كتاب اللامات
ومن يتوكل على الله فهو حسبه؛
قال: أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي رحمة الله عليه:
هذا كتاب مختصر في ذكر اللامات ومواقعها في كلام العرب وكتاب الله عز وجل ومعانيها وتصرفها والاحتجاج لكل موقع من مواقعها وما بين العلماء في بعضها من الخلاف وبالله التوفيق.
فاللامات إحدى وثلاثون لاماً:
1 - لام أصلية
2 - لام التعريف
3 - لام الملك
4 - لام الاستحقاق
5 - لام كي
6 - لام الجحود
7 - لام إن
8 - لام الابتداء
9 - لام التعجب
10 - لام تدخل على المقسم به
11 - لام تكون جواب القسم
12 - لام المستغاث به 13 - لام المستغاث من أجله
14 - لام الأمر
15 - لام المضمر
16 - لام تدخل في النفي بين المضاف والمضاف إليه
17 - لام تدخل في النداء بين المضاف والمضاف إليه
18 - لام تدخل على الفعل المستقبل لازمة في القسم ولا يجوز حذفها
19 - لام تلزم إن المكسورة إذا خففت من الثقيلة
20 - لام العاقبة ويسميها الكوفيون لام الصيرورة
21 - لام التبيين
22 - لام لو
23 - لام لولا
24 - لام التكثير
25 - لام تزاد في عبدل وما أشبهه
26 - لام تزاد في لعل
27 - لام إيضاح المفعول من أجله
28 - لام تعاقب حروفا وتعاقبها
29 - لام تكون بمعنى إلى
30 - لام الشرط
31 - لام توصل الأفعال إلى المفعولين وقد يجوز وصل الفعل بغيرها
باب ذكر اللام الأصلية
اعلم أنها تكون في الأسماء والأفعال والحروف وتكون فاء وعينا، ولاما فكونها فاء قولك لعب ولهو ولجام وما أشبه ذلك كما قال الله عز وجل: (إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) ؛، وكذلك ما أشبهه وكونها عينا قولك بلد وسلام كما قال تعالى: (السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ) ؛ وكذلك السلم كما قال تعالى: (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) ؛ وكونها لام الاسم قولك: خَطل وجبل وإبل ووصل وحبل، وكذلك ما أشبه فهذا كونها في الأسماء وكونها في الأفعال في هذه المواقع كقولك: لعب الرجل، وسَلس الشيء وفلق، ووصل، وعجل فقد بان لك وقوعها في المواقع الثلاث: في الأسماء والأفعال وهي أكثر من تحصى، وأبْيَن من أن تخفى فأما كونها في الحروف، فإن الحروف لا تقدر بأمثلة الأفاعيل ولكنها قد جاءت فيها أولاً ووسطا وآخرا ولا يحكم عليها فيها بالزيادة إلا بدليل فكونها أولا قولهم لم ولن ولكن وكونها آخراً قولهم: هلْ وبلْ، وهي التي تقع للإضراب كقولك: ما خرج زيد بلْ عمرو قال الله عز وجل: (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) ؛ أما قولهم: ألم وألما، فإنما هي: لم ولما، ولكن الألف تزاد في أولهما تقريراً وتوبيخاً واستفهاماً فالتقرير قولك: ألم تخرج، ألم تقصد زيداً قال الله تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ) ؛ فهذا تقرير؛ والتوبيخ مثل قولك: ألم تذنب ألم تسفه على فلان فاحتملك؛ فأما لَيْسَ ففيها خلاف فالفراء وجميع الكوفيين يقولون هي: حرف والبصريون يقولون هي: فعل ودليل الكوفيين على أنه حرف ليس على وزن شيء من الأفعال لسكون ثانيه، وأنه لم يجيء منها اسم فاعل ولا مفعول ولا لفظ المستقبل فلم يقل منها: يليس ولا يس ومليس، كما قيل باع يبيع فهو بائع ومبيع، وكال يكيل فهو كايل ومكيل، وقال البصريون أما الدليل على أنها فعل فهو اتصال المضمر المرفوع به ولا يتصل إلا بفعل كقولك: لست ولسنا ولستم ولستن ولستما وما اشبه ذلك، فهو كقولك: ضربت وضربنا وضربتم وضربتن وضربتما وما أشبه ذلك وانستار المضمر الفاعل فيه كقولك: زيد ليس ذاهباً، وعبد الله ليس راكباً، فهذا هو الدليل على أنه فعل؛ فأما العلة في امتناعه من التصرف فهو أنه لما وقع بلفظ الماضي نفيا للمستقبل فقيل: ليس زيد خارجاً غدا استغني فيه عن لفظ المستقبل ولما استغني فيه عن المستقبل، لم يبن منه اسم الفاعل ولا المفعول فهذه علة امتناعه من التصرف وعلة أخرى وهي أنه لما نفي بها ضارعت حروف المعاني النافية فمنعت من التصرف لذلك، وقد يكون من الأفعال ما لا يتصرف ولا يحكم عليه بأنه ليس بفعل لامتناعه من التصرف ألا ترى أن العرب قالت: يذر ويدع ولم يستعملوا منه الماضي ولا اسم الفاعل والمفعول، وكذلك عسى في قولهم: عسى زيد أن يركب، وفي قول الله تعالى: (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً) ؛ و {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده} هو فعل غير متصرف ولم يستعمل منه يفعل ولا فاعل، وكذلك نعم وبئس هما فعلان غير متصرفين فكذلك ليس هي بهذه المنزلة في امتناعها من التصرف؛ وأما سكون ثانيه، فإن من العرب من يفر من الضم والكسر إلى السكون تخفيفا فيقول في: عَضُدٌ عَضْدٌ وفي: فَخِذ فَخْذ، ولا يفرون من الفتح إلى السكون قال: سيبويه قلت للخليل ما الدليل على أن الفتحة أخف الحركات قال: قول العرب في عَضُد عَضْد وفي كَبِد كَبْد ولم يقولوا فيك جَمَل جَمْل، ولا في قَمَر قَمْر، فدل ذلك على أن الفتحة أخف الحركات ومع ذلك، فإن الضمة والكسرة تخرجان بتكلف واستعمال للشفتين والفتحة تخرج مع النفس بلا علاج، ومن كان هذا من لغته في الأسماء، فإنه يقول أيضا في الأفعال ضُرب زيد وهو يريد ضَرب زيد وعُصر الثوب وهو يريد عَصر، قال الشاعر: لو عصر منه البان والمسك انعصر
وكان أصل ليس لَيَسَ على وزن فَعَل فأسكن من هذه اللغة ولزمها السكون لما لم تصرف ولم تستعمل على الأصل كما لم يستعمل قام وباع وما أشبه ذلك على الأصل؛ وأما كون اللام وسطا في موقع عين الفعل في حروف المعاني فقولهم فقولهم: ألا وهي التي تقع افتتاحا لكلام كقوله تعالى: (أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) ، وكقول الشاعر وهو الشماخ:
ألا ناديا أظعان ليلى تعرج ... يهيجن شوقا ليته لم يهيج؛
وكقول الآخر:
ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر ... وإن كان حيانا عدى آخر الدهر وكقول ذي الرمة:
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر
ومن ذلك قوله تعالى: (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ) ؛ معناه والله اعلم ألا يا هؤلاء اسجدوا فالمنادي مضمر في النية ويا حرف النداء وألا تنبيه وافتتاح كلام وموقع اللام منها موقع عين الفعل ومما أضمر فيه المنادي قول الشاعر:
يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والصالحين على سمعان من جار
قال سيبويه: يا لغير اللعنة ولو كان واقعا عليها لنصبها لأنه نداء مضاف ومن قرأ ألا يسجدوا لله بفتح أوله والتشديد فهي مركبة من حرفين أن ولا تقديره أن لا يسجدوا ثم أدغمت النون في اللام التي بعدها فاللام على هذا التقدير أول كلمة ويسجدوا في موضع نصب بأن وعلامة النصب سقوط النون وهي نظير قوله تعالى: (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) ؛ في الفتح والتشديد والعمل، وقد تكون اللام ثانية في حروف المعاني مشددة في قولهم إلا في الاستثناء كقولك: جاء القوم إلا زيدا ومررت بأصحابك إلا بكرا قال الله تعالى: (فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً منهم) ؛ و (ما فعلوه إلا قليل منهم) ؛ وقرأ عبد الله بن عامر؛ (ما فعلوه إلا قليلا منهم) ؛ بالنصب وذلك أن إلا إذا كان ما قبلها من الكلام موجبا كان ما بعدها منصوبا منفيا عنه ما أثبت لما قبلها وإذا كان ما قبلها منفيا جاز فيما بعدها البدل مما قبلها والنصب على أصل الاستثناء هذا مذهب البصريين ولا يجوزون غيره قال: سيبويه إلا في الاستثناء بمنزلة دفلى، فإن سميت بها لم تصرف المسمى به في معرفة ولا نكرة؛ يعني أن إلا كلمة واحدة مؤنثة فالألف التي في آخرها ألف التأنيث بمنزلة الألف التي في دفلى فلذلك لم تصرف المسمى بها؛ وأما الفراء فعنده أن اللام في إلا في الاستثناء أول الكلمة وموقعها موقع فاء الفعل وهي عنده أعني إلا مركبة من حرفين من إن ولا فإذا نصب بها فقال جاء القوم إلا زيدا فالناصب عنده إن ولا ملغاة كأنه قال: قام القوم إن زيدا لا، أي لم يقم فقيل له فأين الخبر فقال اكتفي بالخلاف من الخبر وذلك أن ما بعد إلا مخالف أبدا لما قبلها وإذا رفع بها، فقال قام القوم إلا زيدا فالرافع عنده لا وإن ملغاة كأنه قال: قام القوم لا زيد وهذا تحكم منه وإلغاء إن، وقد بدء بها مالا يعقل في كلام العرب ولا يعرف له نظير وذلك أن العرب قد أجمعوا على أن الملغى لا ويبتدأ به ولا يجوز أن تقول ظننت زيد منطلق على إلغاء الظن، وقد بدأت به، وكذلك موقع إن في إلا إن كانت كما زعم مركبة من حرفين فإلغاؤها غير جائز والرفع بها خطأ لتقدم إن وإجماع العرب والنحويين على إجازة: ما قام القوم إلا زيد، وقول الله تعالى: (مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ) ، فالرفع يدل على فساد ما ذهب إليه الفراء، وقد أجاز الفراء أيضا الرفع بعد إلا في الموجب فأجاز: قام القوم إلا زيدٌ، وانطلق أصحابك إلا بكرا قال: أرفعه على إلغاء إن والعطف بلا، وقد بينت لك فساد هذا الوجه وهو لحن عند البصريين، وقد استعمله كثير من الشعراء المحدثين وكثيرا ما نراه في شعر أبي نواس ومن هو في طبقته وأحسبهم تأولوا هذا المذهب.
وأما كلا فهي أيضا حرف واحد واللام فيها مكررة مشددة وهي ردع وزجر، فهذه مواقع اللامات الأصلية في الأسماء والأفعال والحروف ومهما ورد منها مما لم نذكره فلن يخرج عن قياس ما أصَّلناه فتدبره، فإنه راجع إليه إن شاء الله
لام التعريف
اعلم أن الألف واللام اللتين للتعريف وكذلك قولك: الرجل والغلام والثوب والفرس وما أشبه ذلك، للعلماء فيها مذهبان: أما الخليل فيذهب إلى أن الألف واللام كلمة واحدة مبنية من حرفين بمنزلة من ولم وإن وما أشبه ذلك، فيجعل الألف أصلية من بناء الكلمة بمنزلة الألف في إن وأن واستدل على ذلك بقول الشاعر:
دع ذا وعجل ذا وألحقنا بذل ... بالشحم إنا قد مللناه بجل
قال: أراد أن يقول ألحقنا بالشحم فلم تستقم له القافية فأتى باللام ثم ذكر الألف مع اللام في ابتداء البيت الثاني فقال الشحم فدل ذلك على أن الألف من بناء الكلمة قال: وهو بمنزلة قول الرجل إذا تذكر شيئا قدي ثم يقول قد كان كذا وكذا فيرد قد عند ذكر ما نسيه فهذا مذهب الخليل واحتجاجه؛ وأما غيره من علماء البصريين والكوفيين فيذهبون إلى أن اللام للتعريف وحدها وأن الألف زيدت قبلها ليوصل إلى النطق باللام لما سكنت لأن الابتداء بالساكن ممتنع في الفطرة كما أن الوقف على متحرك ممتنع، والقول ما ذهب إليه العلماء ومذهب الخليل فيما ذكره ضعيف والدليل على صحة قول الجماعة وفساد قول الخليل هو أن اللام قد وجدت في غير هذا الموضع وحدها تدل على المعاني نحو لام الملك، ولام القسم، ولام الاستحقاق، ولام الأمر وسائر اللامات التي عددناها في أول الكتاب، ولم توجد ألف الوصل في شيء من كلام العرب تدل على معنى ولا وجدت ألف الوصل في شيء من كلام العرب تكون من أصل الكلمة في اسم ولا فعل ولا حرف فيكون هذا ملحقا به، وكيف تكون ألف الوصل من أصل الكلمة، وقد سميت وصلا؟ ومع ذلك، فإن الخليل نفسه قال: إنما سميت ألف الوصل بهذا الاسم لأنها وصلة للسان إلى النطق بالساكن، وقال غيره إنما سميت ألف الوصل لاتصال ما قبلها بما بعدها في وصل الكلام وسقوطها منه فقد بان لك مذهب الخليل واحتجاجه ومذهب العلماء واحتجاجهم، ونقول في هذا الفصل ما قاله المازني قال: إذا قال العالم المتقدم قولا فسبيل من بعده أن يحكيه وإن رأى فيه خللا أبان عنه ودل على الصواب ويكون الناظر في ذلك مخيرا في اعتقاد أي المذهبين بان له فيه الحق، فإن قال قائل: فلم وجب سكون لام المعرفة عندكم، وقد زعمتم أنها حرف دال على معنى بنفسه؟ قيل له أما دلالته على المعنى بنفسه مفردا من غير الألف التي قبلها فليست زعما بل هي حقيقة، توجد ضرورة لأنا إذا قلنا: قام القوم وخرج الغلام وما أشبه ذلك، في جميع الكلام سقطت الألف من اللفظ لوصول الكلام ودلت اللام على التعريف ولو كانت الألف من بناء الكلمة لأخل معناها بسقوطها؛ وأما سكونها فإن ما وجب ذلك لأن اللامات التي تقع أوائل الكلم غيرها ذهبت بالحركات فذهبت لام الابتداء، ولام المضمر بالفتح، ولام الأمر، ولام كي بالكسر ولم يبق غير الضم أو السكون فاستثقل في لام التعريف الضم لأنها كثيرة الدور في كلام العرب داخلة على كل اسم منكور يراد تعريفه وليس كذلك سائر اللامات لأن لكل واحد منها موقعا معروفا ومع ذلك، فإنها قد تدخل على مثل إبل وإطل فلو كانت مضمومة لثقل عليهم الخروج من ضم إلى كسرتين، وقد تدخل على مثل حلم وعنق فكان يثقل عليهم الجمع بين ثلاث ضمات لو كانت مضمومة ولو كانت مكسورة لثقل عليهم الخروج من كسر إلى ضمتين ألا ترى أنه ليس في كلامهم مثل فعل بكسر الفاء وضم العين استثقالا للخروج من الكسر إلى الضم ولو كانت مفتوحة أشبهت لام التوكيد والابتداء والقسم فلما لم يكن تحريكها بإحدى هذه الحركات لما ذكرنا ألزمت السكون وأدخلت عليها ألف الوصل كما فعل ذلك في الأسماء والأفعال إذا سكنت أوائلها وهذا بين واضح.
واعلم أن هذه الألف واللام التي للتعريف قد تدخل في الكلام على ضروب: فمنها أن تعرف الاسم على معنى العهد كقولك: جاءني الرجل، فإن ما تخاطب بهذا من بينك وبينه عهد برجل تشير إليه لولا ذلك لم تقل جاءني الرجل ولكنت تقول جاءني رجل، وكذلك قولك: مر بي الغلام وركبت الفرس واشتريت الثوب وما أشبه ذلك إنما صار معرفة لإشارتك بهذه الألف واللام إلى العهد الذي بينك وبين مخاطبك فيما دخلت عليه هذه الألف واللام، وقد تدخل لتعريف الجنس وذلك أن تدخل على اسم واحد من جنس فتكون تعريفا لجميعه لا لواحد منه بعينه وذلك قولهم قد كثر الدرهم والدينار في أيدي الناس لا يراد به تعريف درهم بعينه ولا دينار بعينه وإنما يراد به الجنس، ومن ذلك قولك المؤمن أفضل من الكافر لست تريد مؤمنا بعينه وإنما تريد تفضيل جنس المؤمنين على الكافرين، ومن ذلك قولهم الرجل أفضل من المرأة ومنه قولهم قد أيسر فلان فصار يشتري الفرس العتيق والغلام الفاره والخادمة الحسناء ولا يراد به الواحد من الجنس وإنما يراد ما كان من هذا الجنس، ومن ذلك قولهم هذا الصياد شقيا وهذا الأسد مخوفا لا يراد أسد بعينه ولا صائد بعينه وإنما يراد ما كان من هذا الجنس، وقد تدخل لضرب ثالث من التعريف وذلك أن تدخل عل نعت مخصوص مقرون بمنعوت ثم لا يطرد إدخالها على من كان بتلك الصفة مطلقا إلا معلقا بما يخرجه عن العموم والأشكال وذلك قولهم المؤمن والكافر والفاسق والمنافق والفاجر وما أشبه ذلك من الصفات الشرعية ألا ترى أن اشتقاق المؤمن من التصديق ولا تقع هذه الصفة معرفة بالألف واللام إلا على المؤمنين بالله عز وجل والنبي وشرائعه ولا تقول لمن صدق بخبر من الأخبار أو بشيء من الأشياء وهو مخالف لهذه الشريعة المؤمن مطلقا حتى تقول مؤمن بكذا وكذا، وكذلك الكافر أصله من الستر كل من ستر شيئا فقد كفره ثم صار صفة تقع معرفة بالألف والام على من خالف الإسلام فلا تقول لمن ستر شيئا بعينه قد جاء الكافر أو رأيت الكافر حتى تقرنه بما يخرجه من الأشكال فتقول قد جاءنا الكافر للثوب وما أشبه ذلك فأما منكورا أو موصولا بما يبينه فجائز استعماله ألا ترى أنالله عز وجل، لما ذكره معرفا بالألف واللام وصله بصفة توضحه وتبينه، فقال عز وجل: (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ) ؛ يعني الزراع فبان ذلك بذكر الزرع والنبات ولذلك تعلق بهذه الآية بعض أغبياء الملحدين ممن لا علم له بالعربية فقال وكيف يعجب الزرع الكفار دون المؤمنين وذهب عليه أن المعنى بهم هم الزراع لأنهم به عند استحكامه وجودته أشد فرحا من غيرهم لطول معاناتهم له وكدهم فيه وتأميلهم إياه، وكذلك الفاسق أصله عند جميع أهل العربية من قولهم فسقت الرطبة من قشرها إذا خرجت منه ولا تطلق هذه الصفة معرفة بالألف واللام على كل خارج من غشاء وغطاء وستر كان فيه وكان قطرب وحده يذهب إلى أن اشتقاق الفاسق من الاتساع وذكر أن العرب تقول تفسق الرجل في أمره إذا اتسع فيه قال: فكأن الفاسق قد وسع على نفسه من مذاهب الدين ما يحرج فيه غيره فيضيقه على نفسه توقيا للمآثم ولا يجوز على هذا التأويل أيضا إطلاقه معرفا بالألف واللام على كل من توسع في حال من الأحوال، ومن هذا النوع الطبيب والفقيه والشاعر لأنها وإن كانت صفات مشتقات فلا تطلق معرفة بالألف واللام إلا مخصوصة لمن وضعت له اتفاقا، وقد تدخل الألف واللام للتعريف في ضرب رابع وهو أن تدخل على صفات شهر بها قوم حتى صارت تنوب عن أسمائهم ثم غلبت عليهم فعرفوا بها دون أسمائهم كقوله: م الفضل والحارث والعباس والقاسم وما أشبه ذلك هكذا كانت في الأصل نعوتا غلبت فعرف بها أصحابها ثم نقلت فسمي بها بعد ذلك قال سيبويه فمن قال: حارث وعباس وفضل فهن عنده بمنزلة زيد وجعفر ومحمد وبكر أسماء أعلام لا يجوز إدخال الألف واللام عليها ومن قال: الحارث والعباس والفضل، فإن ما نقلها من النعوت المشهورة فسمى بها، فإن نادى مناد الحارث والعباس والفضل أسقط منها الألف واللام ورجع إلى اللغة الأخرى فقال: يا حارث ويا عباس وأهل الكوفة يسمون الألف واللام في الحارث والعباس والفضل تبجيلا لأنها الألف واللام الداخلة للتعريف والتبجيل، وقد تدخل الألف واللام للتعريف على ضرب خامس وذلك أن تدخلا على نعت مخصوص وقع لواحد بعينه مشتقا ثم لم يستعمل في جنسه
ولا فيما شاركه في تلك الصفة ولا نقل إلى غيره فسمي به وذلك نحو قولهم: الدبران للنجم إنما سمي بذلك لأنه دبر أي صار في دبر الكوكب التالي له، وكذلك السماك للنجم المعروف وإنما سمي بذلك لسموكه أي ارتفاعه، وكذلك قال سيبويه: ولا يجوز ان يقال لغيره من الأشياء المرتفعة السماك كائنا ما كان، وكذلك قولهم ابن الصعق إنما هي صفة لرجل بعينه أصابه ذلك ثم لم تنقل ولم يسم بها كما فعل بالحارث والعباس والفضل فسمي بها فهذا الفرق بين ما ذكرناه من هذا الباب وبين الحارث والعباس والفرق بينه وبين الفاسق وما ذكر معهما أن ذلك يطرد منكورا في جنسه وهذا لا يطرد ومن قولهم في هذا الباب الثريا للكواكب المجتمعة المعروفة بعينها وإنما هي تصغير ثروى وهي فعلى من الثروة وهي الكثرة ولا يطلق هذا اللفظ مصغرا معرفا بالألف واللام لما كثر من الأشياء غيرها، ومن ذلك قول العرب النجم إذا ذكروه هكذا معرفا بالألف واللام غير متصل بشيء، فإن ما يريدون به الثريا بعينها فيقولون غاب النجم وطلع النجم هكذا يقول أكثر أهل اللغة، وقد استعمل النجم معرفا لغير الثريا، وقد قال الله تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) ؛ وأراه والله أعلم إشارة إلى ما هوى من النجوم إلى الغروب أيها كانت ويجوز أن يكون إشارة إلى ما هوى من الكواكب التي ترجم بها الشياطين، وقد دخلت الألف واللام للتعريف على ضرب سادس وذلك دخولها على بعض الأسماء ثابتة غير منفصلة ولم تسمع قط معراة منها كدخولها على التي والذي واللذين واللتين والذين واللاتي واللائي وما أشبه ذلك، فإن إجماع النحويين كلهم على أن الألف واللام في أوائل هذه الأسماء للتعريف ولم تعر قط منها فسيبويه يقول: أصل الذي لذ مثل عم وشج ثم دخلت عليه الألف واللام للتعريف والفراء يقول أصل الذي ذا وهو إشارة إلى ما بحضرتك ثم نقل من الحضرة إلى الغيبة ودخلت عليه الألف واللام للتعريف وحطت ألفها إلى الياء ليفرق بين الإشارة إلى الحاضر والغائب، وكذلك قولنا الله عز وجل إنما أصله إله ثم دخلت عليه الألف واللام للتعريف وحذفت الهمزة، وقال سيبويه أصله لاه ثم دخلت عليه الألف واللام للتعريف ومن نادر ما دخلت عليه الألف واللام للتعريف قولهم الآن في الإشارة إلى الوقت الحاضر ونحن نذكره وعلته في الباب الذي يلي هذا الباب إن شاء الله.
باب ذكر ما يمتنع اجتماعه مع الألف واللام اللتين للتعريف وما يمتنع إدخاله على هذه الألف واللام وذكر معاني الآن وعلة بنائه
اعلم أنه لا يجوز اجتماع الألف واللام والتنوين على حال من الأحوال نحو قولك رجل وفرس وغلام ثم تقول الرجل والغلام والفرس فيسقط التنوين وخطأ الجمع بينهما والعلة في ذلك عند البصريين أن التنوين دخل في الأسماء فرقا بين المنصرف منها المتمكن وبين الممتنع من الانصراف بثقله مضارعا للفعل فإذا دخلت الألف واللام عليه مكنته فردته إلى الأصل، فإن صرف كله فاستغنى عن دلالة التنوين لأنه لا معنى للجمع بين دليلين على معنى واحد لا فضل لأحدهما على الآخر وعلة امتناع الجمع بين التنوين والألف واللام عند الفراء والكسائي وأصحابهما هي أن التنوين لازم الأسماء فرقا بينها وبين الأفعال لأن من الأسماء ما جاء بوزن الأفعال نحو جعفر لأنه بوزن دحرج ونحو جبل وجمل لأنه بوزن خرج وذهب، وكذلك ما أشبهه فجعل التنوين فرقا بين الأسماء والأفعال وألزم الأسماء لأنها أخف من الأفعال والألف واللام لا تدخل على الأفعال لأنه لا تعتوِرها المعاني التي من أجلها تدخل الألف واللام على الأسماء التي قدمنا شرحها فلما دخلت الألف واللام على الأسماء فارقت شبه الأفعال فاستغني عن التنوين ودلالته فأسقطوا لا يجوز الجمع بين الإضافة والألف واللام نحو قولك هذا غلام زيد وثوب عمرو ودار بكر لو قلت هذا الغلام زيد والثوب عمرو كان خطأ والعلة في امتناع اجتماع الألف واللام والإضافة هي أن الألف واللام يعر، فإن الاسم بالعهد والإضافة تعرف الاسم بالملك والاستحقاق ومحال جمع تعريفين مختلفين على اسم واحد وليس في العربية شيء يجمع فيه بين الألف واللام والإضافة إلا قولهم هذا الحسن الوجه والفاره العبد والكثير المال وما يجري هذا المجرى وإنما جاز هاهنا الجمع بينهما لزوال العلة التي من أجلها امتنع الجمع بينهما وذلك أن الإضافة في هذا الباب لم تعرف المضاف لأنها إضافة غير محضة وتقديرها الانفصال وشرح ذلك أنك إذا قلت هذا غلام وثوب ودار فهو نكرة وإذا أضفته إلى معرفة تعرف به كقولك: هذا ثوب زيد وغلام عمرو وأنت إذا قلت مررت برجل حسن الوجه فحسن نكرة ولم يتعرف بإضافتك إياه إلى الوجه لأن الحسن في الحقيقة للوجه ثم نقل إلى الرجل فذلك جاز إدخال الألف واللام عليه للتعريف إذ كان غير متعرف بالإضافة فقيل مررت بالرجل الحسن الوجه والكثير المال وما أشبه ذلك ولا نظير له في العربية واعلم أنه جائز إدخال جميع العوامل على الاسم المعرف بالألف واللام من رافع وناصب وخافض إلا حرف النداء، فإنه لا يجوز إدخاله عليه لو قلت يالرجل ويالغلام لم يجز والعلة في امتناع الجمع بينهما هي أن حرف النداء يعرف المنادى بالإشارة والتخصيص والألف واللام يعر، فإنه بالعهد فلم يجز الجمع بين تعريفين مختلفين كما ذكرت في هذا الباب، فإن أردت نداء ما فيه الألف واللام ناديته فقلت يا أيها الرجل ويا أيها الغلام كما قال الله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم) و (يا أيها النبي اتق الله) وليس في العربية اسم في أوله الألف واللام دخل عليه حرف النداء إلا قولهم يا الله اغفر لنا، فإنهم أدخلوا الألف واللام وحرف النداء وإنما جاز ذلك لأن أصله إله ثم دخلت الألف واللام وحذفت الهمزة فصارت الألف واللام لازمتين كالعوض من الهمزة المحذوفة فصارت كأنهما من نفس الكلمة فلذلك دخل عليه حرف النداء، فإن قال قائل، فإن الذي والتي وتثنيتهما وجمعها لا تفارقه الألف واللام ولا تنفصل منه فهل يجوز على هذا أن نناديه فنقول يا الذي في الدار ويا الذي قام قلنا ذلك غير جائز والفرق بينهما هو أن الألف واللام في الله عز وجل عوض من الهمزة المحذوفة كما ذكرنا وليستا في الذي وبابه عوضا من محذوف فصارتا في الله عز وجل: كأنهما من نفس الكلمة إذ كانتا عوضا من حرف أصلي، وقد غلط بعض الشعراء فأدخلها على الذي لما رأى الألف واللام لا تفارقانه فقال: فيا الغلامان اللذان فرا ... إياكما أن تكسبانا شرا
وقال آخر:
من أجلك يا التي تيمت قلبي ... وأنت بخيلة بالود عني
وكان المبرد يرد هذا ويقول هو غلط من قائله أو ناقله لأنه لو قيل فيا غلامان اللذان فرا لاستقام البيت وصح اللفظ به ولم تدع ضرورة إلى إدخال الألف واللام وهذه الأبيات من رواية الكوفيين ولم يروها البصريون وسبيلها في الشذوذ سبيل إدخال بعضهم الألف واللام على الفعل كما أنشد أبو زيد وغيره من البصريين والكوفيين يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا إلى ربنا صوت الحمار اليجدع؛ أراد الذي يجدع فأدخل الألف واللام على الفعل وهو في الشذوذ شبيه أيضا بقول من جمع بين الألف واللام والإضافة فقالوا بالقوم الرسول الله منهم لهم ذل القبائل من معد ومثل هذا غلط وخطأ لا يعبأ به وإنما حكيناه ليتجنب ولئلا يتوهم متوهم أنه أصل يعمل عليه أو أنا لم نعرفه أو أغفلناه ليكون هذا الكتاب مستوعبا لأحكام اللامات كلها إن شاء الله.
ومن نادر ما دخلت عليه الألف واللام للتعريف قولهم: الآن وذلك أنه مبني وفيه الألف واللام وسبيل المبني إذا أضيف أو دخلته الألف واللام أن يتمكن ويرجع إلى التعريف كما قالوا خرجت أمس وما رأيتك منذ أمس فبنوه على الكسر فإذا أدخلوا الألف واللام أو أضافوه عرفوه وليس في العربية مبني تدخل عليه الألف واللام إلا عرف إلا المبني في حال التنكير، فإن المبني في حال التنكير لم تمكنه الألف واللام لأن التنكير يخفف الأسماء ويمكنها فإذا وجب لها البناء فيه لم يمكنها غيره وذلك نحو العدد ما بين أحد عشر إلى التسعة عشر، فإنه مبني إلا اثني عشر، فإن أدخلت عليه الألف واللام لم يتعرف أيضا فقلت جاءني الخمسة عشر رجلا ومررت بالخمسة عشر رجلا لهذه العلة التي ذكرتها لك فأما الآن، فإن ك تقول أنت من الآن تفعل كذا وكذا وأنت إلى الآن مقيم فتبنيه على الفتح كما ذكرت لك وللنحويين في بنائه ثلاثة أقوال قال أبو العباس المبرد: إنما بني لأنه كان من شأن الأسماء أن يعرفها كونها أعلاما نحو زيد وعمرو أو مشارا بها مبهمات فتعرفها الإشارة نحو هذا وذاك وبابه أو مضمرات أو مضافات إلى معارف أو نكرات نحو رجل وفرس ثم تعرف بالألف واللام فلما وقع الآن في أول أحواله معرفا بالألف واللام فارق بابه فبني، وقال آخرون من البصريين إنما بني الآن لأنه أشير به إلى الوقت الحاضر لا إلى عهد متقدم فضارع هذا فبني لمضارعته مالا يعرف لأنك اذا قلت أنت الآن تفعل، فإن ما تريد أنت في هذا الوقت، وقال الفراء والكسائي إنما هو محكي وأصله من آن الشيء يئين بمعنى حان يحين وفيه ثلاث لغات يقال آن لك أن تفعل كذا وكذا وأنى لك أن تفعل كذا وكذا يأني لك كما قال الله عز وجل: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله) ؛ والثالثة أن تقول أنال لك أن تفعل كذا وكذا بزيادة اللام قالوا فدخلت الألف واللام على اللغة الأولى فقيل الآن فاعلم فترك على فتحه كما روي في الأثر أنه نهى عن قيل، وقال يحكى مفتوحا على لفظ الفعل الماضي وبعضهم يورده على قيل، وقال فيجعلهما اسمين ويعربهما وللفراء فيه قول انفرد به قال: يجوز أن يكون محلى ترك على فتحه وهذا ليس بشيء لأنه لا يمتنع من تأثير العوامل فيه إلا أن يكون مبنيا فيرجع إلى ما قال القوم وأصل الآن عند جماعة البصريين وعند الفراء في أحد قوليه أوان حذفت الألف التي بعد الواو، فإن قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فقيل آن ويجمع أوان على آونة كما قيل زمان وأزمنة
باب في تبيين وجوه دخول الألف واللام على الأسماء المشتقة من الأفعال
اعلم أنها تدخل على ثلاثة أوجهأحدها أن تكون بتأويل الذي فتحتاج إلى صلة وعائد وتجري في ذلك مجرى الذي كقول القائل ضرب زيد عمرا فقيل له أخبر عن زيد فقال الضارب عمرا زيد ففي الضارب مضمر يعود على الألف واللام اللذين بمعنى الذي وأنت لم تذكر الذي وإنما ذكرت ما يدل عليه فجئت بالعائد لذلك، والوجه الثاني أن تدخل لتعريف هذه الأسماء المشتقة من الأفعال لا بتأويل الذي ولكن كما تعرف أسماء الأجناس نحو الرجل والفرس فتقول الضارب والقائم تريد به التعريف لا معنى الذي قال أبو عثمان المازني: والدليل على صحة هذا التأويل أنك تقول نعم الضارب ونعم القائم وغير جائز أن تقول نعم الذي عندك لأن نعم وبئس لا يدخلان على الذي وأخواتها ودخولهما على القائم والضارب يدل على أن الألف واللام فيهما ليستا بمعنى الذي والوجه الثالث ينفرد به الكوفيون خاصة ويذكر بعقب هذا الباب مفردا بمسائله إن شاء الله. ومن هذا الوجه الثاني قول الله عز وجل: وأنا على ذلكم من الشاهدين وكانوا فيه من الزاهدين قال المبرد والمازني: وغيرهما من البصريين ليست الألف واللام بمعنى الذي لأنه لو كان التقدير وأنا من الشاهدين على ذلك بمعنى من الذين شهدوا على ذلك لم تقدم صلة الذي عليه، وكذلك لو كان التقدير وكانوا من الذين زهدوا فيه لم يجز تقديم صلة الذي عليه ولكن الألف واللام للتعريف لا بمعنى الذي قالوا وفي الآيتين وجه آخر أن تكون الألف واللام بمعنى الذي ويكون قوله من الشاهدين ومن الزاهدين تبيينا لا صلة للذي وإذا كان تبيينا جاز تقديمه لأنه ليس في الصلة وعلى هذين التأويلين تأولوا قول الشاعر:
تقول وصكت صدرها بيمينها ... أبعلي هذا بالرحى المتقاعس أحدهما أن تكون الألف واللام في المتقاعس للتعريف لا بمعنى الذي كما ذكرنا فجاز تقديم بالرحى عليه والآخر أن يكونا بتأويل الذي ويكون بالرحى تبيينا كأنه قال: أبعلي هذا المتقاعس وتمت صلة الذي فجعل بالرحى تبيينا فجاز تقديمه لذل كقال: أبو إسحاق الزجاج في قول الشاعر:
ربيته حتى إذا تمعددا ... كان جزائي بالعصا أن أجادا
فيه وجهان أحدهما أن يكون الجزاء اسم كان وبالعصا خبرها ويكون أن أجلد غير متصل بالعصا ولكن يكون الكلام قد تم دونه وأن أجلد في موضع رفع خبر ابتداء مضمر كأنه قال: هو أن أجلد ويجوز أن يكون نصبا بدلا من قوله بالعصا فيكون التقدير كان جزائي أن أجلد والوجه الثاني أن يكون بالعصا تبيينا ويكون أن أجلد خبر كان ولا يجوز أن يكون بالعصا في صلة أن أجلد لأنه قد قدمه عليه، وقال المبرد في قول الله عز وجل: (لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون) في الآخرة ظرف لقوله الأخسرون لأن الألف واللام فيه ليستا بتأويل الذي قال: فأما قوله عز وجل: (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ) ، فإن (في الآخرة) ليس بظرف للخاسرين لأن الألف واللام بتأويل الذي ولكن تكون تبيينا على ما مضى من الشرح أو تكون الألف واللام للتعريف على مذهب أبي عثمان كما ذكرنا فيما مضى فيجوز تقديم الظرف عليه.
باب ذكر المذهب الذي ينفرد به الكوفيون من دخول الألف واللام بمعنى الذي على الأسماء المشتقة
اعلم أن الأسماء المشتقة من الأفعال نحو ضارب وقائم وذاهب وما أشبه ذلك يدخل عليها الكوفيين الألف واللام ويجعلونها مع الألف واللام بمنزلة الذي ويصلونها بما توصل به الذي فيقولون القائم أكرمت عمرو فيرفعون القائم بالابتداء وعمرو خبره وأكرمت صلته كأنهم قالوا الذي أكرمت عمرو قالوا، فإن جعلنا القائم بمعنى الذي قام قلنا القائم أكرمت عمرا فينصب القائم بوقوع الفعل عليه وعمرو بدل منه لأن أكرمت لا تكون صلة الألف واللام، وقد جعلت القيام صلتها وهذا الوجه الثاني يوافقهم عليه البصريون والوجه الأول ينفرد به الكوفيون ونذكر مسائل هذا الباب على مذهب الكوفيين لتعرفه تقول من ذلك الراكب ضربت زيد إذا جعلت الراكب بمعنى الذي وإن جعلته بمعنى الذي ركب قلت الراكب ضربت زيدا، وكذلك تقول القاعد أكرمت أخوك والقاعد أكرمت أخاك، فإن جئت بتوكيد أو معطوف أو منصوب لم يجز أن تجريه مجرى الذي وتصله بصلة حتى تصرح بمعنى الذي فعل فتقول القائم وعمرا ضربت زيدا في النصب ولا يجوز رفعه، وكذلك القاعد نفسه أكرمت أخاك والضارب زيدا رأيت أباك فقس على هذا ما يرد منه إن شاء الله تعالى.
باب لام الملك
لام الملك موصلة لمعنى الملك إلى المالك وهي متصلة بالمالك لا المملوك كقولك: هذه الدار لزيد وهذا المال لعمرو وهذا ثوب لأخيك، وقد تتقدم مع المالك قبل المملوك إلا أنه لا بد من تقدير فعل تكون من صلته كقولك: لزيد مال ولعبد الله ثوب لأن التقدير معنى الملك، قال الشاعر:
لليلى بأعلى ذي معارك منزل ... خلاء تنادى أهله فتحملوا
فإن قال قائل فما الفرق بين قولك هذا غلام زيد وهذا غلام لزيد إذا كنت قد أضفته في الوجهين إلى زيد قيل له الفرق بينهما أنك إذا قلت هذا غلام زيد فقد عرفته بزيد وإنما تخاطب بهذا من قد عرف ملك زيد إياه وشهر به عنده وإذا قلت هذا غلام لزيد، فإن ما تشير إلى غلام منكور ثم عرفت مخاطبك أن زيدا يملكه في عدة غلمان أو وحده فأفدته من معنى الملك ما لم يعلمه فهذه مخاطبة من لم يعلم ملك زيد إياه حتى أفدته وغلام في هذا الوجه نكرة وإن كانت اللام قد أدت عن معنى إضافته إلى زيد لأنها تفصل بين المضاف والمضاف إليه من أن يتعرف المضاف به أو يكون المضاف إليه تماما له، وقد تدخل لآم الملك في الاستفهام إذا كان المملوك غير معروف مالكه كقولك: لمن هذا الثوب ولمن هذه الدار كما قال امرؤ القيس: لمن طلل أبصرته فشجاني ... كخط زبور في عسيب يمان
فجواب مثل هذا أن ترد اللام في الجواب لزيد ولعمرو لتدل بها على معنى الملك واتصاله بالمخفوض بها واستحقاقه إياه فأما قول الله تعالى: (قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) ، فإن ما هو على جهة التوبيخ لهم والتنبيه لا على أن مالكهما غير معلوم إلا من جهتهم، تعالى الله عن ذلك ألا تراه قال: سيقولون الله؛ فكأنه قيل لهم فإذا كنتم مقرين بهذا عالمين به فلم تعبدون غيره وربما أضرب المسؤول عن مثل هذا فلم يأت بالجواب على اللفظ وعدل إلى المعنى ك قول الشاعر:
وقال القائلون لمن حفرتم ... فقال المخبرون لهم وزير
فرفع وكان سبيله أن يقول لوزير ولكنه حمل الكلام على المعنى فكأنه قال: المحفور له وزير قال يونس بن حبيب ومثله قول الله عز وجل: (وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) ؛ لأنهم لم يقروا أن الله أنزله فعدلوا عن الجواب عنه فقالوا أساطير الأولين تقديره هذه أساطير الأولين ألا ترى أن المقربين نصبوا الجواب فقالوا، (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً) ؛ حملوا الجواب على اللفظ كأنهم قالوا أنزل خيرا، وقد يجوز رفع مثل هذا في الكلام وإن ثبتت به قراءة كان وجها جيدا فجعل ذا بتأويل الذي كأنه قيل ما الذي أنزل ربكم فجوابه خير ومثله قول الشاعر:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
باب لام الاستحقاق
لام الاستحقاق خافضة لما يتصل بها كما تخفض لام الملك ومعنياهما متقاربان إلا أنا فصلنا بينهما لأن من الأشياء ما تستحق ولا يقع عليها الملك، ولام الاستحقاق كقوله عز وجل: (الحمد لله رب العالمين) و (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا) ؛ وكقولك: المنة في هذا لزيد والفضل فيما تسديه إلي لزيد ألا ترى أن المنة والفضل ليس مما يملك وإن كان المملوك والمستحق حاصلين للمستحق والمالك، ولام الملك والاستحقاق جميعا من صلة فعل أو معناه لا بد من ذلك، وكذلك سائر حروف الخفض كلها صلات لأفعال تتقدمها وتتأخر عنها كقولك: الحمد لله رب العالمين؛ والمال لزيد يقدر سيبويه فيهما معنى الاستقرار تقديره عنده المال مستقر لزيد والحمد مستقر لله تعالى، وكذلك يقدر في الظروف كلها معنى الاستقرار والفراء يقدر معنى الحلول كقولك: زيد في الدار تقديره عنده زيد حل في الدار؛ وأما الكسائي فلم يحفظ عنه في ذلك تقدير ولكن يسمى الحروف الخافضة والظروف كلها الصفات وينصبها لمخالفتها الأسماء
باب لام كي
اعلم أن لام كي تتصل بالأفعال المستقبلة وينتصب الفعل بعدها عند البصريين بإضمار أن وعند الكوفيين اللام بنفسها ناصبة للفعل وهي في كلا المذهبيين متضمنة معنى كي وذلك قولك زرتك لتحسن إلي المعنى كي تحسن إلي وتقديره لأن تحسن إلي فالناصب للفعل أن المقدرة بعد اللام وهذه اللام عند البصريين هي الخافضة للأسماء فتكون أن والفعل بتقدير مصدر مخفوض باللام كقولك: جئتك لتحسن إلي أي للإحسان إلي هكذا تقديره عندهم واستدلوا على صحة هذا المذهب بأن حرفا واجدا لا يكون خافضا للاسم ناصبا للفعل فجميع الحروف سوى التي تنصب الأفعال المستقبلة سوى أن ولن وإذن إنما تنصبها بإضمار أن والكوفيون يرون أن هذه الحروف أنفسها ناصبة للأفعال، ولام كي نحو قول الله عز وجل: (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) ونحو قول الفرزدق:
دعوت الذي سوى السموات أيده ... واله أدنى من وريدي وألطف
ليشغل عني بعلها بزمانة ... فتذهله عني وعنها فنسعف
يريد دعوت ربي لكي يشغل بعلها بزمانة وإنما تجيء هذه اللام مبينة سبب الفعل الذي قبلها.
باب لام الجحود
لام الجحود سبيلها في نصب الأفعال بعدها بإضمار أن سبيل لام كي عند البصريين إلا أن الفرق بينهما هو أن لام الجحود لا يجوز إظهار أن بعدها كقولك: ما كان زيد ليخرج تقديره لأن يخرج وإظهار أن غير جائز ويجوز إظهار أن بعد لام كي كقولك: جئتك لتحسن إلي ولو أظهرت أن فقلت جئتك لأن تحسن إلي كان ذلك جائزا ولا يجوز في لام الجحود، وكذلك لا يجوز إظهار أن بعد الفاء والواو وأو وكي وحتى إذا نصبت بعدها الأفعال وكذلك قولك: متى تخرج فأخرج معك وسألزمك أو تقضي حقي كما قال امرؤ القيس:
فقلت له لا تبك عينك إنما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وكذلك قولك: لا تقصد زيدا فأغضب عليك كما قال الله تعالى: (قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ) وكذلك قولك: سرت حتى أدخل المدينة وفي قول الله تعالى: (وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) ؛ لا يجوز إظهار أن في شيء من هذه المواضع، ولام الجحود إنما تعرف من لام كي بأن يسبقها جحد كقولك: ما كان زيد ليخرج ولست لأقصد زيدا ونحو قول الله تعالى: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) و (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه) و (ما كان الله ليطلعكم على الغيب) وما أشبه ذلك، فإن قال قائل فقد زعمتم أن إظهارها غير جائز فكيف يضمر مالا يجوز إظهاره وكيف نعرف حقيقة هذه الدعوى فالجواب في ذلك أن إعراب الأفعال محمول على إعراب الأسماء لأن الأسماء هي الأولى وأشد تمكنا؛ وإنما أعربت الأفعال لمضارعتها الأسماء فلما كانت الأسماء قد تنصب بمضمرات لا يجوز إظهارها كقولك: إياك والشر لا يجوز إظهار ما نصب إياك بإجماع من النحويين، وكقول الشاعر:
إياك إياك المراء، ... فإنه إلى الشر دعاء
وللشر جالب وكقوله: م في التحذير الأسد الأسد ولا يجوز إظهار الفعل الناصب هاهنا مع تكرير الأسد، فإن أظهرته وحدت فقلت احذر الأسد ولا يجوز أن تقول احذر الأسد الأسد ومثل ذلك قولهم الليل الليل، ومن ذلك قولهم أزيدا ضربته وقام القوم إلا زيدا ويا عبد الله أقبل لا يجوز إظهار الناصب هاهنا فأما في الاستثناء والنداء فقد ناب الحرفان عن الفعل فنصبا وليس معهما إضمار غيرهما؛ وأما سوى ذلك فمعه مضمر لا يجوز إظهاره، وقد يضمر ما يجوز إظهاره كرجل رأيته يضرب آخر فقلت الرأس يا هذا لو أظهرت الفعل فقلت اضرب الرأس لجاز وكقوم رأيتهم يتوقعون الهلال فكبروا فقلت الهلال تخبر أنهم رأوه ولو قلت أبصروا الهلال لجاز، وكذلك هذه الحروف الناصبة للأفعال بإضمار أن لا يجوز إظهار أن بعدها كما لم يجز إظهار الأفعال الناصبة للأسماء التي تقدم ذكرها وجاز بعد لام كي كما جاز إظهار المضمر في قولهم الرأس والهلال وما أشبه ذلك لتجري الأفعال في إضمار عواملها مجرى الأسماء إذ كانت هي الأصول.
باب لام إن
اعلم أن لام إن تدخل مؤكدة للخبر كما تدخل إن مؤكدة للجملة وكذلك قولك: إن زيدا قائم وإن زيدا لقائم دخلت اللام في الخبر مؤكدة له كما دخلت إن مؤكدة للجملة كما قال الله تعالى: (فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) ؛ وإن هؤلاء لشرذمة قليلون؛ وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون هذا مذهب سيبويه، وقال الفراء هذا كلام يقع جوابا تحقيقا بعد نفي كأن قائلا قال: ما زيد قائم فقلت إن زيدا قائم فأدخلت إن في كلامك تحقيقا بإزاء ما النافية في كلامه، فإن قال: ما زيد بقائم قلت إن زيدا لقائم فجعلت إن بإزاء ما واللام بإزاء الباء، وقد اعترض في هذا الموضع فقيل وأي فائدة في إدخال الباء في خبر ما وليس وكذلك قولك: ما زيد بقائم وما عبد الله بقائم ونحو قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) ؛ وما أنت بمؤمن لنا؛ وما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي؛ وما الفائدة في إدخال الباء هاهنا فكان جواب النحويين كلهم في ذلك أن قالوا أدخلت الباء في الخبر مشددة للنفي مؤكدة له، وقال الزجاج هذا قول جيد والذي عندي فيه أن الباء تؤذن بالنفي وتعلم أن أول الكلام منفي لأنه يجوز أن يسمع السامع إذا قيل له ما زيد قائما آخر الكلام دون أوله لإغفاله عنه وشغل قلبه فيجوز أن يظنه محققا من قولهم كان زيد قائما وأمسى زيد قائما وما أشبه ذلك فإذا قيل ما زيد بقائم فسمع بقائم علم أن الكلام منفي لا محالة فهذه فائدة الباء وجعلت اللام بإزائها في التحقيق وفي هذا الباب ضروب: من السؤال أحدها أن يقال فلم أدخلت اللام في خبر إن وحدها دون سائر أخواتها فلم يجز أن يقال لعل زيدا لقائم وكأن عبد الله لشاخص وما أشبه ذلك كما قيل إن زيدا لقائم والآخر أن يقال فإذا كانت اللام مؤكدة فلم جعلت في الخبر دون الاسم وكيف كان تقدير ذلك. والثالث أن يقال فإذا كانت مؤكدة للخبر فلم جاز دخولها وخروجها وهلا كانت لازمة؛ والرابع أن يقال فهلا اكتفى بتوكيد إن وتحقيقها لأنها أيضا إنما تؤكد الخبر لا الاسم ألا ترى أنك إذا قلت إن زيدا قائم، فإن ما أكدت القيام لا زيدا؛ والخامس أن يقال فلم تكسر إن إذا دخلت هذه اللام في خبرها ولا يجوز فتحها البتة مثل ذلك ظننت أن زيدا قائم وحسبت أن أباك شاخص فإذا أدخلت اللام كسرت إن فقلت ظننت إن زيدا لقائم وحسبت إن أخاك لشاخص وعلمت إن بكرا لقائم كما قال الله تعالى: (إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ) فكسر إن لوقوع اللام في الخبر الخبر والسادس أن يقال إذا كانت هذه اللام إنما تدخل في الأخبار كما ذكرتم فلم نراها منتقلة عن ذلك داخلة على الأسماء وهذا نقض لما أصلتموه ألا ترى أنا نقول إن في الدار لزيدا أو إن عندك لعمرا فندخل اللام على الاسم لا على الخبر كما قال الله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى) ؛ وما أشبهه وكقوله: (إن في ذلك لآيات أولي النهى) .
الجواب عن هذه المسائل
أما إدخال اللام في خبر إن دون سائر أخواتها فلأن إن داخلة على المبتدأ والخبر محققة له غير مزيلة لمعناه وهذه اللام وهي لام الابتداء الداخلة للتوكيد فجاز دخولها على خبر إن وحدها لما لم تغير معنى الابتداء ولم تدخل على سائر أخواتها لأنها تغير معنى الابتداء لما تدخل عليه من المعاني نحو دخول كأن للتشبيه والاستفهام والتقريب وليت للتمني ولعل للترجي والتوقع واستدراك لكن بعد الجحد؛ وأما لزوم اللام في الخبر دون الاسم، فإن أصلها كان قبل أن يقال إن زيدا لقائم كان لأن زيدا قائم فاستقبحوا الجمع بين حرفين مؤكدين فجعلوا إن في الابتداء واللام في الخبر ليحسن الكلام ويعتدل، فإن قال قائل فهلا جعلت اللام في الاسم وإن في الخبر قلنا ذلك غير جائز لعلتين إحداهما أن إن عاملة فلو جعلت إن في الخبر كان يلزم أن يتقدم اسمها عليها منصوبا وذلك غير جائز فيها لضعفها وامتناعها من التصرف والأخرى أنه لو نصب بها ما يليها ورفع ما قبلها كان قد تقدمها مرفوعها وجعل منكورا وخبرها معروفا وكل ذلك غير جائز فيها فجعلت إن في الاسم لتنصبه ولا يبطل عملها وجعلت اللام في الخبر لأنه موضع قد يقع فيه ما لا تؤثر فيه إن نحو الفعل الماضي والمستقبل وحروف الخفض والجمل؛ وأما جواز دخول هذه اللام في الخبر وخروجها، فإن ذلك على مذهب سيبويه والبصريين إنما جاز لأنها زيادة في التوكيد ومشددة تحقيق إن والزيادة في التوكيد جائز أن يؤتى بها وجائز ألا يؤتى بها فإذا أتى بها كان أشد للتوكيد وأبلغ وإذا لم يؤت بها كان في إن كفاية؛ وأما على مذهب الفراء وهو مولد من هذا المذهب فليس دخولها وخروجها سواء لأن الكلام عنده يقع جوابا للنفي فقولك إن زيدا قائم جواب من قال: ما زيد قائما وقولك: إن زيدا لقائم جواب من قال: ما زيد بقائم، وقد مضى شرح هذا فيما مضى من الباب وإنما قلنا إن هذا المذهب مأخوذ من مذهب سيبويه لأن قولك ما زيد بقائم أشد توكيدا للنفي من قولك ما زيد قائما فكذلك دخول اللام في الجواب وخروجها؛ وأما سؤال من قال: هلا اكتفى بتوكيد إن وحدها فقد مضى الجواب عنه وهو أنها أعني اللام زيادة في التوكيد وتشديد له فلذلك جاز الإتيان بها وحدها ولهذا نظائر في العربية كقولك: قام القوم كلهم أجمعون وأحد التوكيدين يغني عن الآخر، وكذلك مررت بزيد نفسه عينه ورأيت الرجلين أنفسهما أعينهما كل ذلك تشديد للتوكيد وفي واحد منه كفاية، وقد قال البصريون لما كانت إن مؤكدة للجملة واللام مؤكدة للخبر جاز الجمع بينهما لأن إن توكيد للخبر عن زيد، وقد أكدت الجملة واللام تؤكد الخبر فجاز الجمع بينهما لذلك؛ وأما كسر إن إذا دخلت اللام في خبرها وكذلك قولك: ظننت إن زيدا لقائم وعلمت إن أخاك لمنطلق، فإن ما كسرت ولم يجز فتحها لأن أن المفتوحة مع ما تعمل فيه اسم بتأويل المصدر يحكم عليه بالرفع والنصب والخفض وإن المكسورة حرف معنى لا موضع له من الإعراب واللام التي هي خبر إن قد قلنا إنها لام الابتداء وكانت مقدرة قبل إن، ولام الابتداء تمنع ما قبلها أن يعمل فيما بعدها فلم يجز لما قبل إن أن يعمل فيها واللام بينهما لأن لام الابتداء حاجز يمنع ما قبله من التخطي إلى ما بعده ألا ترى أنك تقول علمت لزيد منطلق وحلفت لأخوك قائم ولا يكون لعلمت تسلط على ما بعد اللام فكذلك كان الأصل وكذلك قولك: علمت إن زيدا لقائم علمت لأن زيدا قائم فمنعت اللام الفعل إن يعمل في إن فبقيت مكسورة على حالها ثم أخرت اللام إلى الخبر لفظا وهي في المعنى مقدرة في موضعها كما أنك إذا قلت غلامه ضرب زيد فالغلام مقدر بعد زيد وإن كان قد وضع في غير موضعه؛ وأما دخول هذه اللام على الأسماء في بعض المواضع كقولك: إن في الدار لزيدا وفي قول الله عز وجل: إن في ذلك لعبرة لمن يخشى؛ وما أشبه ذلك فقد قلنا إن أصل دخولها كان في أول الكلام كما شرحنا فلما تقدم الخبر وقع اسم إن موقع خبرها مؤخرا جاز دخول اللام عليه لزوال العلة التي من أجلها لم تدخل عليه وهي الجمع بين حرفين مؤكدين في مكان واحد فاعلم ذلك وقس عليه إن شاء الله.
باب لام الابتداء
لام الابتداء تدخل على الابتداء والخبر مؤكدة ومانعة ما قبلها من تخطيها إلى ما بعدها كقولك: لأخوك شاخص ولزيد قائم وكقوله تعالى: (لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ) ؛ (وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ) ؛ و (لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ) ؛ وكقول امرئ القيس:
ليوم بذات الطلح عند محجر ... أحب إلينا من ليال على وقر
وهذه اللام لشدة توكيدها وتحقيقها ما تدخل عليه يقدر بعض الناس قبلها قسما فيقول هي لام القسم كأن تقدير قوله لزيد قائم والله لزيد قائم فأضمر القسم ودلت عليه اللام وغير منكر أن يكون مثل هذا قسما لأن هذه اللام مفتوحة كما أن لام القسم مفتوحة ولأنها تدخل على الجمل كما تدخل لام القسم ولأنها مؤكدة محققة كتحقيق لام القسم ولكنها ربما كانت لام قسم وربما كانت لام ابتداء واللفظ بهما سواء ولكن بالمعنى يستدل على القصد ألا ترى أن من قال: لزيد قائم محققا لخبره لم يقل له حنثت إن كان زيد غير قائم ولكن إذا وقع بعدها المستقبل ومعه النون الثقيلة أو الخفيفة فهي لام القسم ذكر القسم قبلها أو لم يذكر كقولك: لأخرجن ولتنطلقن يا زيد وكقوله تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ) ؛ وكقوله تعالى: (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ، ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ، ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ؛ اللام في هذا كله للقسم وليس قبله قسم ظاهر إلا في النية وإنما حكمنا عليها بذلك لأن القسم لو ظهر لم يجز أن يقع الفعل المستقبل محققا إلا باللام والنون كما ذكرنا فأما قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ) فهذا يؤيد ما ذكرنا لأنه قد ذكر أخذ الميثاق ثم أتى باللام والنون مع الفعل فدل على أنها لام القسم، وكذلك كل ما كان عليه دليل من هذا النوع حمل على القسم وما لم يكن فيه دليل فاللام فيه لام الابتداء والمعنى بينهما قريب لاجتماعهما في التوكيد والتحقيق.
باب لام التعجب
لام التعجب تدخل على المتعجب منه صلة لفعل مقدر قبله كقولك: لزيد ما أعقله والتقدير اعجبوا لزيد ما أعقله، وكذلك قال: بعض العلماء في قول الله عز وجل: (لإيلاف قريش) ؛ قال: تقديره اعجبوا لإيلاف قريش لأن حروف الخفض صلات للأفعال، وقال بعضهم هي متصلة بسورة الفيل تقديره فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش؛، وقال آخرون هي صلة لقوله (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) لأن صلات الأفعال تتقدم وتتأخر وربما سبق لام التعجب حرف النداء كقوله: م يا لزيد فارسا أي اعجبوا لزيد فارسا ويالك راكبا، وكذلك ما أشبهه، ومن هذا الباب أيضا لام القسم الخافضة كقوله: م لله ما تأتي به ولا تكون هذه اللام خافضة للمقسم به إلا متضمنة معنى التعجب في الله وحده كما، قال الشاعر:
لله يبقى على الأيام ذو حيد ... بمشمخر به الظيان والآس
وقد كشف بعض المحدثين معنى هذه اللام وتضمتها للتعجب بأن كرر عليها التعجب وإن كان ليس بحجة ولكنه مما يبين هذا المعنى وهو قوله لله آنسة فجعت بها ما كان أبعدها من الدنس، وقال العلماء في قوله لله درك إن هذه لام التعجب وإن كان دعاء للمخاطب به أو المخبر عنه في قولهم لله دره، وقالوا معناه كثر الله خيره. والدر اللبن وكان أكثر ما يشربون فدعي بتكثيره لهم لأنه لا يكثر إلا بكثرة غنمهم ومواشيهم ومخرجه مخرج التعجب، وقال بعضهم لله درك أي لله ما تأتي به.
باب اللام الداخلة على المقسم به
اعلم أن حروف القسم أربعة وهي الباء والتاء والواو وللام هذه الحروف تخفض المقسم به وهي صلات فعل مقدر كقولك: والله لأخرجن وبالله وتالله ولله لأنطلقن والتقدير أقسم بالله فالفعل مقدر وإن لم ينطق به وإن حذفت هذه الحروف نصبت المقسم به كقولك: الله لأخرجن فأما الواو والباء فتدخلان على كل محلوف به ولا تدخل التاء إلا على الله وحده ولا اللام إلا عليه في حال التعجب ولا بد للقسم من جواب وجوابه في النفي ما ولا وفي الإيجاب إن واللام، وقد تدخل على ضروب: من المقسم به لام الابتداء التي مضى ذكرها فيرتفع لأنها تمنع ما قبلها أن يعمل فيه كقولك: لعمرك لأخرجن هو مرفوع بالابتداء والخبر مضمر والتقدير لعمرك ما أقسم به فموضع الجملة نصب قال الله تعالى: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) ، وقال زهير: لعمرك والخطوب مغيرات ... وفي طول المعاشرة التقالي
لقد باليت مظعن أم أوفى ... ولكن أم أوفى لا تبالي
وقال الهذلي:
لعمرك أبي عمر ولقد ساقه المنى ... إلى جدث يوزى له بالأهاضب
قال سيبويه العمر والعمر واحد فقولهم لعمرك إنما هو قسم ببقائه، وكذلك لعمر الله قسم ببقائه عز وجل ولم يستعمل في القسم إلا مفتوحا، فإن حذفت اللام تعدى الفعل إليه فنصبه كما نصب ما قبله من المقسم به عند حذف الحرف منه كقولك: عمرك لأخرجن فأما قولهم عمرك الله، فإن ما هو منصوب بتقدير سألت الله تعميرك ثم وضع العمر في موضع التعمير لأن المصادر ينوب بعضها عن بعض وفيه معنى القسم؛ قال عبد بني الحسحاس:
ألكني إليها عمرك الله يا فتى ... بآية ما جاءت إلينا تهاديا
باب اللام التي تكون جواب القسم
قد ذكرنا في هذا الباب الأول أن القسم يجاب بأربعة أشياء باللام وإن في الإيجاب وما ولا في النفي ولا بد للقسم من جواب لأنه به تقع الفائدة ويتم الكلام ولأنه هو المحلوف عليه ومحال ذكر حلف بغير محلوف عليه فاللام كقولك: والله لأخرجن وتالله لأقصدن زيدا قال الله تعالى: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم) ، وقال تعالى: (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) ؛ ثم قال: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) ؛ فجعل جوابه باللام؛ وأما الجواب بإن فمثل قولك والله إن زيدا قائم قال الله عز وجل: (والعصر، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) ؛ (والطور، وكتاب مسطور) ؛ ثم قال: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ) ؛ وربما أضمر جواب القسم إذا كان في الكلام دليل عليه كما قال تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) ؛ ثم أضمر القسم في قوله قد أفلح من زكاها؛ التقدير لقد أفلح من زكاها وجاز هذا الإضمار لدلالة قد عليه لأنها مؤكدة واللام للتوكيد، وكذلك جميع ما في كتاب الله تعالى من الأقسام لا بد له من جواب ظاهر أو مضمر على ما ذكرت لك وربما بعد الجواب عن القسم فقد قالوا في قوله تعالى: (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) ؛ إن جوابه قوله: إن ذلك لحق تخاصم أهل النار، وقد قيل هو مضمر؛ وأما الجواب بما ولا فقولك والله لا يقوم زيد ووالله ما يقوم زيد فقس على هذا جوابات القسم إن شاء الله.
باب لام المستغاث به ولام المستغاث من أجله
اعلم أن لام المستغاث به مفتوحة، ولام المستغاث من أجله مكسورة فرقا بينهما وهما خافضتان جميعا لما تدخلان عليه فلام المستغاث به كقولك: يا لزيد ويا لعمرو قال مهلهل:
يا لبكر أنشروا لي كليبا ... يا لبكر أين أين الفرار
قالوا إنما استغاث بهم هزءا لما انهزموا، ولام المستغاث من أجله كقولك: يا لزيد لعمرو أنت مستغيث بزيد من أجل عمرو ليعينك عليه كما، قال الشاعر وهو قيس بن ذريح: تكنفني الوشاة فأزعجوني ... فيا للناس للواشي المطاع
وقال الآخر في المستغاث به:
فيا للناس كيف ألوم نفسي ... على شيء ويكرهه ضميري
وفي الحديث أنه لما طعن العلج أو العبد عمر رضي الله عنه صاح: يا لله يا للمسلمين؛، وقال آخر:
يا عجبا لهذه الفليقه ... هل تذهبن القوباء الريقه
الفليقه الداهية كأنه دعا العجب من أجل الفليقه
واعلم أن أصل هذين اللامين الكسر لأنهما اللام الخافضة وكذلك قولك: لزيد ولعمرو وإنما فتحت لام المستغاث به فرقا بينها وبين لام المستغاث من أجله وكانت لآم المستغاث من أجله أولى بالكسر ولأن تبقى على بابها لأن المستغاث من أجله يجر إليه المستغاث ويطلب من أجله ولم يجعل الفصل بينهما بالضم لتآخي الكسرة والفتح وبعد الضم منهما لأن الضم أثقل الحركات والفتح والكسر مؤاخيان ولذلك اشتركا في المفعول وكذلك قولك: رأيت زيدا ومررت بزيد وكلاهما مفعول به، وقد خفض أخدهما ونصب الآخر، وكذلك استوى مكني المخفوض والمنصوب وكذلك قولك: رأيتك ومررت بك وضمت تثنية المنصوب وجمعه إلى المخفوض وكذلك قولك: مررت بالزيدين والزيدين ورأيت الزيدين والزيدين ومع ذلك، فإن هذه اللام الخافضة قد فتحت مع المضمر وكذلك قولك: هذا لك ولكما ولكم فجعل الفرق بينهما هاهنا بالفتح، فإن عطفت على المستغاث به بمستغاث به آخر كسرت لام الثاني لأن الفتح قد زال بضمك إياه إلى الأول بحرف العطف كقولك: يا لزيد ولعمرو تكسر لام عمرو وإن كنت مستغيثا به لما ذكرت لك فأما قول الشاعر:
يا لعطافنا ويا لرياح ... وأبي الخزرج الفتى الوضاح
فإنه فتح اللام الثانية لأنه كرر معها يا ولم يضم الاسم الثاني إلى الأول بحرف العطف واعلم أن لام المستغاث به عوض من الزيادة التي تقع آخر المنادى المتراخي عنك وكذلك قولك: يا زيداه ويا عمراه ولا يجوز الجمع بينهما فلو قلت يا لزيداه لم يجز لأن العوض والمعوض لا يجتمعان ألا ترى أنه غير جائز أن تقول الزناديقة والفرازينة فتجمع بين الياء والهاء لأنهما يتعاقبان فإما أن تقول الزناديق والفرازين أو الزنادقة والفرازنة، وكذلك لا تقول يا اللهم فتجمع بين الميم المثقلة في آخره وحرف النداء في أوله قال سيبويه زيدت الميم في آخره مثقلة عوضا من حرف النداء في أوله فلا يجوز الجمع بينهما ولا وصفه لأنه جرى مجرى الأصوات؛ وأما قوله تعالى: (قل اللهم فاطر السموات والأرض) ، فإنه على نداءين وقال الفراء أصله يا الله أمنا بخير ثم اختصر وجعلت الكلمتان واحدة ومنع من حرف النداء وربما جاء شاذا في الشعر وأنشد:
وما عليك أن تقولي كلما ... سبحت أو هللت يا اللهم ما
أردد علينا شيخنا مسلما ولا يعتد البصريون بهذا الشعر ولا يرونه حجة ولو كان القول على ما ذهب إليه الفراء لما امتنع من حرف النداء لأن تصيير الشيئين شيئا واحدا لا يمنع من دخول حرف النداء ألا ترى أنا ننادي معدي كرب ورام هرمز وبعلبك وما أشبه ذلك وهما اسمان جعلا اسما واحدا، وقد قرأ أبو عمرو بن العلاء يا بن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي بالفتح على أنه بناه وجعل الكلمتين كلمة واحدة وهذا بين واضح.
باب لام الأمر
لام الأمر جازمة للفعل المستقبل للمأمور الغائب كذلك أصل دخولها كقولك: ليذهب زيد وليركب عمرو ولينطلق أخوك قال الله عز وجل: لينفق ذو سعة من سعته؛، وقال ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم؛ وهي كثيرة الدور في كتاب الله تعالى والشعر ومنثور الكلام فأما إذا أمرت مخاطبا، فإن ك غير محتاج إلى اللام كقولك: اذهب يا زيد واركب وانطلق واقعد، وكذلك ما أشبهه وربما أدخلت اللام في هذا الفعل أيضا توكيدا فقيل لتذهب يا زيد ولتركب ولتنطلق وعلى هذا قرئ فبذلك فلتفرحوا؛ على الخطاب وروي عن النبي أنه قرأ فبذلك فلتفرحوا بالتاء وقرأ أكثر القراء فليفرحوا بالياء على الغيبة وروي أن النبي قال: في بعض مغازيه لبعض أصحابه: لتأخذوا مصافكم فأدخل اللام في فعل المخاطب، وإذا كان قبل لام الأمر واو العطف أو فاؤه جاز كسر اللام على الأصل وإسكانها تخفيفا لأن الفاء والواو يتصلان بالكلمة كأنهما منها ولا يمكن الوقوف على واحد منهما وذلك قولك فلينطلق زيد ولينطلق وإن شئت كسرت اللام وإن شئت أسكنتها، وكذلك قرأت القراء: وليعفوا وليصفحوا بالوجهين والإسكان فيها أكثر في الكلام فإذا كان قبلها ثم، فإن الوجه كسر اللام لأن ثم حرف يقوم بنفسه ويمكن الوقوف عليه والابتداء بما بعده والواو والفاء لا يمكن ذلك فيهما وذلك قولك ثم ليخرج زيد ثم ليركب عمرو والوجه كسر اللام بل لا يجيز البصريون غيره، وقد أجاز بعض النحويين إسكانها مع ثم أيضا حملا على الواو والفاء وعلى ذلك قرأ بعض القراء ثم ليقضوا تفثهم بالإسكان والكسر أجود لما ذكرت لك من العلة واجمع النحويون من البصريين والكوفيين على أن الفعل إذا دخلت عليه هذه اللام كان مجزوما بها لغائب كان أو لحاضر كقولك: ليذهب زيد ولتركب يا عمرو ثم اختلفوا في فعل الأمر للمخاطب إذ كان بغير اللام كقولك: اذهب يا زيد واركب يا عمرو فقال الكوفيون كلهم هو مجزوم أيضا بإضمار اللام لأن أصل الأمر أن يكون باللام ولكن كثر في الكلام فحذفت اللام منه وأضمرت لأن من شأن العرب تخفيف ما يكثر في كلامهم وحذفه لاسيما إذا عرف موقعه ولم يقع فيه لبس فتقدير قولهم اذهب يا زيد لتذهب يا زيد هذا أصله ثم حذف وأضمرت اللام فهو عندهم مجزوم بإضمار اللام وأجمع البصريون على أن هذا الفعل إذا كان بغير اللام فهو غير معرب كقولك: اذهب يا زيد واركب وانطلق وما أشبه ذلك ودليلهم على أنه غير معرب أنه لابد للمعرب من عامل يدخل عليه فيعربه لأن الشيء لا يعرب نفسه فكما أنه لا يجوز أن يكون مرفوع ولا منصوب ولا مخفوض بغير رافع ولا ناصب ولا خافض فكذلك لا يكون مجزوم بغير جازم وليس وكذلك قولك: اذهب واركب وما أشبه ذلك جازم يجزمه ووكذلك قولك: ليذهب زيد وليركب جازم وهي اللام قالوا؛ وأما ما ذهب إليه الكوفيون من إضمار اللام فخطأ وذلك أن إعراب الأفعال محمول على إعراب الأسماء وعوامل الأفعال باتفاق من الجميع أضعف من عوامل الأسماء وأضعف إعراب الأسماء الخفض لأنه لا يتصرف المخفوض تصرف المرفوع والمنصوب لأن الخافض لا يفارق مخفوضة كما يفارق الرافع والناصب المنصوب والمرفوع، وكذلك أجمعوا على أنه لا يجوز إضمار الخافض لضعفه والجزم في الأفعال باتفاق من الجميع نظير الخفض في الأسماء فهو أضعف من الخفض على الأصول المتفق عليها فلما كان إضمار الخافض في الأسماء غير جائز كان إضمار الجازم في الأفعال الذي هو أضعف من الخافض أشد امتناعا قالوا فلذلك لم يجز إضمار لام الأمر على ما ادعى الكوفيون قالوا ومن الدليل القاطع على أن اللام غير مضمرة وأنه ليس كما ذهبوا إليه أن اللام لو كانت مضمرة لما تغير بناء الفعل لأن إضمار العوامل لا يوجب تغير بناء المعمول فيه لأن إضماره بمنزلة إظهاره ألا ترى أن قوله تعالى: (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ) تقديره هو النار فليس إضمار الرافع بمغير بناء المرفوع، وكذلك قوله تعالى: (يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) ، إنما تقديره ويعذب الظالمين أعد لهم عذابا أليما ومثله في كتاب الله وكلام العرب كثير فليس إضمار العوامل بموجب تغيير بناء المعمول فيه فلو كان تقدير اذهب يا زيد واركب لتذهب ولتركب كان سبيله إذا أضمرت اللام أن يبقى الفعل على بنائه فيقال تذهب يا زيد وتركب يا عمرو وهذا لازم
لهم لا زيادة عليه ومن الدليل على صحته أن الشاعر قد يضطر إلى حذف اللام من فعل المأمور المخاطب في لغة من يقول يا زيد لتذهب فيحذفها ويضمرها ويترك الفعل على بنائه وعلى ذلك قول الشاعر أنشده سيبويه:
وغيره محمد تفد نفسك كل نفس ... إذا ما خفت من أمر تبالا
فأضمر اللام وترك الفعل على بنائه كما يوجبه القياس.
باب لام المضمر
لام المضمر هي اللام الخافضة للأسماء في خبر إن أو غيره كقولك: هذا لك ولكما ولكم ولهم وله وما أشبه ذلك كما قال تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) ؛ ولهم أجر غير ممنون؛ وهي مفتوحة مع جميع المضمرات إلا مع ضمير الواحد إذا أخبر عن نفسه كقولك: لي غلام ولي ثوب وإنما انكسرت مع الياء هاهنا لأن من شأن ياء الإضافة أن تكسر ما قبلها إلا أن يكون حرف مد ولين كقولك: هذا ثوبي وغلامي ورأيت ثوبي وغلامي ومررت بثوبي وغلامي يكون على حال واحدة كما ترى، فإن كان قبلها ألف لم يمكن كسرها لأن الحركة في الألف غير سائغة فتترك الألف على حالها وتفتح ياء الإضافة كقولك: هذان غلاماي وهذا فتاي ورأيت فتاي ومررت بفتاي ورحاي كما قال الله جل وعز هي عصاي أتوكأ عليها ومن العرب من يقلب الألف ياء فيدغم فيقول هذه عصي ورحي ومنه قول بعض الصحابة وضعوا اللج على قفي قال أبو ذؤيب:
سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم ... ففقدتهم ولكل جنب مصرع
فإن قال قائل فإذا كانت لام المضمر هذه التي ذكرتها هي اللام الخافضة بمعنى الملك والا ستحقاق في الخبر وغيره فلم فتحت مع المضمر وكسرت مع الظاهر فقيل هذا غلام لزيد وهذا غلام لك وما أشبه ذلك فالجواب في ذلك أن أصل هذه اللام الفتح لأن أصل هذه الحروف التي جاءت على حرف واحد للمعاني الفتح نحو السين الدالة على الاستقبال وواو العطف وفائه والواو والتاء في القسم والواو بمعنى رب، ولام الابتداء وما أشبه ذلك وإنما يكسر منها ما يكسر فصلا بين مشتبهين أو يكون ما يجيء منها مكسورا نزرا يسيرا عندما جاء منها مفتوحا ومن الدليل أيضا على أن أصل لام الخفض الفتح وأنها فتحت مع المضمر على أصلها أنك تقدر على إضمار كل مظهر ولست تقدر على إظهار كل مضمر على معناه نحو المضمر في نعم وبئس وباب كان وإن وفي ربه رجلا والمضمر وكذلك قولك: زيد قام وما أشبه ذلك فتحت اللام الخافضة مع المضمر على أصلها وكسرت مع الظاهر فرقا بينها وبين لام التوكيد لأنك لو فتحتها مع الظاهر أشبهت لام التوكيد ألا ترى أنك لو قلت وأنت تريد الإضافة إن هذا لزيد لم يعلم هل قصدت إلى إضافة المشار إليه إلى زيد أو إلى الإخبار بأن المشار إليه زيد، فإن قال قائل، فإن الإعراب ينبئ عن ذلك لأنك كنت تقول في الإضافة إن هذا لزيد بالخفض فإذا لم ترد الإضافة كنت تقول إن هذا لزيد بالرفع قيل له الإعراب يسقط في الوقف فيسقط الدليل فجعل الفرق باللام لئلا يزول في وصل ولا وقف فكان أبين دلالة مما يدل في حال ويسقط في حال فأما المضمر فلا لبس في مثل هذه الحال لأن علامة المضمر المخفوض غير علامة المضمر المرفوع، فإن ت تقول إذا أردت الإضافة إن هذا لك ولكما ولكم وإذا لم ترد الإضافة وأردت أن المشار إليه هو المخاطب أو غيره وأن الثاني هو الأول قلت إن هذا لأنت فلم يقع فيه لبس فبقيت اللام على أصلها مفتوحة وهذا بين واضح
باب اللام الداخلة في النفي بين المضاف والمضاف إليه
اعلم أن اللام إذا دخلت بين المضاف والمضاف إليه فصلته منه لفظا وصاحبت التنوين وزالت الإضافة ولم يتعرف المضاف بالمضاف إليه ولم يتنكر به لأن اللام قد حجزت بينهما وذلك قولك هذا غلام لزيد وهذا ثوب لزيد وهذا الغلام لرجل وهذا الثوب لصاحب لنا وهذا قياس مطرد فيها، وقد ذكرناها فيما مضى بعلتها إلا أنه قد تدخل هذه اللام في النفي بين المضاف والمضاف إليه غير مغيرة حكم الإضافة ولا مزيلة معناها ولا مصاحبة للتنوين وذلك قول العرب لا أبا لك ولا غلامي لزيد ولا يدي لك بها وما أشبه ذلك قال: سيبويه أدخلوا اللام هاهنا بين المضاف والمضاف إليه مشددة معنى الإضافة ومؤكدة له قال: والدليل على أن هذا الكلام مضاف إلى ما بعد اللام وأن اللام لم تغير معنى الإضافة قولهم لا أبا لك لأن هذه الألف إنما ثبتت في الأب في حال النصب إذا كان مضافا كقولك: رأيت أباك ولو يكن مضافا إلى ما بعد اللام لم تثبت فيه الألف، وكذلك قولهم لا غلامي لك إنما حذفت منه نون الاثنين لتقدير إضافته إلى الكاف ولولا ذلك لثبتت النون لأن نون الاثنين إنما تحذف للإضافة، وكذلك قولهم: لا يدي لك إنما حذفت النون لتقدير الإضافة، فإن قال قائل فلم جاز ألا تفصل هذه اللام بين المضاف والمضاف إليه في هذا الموضع، وقد فصلت بينهما في سائر الكلام قيل له إنما جاز ذلك في النفي لكثرته في الكلام وهم مما يغيرون الشيء عن حال نظائره إذا كثر في الكلام، وكذلك تزاد هذه اللام بين المضاف والمضاف إليه في النداء أيضا لكثرته في الكلام قال سيبويه: فزيادة هذه اللام بين المضاف والمضاف إليه في النفي والنداء بمنزلة تكرير الاسم وتقدير إضافة الأول إلى ما بعد المكرر كقول العرب يا زيد زيد عمرو، فإن ما أقحمت الثاني توكيدا، وقد رووا إضافة الأول إلى ما بعد المقحم كما قال جرير:
يا تيم تيم عدي لا أبالكم ... لا يلقينكم في سَوْءة عمر وقال آخر:
يا زيد زيد اليعملات ... الذبل تطاول الليل عليك
فإن زل قال: وهذا نظير قولهم يا طلحة أقبل بالفتح لأنهم قدروا فتح آخر الاسم للترخيم ثم ردوا الهاء ولم يعتدوا بها كما قال النابغة:
كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
ومن العرب من يقول يا تيم تيم عدي ويا زيد زيد اليعملات فيجعل الأول منادى مفردا وينصب الثاني لأنه مضاف ومن كان هذا من لغته، فإنه يقول يا طلحة أقبل وكليني لهم يا أميمة بالضم، وكذلك من قال: لا أبا لك، فإنما زاد اللام بين المضاف والمضاف إليه مقحمة للتوكيد على ما ذكرنا في قوله يا تيم تيم عدي قال الأسود بن يعفر:
ومن البلية لا أبا لك أنني ... ضربت على الأرض بالأسداد
فإن قال قائل: فإن كانت هذه اللام مزيدة، فإن ما التقدير لا أباك قيل هو كذلك، وقد، قال الشاعر فحذف اللام وأضاف فقال:
أبالموت الذي لابد أني ... ملاق لا أباك تخوفيني
وقال آخر:
وقد مات شماخ ومات مزرد ... وأي عزيز لا أباك يخلد
فإن قال: فإن اجتماع النحويين على أن لا في النفي لا تعمل في المعارف ولا تنصبها فخطأ عند الجميع أن تقول لا زيد في الدار ولا بكر عندك؛ ولا غلامك في الدار وإنما تنصب النكرات كقولك: لا رجل في الدار ولا غلام لك وكقوله تعالى: (لاَ رَيْبَ فِيهِ) ؛ وما أشبه ذلك وأنت إذا قلت: لا أباك فقد نصبت بها المعرفة لأن الأب مضاف إلى الكاف وهي معرفة والمضاف إلى المعرفة معرفة وهذا نقض لما أصلتموه وضد لما أجمعتم عليه قيل له ليس كما ذهبت إليه وذلك أنه قد تكون أسماء بألفاظ المعارف وهي نكرات نحو مثلك وشبهك وغيرك وضربك ونحوك وهدك وكفيك وشرعك وضاربك إذا أردت به الحال أو الاستقبال، وكذلك قولهم لا أباك ولا أبا لك بلفظ المعرفة وهو نكرة لأن أصله أن يقال لا أب لك وليس يراد بقولهم لا أب لك ولا أبا لك ولا أباك أنه ليس له أب في الحقيقة هذا محال وجود إنسان بغير أب إلا ما صح وجوده من خلق الله ذلك مثل عيسى وآدم عليهما السلام فأما سائر الناس فليس بد لكل واحد من أب وإنما يراد بقولهم لا أبا لك أنه لا أب لك من الآباء الأشراف أو من الآباء المذكورين، فإن ما هو كلام مجراه مجرى السب وربما وضع موضع المدح كقولك: للرئيس الفاضل لا أبا لك إنما تريد لا أبا لك من الآباء الخاملين الناقصين، فإن ما هو كلام مختصر يعرف معناه بمقصده وجرى كالمثل فلذاك جاز ما ذكرنا وفيه لغات أولها أن يقال لا أب لك فينصب الأب بلا ويكون لك الخبر كما، قال الشاعر:
فلا أب وابنا مثل مروان وابنه ... إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا
نصب الأب بلا ولم يلحق به ألفا لأنه غير مضاف وأضمر الخبر كأنه قال: لا أب في زمان أو مكان والثانية أن يقال لا أب لك بالرفع يرفع بالابتداء وتلغى لا والخبر لك وإن شئت جعلتها بمعنى ليس فرفعت بها وهو أضعف الوجهين كما، قال الشاعر:
من صد عن نيرانها ... فإن ابن قيس لا براح ونظير رفع الأب بالتنوين في النفي قول الشاعر:
وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
هذا وجدكم الصغار بعينه ... لا أم لي إن كان ذاك ولا أب
والثالثة أن تقول لا أبا لك فتنصب الأب بلا وتقدر إضافته إلى الكاف فتلحق فيه الألف علامة للنصب وتجعل اللام مؤكدة وتضمر الخبر لأن اللام ليست بخبر على هذا التقدير كأنك قلت لا أبا لك في زمان أو مكان قال: سيبويه وعلى هذا تقول لا غلامي لك إذا قدرت الإضافة وتضمر الخبر وإن لم تقدر الإضافة قلت لا غلامين لك فأثبت النون وجعلت اللام الخبر، وكذلك تقول لا يدي لك على الإضافة ولا يدين لك إذا جعلت اللام الخبر قال: فإن قلت لا يدي يوم الجمعة لك لم يجز إلا إثبات النون فتقول لا يدين يوم الجمعة لك لأنك قد فصلت بين المضاف والمضاف إليه بشيء سوى اللام وهو الظرف ومثل هذا جائز في الشعر لأن العرب قد تفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الشعر كما قال لما رأت ساتيدما استعبرت ... لله در اليوم من لامها
وقال آخر: كأن أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس أنقاض الفراريج واللغة الرابعة أن تقول لا أباك فتضيفه إضافة صحيحة وتحذف اللام وتضمر الخبر على ما ذكرنا من التقدير.
باب اللام الداخلة في النداء بين المضاف والمضاف إليه
اعلم أن موقع هذه اللام في النداء كموقع اللام التي ذكرناها في الباب المتقدم في النفي بل هي تلك بعينها تدخل بين المضاف والمضاف إليه فتبقي الإضافة على حالها ولا تفصلها وإنما فرقنا بينهما وإن كان مجراهما ومعناهما واحدا للفرق بين الموضعين ومخالفة معنى النداء للنفي وأكثر هذه اللامات ترجع إلى معنى واحد وإنما كثرت واختلفت باختلاف موقعها وسنذكر أصول هذه اللامات ورجوعها إلى أصول تضمها في باب مفرد من هذا الكتاب إن شاء الله وذلك قولك يا بؤس لزيد والتقدير يا بؤس زيد فأدخلت اللام مقحمة مزيدة ولم تفصل بين المضاف والمضاف إليه ومثل ذلك قول الشاعر:
يا بؤس للحرب التي ... وضعت أراهط فاستراحوا
أنشده سيبويه والخليل وغيرهما وأنشدت الجماعة أيضا: قالت بنو عامر خالوا بني أسد: ... يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام
والدليل على أن حرف النداء واقع عليه وأنه ليس بمقدر لمنادى في النية أنه منصوب ولو كان حرف النداء غير واقع عليه لم يجز نصبه وليس في العربية موضع تدخل فيه اللام بين المضاف والمضاف إليه غير فاصلة بينهما إلا في النفي والنداء للعلة التي ذكرناها في الباب الأول من كثرة النفي والنداء في كلامهم وهم مما يغيرون الأكثر في كلامهم وعلى أن النداء في كلامهم أكثر من النفي قال: سيبويه أول كل كلام النداء وإنما يترك في بعضه تخفيفا وذلك أن سبيل المتكلم أن ينادي من يخاطبه ليقبل عليه ثم يخاطبه مخبرا له أو مستفهما أو آمرا أو ناهيا وما أشبه ذلك، فإنما يترك النداء إذا علم إقبال المخاطب على المتكلم استغناء بذلك قال: وربما أقبل المتكلم على مخاطبه وهو منصت له مقبل عليه فيقول له مصغ له يا فلان توكيدا ثم يخاطبه فلما كثر النداء في كلامهم هذه الكثرة أجازوا تغييره وبناءه على الضم إذا كان مفردا وحذف التنوين منه وترخيمه وزيادة اللام فيه بين المضاف والمضاف إليه.
باب اللام الداخلة على الفعل المستقبل في القسم لازمة
اعلم أن الفعل المستقبل إذا وقع في القسم موجبا لزمته اللام في أوله والنون في آخره ثقيلة أو خفيفة ولم يكن بد منهما جميعا وذلك قولك والله لأخرجن وتا لله لأركبن قال الله عز وجل: (وتالله لأكيدن أصنامكم) ، وقال تعالى: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) ؛ فإن قال قائل فلم لزمت اللام والنون معا وما الفائدة في الجمع بينهما وهلا جاز الاقتصار على إحداهما إذ كانتا جميعا للتوكيد فالجواب في ذلك أن الخليل وسيبويه والفراء والكسائي أجمعوا على أنه إنما جمع بين اللام والنون هاهنا لأن اللام تدخل لتحقيق المحلوف عليه كما دخلت لا في النفي وكذلك قولك: والله لا يقوم زيد ولزمت النون في آخر الفعل ليفصل بها بين فعل الحال والاستقبال فهي دليل الاستقبال فإذا قلت والله ليخرجن زيد دلت اللام على الإيجاب والنون على الاستقبال وتخليص الفعل من الحال فقد دل كل واحد منهما على معنى مفرد، فإن لم ترد الاستقبال جاز أن تقول والله ليقوم ويصلي لمن هو في تلك الحال وربما أضمرت هذه اللام في الشعر مع ذكر النون ضرورة كما، قال الشاعر: فهم الرجال وكل ذلك منهم ... تجدن في رحب وفي متضيق
وأنشده الكسائي وزعم أنه أضمر اللام، وقال الفراء اللام لا يجوز إضمارها مع النون الثقيلة والخفيفة إلا بأن تتقدمها لام مثلها تدل عليها ولكن هذا الشاعر أدخل النون في الواجب ضرورة قال الفراء فمما تضمر فيه اللام قول الشاعر:
فليأزلن وتبكؤن لقاحه ... ويعللن صبيه بسمار
أضمر اللام في الفعلين الأخيرين لما ذكرها في أول الكلام فكأنه قال: فليأزلن ولتبكؤن لقاحه وليعللن صبيه بسمار، وقد يجوز عند البصريين أن يكون أدخل النون في الفعلين الأخيرين ضرورة لأن الشعراء قد يدخلون هذه النون ضرورة في الواجب وإنما حكمها أن تدخل فيما ليس بواجب فأما إدخالها في الواجب ضرورة فنحو قول الشاعر:
ربما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شمالات في فتو أنا رابئهم من كلال غزوة ماتواليت شعري ما أماتهم نحن أدلجنا وهم باتوا وهو في الشعر كثير جدا.
باب اللام التي تلزم إن المكسورة الخفيفة من الثقيلة
اعلم أن لإن المكسورة المخففة أربعة مواضع تكون جزاء كقولك: إن تكرمني أكرمك وإن تزرني أحسن إليك كما قال تعالى: (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ) ؛ وتكون جحدا بمنزلة ما فتقول إن زيد قائما كما تقول ما زيد قائما وتقول إن زيد إلا قائم كما تقول ما زيد إلا قائم قال الله تعالى: (إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) وتكون زائدة كما تقول لما إن جاء زيد أحسنت إليه والمعنى لما جاء زيد وإن زائدة فهي في هذه الوجوه الثلاثة قائمة بنفسها لا يلزمها شيء ولها وجه رابع وهو الذي قصدناه في هذا الباب وذلك أن تكون مخففة من الثقيلة فتلزمها اللام في خبرها ويبطل عملها في أكثر اللغات كقولك: إن زيد لقائم؛ والمعنى إن زيدا لقائم فلما خففت إن رفعت زيدا بالابتداء وجعلت قائما خبر الابتداء وبطل عمل إن لأنها كانت تعمل بلفظها ولمضارعتها الفعل فلما نقص بناؤها زال عملها ولزمتها اللام في الخبر ولم يجز حذف اللام في الخبر لئلا تشبه النافية ألا ترى أنك لو قلت إن زيد قائم وأنت تريد الإيجاب لم يكن بينها وبين النافية فرق فألزمت اللام في الخبر لذلك فإذا ثقلت إن كنت مخيرا في الإتيان باللام في الخبر وحذفها كقولك: إن زيدا لقائم وإن زيدا قائم لأن اللبس قد زال وذلك أنها إذا ثقلت لم يكن لها معنى في النفي فافهم ذلك، ومن ذلك قول الله عز وجل: (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) هي مخففة من الثقيلة وجاز وقوع الفعل بعدها لأنها إذا خففت بطل عملها ووقع بعدها الابتداء والخبر والأفعال والدليل على أنها مخففة من الثقيلة لزوم اللام في الخبر ومثل ذلك قول الله تعالى: (وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) ؛ ومثله قوله: (قال تالله إن كدت لتردين) ؛ كل هذا مخفف من الثقيلة وأهل الكوفة يسمون هذه اللام لام إلا ويجعلون إن هاهنا بمنزلة ما في الجحد قالوا ومعنى قوله (وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) ، ما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين، وكذلك قوله (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) تأويله عندهم ما كنت من قبله إلا من الغافلين، وكذلك سائر هذا الذي مضى يخرجونه إلى هذا التأويل وهذا غلط لأن اللام للإيجاب والتحقيق وما للنفي فلا يجوز اجتماعهما في حال فيكون الكلام محققا منفيا ألا ترى أنك لو أظهرت ما في هذه الآيات لم يجز لو قلت ما كنت من قبله لمن الغافلين وما زيد لقائم لم يجز وإنما يكون الشيء موضوعا موضع غيره إذا كان معناه كمعناه فأما إذا باينه فحمله عليه خطأ؛ وأما مجيء إن بمعنى ما إذا كان بعدها إلا فسائغ جيد لأنك لو وضعت ما مكانها لم يمتنع وذلك قولك إن زيد إلا قائم فهو بمعنى ما لأنك لو قلت ما زيد إلا قائم كان كلاما جيدا، وكذلك قوله عز وجل: (إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) لأنه لو قيل ما الكافرون إلا في غرور لكان المعنى واحدا، فإن قال قائل، فإن ك إذا اعتمدت على أن إن إذا كان في خبرها اللام لم تكن بمعنى ما لأن اللام للتحقيق وما للنفي والجمع بينهما خطأ في شيء واحد، فإن ت قد تقول ما زيد إلا قائم فتجمع بين إلا وما في كلام واحد وإلا محققة وما نافية فما أنكرت أن يكون معنى قولهم إن زيد لقائم بمعنى ما زيد إلا قائم فتكون إن للنفي واللام للإيجاب ويجوز الجمع بينهما كما جاز الجمع بين إلا وما قيل ذلك غير جائز والفرق بينهما أن إلا فيها نقض ما قبلها، فإن دخلت بعد كلام موجب نقضته فجعلته منفيا كقولك: قام القوم إلا زيدا فقد نفيت القيام عن زيد بإلا وإن دخلت على منفي نقضت النفي فجعلته موجبا كقولك: ما قام القوم إلا زيد فقد أوجبت القيام لزيد بإلا وليس في اللام معنى نقض ما قبلها وإنما فيها تحقيق ما بعدها فإذا أدخلتها في خبر ما فقلت ما زيد لقائم جمعت بين النفي والإيجاب في الخبر وهذا محال فقد بان لك الفرق بين إلا واللام، ومن ذلك قول الشاعر:
هبلتك أمك إن قتلت لمسلما ... حلت عليك عقوبة المتعمد
معناه إنك قتلت مسلما فلما خففت إن بطل عملها ووقع بعدها الفعل ولزمت اللام في خبرها لئلا تشبه النافية قال: الكوفيون معناه ما قتلت إلا مسلما، وقد مضى القول في هذا.
واعلم أن قوما من العرب يخففون إن وينصبون بها فيقولون إن زيدا لقائم ولا بد في الخبر من اللام لأن الأصل ما ذكرت لك من إبطال عملها مع التخفيف وحجة من نصب بها مخففة أنه قال: إنما نصبت إن لمضارعتها الفعل معنى ولفظا، فإنها إذا خففت فمعناها قائم لم يزل وتخفيف لفظها لا يزيل عملها كما أن من الأفعال ما يحذف بعضه ولا يزول عمله كقولك: لم يكن زيد قائما ولم يك زيد قائما ويدعو زيد ربه ثم تقول لم يدع زيد أحدا كما قال تعالى: (وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ) ؛ على ما ذكرنا قرأ أكثر القراء وإن كلا لما ليوفينهم ووجهه ما ذكرت لك قال سيبويه: اللام الأولى في لما لام إن وما للتوكيد واللام التي في ليوفينهم لام قسم مقدر في الكلام واستدل على ذلك بلزوم النون الثقيلة في الفعل.
باب لام العاقبة
وهي التي يسميها الكوفيون لام الصيرورة هذه اللام هي ناصبة لما تدخل عليه من الأفعال بإضمار أن والمنصوب بعدها بتقدير اسم مخفوض وهي ملتبسة بلام المفعول من أجله وليست بها وذلك قولك أعددت هذه الخشبة ليميل الحائط فأدعمه بها وأنت لم ترد ميل الحائط ولا أعددتها للميل لأنه ليس من بغيتك وإرادتك ولكن أعددتها خوفا من أن يميل فتدعمه بها واللام دالة على العاقبة، وكذلك قوله تعالى: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً) ؛ وهم لم يلتقطوه لذلك إنما التقطوه ليكون لهم فرحا وسرورا فلما كان عاقبة أمره إلى أن صار لهم عدوا وحزنا جاز أن يقال ذلك فدلت اللام على عاقبة الأمر والعرب قد تسمي الشيء باسم عاقبته كما قال تعالى: (نِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً) ؛ إنما كان يعصر عنبا تؤول عاقبته إلى أن يكون خمرا فسماها بذلك وحكى الأصمعي عن المعتمر بن سليمان أنه قال: لقيني أعرابي ومعه عنب فقلت له ما معك فقال خمر وهذا هكذا مجازه عند أهل العربية أن العرب قد تسمي الشيء باسم الشيء إذا جاوره أو ناسبه أو اتصل به أو آلت إليه عاقبته فقد زعم من لا علم له بالعربية ومعرفة أساليبها وأتساع العرب فيها أن الخمر هاهنا هو العنب نفسه ضعفا منه عن تخريج وجهه من كلام الفصحاء منهم وإلحاقه بما يعرفون الخطاب به ولو كان هذا جائزا في اللغة لكان من أكل العنب قد أتى ما حظره الله عليه من تحريم الخمر، وقد خاطب الله تعالى ذكره العرب وأصحاب النبي بذلك فعقلوه المراد به ولم يحمل عن أحد منهم أن المراد بالتحريم العنب والإجماع على هذا يدل على فساد ما ذهب إليه هذا القائل بهذه المقالة ومن لام العاقبة قول الشاعر وهو سابق البربري:
أموالنا لذوي الميراث نجمعها ... ودورنا لخراب الدهر نبنيها
وهم لا يجمعون المال للوارث ولا يبنون الدور للخراب ولكن لما كانت عاقبة أمرهم إلى ذلك جاز أن يقال فيه ما ذكرنا، ومن ذلك قول الآخر:
لا يبعد الله رب الأنام ... والملح ما ولدت خالده
هم يطعمون سديف العشار ... والشحم في الليلة البارده هم يطعنون صدور الكماة ... والخيل تطرد أو طارده
يذكرني حسن آلائهم ... تأوه معولة فاقده
فأم سماك فلا تجزعي ... فللموت ما تلد الوالده
لا تلد للموت ولكن ذلك للعاقبة كما ذكرنا ومعنى الصيرورة والعاقبة في هذا سواء وإن اختلف اللفظان.
باب لام التبيين
لام التبيين تلحق بعد المصادر المنصوبة بأفعال مخزولة مضمرة لتبين من المدعو له بها وذلك قولك سقيا ورعيا ورحبا ونعمة ومسرة وخيبة ودفرا وسحقا وبعدا قال: سيبويه كل هذا منصوب على إضمار الفعل المختزل استغناء عنه بها ثم نقول في تفسير ذلك تأويله سقاك الله سقيا ورعاك الله رعيا وخيبه خيبة وما أشبه ذلك وإنما اختزل الفعل لأنهم جعلوا المصدر بدلا منه ثم تلحق لام التبيين فيقال سقيا لزيد ورعيا له وتبا لعمرو ونكرا له وجوعا له ونوعا لأنه لولا هذه اللام لم يعلم من المدعو له بشيء من هذا أو المدعو عليه، ومن ذلك قول الله عز وجل: (فسحقا لأصحاب السعير) وربما جاءت مصادر لا تكاد تستعمل أفعالها إلا أن تأويلها هذا التأويل كما قال ابن ميادة:
تفاقد قومي إذ يبيعون مهجتي ... بجارية بهرا لهم بعدها بهرا فإنما أدخل اللام في قوله بهرا لهم للتبيين ومعنى بهرا تعسا لهم كذلك يقول بعض أهل اللغة، وقال بعضهم معنى بهرا لهم غلبة لهم وقهرا لهم كأنه دعا عليهم بالغلبة قالوا، ومن ذلك قولهم بهر القمر الكواكب إذا قوي ضوءه فغلب ضوء الكواكب، وقد تستعمل بهرا لفلان بمعنى التعجب كما، قال الشاعر:
ثم قالوا تحبها قلت بُهراً ... عدد النجم والحصى والتراب
إنما معناه عجبا لهم وربما تركت العرب إظهار هذه اللام إذا علم الداعي أنه قد علم المعنى بدعائه وعلى ذلك جاء هذا البيت وربما جيء بها توكيدا وإن كان العلم محيطا بأن المخاطب قد عرف المقصود بالدعاء قال: سيبويه ومجرى هذه اللام في التبيين هاهنا مجرى بك التي تقع بعد قولك مرحبا بك لأنها تكون للبيان هناك بمنزلة اللام هاهنا فهما تجريان في التبيين مجرى واحدا، وقد تستعمل أسماء في الدعاء ليست بمصادر فتجري هذا المجرى في النصب وإلزام اللام تبيينا كقوله: م ويلا لزيد وتربا له وجندلا وما أشبه ذلك فاللام للتبيين لا بد منها إلا أن تترك لعلم المخاطب قال جرير: كسا اللؤم تيما خضرة في جلودها ... فويلا لتيم من سرابيلها الخضر
وأما قول الشاعر:
واها لريا ثم واها واها ... هي المنى لو أننا نلقاها
فإن اللام للتبيين ومعنى هذا الكلام التعجب والتمني إلا أنه ليس بمصدر صحيح لأنه لو كان على لفظ الفعل لكان ينطق بفعله وما كان من هذه الأسماء سوى المصادر فالرفع فيها جائز وتصير اللام لام الخبر التي تقع للاستحقاق، وقد شرحنا وجوهها فيما مضى وذلك قولك ويح لزيد وويل له يرفع بالأبتداء والخبر والمعنى فيه معنى الدعاء معناه ثبت هذا لهم واستحقوه قال الله جل وعز: (ويل للمطففين) و (ويل يومئذ للمكذبين) ، وقد روي بيت جرير بالرفع فويل لتيم، وقال حسان:
أهاجيتم حسان عند ذكائه ... فغي لأولاد الحماس طويل
وقد تقع لام التبيين في غير هذا الموضع وهي التي تجيء بمعنى كي، وقد ذكرناها فيما مضى والفرق بين هذه وتلك أن تلك تدخل على الأفعال المستقبلة وهذه على الأسماء، وقد مضى شرحها.
باب لام لو
اعلم أن لو تليها الأفعال ومعناها أن الشيء ممتنع لامتناع غيره وتستقبل باللام جوابا لها وربما أضمرت اللام لأنه قد عرف موقعها وهي ضد لولا فلذلك فرقنا بين لاميهما وذلك قولك لو جاء زيد لأكرمتك والمعنى إن إكرامي إياك إنما امتنع لامتناع زيد عن المجيء فهذا معنى امتناع الشيء لامتناع غيره واللام هي الجواب
وإذا وقع بعد لو اسم، فإنما يقع على إضمار فعل رافع له أو ناصب لأنها بالفعل أولى إذ كانت موضوعة له وذلك قولك لو زيدا لقيته لأكرمتك تنصبه بفعل مضمر هذا تفسيره والرفع فيه ضعيف، وكذلك تقول لو زيد قدم لأكرمته ترفعه بفعل مضمر كما قال الله تعالى ذكره: (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم) ؛ ترفع أنتم بفعل مضمر يفسره الظاهر، وقد يجوز في غير مذهب سيبويه رفعه بالابتداء ومن أمثال العرب لو ذات سوار لطمتني قال المبرد فيما فسره من مسائل سيبويه إنه مرفوع بفعل مضمر.
وأنشد المبرد (لو غيركم علق الزبير بحبله ... أدى الجوار إلى بني العوام) قال الاختيار نصب غير كما ذكرت لك واللام مضمرة تقديره لأدى الجوار ولا بد من ذلك وجاز إضمارها لما عرف موقعها وكثر استعمالها وأنشد أبو العباس أيضا للمتلمس
(ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي ... جعلت لهم فوق العرانين ميسما)
قال يرفع غير بفعل مضمر وأنشد لعدي
(لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري)
قال لو للحلق وبغير ظرف متصل بشرق وتقديره لو حلقي شرق بغير الماء لكنت كالغصان ورفعه على ما مضى من التقدير
باب لام لولا
اعلم أن لولا نقيضة لو وذلك أن الشيء ممتنع بها لوجود غيره وتلزمها اللام في الخير وتقع بعدها الأسماء ولا تقع بعدها الأفعال ضدا لما كان في باب لو فالمرتفع بعدها يرتفع بالابتداء والخبر مضمر واللام داخلة على الجواب وذلك قولك لولا زيد لأكرمتك والمعنى إن الإكرام إنما امتنع لحضور زيد فترفع زيدا بالابتداء والخبر مضمر واللام جواب لولا وذلك قولك لولا زيد أهابه أو أكرمه وما أشبه ذلك لأكرمتك قال الله عز وجل: (لولا أنتم لكنا مؤمنين) ، قال الشاعر:
لولا الحياء وأن رأسي قد عسا ... فيه المشيب لزرت أم القاسم
وقال نصيب: ولولا أن يقال صبا نصيب ... لقلت بنفسي النشأ الصغار
وقال آخر:
لولا الحياء لهاجني استعبار ... لزرت قبرك والحبيب يزار
باب لام التكثير
لام التكثير هي المزيدة في ذلك والاسم منه عند البصريين ذا واللام للتكثير والكاف للخطاب ولا موضع لها من الإعراب قال: سيبويه الدليل على أنه لا موضع لها من الإعراب أنه لو كان لها موضع من الإعراب لوجب أن تكون في موضع خفض أو نصب لأنها لا تكون ضميرا لمرفوع، فإن زعم زاعم أنها في موضع نصب وجب أن يقول ذاك نفسك زيد وأن يقول ذاك نفسك زيد إذا قدرها في موضع خفض وذا لا يقوله أحد وكان يستحيل من جهة أخرى وهو أنه إذا قدرها مخفوضة، فإن ما يخفضها بتقدير إضافة ذا إليها والمبهم لا يضاف واللام زائدة بالإجماع وإن قدرها مخفوضة باللام وجب أن تكون ذا مضافة إلى الكاف أيضا باللام كما يقول هذا لزيد إضافة ملك واستحقاق فكان يستحيل الكلام لأن الغرض وكذلك قولك: ذاك وذلك إنما هو إشارة إلى المخاطب ليخبر عنه بعد ذلك وعلى هذا التقدير يكون مخبرا عنه فالكلام يتم بالخبر وذاك كلام غير تام ألا ترى أنك لو قلت ذاك وسكت لم يكن كلاما تاما قال: سيبويه اللام في ذلك لتأكيد الإشارة ولا يجمع بينها وبين الهاء التي للإشارة، فإن تقول ذاك زيد وذلك زيد وهذا زيد ولا يجوز أن تقول هذا لك زيد فتجمع بين اللام وها لأنهما يتعاقبان، وقال الفراء وجميع الكوفيين هذه اللام للتكثير وهي وإن كانت تكثيرا فقد أفادت فائدة ولم تزد هدرا وهي التي ذكرناها والاسم من ذلك عند الكوفيين الذال وحدها والألف صلة واللام تكثير والكاف للخطاب، وقد تزاد لام التكثير في أولئك فيقال أولا لك كما، قال الشاعر:
أولا لك قومي لم يكونوا أشابة ... وهل يعظ الضليل إلا أولا لكا
وقد تشدد ألا لك فيقال ألا لك.
باب اللام المزيدة في عبدل
اعلم أن النحويين أجمعوا على أن حروف الزوائد عشرة وهي الواو والياء والألف والهمزة والتاء والنون والسين والهاء والميم واللام وذكروا مواقع هذه الحروف في الزيادة كالواو في كوثر وعجوز والياء في سعيد والألف في غزال وحمار والهمزة في أحمر وأصفر والتاء في الهندات والسين في استخرج والنون في نذهب والهاء في الوقف وكذلك قولك: ارمه وعه وشه ونحو قوله تعالى: (ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه) مع ما بين من شروطها وأحكامها في الزيادة في كتب التصريف وذكروا أن اللام لم تزد على هذا المعنى إلا في قولهم عبدل وهم يريدون به العبد كما قالوا في الأزرق زرقم وفي الأسته ستهم فهذا الحرف متفق على زيادة اللام فيه وذكر ابن الأعرابي أنه يقال للقراد حسدل وأصله عنده حسد واللام زائدة والحسد القشر ومنه اشتقاق الحسد كأن الحسد يلصق بقلب الإنسان فيقشره كما يلصق القراد بجلد البعير قال: ويقال هو القراد والطلح والعل والجحن والحجن والحمنة والحمنانة والقرشام والحسدل والبرام بمعنى واحد وزعم بعض أهل اللغة أنه يقال لولد النعام الهيقل والهيق قال: فاللام في الهيقل زائدة، وقال غيره بل يقال للذكر من النعام الهقل والأنثى الهقلة فمن قال: الهيقل، فإنه زاد الياء واللام أصلية وتقديره فيعل بمنزلة البيطر والحيدر.
باب اللام المزيدة في لعل
أجمع النحويون على أن أصل لعل عل وأن اللام في أوله مزيدة واستدلوا على ذلك بقول الشاعر:
يا أبتا علك أو عساكا
وقال آخر:
عل صروف الدهر أو دولاتها ... يدلننا اللمة من لماتها
قالوا فلو كانت اللام أصلية في أوله لم يجز حذفها لأن المعنى بها كان يكمل وفيها خمس لغات عل ولعل ولعن وعن وأن بهمزة مفتوحة ونون مشددة فأما لعل فالشاهد عليها أكثر من أن يحصى قال الله جل وعز لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا؛ وقال الشاعر:
لعلك إن مالت بك الريح ميلة ... على أبي ذبيان أن تتندما
وقال الفرزدق في لعن:
ألستم عائجين بنا لعنا ... نرى العرصات أو أثر الخيام
وللعرب فيها لغتان المجمع عليها منها هي التي تنصب الاسم وترفع الخبر، وقد روي أن بعضهم يخفض بها وأنشدوا:
وداع دعا هل من مجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت داعيا ... لعل أبي المغوار منك قريب
فخفض بها كما ترى وهذا شعر قديم ومثل هذا يروى على شذوذه ولا يقاس عليه؛ وأما مجيء أن مفتوحة مشددة بمعنى لعل فلغة مشهورة معروفة قد جاءت في كتاب الله تعالى وكلام الفصحاء من العرب قال: سيبويه قلت للخليل ما تأويل من قرأ قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بالفتح قال: تأويله لعلها إذا جاءت لا يؤمنون ولا يجوز أن تكون منصوبة بإيقاع يشعركم عليها لأنه يصير عذرا للقوم في طلبهم الآيات قال: والعرب تقول امض إلى السوق أنا نشتري غلاما يريدون لعلنا نشتري غلاما وأنشد الخليل وسيبويه:
قلت لشيبان ادن من لقائه ... أنا نغدي القوم من شوائه
يريد لعلنا وزاد الفراء في معنى فتح أن في هذه الآية وجها آخر قال: يجوز أن يكون تأويله وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون أو لا يؤمنون فيكون في الكلام حذف يدل عليه ما قبله وتكون أن منصوبة بما قبلها وأكثر القراء على كسر إن على الابتداء والقطع مما قبله وهو الوجه المختار.
باب لام إيضاح المفعول من أجله
هذه اللام تجيء مبينة علة إيقاع الفعل وذلك قولك إنما أكرمت زيدا لعمرو أي من أجل عمرو وإنما بررت أخاك لك أي من أجلك، وكذلك ما أشبهه وربما دخلت على الفعل المستقبل فكانت بمنزلة لام كي في نصب ما بعدها لأنها متضارعان يجيئان مبينين علة إيقاع الفعل وبعض الناس يقول إذا دخلت على الفعل المستقبل فهي لام كي بعينها وإذا دخلت على الأسماء فهي التي تبين المفعول، والقول فيهما واحد، وقد شرحناه في باب لام كي ومنه قوله تعالى: (وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله ومنه قول الشاعر:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل
تقديره أريد وإرادتي لهذا أي لنسيان ذكرها قال أبو العباس المبرد تقول أمرتك أن تفعل وأمرتك أن تفعل بالجزم وأمرتك بأن تفعل وأمرتك لتفعل من قال: أمرتك بأن تفعل كأنه قال: أمرتك أن بالفعل ومن قال أمرتك أن تفعل فهو قبيح بالجزم لأنه وصل أن بفعل الأمر وكان سبيله أن ينقله إلى لفظ الأمر للغائب فيقول أمرتك أن افعل كما تقول أمرتك أن قم وكتبت إليك أن اخرج ومن قال أمرتك أن تفعل بالنصب فهو وجه جيد وإنما أراد أمرتك بأن تفعل فلما حذف الخافض تعدى الفعل فنصب كما قال الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
ومن قال أمرتك لتفعل فقد أخبر بالعلة التي من أجلها أمر فهذه اللام تبين علة وقوع الفعل وهي لام كي مع الأفعال، ومن هذا الباب قوله عز وجل: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) ؛ لأن بعض العلماء يذهب إلى أن التقدير إنما قولنا من أجل شيء إذا أردناه لأن القول عنده غير واقع بالشيء لأن الشيء إن كان معدوما فخطابه غير جائز وإن كان موجودا فهو مستغن عن التكون بوجوده ولكنه تمثيل كأنه قال: إذا أردنا شيئا قلنا من أجله كن فيكون وأكثر أهل النظر يذهب إلى أنه لا قول هناك وأنه تمثيل للفعل كأنه قال: إذا أردنا تكوين شيء تكون ليدل على تيسير كون الأشياء عليه وهذا مشهور في اللغة معروف أن يكون القول صلة للفعل كقولك: قلت بيدي فحركتها إنما تريد حركت يدي وقلت بمتاعي فرفعته، وقال الحائط فسقط وشبيه بهذا ما لا قول فيه على الحقيقة قول الشاعر: امتلأ الحوض، وقال قطني ... سلا رويدا قد ملأت بطني
تقديره لو كان ممن يتأنى له القول لقال مثل هذا لما في حاله ومشاهدته من الدليل عليه كما قال:
يشكو إلي جملي طول السرى ... يا جملي ليس إلي المشتكى
ولا قول هناك ولا شكوى على الحقيقة وإنما يراد به ما تدل عليه مشاهدة الحال، وقد كشف هذا المعنى عنترة في وصف فرسه فقال:
فازور من وقع القنا بلبابنه ... وشكا إلي بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلمي
باب اللام التي تعاقب حروفا وتعاقبها
اعلم أن العرب قد تبدل الحروف بعضها من بعض إذا تقاربت مخارجها ولا تكاد تبدل ما بعد مخرجه وذلك نحو قولهم: سمد رأسه وسبده إذا استأصل أخذ شعره والأصل الباء والميم بدل منها وكما قالوا أرقت الماء وهرقته وإياك وهياك وإبرية وهبرية لحزاز الرأس والأصل الهمز في هذه الأحرف والهاء معاقبة لها وكما قالوا جدف وجدث للقبر وغير ذلك مما يكثر تعداده مما هو معروف عند أهل اللغة من القلب والإبدال، وكذلك أيضا فعلوا باللام وما قاربها من الحروف فقالوا هتنت السماء وهتلت ولعمري ورعملي فقدموا وأخروا، وقالوا بعير رفل ورفن إذا كان سابغ الذنب والأصل اللام والنون بدل منها قال: عدي يسمو إلى أوصال ذيال رفن أراد رفلا فقلب اللام نونا، وقالوا لضرب من الطيور الرهادن والرهادل واحدها رهدل ورهدن قال: ابن السكيت هو شبيه بالقبر ويقال لما بقي من الماء في الحوض الغريل والغرين إلى نظائر لذلك كثيرة فأما قولهم أصيلال وأصيلان فكذلك أيضا إلا أن أصيلانا جمع جمع أصيل كأنه قيل أصيل وأصل وجمع أصل فقيل أصلان كما قيل في جمع كثب كثبان فأصلان جمع الجمع ثم صغر أصلان فقيل أصيلان ثم أبدلت اللام من النون فقيل أصيلال.
باب اللام التي بمعنى إلى
وذلك في قول الله تعالى: (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ) قال: بعضهم معناه ينادي إلى الإيمان، وقال بعضهم تقديره إننا سمعنا مناديا للإيمان ينادي فأما قوله تعالى: (وقالواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا) فلا خلاف فيه أن تقديره هدانا إلى هذا فهذه لام إلى وفي هدانا ثلاث لغات يقال هديته الطريق كما قال الله: (اهدنا الصراط المستقيم) وهديته إلى الطريق كما قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) ؛ وهديته للطريق كما قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا) ؛ وإن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم أي إلى التي هي أقوم. فأما قوله تعالى: (سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ) ؛ فجائز أن تكون اللام لبيان المفعول من أجله فيكون المعنى سقناه من أجل بلد ميت وجائز أن تكون بمعنى إلى فيكون التقدير سقناه إلى بلد ميت.
باب لام الشرط
لام الشرط على ضربين تكون مع فعل الأمر معطوفا على فعل مثله فيكون الكلام بمعنى الجزاء وتكون داخلة على حرف الشرط فتستقبل بلام التوكيد لا بد من ذلك فالمثال الأول قول الله جل وعز: (اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) ؛ فهذا شرط وجزاء والدليل على ذلك تكذيب الله تعالى إياهم بقوله وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون يريد أنهم إنما يغرونهم بهذا الشرط الذي شرطوا لهم والجزاء، فإن خطاياهم غير محمولة عنهم ولا موضوعة وظاهر هذا الكلام الأمر ومعناه الجزاء وتلخيصه باللام كما ذكرت لك؛ وأما قوله تعالى متصلا بهذا (وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم) ؛ فتأويله والله أعلم ليحملن أثقال أنفسهم؛ يعني أوزار خطاياهم ردا على هؤلاء الذين شرطوا هذا الشرط الذي ذكرناه وأثقالا مع أثقالهم؛ يعني أوزارا مضافة إلى أوزار خطاياهم لأن من أغووهم فعليهم أوزار إغوائهم كما يروى أن من سن سنة خير فله أجرها وأجر العاملين بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، وكذلك من سن سنة سوء، فإنه يأثم لأجل من استن بفعله من غير أن ينقص من إثم من استن بها؛ وأما مثال دخول لام الشرط على حرف الجزاء فمثل قوله تعالى: (لئن لم يفعل ما آمره ليسجنن) ؛ و (كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية) ؛ فهذه اللام يسميها بعضهم لام الشرط للزومها حرف الشرط واستقبالها بالجزاء مؤكدا وهي في الحقيقة لام القسم كأن قبلها قسما مقدرا هذا جوابه، وأكثر هذه اللامات ترجع إلى أصل واحد منه تشعبها وتنوعها وسنذكر هذا في باب مفرد مشروحا إن شاء الله تعالى.
باب اللام التي تكون موصلة لبعض الأفعال إلى مفعوليها وقد يجوز حذفها
وذلك قولك نصحت زيدا ونصحت لزيد والمعنى واحد، وكذلك تقول شكرت لزيد وشكرته قال الله عز وجل: اشكر لي ولوالديك؛، وقال: وأنصح لكم وأعلم من الله مالا تعلمون، وكذلك تقول: كلت لزيد الطعام وكلته الطعام ووزنته ووزنت له قال الله تبارك وتعالى: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) ؛ ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم) ؛ تقديره ردفكم والمعنى واحد وأهل التفسير يقولون معناه دنا لكم وهذا ليس بمقيس أعني إدخال هذه اللام بين المفعول والفعل وإنما هو مسموع في أفعال تحفظ ولا يقاس عليها ألا ترى أنه غير جائز أن يقال ضربت لزيد وأكرمت لعمرو وأنت تريد ضربت زيدا وأكرمت عمرا ومهما ثبتت به رواية صحيحة ألحق به هذا منتهى القول في اللامات وأنواعها ومواقعها وإن ورد منها ما لم نذكره فلن يخرج عن أصل من هذه الأصول البتة فتدبر ما يرد عليك منها، فإنه راجع إلى بعض ما ذكرناه إن شاء الله.
باب معرفة أصول هذه اللامات وبيان تشعبها منها
اعلم أن هذه اللامات كلها على اختلاف مواقعها وتباين تصرفها متشعبة من عشر لامات وهي الأصول لها كلها وهي الأصلية، ولام الإضافة، ولام التوكيد، ولام الأمر، ولام الجحود، ولام البدل، ولام الجواب واللام المزيدة، ولام الفصل، ولام العاقبة، وقد مضى شرحها مع سائر اللامات فيما مضى مستقصى إلا أن تلخيص ذلك أن تعلمأن لام الإضافة تجمع لام الملك، ولام الاستحقاق، ولام المقسم به، ولام المضمر، ولام النفي، ولام المنادى، ولام التعجب، ولام التبيين، ولام المستغاث المستغاث به، ولام المفعول من أجله واللام التي تكون وصلة لبعض الأفعال إلى مفعوليها كل هذه اللامات متشعبة من لام الإضافة؛ وأما لام التوكيد، فإنها تجمع لام القسم، ولام إن، ولام الابتداء واللام اللازمة للفعل المستقبل في الموجب في القسم؛ وأما لام الأمر، فإنها تجمع لام الأمر، ولام الجزاء، ولام الفصل تجمع لامين اللام التي تلزم إن المكسورة المخففة من الثقيلة، ولام الإيجاب في القسم؛ وأما اللام الزائدة، فإنه يدخل تحتها لام التكثير، ولام لعل، ولام عبد لشرح ذلك أن تعلم أن لام الإضافة تضيف الملك إلى المالك كقولك: هذه الدار لزيد وهذا المال لعمرو، وكذلك تضيف ما استحق من الأشياء إلى مستحقه كقولك: الشكر لك والحمد لله، وكذلك تضيف معنى القسم إلى المقسم به كقولك: لله لأخرجن لأنها صلة فعل مقدر قبلها تقديره أقسم بالله وحروف الخفض كلها صلات للأفعال ألا ترى أنك إذا قلت مررت بزيد، فإن ما أوصلت مرورك إلى زيد بالباء ولذلك قال سيبويه: إذا قلت كتبت بالقلم فالمعنى أن الكتابة ملصقة بالقلم فأما لام المضمر فحكمها في إضافة الملك والاستحقاق والعمل حكم اللام التي مع الظاهر الخافضة إلا أنا فرقنا بينهما لندل على العلة التي من أجلها كسرت مع الظاهر وفتحت مع المضمر، وكذلك لام النفي، ولام المنادى إنما يضي، فإن النفي والنداء إلى ما يتصلان به وكذلك قولك: لا غلامي لك ويا بؤس للحرب، ولام التعجب كذلك في قوله اعجبوا لزيد ولزيد ما أعلمه إنما هي موصلة لمعنى الشيء الذي من أجله وقع التعجب إلى المتعجب منه، وكذلك لام التبيين والمستغاث والمستغاث به وسائر هذه اللامات على هذا التقدير؛ وأما لام التوكيد، فإنها مؤكدة لما دخلت عليه، وكذلك لام الابتداء للتوكيد، ولام إن للتوكيد، ولام الشرط للتوكيد، ولام القسم للتوكيد، وكذلك سائر ما يتعلق بها وإنما فصلنا بينها فيما مضى لندل على مواقعها وأحكامها، ولام الجواب تجمع لام لو، ولام لولا، ولام جواب القسم، وكذلك لام الفصل لأنها تزاد بعد إن المخففة من الثقيلة ليفصل بينها وبين النافية ومع الفعل المستقبل الموجب في القسم ليفصل بينه وبين المنفي؛ وأما شرح اللامات الزوائد في عبدل وحسدل ولعل وذلك وما اتصل بها ففيما مضى من الشرح غنى عن إعادته وفيه دليل واضح على اجتماعها في معنى الزيادة وافتراقها في أحكامها ومواقعها ففصلنا بينها حيث وجب الفصل وجمعنا حيث وجب الجمع ولولا اختلاف مواقع هذه اللامات وتباين أحكامها وعللها وشروطها لكان لقائل أن يقول اللامات كلها متشعبة من لامين لام أصلية، ولام زائدة وهي لعمري كلها ترجع إلى هاتين اللامين إلا أنا لو اقتصرنا لمتطلب اللامات على هذه الحكاية تعسر عليه جمعها وتفصيلها وموقعها من كتاب الله تعالى وكلام العرب وأشعارها
باب أحكام اللامات في الإدغام
إنما نذكر هذا ليكون هذا الكتاب جامعا لمعاني اللامات وأحكامها ومعنى الإدغام إنما هو إدخال حرف في حرف واشتقاقه من قول العرب أدغمت اللجام في في الفرس إذا أدخلته فيه قال ساعدة بن جؤية:
بمقربات بأيديهم أعنتها خوص ... إذا فزعوا أدغمن في اللجم
يقول أدخلت رؤوسهن في اللجم والإدغام في كلام العرب على ضربين أحدهما أن يلتقي حر، فإن مثلان متحركان وما قبل الأول منهما متحرك فتسكن الأول وتدغمه في الثاني وإظهار ذلك غير جائز نحو صل ومل وشد ومد وأشباه ذلك والآخر أن يلتقي حرفان مختلفان إلا أن أحدهما مقارب للآخر في المجانسة أو المخرج فتبدل الأول من جنس الثاني وتدغمه فيه فيصير من لفظ الثاني كقولك: الرحمن الرحيم والسميع والذاهب وما أشبه ذلك نقول على هذه المقدمة الإدغام وصلك حرفا ساكنا بحرف مثله من موضع واحد أو موضعين من غير حركة تفصل بينهما ولا وقفة فيصيران بتداخلهما كحرف واحد ينبو اللسان عنهما نبوة واحدة ويشتد الحرف وليس غرضنا شرح الإدغام فنأتي على وجوهه وأحكامه وإنما ذكرنا منه أصلا يدل على وجوهه لتعلقه بمقصدنا ثم نرجع إلى ذكر اللام واعلم أنه لا بد من أن تعرف مخرج الحرف الذي تريد أن تعرف حكمه في الإدغام والحروف المجانسة له فمخرج اللام من طرف اللسان وتقاربه في مخرجه الراء والنون قال: سيبويه مخرج اللام من حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى وما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية ومخرج النون من طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا ومخرج الراء أدخل من مخرج النون واللام في ظهر اللسان قليلا لانحرافه إلى اللام وفي الراء تكرير ليس في اللام ولا النون والراء من مخرج اللام كما ترى وإن تباعدا عنه أدنى تباعد فالمخرج واحد وتقارب اللام في مخرجها الطاء والدال والتاء والظاء والذال والثاء والسين والشين والصاد والضاد والزاي فلذلك صارت اللام تدغم في هذه الحروف على ما أذكره واعلم أن النون تدغم في اللام كقولك: من لك، فإن شئت بغنة وإن شئت بغير غنة ولا يكون ذلك إلا من كلمتين قال: سيبويه ليس في كلام العرب نون ساكنة قبل راء ولا لام في كلمة واحدة ليس فيه مثل قنل ولا قنر ولا عنر ولا عنل وما أشبه ذلك قال: لأنه لو بين لثقل عليهم لقرب المخرجين كما ثقل بيان التاء مع الدال في ود وعدان ولو أدغم التبس بالمضاعف وجاز الإدغام في ود وعدان لأن صوتهما من الفم والنون ليست كذلك لأنها تصير غنة في الخياشيم فتلتبس بما ليس فيه غنة واللام تدغم في الراء نحو قولك الراكب والراهب والرحمن والرحيم ولا يجوز إدغام الراء في اللام نحو قولكك مر لبيدا لا يكون في هذا إلا الإظهار وذلك أن في الراء تكريرا فلو أدغمت في اللام ذهب التكرير فلا يجوز إدغام حرف فيه مزية وفضل على مقاربه فيه في هذا الموضع وفي جميع العربية لأنه لو أدغم فيه ذهب الفضل الذي له، وكذلك النون تدغم في الراء كقولك: مراشد وأنت تريد من راشد والإظهار جائز ولا يجوز إدغام الراء فيها كما لم يجز إدغامها في اللام والعلة واحدة. ولام المعرفة تدغم في أربعة عشر حرفا لا يجوز إظهارها معها لكثرة دور لام المعرفة في الكلام وتكرارها فيه وكثرة موافقتها لهذه الحروف قال: سيبويه وذلك لأن اللام من طرف اللسان كما ذكرت لك واثنا عشر حرفا من هذه الحروف من طرف اللسان وحر، فإن منها يخلطان طرف اللسان فلما اجتمع فيها هذا وكثرتها في الكلام لم يجز إلا الإدغام والاثنا عشر حرفا النون والراء والدال والتاء والصاد والطاء والظاء والزاي والسين والثاء والذال ولم مثلها تكون لغير التعريف والحر، فإن اللذان خالطاها الضاد والشين لأن الضاد استطالت لرخاوتها حتى اتصلت بمخرج اللام والشين كذلك اتصلت بمخرج الطاء ولا يجوز إظهار لام المعرفة مع شيء من هذه الأربعة عشر حرفا وذلك قولك التائب والتائبون السائحون الراكعون الساجدون والصلاة والساحب والذاهب واللاعب وما أشبه ذلك وهي معروفة المواقع في كتاب الله عز وجل وكلام العرب فإذا كانت اللام لغير التعريف نحو لام مثل وبل فدخلت على بعض هذه الحروف جاز الإظهار والإدغام وكان الإظهار في بعضها أحسن والإدغام في بعضها أحسن فمما يكون الإدغام فيه أحسن قولك هل رأيت لقرب الراء من اللام والإظهار أقبح ولله أعلم وهي فيما حكى سيبويه لغة لأهل الحجاز، وكذلك مع الطاء والدال والصاد والزاي والشين والإظهار أجود والإدغام أقبح وينشد لطريف العنبري:
تقول إذا استهلكت مالا للذة ... فطيمة هشيء بكفيك لائق
يريد هل شيء فأدغم اللام في الشين، وقد قرأ أبو عمرو بن العلاء هثوب الكفار ما كانوا يفعلون بالإدغام، وقد قرئ هل ثوب بالإظهار والإظهار أحسن وأنشد سيبويه لمزاحم العقيليك
فدع ذا ولكن هتعين متيما ... على ضوء برق آخر الليل ناصب
يريد هل تعين فأدغم اللام في التاء وأنشد غيره ألا ليت شعري هتغيرت الرحا رحا المثل أم أضحت بفلج كما هيا والإظهار أحسن
باب من مسائل اللام نختم به الكتاب
اعلم أنك إذا قلت زيد لينطلقن وعبد الله لأبوه أفضل منك وما أشبه ذلك، فإن البصريين يرفعونه بالابتداء ويجعلون اللام وما بعده خبره وإنما جاز عندهم لما كان المبتدأ قد سبق إليه فرفعه وكان ما بعده خبرا عنه واللام مؤكدة له؛ وأما الكوفيون، فإن هذا عندهم غير جائز إلا من كلامين كأنه يرتفع زيد باسم مثله في نية المتكلم ولم يجز أن يكون كلاما واحدا عندهم لأن اللام تقطع ما قبلها مما بعدها ولا يتصل بعضه ببعض فلذلك لم يكن ما بعدها خبرا عما قبلها، وكذلك زيد إنه قائم وعبد الله هل قام لا يكون عندهم إلا على كلامين وهو عند البصريين جائز، فإن قلت زيد حلفت لأضربنه أو زيد أشهد إنه لعالم أو زيد قلت لك اضربه أو زيد قلت له ليقم كان هذا كله عند الكوفيين من كلام واحد وذلك أن هذه الحروف صارت صلة للفعل الذي قبلها واتصل الفعل بالاسم الذي قبله فصار في موضع خبر وارتفع الاسم بما عاد عليه من ذكره وهو كله عند البصريين على الابتداء والخبر جائز، فإن قلت لزيد أكل طعامك لم يجز تقديم شيء مما بعد اللام عليها لأنها حاجزة فاصلة ولو قلت طعامك لزيد أكل لم يجز أن تقدم مفعول الخبر على اللام ولا يتقدم مفعول ما بعد اللام عليها إلا في خبر إن وكذلك قولك: إن زيدا لآكل طعامك، فإن قدمت الطعام فقلت إن زيدا طعامك لآكل كان ذلك جائزا عند البصريين والكوفيين معا قالوا لأن دخول اللام وخروجها سواء ألا ترى أن قولك إن زيدا آكل طعامك وإن زيدا لآكل طعامك سواء هذا احتجاجهم جميعا في إجازة هذا وعندي أن الأمر على خلاف ما ذهبوا إليه ولو كان كذلك لوجب إجازة تقديم المنصوب بخبر الابتداء على لام الابتداء وكذلك قولك: لزيد آكل طعامك فكان يلزم أن يقال طعامك لزيد آكل لأن دخول هذه اللام وخروجها سواء كدخولها في خبر إن وخروجها فجاريت في ذلك أبا إسحاق الزجاج فقال لام الابتداء مقدرة قبلها يمين فهي جواب القسم فألزمته مثل ما ذكرت لك في لام الابتداء في هذا الكتاب والفرق بينهما وبين لام القسم من أن يكون الرجل إذا قال: لزيد قائم وزيد غير قائم إنه حانث وتلزمه كفارة اليمين فقال ذلك غير واجب لأن هذه اللام تؤكد تأكيد لام القسم، والقول في ذلك أنه إنما امتنع من تقديم ما بعد هذه اللام عليها لأنها لام الابتداء ولها صدر الكلام ولا يسبق الابتداء شيء وجاز تقديم ما بعد لام إن عليها من المنصوب بخبرها لأنها في الحقيقة مقدرة قبل إن فكأن المقدم قبلها وقع بينها وبين اسم إن مؤخر بعدها في الترتيب فجاز لذلك فإذا خففت إن فقلت إن زيد لقائم لزمتها اللام كما ذكرت لك لتفصل بينها وبين التي تكون نافية بمعنى ما ولا يجوز تقديم المنصوب بالخبر على اللام هاهنا لأنها فاصلة بين الموجبة والنافية فقد وقعت لازمة في موضع لا يجوز أن تقدر في غيره فلو قلت إن زيد طعامك لآكل لم يجز كما جاز فيها حين شددت ولا يجوز إدخال اللام على شيء من أخوات إن غيرها للعلة التي قد مضى ذكرها في بابها ولا تدخل على لكن وإن كانت مؤكدة كما تؤكد إن لأنها تقع جوابا لقولك ما جاءني عمرو لكن زيدا جاءني والجواب لا يتقدمه شيء لئلا يفصل بينه وبين ما هو جوابه فلو أدخلت اللام في خبر لكن لقدرت قبل لكن فكانت تنقطع مما قبلها وذلك غير جائز؛ وأما قول الشاعر:
ولكنني من حبها لكميد
فإن ما أراد ولكن إنني من حبها لكميد فأدخل اللام في خبر إن وهذا مثل قول الله تعالى: (لكنا هو الله ربي) على قراءة من قرأ بإثبات الألف وأصله عند العلماء أجمعين على هذه القراءة لكن أنا هو الله ربي فألقيت الهمزة تخفيفا وأدغمت النون الأولى في الثانية، وكذلك الشاعر لما قال: لكن إنني فحذف الهمزة بقيت نون لكن ساكنة خفيفة وبعدها ساكن فحذف نون لكن لالتقاء الساكنين وكان سبيله أن يكسرها ولكن حذفها في الشعر جائز، وقال الآخر: فلست بآتيه ولا أستطيعه ولاك ... اسقني إن كان ماؤك ذا فضل
واعلم أن اللام تدخل في خبر إن على الخبر وعلى صلة الخبر إذا كانت مقدمة قبل الخبر، فإن أخرتها بعد الخبر لم تدخل إلا على الخبر لأنه موضعها كقولك: ك إن زيدا لبالجارية كفيل وإن زيدا بالجارية لكفيل وإن قلت إن زيدا كفيل لبالجارية لم يجز وإنما جاز دخولها على صلة الخبر حين تقدمت لأنك توقعها على جملة الكلام الذي بعدها.
مسألة من القرآن
قول الله تعالى: (وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) ؛ قرئ بكسر اللام ونصب الفعل على أن تكون إن على مذهب البصريين مخففة من الثقيلة وتكون اللام بمعنى كي، وقال بعضهم يجوز أن تكون إن نافية بمعنى ما التي تكون جحدا كأنه ما كان مكرهم لتزول منه الجبال استحقارا بمكرهم من أن تزول منه الجبال وهذا جيد في المعنى إلا أنه ضعيف في العربية لأن اللام لا تدخل على إن إذا كانت نافية، وقد قرئ وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال على أن نجعل إن هي المخففة من الثقيلة واللام للتوكيد التي تلزم في خبر إن تفصل بينها وبين النافية فيكون على هذا التقدير كأنه قال: وإن مكرهم لتزول منه الجبال فدخلت اللام كما ذكرت لك ويكون هذا على التعظيم لمكرهم كما قال: في موضع آخر: وجاؤوا بسحر عظيم؛ ولكلا القراءتين مذهب على ما فسرت لك وأكثر القراء على كسر اللام ونصب الفعل إلا الكسائي، فإنه قرأ بفتح اللام ورفع الفعل.
تم الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد المرسلين محمد نبيه وعلى أهل بيته الطيبين صلاة دائمة زاكية إلى يوم الدين وحسبنا الله ونعم الوكيل.