كتاب الاعتبار/الباب الثاني/أخبار الصالحين



أخبار الصالحين


بصيرة البصري عدل

حدثني الأمام الخطيب سراج الدين أبو طاهر إبراهيم بن الحسين بن إبراهيم خطيب مدينة إسعرد بها في ذي القعدة سنة اثنتين وستين وخمس مائة. قال حدثني أبو الفرج البغدادي قال شهدت مجلس الشيخ الإمام أبي عيد الله محمد البصري ببغداد حضرته امرأة فقالت يا سيدي انك كنت ممن شهد في صداقي، وقد فقت كتاب المهر، وأسألك أن تتفضل علي تقيم الشهادة بمجلس الحكم. فقال ما أفعل حتى تأتيني بحلاوة. فوقفت المرأة وهي تظن انه يمزح بقوله. فقال ما أفعل حتى تأتيني بحلاوة. فمضت ثم عادت فأخرجت من جيبها من تحت الإزار قرطاساً فيه حلاوة يابسة. فتعجب أصحابه من طلبه الحلاوة مع زهد ه وتعففه، فأخذ القرطاس وفتحه ورمى بالحلاوة قطعة قطعة حتى فرغ القرطاس، ونظره فإذا هو كتاب صداق المرأة الذي فقدته. فقال خذي صداقك فهذا هو فاستعظم من حضره ذلك. فقال كلوا الحلال وقد فعلتم ذلك وأكثر منه.

سمع ابن قبيس عدل

حدثني الشيخ أبو القاسم الخضر بن مسلم بن قاسم الحموي بها يوم الاثنين سلخ ذي الحجة سنة سبعين وخمس مائة فالقدم علينا رجل شريف من أهل الكوفة فحدثنا قال حدثني أبي قال كنت أدخل على قاضي القضاة الشامي الحموي فيكرمني ويجلني فقال لي يوماً أنا أحب أهل الكوفة لشخص واحد منهم، كنت بحماة وأنا شاب وقد توفي بها عبد الله بن ميمون الحموي رحمه الله. فقال وا لهاوص. فقال إذا أنا مت وفرغتم من جهازي اخرجوني إلى الصحراء ويطلع إنسان إلى الرابية التي تشرف على المقابر ويناديني يا عبد الله بن القبيس مات عبد الله بن ميمون فاحضره وصلي عليه. فلما مات فعلوا ما أمرهم به. فأقبل رجلاً عليه ثوب خام ومئزر صوف من الجانب الذي ناد منه المنادي وجاء حتى صلى عليه، والناس بهتوا لا يكلمونه. فلما فرغ من الصلاة انصرف راجعاً من حيث جاء، فتلاوموا إذ لم يتمسكوا به ويسألونه، فسعوا في إثره ففا تهم ولم يكلمهم كلمة واحدة.

شهوة شيخ ماءت تتحقق عدل

وقد حضرت ما يقارب ذلك في حصن كيفا. وكان في مسجد الخضر رجل يعرف بمحمد السماع له زاوية إلى جانب المسجد يخرج وقت الصلاة يصلي جماعة ويعود إلى زاويته وهو رجل من الأولياء فحضرته وهو بالقرب من منزلي الوفاة فقال كنت اشتهي على الله تعالى ان يحضرني شيخي محمد البستي. فما جمع له جهاز غسله وكفنه إلا وشيخيه محمد البستي عنده فتولى غسله وخرج خلفه تقدمنا صلى عليه. ثم نزل في زاويته فأقام بها مديدة وهو يزورني وأنا أزوره، وكان رحمه الله عالماً زاهداً ما رأيت ولا سمعت مثله، كان يصوم الدهر ولا يشرب الماء ولا يأكل خبزاً ولا شيئاً من الحبوب، إما يفطر على رمانتين أو عنقود عنب أو تفاحتين ويأكل في الشهر مرة أو مرتين لقيمات من لحم مقلي. فقلت له يوماً يا شيخ أبا عبد الله كيف وقع لك ان لا تأكل خبزاً ولا تشرب ماء وأنت صائم أبداً؟ قال صمت فطويت فوجدتني أقوى على ذلك، فطويت ثلثاً وقلتاجعل ما آكله كالميت التي تحل للمضطر بعد ثلث. فوجدتني أقوى على ذلك فتركت الأكل والشرب الماء فألفت النفس ذلك وسكنت إليه فاستمررت على ما أنا عليه. وكان بعض أكابر حصن كيفا قد عمل للشيخ زاوية في بستان جعله له فحضر عندي في شهر رمضان وقال قد جئت مودعاً. قلتوالزاوية التي قد أعدت والبستان؟ قال يا أخي ما لي حاجة فيهما ولا أقيم. وودعني ومضى رحمه الله، وذلك سنة سبعين وخمس مائة.

وهو المعرة يشعر بموت آخر في مكة عدل

وحدثني الشيخ أبو القاسم خضر بن مسلم بن قسيم الحموي بحماة في التاريخ المتقدم ان رجلاً كان يعمل في بستان لمحمد بن مسعر رحمه الله أتى أهله وهم جلوس على أبواب دورهم بالمعرة فقال سمعت الساعة عجباً! قال واوما هو؟ قال مر بي رجل معه ركوة طلب مني فيها فأعطيته فجدد وضوءه، أعطيته خيارتين فأبا أن يأخذها. فقلتان هذا البستان نصفه لي بحق عملي، ولمحمد بن مسعر نصفه بالملك. فقال أحج العام؟ قلتنعم قال البارحة بعد انصرافنا من الوقفة مات وصلينا عليه. فخرجوا في أثره ليستفهموا منه فرأوه على بعد لا يمكنهم لحاقه، فعادوا وورخوا الحديث فكان الأمر كما قال .

علي يداوي قيم مسجده عدل

مولى معز الدولة ابن بويه بالموصل في ثامن عشر شهر رمضان سنة خمس وستين وخمس مائة قال زار المقتفي بأمر الله أمير المؤمين رحمه الله مسجد صندوديا بظاهر الأنبار على الفرات الغربي ومعه الوزير وأنا حاضر، فدخل المسجد وهو يعرف بمسجد أمير المؤمنين علي رضوان الله عليه، وعليه ثوب دمياطي وهو متقلد سيفاً حليته حديد لايدري انه أمير المؤمنين إلا من يعرفه. فجعل في قيم المسجد يدعوا للوزير، فقال الوزيرويحك أدع لأمير المؤمنين. فقال له المقتفي رحمه اللهسله عما ينفع، قل له ما كان المرض الذي في وجهه؟ وكان في وجهه سلعة قد غطت أكثر وجهه فإذا أراد الأكل سدها بمنديل حتى يصل الطعام إلى فمه. فقال القيمكنت كما تعلم وأنا أتردد إلى هذا المسجد من الأنبار، فلقيني إنسان فقال لو كنت تتردد إلى فلان يعني مقدم الأنبار، كما تتردد إلى هذا المسجد لأستدعي لك طبيباً يزيل هذا المرض من وجهك، فخامر قلبي من قوله شيء قد داق به صدري، فنمت تلك الليلة فرأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو في المسجد يقول ما هذه الحضرة؟ يعني حضرة في الأرض. فشكوت إليه ما بي، فاعرض عني، ثم راجعته وشكوت إليه ما قال ه لي ذلك الرجل فقال أنت ممن يريد العجلة، ثم استيقظت والسلعة مطروحاً إلى جانبي وقد زال ما كان بي. فقال المقتفي رحمه اللهصدق. ثم قال ليتحدث معه وابصر ما يلتمسه واكتب به توقيعاً واحضره لأعلم عليه. فتحدث معه فقال أنا صاحب عائلة وبنات، وأريد في كل شهر ثلاثة دنانير فكنت عنه مطالعة وعنونها الخادمقيم مسجد علي، فوقع عليها بما طلب وقال ليأمض ثبتها في الديوان. فمضيت ولم أقرأ منها سوىيوقع له بذلك. وكان الرسم ان يكتب لصاحب المطالعة توقيع ويؤخذ منه ما فيه خط أمير المؤمنين. فلما فتحها الكاتب لينقلها وجد تحت قيم مسجد عليبخط المقتفي أمير المؤمنين. صلوات الله عليه. ولو كان طلب أكثر من ذلك لوقع له به.

النبي يرسل فقيراً إلى الملك شاه عدل

وحدثني القاضي الأمام مجد الدين أبو سليمان داود بن محمد بن الحسن بن خالد الخالدي رحمه الله بظاهر حصن كيفا يوم الخميس ثاني وعشرين ربيع الأول سنة ست وستين وخمس مائة عن من حدثه ان شيخاً استأذن على خواجا بزرك رحمه الله. فلما دخل عليه رأه شيخاً مهيباً بهياً فقال من أين الشيخ؟ قال من غربة. قال ألك حجة؟ قال أنا رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى الملك شاه. قال يا شيخ أي شيء هذا الحديث؟ قال ان اوصلتني إليه بلغت الرسالة. وإلا فأنا لا أزول حتى اجتمع به وابلغه ما معي. فدخل الخواجا بزرك على السلطان فاعلمه بما قال الشيخ فقال أحضروه فلما حضر قدم للسلطان مسواكاً ومشطاً وقال لهأنا رجل لي بنات، وأنا فقير لا اقدر على جهازهن وتزويجهن، وكل ليلة ادعو الله تعالى ان يرزقني ما اجهزهن به فنمت ليلة الجمعة من شهر كذا ودعوت الله سبحانه وتعالى بمعونتي عليهن. فرئيت الرسول فيما يرى النائم فقال ليأنت تدعوا الله عز وجل ان يرزقك بما تجهز به بناتك؟ قلت نعم يا رسول الله. فقال امضي إلى فلان وسماه بعز ملك شاه - يعني السلطان وقل لهقال لك رسول الله عليه وسلم جهز بناتي. فقلتيا رسول الله ان طلب مني علامة ما أقول له؟ قال قل له بعلامة انك كل ليلة عند النوم تقرأ سورة تبارك. فلما سمع ذلك السلطان فقال هذه علامة صحيحة، وما اطلع عليها غير الله تبارك وتعالى. فإن مؤدبي أمرني ان اقرأها كل ليلة عند النوم وأنا افعل ذلك. ثم أمر له بكل ما اطلبه لتجهيز بناته وأجزل عطيته وصرفه.

وآخر إلى الوزير علي بن عيسى عدل

ويشبه هذا الحديث ما سمعته عن ابي عبد الله محمد بن فاتك المقرئ قال وكنت أقرأ يوماً على ابي بكر بن مجاهد رحمه الله المقرئ ببغداد إذا ورد عليه القاضي ابي بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري الفرضي المعروف بقاضي المارستان انه قال لما حججت بينا أطوف بالبيت إذ وجدت عقداً من اللؤلؤ فشددته في طرف إحرامي. فبعد ساعة سمعت إنساناً ينشده في الحرم وقد جعل لمن يرد عليه عشرين ديناراً، فسألته علاما ما ضاع له فاخبرني فسلمته إليه. فقال ليتجيء معي إلى منزلي لأدفع إليك ما جعلته لك. فقلت ما لي حاجت إلى ذلك، وما دفعته إليك ما جعلته لك. فقلت مالي حاجة إلى ذلك وما دفعته إلي بسب الجعالة، وأنا من الله بخير كثير. فقال لما تدفعه إلى الله عز وجل؟ فقلتنعم. فقال استقبل بنا الكعبة وأمن على دعائي. فاستقبلنا الكعبة فقال الهم اغفر له وارزقني مكافأته، ثم ودعني ومضى. ثم اتفق انني سافرت من مكة إلى ديار مصر فركبت في البحر متوجهاً إلى المغرب. فأخذت الروم المركب وأسرت فيمن أسر فوقعت في نصيب بعض القوم، فلم أزل أخدمه إلى أن دنت وفاته فأوصى بإطلاقي. فخرجت من بلد الروم فصرت إلى بعض بلاد المغرب فجلست أكتب على دكان خباز، وكان ذلك الخباز يعامل بعض تناة تلك المدينة. فلما كان في رأس الشهر جاء غلام ذلك الثاني إلى الخباز فقال سيدي يدعوك لتحاسبه فاستصحبني معه فمضينا إليه فحاسبه على رقاعه. فلما رأى معرفتي في الحساب وخطي طلبني من الخباز فغير ثيابي وسلم الي جباية ملكه وكانت له نعمة ضخمة، أخلى لي بيتاً في جانب داره. فلما مضت مديدة قال لييا أبا بكر ما رأيك في التزويج؟ قلتيا سيدي أنا لا اطيق نفقة نفسي فكيف اطيق النفقة على زوجة قال أنا أقوم عنك بالمهر والمسكن والكسوة وجميع ما يلزمك. فقلتالأمر لك فقال يا والدي إن هذه الزوجة فيها عيوب شتى - ولم يترك شيئاً من العيب في خلقة من رأسها إلى قدمها إلا ذكره لي وأنا أقول رضيت. وباطني في ذلك كظاهري. فقال ليالزوجة ابنتي. واحضر جماعة وعقد العقد. فلما كان بعد أيام قال لي تهيأ لدخول بيتك، ثم أمر لي بكسوة فاخرة ودخلت إلى دار فيها تجميل والآلات، ثم أجلست في المرتبه وأخرجت العروس تحت النمط فقمت لتلقيها. فلما كشفت النمط رأيت صورة ما رأيت في الدنيا أجمل منها، فهربت من الدار خارجاً، فلقيني الشيخ وسألني عن سبب هروبي. . فقلتان الزوجة ما هي التي ذكرت لي فيها من العيوب ما ذكرت. فتبسم وقال يا ولدي هي زوجتك، وليس لي ولد سواها وإنما ذكرت لك ما ذكرت لئلا تستقل ما تراه فعدت وجلبت علي. فلما كان من الغد جعلت أتأمل ما عليها من حلي وجواهر الفاخر، فرأيت من جمله ما عليها العقد الذي وجدته بمكة فعجبت من ذلك واستغرقني الفكر فيه. فلما خرجت من البناء استدعاني وسألني عن حالي وقال جدع الحلال أنف الغيرة، فشكرته على ما فعله معي، ثم استولى علي الفكر في العقد ووصله إليه. فقال لي فيم تفكر. فقلت في العقد الفلاني فاني حججت في السنة الفلانيه فوجدته في الحرم أو عقدا يشبهه. فصاح وقال أنت الذي رددت علي العقد قلت أنا ذاك. فقال ابشر فان الله قد غفر لي ولك، فاني دعوت الله سبحانه في تلك الساعة ان يغفر لي ولك وان يرزقني مكافأتك، وقد سلمت إليك مالي وولدي وما أظن اجلي إلا وقد قرب ثم أوصى الي ومات بعد مديدة قريبه رحمه الله.