أن تكون تزعم أن سنة رسول الله  الدالة على معنى كتاب الله أن أقرع بين مماليك أعتقهم ست فأعتق اثنين وأرق أربعة ثم خالفت ما زعمت أن سنة رسول الله  مبينة فرق بها بين الوصية والدين ومخرج الكلام فيهما واحد فزعمت أن هؤلاء الرقيق كلهم يعتقون 
 

صفحة : 2438

 ويسعى كل واحد منهم في خمسة أسداس قيمته. قال: إني إنما قلته بأن النبي  قضى في عبد أعتق ثلثه ويسعى في ثلثي قيمته. قلنا: هذا حديث غير ثابت ولو كان ثابتا لم يكن فيه حجة قال: ومن أين قلت: أرأيت المعتق ستة أليس معتق ماله ومال غيره فأنفذ ماله ورد مال غيره  قال: بلى قلت: فكانت الستة يتجزؤون والحق فيما يتجزأ إذا اشترك فيه قسم فأعطي كل من له حق نصيبه قال: نعم قلت: فإذا كان فيما لا يتجزأ لم يقسم مثل العبد الواحد والسيف قال: نعم. قلت: فالعبيد يتجزؤون فجزأهم رسول الله  أفترد الخبر عن رسول الله  إلى خبر لا يخالفه في كل حال أم تمضي كل وأحد منهما كما جاء قال: بل أمضي كل واحد منهما كما جاء. قلت: فلم لم تفعل في حديث عمران بن حصين حين رددته على ما يخالفه لأن ما يتجزأ يخالف في الحكم ما لا يتجزأ ولو جاز أن يكونا مختلفين فنطرح أحدهما للآخر طرح الضعيف للقوي وحديث الاستسعاء ضعيف ولو جاز أن يكون حديث عمران بن حصين في القرعة منسوخا أو غير ثابت لم يكن لنا ولك في الاقتصار بالوصايا على الثلث حجة ولا على قوم خالفوه في معنى آخر من هذا الحديث. قال: وما قالوا. قلنا: قالوا: قال الله عز وجل:  إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك  وقال: في جميع المواريث مثل هذا المعنى فإنما ملك الله الأحياء ما كان يملك غيرهم بالميراث بعد موت غيرهم فأما ما كان مالك المال حيا فهو مالك ماله وسواء كان مريضا أو صحيحا لأنه لا يخلو مال من أن يكون له مالك وهذا مالك لا غيره فإذا أعتق جميع ما يملك أو وهب جميع ما يملك عتق بتات أو هبة بتات جاز العتق والهبة وإن مات لأنه في الحال التي أعتق فيها ووهب مالك. قال: ليس له من ذلك إلا الثلث. 
قلنا: فقال لك: ما دلك على هذا قال: حديث النبي  في رجل أعتق ستة مملوكين لا مال له غيرهم فأقرع النبي  بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة قلنا: فإن قال لك: إن كان الحديث معارضا بخلافه فلا يجوز أن يكون حكم الحديث عندك إلا أن يكون ضعيفا بالمعارض له وما كان ضعيفا عندك من الحديث فهو متروك لأن الشاهد إذا ضعف في الشهادة لم يحكم بشهادته التي ضعف فيها وكان معناه معنى من لم يشهد والحديث عندك في ذلك المعنى أو يكون منسوخا فالمنسوخ كما لم يكن. قال: ما هو يضعف ولا منسوخ قلنا: فإن قال لك: فكيف جاز لك تركه في نفس ما حكم به فيه ولا يجوز لك تركه 
 

صفحة : 2439

 كله قال: ما تركته كله قلنا: مال: هو لفظ واحد وحكم واحد وتركك بعضه كتركك كله مع أنك تركت جميع ظاهر معانيه وأخذت بمعنى واحد بدلالة. أو رأيت لو جاز لك أن تبعضه فتأخذ منه بشيء وتترك شيئا وأخذ رجل بالقرعة التي تركت وترك أن يرد ما صنع المريض في ماله إلى الثلث بالحجة التي وصفت أما كان هذا أولى أن يكون ذهب إلى شبهة من القرآن والقياس منك قال: وأين القياس. قلت: أنت تقول: ما أقر به لأجنبي في ماله ولو أحاطه بماله جاز وما أتلف من ماله بعتق أو غيره ثم صح لم يرد لأنه أتلفه وهو مالك ولو أتلفه وهو غير مالك لم يجز له به. وقلت له: أرأيت حين نهى النبي  عن بيع ما ليس عندك وأذن بالسلف إلى أجل مسمى أليس هو بيع ما ليس عندك. قال: بلى قلت: فإن قال قائل: فهذان مختلفان عندك قال: فإذا اختلفا في الجملة ووجدت لكل واحد منهما مخرجا ثبتهما جميعا وكان ذلك عندك أولى بي من أن أطرح أحدهما بالآخر فيكون لغيري أن يطرح الذي ثبت ويثبت الذي طرحت. فقلت: نهى النبي  عن بيع ما ليس عندك على بيع العين لا يملكها وبيع العين بلا ضمان. قال: نعم قلت: والسلف وإن كان ليس عندك أليس ببيع مضمون عليك فأنفذت كل واحد منهما ولم تطرحه بالآخر قال: نعم. قلت: فلزمك هذا في حديث عمران بن حصين أو لا يكون مثل هذا حجة لك. قلت: أرأيت إن قال قائل: قال الله تبارك وتعالى:  حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن  ثم قال:  كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم  فقال: قد سمى الله من حرم ثم أحل ما وراءهن فلا أزعم أن ما سوى هؤلاء حرام فلا بأس أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها لأن كل واحدة منهما تحل على الانفراد ولا أجد في الكتاب تحريم الجمع بينهما. قال: ليس ذلك له والجمع بينهما حرام لأن النبي  نهى عنه قلنا: فإن قال لك: أفتثبت نهي النبي  بخبر أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وحده عن الجمع بينهما وفي ظاهر الكتاب عندك إباحته ولا توهنه بظاهر الكتاب قال: فإن الناس قد أجمعوا عليه. قلنا: فإذا كان الناس أجمعوا على خبر الواحد بتصديق المخبر عنه ولا يحتجون عليه بمثل ما تحتجون به ويتبعون فيه أمر رسول الله  ثم جاء خبر آخر أقوى منه فكيف جاز لك أن تخالفه 
 

صفحة : 2440

 وكيف جاز لك أن تثبت ما اختلفوا فيه مما وصفنا بالخبر عن النبي  مرة وتعيب علينا أن ثبتنا ما هو أقوى منه وقلت لبعض من يقول هذا القول: قد قال الله عز وجل:  كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف  فإن قال لك قائل: تجوز الوصية لوارث. قال: روي عن النبي  قلنا: فالحديث لا تجوز الوصية لوارث أثبت أم حديث اليمين مع الشاهد قال: بل حديث اليمين مع الشاهد ولكن الناس لا يختلفون في أن الوصية لوارث منسوخة. قلنا: أليس بخبر قال: بلى. قلت: فإذا كان الناس يجتمعون على قبول الخبر ثم جاء خبر عن النبي  أقوى منه لم يجز لأحد خلافه. قلنا: أرأيت إن قال لك قائل: لا تجوز الوصية إلا لذي قرابة فقد قاله طاوس قال: العتق وصية قد أجازها النبي  في حديث عمران للمماليك قال ولا قرابة لهم. قلنا: أفتحتج بحديث عمران مرة وتتركه أخرى وقلت له: نصير بك إلى ما ليس فيه سنة لرسول الله  حتى نوجدك تخرج من جميع ما احتججت به وتخالف فيه ظاهر الكتاب عندك. قال: وأين قلت: قال الله عز وجل:  إن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم  وقال الله عز وجل:  ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها  فلم زعمت أنه إذا أغلق بابا أو أرخى سترا وهما يتصادقان أنه لم يمسها فلها الصداق كاملا وعليها العدة  وقد أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عباس قال: ليس لها إلا نصف المهر ولا عدة عليها وشريح يقول ذلك وهو ظاهر الكتاب. قال: قاله عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما قلنا: وخالفهما فيه ابن عباس وشريح ومعهما عندك ظاهر الكتاب. قال: هما أعلم بالكتاب منا. قلنا: وابن عباس وشريح عالمان بالكتاب ومعهما عدد من المفتين فكيف قلت بخلاف ظاهر الكتاب في موضع قد نجد المفتين فيه يوافقون ظاهر الكتاب واحتججت في ذلك برجلين من أصحاب النبي عليه السلام وقد يخالفهما غيرهما وأنت تزعم أنك ما تخالف ما جاء عن رسول الله  وتركت الحجة برسول الله  وهو الذي ألزمنا الله طاعته والذي جاء عنه من اليمين مع الشاهد ليس يخالف حكم الكتاب. قال: ومن أين قلنا: قال الله عز وجل:  واستشهدوا شهيدين من 
 

صفحة : 2441

 رجالكم   وأشهدوا ذوي عدل منكم  قال الشافعي فكان هذا محتملا أن يكون دلالة من الله عز وجل ما تتم به الشهادة حتى لا يكون على المدعي يمين لا تحريما أن يجوز أقل منه ولم يكن في التنزيل تحريم أن يجوز أقل منه وإذا وجدنا المسلمين قد يجيزون أقل منه فلا يكون أن يحرم الله أن يجوز أقل منه فيجيزه المسلمون. قال: ولا ننكر أن تكون السنة تبين معنى القرآن. قلنا: فلم عبت علينا السنة في اليمين مع الشاهد وقلت بما هو أضعف منه قال: والأثر أيضا يفسر القرآن قلنا: والأثر أيضا أضعف من السنة قال: نعم. قلت: وكل هذا حجة عليك. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقال لي منهم قائل: إذا نصب الله حكما في كتابه فلا يجوز أن يكون سكت عنه وقد بقي فيه شيء ولا يجوز لأحد أن يحدث فيه ما ليس في القرآن. قال: فقلت: قد نصب الله عز وجل الوضوء فأحدثت فيه المسح على الخفين وليس في القرآن ونصب ما حرم من النساء وأحل ما وراءهن فقلت: لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها وسمى المواريث فقلت فيه: لا يرث قاتل ولا مملوك ولا كافر وإن كانوا ولدا ووالدا وحجبت الأم من الثلث بالأخوين وجعل الله للمطلقة قبل أن تمس نصف المهر ولم يجعل عليها عدة ثم قلت: إن خلا بها وإن لم يمس فلها المهر وعليها العدة فهذا كله عندك خلاف ظاهر القرآن واليمين مع الشاهد لا يخالف من ظاهر القرآن شيئا لأنا نحكم بشاهدين ولا يمين فإذا كان شاهد حكمنا بشاهد ويمين وليس هذا بخلاف لظاهر القرآن. وقلت له: فكيف حكم الله تعالى بين المتلاعنين قال: أن يلتعن الزوج ثم تلتعن المرأة قلت: ليس في القرآن غير ذلك. قال: نعم. 
قلت: فلم نفيت الولد قال: بالسنة قلت: فلم قلت لا يتناكحان ما كانا على اللعان قال: بالأثر. قلت: فلم جلدته إذا أكذب نفسه وألحقت به الولد قال: يقول بعض التابعين قلت: فلم قلت إذا أبت أن تلتعن حبست قال: بقول بعض الفقهاء. قلت: فنسمعك في أحكام منصوصة في القرآن قد أحدثت فيها أشياء ليست منصوصة في القرآن. وقلت لبعض من يقول هذا القول: قد قال الله عز وجل لنبيه :  قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة  الآية وقال في غير آية مثل هذا المعنى فلم زعمت أن كل ذي ناب من السباع حرام وليس هو مما سمى الله منصوصا محرما  قال: قاله رسول الله  فقلت له: ابن شهاب رواه وهو يضعفه ويقول لم أسمعه حتى جئت الشام قال: وإن كان لم يسمعه حتى جاء 
 

صفحة : 2442

 الشام فقد أحاله على ثقة من أهل الشام. قلنا: ولا توهنه بتوهين من رواه وخلافه ظاهر الكتاب عندك وابن عباس رضي الله تعالى عنهما مع علمه بكتاب الله عز وجل وعائشة أم المؤمنين مع علمها به وبرسول الله  وعبيد بن عمير مع سنه وعلمه يبيحون كل ذي ناب من السباع قال: ليس في إباحتهم كل ذي ناب من السباع ولا في إباحة أمثالهم حجة إذ كان رسول الله  يحرمه وقد تخفى عليهم السنة يعلمها من هو أبعد دارا وأقل للنبي  صحبة وبه علما منهم ولا يكون ردهم حجة حين يروى عن النبي  خلافه. قلنا: وتراهم يخفي ذلك عليهم ويسمعه رجل من أهل الشام. قال: نعم. قد خفي على عمر والمهاجرين والأنصار ما حفظ الضحاك بن سفيان وهو من أهل البادية وحمل بن مالك وهو من أهل البادية. قلنا: فتحريم كل ذي ناب من السباع مختلف فيه. قال: وإن اختلف فيه إذا ثبت عن النبي  من طريق صحيح فرسول الله  أعلم بمعنى ما أراد الله وليس في أحد مع رسول الله  حجة ولا في خلاف مخالف ما وهن حديث رسول الله  قلنا واليمين مع الشاهد أثبت عن رسول الله  من تحريم كل ذي ناب من السباع وليس خلاف ظاهر الكتاب وليس لها مخالف واحد من أصحاب رسول الله  فكيف ثبت الذي هو أضعف إسنادا وأقوى مخالفا وأعلم مع خلافه ظاهر الكتاب عندك ورددت ما لا يخالف ظاهر الكتاب ولا يخالفه أحد من أصحاب النبي  وقلت له: أسمعك استدللت بقول عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما ولهما مخالف في التي يغلق عليها الباب ويرخي الستر وقول عثمان: إن حجبت الأم عن الثلث بالأخوين وقد خالفهم ابن عباس في ذلك وغيره أرأيت إن أوجدتك قول عمر وعبد الرحمن وابن عمر يوافق كتاب الله ثم تركت قولهم. قال: وأين. قلت: قال الله جل وعز:  لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم  الآية. يجزبه من قتله خطأ وظاهر القرآن يدل على أنه إنما يجزيه من قتله عمدا قال: بحديث عن عمر وعبد الرحمن في رجلين أوطئا ظبيا. قلت: قد يوطآنه عامدين فإذا كان هذا عندك هكذا فقد حكم عمر وعبد الرحمن على قاتلي صيد بجزاء واحد وحكم ابن عمر على قتلة صيد بجزاء واحد وقال الله عز وجل:  مثل ما قتل من النعم  والمثل واحد لا أمثال. وكيف زعمت أن عشرة لو قتلوا صيدا جزوه بعشرة أمثال قال: شبهته 
 

صفحة : 2443

 بالكفارات في القتل على النفر الذين يكون على كل واحد منهم رقبة. قلنا: ومن قال لك يكون على كل واحد منهم رقبة. ولو قيل لك ذلك أفتدع ظاهر الكتاب وقول عمر وعبد الرحمن وابن عمر بأن تقيس ثم تخطىء أيضا القياس أرأيت الكفارات أموقتات. قال: نعم. قلت: فجزاء الصيد موقت. قال: لا إلا بقيمته. قلنا: أفجزاء الصيد إذا كان قيمته بلية المقتول أشبه أم بالكفارات فمائة عندك لو قتلوا رجلا لم يكن عليهم إلا دية واحدة فلو لم يكن فيه إلا القياس كان بالدية أشبه. وقيل له: حكم عمر له في اليربوع بجفرة وفي الأرنب بعناق فلم زعمت والله تعالى يقول في جزاء الصيد  هديا بالغ الكعبة  أن هذا لا يكون هديا وقلت: لا يجوز ضحية وجزاء الصيد ليس من الضحايا بسبيل جزاء الصيد قد يكون بدنة والضحية عندك شاة. وقيل له: قال الله عز وجل:  فجزاء مثل ما قتل من النعم  وحكم عمر وعبد الرحمن وعثمان وابن عباس وابن عمر وغيرهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين في بلدان مختلفة وأزمان شتى بالمثل من النعم فحكم حاكمهم في النعامة ببدنة والنعامة لا تسوي بدنة وفي حمار الوحش ببقرة وهو لا يسوي بقرة وفي الضبع بكبش وهو لا يسوي كبشا وفي الغزال بعنز وقد يكون أكثر ثمنا منها أضعافا ومثلها ودونها وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة وهما لا يسويان عناقا ولا جفرة أبدا فهذا يدل على أنهم إنما نظروا إلى أقرب ما يقتل من الصيد شبها بالبدن لا بالقيمة ولو حكموا بالقيمة لاختلفت أحكامهم لاختلاف أسعار ما يقتل في الأزمان والبلدان. ثم قلت في القيمة قولا مختلفا فقلت بجزاء الأسد ولا يعدي به شاة. فلم تنظر إلى بدنه لأنه أعظم من الشاة ولا قيمته إن كانت قيمته أكثر من شاة وهذا مكتوب في الحج بحججه. قال لي: أراك تنكر علي قولي في اليمين مع الشاهد هي خلاف القرآن قلت: نعم ليست بخلافه القرآن عربي فيكون عام الظاهر وهو يراد به الخاص. قال: ذلك مثل ماذا قلت مثل قول الله عز وجل:  والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما   الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة  فلما كان اسم السرقة يلزم سراقا لا يقطعون مثل من سرق من غير حرز ومن سرق أقل من ربع دينار وكانت الثيب تزني فترجم ولا تجلد والعبد يزني فيجلد خمسين بالسنة كانت في هذا دلالة على أنه إنما أريد بها بعض الزناة دون بعض وبعض السراق دون بعض وليس هذا خلافا لكتاب الله عز وجل فكذلك كل كلام احتمل معاني. فوجدنا سنة تدل على أحد معانيه دون غيره من معانيه استدللنا بها وكل سنة موافقة للقرآن لا 
 

صفحة : 2444

 مخالفة. وقولك خلاف القرآن فيما جاءت فيه سنة تدل على أن القرآن على خاص دون عام جهل قال: فإنا نزعم أن النهي عن نكاح المرأة على عمتها وخالتها مخالف للقرآن فقلت: قد أخطأت من موضعين. قال: وما هما. قلت: لو جاز أن تكون سنة تخالف القرآن فتثبت كانت اليمين مع الشاهد تثبت بها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فإذا لم تكن سنة وكان القرآن محتملا فوجدنا قول أصحاب النبي  وإجماع أهل العلم يدل على بعض المعاني دون بعض قلنا: هم أعلم بكتاب الله عز وجل وقولهم غير مخالف إن شاء الله تعالى كتاب الله وما لم يكن فيه سنة ولا قول أصحاب النبي  ولا إجماع يدل منه على ما وصفت من بعض المعاني دون بعض فهو على ظهوره وعمومه لا يخص منه شيء دون شيء. وما اختلف فيه بعض أصحاب النبي  أخذنا منه بأشبهه بظاهر التنزيل. وقولك: فيما فيه سنة هو خلاف القرآن جهل بين عند أهل العلم وأنت تخالف قولك فيه. قال: وأين قلنا فيما بينا وفيما سنبين إن شاء الله تعالى قلت: قال: الله عز وجل قال  الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان  وقال:  والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء  إلى قوله  إصلاحا  قال الشافعي. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فظاهر هاتين الآيتين يدل على أن كل مطلق فله الرجعة على امرأته ما لم تنقض العدة لأن الآيتين في كل مطلق عامة لا خاصة على بعض المطلقين دون بعض وكذلك قلنا: كل طلاق ابتدأه الزوج فهو يملك فيه الرجعة في العدة فإن قال لامرأته: أنت طالق ملك الرجعة في العدة وإن قال لها: أنت خلية أو برية أو بائن ولم يرد طلاقا فليس بطلاق وإن أراد الطلاق وأراد به واحدة فهو طلاق فيه الرجعة وكذلك إن قال: أنت طالق البتة لم ينو إلا واحدة فهي واحدة ويملك الرجعة قال الشافعي رحمه الله تعالى: قلت لبعض من يخالفنا: أليس هكذا تقول في الرجل يقول لامرأته أنت طالق قال: بلى. قلت: وتقول في الخلية والبرية والبتة والبائنة ليست بالطلاق إلا أن يريد طلاقا قال: نعم. 
قلت: وإذا قال: طالق لزمه الطلاق وإن لم يرد به طلاقا قال: نعم. قلت: فهذا أشد من قوله: أنت خلية أو برية لأن هذا قد يكون غير طلاق عندك ولا يكون طلاقا إلا بإرادته الطلاق فإذا أراد الطلاق كان طلاقا. قال: نعم. قلت: فلم زعمت أنه إن أراد بهذا طلاقا لم يكن يملك الرجعة وهذا أضعف عندك من الطلاق لأنه قياس على طلاق فالطلاق القوي يملك الرجعة فيه عندك والضعيف لا يملك فيه الرجعة. قال فقد روينا بعض قولنا هذا عن بعض أصحاب 
 

صفحة : 2445

 النبي  وجعلنا ما بقي قياسا عليه. قلت: فنحن قد روينا عن رسول الله  أنه جعل البتة واحدة يملك فيه الرجعة حين حلف صاحبهما أنه لم يرد إلا واحدة وروينا مثل ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ومعنا ظاهر القرآن فكيف تركته وقلت له: قال الله عز وجل:  الذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر  إلى قوله   سميع عليم  قلنا: فظاهر كتاب الله تعالى يدل على معنيين: أحدهما أن له أربعة أشهر ومن كانت له أربعة أشهر أجلا له فلا سبيل عليه فيها حتى تنقضي كما لو أجلتني أربعة أشهر لم يكن لك أخذ حقك مني حتى تنقضي الأربعة الأشهر فدل على أن عليه إذا مضت الأربعة الأشهر واحدا من الحكمين: إما أن يفيء وإما أن يطلق فقلنا بهذا وقلنا: لا يلزمه طلاق بمضي أربعة أشهر حتى يحدث فيه طلاقا فزعمتم أنه إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة بائنة فلم قلتم هذا وزعمتم أنه لا فيئة له إلا في الأربعة الأشهر فما نقصتموه مما جعل الله له من الأربعة الأشهر قدر الفيئة ولم زعمتم أن الفيئة له فيما بين أن يولي إلى أن تنقضي الأربعة الأشهر وليس عليه عزيمة الطلاق إلا في الأربعة الأشهر وقد ذكرهما الله عز وجل معا لا فصل بينهما ولم زعمتم أن الفيئة لا تكون إلا بشيء يحدثه من جماع أو فيء بلسان إن لم يقدر على الجماع وأن عزيمة الطلاق هي مضي الأربعة الأشهر لا شيء يحدثه هو بلسان ولا فعل. أرأيت الإيلاء طلاق هو قال: لا قلت: أفرأيت كلاما قط ليس بطلاق جاءت عليه مدة فجعلته طلاقا قال: فلم قلت أنت: يكون طلاقا. قلت: ما قلت يكون طلاقا إنما قلت إن كتاب الله عز وجل يدل أنه إذا آلى فمضت الأربعة الأشهر على أنه عليه: إما أن يفيء وإما أن يطلق وكلاهما شيء يحدثه بعد مضي الأربعة الأشهر. قال: فلم قلت: إن فاء في الأربعة الأشهر فهو فائىء قلت: أرأيت لو كان علي دين إلى أجل فعجلته قبل محله ألم أكن محسنا ويكون قاضيا عني قال: بلى. قلت: فكذلك الرجل يفيء في الأربعة الأشهر فهو معجل ماله فيه مهل. قال: فلسنا نحاجك في هذا ولكنا اتبعنا فيه قول عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود. قلنا: أما ابن عباس فإنك تخالفه في الإيلاء قال: ومن أين. قلت: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي يحيى الأعرج عن ابن عباس أنه قال: المولى الذي يحلف أن لا يقرب امرأته أبدا وأنت تقول: المولى من حلف على أربعة أشهر فصاعدا فأما ما رويت منه عن ابن مسعود فمرسل وحديث علي بن بذيمة لا يسنده غيره علمته ولو كان هذا ثابتا عنه فكنت إنما بقوله اعتللت 
 

صفحة : 2446

 لكان بضعة عشر من أصحاب رسول الله  أولى أن يؤخذ بقولهم من واحد أو اثنين قال: فمن أين لكم بضعة عشر قلنا: أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله  كلهم يوقف المولي. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وأقل بضعة عشر أن يكونوا ثلاثة عشر وهو يقول من الأنصار وعثمان بن عفان وعلي وعائشة وابن عمر وزيد بن ثابت وغيرهم كلهم يقول: يوقف المولي فإن كنت ذهبت إلى الكثرة فمن قال يوقف أكثر وظاهر القرآن معهم وقد قال عز وجل:  والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا  إلى قوله  ستين مسكينا  وقلنا لا يجزيه إلا رقبة مؤمنة ولا يجزيه إلا أن يطعم ستين مسكينا والإطعام قبل أن يتماسا. فقال: يجزيه رقبة غير مؤمنة فقلت له: أذهبت في هذا القول إلى خبر عن أحد أصحاب النبي  قال: لا ولكن إذا سكت الله عن ذكر المؤمنة في العتق فقال: رقبة ولم يقل مؤمنة كما قال في القتل دل ذلك على أنه لو أراد المؤمنة ذكرها. قلت له: أو ما تكتفي إذا ذكر الله عز وجل الكفارة في العتق في موضع فقال:  رقبة مؤمنة  قال الشافعي ثم ذكر كفارة مثلها فقال رقبة بأن تعلم أن الكفارة لا تكون إلا مؤمنة. فقال: هل تجد شيئا يدلك على هذا قلت: نعم. قال: وأين هو قلت: قول الله عز وجل:  وأشهدوا ذوي عدل منكم  وقوله:  حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم  فشرط العدل في هاتين الآيتين. وقال:  وأشهدوا إذا تبايعتم. ولا يضار كاتب ولا شهيد  وقال في القاذف:  لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء  وقال:  واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت  لم يذكر ههنا عدلا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: قلت له: أرأيت لو قال لك قائل: أجز في البيع والقذف وشهود الزنا غير العدل كما قلت في العتق لأني لم أجد في التنزيل شرط العدل كما وجدته في غير هذه الأحكام. قال: ليس ذلك له قد يكتفي بقول الله عز وجل:  ذوي عدل منكم  فإذا ذكر الشهود فلا يقبلون إلا ذوي عدل وإن سكت عن ذكر العدل فاجتماعهما في أنهما شهادة يدل على أن لا يقبل فيها إلا العدل. قلت: هذا كما قلت فلم لم تقل بهذا فتقول: إذا ذكر الله رقبة في الكفارة فقال مؤمنة ثم ذكر رقبة أخرى في الكفارة فهي مؤمنة لأنهما . في أنهما كفارتان فإن لم يكن لنا عليك بهذا حجة فليست على أحد لو خالفه. فقال: الشهود في البيوع والقذف والزنا يقبلون غير عدول. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإنما رأينا 
 

صفحة : 2447

 فرض الله عز وجل على المسلمين في أموالهم مدفوعا إلى مسلمين فكيف يخرج رجل من ماله فرضا عليه فيعتق به ذميا وقلنا له: زعمت أن رجلا لو كفر بإطعام فأطعم مسكينا عشرين ومائة مد في أقل من ستين يوما لم يجزه وإن أطعمه إياه في ستين يوما أجزأه أما يدلك فرض الله عز ذكره بإطعام ستين مسكينا على أن كل واحد منهم غير الآخر وإنما أوجبه الله تعالى لستين متفرقين فكيف قلت: يجزيه أن يطعمه مسكينا يفرقه عليه في ستين يوما ولم يجز له أن يطعم تسعة وخمسين في يوم طعام ستين أرأيت رجلا وجبت عليه ستون درهما لستين رجلا أيجزيه أن يؤدي الستين إلى واحد أو إلى تسعة وخمسين قال: لا والفرض عليه أن يؤدي إلى كل واحد منهم حقه قلنا: فقد أوجب الله عز وجل لستين مسكينا طعاما فزعمت أنه إن أعطاه واحدا منهم أجزأ عنه. أرأيت لو قال لك قائل: قد قال الله عز وجل:  وأشهدوا ذوي عدل منكم  أتقول إنه أراد أن يشهد للطالب بحقه فشرط عدد من يشهد له والشهادة أو إنما أراد الشهاد قال: أراد عدد الشهود وشهادة ذوي عدل منكم اثنان. قلت: ولو شهد له بحقه واحد اليوم ثم شهد له غدا أيجزيه من شاهدين. قال: لا لأن هذا واحد وهذه شهادة واحدة. قلنا: فالمسكين إذا رددت عليه الطعام لم يخرج من أن يكون واحدا لا ستين. قلنا: فقد سمي ستين مسكينا فجعلت طعامهم لواحد وقلت إذا جاء بالطعام أجزأه وسمي شاهدين فجاء شاهد منهما مرتين فقلت: لا يجزىء فما فرق بينهما فرجع بعضهم إلى ما قلنا في هذا وفي أن لا تجزىء الكفارة إلا مؤمنة. قال الله عز وجل:  والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم  إلى قوله:  أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين  قال الشافعي رحمه الله تعالى: فبين - والله أعلم - في كتاب الله عز وجل أن كل زوج يلاعن زوجته لأن الله عز وجل ذكر الزوجين مطلقين لم يخص أحدا من الأزواج دون غيره ولم تدل سنة ولا أثر ولا إجماع من أهل العلم على أن ما أريد بهذه الآية بعض الأزواج دون بعض. 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: إن التعن الزوج ولم تلتعن المرأة حدت إذا أبت أن تلتعن لقول الله عز وجل:  ويدرأ عنها العذاب أن تشهد  فقد أخبر - والله أعلم - أن العذاب كان عليها إلا أن تدرأه باللعان وهذا ظاهر حكم الله جل وعز. قال: فخالفنا في هذا بعض الناس فقال: لا يلاعن إلا حران مسلمان ليس منهما محدود في قذف. فقلت له: وكيف خالفت ظاهر القرآن قال: روينا عن عمرو بن شعيب أن النبي  قال: أربعة لا لعان بينهم فقلت 
 

صفحة : 2448

 له: إن كانت رواية عمرو بن شعيب مما يثبت فقد روي لنا عن رسول الله  اليمين مع الشاهد والقسامة وعدد أحكام غير قليلة فقلنا بها وخالفت وزعمت أن لا تثبت روايته فكيف تحتج مرة بروايته على ظاهر القرآن وتدعها لضعفه مرة إما أن يكون ضعيفا كما قلت فلا ينبغي أن تحتج به في شيء. وإما أن يكون قويا فاتبع ما رواه مما قلنا به وخالفته. وقلت له: أنت أيضا قد خالفت ما رويت عن عمرو بن شعيب قال: وأين قلت: إن كان ظاهر القرآن عاما على الأزواج ثم ذكر عمرو أربعة لا لعان بينهم فكان يلزمك أن تخرج الأربعة من اللعان ثم تقول يلاعن غير الأربعة لأن قوله: أربعة لا لعان بينهم يدل على أن اللعان بين غير الأربعة فليس في حديث عمرو لا يلاعن المحدود في القذف. قال: أجل ولكنا قلنا به من قبل أن اللعان شهادة لأن الله عز وجل سماه شهادة. فقلت له: إنما معناها معنى اليمين ولكن لسان العرب واسع قال: وما يدل على ذلك. قلت: أرأيت لو كان شهادة أتجوز شهادة المرء لنفسه قال: لا قلت: أفتكون شهادته أربع مرات إلا كشهادته مرة واحدة قال: لا. 
قلت: أفيحلف الشاهد قال: لا قلت: فهذا كله في اللعان. قلت: أفرأيت لو قامت مقام الشهادة ألا تحد المرأة قال: بلى قلت: أرأيت لو كانت شهادة أتجوز شهادة النساء في حد. 
قال: لا قلت: ولو جازت كانت شهادتها نصف شهادة قال: نعم قلت: فالتعنت ثمان مرات قال: نعم قلت: أفتبين لك أنها ليست بشهادة قال: ما هي بشهادة قلت: ولم قلت: هي شهادة على معنى الشهادات مرة وأبيتها أخرى فإذا قلت هي شهادة فلم لا تلاعن بين الذميين وشهادتهما عندك جائزة كان هذا يلزمك وكيف لاعنت بين الفاسقين اللذين لا شهادة لهما قال: لأنهم إذا إذا تابا قبلت شهادتهما. فقلت له. ولو قال: قد تبنا أتقبل شهادتهما دون اختبارهما في مدة تطول قال لا: كللت: أفرأيت العبدين المسلمين العدلين الأمينين إذا أبيت اللعان بينهما لأنهما في حال عبودية لا تجوز شهادتهما لو عتقا من ساعتهما أتجوز شهادتهما قال: نعم. قلت: أهما أقرب إلى جواز الشهادة لأنك لا تختبرهما يكفيك أنهما الخبرة لهما في العبودية أم الفاسقان اللذان لا تجيز شهادتهما حتى تختبرهما قال: بل هما قلت: فلم أبيت اللعان بينهما وهما أقرب من العدل إذا تحولت حالهما ولاعنت بين الفاسقين اللذين هما أبعد من العدل ولم أبيت اللعان بين الذميين وأنت تجيز شهادتهما في الحال التي يقذف فيها الزوج وقلت له: أرأيت أعميين بخقين خلقا كذلك يقذف الزوج المرأة وفي الأعميين علتان إحداهما لا 
 

صفحة : 2449

 يريان الزنا والأخرى أنك لا تجيز شهادتهما بحال أبدا ولا يتحولان عندك أن تجوز شهادة واحد منهما أبدا كيف لاعنت بينهما وفيهما ما وصفت من القاذف الذي لا تجوز شهادته أبدا وفيهما أكثر من ذلك أن الرجل القاذف لا يرى زنا امرأته قال: فظاهر القرآن أنهما زوجان. 
قلنا: فهذه الحجة عليك والذي أبيت قبوله منا أن اللعان بين كل زوجين. وقال الله عز وجل في قذفه المحصنات:  فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا  وقلنا: إذا تاب القاذف قبلت شهادته وذلك بين في كتاب الله عز وجل قال الشافعي. رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة قال: سمعت الزهري يقول: زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز لأشهد أخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة: تب تقبل شهادتك أو إن تبت قبلت شهادتك قال: وسمعت سفيان يحدث به هكذا مرارا ثم سمعته يقول: شككت فيه قال سفيان: أشهد لأخبرني ثم سمى رجلا فذهبا علي حفظ اسمه فسألت فقال لي عمر بن قيس هو سعيد بن المسيب وكان سفيان لا يشك أنه ابن المسيب قال الشافعي رحمه الله تعالى: وغيره يرويه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عمر قال: سفيان أخبرني الزهري فلما قمت سألت فقال لي عمر بن قيس وحضر المجلس معي هو سعيد بن المسيب قلت لسفيان: أشككت حين أخبرك أنه سعيد قال: لا هو كما قال غير أنه قد كان دخلني الشك قال الشافعي رحمه الله تعالى: وأخبرنا من أثق به من أهل المدينة عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن عمر لما جلد الثلاثة استتابهم فرجع اثنان فقبل شهادتهما وأبى أبو بكرة أن يرجع فرد شهادته قال الشافعي رحمه الله تعالى: وأخبرنا إسماعيل بن علية عن ابن أبي نجيح في القاذف إذا تاب تقبل شهادته قال: وكلنا نقوله عطاء وطاوس ومجاهد وقال بعض الناس: لا تجوز شهادة المحمود في القذف أبدا قلت: أفرأيت القاذف إذا لم يحد حدا تاما أتجوز شهادته إذا تاب قال: نعم. قلت له: ولا أعلمك إلا دخل عليك خلاف القرآن من موضعين: أحدهما أن الله عز وجل أمر بجلده وأن لا تقبل شهادته فزعمت أنه إن لم يجلد قبلت شهادته. قال: فإنه عندي إنما ترد شهادته إذا جلد قلت: أفتجد ذلك في ظاهر القرآن أم في خبر ثابت قال: أما في خبر فلا وأما في ظاهر القرآن فإن الله عز وجل يقول  فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا  قلت: أفبالقذف قال الله عز وجل  لا تقبلوا لهم شهادة أبدا  قال الشافعي أم بالجلد قال: بالجلد قال: بالجلد عندي قلت: وكيف كان ذلك عندك 
 

صفحة : 2450

 والجلد إنما وجب بالقدف وكذلك ينبغي أن تقول في رد الشهادة أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال: إن الله عز وجل قال في القاتل خطأ:  فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله  فتحرير الرقبة لله والدية لأهل المقتول ولا يجب الذي للآدميين وهو الدية حتى يؤدي الذي لله عز وجل كما قلت لا يجب أن ترد الشهادة وردها على الآدميين حتى يؤخذ الحد الذي لله عز وجل ما تقول له. قال: أقول ليس هذا كما قلت: وإذا أوجب الله عز وعلا على آدمي شيئين فكان أحدهما للآدميين أخذ منه وكان الآخر لله جل وعز فينبغي أن يؤخذ منه أو يؤديه فإن لم يؤخذ منه ولم يؤده لم يسقط ذلك عنه حق الأدميين الذي أوجبه الله عز وجل عليه. 
قلت له: فلم زعمت أن القاذف إذا لم يجلد الحد وجلد بعضه فلم يتم بعضه أن شهادته مقبولة وقد أوجب الله تبارك وتعالى في ذلك الحد ورد الشهادة فما علمته رد حرفا إلا أن قال هكذا قال أصحابنا: فقلت له: هذا الذي عبت على غيرك أن يقبل من أصحابه وإن سبقوه إلى العلم وكانوا عنده ثقة مأمونين فقلت: لا نقبل إلا ما جاء فيه كتاب أو سنة أو أثر أو أمر أجمع عليه الناس ثم قلت فيما أرى خلاف ظاهر الكتاب وقلت له: إذا قال الله عز وجل: قال  إلا الذين تابوا  فكيف جاز لك أو لأحد إن تكلف من العلم شيئا أن يقول لا أقبل شهادة القاذف وإن تاب ومن قولك وقول أهل العلم لو قال رجل لرجل: والله لا أكلمك أبدا ولا أعطيك درهما ولا آتي منزل فلان ولا أعتق عبدي فلانا ولا أطلق امرأتي فلانة إن شاء الله إن الاستثناء واقع على جميع الكلام أوله وآخره فكيف زعمت أن الاستثناء لا يقع على القاذف إلا على أن يطرح عنه اسم الفسق فقط فقال: قاله: شريح. فقلنا: فعمر أولى أن يقبل قوله من شريح وأهل دار السنة وحرم الله أولى أن يكونوا أعلم بكتاب الله وبلسان العرب لأنه بلسانهم نزل القرآن. قال: فقول أبي بكرة استشهدوا غيري فإن المسلمين فسقوني. فقلت له: قلما رأيتك تحتج بشيء إلا وهو عليك. قال: وما ذاك. قلت: احتججت بقول أبي بكرة: استشهدوا غيري فإن المسلمين فسقوني فإن زعمت أن أبا بكرة تاب فقد ذكر أن المسلمين لم يزيلوا عنه الاسم وأنت تزعم أن في كتاب الله عز وجل أن يزال عنه إذا تاب اسم الفسق ولا تجيز شهادته. وقول أبي بكرة إن كان قاله أنهم لم يزيلوا عنه الاسم يدل على أنهم ألزموه الاسم مع تركهم قبول شهادته. قال: فهكذا احتج أصحابنا. قلت: أفتقبل عمن هو أشد تقدما في الدرك والسن والفضل من صاحبك أن تحتج بما إذا كشف كان علبك وبما ظاهر القرآن خلافه قال: لا 
 

صفحة : 2451

 قلت: فصاحبك أولى أن يرد هذا عليه. وقلت له: أتقبل شهادة من تاب من كفر ومن تاب من قتل ومن تاب من خمر ومن زنا. قال: نعم. قلت: والقاذف شر أم هؤلاء قال: بل أكثر: هؤلاء أعظم ذنبا منه. قلت: فلم قبلت من التائب من الأعظم وأبيت القبول من التائب مما هو أصغر منه وقلت: وقلنا: لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب بحال وقال جماعة منا: ولا يحل نكاح أمة مسلمة لمن يجد طولا لحرة ولا وإن لم يجد طولا لحرة حتى يخاف العنت فتحل حينئذ. فقال بعض الناس: يحل نكاح إماء أهل الكتاب ونكاح الأمة المسلمة لمن لم يجد طولا لحرة وإن لم يخف العنت في الأمة فقلت له قال الله عز وجل:  ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن  فحرم المشركات جملة وقال الله عز وجل:  إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن  ثم قال:  والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب  فأحل صنفا واحدا من المشركات بشرطين أحدهما: أن تكون المنكوحة من أهل الكتاب. والثاني: أن تكون حرة لأنه لم يختلف المسلمون في أن قول الله عز وجل  والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم  هن الحرائر. وقال الله عز وجل:  ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم  قرأ الربيع إلى قوله:  لمن خشى العنت منكم  فدل قول الله عز وجل:  ومن لم يستطع منكم طولا  أنه إنما أباح نكاح الإماء من المؤمنين على معنيين: أحدهما أن لا يجد طولا. والآخر: أن يخاف العنت وفي هذا ما دل على أنه لم يبح نكاح أمة غير مؤمنة. فقلت لبعض من يقول هذا القول: قد قلنا ما حكيت بمعنى كتاب الله وظاهره فهل قال ما قلت أنت من إباحة نكاح إماء أهل الكتاب أحد من أصحاب رسول الله  أو أجمع لك عليه المسلمون فتقلدهم وتقول هم أعلم بمعنى ما قالوا إن احتملته الآيتان قال: لا. قلنا: فلم خالفت فيه ظاهر الكتاب قال: إذا أحل الله عز وجل الحرائر من أهل الكتاب لم يحرم الإماء. قلنا: ولم لا تحرم الإماء منهم بجملة تحريم المشركات وبأنه خص الإماء المؤمنات لمن لم يجد طولا ويخاف العنت قال: لما حرم الله المشركات جملة ثم ذكر منهن محصنات أهل الكتاب كان كالدال على أنه قد أباح ما حرم. فقلت له: أرأيت لو عارضك جاهل بمثل ما قلت فقال: قال الله جل وعز:  حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير  قرأ الربيع إلى قوله:  وما ذبح على النصب  وقال في الآية الأخرى:  إلا ما اضطررتم إليه  فلما أباح في حال الضرورة ما حرم جملة أيكون لي إباحة ذلك في غير حال 
 

صفحة : 2452

 الضرورة فيكون التحريم فيه منسوخا والإباحة قائمة قال: لا. قلنا: وتقول له التحريم بحاله والإباحة على الشرط فمتى لم يكن الشرط فلا تحل قال: نعم. قلنا: فهذا مثل الذي قلنا في إماء أهل الكتاب وقلت له: قال الله عز وجل فيمن حرم: قال  وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم  أفرأيت لو قال قائل: إنما حرم الله بنت المرأة بالدخول وكذلك الأم وقد قاله غير واحد قال: ليس ذلك له قلنا ولم ألأن الله حرم الأمة مبهمة والشرط في الربيبة فأحرم ما حرم الله وأحل ما أحل الله خاصة ولا أجعل ما أبيح وحده محلا لغيره. قال: نعم قلنا: فهكذا قلنا في إماء أهل الكتاب والإماء المؤمنات وقلنا افترض الله عز وجل الوضوء فسن رسول الله  المسح على الخفين أيكون لنا إذا دلت السنة على أن المسح يجزىء من الوضوء أن نمسح على البرقع والقفازين والعمامة قال: لا. قلنا: ولم أنعم الجملة على ما فرض الله تبارك وتعالى ونخص ما خصت السنة قال نعم قلنا فهذا كله حجة عليك وقلنا أرأيت حين حرم الله تعالى المشركات جملة ثم استثنى نكاح الحرائر من أهل الكتاب فقلت: يحل نكاح الإماء منهن لأنه ناسخ للتحريم جملة وإباحته حرائرهن تدل على إباحة إمائهن فإن قال لك قائل: نعم وحرائر وإماء المشركات غير أهل الكتاب قال: ليس ذلك له قلنا: ولم قال: لأن المستثنيات بشرط أنهن من أهل الكتاب. قلنا: ولا يكون من غيرهن قال: نعم قلنا: وهو يشرط أنهن حرائر فكيف جاز أن يكن إماء والأمة غير الحرة كما الكتابية غير المشركة التي ليست بكتابية وهذا كله حجة عليه أيضا في إماء المؤمنين يلزمه فيه أن لا يحل نكاحهن إلا بشرط الله عز وجل فإن الله تبارك وتعالى إنما أباحه بأن لا يجد طولا ويخاف العنت والله تعالى أعلم. 
وقال الله تعالى:  حرمت عليكم أمهاتكم  الآية وقال:  كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم  وقال الله عز وجل:  ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء  وقال الله عز وجل:  الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض  فقلنا بهذه الآيات: إن التحريم في غير النسب والرضاع وما خصته سنة بهذه الآيات إنما هو بالنكاح ولا يحرم الحلال الحرام وكذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فلو أن رجلا ناك أم امرأته عاصيا لله عز وجل لا تحرم عليه امرأته. وقال بعض الناس: إذا قبل أم امرأته أو نظر إلى فرجها بشهوة حرمت عليه امرأته وحرمت هي عليه لأنها أم امرأته ولو أن امرأته قبلت ابنه بشهوة حرمت على زوجها. 

 

صفحة : 2453

 فقلنا له: ظاهر القرآن يدل على أن التحريم إنما هو بالنكاح فهل عندك سنة بأن الحرام يحرم الحلال قال: لا. قلت: فأنت تذكر شيئا ضعيفا لا يقوم بمثله حجة لو قاله من رويته عنه في شيء ليس فيه قرآن. وقال: هذا موجود فإن ما حرمه الحلال فالحرام له أشد تحريما. قلنا: أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال: إن الله عز وجل يقول في التي طلقها زوجها ثالثة من الطلاق  فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره  فإن نكحت والنكاح العقدة حلت لزوجها الذي طلقها قال: ليس ذلك له لأن السنة تدل على أن لا تحل حتى يجامعها الزوج الذي ينكحها قلنا: فقال لك: فإن النكاح يكون وهي لا تحل وظاهر القرآن يحلها فإن كانت السنة تدل على أن جماع الزوج يحلها لزوجها الذي فارقها فالمعنى إنما هو في أن يجامعها غير زوجها الذي فارقها فإذا جامعها رجل بزنا حلت. وكذلك إن جامعها بنكاح فاسد يلحق به الولد حلت. تال: وليس واحد من هذين زوجا. قلنا: فإن قال لك قائل: أوليس قد كان التزويج موجودا وهي لا تحل فإنما حلت بالجماع فلا يضرك من أين كان الجماع. قال: لا حتى يجتمع الشرطان معا فيكون جماع نكاح صحيح. قلنا: ولا يحلها الجماع الحرام قياسا على الجماع الحلال قال: لا. قلت: وإن كانت أمة فطلقها زوجها فأصابها سيدها قال: لا. قلنا: فهذا جماع حلال. قال: وإن كان حلال فليس بزوج لا تحل لزوجها الأول حتى يجتمع أن يكون زوجا ويجامعها الزوج. قلنا: فإنما حرم الله بالحلال فقال:  وأمهات نسائكم  وقال  ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء  فمن أين زعمت أن حكم الحلال حكم الحرام وأبيت ذلك في المرأة يفارقها زوجها والأمة يفارقها زوجها فيصيبها سيدها وقلت له: قد قال الله عز وجل:  الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان  وقال:  فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره  فإن قال لك قائل: فلما كان حكم الزوجة إذا طلقت ثلاثا حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره فلو أن رجلا تكلم بالطلاق من امرأة يصيبها بفجور أفتكون حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره لأن الكلام بالطلاق إذا حرم الحلال كان للحرام أشد تحريما تال: ليس ذلك له. قلنا: وليس حكم الحلال حكم الحرام قال: لا قلنا فلم زعمت أنه حكمه فيما وصفت فإن صاحبنا قال أقول ذلك قياسا. قلنا: فأين القياس قال: الكلام محرم في الصلاة فإذا تكلم حرمت الصلاة. قلنا: وهذا أيضا فإذا تكلم في الصلاة حرمت عليه تلك الصلاة أن يعود فيها أو حرمت صلاة غيرها بكلامه فيها قال: لا. ولكنه أفسدها وعليه أن يستأنفها. 

 

صفحة : 2454

 قلنا: فلو قاس هذا القياس غير صاحبك أي شيء كنت تقول له. لعلك كنت تقول له ما يحل لك تكلم في الفقه هذا رجل قيل له: استأنف الصلاة لأنها لا تجزي عنك إذا تكلمت فيها وذلك رجل جامع امرأة فقلت له: حرمت عليك أخرى غيرها أبدا فكان يلزمك أن تزعم أن صلاة غيرها حرام عليه أن يصليها أبدا وهذا لا يقول به أحد من المسلمين وإن قلته فأيهما تحرم عليه أو تزعم أنها حرام عليه أن يصليها أبدا كما زعمت أن امرأته إذا نظر إلى فرج أمها حرمت عليه أبدا قال: لا أقول هذا ولا تشبه الصلاة المرأتان تحرمان لو شبهتهما بالصلاة قلت له: يعود في كل واحدة من الامرأتين فينكحها بنكاح حلال وقلت له: لا تعد في واحدة من الصلاتين. قلنا: فلو زعمت قسته به وهو أبعد الأمور منه. قال: شيء كان قاسه صاحبنا. 
قلنا: أفحمدت قياسه قال: لا. ما صنع شيئا. وقال: فإن صاحبنا قال: فالماء حلال فإذا خالطه الحرام نجسه قلنا: وهذا أيضا مثل الذي زعمت أنك لما تبين لك علمت أن صاحبك لم يصنع فبه شيئا. قال فكيف قلت: أتجد الحرام في الماء مختلطا فالحلال منه لا يتميز أبدا قال: نعم. قلت: أفتجد بدن التي زنى بها مختلطا ببدن ابنتها لا يتميز منه قال: لا قلت: وتجد الماء لا يحل أبدا إذا خالطه الحرام لأحد من الناس قال: نعم. قلت: فتجد الرجل إذا زنى بامرأة حرم عليه أن ينكحها أو هي حلال له وحرام عليه أمها وابنتها. قال: بل هي حلال له. قلت: فهما حلال لغيره. قال: نعم. قلت: أفتراه قياسا على الماء قال: لا. قلت: أفما تبين لك أن خطأك في هذا ليس يسيرا إذا كان يعصي الله عز وجل في امرأة فزنى بها فإذا نكحها حلت له بالنكاح وإن أراد نكاح ابنتها لم تحل له فتحل له التي زنى بها وعصى الله تعالى فيها ولو طلقها ثلاثا لم يكن ذلك طلاقا لأن الطلاق لا يقع إلا على الأزواج وتحرم عليه ابنتها التي لم يعص الله تعالى في أمرها وإنما حرمت عليه بنت امرأته وهذه عندك ليست بامرأته. قال: فإن يقال: ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها. قلت: وما أدري لعل من زنى بامرأة ولم ير فرج ابنتها ملعون وقد أوعد الله عز وجل على الزنا النار ولعله ملعون من أتى شيئا مما يحرم عليه فقيل له ملعون من نظر إلى فرج أختين. قال: لا قلت: فكيف زعمت أنه إن زنى بأخت امرأته حرمت عليه امرأته فرجع بعضهم إلى قولنا وعاب قول أصحابه في هذا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وجعل الله عز وجل الرجال قوامين على النساء والطلاق إليهم فزعموا هم أن المرأة إذا شاءت كان الطلاق إليها فإذا كرهت المرأة زوجها قبلت ابنه وقالت: قبلته بشهوة فحرمت 
 

صفحة : 2455

 عليه فجعلوا الأمر إليها وقلنا نحن وهم وجميع الناس لا يختلفون في ذلك علمته: من طلق غير امرأته أو آلى منها أو تظاهر منها لم يلزمها من ذلك شيء ولم يلزمه ظهار ولا إبلاء. قال: فقلنا: إذا اختلعت المرأة من زوجها ثم طلقها في عدتها لم يلزمها الطلاق لأنها ليست له بامرأة وهذا يدل على أصل ما ذهبنا إليه لا يخالفه. فقال بعض الناس: إذا اختلعت منه فلا رجعة له عليها وإن طلقها بعد الخلع في العدة لزمها الطلاق وإن طلقها بعد انقضاء العدة لم يلزمها الطلاق. فقلت له: قد قال الله عز وجل:  للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر  إلى آخر الآيتين وقال الله عز وجل:  والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا  وقلنا: قال الله تبارك وتعالى:  ولكم نصفي ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد  وفرض الله عز وجل العدة على الزوجة في الوفاة فقال:  يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا  فما تقول في المختلعة إن آلى منها في العدة بعد الخلع أو تظاهر هل يلزمه الإيلاء أو الظهار قال: لا. قلت: فإن مات هل ترثه أو ماتت هل يرثها في العدة قال: لا قلت: ولم وهي تعتد منه قال: لا وإن اعتدت في غير زوجة وإنما يلزم هذا في الأزواج وقال الله عز وجل:  والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم  الآية. وإذا رمى المختلعة في العدة أيلاعنها قال: لا. قلت: أفبالقرآن تبين أنها ليست بزوجة. قال: نعم. قلت: فكيف زعمت أن الطلاق لا يلزم إلا زوجة وهذه بكتاب الله تعالى عندنا وعندك غير زوجة ثم زعمت أن الطلاق يلزمها وأنت تقول إن آيات من كتاب الله عز وجل تدل على أنها ليست بزوجة قال: روينا قولنا هذا بحديث شامي. قلنا: أفيكون مثله مما يثبت قال: لا. قلنا: فلا تحتج به. قال: فقال ذلك: إبراهيم النخعي. وعامر الشعبي قلنا: فهما إذا قالا وإن لم يخالفهما غيرهما حجة قال: لا. قلنا فهل يحتج بهما على قولنا وهو يوافق ظاهر القرآن ولعلهما كانا يريان له عليها الرجعة فيلزمانه الإيلاء والظهار ويجعلان بينهما الميراث قال: فهل قال أحد بقولك قلنا: الكتاب كاف من ذلك. وقد أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وابن الزبير أنهما قالا: لا يلحق المختلعة الطلاق في العدة لأنه طلق ما لا يملك  . 
قلت له: لو لم يكن في هذا إلا قول ابن عباس وابن الزبير كليهما أكان لك خلافه في أصل قولنا إلا بأن يقول بعض أصحاب النبي  خلافه قال: لا. قلت: فالقرآن مع 
 

صفحة : 2456

 قولهما وقد خالفتهما وخالفت في قولك عدد آي من كتاب الله عز وجل. قال: فأين قلت: أن زعمت أن حكم الله في الأزواج أن يكون بينهم الإيلاء والظهار واللعان وأن يكون لهن الميراث ومنهن الميراث وأن المختلعة ليست بزوجة يلزمها واحد من هذا فما يلزمك إذا قلت يلزمها الطلاق والطلاق لا يلزم إلا زوجة أنك خالفت حكم الله في إلزامها الطلاق أو في تركك إلزامها الإيلاء والظهار واللعان والميراث لها والميراث منها قال الشافعي رحمه الله تعالى: فما رد شيئا إلا أن قال: قال بهذا أصحابنا فقلت له أتجعل قول الرجل من أصحاب النبي  مرة حجة وليس يدل على موافقة قوله من القرآن شيء وتجعله أخرى حجة وأنت تقول ظاهر القرآن يخالفه كما قلت: إذا أرخى سترا وجب المهر وظاهر القرآن أنه إذا طلقها قبل أن يمسها فلها نصف المهر وإغلاق الباب وإرخاء الستر ليس بالمسيس ثم تترك قول ابن عباس وابن الزبير ومعهما خمس آيات من كتاب الله تعالى كلها تدل على أن المختلعة في العدة ليست بزوجة ومعهما القياس والمعقول عند أهل العلم وتترك قول عمر في الصيد أنه قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي اليربوع بجفرة وفي الأرانب بعناق وقول عمر وعبد الرحمن حين حكما على رجلين أوطئا ظبيا بشاة والقرآن يدل على قولهما بقول الله عز وجل:  فجزاء مثل ما قتل من النعم  فزعمت أنه يجزي بدراهم ويقولان: في الظبي بشاة واحدة والله يقول:  مثل  وأنت تقول: جزاءان وقال الله عز وجل:  وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين  وقال:  لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن  فقرأ إلى  المحسنين  فقال عامة من لقيت من أصحابنا: المتعة هي للتي لم يدخل بها قط ولم يفرض لها مهر فطلقت وللمطلقة المدخول بها المفروض لها. بأن الآية عامة على المطلقات لم يخصص منهن واحدة دون أخرى بدلالة من كتاب الله عز وجل ولا أثر. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وأخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: لكل مطلقة متعة إلا التي فرض لها صداق ولم. يدخل بها فحسبها نصف المهر قال الشافعي رحمه الله تعالى: وأحسب ابن عمر استدل بالآية التي تتبع للتي لم يدخل بها ولم يفرض لها لأن الله تعالى يقول بعدها:  وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم  الآية فرأى القرآن كالدلالة على أنها مخرجة من جميع المطلقات ولعله رأى أنه إنما أريد أن تكون المطلقة تأخذ بما استمتع به منها زوجها عند طلاقها شيئا فلما كانت المدخول بها تأخذ شيئا وغير المدخول بها إذا لم يفرض لها كانت التي لم يدخل بها وقد فرض 
 

صفحة : 2457

 لها تأخذ بحكم الله تبارك وتعالى نصف المهر وهو أكثر من المتعة ولم يستمتع بها فرأى حكمها مخالفا حكم المطلقات بالقرآن وخالف حالها حالهن فذكرت ما وصفت من هذا لبعض من يخالفنا وقلنا له: أنت تستدل بقول الواحد من أصحاب رسول الله  على معنى الكتاب إذا احتمله والكتاب محتمل ما قال ابن عمر وفيه كالدليل على قوله فكيف خالفته. ثم لم تزعم بالآية أن المطلقات سواء في المتعة وقال الله عز وجل:  وللمطلقات متاع بالمعروف  لم يخص مطلقة دون مطلقة قال: استدللنا بقول الله عز وجل:  حقا على المتقين  أنها غير واجبة وذلك أن كل واجب فهو على المتقين وغيرهم ولا يخص به المتقون. قال الشافعي رحمه الله تعالى: قلنا: فقد زعمت أن المتعة متعتان: متعة يجبر عليها السلطان وهي متعة المرأة لم يفرض لها الزوج ولم يدخل بها فطلقها وإنما قال الله عز وجل فيها:  حقا على المحسنين  فكيف زعمت أن ما كان حقا على المحسنين حق على غيرهم في هذه الآية وكل واحدة من الآيتين خاصة فكيف زعمت أن إحداهما عامة والأخرى خاصة فإن كان هذا حقا على المتقين لم لم يكن حقا على غيرهم هل معك بهذا دلالة كتاب أو سنة أو أثر أو إجماع فما علمته رد أكثر مما وصفت في أن قال: هكذا قال أصحابنا رحمهم الله تعالى. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وقد قال الله عز وجل لنبيه  في المشركين:  فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم  الآية وقال الله عز وجل:  وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك  وأهواءهم يحتمل سبيلهم في أحكامهم ويحتمل ما يهوون وأيهما كان فقد نهى عنه وأمر أن يحكم بينهم بما أنزل الله على نبيه . فقلنا: إذا حكم الحاكم بين أهل الكتاب حكم بينهم بحكم الله عز وجل وحكم الإسلام وأعلمهم قبل أن يحكم أنه يحكم بينهم حكمه بين المسلمين وأنه لا يجيز بينهم إلا شهادة المسلمين لقول الله تعالى:  وأشهدوا ذوي عدل منكم  وقوله: واستشهدوا لشهيدين من رجالكم  فقال بعض الناس: تجوز شهادتهم بينهم فقلنا: ولم والله عز وجل يقول:  شهيدين من رجالكم  وذوي عدل منكم  وأنت لا تخالفنا في أنهم من الأحرار المسلمين العدول لا من غيرهم فكيف أجزت غير من أمر الله تعالى به قال: بقول الله عز وجل:  اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم  فقلت له: فقد قيل من غير قبيلتكم والتنزيل - والله تعالى أعلم - يدل على ذلك لقول الله عز وجل:  تحبسونهما من بعد الصلاة  والصلاة المؤقتة للمسلمين وبقول الله تبارك 
 

صفحة : 2458

 وتعالى:  فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى  وإنما القرابة بين المسلمين الذين كانوا مع النبي  من العرب أو بينهم وبين أهل الأوثان لا بينهم وبين أهل الذمة وقول الله تبارك وتعالى:  ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين  فإنما يتأثم من كتمان الشهادة للمسلمين المسلمون لا أهل الذمة قال: فإنا نقول هي على غير أهل دينكم. قلت له: فأنت تترك ما تأولت. قال: وأين. قلت: أفتجيز شهادة غير أهل ديننا من المشركين غير أهل الكتاب قال: لا. قلت: ولم. وهم غير أهل ديننا هل تجد في هذه الآية أو في خبر يلزم مثله أن شهادة أهل الكتاب جائزة وشهادة غيرهم غير جائزة أو رأيت لو قال لك قائل: أراك قد خصصت بعض المشركين دون بعض فأجيز شهادة غير أهل الكتاب لأنهم ضلوا بما وجدوا عليه آباءهم ولم يبدلوا كتابا كان في أيديهم وأرد شهادة أهل الذمة لأن الله عز وجل أخبرنا أنهم بدلوا كتابه قال: ليس ذلك له وفيهم قوم لا يكذبون. قلنا: وفي أهل الأوثان قوم لا يكذبون. قال: فالناس مجتمعون على أن لا يجيزوا شهادة أهل الأوثان. قلنا: الذين تحتج بإجماعهم معك من أصحابنا لم يردوا شهادة أهل الأوثان إلا من قول الله عز وجل:  ذوي عدل منكم  والآية معها وبذلك ردوا شهادة أهل الذمة فإن كانوا أخطأوا فلا نحتج بإجماع المخطئين معك وإن كانوا أصابوا فاتبعهم فقد اتبعوا القرآن فلم يجيزوا شهادة من خالف دين الإسلام. قال: فإن شريحا أجاز شهادة أهل الذمة فقلت له: وخالف شريحا غيره من أهل دار السنة والهجرة والنصرة فأبوا إجازة شهادتهم ابن المسيب وأبو بكر بن حزم وغيرهما وأنت تخالف شريحا فيما ليس فيه كتاب برأيك قال: إني لأفعل. قلت: ولم قال: لأنه لا يلزمني قوله. قلت: فإذا لم يلزمك قوله فيما ليس فيه كتاب فقوله فيما فيه خلاف الكتاب أولى أن لا يلزمك. قال: فإذا لم أجز شهادتهم أضررت بهم. قلت: أنت لم تضر بهم لهم حكام ولم يزالوا يسألون ذلك منهم ولا نمنعهم من حكامهم وإذا حكمنا لم نحكم إلا بحكم الله من إجازة شهادة المسلمين. وقلت له: أرأيت عبيدا أهل فضل ومروءة وأمانة يشهد بعضهم لبعض قال: لا تجوز شهادتهم. قلت: لا يخلطهم غيرهم في أرض رجل أو ضيعته فيهم قتل وطلاق وحقوق وغيرها ومتى ردت شهادتهم بطلت دماؤهم وحقوقهم. قال: فأنا لم أبطلها وإنما أمرت بإجازة الأحرار العدول المسلمين. 
قلت: وهكذا أعراب كثير في موضع لا يعرف عدلهم وهكذا أهل سجن لا يعرف عدلهم ولا يخلط هؤلاء ولا هؤلاء أحد يعدل أتبطل الدماء والأموال التي بينهم وهم أحرار مسلمون لا 
 

صفحة : 2459

 يخالطهم غيرهم. قال: نعم. لأنهم ليسوا ممن شرط الله. قلنا: ولا أهل الذمة ممن شرط الله بل هم أبعد ممن شرط الله من عبيد عدول لو أعتقوا جازت شهادتهم من غد ولو أسلم ذمي لم تجز شهادتهم حتى نختبر إسلامه. وقلت له إذا احتججت ب  اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم  أفتجيزها على وصية المسلم حيث ذكرها الله عز وجل قال: لا. لأنها منسوخة. 
قلنا أفتنسخ فيما نزلت فيه وتثبت في غيره لو قال هذا غيرك كنت شبيها أن تخرج من جوابه إلى شتمه. قال: ما قلنا فيها إلا أن أصحابنا قالوه وأردنا الرفق بهم. قلنا: الرفق بالعبيد المسلمين العدول والأحرار من الأعراب وأهل السجن كان أولى بك وألزم لك من الرفق بأهل الذمة فلم ترفق بهم لأن شرط الله في الشهود غيرهم وغير أهل الذمة فكيف جاوزت شرط الله تعالى في أهل الذمة للرفق بهم ولم تجاوزه في المسلمين للرفق بهم وقلت أيضا على هذا المعنى إذا تحاكموا إلينا وقد زنى منهم ثيب رجمناه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله  رجم يهوديين زنيا. 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فرجع بعضهم إلى هذا القول. وقال: أرجمهما إذا زنيا لأن ذلك حكم الإسلام وأقام بعضهم على أن لا يرجمهما إذا زنيا وقالوا جميعا في الجملة نحكم عليهم بحكم الإسلام. فقلت لبعضهم: أرأيت إذا أربوا فيما بينهم والربا عندهم حلال قال: أرد الربا لأنه حرام عندنا. قلت: ولا تلتفت إلى ما عندهم من إحلاله قال: لا. قلت: أرأيت إن اشترى مجوسي منهم بين يديك غنما بألف ثم وقذها كلها ليبيعها فباع بعضها موقوذا بربح وبقي بعضها فحرقها عليه مسلم أو مجوسي فقال: هذا مالي وهذه ذكاته عندي وحلال في ديني وقد نقدت ثمنه بين يديك وبعت بعضه بربح والباقي كنت بائعه بربح ثم حرقه هذا قال: فليس لك عليه شيء. قلت: فإن قال لك ولم قال: لأنه حرام. قلت: فإن قال لك حرام عندك أو عندي قال: أقول له عندي. قلت: فقال: هو حلال عندي. قال: وإن كان حلالا عندك فهو حرام عندي علي وما كان حراما علي فهو حرام عليك. قلت: فإن قال: فأنت تقرني على أن آكله أو أبيعه وأنا في دار الإسلام وتأخذ مني عليه الجزية. قال: فإن أقررتك عليه فإقرارك عليه ليس هو الذي يوجب لك علي أن أصير لك شريكا بأن أحكم لك به. 
قلت: فما تقول: إن قتل له خنزيرا أو أهراق له خمرا قال: يضمن ثمنه. قلت: ولم قال: لأنه مال له. قلت: أحرام عليك أم غير حرام قال: بل حرام. قلت: أفثقضي له بقيمة الحرام ما 
 

صفحة : 2460

 فرق بينه وبين الربا وثمن الميتة للميتة كانت أولى أن يقضي له بثمنها لأن فيها أهبا قد يسلخها فيدبغها فتحل له وليس في الخنزير عندك ما يحل. قال الشافعي رحمه الله تعالى: قلت له: ما تقول في مسلم أو ذمي سلخ جلود ميتة ليدبغها فحرق تلك الجلود عليه قبل الدباغ مسلم أو ذمي قال: لا ضمان عليه. قلت: ولم وقد تدبغ فتصير تسوي مالا كثيرا ويحل بيعها. قال: لأنها حرقت في وقت فلما أتلفت في الوقت الذي ليست فيه حلالا لم أضمنها. قلت: والخنزير شر أو هذه قال: بل الخنزير. قلت: فظلم المسلم والمعاهد أعظم أم ظلم المعاهد وحده قال: بل ظلم المسلم والمعاهد معا. قلت: فلا فما أسمعك إلا ظلمت المسلم والمعاهد أو أحدهما حين لم تقض للمسلم بثمن الأهب وقد تصير حلالا وهي الساعة له مال لو غصبه إياها إنسان لم تحل له وكان عليك ردها إليه وظلمت المعاهد حين لم تضمن ثمن أهبه وثمن ميتته أو ظلمته حين أعطيته ثمن الحرام من الخمر والخنزير. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولهذا كتاب طويل هذا مختصر منه وفيما كتبنا بيان مما لم نكتب إن شاء الله تعالى. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وقد قال الله تبارك وتعالى:  إنما الصدقات للفقراء والمساكين  قرأ الربيع الآية فقلنا بما قال الله عز وجل إذا وجد الفقراء والمساكين والرقاب والغارم وابن السبيل أعطوا منها كلهم ولم يكن للإمام أن يعطي صنفا منهم ويحرمها صنفا يجدهم لأن حق كل واحد منهم ثابت في كتاب الله عز وجل. فقال بعض الناس: إن كانوا موجودين فله أن يعطيها صنفا واحدا ويمنع من بقي معه فقيل له: عمن أخذت هذا فذكر بعض من ينسب إلى العلم لا أحفظه قال: فقال: إن وضعها في صنف واحد وهو يجد الأصناف أجزأه. قلنا: فلو كان قول هذا الذي حكيت عنه هذا مما يلزم لم يكن لك فيه حجة لأنه لم يقل فإن وضعها والأصناف موجودون أجزأه وإنما قال الناس إذا لم يوجد صنف منها رد حصته على من معه لأنه مال من مال الله عز وجل لا نجد أحدا أحق به ممن ذكره الله في كتابه معه فأما والأصناف موجودة فمنع بعضهم ماله لا يجوز ولو جاز هذا جاز أن يأخذه كله فيصرفه إلى غيرهم مع أنا لا نعلم أحدا قال هذا القول قط يلزم قوله ولو لم يكن في هذا كتاب الله وكيف تحتج على كتاب الله بغير سنة ولا أمر مجتمع عليه ولا أمر بين. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وقد تركنا من الحجة على من خالف اليمين مع الشاهد أكثر مما كتبنا اكتفاء ببعض ما كتبنا ونسأل الله تعالى التوفيق والعصمة وقد بينا إن شاء الله تعالى أنهم لم يحتجوا في إبطال الحديث عن النبي  أنه قضى باليمين مع 
 

صفحة : 2461

 الشاهد بشيء زعموا أنه يخالف ظاهر القرآن إلا وقد بينا أنهم خالفوا القرآن بلا حديث عن النبي  فيكونون قالوا بقول رسول الله  وقد أمرنا الله تعالى أن نأخذ ما آتانا وننتهي عما نهانا ولم يجعل لأحد بعده ذلك وبينا أنهم تركوا ظاهر القرآن ومعه قول بعض أصحاب النبي  بظاهر القرآن في غير موضع أيضا فأي جهل أبين من أن يكون قوم يحتجون بشيء يلزمهم أكثر منه لا يرونه حجة لغيرهم عليهم والله تعالى الموفق. 

باب اليمين مع الشاهد 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: من ادعى مالا فأقام عليه شاهدا أو آدعي عليه مال فكانت عليه يمين نظر في قيمة المال: فإن كان عشرين دينارا فصاعدا وكان الحكم بمكة أحلف بين المقام والبيت على ما يدعي ويدعى عليه وإن كان بالمدينة حلف على منبر رسول الله  قال الشافعي رحمه الله تعالى: فإن كان عليه يمين لا يحلف بين المقام والبيت فقال بعض أصحابنا: إذا كان هذا هكذا حلف في الحجر فإن كانت عليه يمين في الحجر أحلف عن يمين المقام ويكون أقرب إلى البيت من المقام وإن كان ما يحلف عليه أقل من عشرين دينارا أحلف في المسجد الحرام ومسجد النبي  وهكذا إذا كان ما يحلف عليه من أرش جناية أو غيرها من الأموال كلها. ولو قال قائل: يجبر على اليمين بين البيت والمقام وإن حنث كما يجبر على اليمين لو لزمته وعليه يمين أن لا يحلف كان مذهبا ومن كان ببلد غير مكة والمدينة أحلف على عشرين دينارا أو على العظيم من الدم والجراح بعد العصر في مسجد ذلك البلد ويتلى عليه  إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا  . قال الشافعي رحمه الله تعالى: ويحلف على الطلاق والحدود كلها وجراح العمد صغرت أم كبرت بين المقام والبيت وعلى جراح الخطأ التي هي أموال إذا بلغ أرشها عشرين دينارا فإن لم تبلغ لم يحلف بين المقام والبيت. وكذلك العبد يدعي العتق إن بلغت قيمته عشرين دينارا حلف سيده وإلا لم يحلف. 
قال: وهذا قول حكام المكيين ومفتيهم. ومن حجتهم فيه إجماعهم أن مسلم بن خالد والقداح أخبرا عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد أن عبد الرحمن بن عوف رأى قوما يحلفون بين المقام والبيت فقال: أعلى دم قالوا: لا قال: أفعلى عظيم من الأمر. فقالوا: لا. قال: لقد خشيت أن يتهاون الناس بهذا المقام. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فذهبوا إلى أن العظيم من الأموال ما 
 

صفحة : 2462

 وصفت من عشرين دينارا فصاعدا وقال مالك يحلف على المنبر على ربع دينار. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وأخبرنا عبد الله بن المؤمل عن ابن أبي مليكة قال: كتبت إلى ابن عباس من الطائف في جاريتين ضربت إحداهما الأخرى ولا شاهد عليهما فكتب إلي أن احبسهما بعد العصر ثم اقرأ عليهما:  إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا  ففعلت فاعترفت. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وأخبرنا مطرف بن مازن بإسناد لا أعرفه: أن ابن الزبير أمر بأن يحلف على المصحف. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ورأيت مطرفا بصنعاء يحلف على المصحف قال: ويحلف الذميون في بيعتهم وحيث يعظمون وعلى التوراة والإنجيل وما عظموا من كتبهم. قال: ومن أحلف على حد أو جراح عمد قل أرشها أو كثر أو زوج لاعن فهذا أعظم من عشرين دينارا فيحلف عليه كما وصفنا بين المقام والبيت وعلى المنبر وفي المساجد وبعد العصر وبما تؤكد به الأيمان. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو أخطأ الحاكم في رجل عليه يمين بين المقام والبيت فأحلفه ولم يحلفه بين المقام والبيت فالقول في ذلك واحد من قولين. أحدهما أنه إذا كان من ليس بمكة ولا المدينة ممن عنده حاكم لا يجلب إلى المدينة ولا مكة فيحلف ببلده فحلفه في حرم الله وفي حرم رسول الله  أعظم من حلفه في غيره ولا تعاد عليه اليمين. والآخر: أنه إذا كان من حقه أن يحلف بين المقام والبيت أو على المنبر والناس لليمين بين البيت والمقام وعلى المنبر أهيب فتعاد اليمين عليه حتى يؤخذ منه ما عليه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يجلب أحد من بلد به حاكم يجوز حكمه في العظيم من الأمور إلى مكة وإلى المدينة والى موضع الخليفة ويحكم عليه حاكم بلده باليمين ببلده فإن كان المحكوم عليه يقهر حاكم بلده بجند أو عز فسأل الطالب الخليفة رفعه إليه رأيت رفعه إن لم يكن حاكم يقوى عليه غيره فإن كان يقوى عليه حاكم غيره وهو أقرب إليه من الخليفة رأيت أن يرفع إلى الذي أقرب إليه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: والمسلمون البالغون رجالهم ونساؤهم ومماليكهم وأحرارهم سواء في الأيمان يحلفون كما وصفنا والمشركون من أهل الذمة والمستأمنون في الأيمان كما وصفنا يحلف كل واحد منهم بما يعظم من الكتب. وحيث يعظم من المواضع بما يعرف المسلمون مما يعظم المستحلف منهم مثل قوله: بالله الذي أنزل التوراة على موسى وبالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى ومما أشبه هذا مما يعرفه المسلمون وإن كانوا يعظمون شيئا يجهله المسلمون إما يجهلون لسانهم فيه وإما يشكون في معناه لم يحلفوهم به. ولا يحلفونهم أبدا إلا بما 
 

صفحة : 2463

 يعرفون. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ويحلف الرجل في حق نفسه على البت وفيما عليه نفسه على البت وذلك مثل أن يكون له أصل الحق على الرجل فيدعي الرجل منه البراءة فيحلف بالله أن هذا الحق ويسميه لثابت عليه ما اقتضاه ولا شيئا منه ولا اقتضاه ولا شيئا منه له مقتض بأمره ولا أحال به ولا بشيء منه على أحد ولا أبرأ فلانا المشهود عليه منه ولا من شيء منه بوجه من الوجوه وأنه عليه لثابت إلى يوم حلفت هذه اليمين. فإن كان الحق لأبيه عليه فورث أباه أحلف على البت في نفسه كما وصفت وعلى علمه في أبيه ما علم أباه اقتضاه ولا شيئا منه ولا أبرأه منه ولا من شيء منه بوجه من الوجوه ثم أخذه فإن كان شهد له عليه شاهد قال في اليمين إن ما شهد له به فلان بن فلان على فلان بن فلان لحق ثابت عليه على ما شهد به ثم ينسق اليمين كما وصفت لك ويتحفظ الذي يحلفه فيقول له: قل والله الذي لا إله إلا هو وإن وجبت اليمين لرجل يأخذ بها أو على أحد يبرأ بها فسواء في الموضع الذي يحلف فيه. وإن بدأ الذي له اليمين أو الذي هي عليه فحلف عند الحاكم أو في موضع اليمين على ما ادعى وادعي عليه لم يكن للحاكم أن يقبل يمينه ولكن إذا خرج له الحكم باليمين أو عليه أحلفه. فإن قال قائل: ما الحجة في ذلك. فالحجة فيه أن محمد بن علي بن شافع أخبرنا عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته البتة ثم أتى رسول الله  فقال: إني طلقت امرأتي البتة والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله   والله ما أردت إلا واحدة  فقال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه قال: فقد حلف ركانة قبل خروج الحكم فلم يدع النبي  أن أحلفه بمثل ما حلف به فكان في ذلك دلالة على أن اليمين إنما تكون بعد خروج الحكم فإذا كانت بعد خروج الحكم لم تعد ثانية على صاحبها. وإذا حلف رسول الله  ركانة في الطلاق فهذا يدل أن اليمين في الطلاق كما هي في غيره. وإذا كانت اليمين على الأرت أو له أحلف وكذلك إن كانت على من بلسانه خبل ويفهم بعض كلامه ولا يفهم بعض فإن كانت على أخرس فكان يفهم بالإشارة ويفهم عنه بها أشير إليه وأحلف له وعليه فإن كان لا يفهم ولا يفهم عنه أو كان معتوها أو مخبولا فكانت اليمين له وقفت له حقه حتى يفيق فيحلف أو يموت فيحلف وارثه وإن كانت عليه قيل لمدعيها: انتظر حتى يفيق ويحلف فإن قال: بل أحلف وآخذ حقي قيل له: ليس ذلك لك إنما يكون ذلك لك 
 

صفحة : 2464

 إذا رد اليمين وهو لم يردها. وإن أحلف الوالي رجلا فلما فرغ من يمينه استثنى فقال: إن شاء الله أعاد عليه اليمين أبدا حتى لا يستثني قال: والحجة فيما وصفت من أن يستحلف الناس فيما بين البيت والمقام وعلى منبر رسول الله  وبعد العصر قول الله عز وجل:  تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله  وقال المفسرون: هي صلاة العصر. وقول الله عز وجل في المتلاعنين:  فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين  فاستدللنا بكتاب الله عز وجل على تأكيد اليمين على الحالف في الوقت الذي تعظم فيه اليمين بعد الصلاة وعلى الحالف في اللعان بتكرير اليمين. وقوله:  أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين  وسنة رسول الله  في الدم بخمسين يمينا لعظمه وبسنة رسول الله  باليمين على المنبر وفعل أصحابه وأهل العلم ببلدنا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن نسطاس عن جابر بن عبد الله أن النبي  قال:  من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار  قال الشافعي رحمه الله تعالى: وأخبرنا عن الضحاك بن عثمان الحزامي عن نوفل بن مساحق العامري عن المهاجر بن أبي أمية قال: كتب إلي أبو بكر الصديق أن ابعث إلي نفيس بن مكشوح في وثاق فأحلفه خمسين يمينا عند منبر رسول الله  ما قتل ذادوي قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن داود بن الحصين أنه سمع أبا غطفان بن طريف المري قال: اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع إلى مروان بن الحكم في دار فقضى باليمين على زيد بن ثابت على المنبر فقال زيد: أحلف له مكاني فقال مروان: لا والله إلا عند مقاطع الحقوق فجعل زيد يحلف أن حقه لحق ويأبى أن يحلف على المنبر فجعل مروان يعجب من ذلك قال مالك: كره زيد صبر اليمين. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وبلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حلف على المنبر في خصومة كانت بينه وبين رجل وأن عثمان ردت عليه اليمين على المنبر فاتقاها وافتدى منها وقال: أخاف أن يوافق قدر بلاء فيقال بيمينه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: واليمين على المنبر مما لا اختلاف فيه عندنا في قديم ولا حديث علمته. 

ID ' '   جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 

صفحة : 2465


الخلاف في اليمين علي المنبر 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فعاب علينا اليمين على المنبر بعض الناس فقال: وكيف تختلف الأيمان فيحلف من بالمدينة على المنبر ومن بمكة بين البيت والمقام فكيف يصنع من ليس بمكة ولا المدينة أيجلب إليهما أم يحلف على غير منبر ولا قرب بيت الله قال: فقلت لبعض من يقول هذا القول: كيف أحلفت الملاعن أربعة أيمان وخامسة وهو قاذف لامرأته وأحلفت القاذف لغير امرأته يمينا واحدة وكيف أحلفت في الدم خمسين وأحلفت في الحقوق غيره وغير اللعان يمينا واحدة. وكيف أحلفت الرجل على فعله ولم تحلفه على غير فعله. ثم أحلفته في القسامة على فعله وما علم فعل غيره قال: اتبعنا في بعض هذا كتابا وفي بعضه أثرا وفي بعضه قول الفقهاء. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقلت له: ونحن اتبعنا الكتاب وسنة رسول الله  والآثار عن أصحابه واجتماع أهل العلم ببلدنا فكيف عبت علينا اتباع ما هو ألزم من إحلافك في القسامة ما قتلت ولا علمت قال: فإن صاحبنا قال: إنما أخذ أهل المدينة اليمين على المنبر عن مروان وخالفوا زيدا فذكرت له ما كتبت في كتابي من قول الله عز وجل وسنة رسول الله  وما روي عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم فقال: لم يذكر صاحبنا هذا وقال: إن زيدا أنكر اليمين على المنبر فقلت له: فصاحبك إن كان علم سنة فسكت عنها فلم ينصف وإن كان لم يعلمها فقد عجل قبل أن يعلم فقلت له: زيد من أكرم أهل المدينة على مروان وأحراهم أن يقول له ما أراد ويرجع مروان إلى قوله. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك: أن زيدا دخل على مروان فقال: أيحل بيع الربا فقال مروان: أعوذ بالله قال: فالناس يتبايعون الصكوك قبل إن يقبضونها فبعث مروان حرسا يردونها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فلو لم يعرف زيد أن اليمين عليه لقال لمروان ما هذا علي وكيف تشهر يمين على المنبر ولكان عند مروان لزيد أن لا يمضي عليه ما ليس عليه لو عزم على أن يمضيه لقال زيد ليس هذا علي قال: فلم حلف زيد أن حقه لحق. 
قلنا: أو ما يحلف الرجل من غير أن يستحلف فإذا شهرت يمينه كره أن تصبر يمينه وتشتهر. 
قال: بلى. قلنا: ولو لم يكن على صاحبك حجة إلا ما احتج به من حديث زيد كانت حجة فكيف وهي بالسنة والخبر عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم أثبت قال: فكيف يحلف من بالأمصار على العظيم من الأمر قلنا: بعد العصر كما قال الله عز وجل 
 

صفحة : 2466

  تحبسونهما من بعد الصلاة  وكما أمر ابن عباس ابن أبي مليكة بالطائف أن يحبس الجارية بعد العصر ثم يقرأ عليها  إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا  ففعل فاعترفت. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا بذلك ابن مؤمل عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس. 

باب رد اليمين 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه: أن رسول الله  قال لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن:  تحلفون وتستحقون دم صاحبكم  قالوا: لا قال:  فتحلف يهود  قال الشافعي رحمه الله تعالى وأخبرنا عبد الوهاب الثقفي وابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة: أن رسول الله  بدأ الأنصاريين فلما لم يحلفوا رد الأيمان على يهود  . قال الشافعي رحمه الله تعالى: وأخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن النبي  مثله قال الشافعي رحمه الله تعالى: وأخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار: أن رجلا من بني ليث بن سعد أجرى فرسا فوطىء أصبع رجل من جهينة فنزى فيها فمات فقال عمر للذين ادعى عليهم: تحلفون خمسين يمينا ما مات منها فأبوا وتحرجوا من الأيمان فقال للآخرين احلفوا أنتم فأبوا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقد رأى رسول الله  اليمين على الأنصاريين يستحقون بها فلما لم يحلفوا حولها على اليهود يبرءون بها ورأى عمر على الليثيين يبرءون بها فلما أبوا حولها على الجهنيين يستحقون بها فكل هذا تحويل يمين من موضع قد ريئت فيه إلى الموضع الذي يخالفه فبهذا وما أدركنا عليه أهل العلم قبلنا قلنا في رد اليمين. 
وقد قال الله عز وجل:  تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله  وقال الله عز وجل:  فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله  فبهذا وما أدركنا عليه أهل العلم ببلدنا يحكمونه عن مفتيهم وحكامهم قديما وحديثا قلنا برد اليمين فإذا كانت الدعوى دما فالسنة فيها أن يبدأ المدعون إذا كان ما تجب به القسامة وهذا مكتوب في كتاب العقول فإن حلفوا استحقوا وإن أبوا الأيمان قيل: يحلف لكم المدعى عليهم فإن حلفوا برئوا ولا يحلفون ويغرمون والقسامة في العمد والخطأ سواء يبدأ فيها المدعون. وإن كانت الدعوى غير دم وكانت الدعوى مالا أحلف المدعى عليه فإن حلف برىء وإن نكل 
 

صفحة : 2467

 عن اليمين قيل للمدعي: ليس النكول بإقرار فتأخذ منه حقك كما تأخذه بالإقرار ولا بينة فتأخذ بها حقك بغير يمين فاحلف وخذ حقك فإن أبيت أن تحلف سألناك عن إبائك فإن ذكرت أنك تأتي ببينة أوتذكر معاملة بينك وبينه تركناك فمتى جئت بشيء تستحق به أعطيناك وإن لم تأت به حلفت فإن قلت: لا أؤخر ذلك لشيء غير أني لا أحلف أبطلت يمينك فإن طلبتها بعد لم نعطك بها شيئا. وإن حلف المدعى عليه فبرىء أو لم يحلف فنكل المدعي فأبطلنا يمينه ثم جاء بشاهدين أخذنا له بحقه والبينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة. 
وقد قيل: إن بعض أصحابنا لا يأخذ له بالشهود إذا حلف المدعى عليه ويقول: قد مضى الحكم بإبطال الحق عنه فلا آخذه بعد أن بطل. ولو أبى المدعي اليمين فأبطلت أن أعطيه بيمينه ثم جاء بشاهد فقال: أحلف معه لم أر أن يحلف لأني قد حكمت أن لا يحلف في هذا الحق ولو ادعى عليه حقا فقلت للمدعى عليه: احلف فأبى ورد اليمين على المدعي فقلت للمدعي: احلف فقال المدعى عليه: بل أنا أحلف لم أجعل ذلك له لأني قد أبطلت أن يحلف وحولت اليمين على المدعي فإن حلف استحق وإن لم يحلف أبطلت حقه بلا يمين من المدعي. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو تداعى رجلان شيئا في أيديهما وكان كل واحد منهما يدعي كله أحلف كل واحد منهما لصاحبه فإن حلفا معا فالشيء بينهما نصفان كما كان في أيديهما فإن حلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف قيل للحالف: إنما أحلفناك على النصف الذي في يدك فلما حلفت جعلناه لك وقطعنا دعوى المدعي عليك وأنت تدعي نصفا في يده فأبى أن يحلف فاحلف أنه لك كما ادعيت فإن حلف فهو له وإن أبى فهو للذي في يديه. ولو كانت دار في يدي رجل فادعى آخر أنها داره يملكها بوجه من وجوه الملك وسأل يمين الذي الدار في يديه أو سأل أن تكون اليمين بالله ما اشتريتها وما وهبت لي فإن أبى ذلك الدار في يديه أحلفناه بالله كما يحلف ما لهذا المدعي يسميه في هذه الدار حق بملك ولا غيره بوجه من الوجوه من قبل أنه قد يشتريها ثم تخرج من يديه ويتصدق بها عليه فتخرج أيضا من يديه وتوهب له ولا يقبضها فإذا أحلفناه كما وصفت فقد احتطنا له وعليه في اليمين. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وخالفنا في رد اليمين بعض الناس وقال: من أين أخذتموها فحكيت له ما كتبت من السنة والأثر عن عمر وغيره مما كتبت وقلت له: كيف لم تصر إلى القول بها مع ثبوت الحجج عليك فيها قال: فإني إنما رددتها لأن النبي  قال:  البينة على من ادعى 
 

صفحة : 2468

 واليمين على من أنكر  وقاله عمر فقلت له: وهذا على ما قال رسول الله  وروي عن عمر وهو على خاص فيما بيناه في كتاب الدعوى والبينات. فإن كانت بينة أعطي بها المدعي وإذا لم تكن أحلف المدعى عليه وليس فيما قال رسول الله  في اليمين على المدعى عليه أنه إن لم يحلف أخذ منه الحق. قال: فإني أقول هذا عام ولا أعطي مدعيا إلا ببينة ولا أبرىء مدعى عليه من يمين فإذا لم يحلف لزمه ما ادعى عليه وإذا حلف برىء. فقلت له: أرأيت مولى لي وجدته قتيلا في محلة فحضرتك أنا وأهل المحلة فقالوا لك: أيدعي هذا ببينة فقلت: لا بينة لي فقلت: فاحلفوا واغرموا فقالوا لك: قال النبي   اليمين على المدعى عليه  وهذا لا يدعي علينا قال: كأنكم مدعى عليكم. 
قلنا: وقالوا: فإذا حكمت بكأن وكأن مما لا يجوز عندك هي فيما كأن فيه ليس كان أفعلينا كلنا أو على بعضنا قال: بل على كلكم. قلت: فقالوا: فأحلف كلنا وإلا فأنت تظلمه إذا اقتصرت بالأيمان على الخمسين وهو يدعي على مائة وأكثر وهو عندك لو ادعى درهما على مائة أحلفتهم كلهم وظلمتنا إذا أحلفتنا فلم تبرئنا واليمين عندك موضع براءة. وإذا أعطيته بلا بينة فخرجت من جميع ما احتججت به عن النبي  وعن عمر رضي الله عنه. قال: هذا عن النبي  وعن عمر خاصة. قلت: فإن كان عن عمر خاصا فلا نبطله بالخبر عن رسول الله  وعن عمر ونمضي الخبر عن النبي  وعن عمر في غير ما جاء فيه نص خبر عن عمر قال: نعم. قلنا: ولا يختلفان عندك قال: لا قلنا: ويدلك خصوصه حكما يخرج من جملة قوله أن جملة قوله ليست على كل شيء قال: نعم وقلت له: فالذي احتججت به عن رسول الله  وعن عمر في نقل الأيمان عن مواضعها التي ابتدئت فيها أثبت عن النبي  من قوله:  البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه  والذي احتججت به عن عمر أثبت عنه من قولك في القسامة عنه فكيف جعلت الرواية الضعيفة عن عمر حجة على ما زعمت من عموم السنة التي تخالفه ومن عموم قوله الذي يخالفه وعبت على أن قلت بسنة رسول الله  في رد اليمين واستدللت بها على أن قول النبي :  البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه  خاص فأمضيت سنته برد اليمين على ما جاءت فيه وسنته في البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ولم يكن في قول رسول الله 
 

صفحة : 2469

  واليمين على المدعى عليه بيان أن النكول كالإقرار إذا لم يكن مع النكول شيء يصدقه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وهو يخالف البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه بكثير قد كتبنا ذلك في اليمين مع الشاهد وكتاب الدعوى والبينات واكتفينا بالذي حكينا في هذا الكتاب. وقلت له: فكيف تزعم أن النكول يقوم مقام الإقرار. فإن ادعيت حقا على رجل كثيرا وقلت: فقأ عين غلامي أو قطع يده أو رجله فلم يحلف قضيت عليه بالحق والجراح كلها فإن ادعيت أنه قتله قلت: القياس إذا لم يحلف أن يقتل ولكن أستحسن فأحبسه حتى يقر فيقتل أو يحلف فيبرأ. وقال صاحبك: بل أجعل عليه الدية ولا أحبسه وأحلتما جميعا في العمد وهو عندكما لا دية فيه فقال أحدكما: هو حكم الخطأ وقال الآخر: أحبسه وخالفتما أصل قولكما: إن النكول يقوم مقام الإقرار فكيف زعمتم أنكم إن لاعنتم بين زوجين فالتعن الزوج وأبت المرأة تلتعن حبستموها ولم تحموها والقرآن يدل على إيجاب الحد عليها لأن الله عز وجل يقول  ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله  فبين والله تعالى أعلم أن العذاب لازم لها إذا التعن الزوج إلا أن تشهد: ونحن نقول: تحد إن لم تلتعن. وخالفتم أصل مذهبكم فيه فقال: فكيف لم تجعلوا النكول يحق الحق للمدعي على المدعى عليه وجعلتم يمين المدعي يحقه عليه فقلت له: حكم الله فيمن رمى امرأة بزنا أن يأتي بأربعة شهداء أو يحد فجعل شهود الزنا أربعة وحكم بين الزوجين أن يلتعن الزوج ثم يبرأ من الحد وبلزم المرأة الحد إلا بأن تحلف فإن حلفت برئت وإن نكلت لزمها ما نكلت عنه وليس بنكولها فقط لزمها ولكن بنكولها مع يمينه فلما اجتمع النكول ويمين الزوج لزمها الحد ووجدنا السنة والخبر برد اليمين. فقلنا: إذا لم يحلف من عليه مبتدأ اليمين رددناها على الذي يخالفه فإن حلف فاجتمع أن نكل من ادعى عليه وحلف هو أخذ حقه وإن لم يحلف لم يأخذ حقه لأن النكول ليس بإقرار ولم نجد السنة ولا الأثر بالنكول فقط إقرارا ووجدنا حكم القرآن كما وصفت من أن يقام الحد على المرأة إذا نكلت وحلف الزوج لا إذا نكلت فقط اتباعا وقياسا بل وجدتها لا يختلف الناس في أن لا حد عليها إلا ببينة تقوم أو اعتراف وأن لو عرضت عليها اليمين فلم تلتعن لم تحد بترك اليمين وإذا حلف الزوج قبلها ثم لم تحلف فاجتمعت يمين الزوج المدافع عن نفسه الحد والولد الذي هو خصم يلزمه دون الأجنبي ونكولها عما ألزمها التعانه وهو يمينه حدت بالدلالة لقول الله عز وجل  ويدرأ عنها العذاب  . 

 

صفحة : 2470


في حكم الحاكم 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله  قال:  إنما أنا بشر وأنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار  . قال الشافعي رحمه الله تعالى: فبهذا نقول وفي هذا البيان الذي لا إشكال معه بحمد الله تعالى ونعمته على عالم فنقول: ولي السرائر الله عز وجل فالحلال والحرام على ما يعلمه الله تبارك وتعالى والحكم على ظاهر الأمر وافق ذلك السرائر أو خالفها. فلو أن رجلا زور بينة على آخر فشهدوا أن له عليه مائة دينار فقضى بها القاضي لم يحل للمقضي له أن يأخذها إذا علمها باطلا ولا يحيل حكم القاضي علم المقضي له والمقضي عليه ولا يجعل الحلال على واحد منهما حراما ولا الحرام لواحد منهما حلالا. فلو كان حكم أبدا يزيل علم المقضي له وعليه حتى يكون ما علمه أحدهما محرما عليه فأباحه له القاضي أو علمه حلالا عليه القاضي بالظاهر عنده حائلا بحكم القاضي عن علم الخصمين كان حكم رسول الله  أولى الأحكام أن يكون هكذا. فقد أعلمهم رسول الله  أنه يحكم بينهم بالظاهر وأن حكمه لا يحل لهم ما حرم الله تعالى عليهم فأصل هذا ما وصفت لك من أن تنظر ما حل لك فإن حكم لك به أخذته وما حرم عليك فحكم لك به لم تأخذه. ولو طلق رجل امرأته ثلاثا ثم جحد فأحلفه الحاكم ثم قضى له بحبسها لم يحل له إصابتها ولا لها أن تدعه يصيبها وعليها أن تمتنع منه بأكثر ما تقدر عليه ويسعها إذا أرادها ضربه وإن أتى الضرب على نفسه. ولو شهد شاهدا زور على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا ففرق القاضي بينهما لم يحل لها أن تنكح أبدا إذا علمت أن ما شهدا به باطل ولم يحل له أن ينكح أختها ولا أربعا سواها وكان له أن يصيبها حيث قدر عليها إلا أنا نكره له أن يفعل خوفا أن يعد زانيا فيحد ولم يكن لها أن تمتنع منه وكان لكل واحد منهما إن مات صاحبه قبله أن يرثه ولم يكن لورثته أن يدفعوه عن حقه في ميراثه إذا علموا أن الشهود كاذبون وإن كان الزوج الميت فعلى المرأة العدة منه. والبيوع مجامعة ما وصفنا من الطلاق في الأصل وقد تختلف هي وهي في التصريف فيحتمل أن يكون معناهما لا يفترقان للاجتماع في الأصل ويحتمل أن يفرق بينهما حيث يفترقان ونسأل الله تعالى التوفيق بقدرته. 

 

صفحة : 2471

 ولو باع رجل من رجل جارية فجحده البيع فحلف كان ينبغي للقاضي أن يقول للمشتري بعد اليمين: إن كنت اشتريت منه فأشهد أنك قد فسخت البيع ويقول للبائع: أشهد أنك قد قبلت الفسخ ليحل للبائع فرجها بانفساخ البيع فإن لم يفعل ففيها أقاويل أحدها: لا يحل فرجها للبائع لأنها في ملك المشتري وهذا قياس الطلاق. ولو ذهب ذاهب إلى أن جحده البيع وحلفه يحلها للبائع ويقطع عنها ملك المشتري وأن يقول: هذا رد بيع إن شاء البائع حلت له بأن يقبل الرد كان مذهبا ولو ذهب مذهبا آخر ثالثا وقال: وجدت السنة إذا أفلس بثمنها كان أحق بها من الغرماء فلما كانت البيوع تملك بأخذ العوض فبطل العوض عن صاحب الجارية رجعت إليه بالملك الأول كان مذهبا أيضا والله تعالى أعلم. وهكذا القول في البيوع كلها ينبغي بالاحتياط للقاضي أن أحلف المدعى عليه الشراء أن يقول له: أشهد أنه إن كان بينك وبينه بيع قد فسخته ويقول للبائع: اقبل الفسخ حتى يعود ملكه إليه بحاله الأولى وإن لم يفعل الحاكم فينبغي للبائع أن يقبل فسخ البيع حتى يفسخ في قول من رأى الجحود للشراء فسخ البيع وقول من لم يره. 
وكذلك لو ادعت امرأة على رجل أنه نكحها بشهود وغابوا أو ماتوا فجحد وحلف كان ينبغي للقاضي أن يبطل دعواها ويقول له: أشهد أنك إن كنت نكحتها فهي طالق إن كان لم يدخل بها وإن كان دخل بها أعطاه شيئا قليلا على أن يطلقها واحدة ولا يملك رجعتها وإن ترك ذلك القاضي ولم يقبل ذلك المدعى عليه النكاح والمرأة والرجل يعلمان أن دعواها حق فلا تحل لغيره ولا يحل له نكاح أختها حتى يحدث لها طلاقا. قال: وهما زوجان غير أنا نكره له إصابتها خوفا من أن يعد زانيا يقام عليه الحد ولها هي منعه نفسها لتركه إعطاءها الصداق والنفقة فإن سلم ذلك إليها ومنعته نفسها حتى يقر لها بالنكاح خوف الحبل وأن تعد زانية كان لها إن شاء الله تعالى لأن حالها في ذلك مخالفة حاله هو إذا ستر على أن يؤخذ في الحال التي يصيبها فيها لم يخف وهي تخاف الحمل أن تعد بإصابته أو بإصابة غيره زانية تحد وحالها مخالفة حال الذي يقول لم أطلق وقد شهد عليه بزور. والقول في البعير يباع فيجحد البيع والدار فيجحد المشتري البيع ويحلف كالقول في الجارية وأحب للوالي أن يقول له: افسخ البيع وللبائع: اقبل الفسخ فإن لم يفعل فللبائع في ذلك القول يقبل الفسخ فإن لم يفعل ولم يعمل بالوجه الآخر من أنه كالمفلس فله إجارة الدار حتى يستوفي ثمنها ثم عليه تسليمها إليه أو إلى وارثه وكذلك يصنع بالبعير. وإن وجد ثمن الدار أو البعير من مال المشتري كان له أخذه وعليه تسليم ما باعه 
 

صفحة : 2472

 إليه إذا أخذ ثمنه فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه في النكاح والبيع وغير ذلك. ولو شهد شاهدان على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا وكان الرجل يعلم أنهما كاذبان وفرق القاضي بينهما وسعه أن يصيبها إذا قدر وإن كانت تعلم أنهما كاذبان لم يسعها الامتناع منه وتستتر بجهدها لئلا تعد زانية وإن كانت تشك ولا تدري أصدقا أم كذبا لم يسعها ترك الزوج الذي شهدا عليه أن يصيبها وأحببت لها الوقوف عن النكاح. وإن صدقتهما جاز لها أن تنكح والله وليهما العالم بصدقهما وكذبهما. ولو اختصم رجلان في شيء فحكم القاضي لأحدهما فكان يعلم أن القاضي أخطأ لم يسعه أخذ ما حكم به له بعد علمه بخطئه وإن كان ممن يشكل ذلك عليه أحببت أن يقف حتى يسأل فإن رآه أصاب أخذه وإن كان الأمر مشكلا في قضائه فالورع أن يقف لأن تركه وهو له خير من أخذه وليس له والمقضي عليه بمال للمقضي له إن علم أن القاضي أخطأ عليه وسعه حبسه وإن أشكل عليه أحببت له أن لا يحبسه ولا يسعه حبسه حتى يعلم أن القاضي أخطأ عليه فعلى هذا هذا الباب كله وقياسه. وهذا مثل أن يشهد رجلان أن فلانا توفي وأوصي له بألف ويجحد الوارث فإن صدقهما وسعه أخذها وإن كذبهما لم يسعه أخذها وإن شك أحببت له الوقوف وفي مثل هذا أن يشهد له رجلان أن فلانا قذفه فإن صدقهما وسعه أن يحده وإن كذبهما لم يسعه أن يحده وإن شك أحببت له أن يقف وحاله فيما غاب عنه من كل ما شهد له به هكذا. ولو أقر له رجل بحق لا يعرفه ثم قال: مزحت فإن صدقه بأنه مزاح لم يحل له أخذه وإن كذبه وكان صادقا بالإقرار عنده وسعه أخذ ما أقر له به وإن شك أحببت له الوقوف فيه. 

ID ' '   هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 

صفحة : 2473


الخلاف في قضاء القاضي 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فخالفنا بعض الناس في قضاء القاضي فقال: قضاؤه يحيل الأمور عما هي عليه فلو أن رجلين عمدا أن يشهدا على رجل أنه طلق امرأته وهما يعلمان أنهما شهدا بزور ففرق القاضي بينهما وسع أحدهما فيما بينه وبين الله أن ينكحها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ويدخل عليه أن لو شهد له رجلان بزور أن فلانا قتل ابنه وهو يعلم أنه لم يقتل أو لم يكن له ابن فحكم له القاضي بالقود أن يقتله ولو شهد له على امرأة أنه تزوجها بولي ودفع إليها المهر وأشهد على النكاح أن يصيبها ولو ولدت له جاريته جارية فجحدها فأحلفه القاضي وقضى بابنته جارية له جاز له أن يصيبها ولو شهد له على مال رجل ودمه بباطل أن يأخذ ماله ويقتله وقد بلغنا أنه سئل عن أشنع من هذا وأكثر فقال فيه بما ذكرنا أنه يلزمه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ثم حكي لنا عنه أنه يقول في موضع آخر خلاف هذا القول يقول: لو علمت امرأة أن زوجها طلقها فجحدها وحلف وقضى القاضي بأن تقر عنده لم يسعها أن يصيبها وكان لها إذا أراد إصابتها قتله وهذا القول بعيد من القول الأول. 
والقول الأول خلاف سنة رسول الله  وما يعرفه أهل العلم من المسلمين قال: فخالفه صاحبه في الزوجة يشهد الرجلان بزور أن زوجها طلقها ففرق الحاكم بينهما فقال: لا يحل لأحد الشاهدين أن ينكحها ولا يحل القضاء ما حرم الله قال: ثم عاد فقال: ولا يحل للزوج أن يصيبها فقيل: أتكره له ذلك لئلا يقام عليه الحد فنحن نكرهه أم لغير ذلك قال: لذلك ولغيره قلنا: أي غير قال: قد حكم القاضي فهو يحل لغيره تزويجها وإذا حل لغيره تزويجها حرم عليه بشهادة زور فرأى أن حكمه بحق يحل له نكاحها فهو لا يحرم هذا عليه على الظاهر ويحرم عليه إن علم بمثل ما علم الزوج وكذلك لا يحرم عليه في الظاهر لو نكح امرأة في عدتها وقد قالت له: ليست على عدة أم يعني أنه لو علم ما علم الزوج والمرأة أن الشاهدين شهدا بباطل حل له أن ينكحها فهذا الذي عبت على صاحبك خلاف السنة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا أحفظ عنه في هذا جوابا بأكثر مما وصفت. 

ID ' '   أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 

صفحة : 2474


الحكم بين أهل الكتاب 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: الذي أحفظ من قول أصحابنا وقياسه: أنهم لا ينظرون فيما بين أهل الكتاب ولا يكشفونهم عن شيء من أحكامهم فيما بينهم وأنهم لا يلزمون أنفسهم الحكم بينهم إلا أن يتدارؤوا هم والمسلمون فإن فعلوا فلا يجوز أن يحكم لمسلم ولا عليه إلا مسلم فهذا الموضع الذي يلزمون أنفسهم النظر بينهم فيه فإذا نظروا بينهم وبين مسلم حكموا بحكم المسلمين لا خلاف في شيء منه بحال وكذلك لو تدارؤوا هم ومستأمن لا يرضى حكمهم أو أهل ملة وملة أخرى لا ترضى حكمهم وإن تداعوا إلى حكامنا فجاء المتنازعون معا متراضين فالحاكم بالخيار: إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم وأحب إلينا أن لا يحكم. فإن أراد الحكم بينهم قال لهم قبل أن ينظر فيه: إني إنما أحكم بينكم بحكمي بين المسلمين ولا أجيز بينكم إلا شهادة العدول المسلمين وأحرم بينكم ما يحرم في الإسلام من الربا وثمن الخمر والخنزير وإذا حكمت في الجنايات حكمت بها على عواقلكم وإذا كانت جناية تكون على العاقلة لم يحكم بها إلا برضا العاقلة فإن رضوا بهذا حكم به إن شاء وإن لم يرضوا لم يحكم فإن رضي بعضهم وامتنع بعض من الرضا لم يحكم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقال لي قائل: ما الحجة في أن لا يحكم بينهم الحاكم حتى يجتمعوا على الرضا ثم يكون بالخيار إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم فقلت له: قول الله عز وجل لنبيه:  فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم  الآية. 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فإن جاءوك وجاءوك كأنها على المتنازعين لا على بعضهم دون بعض وجعل له الخيار فقال:  فاحكم بينهم أو أعرض عنهم  قال: فإنا نزعم أن الخيار منسوخ لقول الله عز وجل:  وأن احكم بينهم بما أنزل الله  قلت له: فاقرأ الآية.  ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم  قال الشافعي رحمه الله تعالى: فسمعت من أرضى علمه يقول: وأن احكم بينهم إن حكمت على معنى قوله  فاحكم بينهم أو أعرض عنهم  فتلك مفسرة وهذه جملة في قوله:  فإن تولوا  دلالة على أنهم إن تولوا لم يكن عليه الحكم بينهم ولو كان قوله:  وأن احكم بينهم  إلزاما منه للحكم بينهم ألزمهم الحكم متولين لأنهم إنما تولوا بعد الإتيان فأما ما لم يأتوا فلا يقال لهم تولوا وهم والمسلمون إذا لم يأتوا يتحاكمون لم يحكم بينهم إلا أنه يتفقد من المسلمين ما أقاموا عليه مما يحرم عليهم فيغير عليهم وإن كان أهل الذمة دخلوا بقول الله عز وجل:  وأن احكم بينهم  في معنى المسلمين انبغى للوالي أن يتفقد منهم 
 

صفحة : 2475

 ما أقاموا عليه مما يحرم عليهم. وإن تولى عنه زوجان على حرام ردهما حتى يفرق بينهما كما يرد زوجين من المسلمين لو توليا عنه وهما على حرام حتى يفرق بينهما. قال الشافعي رحمه الله تعالى: والدلالة على ما قال أصحابنا: أن رسول الله  أقام بالمدينة وبها يهود وبخيبر وفدك ووادي القرى وباليمن كانوا وكذلك في زمان أبي بكر وصدرا من خلافة عمر حتى أجلاهم وكانوا بالشام والعراق واليمن ولاية عمر بن الخطاب وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم ولم يسمع لرسول الله  فيهم بحكم إلا رجمه يهوديين موادعين تراضيا بحكمه بينهم ولا لأبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي وهم بشر يتظالمون ويتدارؤون ويختلفون ويحدثون فلو لزم الحكم بينهم لزوم الحكم بين المسلمين تفقد منهم ما يفقد من المسلمين ولو لزم الحكم إذا جاء الطالب لكان الطالب إذا كان له في حكم المسلمين ما ليس له في حكم حكامه لجأ ولجأ المطلوب إذا رجا الفرج عند المسلمين ولجأوا في بعض الحالات مجتمعين - إن شاء الله تعالى - ولو حكم فيهم رسول الله  أو واحد من أئمة الهدى بعده لحفظ بعض ذلك إن لم يحفظ كله فالدلالة على أن لم يحكموا بما وصفت بينة إن شاء الله تعالى. وقلت له: لو كان الأمر كما تقول فكانت إحدى الآيتين ناسخة للأخرى ولم تكن دلالة من خبر ولا في الآية جاز أن يكون قول الله عز وجل:  فاحكم بينهم أو أعرض عنهم  ناسخا لقوله:  وأن احكم بينهم  وكانت عليها دلالة بما وصفنا في التنزيل. قال: فما حجتك في أن لا تجيز بينهم إلا شهادة المسلمين قلت: قول الله عز وجل:  وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط  والقسط حكم الله الذي أنزل على نبيه وقول الله عز وجل:  وأن احكم بينهم بما أنزل الله  والذي أنزل الله حكم الإسلام فحكم الإسلام لا يجوز إلا بشهادة العدول المسلمين وقد قال الله:  وأشهدوا ذوي عدل منكم  وقال تعالى:  حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم  فلم يختلف المسلمون أن شرط الله في الشهود المسلمين الأحرار العدول إذا كانت المعاني في الخصومات التي يتنازع فيها الآدميون معينة وكان فيما تداعوا الدماء والأموال وغير في ذلك لم ينبغ أن يباح ذلك إلا بمن شرط الله من البينة وشرط الله المسلمين أو بسنة رسول الله  أو أجماع من المسلمين ولم يستن رسول الله  علمناه ولا أحد من أصحابه ولم يجمع المسلمون علي إجازة شهادتهم بينهم. وقلت له: أرأيت الكذاب من المسلمين أتجيز شهادتهم عليهم قال: لا ولا أجيز عليهم من المسلمين إلا شهادة العدول التي تجوز على 
 

صفحة : 2476

 المسلمين. فقلت له: فقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أنهم بدلوا كتاب الله وكتبوا الكتب بأيديهم  فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون  قال فالكذاب من المسلمين على الآدميين أخف في الكذب ذنبا من العاقد الكذب على الله بلا شبهة تأويل وأدنى المسلمين خير من المشركين فكيف ترد عنهم شهادة من هو خير منهم بكذب وتقبلهم وهم شر بكذب أعظم منه والله أعلم. 

الشهادات 
أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي رحمه الله تعالى: قال: قال الله تبارك وتعالى:  لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون  وقال:  واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم  وقال الله عز وجل:  والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة  أخبرنا مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة: أن سعدا قال: يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء فقال رسول الله :  نعم  . قال الشافعي رحمه الله تعالى: فالكتاب والسنة يدلان على أنه لا يجوز في الزنا أقل من أربعة والكتاب يدل على أنه لا يجوز شهادة غير عدل. قال: والإجماع يدل على أنه لا تجوز إلا شهادة عدل حر بالغ عاقل لما يشهد عليه قال: وسواء أي زنا ما كان زنا حرين أو عبدين أو مشركين لأن كله زنا. ولو شهد أربعة على امرأة بالزنا أو على رجل أو عليهما معا لم ينبغ للحاكم أن يقبل الشهادة لأن اسم الزنا قد يقع على ما دون الجماع حتى يصف الشهود الأربعة الزنا فإذا قالوا: رأينا ذلك منه يدخل على ذلك منها دخول المرود في المكحلة فأثبتوه حتى تغيب الحشفة فقد وجب الحد ما كان الحد رجما أو جلدا. وإن قالوا: رأينا فرجه على فرجها ولم يثبت أنه دخل فيه فلا حد ويعزر. فإن شهدوا على أن ذلك دخل في دبرها فقد وجب الحد كوجوبه في القبل. فإن شهدوا على امرأة فأنكرت وقالت: أنا عذراء أو رتقاء أريها النساء فإن شهد أربعة حرائر عدول على أنها عذراء أو رتقاء فلا حد عليها لأنها لم يزن بها إذا كانت هكذا الزنا الذي يوجب الحد ولا حد عليهم من قبل أنا وإن قبلنا شهادة النساء فيما يرين على ما يجزن عليه فإنا لا نحدهم بشهادة النساء وقد يكون الزنا فيما دون هذا فإن ذهب ذاهب إلى أن عمر بن 
 

صفحة : 2477

 الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق فقد قال عمر ذلك فيما بلغنا وقال: ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم فأخبر أن الصداق يجب بالمسيس وإن لم يكن أرخى سترا ويجب بإرخاء الستر وإن لم يكن مسيس وذهب إلى أنها إذا خلت بينه وبين نفسها فقد وجب لها الصداق وجعل ذلك كالقبض في البيوع الذي يجب به الثمن وهو لو أغلق عليها بابا وأرخى سترا وأقام معها حتى تبلى ثيابها سنة ولم يقر بالإصابة ولم يشهد عليه بها لم يكن عليه حد عند أحد والحد ليس من الصداق بسبيل الصداق يجب بالعقدة فلو عقد رجل على امرأة عقدة نكاح ثم مات أو ماتت كان لها الصداق كاملا وإن لم يرها يس معنى الصداق من معنى الحدود بسبيل. قال: وإذا شهد أربعة على محصن أنه زنى بذمية حد المسلم ودفعت الذمية إلى أهل دينها في قول من لا يحكم عليهم إلا أن يرضوا فأما من قال: نحكم عليهم رضوا أو لم يرضوا فيحدها حدها إن كانت بكرا فمائة ونفي عام وإن كانت ثيبا فالرجم. قال: وإذا شهد أربعة على رجل أنه وطىء هذه المرأة فقال: هي امرأتي وقالت ذلك أو قال: هي جاريتي فالقول قولهما ولا يكشفان في ذلك ولا يحلفان فيه إلا أن يحضرهما من يعلم غير ما قالا وتثبت عليه الشهادة أو يقران بعد بخلاف ما ادعيا فلا يجوز إلا ما وصفت من قبل أن الرجل قد ينكح المرأة ببلاد غربة وينتقل بها إلى غيرها وينكحها بالشاهدين والثلاثة فيغيبون ويموتون ويشتري الجارية بغير بينة وببينة فيغيبون فتكون الناس أمناء على هذا لا يحدون وهم يزعمون أنهم أتوا ما أحل الله تعالى لهم ونحن لا نعلمهم كاذبين ولا يجوز أن نقول يحد كل من وجدناه يجامع إلا أن يقيم بينة على نكاح أو شراء وقد يأخذ الفاسق الفاسقة فيقول: هذه امرأتي وهذه جاريتي فإن كنت أدرأ عن الفاسق بأن يقول جيرانه رأيناه يدعي أنها زوجته وتقر بذلك ولا يعلمون أصل نكاح درأت عن الصالح الفاضل يقول: هذه جاريتي لأنه قد يشتريها بغير بينة ويقول: هذه امرأتي على أحد هذه الوجوه ثم كان أولى أن يقبل قوله من الفاسق. وكل لا يحد إذا ادعى ما وصفت والناس لا يحدون إلا بإقرارهم أو ببينة تشهد عليهم بالفعل وأن الفعل محرم فأما بغير ذلك فلا نحد. قال: وهكذا لو وجدت حاملا فادعت تزويجا أو إكراها لم تحد فإن ذهب ذاهب في الحامل خاصة إلى أن يقول قال عمر بن الخطاب: الرجم في كتاب الله عز وجل حق على من زنا إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف فإن مذهب عمر فيه بالبيان عنه بالخبر أنه يرجم بالحبل إذا كان مع 
 

صفحة : 2478

 الحبل إقرار بالزنا أو غير ادعاء نكاح أو شبهة يدرأ بها الحد. 

باب إجازة شهادة المحدود 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وتقبل شهادة المحدودين في القذف وفي جميع المعاصي إذا تابوا فأما من أتى محرما حد فيه فلا تقبل شهادته إلا بمدة أشهر يختبر فيها بالانتقال من الحال السيئة إلى الحال الحسنة والعفاف عن الذنب الذي أتى وأما من قذف محصنة على موضع الشتم وغيره من غير مواضع الشهادات فلا تقبل شهادته حتى يختبر هذه المدة في الانتقال إلى أحسن الحال والكف عن القذف وأما من حد في أنه شهد على رجل بالزنا فلم تتم الشهادة فإن كان عدلا يوم شهد فساعة يقول قد تبت وكذب نفسه تقبل شهادته مكانه لأنا وإن حددناه حد القاذف فلم يكن في معاني القذفة. ألا ترى أنهم إذا كانوا أربعة لم نحدهم ولو كانوا أربعة شاتمين حددناهم والحجة في قبول شهادة القاذف أن الله عز وجل أمر بضربه وأمر أن لا تقبل شهادته وسماه فاسقا ثم استثنى له إلا أن يتوب والاستثناء في سياق الكلام على أول الكلام وآخره في جميع ما يذهب إليه أهل الفقه إلا أن يفرق بين ذلك خبر وليس عند زعم أنه لا تقبل شهادته وأن الثنيا له إنما هي على طرح اسم الفسق عنه خبر إلا عن شريح وهم يخالفون شريحا لرأي أنفسهم. وقد كلمني بعضهم فكان من حجته أن قال: إن أبا بكرة قال لرجل أراد أن يستشهده: استشهد غيري فإن المسلمين فسقوني فقلت له: لو لم تكن عليك حجة إلا هذه كنت قد أحسنت الاحتجاج على نفسك قال: وكيف قلت: أرأيت أبا بكرة هل تاب من تلك الشهادة التي حد بها. قال: فإن قلت: نعم قلت: فلم يطرح المسلمون عنه اسم الفسق فأي شيء استثنى له بالتوبة قال: فإن قلنا: لم يتب قلت: فنحن لا نخالفك في أن من لم يتب لم تقبل شهادته. قال: فما توبته إذا كان حسن الحال. قلت: إكذابه لنفسه كما قال صاحبكم الشعبي. 
قال: فهل في هذا خبر قلت: ما نحتاج مع القرآن إلى خبر ولا مع القياس إذا كنت تقبل شهادة الزاني والقاتل والمحدود في الخمر إذا تاب وشهادة الزنديق إذا تاب والمشرك إذا أسلم وقاطع الطريق والمقطوع اليد والرجل إذا تاب لا تقبل شهادة شاهد بالزنا فلم تتم به الشهادة فجعل قاذفا. قال: فهل عندك أثر قلت: نعم. أخبرنا سفيان أنه سمع الزهري يقول: زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز وأشهد لأخبرني ثم سمى الذي أخبره أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال لأبي بكرة: تب تقبل شهادتك أو إن تبت قبلت شهادتك قال سفيان: فذهب 
 

صفحة : 2479

 علي حفظي الذي سماه الزهري فسألت من حضرني فقال لي عمر بن قيس: هو سعيد بن المسيب. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقلت لسفيان: فهو سعيد قال: نعم إلا أني شككت فيه فلما أخبرني لم أشك ولم أثبته عن الزهري حفظا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وبلغني عن ابن عباس أنه كان يجيز شهادة القاذف إذا تاب. وسئل الشعبي عن القاذف فقال: أيقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته أخبرنا ابن علية عن ابن أبي نجيح في القاذف إذا تاب قبلت شهادته وقال: كلنا يقول عطاء وطاوس ومجاهد. قال الشافعي رحمه الله تعالى: والقاذف قبل أن يحد مثله حين يحد لا تقبل شهادته حتى يتوب كما وصفت بل هو قبل أن يحد شر حالا منه حين يحد لأن الحدود كفارات للذنوب فهو بعد ما يكفر عنه الذنب خير منه قبل أن يكفر عنه فلا أرد شهادته في خير حاليه وأجيزها في شر حاليه وإنما رددتها بإعلانه ما لا يحل له فلا أقبلها حتى ينتقل عنها وهذا القاذف. فأما الشاهد بالزنا عند الحاكم فلا يحده الحاكم لمحاباة أو شبهة فإذا كان عدلا يوم شهد ثم أكذب نفسه قبلت شهادته مكانه لأنه ليس في معاني القذفة. 

باب شهادة الأعمى 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا رأى الرجل فأثبت وهو بصير ثم شهد وهو أعمى قبلت شهادته لأن الشهادة إنما وقعت وهو بصير إلا أنه بين وهو أعمى عن شيء وهو بصير ولا علة في رد شهادته فإذا شهد وهو أعمى على شيء قال: أثبته كما أثبت كل شيء بالصوت أو الحس فلا تجوز شهادته لأن الصوت يشبه الصوت والحس يشبه الحس. فإن قال قائل: فالأعمى يلاعن امرأته فأجل إنما حد الله في القذف غير الأزواج إذا لم يأتوا بأربعة شهداء فإذا جاءوا بهم خرجوا من الحد وحد الأزواج إلا بأن يخرجوا بالالتعان ففرق بين الأزواج والأجنبيين في هذا المعنى وجمع بينهم في أن يحدوا معا إذا لم يأت هؤلاء ببينة وهؤلاء بالالتعان أو بينة. 
وسواء قال الزوج: رأيت امرأتي تزني أو لم يقله كما سواء أن يقول الأجنبيون رأيناها تزني أو هي زانية لا فرق بين ذلك. فأما إصابة الأعمى أهله وجاريته فذلك أمر لا يشبه الشهادات لأن الأعمى وإن لم يعرف امرأته معرفة البصير فقد يعرفها معرفة يكتفي بها وتعرفه هي معرفة البصير وقد يصيب البصير امرأته في الظلمة على معنى معرفة مضجعها ومجستها ولا يجوز له أن يشهد على أحد في الظلمة على معرفة المجسة والمضجع. وقد يوجد من شهادة الأعمى بد 
 

صفحة : 2480

 لأن أكثر الناس غير عمي فإذا أبطلنا شهادته في نفسه فنحن لم ندخل عليه ضررا وليس على أحمد ضرورة غيره وعليه ضرورة نفسه فهو مضطر إلى الجماع الذي يحل لأنه لا يجد أكثر من هذا ولا يبصر أبدا وليس بمضطر إلى الشهادة ولا غيره مضطر إلى شهادته وهو يحل له في ضرورته لنفسه ما لا يحل لغيره في ضرورته. ألا ترى أنه يجوز له في ضرورته الميتة ولو صحبه من لا ضرورة به كضرورته لم تحل له الميتة أو لا ترى أنه يجوز له اجتهاده في نفسه ولا يجوز له اجتهاده في غيره من أهل زمانه. فأما عائشة ومن روى عنها الحديث فالحديث إنما قبل على صدق المخبر وعلى الأغلب على القلب وليس من الشهادات بسبيل. ألا ترى أنا نقبل في الحديث حدثني فلان عن فلان بن فلان ولا نقبل في الشهادة حدثني فلان عن فلان حتى يقول: أشهد لسمعت فلانا. ونقبل حديث المرأة حتى نحل بها ونحرم وحدها ولا نقبل شهادتها وحدها على شيء ونقبل حديث العبد الصادق ولا نقبل شهادته ونرد حديث العدل إذا لم يضبط الحديث ونقبل شهادته فيما يعرف فالحديث غير الشهادة. 

شهادة الوالد للولد والولد للوالد 
قال الشافعي رحمه الله تعالى لا تجوز شهادة الوالد لولده ولا لبني بنيه ولا لبني بناته وإن تسفلوا ولا لآبائه وإن بعدوا لأنه من آبائه. وإنما شهد لشيء هو منه وأن بنيه منه فكأنه شهد لبعضه وهذا مما لا أعرف فيه خلافا ويجوز بعد شهادته لكل من ليس منه من أخ وذي رحم وزوجة لأني لا أجد في الزوجة ولا في الأخ علة أرد بها شهادته خبرا ولا قياسا ولا معقولا وإني لو رددت شهادته لزوجته لأنه قد يرثها وترثه في حال رددت شهادنه لمولاه من أسفل إذا لم يكن له ولد لأنه قد يرثه في حال ورددت شهادته لعصبته وإن كان بينه وبينهم مائة أب ولست أجده يملك مال امرأته ولا تملك ماله فيكون يجر إلى نفسه بشهادته ولا يدفع عنها وهكذا أجده في أخيه. ولو رددت شهادته لأخيه بالقرابة رددتها لابن عمه لأنه ابن جده الأدنى ورددتها لابن جده الذي يليه ورددتها لأبي الجد الذي فوق ذلك حتى أردها على مائة أب أو أكثر. قال: ولو شهد أخوان لأخ بحق أو شهد عليه أحد بحق فجرحاه قبلت شهادتهما ولو رددتها في إحدى الحالين لرددتها في الأخرى. قال: وكذلك لو شهدوا له وهو مملوك أنه أعتق وكذلك لو جرحوا شاهدين شهدا عليه بحد قبلتهم لأن أصل الشهادة أن تكون مقبولة أو مردودة فإذا كانت مقبولة للأخ قبلت في كل شيء. فإن قال قائل: فقد يجرون إلى 
 

صفحة : 2481

 أنفسهم الميراث إذا صار حرا قيل له: أفرأيت إن كان له ولد أحرار أو رأيت إن كان ابن عمر بعيد النسب قد يرثونه إن مات ولا ولد له أو رأيت إن كان رجل من أهل العشيرة متراخي النسب أترد شهادتهم له في الحد يدفعونه بجرح من شهدوا على جرحه ممن شهد عليه أو بعتقه فإن قال: نعم. قيل: أفرأيت إن كانوا حلفاء فكانوا يعيرون بما أصاب حليفهم أو كانوا أصهارا فكانوا يعيرون بما أصاب صهرهم وإن بعد صهره وكان من عشيرة صهرهم الأدنى. أو رأيت إن كانوا أهل صناعة واحدة يعابون معا ويمدحون معا من علم أو غيره فإن رد شهادتهم لم يخل الناس من أن يكون هذا فيهم وإن أجازها في هذا فقد أجازها وفيها العلة التي أبطلها بها. قال: ولا تجوز شهادة أحد غير الأحرار المسلمين البالغين العدول. 

شهادة الغلام والعبد والكافر 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد الغلام قبل أن يبلغ والعبد قبل أن يعتق والكافر قبل أن يسلم لرجل بشهادة فليس للقاضي أن يجيزها ولا عليه أن يسمعها وسماعها منه تكلف. 
فإذا بلغ الصبي وعتق العبد وأسلم الكافر وكانوا عدولا فشهدوا بها قبلت شهادتهم لأنا لم نردها في العبد والصبي بعلة سخط في أعمالهما ولا كذبهما ولا بحال سيئة في أنفسهما لو انتقلا عنها وهما بحالهما قبلناهما إنما رددناها لأنهما ليسا من شرط الشهود الذين أمرنا بإجازة شهادتهم. ألا ترى أن شهادتهما وسكاتهما في مالهما تلك سواء. وأنا لا نسأل عن عدلهما ولو عرفنا عدلهما كان مثل جرحهما في أن لا تقبل شهادتهما في أن هذا لم يبلغ وأن هذا مملوك وفي الكافر وإن كان مأمونا على شهادة الزور في أنه ليس من الشرط الذي أمرنا بقبوله فإذا صاروا إلى الشرط الذي أمرنا بقبوله قبلناهم معا وكانوا كمن لم يشهد إلا في تلك الحال. فأما الحر المسلم البالغ ترد شهادته في الشيء ثم تحسن حاله فيشهد بها فلا نقبلها لأنا قد حكمنا بإبطالها لأنه كان عندنا حين شهد في معاني الشهود الذين يقطع بشهادتهم حتى اختبرنا أنه مجروح فيها بعمل شيء أو كذب فاختبر فرددنا شهادته فلا نجيزها وليس هكذا العبد ولا الصبي ولا الكافر أولئك كانوا عدولا أو غير عدول ففيهم علة أنهم ليسوا من الشرط وهذا من الشرط إلا بأن يختبر عمله أو قوله والله تعالى الموفق. 

ID ' '   ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 

صفحة : 2482


شهادة النساء 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: لا تجوز شهادة النساء إلا في موضعين: في مال يجب للرجل على الرجل فلا يجوز من شهادتهن شيء وإن كثرن إلا ومعهن رجل شاهد ولا يجوز منهن أقل من اثنتين مع الرجل فصاعدا ولا تجيز اثنتين ويحلف معهما لأن شرط الله عز وجل الذي أجازهما فيه مع شاهد يشهد بمثل شهادتهما لغيره. قال الله عز وجل:  فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان  فأما رجل يحلف لنفسه فيأخذ فلا يجوز وهذا مكتوب في كتاب اليمين مع الشاهد. 
والموضع الثاني: حيث لا يرى الرجل من عورات النساء فإنهن يجزن فيه منفردات ولا يجوز منهن أقل من أربع إذا انفردن قياسا على حكم الله تبارك وتعالى فيهن لأنه جعل اثنتين تقومان مع رجل مقام رجل وجعل الشهادة شاهدين أو شاهدا وامرأتين فإن انفردن فمقام شاهدين أربع وهكذا كان عطاء يقول. أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يجوز في شيء من الحدود ولا في شيء من الوكالات ولا الوصية ولا ما عدا ما وصفت من المال وما لا يطلع عليه الرجال من النساء أقل من شاهدين ولا يجوز في العتق والولاء ويحلف المدعى عليه في الطلاق والحدود والعتاق وكل شيء بغير شاهد وبشاهد فإن نكل رددت اليمين على المدعي وأخذت له بحقه وإن لم يحلف المدعي لم آخذ له شيئا ولا أفرق بين حكم هذا وبين حكم الأموال. 

ID ' '   غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 

صفحة : 2483


شهادة القاضي 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا كان القاضي عدلا فأقر رجل بين يديه بشيء كان الإقرار عنده أثبت من أن يشهد عنده كل من يشهد لأنه قد يمكن أن يشهدوا عنده بزور والإقرار عنده ليس فيه شك. وأما القضاة اليوم فلا أحب أن أتكلم بهذا كراهية أن أجعل لهم سبيلا إلى أن يجوروا على الناس والله تعالى الموفق. 

رؤية الهلال 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يلزم الإمام الناس أن يصوموا إلا بشهادة عدلين فأكثر وكذلك لا يفطرون وأحب إلي لو صاموا بشهادة العدل لأنهم لا مؤنة عليهم في الصيام إن كان من رمضان أدوه وإن لم يكن رجوت أن يؤجروا به ولا أحب لهم هذا في الفطر لأن الصوم عمل بر والفطر ترك عمل. أخبرنا الدراوردي: عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمه فاطمة بنت الحسين رضي الله تعالى عنه أن شاهدا شهد عند علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه على رؤية هلال شهر رمضان فصام أحسبه قال: وأمر الناس بالصيام وقال: أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان أحسبه  شك الشافعي  . قال الربيع: رجع الشافعي بعد فقال: لا يصام إلا بشاهدين. قال الشافعي رحمه الله تعالى: إن كان علي رضي الله تعالى عنه أمر الناس بالصوم فعلى معنى المشورة لا على معنى الإلزام والله تعالى أعلم. 

ID ' '   ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 

صفحة : 2484


شهادة الصبيان 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: لا تجوز شهادة الصبيان في حال من الأحوال لأنهم ليسوا ممن نرضى من الشهداء وإنما أمرنا الله عز وجل أن نقبل شهادة من نرضى ومن قبلنا شهادته قبلناها حين يشهد بها في الموقف الذي يشهد بها فيه وبعده وفي كل حال ولا أعرف مكان من تقبل شهادته قبل أن يعلم ويجرب ويفارق موقفه إذا علمنا أن عقل الشاهد هكذا فمن أجاز لنا أن نقبل شهادة من لا يدري ما لله تبارك وتعالى اسمه عليه في الشهادة وليس عليه فرض. 
فإن قال قائل. فإن ابن الزبير قبلها قيل: فابن عباس ردها والقرآن يدل على أنهم ليسوا ممن يرضى أخبرنا سفيان عن عمرو عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس. 

الشهادة على الشهادة 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: تجوز الشهادة على الشهادة ولا يجوز أن يشهد على شهادة الرجل ولا المرأة حيث تجوز إلا رجلان. ولا يجوز أن يشهد على واحد منهما نساء مع رجل وإن كان ذلك في مال. لأنهن لا يشهدن على أصل المال إنما يشهدن على تثبيت شهادة رجل أو امرأة. وإذا كان أصل مذهبنا أنا لا نجيز شهادة النساء إلا في مال أو فيما لا يراه الرجال لم يجز لنا أن نجيز شهادتهن على شهادة رجل ولا امرأة. 

ID ' '   يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 

صفحة : 2485


الشهادة على الجراح 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا أقام رجل شاهدا على جرح خطأ أو عمدا مما لا قصاص فيه بحال حلف مع شاهده يمينا واحدة وكان له الأرش. وإن كان عمدا فيه قصاص بحال لم يحلف ولم يقبل فيه إلا شاهدان. ولو أجزنا اليمين مع الشاهد في القصاص أجزناها في القتل وأجزناها في الحدود ووضعناها الموضع الذي لم توضع فيه. وسواء كان ذلك في عبد قتله حر أو نصراني قتله حر مسلم أو جرح. قال: وشهادة النساء فيما كان خطأ من الجراح وفيما كان عمدا لا قصاص فيه بحال جائزة مع رجل ولا يجزن إذا انفردن ولا يمين لطالب الحق معهن وحدهن. فإن ذهب ذاهب إلى أن يقول: إن القسامة تجب بشاهد في النفس فيقتل ولي الدم فالقسامة تجب عنده بدعوى المقتول أو الفوت من البينة. ولا يجوز له إلا أن يزعم أن الجرح الذي فيه القود مثل النفس فيقضي فيه بالقسامة ويجعلها خمسين يمينا ولا يفرق بينه وبين القسامة في النفس بحال أو يزعم أن القسامة لا تكون إلا في النفس. فأصل حكم الله تعالى في الشهادة: شاهدان أو شاهد وامرأتان في المال وأصل حكم رسول الله  عندنا أنه حكم باليمين مع الشاهد في الأموال والقصاص ليس بمال. قال: فلا ينبغي إلا أن لا يجاز على القصاص إلا شاهدان إلا أن يقول قائل في الجراح: إن فيها قسامة مثل النفس فإذا أبى من يقول هذا أن يقبل شاهدا وامرأتين ثم يقتص كان ينبغي أن يكون لأن يقبل يمينا وشاهدا أشد إباء. 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فإذا شهد وارث وهو عدل لرجل أن أباه أوصى له بالثلث وجاء آخر بشاهدين يشهدان له أن أباه أوصى له بالثلث فهو مثل الرجلين يقيم أحدهما شاهدين على الدار بأنها له ويقيم الآخر شاهدا أنها له لا اختلاف بينهما. فمن رأى أن يسوي بين شاهد ويمين في هذا وبين شاهدين أحلف هذا مع شاهده وجعل الثلث بينهما نصفين. ومن لم ير ذلك لأن الشهادة لم تتم حتى يكون المشهود له مستغينا عن أن يحلف جعل الثلث لصاحب الشاهدين وأبطل شهادة الوارث إذا كان وحده ولو كان معه وارث آخر تجوز شهادته أو أجنبي كان الثلث بينهما نصفين في القولين معا. قال: ولو أن الوارث شهد أن أباه رجع عن وصيته للمشهود له وصيره إلى هذا الآخر حلف مع شاهده وكان الثلث له. وهذا يخالف المسألة الأولى لأنهما في المسألة الأولى مختلفان وهذا يثبت ما ثبتا ويثبت أن أباه رجع 
 

صفحة : 2486

 فيه. قال: ولو مات رجل وترك بنين عددا فاقتسموا أو لم يقتسموا ثم شهد أحد الورثة لرجل أن أباه أوصى له بالثلث فإن كان عدلا حلف مع شاهده وأخذ الثلث من أيديهم جميعا وان كان غير عدل أخذ ثلث ما في يديه ولم يأخذ من الآخرين شيئا وأحلفوا له. وهكذا لو كان الشاهد امرأتين من الورثة أو عشرا من الورثة لا رجل معهن أخذ ثلث ما في أيديهن ولم تجز شهادتهن على غيرهن ممن لم يقر ولم يحلف المشهود له مع شهادتهن. قال: لو كان الميت ترك ألفا نقدا وألفا دينا على أحد الوارثين فشهد الذي عليه الدين لرجل أنه أوصى له بالثلث فإن كان عدلا أعطاه ثلث الألف التي عليه لأنها من ميراث الميت وأعطى الآخر ثلث الألف التي أخذ إذا حلف وإن كان مفلسا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أقر الوارث بدين على أبيه ثم أقر عليه بدين بعده فسواء الإقرار الأول والإقرار الآخر لأن الوارث لا يعدو أن يكون إقراره على أبيه يلزمه فيما صار في يديه من ميراث أبيه كما يلزمه ما أقر به في مال نفسه. وهو لو أقر اليوم لرجل عليه بدين وغدا لآخر لزمه ذلك كله ويتحاصان في ماله أو يكون إقراره ساقطا لأنه لم يقر على نفسه فلا يلزمه واحد منهما وهذا مما لا يقوله أحد علمته بل هما لازمان معا. ولو كان معه وارث وكان عدلا حلفا مع شاهدهما ولو لم يكن عدلا كانت كالمسألة الأولى ويلزمه ذلك فيما في يديه دون ما في يدي غيره. قال: وإذا مات رجل وترك وارثا أو ورثة فأقر أحد الورثة في عبد تركه الميت أنه لرجل بعينه ثم عاد بعد فقال: بل هو لهذا الآخر فهو للأول وليس للآخر فيه شيء ولا غرم على الوارث. قال: وكذلك لو وصل الكلام فقال: هو لهذا بل هو لهذا كان للأول منهما وذلك أنه حينئذ كالمقر في مال غيره فلا يصدق على إبطال إقرار قد قطعه لآخر بأن يخرجه إلى آخر وليس في معنى الشاهد الذي شهد بما لا يملك لرجل ثم يرجع قبل الحكم فيشهد به لآخر. قال: وإذا مات الميت وترك ابنين فشهد أحدهما لرجل بدين فإن كان ممن تجوز شهادته أخذ الدين من رأس المال مما في يدي الوارثين جميعا إذا حلف المشهود له وإن كان ممن لا تجوز شهادته أخذ من يدي الشاهد له من دينه بقدر ما كان يأخذ منه لو جازت شهادته لأن موجودا في شهادته أنه إنما له في يدي المقر حق وفي يدي الجاحد حق فأعطيته من المقر ولم أعطه من الجاحد شيئا وليس هذا كما هلك من مال الميت ذاك كما لم يترك. ألا ترى أنه لو ترك ألفين فهلكت إحداهما وثبت عليه دين ألف أخذت الألف. 
وكذلك لو ثبت لرجل وصية بالثلث أخذ ثلث الألف وكانت الهالكة كما لم يترك. ولو قسم 
 

صفحة : 2487

 الورثة ماله اتبع أهل الدين وأهل الوصية كل وارث بما صار في يديه حتى يأخذوا من يديه بقدر ما صار لهم ولو أفلسوا فأعطى أهل الدين دينهم من يدي من لم يفلس رجع به على من أفلس وهذا الشاهد لا يرجع أبدا على أخيه بشيء إنما هو أقر به. قال: ولو ترك الميت رجلا وارثا واحدا فأقر لرجل أن له هذا العبد بعينه ثم أقر به بعد لهذا فهو للأول ولا يضمن للآخر شيئا. وسواء دفع العبد إلى المقر له الأول أو لم يدفعه لا فرق بينهما. ولو زعمت أنه إذا دفعه إلى الأول ثم أقر به للآخر ضمن للآخر قيمة العبد لأنه قد استهلكه بدفعه إلى الأول قلت: كذلك لو لم يدفعه من قبل أني إذا أجزت إقراره الأول ثم أردت أن أخرج ذلك من يدي الأول إلى الآخر بإقرار كنت أقررت في مال غيري فلا أكون ضامنا لذلك. وسواء كان الوارث إذا كان منفردا بالميراث ممن تجوز شهادته أو لا تجوز في هذا الباب من قبل أن لا أقبل شهادته في شيء قد أقر به لرجل وخرج من ملكه إليه. قال: وهكذا لو أقر أن أباه أوصى لرجل بثلث ماله ثم قال: بل أوصى به لهذا لم أقبل قوله. من قبل أني قد ألزمته أن أخرج من يديه ثلث مال أبيه إليه فإذا أراد إخراجه إلى غيره جعلته خصما للذي استحقه أولا بإقراره فلا أقبل شهادته فيما هو فيه خصم له. قال: ولو اقتسم الورثة ثم لحق الميت دين أو وصية بشهادة وارث أو غير وارث فذلك كله سواء. ويقال للورثة إن تطوعتم أن تؤدوا على هذا دينه وتثبتون على القسم فذلك وإن أبيتم بعنا لهذا في أخصر ما ترك الميت ونقضنا القسم بينكم ولم نبع على كل واحد منهم بقدر الدين ولا بقدر الوصية ألا ترى أنه لو ترك دارا وأرضا ورقيقا وثيابا ودراهم وترك دينا أعطينا صاحب الدين من الدراهم الحاضرة ولم نحبسه على غائب يباع وله نبع مال الميت كله وبعنا له من مال الميت بقدر دينه أو وصيته. 

ID ' '   فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 

صفحة : 2488


الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وتجوز الشهادة على الشهادة. وكتاب القاضي في كل حق للآدميين من مال أو حد أو قصاص وفي كل حد لله تبارك وتعالى قولان: أحدهما أنها تجوز. 
والآخر: لا تجوز من قبل درء الحدود بالشبهات. فمن قال: تجوز. فشهد شاهدان على رجل بالزنا وأربعة على شهادة آخرين بالزنا لم تقبل الشهادة حتى يصفوا زنا واحدا وفي وقت واحد ويثبت الشاهدان على رؤية الزنا وتغيب الفرج في الفرج وتثبت الشهود على الشاهدين مثل ذلك ثم يقام عليه الحد. قال: وهكذا كل شهادة زنا لا يقبلها الحاكم فيحد بها حتى يشهدوا بها على زنا واحد. فإن شهدوا فأبهموا ولم يصفوا أنها رؤية واحدة ثم مات أحدهم أو ماتوا أو غاب أحدهم أو غابوا لم يدده ولم يحددهم من قبل أنهم لم يثبتوا عليه ما يوجب عليه الحد. قال: وهكذا لو شهد ثمانية على أربعة في هذا القول أقيم عليه الحد قال: وإذا سمع الرجلان الرجل يقول: أشهد أن لفلان على فلان ألف درهم ولم يقل لهما: اشهدا فليس عليهما أن يقوما بهذه الشهادة. فإن قاما بها فليس للقاضي أن يحكم بها لأنه لم يسترعهم الشهادة فيكون إنما شهد بحق ثابت عنده. وقد يجوز أن يقول: أشهد أن لفلان عليه ألف درهم وعده إياها أو من وجه لا يجب لأنه غير مأخوذ بها. فإذا كان مؤديها إلى القاضي أو يسترعي من يؤديها إلى القاضي لم يكن ليفعل إلا وهي عنده واجبة. وأحب للقاضي أن لا يقبل هذا منه وإن كان على الصحة حتى يسأله: من أين هي له عليه فإن قال: بإقرار منه أو ببيع حضرته أو سلف أجازه. فإن قال: هذا ولم يسأله القاضي كان موضع غبا ورأيته جائزأ من قبل أنه إنما شهد بها على الصحة. قال: وإن أشهد شاهد على شهادة غيره فعليه أن يؤديها وليس للقاضي أن يقبلها حتى يكون معه غيره. قال: وإذا سمع الرجل الرجل يقر لرجل بمال وصف ذلك من غصب أو بيع أو لم يصف ولم يشهده المقر فلازم له أن يؤديها وعلى القاضي أن يقبله وذلك أن إقراره على نفسه أصدق الأمور عليه. قال: وإذا سمع الرجل الرجل يقول: أشهد أن لفلان على فلان حقا لم يلزم فلانا لأنه لم يقر به. وإقرار غيره عليه لا يلزمه ولا يلزمه شيء من ذلك إلا أن يكون شاهدا عليه والشهادة عليه أن يقوم بها عند الحاكم أو يسترعيها شاهدا فأما أن ينطق بها وهي عنده كالمزاح فيسمع منه ولا يسترعيها فهذا بين أن ما أقر به على غيره ولا يلزم غيره إقراره ولم يكن شاهدا به فيلزم غيره شهادته. قال: وإذا شهد الشاهدان 
 

صفحة : 2489

 على رجل أنه قد سرق مالا لرجل فوصفا المال ولم يصفا من حيث سرقه أو وصفا من حيث سرقه ولم يصفا المال فلا قطع عليه لأنه قد يكون سارقا لا قطع عليه. وذلك أن يختلس أو يسرق من غير حرز أو يسرق أقل من ربع دينار فإن مات الشاهدان أو غابا لم يقطع وإذا ماتا خلي بعد أن يحلف فإذا غابا حبس حتى يحضرا ويكتب إلى قاضي البلد الذي هما فيه فيقفهما ثم يقبل ذلك من قبل كتاب القاضي في السرقة. ومن لم يقبل كتاب القاضي في السرقة لم يكتب وإن كانا وصفا السرقة ولم يصفا الحرز أغرمها السارق ولم يقطع. قال: وإذا شهد شهود الزنا على الزنا لم يقم الحد حتى يصفوا الزنا كما وصفت فإن فعلوا أقيم الحد وإن لم يفعلوا حتى غابوا أو ماتوا أو غاب أحدهم حبس حتى يصفه. فإن مات أحدهم خلي سبيله ولا يقيم الحد عليه أبدا حتى يجتمع أربعة يصفون زنا واحدا فيجب بمثله الحد أو يحلفه ويخليه. ويكون فيما يسأل الإمام الشهود عليه: أزني بامرأة. لأنهم قد يعمون الزنا وقع على بهيمة ولعلهم أن يعدوا الاستمناء زنا فلا نحده أبدا حتى يثبتوا الشهادة ويبينوها له فيما يجب في مثله الزنا. قال: وإذا شهد ثلاثة على رجل بالزنا فأثبتوه فقال الرابع: رأيته نال منها ولا أدري أغاب ذلك منه في ذلك منها فمذهب أكثر المفتين أن يحد الثلاثة ولا يحد الرابع. ولو كان الرابع قال: أشهد أنه زان ثم قال هذا القول انبغى أن يحد في قولهم لأنه قاذف لم يثبت الزنا الذي في مثله الحد ولم يحدوا. وهكذا لو شهد أربعة فقالوا: رأيناه على هذه المرأة فلم يثبتوا لم يحد ولم يحدوا. ولو قالوا: زنى بهذه المرأة ثم لم يثبتوا حدوا بالقذف لأنهم قذفة لم يخرجوا بالشهادة. قال: وإذا شهد الشهود على السارق بالسرقة لم يكن للإمام أن يلقنه الحجة وذلك أنه لو جحد قطع. ولكن لو ادعيت عليه السرقة ولم تقم عليه بينة فكان من أهل الجهالة بالحد. إما بأن يكون مسلما بحضرة سرقته جاء من بلاد حرب حضرة سرقته جاء من بلاد حرب وإما أن يكون جافيا ببادية أهل جفاء لم أر بأسا بأن يعرض له بأن يقول: لعله لم يسرق فأما أن يقول له: اجحد فلا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشاهدان على سرقة فاختلفا في الشهادة فقال أحدهما: سرق من هذه الدار كبشا لفلان وقال الآخر: بل سرقه من هذه الدار أو شهدا بالرؤية معا وقالا معا: سرقه من هذا البيت. وقال أحدهما: بكرة وقال الآخر: عشية. أو قال أحدهما: سرق الكبش وهو أبيض وقال الآخر: سرقه وهو أسود. أو قال أحدهما: كان الذي سرق أقرن. وقال الآخر: أجم غير أقرن. أو قال أحدهما: كان كبشا. 

 

صفحة : 2490

 وقال الأخر: كان نعجة. فهذا اختلاف لا يقطع به حتى يجتمعا على شيء واحد يجب في مثله القطع. ويقال للمسروق منه: كل واحد من هذين يكذب صاحبه فادع شهادة أيهما شئت واحلف مع شاهدك فإن قال أحدهما: سرق كبشا ووصفه بكرة وقال الآخر: سرق كبشا ووصفه عشية فلم يدع المسروق إلا كبشا حلف على أي الكبشين شاء وأخذه أو ثمنه إن فات وإن ادعى كبشين حلف مع شهادة كل واحد منهما وأخذ كبشين إذا لم يكونا وصفا أن السرقة واحدة واختلفا في صفتهما فهذه سرقتان يحلف مع كل واحد منهما ويأخذه. قال: وكذلك لو شهد عليه شاهد أنه شرب خمرا اليوم وشاهد آخر أنه شرب خمرا أمس لم يحد من قبل أن أمس غير اليوم. وكذلك لو شهد عليه شاهدان أنه زنى بفلانة في بيت كذا وشهد آخران أنه زنى بها في بيت غيره فلا حد على المشهود عليه ومن حد الشهود إذا لم يتموا أربعة حدهم وإذا شهد شاهد على رجل أنه قذف رجلا اليوم وشهد آخر عليه أنه قذفه أمس فلا يحد من قبل أنه ليس ثم اثنان يشهدان على قذف واحد. وهكذا لو شهدا عليه بالطلاق فقال أحدهما: قال لامرأته أمس: أنت طالق. وقال الأخر: قال لها اليوم أنت طالق. فلا طلاق من قبل أن طلاق أمس غير طلاق اليوم وشهادتهما على ابتداء القول الذي يقع به الآن الحد أو الطلاق أو العتق كشهادتهما على الفعل وليس هذا كما يشهدان عليه بأنه أقر بشيء مضى منه. قال: ويحلف في كل شيء من هذا إذا أبطلت عنه الشهادة استحلفته ولم يكن عليه شيء. قال: وهكذا لو قال: أشهد أنه قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار فدخلتها. 
وقال الآخر: أشهد أنه قال لامرأته: أنت طالق إن ركبت الدابة فركبتها لم تطلق امرأته لأن كل واحد منهما يشهد عليه بطلاق غير طلاق الآخر. قال: وإذا سرق السارق السرقة فشهد عليه أربعة. فشهد اثنان أنه ثوب كذا وقيمته كذا وشهد الآخران أنة ذلك الثوب بعينه وقيمته كذا فكانت إحدى الشهادتين يجب فيها القطع والأخرى لا يجب بها القطع فلا قطع عليه من قبل أنا ندرأ الحدود بالشبهة وهذا أقوى ما يدرأ به الحد ونأخذه بالأقل من القيمتين في الغرم لصاحب السرقة. 
وليس هذا كالذي يشهد عليه رجلان: رجل بألف والآخر بألفين من قبل أنه قد يكون لذلك ألف من وجه وألفان من وجه وهذا لا يكون له إلا ثمن ذلك الثوب الذي اجتمعوا عليه وليس شهود الزيادة بأولى من شهود النقص وأحلفه مع الشاهد الواحد على القيمة إذا ادعى شهادة 
 

صفحة : 2491

 اللذين شهدا على أكثر القيمتين. قال: ومن شهد على رجل بغير الزنا فلم تتم الشهادة فلا حد على الشاهد. ولا بأس أن يفرق القاضي بين الشهود إذا خشي عبثهم أو جهلهم بما يشهدون عليه ثم يوقفهم على ما شهدوا عليه وعلى الساعة التي يشهدون فيها وعلى الفعل والقول كيف كان وعلى من حضر ذلك معهم وعلى ما يستدل به على صحة شهادتهم وشهادة من شهد معهم. قال: وهكذا إذا اتهمهم بالتحامل أو الحيف على المشهود عليه والتحامل لمن يشهدون له أو الجنف له فإن صححوا الشهادة قبلها وإن اختلفوا فيها اختلافا يفسد الشهادة ألغاها. قال: وإذا أثبت الشهود الشهادة على أي حد ما كان ثم غابوا أو ماتوا قبل أن يعدلوا ثم عدلوا أقيم عليه الحد. وهكذا لو كانوا عدولا ثم غابوا قبل أن يقام الحد أقيم. وهكذا لو خرسوا أو عموا. قال: وإذا كان الشهود عدولا أو عدلوا عند الحاكم أطرد المشهود عليه جرحتهم وقبلها منه على من كان من الناس لا فرق بين الناس في ذلك. لأنا نرد شهادة أفضل الناس بالعداوة والجر إلى نفسه والدفع عنها ولا نقبل الجرح من الجارح إلا بتفسير ما يجرح به الجارح المجروح فإن الناس قد يجرحون بالاختلاف والأهواء ويكفر بعضهم بعضا ويضلل بعضهم بعضا ويجرحون بالتأويل فلا يقبل الجرح إلا بنص ما يرى هو مثله يجرح كان الجارح فقيها أو غير فقيه لما وصفت من التأويل. قال: وإذا شهد شهود على رجل بحد ما كان أو حق ما كان فقال المشهود عليه: هم عبيد أو لم يقله فحق على الحاكم أن لا يقبل شهادة أحد منهم حتى يثبت عنده بخبرة منه بهم أو ببينة تقوم عنده أنهم أحرار بالغون مسلمون عدول. فإذا ثبت هذا عنده أخبر المشهود عليه ثم أطرده جرحتهم فإن جاء بها قبلها منه وإن لم يأت بها أنفذ عليه ما شهدوا به. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وليس من الناس أحد نعلمه إلا أن يكون قليلا يمحض الطاعة والمروءة حتى لا يخلطهما بشيء من معصية ولا ترك مروءة ولا يمحض المعصية ويترك المروءة حتى لا يخلطه بشيء من الطاعة والمروءة. فإذا كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة قبلت شهادته وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة رددت شهادته. وكل من كان مقيما على معصية فيها حد وأخذ فلا نجيز شهادته. وكل من كان منكشف الكذب مظهره غير مستتر به لم تجز شهادته. وكذلك كل من جرب بشهادة زور وإن كان غير كذاب في الشهادات. ومن كان إنما يظن به الكذب وله مخرج منه لم يلزمه اسم كذاب وكل من تأول فأتى شيئا مستحلا كان فيه حد أو لم يكن لم ترد 
 

صفحة : 2492

 شهادته بذلك. ألا ترى أن ممن حمل عنه الدين ونصب علما في البلدان من قد يستحل المتعة فيفتي بأن ينكح الرجل المرأة أياما بدراهم مسماة وذلك عندنا وعند غيرنا من أهل الفقه محرم. 
وأن منهم من يستحل الدينار بعشرة دنانير يدا بيد وذلك عندنا وعند غيرنا من أهل الفقه محرم. وأن منهم من قد تأول فاستحل سفك الدماء ولا نعلم شيئا أعظم من سفك الدماء بعد الشرك. ومنهم من تأول فشرب كل مسكر غير الخمر وعاب على من حرمه وغيره يحرمه. 
ومنهم من أحل إتيان النساء في أدبارهن وغيره يحرمه. ومنهم من أحل بيوعا محرمة عند غيره. 
فإذا كان هؤلاء مع ما وصفت وما أشبهه أهل ثقة في دينهم وقناعة عند من عرفهم وقد ترك عليهم ما تأولوا فأخطأوا فيه ولم يجرحوا بعظيم الخطأ إذا كان منهم على وجه الاستحلال كان جميع أهل الأهواء في هذه المنزلة فإذا كانوا هكذا فاللاعب بالشطرنج وإن كرهناها له وبالحمام. وإن كرهناها له أخف حالا من هؤلاء بما لا يحصى ولا يقدر. فأما إن قام رجل بالحمام أو بالشطرنج رددنا بذلك شهادته. وكذلك لو قامر بغيره فقامر على أن يعادي إنسانا أو يسابقه أو يناضله وذلك أنا لا نعلم أحدا من الناس استحل القمار ولا تأوله ولكنه لو جعل فيها سبقا متأولا كالسبق في الرمي وفي الخيل قيل له: قد أخطأت خطأ فاحشا ولا ترد شهادته بذلك حتى يقيم عليه بعد ما يبين له وذلك أنه لا غفلة في هذا على أحد وأن العامة مجتمعة على أن هذا محرم. قال: وبائع الخمر مردود الشهادة لأنه لا فرق بين أحد من المسلمين في أن بيعها محرم. فأما من عصر عنبا فباعه عصيرا فهو في الحال التي باعه فيها حلال كالعنب يشتريه كما يأكل العنب. وأحب إلي له أن يحسن التوقي فلا يبيعه ممن يراه يتخذه خمرا فإن فعل لم أفسخ البيع من قبل أنه باعه حلالا ونية صاحبه في إحداث المحرم فيه لا تحرم الحلال ولا ترد شهادته بذلك من قبل أنه قد يعقد ربا ويتخذ خلا. فإذا كانت الحال التي باعه فيها حلالا يحل فيها بيعه وكان قد يتخذ حلالا وحراما فليس الحرام بأولى به من الحلال بل الحلال أولى به من الحرام وبكل مسلم. قال: وإذا شهد الشهود بشيء فلم يحكم به الحاكم حتى يحدث للشهود حال ترد بها شهادتهم لم يحكم عليه ولا يحكم عليه حتى يكونوا عدولا يوم يحكم عليه ولكنه لو حكم بشهادتهم وهم عدول ثم تغيرت حالهم بعد الحكم لم يرد الحكم لأنه إنما ينظر إلى عدلهم يوم يقطع الحكم بهم. قال: وإذا شهد الشهود على رجل فادعى جرحتهم أجل في جرحتهم بالمصر الذي هو به وما يقاربه فإن جاء بها وإلا أنفذ عليه الحكم ثم إن جرحهم 
 

صفحة : 2493

 بعد لم يرد عنه الحكم. وإن جاء ببعض ما يجرحهم مثل: أن يأتي بشاهد واستأجل في آخر رأيت أن يضرب له أجلا يوسع عليه فيه حتى يجرحهم أو يعوزه ذلك فيحكم عليه. قال: وإذا شهد الرجل بشهادة ثم رجع إلى الحاكم فشك فيها أو قال: قد بان لي أني قد غلطت فيها لم يكن للحاكم أن ينفذها ولا يناله بعقوبة لأن الخطأ موضوع عن بني آدم فيما هو أعظم من هذا. وقال له: لقد كنت أحب أن تتثبت في الشهادة قبل أن تثبت عليها فإن قال: قد غلطت على المشهود عليه الأول وهو هذا الآخر طرحتها عن الأول ولم أجزها على الآخر لأنه قد أطلعني على أنه قد شهد فغلط. ولكن لو لم يرجع حتى يمضي الحكم بها ثم رجع بعد مضي الحكم لم أرد الحكم وقد مضى وأغرمهما إن كانا شاهدين على قطع دية يد المقطوع في أموالهما حالة لأنهما قد أخطأ عليه. وإن قال: عمدنا أن نشهد عليه ليقطع وقد علمنا أنه سيقطع إذا شهدنا عليه جعلنا للمقطوع الخيار: إن شاء أن يقطع يديهما قصاصا وإن شاء أن يأخذ منهما دية يده أخبرنا سفيان عن مطرف عن الشعبي عن علي رضي الله تعالى عنه. قال: وإذا كان الراجع شاهدا واحدا بعد مضي الحكم فالقول فيه كالقول في الأول: يضمن نصف دية يده وإن عمد قطعت يده هو. فأما إذا أقرا بعمد شهادة الزور في شيء ليس فيه قصاص فإني أعاقبهما دون الحد ولا تجوز شهادتهما على شيء بعد حتى يختبرا ويجعل هذا حادثا منهما يحتاج إلى اختبارهما بعده إذا بينا أنهما أخطأ على من شهدا عليه. فأما لو شهدا ثم قالا: لا تنفذ شهادتنا فإنا قد شككنا فيها لم ينفذها وكان له أن ينفذ شهادتهما في غيرها. لأن قولهما: قد شككنا ليس هو قولهما: أخطأنا. قال: وإذا شهد الشهود لرجل بحق في قصاص أو قذف أو مال أو غيره فأكذب الشهود المشهود له لم يكن له بعد إكذابهم مرة أن يأخذ بشيء من ذلك الذي شهدوا له به وهو أولى بحق نفسه وأحرى أن يبطل الحكم به إذا أكذب الشهود وإنما له شهدوا وهو على نفسه أصدق. ولو لم يكذب الشهود ولكنهم رجعوا وقد شهدوا له بقذف أو غيره لم يقض له بشيء. قال الشافعي رحمه الله تعالى: الرجوع عن الشهادات ضربان: فإذا شهد الشاهدان أو الشهود على رجل بشيء يتلف من بدنه أو ينال مثل قطع أو جلد أو قصاص في قتل أو جرح وفعل ذلك به ثم رجعوا فقالوا: عمدنا أن ينال ذلك منه بشهادتنا فهي كالجناية عليه ما كان فيه من ذلك قصاص خير بين أن يقتص أو يأخذ العقل وما لم يكن فيه من ذلك قصاص أخذ فيه العقل وعزروا دون الحد. ولو قالوا: عمدنا 
 

صفحة : 2494

 الباطل ولم نعلم أن هذا يجب عليه عزروا وأخذ منهم العقل وكان هذا عمدا يشبه الخطأ فيما يقتص منه وما لا يقتص منه. ولو قالا: أخطأنا أو شككنا لم يكن في شيء من هذا عقوبة ولا قصاص وكان عليهم فيه الأرش. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو شهدوا على رجل أنه طلق امرأته ثلاثا ففرق بينهما الحاكم ثم رجعوا أغرمهم الحاكم صداق مثلها إن كان دخل بها وإن لم يكن دخل بها غرمهم نصف صداق مثلها لأنهم حرموها عليه ولم يكن لها قيمة إلا مهر مثلها. ولا ألتفت بها إلى ما أعطاها قل أو كثر إنما ألتفت إلى ما أتلفوا عليه فأجعل له قيمته. قال: وإذا كانوا إنما شهدوا على الرجل بمال يملك فأخرجوه من يديه بشهادتهم إلى غيره عاقبتهم على عمد شهادة الزور ولم أعاقبهم على الخطأ ولم أغرمهم من قبل أني لو قبلت قولهم الآخر وكانوا شهدوا على دار قائمة أخرجت فرددتها إليه لم يجز أن أغرمهم شيئا قائما بعينه قد أخرجته من ملك مالكه. وقد قال بعض البصريين: إنه ينقض الحكم في هذا كله فترد الدار إلى الذي أخرجها من يديه أولا. وإنما منعنا من هذا أنا إن جعلناه عدلا بالأول فأمضينا به الحكم ولم يرجع قبل مضيه أنا إن نقضناه جعلنا للآخر في غير موضع عدالة فنجيز شهادته على الرجوع ولم يكن أتلف شيئا لا يوجد إنما أخرج من يدي رجل شيئا. فكان الحكم أن ذلك حق في الظاهر فلما رجع كان كمبتدىء شهادة لا تجوز شهادته وهو لم يأخذ شيئا لنفسه فأنتزعه من يديه ولم يفت شيئا لا ينتفع به من أفاته وإنما شهد بشيء انتفع به غيره فلم أغرمه ما أقر بيدي غيره. قال: وإذا شهد الرجل أو الاثنان على رجل أنه أعتق عبده أو أن هذا العبد حر الأصل فرددت شهادتهما ثم ملكاه أو أحدهما عتق عليهما أو على المالك له منهما لأنه أقر بأنه حر لا يحل لأحد ملكه ولا أقبل منه أن يقول: شهدت أولا بباطل. قال: وهكذا لو قال لعبد لأبيه: قد أعتقه أبي في وصية وهو يخرج من الثلث ثم قال: كذبت لم يكن له أن يملك منه شيئا لأنه قد أقر له بالحرية. قال: وإذا شهد الرجلان على رجل بشهادة فأجازها القاضي ثم علم بعد أنهما عبدان أو مشركان أو أحدهما فعليه رد الحكم ثم يقضي بيمين وشاهدان: كان أحدهما عدلا وكان مما يجوز فيه اليمين مع الشاهد. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وهكذا لو علم أنهما يوم شهدا كانا غير عدلين من جرح بين في أبدانهما أو في أديانهما لا أجد بينهما وبين العبد فرقا في أنه ليس لواحد منهما شهادة في هذه الحال فإذا كانوا بشيء ثابت في أنفسهم من فسق أو عبودية أو كفر لا يحل ابتداء القضاء 
 

صفحة : 2495

 بشهادتهم فقضى بها كان القضاء نفسه خطأ بينا عند كل أحد ينبغي أن يرده القاضي على نفسه ويرده على غيره بل القاضي بشهادة الفاسق أبين خطأ من القاضي بشهادة العبد وذلك أن الله عز وجل قال:  وأشهدوا ذوي عدل منكم  وقال ممن:  ترضون من الشهداء  وليس الفاسق واحدا من هذين. فمن قضى بشهادته فقد خالف حكم الله عز وجل وعليه رد قضائه ورد شهادة العبد إنما هو تأويل ليس ببين واتباع بعض أهل العلم. ولو كانا شهدا على رجل بقصاص أو قطع فأنفذه القاضي ثم بان له لم يكن عليهما شيء لأنهما صادقان في الظاهر وكان على القاضي أن لا يقبل شهادتهما فهذا خطأ من القاضي تحمله عاقلته فيكون للمقضي عليه بالقصاص أو القطع أرش يده إذا كان جاء ذلك بخطأ. فإن أقر أنه جاء ذلك عمدا وهو يعلم أنه ليس ذلك له فعليه القصاص فيما فيه قصاص وهو غير محمود قال: وإذا مات الرجل وترك ابنا وارثا لا وارث له غيره فأقر أن هذه الألف الدرهم لهذا الرجل. وهي: 
باب الحدود 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: الحد حدان: حد لله تبارك وتعالى لما أراد من تنكيل من غشيه عنه وما أراد من تطهيره به أو غير ذلك مما هو أعلم به وليس للآدميين في هذا حق. وحد أوجبه الله تعالى على من أتاه من الآدميين فذلك إليهم ولهما في كتاب الله تبارك وتعالى اسمه أصل. فأما أصل حد الله تبارك وتعالى في كتابه فقوله عز وجل:  إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله  إلى قوله:  رحيم  فأخبر الله تبارك اسمه بما عليهم من الحد إلا أن يتوبوا من قبل أن يقدر عليهم ثم ذكر حد الزنا والسرقة ولم يذكره فيما استثنى فاحتمل ذلك أن لا يكون الاستثناء إلا حيث جعل في المحارب خاصة واحتمل أن يكون كل حد لله عز وجل فتاب صاحبه قبل أن يقدر عليه سقط عنه. كما احتمل حين قال النبي  في حد الزنا في ماعز:  ألا تركتموه  أن يكون كذلك عند أهل العلم السارق إذا اعترف بالسرقة والشارب إذا اعترف بالشرب ثم رجع عنه قبل أن يقام عليه الحد سقط عنه. ومن قال هذا قال: هذا في كل حد لله عز وجل: فتاب صاحبه قبل أن يقدر عليه سقط عنه حد الله تبارك وتعالى في الدنيا وأخذ بحقوق الآدميين. واحتج بالمرتد يرتد عن الإسلام ثم يرجع إلى الإسلام فيسقط عنه القتل فيبطل القطع عن السارق ويلزمه المال لأنه قد اعترف بشيئين: أحدهما لله عز وجل والآخر: للآدميين فأخذناه بما للآدميين وأسقطنا عنه ما لله عز وجل ومن ذهب إلى 
 

صفحة : 2496

 أن الاستثناء في المحارب: ليس إلا حيث هو جعل الحد على من أتى حد الله متى قدر عليه وإن تقادم. فأما حدود الآدميين من القذف وغيره فتقام أبدا لا تسقط.  قال الربيع  : قول الشافعي رحمه الله تعالى: الاستثناء في التوبة للمحارب وحده الذي أظن أنه يذهب إليه.  قال الربيع  : والحجة عندي في أن الاستثناء لا يكون إلا في المحارب خاصة حديث ماعز حين أتى النبي  فأقر بالزنا فأمر النبي  برجمه ولا نشك أن ماعزا لم يأت النبي  فيخبره إلا تائبا إلى الله عز وجل قبل أن يأتيه فلما أقام عليه الحد دل ذلك على أن الاستثناء في المحارب خاصة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد الشاهدان على السرقة وشهدا أن هذا سرق لهذا كذا وكذا قطع السارق إذا ادعى المسروق المتاع لأنه قد قام عليه شاهدان بأنه سرق متاع غيره. ولو لم يزيدا على أن قالا: هذا سرق من بيت هذا كان مثل هذا سواء إذا ادعى أنه له قطعت السارق لأني أجعل له ما في يديه وما في بيته مما في يديه. قال: ولو ادعى في الحالين معا أن المتاع متاعه غلبه عليه هذا أو باعه إياه أو وهبه له وأذن له في أخذه لم أقطعه لأني أجعله خصما له. ألا ترى أنه لو نكل عن اليمين أحلفت المشهود عليه بالسرقة ودفعته إليه ولو أقام عليه بينة دفعته إليه ولو أقام عليه بينة في المسألة الأولى فأقام المسروق بينة أنه متاعه جعلت المتاع للذي المتاع في يديه وأبطلت الحد عن السارق لأنه قد جاء ببينة أنه له فلا أقطعه فيما قد أقام البينة أنه له وإن لم أقض به له وأنا أدرأ الحد بأقل من هذا. ولو أقر المسروق منه بعد ما قامت البينة على السارق أنه نقب بيته وأخرج متاعه: أنه أذن له أن ينقب بيته ويأخذه وأنه متاع له لم أقطعه. 
وكذلك لو شهد له شهود فأكذب الشهود إذا سقط أن أضمنه المتاع بإقرار رب المتاع له لم أقطعه في شيء أنا أقضي به له ولا أخرجه من يديه. والشهادة على اللواط وإتيان البهائم أربعة لا يقبل فيها أقل منهم لأن كلا جماع. 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ومن شهد على رجل بحد أو قصاص أو غيره فلم نجز شهادته بمعنى من المعاني: إما بأن لم يكن معه غيره وإما بأن لم يكن عدلا فلا حد عليه ولا عقوبة. إلا شهود الزنا الذين يقذفون بالزنا فإذا لم يتموا فالأثر عن عمر وقول أكثر المفتين: أن يحدوا. والفرق بين الشهادة في الحدود وبين المشاتمة التي يعزر فيها من ادعى الشهادة أو يحد: أن يكون الشاهد إنما يتكلم بها عند الإمام الذي يقيم الحدود أو عند شهود يشهدهم على 
 

صفحة : 2497

 شهادته أو عند مفت يسأله ما تلزمه الشهادة لو حكاها لا على معنى الشتم ولكن على معنى الإشهاد عليها. فأما إذا قالها على معنى الشتم ثم أراد أن يشهد بها لم يقبل منه وأقيم عليه فيها الحد إن كان حدا أو التعزير إن كان تعزيرا. قال: ولا يجوز كتاب القاضي إلى القاضي حتى يشهد عليه شاهدان بالكتاب بعد ما يقرأه القاضي عليهما ويعرفانه وكتابه إليه كالصكوك للناس على الناس لا أقبلها مختومة وإن شهد الشهود أن ما فيها حق. وكذلك إن شهد الشاهدان أن هذا كتاب القاضي دفعه إلينا وقال: اشهدوا أن هذا كتابي إلى فلان لم أقبله حتى يقرأ عليهم وهو يسمعه ويقربه ثم لا أبالي كان عليه خاتم أو لم يكن فأقبله. قال: وقد حضرت قاضيا أتاه كتاب من قاض وشهود عدد عدول فقال الشهود: نشهد أن هذا كتاب القاضي فلان دفعه إلينا وقال: اشهدوا أن هذا كتابي إلى فلان فقبله وفتحه فأنكر المكتوب عليه ما فيه وجاء بكتاب منه يخالفه فوقف القاضي عنه وكتب إليه بنسختهما فكتب إليه يخبره: إن أحدهما صحيح وأن الآخر وضع في مكان كتاب صحيح فدفعه وهو يرى أنه إياه وذكر المشهود عليه أن ذلك من قبل بعض كتابه أو أعوانه فإذا أمكن هذا هكذا لم ينبغ أن يكون مقبولا حتى يشهد الشهود على ما فيه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يقبل إلا كتاب قاض عدل وإذا كتب الكتاب وأشهد عليه ثم مات أو عزل انبغى للمكتوب إليه أن يقبله. قال: وكذلك لو مات القاضي المكتوب إليه انبغى للقاضي الوالي بعده أن يقبله. قال الشافعي رحمه الله تعالى: أصل ما نذهب إليه أنا لا نجيز شهادة خصم على خصمه لأن الخصومة موضع عداوة سيما إذا كان الخصم يطلبه بشتم. قال: ولو أن رجلا قذف رجلا أو جماعة فشهدوا عليه بزنا أو بحد غيره لم أجز شهادة المقذوف لأنه خصم له في طلب القذف وحددت المشهود عليه بالقذف بشهادة غير من قذفه. ولو كانوا شهدوا عليه قبل القذف ثم قذفهم كانت الشهادة ما كانت أنفذتها لأنها كانت قبل أن يكونوا له خصماء. ولكنهم لو زادوا عليه فيها بعد القذف لم أقبل الزيادة لأنها كانت بعد أن كانوا له خصماء. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا قذف رجل رجلا وكان المقذوف عبدا فأقام شاهدين أن سيده أعتقه قبل قذف هذا بساعة أو أكثر حد قاذفه. وكذلك لو جني عليه أو جنى هو كانت جنايته والجناية عليه جناية حر. قال: وكذلك لو أصاب هو حدا كان حده حد حر وطلاقه طلاق حر لأني إنما أنظر إلى العتق يوم يكون الكلام ولا أنظر إليه يوم يقع به الحكم. ولو جحده سيده العتق سنة 
 

صفحة : 2498

 أعتقه يوم أعتقه السيد وحكمت له بأحكام الحر يومئذ ورددته على السيد بإجارة مثله بما استخدمه. وهكذا نقول في الطلاق: إذا جحده الزوج وقامت به بينة الطلاق من يوم قامت البينة لا من يوم وقع الحكم. وهكذا نقول في القرعة وقيم العبيد قيمتهم يوم يقع العتق. وهكذا نقول فيمن عتق من الثلث: قيمتهم يوم مات المعتق لأنه يومئذ وقع العتق ولا ألتفت إلى وقوع الحكم. فأما أن يتحكم متحكم فيزعم مرة أنه إنما ينظر إلى يوم تكون البينة لا يوم يقع الحكم ومرة إلى يوم يقع الحكم فلو شاء قائل أن يقول له بخلاف قوله فيجعل ما جعل يوم كانت البينة أو كان العتق لم يكن عليه حجة ولا يجوز فيه إلا ما قلناه: من أن يكون الحكم من يوم وقع العتق وبوم قامت البينة. قال: وإذا أقام شاهدا على رجل أنه غصبه جارية وشاهدا أنه ا أقر أنه غصبه إياها فهذه شهادة مختلفة ويحلف مع أحد شاهديه ويأخذها. قال: وكذلك لو شهد أحدهما أنها له وشهد الآخر أنه أقر أنه غصبه إياها. قال: وإذا شهد شاهدان على رجل أنه غصب رجلا جارية وقد وطئها وولدت له أولادا فله الجارية وما نقص ثمنها ومهرها وأولاده رقيق. فإن أقر أنه غصبها ووطئها حد ولا يلحق به الولد. وإن زعم أنها له وأن الشهود شهدوا عليه بباطل فلا حد عليه ويلحق به الولد ويقومون. وليس في شهادة الشهود عليه في الجارية أنه غصبها مسلمة في الحد عليه لأنهم لم يشهدوا عليه بزنا إنما شهدوا عليه بغصب. 
وإذا شهد الشهود على رجل أنه غصب جارية لا يعرفون قيمتها وقد هلكت الجارية لم يقض عليه بقيمة صفة حتى يثبتوا على قيمتها ويقال لهم: اشهدوا إن أثبتم على أن قيمتها دينار أو أكثر فلا تأثموا إذا شهدتم بما أحطتم به علما ووقفتم عما لا تحيطون به علما. فإن ماتوا ولم يثبتوا قيل للغاصب: قل ما شئت في قيمتها مما يحتمل أن يكون ثمن شر ما يكون من الجواري وأقله ثمنا واحلف عليه وليس عليك أكثر منه. فإن قال: لا قيل للمغصوب: ادع واحلف فإن فعل فهو له وإن لم يفعل فلا شيء له. قال: ولو شهدوا أنه أخذ من يده جارية ولم يقولوا هي له قضينا عليه بردها إليه. وكذلك كل ما أخذ من يديه قضي عليه برده عليه لأنه أولى بما في يديه من غيره. قال: ولو شهد شاهدان على رجل بغصب بعينه وقام عليه الغرماء حيا وميتا فالسلعة التي شهدوا بها بعينها للمغصوب له ما كان: عبدا أو ثوبا أو دنانير أو دراهم. قال: وإذا أقام رجل شاهدين على دابة أنها له زادوا ولا يعلمونه باع ولا وهب أولا قضيت له بها لأنهم لم يشهدوا أنها له إلا وهو لم يبع ولم يهب ولم تخرج من ملكه ولكنه إن دفعه المشهود عليه 
 

صفحة : 2499

 عنها أحلفته له أنها لفي ملكه ما خرجت منه بوجه من الوجوه. قال: وإذا أقام رجل شاهدين أن هذا الميت مولى له أعتقه ولا وارث له غيره قضي له بميراثه وليس على أحد قضي له ببينة تقوم له أن يؤخذ منه كفيل إنما الكفيل في شيء ذهب إليه بعض الحكام يسأله المقضي له فيتطوع به احتياطا لشيء إن كان وإن لم يأت بكفيل قضي له به. قال: ولو أقام رجل بعد هذا بينة على أنه مولاه أعتقه هو وكانت البينة شاهدين وأكثر فسواء إذا كانا شاهدين تجوز شهادتهما هما ومن هو أكثر منهما وأعدل لأني أحكم بشهادة هذين كما أحكم بشهادة الجماعة التي هي أعدل وأكثر وهذا مكتوب في غير هذا الموضع. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد شاهدان أن رجلا أعتق عبدا له في مرضه الذي مات فيه عتق بتات وهو يخرج من الثلث فهو حر كان الشاهدان وارثين أو غير وارثين إذا كانا عدلين. قال: ولو جاء أجنبيان فشهدا لآخر أنه أعتقه عتق بتات سئلا عن الوقت الذي أعتقه فيه والشاهدان الآخران عن الوقت الذي أعتق العبد فيه فأي العتقين كان أولا قدم وأبطل الآخر. وإن كانا سواء أو كانوا لا يعرفون أي ذلك كان أولا أقرع بينهما. وإن كان أحدهما عتق بتات والآخر عتق وصية كان البتات أولى. فإن كانا جميعا عتق وصية أو عتق تدبير فكله سواء يقرع بينهما. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد شاهدان أجنبيان لعبد أنه أعتقه وهو الثلث في الوصية وشهد شاهدان وارثان لعبد غيره أنه أعتقه في وصية وهو الثلث فسواء الأجنبيان والوارثان لأن الوارثين إذا شهدا على ما يستوظف الثلث فليس ههنا في الثلث موضع في أن يوفرا على أنفسهما فيعتق من كل واحد منهما نصفه قال الربيع: قول الشافعي في غير هذا الموضع: أن العبدين إذا استويا في الدعوى والشهادة ولم يدر أيهما عتق أولا فاستوظف به الثلث: أنه يقرع بينهما فأيهما خرج سهمه أعتقناه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو أنهما شهدا أنه رجع عن عتق الأول وأعتق الآخر أجزت شهادتهما إذا كان الثلث وإنما أرد شهادتهما فيما جرا إلى أنفسهما التوفير فأما إذا لم يجرا إلى أنفسهما فلا. قال: ولو شهد أجنبيان لرجل أنه أوصى له بالثلث أو بعبد هو الثلث وشهد الوارثان أنه رجع عن الوصية لهذا المشهود له وأوصى بها لغيره وهو غير وارث أو أعتق هذا العبد أجزت شهادتهما لأنهما مخرجان الثلث من أيديهما فإذا لم يخرجاه لشيء يعود عليهما منه ما يملكان ملك الأموال لم أرد شهادتهما. فأما الولاء فلا يملك ملك الأموال وقد لا يصير في أيديهما من الولاء شيء. ولو كنا 
 

صفحة : 2500

 نبطلها بأنهما قد يرثان المولى يوما إن مات ولا وارث له غيرهما أبطلناها لذوي أرحامهما وعصبتهما ولكنها لا تبطل في شيء من هذا. والشهادة في الوصية مثلها في العتق تجوز شهادة الوارثين فيها كما تجوز شهادة الأجنبيين. فإن شهد الأجنبيان لرجل أنه أوصي له بالثلث وشهد الوارثان لرجل أنه أوصي له بالثلث كان بينهما سواء. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فإذا شهد أجنبيان لعبد أنه أعتقه في وصية وشهد وارثان لعبد أنه أعتقه في وصية ورجع عن العتق الآخر وكلاهما الثلث فشهادة الوارثين جائزة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد أجنبيان بأن الميت أوصى لرجل بعبد بعينه وهو الثلث وشهد وارثان أنه أوصى بذلك العبد بعينه لآخر ورجع في وصيته الأولى فشهادتهما جائزة والوصية لمن شهدا له وكذلك لو شهدا بعبد آخر غيره قيمته مثل قيمته جازت شهادتهما. ولو كانت أقل من قيمته رددت شهادتهما من قبل أنهما يجران إلى أنفسهما فضل ما بين قيمة من شهدا أنه أوصى به وقيمة من شهدا أنه رجع عن الوصية به فلا أرد من شهادتهما إلا ما رد عليهما الفضل. ولو كانت له مع هذا وصايا بغير هذين تستغرق الثلث أجزت شهادتهما من قبل: أن الثلث خارج لا محالة فليسا يردان على أنفسهما من فضل ما بين قيمتهما شيئا لأن ذلك الشيء لغيرهما من الموصى لهم به. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد أجنبيان لعبد أن مولاه أعتقه من الثلث في وصيته وشهد وارثان لعبد آخر أنه رجع في عتق هذا المشهود له وأعتق هذا الآخر وهو سدس مال الميت أبطلت شهادتهما عن الأول لأنهما يجران إلى أنفسهما فضل قيمة ما بينهما وأعتقت الأول بغير قرعة وأبطلت حقهما من هذا الآخر لأنهما يشهدان له أنه حر من الثلث. 
ولو لم يزيدا على أن يقول: نشهد على أنه أعتق هذا أجزت شهادتهما وأقرعت بينهما حتى أستوظف الثلث. وإذا شهد أجنبيان لرجل حي أن ميتا أوصى له بثلث ماله وشهد وارثان أن أباهما أعتق هذا العبد من عبيده عتق بتات في مرضه فعتق البتات يبدأ على الوصية. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وتجوز شهادة الوارثين وليس في هذا شيء ترد به شهادة واحد منهم إذا كانوا عدولا. ولو كان العتق عتق وصية فمن بدأ العتق على الوصية بدأ هذا العبد ثم إن فضل منه شيء أعطي صاحب الثلث وإن لم يفضل منه شيء فلا شيء له. ومن جعل الوصايا والعتق سواء أعتق من العبد بقدر ما يصيبه وأعطي الموصي له بالثلث بقدر ما يصيبه وشهادة الورثة وشهادة غيرهم فيما أوصى به الميت إذا كانوا عدولا سواء ما لم يجروا 
 

صفحة : 2501

 إلى أنفسهم بشهادتهم أو يدفعوا عنها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد شاهدان لرجل أن الميت أوصى له بالثلث وشهد شاهدان من الورثة لآخر غيره أن الميت أوصى له بالثلث فشهادتهما سواء ويقتسمان الثلث نصفين في قول أكثر المفتين. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو شهد وارث لواحد أنه أوصي له بالثلث وشهد أجنبيان لآخر أنه أوصي له بالثلث كان حكم الشاهدين أن المشهود له يأخذ بهما بغير يمين والشاهد أنه لا يأخذ إلا بيمين وكانا حكمين مختلفين والقياس يحتمل أن يعطي صاحب الشاهدين من قبل أنه أقوى سببا من صاحب الشاهد واليمين وذلك أنه يعطي بلا يمين. وقد يحتمل أن يقال: إذا أعطيت بشاهد ويمين كما تعطي بشاهدين فاجعل الشاهد واليمين يقوم مقام الشاهدين فيما يعطي بشاهد ويمين فأما أربعة شهود وشاهدان وأكثر من أربعة وشاهدان وأعدل فسواء من قبل أنا نعطي بها عطاء واحدا بلا يمين. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد أجنبيان لرجل أن ميتا أوصى له بالثلث وشهد وارثان لآخر أنه رجع في الوصية بالثلث لفلان وجعله لفلان فشهادتهما جائزة والثلث للآخر. وأصل هذا أن شهادة الوارثين إذا كانا عدلين مثل شهادة الأجنبيين فيما لا يجران إلى أنفسهما ولا يدفعان به عنها. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد شاهدان أن الميت أوصى لرجل بالثلث وشهد وارثان أنه انتزعه منه وأوصى به للآخر وشهد أجنبيان أنه انزعه من الذي شهد له الوراثان وأوصى به لآخر غيرهما جعلت الأول المنتزع منه لا شيء له بشهادة الوارثين أنه رجع في الوصية للأول ثم انتزعه أيضا من الذي شهد له الوارثان بشهادة الأجنبيين أنه انتزعه من الذي أوصى له به وأوصى به لآخر. ثم هكذا كلما ثبتت الشهادة لواحد فشهد آخر أنه انتزعه منه وأعطاه آخر. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد شاهدان لرجل أن ميتا أوصى له بالثلث وشهد شاهدان أنه أوصى به لآخر وشهد شاهدان أن الميت رجع عن أحدهما ولا يدري من هو فشهادتهما باطلة وهو بينهما نصفان. قال: وإذا شهد شاهدان أن فلانا قال: إن قتلت فغلامي فلان حر وشهد رجلان على قتله وآخران على أنه قد مات موتا بغير قتل ففي قياس من زعم: أنه يقتل به قاتله يثبت العتق للعبد ويقتل القاتل وهذا قياس يقول به أكثر المفتين. ومن قال: لا أجعل الذين أثبتوا له القتل أولى من الذين طرحوا القتل عن القاتل ولا آخذ القاتل بقتله لأن ههنا من يبرئه من قتله وأجعل البينتين تهاترا لا يعتق العبد. 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا قال رجل: إن مت في سفري هذا أو في مرضي هذا أو 
 

صفحة : 2502

 سنتي هذه أو بلد كذا وكذا فحضرني الموت في وقت من الأوقات أو في بلد من البلدان فغلامي فلان حر. فلم يمت في ذلك الوقت ولا في ذلك البلد ومات بعد قبل أن يحدث وصية ولا رجعة في هذا العتق فلا يعتق هذا العبد لأنه أعتقه على شرط فلم يكن الشرط فلا يعتق. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد رجلان أن رجلا قال: إن مت في رمضان ففلان حر وإن مت في شوال ففلان غير حر. فشهد شاهدان أنه مات في رمضان وآخران أنه مات في شوال فينبغي في قياس من زعم أنه تثبت الشهادة للأول وتبطل للآخر لأنه إذا ثبت الموت أولا لم يمت ثانيا. وفي قول من قال: أجعلها تهاترا فنبطل الشهادتين معا ولا يثبت الحق لواحد منهما معا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا تداعى عبدان فقال أحدهما: قال مالكي: إن مت من مرضي هذا فأنت حر. وقال الآخر: قال: إن برئت من مرضي هذا فأنت حر. فادعى الأول أنه مات من مرضه والثاني أنه مات بعد برئه فالشهادة متضادة شهادة الورثة وغيرهم سواء إن كانوا عدولا فإن شهدوا لواحد بدعواه عتق ورق الآخر. قال: وإن شهد الورثة لواحد وشهد الأجنبيون لواحد فالقياس على ما وصفت أولا إلا أن الذي شهد له الوارث يعتق نصيب من شهد له بالعتق منهم على كل حال لأنه يقر أن لا رق له عليه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا شهد شاهدان لعبد أن سيده قال: إن مت من مرضي هذا فأنت حر. فقال العبد: مات من مرضه ذلك وقال الوارث: لم يمت منه فالقول قول الوارث مع يمينه إلا أن يأتي العبد ببينة أنه مات من ذلك المرض. 
أخبرنا الربيع قال: سئل الشافعي فقيل: إنا نقول: إن الكفارات من أمرين وهما قولك: والله لأفعلن كذا وكذا فتكون مخيرا في فعل ذلك إن كان جائزا فعله وفي أن تكفر وتدعه. وإن كان مما لا يجوز فعله فإنه يؤمر بالكفارة وينهى عن البر وإن فعل ما يجوز له من ذلك بر ولم تكن عليه كفارة. والثاني: قولك: والله لا أفعل كذا وكذا فتكون مخيرا في فعل ذلك وعليك الكفارة إن كان مما يجوز لك فعله ومخيرا في الإقامة على ترك ذلك ولا كفارة عليك إلا أن يكون ما حلف عليه طاعة لله عز وجل فيؤمر بفعله ويكفر عن يمينه. ونقول: إن قوله: بالله وتالله وأشهد بالله وأقسم بالله وأعزم بالله أو قال: وعزة الله أو وقدرة الله أو وكبرياء الله أن عليه في ذلك كله كفارة مثل ما عليه في قوله: والله ونقول: إنه إن قال: أشهد ولم يقل بالله أو أقسم ولم يقل بالله أو عزم ولم يقل بالله أو قال: الله أنه إن لم يكن أراد به يمينا في ذلك كله أنه 
 

صفحة : 2503

 لا حنث عليه وإن أراد به يمينا فمثل قوله: والله. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ومن حلف بالله أو باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة ومن حلف بشيء غير الله جل وعز مثل أن يقول الرجل: والكعبة وأبي وكذا وكذا ما كان فحنث فلا كفارة عليه ومثل ذلك قوله: لعمري لا كفارة عليه. وكل يمين بغير الله فهي مكروهة منهي عنها من قبل قول رسول الله :  إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت  أخبرنا ابن عيينة قال: حدثنا الزهري قال: حدثنا سالم عن أبيه قال: سمع النبي  عمر يحلف بأبيه فقال:  ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم  قال عمر رضي الله تعالى عنه والله ما حلفت بها بعد ذلك ذاكرا ولا آثرا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فكل من حلف بغير الله كرهت له وخشيت أن تكون يمينه معصية. وأكره الأيمان بالله على كل حال إلا فيما كان لله طاعة مثل: البيعة على الجهاد. وما أشبه ذلك. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ومن حلف على يمين فرأى خيرا منها فواسع له وأختار له أن يأتي الذي هو خير وليكفر عن يمينه لقول النبي :  من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه  ومن حلف عامدا للكذب فقال: والله لقد كان كذا وكذا ولم يكن أو والله ما كان كذا وقد كان كفر وقد أثم وأساء حيث عمد الحالف بالله باطلا. فإن قال: وما الحجة في أن يكفر وقد عمد الباطل قيل: أقربها قول النبي :  فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه  فقد أمره أن يعمد الحنث. وقول الله عز وجل:  ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى  نزلت في رجل حلف أن لا ينفع رجلا فأمره الله عز وجل أن ينفعه وقول الله عز وجل:  وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا  ثم جعل فيه الكفارة ومن حلف وهو يرى أنه صادق ثم وجده كاذبا فعليه الكفارة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وقول الرجل: أقسم فليس بيمين فإن قال: أقسمت بالله فإن كان يعني حلفت قديما يمينا بالله فليست بيمين حادثة وإنما هو خبر عن يمين ماضية وإن أراد بها يمينا فهي يمين. وإن قال: أقسم بالله فإن أراد بها إيقاع يمين فهي يمين وإن أراد بها موعدا أنه سيقسم بالله فليست بيمين وإنما ذلك كقوله: سأحلف أو سوف أحلف وإن قال: لعمر الله فإن أراد اليمين فهي يمين وإن لم يرد اليمين فليست بيمين لأنها تحتمل غير اليمين لأن قوله: لعمري إنما هو لحقي. فإن قال: وحق الله وعظمة الله وجلال الله وقدرة الله يريد بهذا كله اليمين أو لا نية له فهي يمين. وإن لم يرد 
 

صفحة : 2504

 بها اليمين فليست بيمين. لأنه يحتمل: وحق الله واجب على كل مسلم وقدرة الله ماضية عليه لا أنه يمين وإنما يكون يمينا بأن لا ينوي شيئا أو بأن ينوي يمينا. وذا قال: بالله أو تالله في يمين فهو كما وصفت إن نوى بيمينا أو لم تكن له نية وإن قال: والله لأفعلن كذا وكذا لم يكن يمينا إلا بأن ينوي يمينا لأن هذا ابتداء كلام لا يمين إلا بأن ينويه. وإذا قال: أشهد بالله فإن نوى اليمين فهي يمين وإن لم ينو يمينا فليست بيمين. لأن قوله: أشهد بالله يحتمل أشهد بأمر الله. وإذا قال: أشهد لم يكن يمينا وإن نوى يمينا فلا شيء عليه. ولو قال: أعزم بالله ولا نية له فليست بيمين لأن قوله: أعزم بالله إنما هي أعزم بقدرة الله أو أعزم بعون الله على كذا وكذا. واستخلافه لصاحبه لا يمينه هو مثل قولك للرجل: أسألك بالله أو أقسم عليك بالله أو أعزم عليك بالله فإن أراد المستحلف بهذا يمينا فهو يمين لأن لم يرد به يمينا فلا شيء عليه فإن أراد بقوله: أعزم بالله أو أقسم بالله أو أسألك بالله يمينا فهي يمين. وكذلك إن تكلم بها وإن لم ينو فلا شيء عليه. وإذا قال: على عهد الله وميثاقه وكفالته ثم حنث فليس بيمين إلا أن ينوي بها يمينا وكذلك ليست بيمين لو تكلم بها لا ينوي يمينا. فليس بيمين بشيء من قبل: أن لله عليه عهدا أن يؤدي فرائضه وكذلك لله عليه ميثاق بذلك وأمانة بذلك وكذلك الذمة والكفالة. 

ID ' '   ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 

صفحة : 2505


الاستثناء في اليمين 
قيل للشافعي رحمه الله تعالى: فإنا نقول في الذي يقول: والله لا أفعل كذا وكذا إن شاء الله أنه إن كان أراد بذلك الثنيا فلا يمين عليه ولا كفارة إن فعل وإن لم يرد بذلك الثنيا. وإنما قال ذلك لقول الله عز وجل:  ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله  أو قال ذلك سهوا أو استهتارا فإنه لا ثنيا وعليه الكفارة إن حنث وهو قول مالك رحمه الله تعالى. وأنه إن حلف فلما فرغ من يمينه نسق الثنيا بها أو تدارك اليمين بالاستثناء بعد انقضاء يمينه ولم يصل الاستثناء باليمين فإنه إن كان نسقا بها تباعا فذلك له استثناء وإن كان بين ذلك صمات فلا استثناء له. قال الشافعي رحمه الله تعالى: من قال: والله أحلف بيمين ما كانت بطلاق أو عتاق أو غيره أو أوجب على نفسه شيئا ثم قال: إن شاء الله موصولا بكلامه فقد استثنى ولم يقع على شيء من اليمين وإن حنث. والوصل أن يكون كلامه نسقا وإن كان بينه سكتة كسكتة الرجل بين الكلام للتذكر أو العي أو النفس أو انقطاع الصوت. ثم وصل الاستثناء فهو موصول. وإنما القطع أن يحلف ثم يأخذ في كلام ليس من اليمين من أمر أو نهي أو غيره أو يسكت السكات الذي يبين أنه يكون قطعا. فإذا قطع ثم استثنى لم يكن له الاستثناء. فإن حلف فقال: والله لأفعلن كذا وكذا إلا أن يشاء فلان فله أن يفعل ذلك الشيء حتى يشاء فلان فإن مات أو خرس أو غاب لم يفعل. وإن قال: لا أفعل كذا وكذا إلا أن يشاء فلان فليس له أن يفعل ذلك الشيء إلا أن يشاء فلان فإن مات فلان أو خرس لم يكن له أن يفعل ذلك الشيء حتى يعلم أن فلانا شاء. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإن حلف فقال: والله لأفعلن كذا وكذا إلا أن يشاء فلان لم يحنث إن شاء فلان. وإن مات فلان أو خرس أو غاب عنا معنى فلان حتى يمضي وقت يمينه حنث لأنه إنما يخرجه من الحنث مشيئة فلان. ولو كانت المسألة بحالها فقال: والله لا أفعل كذا وكذا إلا أن يشاء فلان لم يفعل حتى يشاء فلان وإن غاب عنا معنى فلان فلم نعرف شاء أو لم يشأ لم يفعل فإن فعله لم أحنثه من قبل أنه يمكن أن يكون فلان شاء. 
قيل للشافعي رحمه الله تعالى: فإنا نقول: إن اليمين التي لا كفارة فيها وإن حنث فيها صاحبها أنها يمين واحدة إلا أن لها وجهين: وجه يعذر فيه صاحبه ويرجى له أن لا يكون عليه فيها إثم لأنه لم يعقد فيها على إثم ولا كذب وهو أن يحلف بالله على الأمر لقد كان ولم يكن فإذا كان 
 

صفحة : 2506

 ذلك جهده ومبلغ علمه فذلك اللغو الذي وضع الله تعالى فيه المؤنة عن العباد وقال:  لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان  والوجه الثاني: أنه إن حلف عامدا للكذب استخفافا باليمين بالله كاذبا فهذا الوجه الثاني الذي ليست فيه كفارة لأن الذي يعرض من ذلك أعظم من أن يكون فيه كفارة وإنه ليقال له: تقرب إلى الله بما استطعت من خير. 
أخبرنا سفيان قال: حدثنا عمرو بن دينار وابن جريج عن عطاء قال: ذهبت أنا وعبيد بن عمير إلى عائشة وهي معتكفة في ثبير فسألناها عن قول الله عز وجل:  لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم  قلت: هو لا والله وبلى والله. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولغو اليمين كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها. والله تعالى أعلم. قول الرجل: لا والله. وبلى والله. وذلك إذا كان على اللجاج والغضب والعجلة لا يعقد على ما حلف عليه وعقد اليمين أن يثبتها على الشيء بعينه أن لا يفعل الشيء فيفعله أو ليفعلنه فلا يفعله أو لقد كان وما كان فهذا آثم وعليه الكفارة لما وصفت من أن الله عز وجل قد جعل الكفارات في عمد المأثم فقال تعالى:  وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما  وقال:  ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم  إلى  بالغ الكعبة  ومثل قوله في الظهار:  وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا  ثم أمر فيه بالكفارة. ومثل ما وصفت من سنة النبي  أنه قال:  من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه  . 

ID ' '   تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 

صفحة : 2507


الكفارة قبل الحنث وبعده 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فمن حلف على شيء فأراد أن يحنث فأحب إلي لو لم يكفر حتى يحنث. وإن كفر قبل الحنث بإطعام رجوت أن يجزي عنه. وإن كفر بصوم قبل الحنث لم يجز عنه وذلك أنا نزعم أن لله تبارك وتعالى حقا على العباد في أنفسهم وأموالهم فالحق الذي في أموالهم إذا قدموه قبل محله أجزأهم. وأصل ذلك أن النبي  تسلف من العباس صدقة عام قبل أن يدخل وأن المسلمين قدموا صدقة الفطر قبل أن يكون الفطر فجعلنا الحقوق التي في الأموال قياسا على هذا. فأما الأعمال التي على الأبدان فلا تجزي إلا بعد مواقيتها كالصلاة التي لا تجزي إلا بعد الوقت والصوم لا يجزي إلا في الوقت أو قضاء بعد الوقت الحج الذي لا يجزي العبد ولا الصغير من حجة الإسلام لأنهما حجا قبل أن يجب 
من حلف بطلاق امرأته إن تزوج عليها 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ومن قال لامرأته: أنت طالق إن تزوجت عليك فطلقها تطليقة يملك الرجعة ثم تزوج عليها في العدة طلقت بالحنث والطلاق الذي أوقع. وإذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق ثلاثا إن لم أتزوج عليك فسمى وقتا فإن جاء ذلك الوقت وهي زوجته ولم يتزوج عليها فهي طالق ثلاثا. ولو أنه طلقها واحدة أو اثنتين ثم جاء ذلك الوقت وهي في عدتها وقعت عليها التطليقة الثالثة وإن لم يوقت وكانت المسألة بحالها فقال: أنت طالق ثلاثا إن لم أتزوج عليك فهذا على الأبد لا يحنث حتى يموت أو تموت قبل أن يتزوج عليها. وما تزوج عليها من امرأة تشبهها أو لا تشبهها خرج بها من الحنث دخل بها أو لم يدخل ولا يخرجه من الحنث إلا تزويج صحيح يثبت. فأما تزويج فاسد فليس بنكاح يخرجه من الحنث وإن ماتت لم يرثها وإن مات هو ورثته لم ترثه في قول من يورث المبتوتة إذا وقع الطلاق في المرض. قال الشافعي رحمه الله تعالى بعد لا ترث المبتوتة وهو قول ابن الزبير قال الربيع: صار الشافعي إلى قول ابن الزبير. وذلك أنهم أجمعوا أن الله عز وجل إنما ورث الزوجات من الأزواج وأنه إن آلى من المبتوتة فلا يكون عليه إيلاء وإن ظاهر فلا ظهار عليه وإن قذفها لم يكن له أن يلاعن ولم يبرأ من الحد وإن ماتت لم يرثها فلما زعموا أنها خارجة في هذه الأشياء من معاني الأزواج وإنما ورث الله تعالى الزوجات لم نورثها والله تعالى الموفق. 

ID ' '   صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 

صفحة : 2508


الإطعام في الكفارات في البلدان كلها 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ويجزي في كفارة اليمين مد بمد النبي  من حنطة ولا يجزىء أن يكون دقيقا ولا سويقا. وإن كان أهل بلد يقتاتون الذرة أو الأرز أو التمر أو الزبيب أجزأ من كل جنس واحد من هذا مد بمد النبي . وإنما قلنا: يجزىء هذا أن النبي  أتى بعرق تمر فدفعه إلى رجل وأمره أن يطعمه ستين مسكينا والعرق فيما يقدر خمسة عشر صاعا وذلك ستون مدا فلكل مسكين مد. فإن قال قائل: فقد قال سعيد بن المسيب: أتى النبي  بعرق فيه خمسة عشر صاعا أو عشرون صاعا قيل: فأكثر ما قال ابن المسيب مد وربع. أو ثلث وإنما شك أدخله ابن المسيب والعرق كما وصفت: كان يقدر على خمسة عشر صاعا والكفارات بالمدينة وبنجد ومصر والقيروان والبلدان كلها سواء. ما فرض الله عز وجل على العباد فرضين في شيء واحد قط ولا يجزىء في ذلك إلا مكيلة الطعام وما أرى أن يجزيهم دراهم وإن كان أكثر من قيمة الطعام وما يقتات أهل البلدان من شيء أجزأهم منه مد ويجزىء أهل البادية مد أقط. وإن لم يكن لأهل بلد قوت من طعام سوى اللحم أدوا مدا مما يقتات أقرب البلدان إليهم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ويعطي الكفارات والزكاة كل من لا تلزمه نفقته من قرابته وهم: من عدا الوالد والولد والزوجة إذا كانوا أهل حاجة فهم أحق بها من غيرهم وإن كان ينفق عليهم متطوعا أعطاهم. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وليس له إذا كفر بإطعام أن يطعم أقل من عشرة وإن أطعم تسعة وكسا واحدا كان عليه أن يطعم عاشرا أو يكسو تسعة لأنه إنما جعل له أن يطعم عشرة أو يكسوهم وهو لا يجزئه أن يكسو تسعة ويطعم واحدا لأنه حينئذ لا أطعم عشرة ولا كساهم.  رحمه الله تعالى: ولو أن رجلا كانت عليه ثلاثة أيمان مختلفة فحنث فيها فأعتق وأطعم وكسا ينوي الكفارة ولا ينوي عن أيها العتق ولا عن أيها الإطعام ولا عن أيها الكسوة أجزأه بنية الكفارة. وأيها شاء أن يكون عتقا أو إطعاما أو كسوة كان. وما لم يشأ فالنية الأولى تجزيه. فإن أعتق وكسا وأطعم ولم يستكمل الإطعام أكمله ونواه عن أي الكفارات شاء. ولو كانت المسألة بحالها فكسا وأعتق وأطعم ولم ينو الكفارة ثم أراد أن ينوي كفارة لم تكن كفارة لا تجزئه حتى يقدم النية قبل الكفارة أو تكون معها وأما ما كان عمله قبل النية فهو تطوع لا يجزيه من الكفارة. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا أمر 
 

صفحة : 2509

 الرجل الرجل أن يكفر عنه من مال المأمور أو استأذن الرجل الرجل أن يكفر عنه من ماله فأذن له أجزأت عنه الكفارة وهذه هبة مقبوضة. لأن دفعه إياها إلى المساكين بأمره كقبض وكيله لهبة. وهبها له. وكذلك إن قال: أعتق عني فهي هبة فإعتاقه عنه كقبضه ما وهب له وولاؤه للمعتق عنه لأنه قد ملكه قبل العتق وكان العتق مثل القبض. كما لو اشتراه فلم يقبضه حتى أعتقه كان العتق مثل القبض. ولو أن رجلا تطوع فكفر عن رجل بإطعام أو كسوة أو عتق ولم يتقدم في ذلك أمر من الحالف لم يجرعنه وكان العتق عن نفسه لأنه هو المعتق لما يملك ما لم يهب لغيره فيقبله. وكذلك الرجل يعتق عن أبويه بعد الموت فالولاء له إذا لم يكن ذلك بوصية منهما ولا شيء من أموالهما. ولو أن رجلا صام عن رجل بأمره لم يجزه الصوم عنه وذلك أنه لا يعمل أحد عن أحد عمل الأبدان لأن الأبدان تعبدت بعمل فلا يجزى عنها أن يعمل غيرها ليس الحج والعمرة بالخبر الذي جاء عن النبي  وبأن فيهما نفقة وأن الله فرضهما على من وجد إليهما السبيل والسبيل بالمال. 

من لا يطعم من الكفارات 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: لا يجزىء أن يطعم في كفارات الأيمان إلا حرا مسلما محتاجا. 
فإن أطعم منها ذميا محتاجا أو حرا مسلما غير محتاج أو عبد رجل محتاج لم يجزه ذلك وكان حكمه حكم من لم يفعل شيئا وعليه أن يعيد. وهكذا لو أطعم غنيا وهو لا يعلم ثم علم غناه كان عليه أن يعيد. وهكذا لو أطعم من تلزمه نفقته ثم علم أعاد. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ومن كان له مسكين لا يستغني عنه هو وأهله وخادم أعطي من كفارة اليمين والصدقة والزكاة ولو كان له مسكن يفضل عن حاجته وحاجة أهله الفضل الذي يكون بمثله غنيا لم يعط. 

ID ' '   يتوقف فيه إلا جاهل غبي. 

 والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف كما حكاه 

 الكسائي وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري فينبغي أن 

 يتوقف فيه إذ ليس في كلامه تصريح بنقله نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما 

 سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب. 

 وطعن بعضهم في حكاية الكسائي ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله 

 

صفحة : 2510


ما يجزي من الكسوة في الكفارات 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وأقل ما يكفي من الكسوة كل ما وقع عليه اسم كسوة من: عمامة أو سراويل أو إزار أو مقنعة وغير ذلك للرجل والمرأة لأن ذلك كله يقع عليه اسم كسوة. ولو أن رجلا أراد أن يستدل بما تجوز فيه الصلاة من الكسوة على كسوة المساكين جاز لغيره أن يستدل بما يكفيه في الشتاء أو في الصيف أو في السفر من الكسوة ولكن لا يجوز الاستدلال عليه بشيء من هذا. وإذا أطلقه الله فهو مطلق ولا بأس أن يكسو رجالا ونساء وكذلك يكسو الصبيان وإن كسا غنيا وهو لا يعلم رأيت عليه أن يعيد الكسوة. 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولو أعتق في كفارة اليمين أو في شيء وجب عليه العتق لم يجزه إلا رقبة مؤمنة. ويعتق فيها الأسود والأحمر والسوداء والحمراء. وأقل ما يقع به اسم الإيمان على العجمي أن يصف الإيمان إذا أمر بصفته ثم يكون به مؤمنا. ويجزي فيه الصغير إذا كان أبواه أو أحدهما مؤمنا لأن حكمهم حكم الإيمان. ويجزي في الكفارات ولد الزنا وكذلك كل في نقص بعيب لا يضر بالعمل ضررا بينا مثل: العرج الخفيف والعور وشلل الخنصر والعيوب التي لا تضر بالعمل ضررا بينا. ويجزي فيه العرج الخفيف ولا يجزي المقعد ولا الأعمى ولا أشل الرجل يابسها ولا اليدين يابسهما. ويجزي الأصم والخصي المجبوب وغير المجبوب ويجزي المريض الذي ليس به مرض زمانة مثل: الفالج والسل وما أشبهه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كانت الجارية حاملا من زوجها ثم اشتراها زوجها فأعتقها في كفارة أجزأت عنه. وإنما لا تجزي في قول من لا يبيع أم الولد إذا ولدت بعد شرائه إياها ووضعها لستة أشهر فصاعدا لأنها تكون بذلك أم ولد فأما ما كان قبل ذلك فلا تكون به أم ولد. قال: ومن كانت عليه رقبة واجبة فأراد أن يشتري رقبة تعتق عليه إذا ملكها بغير عتق فلا تجزي عنه. وما كان يجوز له أن يملكه بحال أجزأ عنه. ولا يعتق عليه إلا الآباء وإن بعدوا والبنون وإن سفلوا والدون كلهم أو مولودون. وسواء من قبل البنات والبنين لأن كلهم ولد ووالد. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ومن اشترى رقبة بشرط عتقها لم تجز عنه من رقبة واجبة عليه. قال: ويجزي المدبر في الرقاب الواجبة ولا يجزي عنه المكاتب حتى يعجز فيعود رقيقا فيعتقه بعد العجز. 
ويجزي المعتق إلى سنين وهو في أضعف من حال المدبر. ومن اشترى عبدا فأعتقه وهو ممن لا يجزي في الرقاب الواجبة فالعتق ماض ويعود لرقبة تامة. فإن كان الذي باعه دلس له بعيب 
 

صفحة : 2511

 عاد عليه فأخذ منه قيمة ما بينه صحيحا ومعيبا من الثمن وإن كان معيبا عيبا يجزي مثله في الرقاب الواجبة أجزأ عنه وعاد على صاحبه الذي باعه بقيمة ما بين العيب والصحة ولم يكن عليه أن يتصدق بقيمة العيب إذا أخذه من البائع وهو مال من ماله. 

الصيام في كفارات الأيمان 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: كل من وجب عليه صوم ليس بمشروط في كتاب الله عز وجل أن يكون متتابعا أجزأه أن يكون متفرقا قياسا على قول الله عز وجل في قضاء رمضان:  فعدة من أيام أخر  والعدة: أن يأتي بعدد صوم لا ولاء. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كان الصوم متتابعا فأفطر فيه الصائم والصائمة من عذر وغير عذر استأنفا الصيام إلا الحائض فإنها لا تستأنف. 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: والذي يجب عليه من الكفارة: الإطعام أو الكسوة أو العتق من كان غنيا له أن يأخذ من الصدقة شيئا فأما من كان له أن يأخذ من الصدقة فله أن يصوم وليس عليه أن يتصدق ولا يعتق فإن فعل أجزأ عنه. وإن كان غنيا وكان ماله غائبأ عنه لم يكن له أن يكفر بصوم حتى يحضره ماله أو يذهب المال إلا بإطعام أو كسوة أو عتق. 

ID ' '   ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي وكل منهم إمام وتوجيهها: أنه لما ثبت 

 جواز: سرت خمسا وأنت تريد الأيام والليالي جميعا كما سبق من كلام سيبويه وكما دلت 

 عليه الآية الكريمة وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام وجعل الأيام تابعة لليالي أجري عليها 

 هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها كقولك: سرت خمسا وأنت تريد الأيام. أو: صمت 

 خمسا إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها 

 فيدل عليه باسمها سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها أم لم ترد واقتصر 

 على إرادة ما يتبعها وهو اليوم. 

 ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه 

 والزمخشري لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا ولا شك أنه عند إراتهما تغلب 

 الليالي فيضعف التذكير وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل والحذف 

 ورد في الحديث وحكاه الكسائي فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول فإن الحذف فيه 

 أفصح هذا إن ثبت: صمنا خمسة كما ادعاه أبو حيان ولعله أخذه من ابن عصفور فإن 

 

صفحة : 2512


من حنث معسرا ثم أيسر أو حنث موسرا ثم أعسر 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا حنث الرجل موسرا ثم أعسر لم يكن له أن يصوم ولا أرى الصوم يجزي عنه وأمرته احتياطا أن يصوم فإذا أيسر كفر. وإنما أنظر في هذا إلى الوقت الذي يحنث فيه. ولو أنه حنث معسرا ثم لم يصم حتى أيسر أحببت له أن يكفر ولا يصوم من قبل أنه لم يكفر حتى أيسر. وإن صام ولم يكفر أجزأ عنه لأنه حكمه حين حنث الصيام. قال الربيع: وللشافعي قول آخر: أنه إنما ينظر إلى الكفارة يوم يكفر فإذا كان معسرا كان له أن يصوم وإن كان موسرا كان عليه أن يعتق قال: ولا يصام في كفارة اليمين ولا في شيء وجب عليه من الصوم بإيجاب يوم من رمضان ولا يوم لا يصلح صومه متطوعا مثل: يوم الفطر والأضحى وأيام التشريق وصيام ما سواها من الأيام. 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ويفسد صوم التطوع وصوم رمضان وصوم الكفارة والنذر ما أفسد الصوم ولا خلاف بين ذلك. فمن أكل فيها أو شرب ناسيا فلا قضاء عليه. ومن أكل أو شرب عامدا أفسد الصوم عليه لا يختلف إلا في وجوب الكفارة على من جامع في رمضان وسقوطها عمن جامع في صوم غيره تطوعا أو واجبا. فإذا كان الصوم متتابعا فأفطر فيه الصائم من عذر وغير عذر والصائمة استأنفا الصيام إلا الحائض فإنها لا تستأنف. 

ID ' '   ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه. 

 وقال شيخنا أبو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود أو 

 ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح وورد في بعض الطرق المتقدمة 

 للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في: (ستة من شوال) مع سقوط الأيام وهو غريب 

 غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال 

 وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع 

 سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ 

 الحديث. 

 وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن أربعة 

 أشهر وعشرا) لتغليب الليالي على الأيام. انتهى. 

 هذا كله في الأيام والليالي أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة 

 

صفحة : 2513


الوصية بكفارة الأيمان وبالزكاة ومن تصدق بكفارة ثم اشتراها 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ومن لزمه حق للمساكين في زكاة مال أو لزمه حج أو لزمته كفارة يمين فذلك كله من رأس المال يحاص به ديون الناس ويخرج عنه في ذلك أقل ما يكفي في مثله. فإن أوصى بعتق في كفارة ولم يكن في رأس المال إلا الطعام فإن حمل ثلثه العتق أعتق عنه من الثلث وإن لم يحمله أطعم عنه من رأس المال وإذا أعتق عنه من الثلث لم يطعم عنه من رأس المال. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا كفر الرجل بالطعام أو بالكسوة ثم اشترى ذلك فدفعه إلى أهله ثم اشتراه منهم فالبيع جائزة ولو تنزه عن ذلك كان أحب إلي. M0فرة يمين العبد قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا حنث العبد فلا يجزيه إلا الصوم لأنه لا يملك شيئا. وإن كان نصفه عبدا ونصفه حرا وكان في يديه مال لنفسه لم يجزه الصيام وكان عليه أن يكفر مما في يديه من المال مما يصيبه. فإن لم يكن في يديه مال لنفسه صام. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا حنث العبد ثم عتق وكفر كفارة حر أجزأت عنه لأنه حينئذ مالك. ولو صام أجزأ عنه لأنه يوم حنث كان حكمه حكم الصيام. 

ID ' '   القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته قال 

 تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) وقال تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون 

 خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) وقال تعالى: (ما يكون م 

 ثلاثة إلا رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) و قال تعالى: (عليها تسعة عشر) وقال تعالى: 

 (وكنتم أزواجا ثلاثة) فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر وقد حذف في الآية الأولى والثانية 

 والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة وثبتت التاء في جميع ذلك وكذلك قوله تعالى: 

 (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل 

 ولا يكاد يقدر عليه. 

 وقال النووي في قوله : (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة لأن 

 العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر 

 كقوله الله تعالى: (وثمانية أيام) فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها فتقول: سومزوكل ةظوفحم قوقحلا عيمج . 

 صمنا ستا ولبثنا عشرا وتريد الأيام ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب ولا 

 

صفحة : 2514


من نذر أن يمشي إلي بيت الله عز وجل 
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ومن نذر تبررا أن يمشي إلى بيت الله الحرام لزمه أن يمشي إن قدر على المشي وإن لم يقدر ركب وأهراق دما احتياطا لأنه لم يأت بما نذر كما نذر. 
والقياس أن لا يكون عليه دم من تبل أنه إذا لم يطق شيئا سقط عنه كمن لا يطيق القيام في الصلاة فيسقط عنه ويصلي قاعدا ولا يطيق القعود فيصلي مضطجعا. وإنما فرقنا بين الحج والعمرة والصلاة: أن الناس أصلحوا أمر الحج بالصيام والصدقة والنسك ولم يصلحوا أمر الصلاة إلا بالصلاة.  رحمه الله تعالى: ولا يمش أحد إلى بيت الله إلا حاجا أو معتمرا لا بد له منه قال الربيع: وللشافعي رحمه الله تعالى قول آخر: أنه إذا حلف أن يمشي إلى بيت الله الحرام فحنث فكفارة يمين تجزيه من ذلك إن أراد بذلك اليمين قال الربيع: وسمعت الشافعي أفتى بذلك رجلا فقال: هذا قولك يا أبا عبد الله فقال: هذا هو قول من هو خير مني. قال: ومن هو قال: عطاء بن أبي رباح. قال الشافعي رحمه الله تعالى: ومن حلف بالمشي إلى بيت الله ففيها قولان: أحدهما معقول معنى قول عطاء أن كل من حلف بشيء من النسك صوم أو حج أو عمرة فكفارته كفارة يمين إذا حنث ولا يكون عليه حج ولا عمرة ولا صوم. ومذهبه أن أعمال البر لله لا تكون إلا بفرض يؤديه من فرض الله عليه أو تبررا يريد الله به. فأما على غلق الأيمان فلا يكون تبررا وإنما يعمل التبرر لغير الغلق. وقد قال غير عطاء: عليه المشي كما يكون عليه إذا نذره متبررا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: والتبرر أن يقول: لله علي إن شفى الله فلانا أو قدم فلان من سفره أو قضي عني دينا أو كان كذا: أن أحج له نذرا فهو التبرر. فأما إذا قال: إن لم أقضك حقك فعلي المشي إلى بيت الله فهذا من معاني الأيمان لا من معاني النذور. وأصل معقول قول عطاء في معاني النذور من هذا: أنه يذهب إلى أن من نذر نذرا في معصية الله لم يكن عليه قضاء ولا كفارة فهذا يوافق السنة. وذلك أن يقول: لله علي إن شفاني أو شفى فلانا أن أنحر ابني أو أن أفعل كذا من الأمر الذي لا يحل له أن يفعله فمن قال هذا فلا شيء عليه فيه وفي السائبة. وإنما أبطل الله عز وجل النذر في البحيرة والسائبة لأنها معصية ولم يذكر في ذلك كفارة وكان فيه دلالة على أن من نذر معصية لله عز وجل أن لا يفي ولا كفارة عليه وبذلك جاءت السنة أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله 
 

صفحة : 2515

 تعالى عنها أن النبي  قال:  من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه  أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال: كانت بنو عقيل حلفاء لثقيف في الجاهلية وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من المسلمين ثم إن المسلمين أسروا رجلا من بني عقيل ومعه ناقة له وكانت ناقته قد سبقت الحاج في الجاهلية كذا وكذا مرة. وكانت الناقة إذا سبقت الحاج في الجاهلية لم تمنع من كلأ ترتع فيه ولم تمنع من حوض تشرع فيه قال: فأتى به النبي  قال: يا محمد فيم أخذتني وأخذت سابقة الحاج فقال النبي :  بجريرة حلفائك ثقيف  قال: وحبس حيث يمر به النبي  فمر به النبي  بعد ذلك فقال: يا محمد إني مسلم فقال النبي :  لو قلتها وأنت تملك أمرك كنت قد أفلحت كل الفلاح  قال: ثم مر به النبي  مرة أخرى فقال: يا محمد إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني فقال النبي :  تلك حاجتك  ثم إن النبي  بدا له ففادى به الرجلين اللذين أسرت ثقيف وأمسك الناقة. ثم إنه أغار على المدينة عدو فأخذوا سرح النبي  فوجدوا الناقة فيها قال: وقد كانت عندهم امرأة من المسلمين قد أسروها وكانوا يريحون النعم عشاء فجاءت المرأة ذات ليلة إلى النعم فجعلت لا تجيء إلى بعير إلا رغا حتى انتهت إليها فلم ترغ فاستوت عليها فنجت فلما قدمت المدينة قال الناس: العضباء العضباء فقالت المرأة: إني نذرت إن الله أنجاني عليها أن أنحرها فقال رسول الله :  بئسما جزيتيها لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم  أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين. قال الشافعي رحمه الله تعالى: فأخذ النبي  ناقته ولم يأمرها أن تنحر مثلها أو تنحرها ولا تكفر قال: وكذلك نقول: إن من نذر تبررا أن ينحر مال غيره فهذا نذر فيما لا يملك فالنذر ساقط عنه وبذلك نقول قياسا على من نذر ما لا يطيق أن يعمله بحال: سقط النذر عنه لأنه لا يملك أن يعمله فهو كما لا يملك مما سواه. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا نذر الرجل أن يحج ماشيا مشى حتى يحل له النساء ثم ركب بعد وذلك كمال حج. هذا وإذا نذر أن يعتمر ماشيا مشى حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق أو يقصر وذلك كمال عمرة هذا. قال الشافعي رحمه الله تعالى: وإذا نذر أن يحج ماشيا