كتاب جلاء الأفهام
كتاب جلاء الأفهام
جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام لابن قيم الجوزية
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف رب يسر وأعن وصلى الله على محمد وآله وسلم قال الشيخ الإمام العالم العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الحنبلي إمام الجوزية رحمه الله هذا كتاب سميته - جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام وهو خمسة أبواب وهو كتاب فرد في معناه لم يسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها بينا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه وصحيحها من حسنها ومعلولها وبينا ما في معلولها من العلل بيانا شافيا ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد ثم في مواطن الصلاة عليه ومحالها ثم الكلام في مقدار الواجب منها واختلاف أهل العلم فيه وترجيح الراجح وتزييف المزيف ومخبر الكتاب فوق وصفه والحمد لله رب العالمين
الباب الأول ما جاء في الصلاة على رسول الله عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قال أتانا رسول الله ونحن في مجلس سعد بن عبادة رضي الله عنه فقال له بشير بن سعد رضي الله عنه أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم رواه الإمام أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه ولأحمد في لفظ آخر نحوه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا
الكلام على هذا الباب في فصول الفصل الأول فيمن روى أحاديث الصلاة على النبي عنه رواها أبو مسعود الأنصاري البدري وكعب بن عجرة وأبو حميد الساعدي وأبو سعيد الخدري وطلحة بن عبيد الله وزيد بن حارثة ويقال ابن خارجة وعلي بن أبي طالب وأبو هريرة وبريدة بن الحصيب وسهل بن سعد الساعدي وابن مسعود وفضالة بن عبيد وأبو طلحة الأنصاري وأنس بن مالك وعمر بن الخطاب وعامر بن ربيعة وعبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب وأوس بن أوس والحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله والبراء بن عازب ورويفع بن ثابت الأنصاري وجابر بن عبد الله وأبو رافع مولى رسول الله وعبد الله بن أبي أوفى وأبو أمامة الباهلي وعبد الرحمن بن بشير بن مسعود وأبو بردة بن نيار وعمار بن ياسر وجابر بن سمرة وأبو أمامة بن سهل بن حنيف ومالك بن الحويرث وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي وعبد الله بن عباس وأبو ذر وواثلة بن الأسقع وأبو بكر الصديق وعبد الله ابن عمرو وسعيد بن عمير الأنصاري عن أبيه عمير وهو من البدريين وحبان بن منقذ رضي الله عنهم أجمعين فأما حديث أبي مسعود فحديث صحيح رواه مسلم في
صحيحه عن يحيى بن يحيى وأبو داود عن القعنبي كلاهما عن مالك والترمذي عن إسحاق بن موسى عن معن عن مالك والنسائي عن أبي سلمة والحارث بن مسكين كلاهما عن ابن القاسم عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر عن محمد بن عبد الله بن زيد وأما زيادة أحمد فيه إذا نحن صلينا في صلاتنا فرواه بهذه الزيادة عن يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري عن أبي مسعود قال أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله ونحن عنده فقال يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا صلى الله عليك قال فصمت رسول الله حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله فقال إذا أنتم صليتم علي فقولوا اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وذكر الحديث ورواه ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما بذكر هذه الزيادة وقال الحاكم فيه على شرط مسلم وفي هذا نوع مساهلة منه فإن مسلما لم يحتج بابن إسحاق في الأصول وإنما أخرج له في المتابعات والشواهد وقد أعلت هذه الزيادة بتفرد ابن إسحاق بها ومخالفة سائر
الرواة في تركهم ذكرها وأجيب عن ذلك بجوابين أحدهما أن ابن إسحاق ثقة لم يجرح بما يوجب ترك الاحتجاج به وقد وثقه كبار الأئمة وأثنوا عليه بالحفظ والعدالة اللذين هما ركنا الرواية والجواب الثاني أن ابن إسحاق إنما يخاف من تدليسه وهنا قد صرح بسماعه للحديث من محمد بن إبراهيم التيمي فزالت تهمة تدليسه وقد قال الدار قطني في هذا الحديث وقد أخرجه من هذا الوجه كلهم ثقات هذا قوله في كتاب السنن وأما في العلل فقد سئل عنه فقال يرويه محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبي مسعود حدث به عنه محمد بن إسحاق ورواه نعيم المجمر عن محمد بن عبد الله بن زيد أيضا واختلف عن نعيم فرواه مالك بن أنس عن نعيم عن محمد عن أبي مسعود حدث به عنه كذلك القعنبي ومعن وأصحاب الموطأ ورواه حماد بن مسعدة عن مالك عن نعيم فقال عن محمد بن زيد عن أبيه ووهم فيه ورواه داود بن قيس الفراء عن نعيم عن أبي هريرة خالف فيه مالكا وحديث مالك أولى بالصواب قلت وقد اختلف على ابن إسحاق في هذه الزيادة فذكرها عنه إبراهيم بن سعد كما تقدم ورواه زهير بن معاوية عن ابن إسحاق بدون ذكر الزيادة كذلك قال عبد بن حميد في مسنده
عن أحمد بن يونس والطبراني في المعجم عن عباس بن الفضل عن أحمد بن يونس عن زهير والله أعلم قال عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي في نسب الأنصار أبو مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة البدري نزل بماء بدر أو سكنه فسمي البدري لذلك ولم يشهد بدرا عند جمهور أهل العلم بالسير وقد قيل إنه شهدها واتفقوا على أنه شهد العقبة وولاه علي رضي الله عنه على الكوفة لما خرج إلى صفين وكان يستخلفه على ضعفة الناس فيصلي بهم العيد في المسجد قيل مات بعد الأربعين وقيل بعد الستين قلت ذكر أربعة من الأئمة أنه شهد بدرا البخاري وابن إسحاق والزهري واما حديث كعب بن عجرة فقد رواه أهل الصحيح وأصحاب السنن والمسانيد من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه وهو حديث لا مغمز فيه بحمد الله تعالى ولفظ الصحيحين فيه عن ابن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية خرج علينا رسول
الله فقلنا قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وله حديث آخر رواه الحاكم في - المستدرك - من حديث محمد بن إسحاق هو الصغاني حدثنا ابن أبي مريم حدثنا محمد بن هلال حدثني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن كعب بن عجرة قال قال رسول الله احضروا فحضرنا فلما ارتقى الدرجة قال آمين ثم ارتقى الدرجة الثانية فقال آمين ثم ارتقى الدرجة الثالثة فقال آمين فلما نزل عن المنبر قلنا يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه فقال إن جبريل عرض لي فقال بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له فقلت آمين فلما رقيت الثانية قال بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين فلما رقيت الثالثة قال بعد من أدرك أبويه الكبر أو أحدهما فلم يدخل الجنة فقلت آمين
قال الحاكم صحيح الإسناد وكعب بن عجرة أنصاري سلمي كنيته فيما قيل أبو إسحاق عداده في بني سالم أخي عمرو بن عوف وهو قوقل ويعرف بنوه بالقواقلة لأن عوفا هذا كان له عز ومنعة وكان إذا جاء خائف إليه يقول له قوقل حيث شئت أي انزل فإنك آمن وقال ابن عبد البر كعب بن عجرة بن أمية بن عدي بن عبيد بن الحارث البلوي ثم السوادي من بني سواد حليف للأنصار قيل حليف لبني حارثة بن الحارث بن الخزرج وقيل حليف لبني عوف بن الخزرج وقيل حليف لبني سالم من الأنصار وقال الواقدي ليس بحليف للأنصار ولكنه من أنفسهم وقال ابن سعد طلبت اسمه في نسب الأنصار فلم أجده يكنى أبا محمد وفيه نزلت ففدية من صيام أو صدقة أو نسك البقرة 18
نزل الكوفة ومات بالمدينة سنة ثلاث أو إحدى أو اثنتين وخمسين وهو ابن خمس وسبعين سنة روى عنه أهل المدينة وأهل الكوفة وأما حديث أبي حميد الساعدي فرواه البخاري وأبو داود عن القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ورواه مسلم عن ابن نمير عن روح بن عبادة وعبد الله بن نافع الصائغ ورواه أبو داود أيضا عن ابن السرح أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو عن ابن وهب والنسائي عن الحارث بن
مسكين عن محمد بن مسلمة كلاهما عن ابن القاسم وابن ماجة عن عمار بن طالوت عن عبد الملك بن الماجشون خمستهم عن مالك كما تقدم وأبو حميد الساعدي قال ابن عبد البر اختلف في اسمه فقيل المنذر ابن سعد بن المنذر وقيل عبدالرحمن بن سعد بن المنذر وقيل عبد الرحمن ابن عمرو بن سعد بن المنذر وقيل عبد الرحمن بن سعد بن مالك وقيل عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة يعد في أهل المدينة توفي في آخر خلافة معاوية روى عنه من الصحابة جابر ومن التابعين عروة بن الزبير والعباس بن سهل بن سعد ومحمد بن عمرو بن عطاء وخارجة بن زيد بن ثابت وجماعة من تابعي أهل المدينة وأما حديث أبي أسيد وأبي حميد فرواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الأنصاري قال سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولان قال رسول الله إذا دخل أحدكم المسجد فليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك
وأما حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم فرواه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن يوسف عن الليث بن سعد وعن إبراهيم بن حمزة عن عبد العزيز بن أبي حازم وعبد العزيز الدراوردي ثلاثتهم عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد ورواه النسائي عن قتيبة عن بكر بن مضر عن ابن الهاد ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد عن عبد الله بن جعفر عن ابن الهاد وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان وهو مشهور بكنيته قال ابن عبد البر أول مشاهده الخندق وغزا مع رسول الله اثنتي عشرة غزوة وكان ممن حفظ عن رسول الله سننا كثيرة وروى عنه علما جما وكان من نجباء الأنصار وعلمائهم وفضلائهم توفي سنة أربع وسبعين روى عنه جماعة من الصحابة وجماعة من التابعين
وأما حديث طلحة بن عبيد الله فقال الإمام أحمد في المسند حدثنا محمد بن بشر حدثنا مجمع بن يحيى الأنصاري حدثني عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه قال قلت يا رسول الله كيف الصلاة عليك قال قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد // إسناده صحيح // ورواه النسائي عن عبيد الله بن سعد عن عمه يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن شريك عن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه أن رجلا أتى النبي فقال كيف نصلي عليك يا نبي الله قال قولوا اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد أخبرني إسحاق بن إبراهيم أنا محمد بن بشر حدثنا مجمع بن يحيى عن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه قال قلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد واحتج الشيخان بعثمان بن عبد الله بن موهب عن موسى بن طلحة
وأما حديث زيد بن خارجة فرواه الإمام أحمد عن علي بن بحر حدثنا عيسى بن يونس حدثنا عثمان بن حكيم حدثنا خالد بن سلمة أن عبد الحميد بن عبد الرحمن دعا موسى بن طلحة حين عرس على ابنه فقال يا أبا عيسى كيف بلغك في الصلاة على النبي فقال موسى سألت زيد بن خارجة فقال أنا سألت رسول الله كيف الصلاة عليك فقال صلوا واجتهدوا ثم قولوا اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد // إسناده صحيح // ورواه النسائي عن سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه عن عثمان به ورواه إسماعيل بن إسحاق في فضل الصلاة على النبي عن علي بن عبيد الله حدثنا مروان بن معاوية حدثنا عثمان بن حكيم عن خالد بن سلمة عن موسى بن طلحة أخبرني زيد بن حارثة أخو بني الحارث بن الخزرج قال قلت يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فذكر نحوه فقال زيد بن حارثة وقال الحافظ أبو عبد الله بن مندة في كتاب الصحابة روى عبد الواحد بن زياد عن عثمان بن حكيم عن خالد بن سلمة قال سمعت موسى بن طلحة وسأله عبد الحميد كيف الصلاة
على النبي فقال سألت زيد بن خارجة الأنصاري فذكره وأما زيد بن حارثة هذا فهو زيد بن ثابت بن الضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة من بني سلمة ويقال ابن خارجة الخزرجي الأنصاري ذكره ابن مندة في الصحابة والصواب زيد بن خارجة وهو ابن أبي زهير الأنصاري الخزرجي شهد بدرا توفي في خلافة عثمان رضي الله عنه وهو الذي تكلم بعد الموت قاله أبو نعيم وابن مندة وابن عبد البر وقيل بل هو خارجة بن زيد والأول أصح والله أعلم وأما حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرواه الترمذي عن يحيى بن موسى وزياد بن أيوب حدثنا أبو عامر العقدي عن سليمان بن بلال عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن حسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن حسين بن علي عن علي قال قال رسول الله
البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي قال الترمذي هذا حديث صحيح غريب وفي بعض النسخ حديث غريب ورواه النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم في - المستدرك - وروى الحسن بن عرفة عن الوليد بن بكير عن سالم الخزاز عن أبي إسحاق السبيعي عن الحسن بن علي عن علي رضي الله عنه عن النبي قال ما من دعاء إلا بينه وبين السماء والأرض حجاب حتى يصلى على محمد فإذا صلي على النبي انخرق الحجاب واستجيب الدعاء وإذا لم يصل على النبي لم يستجب الدعاء ولكن للحديث ثلاث علل إحداها أنه من رواية الحارث الأعور عن علي
العلة الثانية أن شعبة قال لم يسمع أبو إسحاق السبيعي من الحارث إلا أربعة أحاديث فعدها ولم يذكر هذا منها وقاله العجلي أيضا العلة الثالثة أن الثابت عن أبي إسحاق وقفه على علي رضي الله عنه وروى النسائي في مسنده عن أبي الأزهر حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا حبان بن يسار الكلابي عن عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي عن محمد بن علي عن محمد بن الحنفية عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وحبان بن يسار وثقه ابن حبان وقال البخاري إنه اختلط في آخر عمره وقال أبو حاتم الرازي ليس بالقوي ولا بالمتروك وقال ابن عدي حديثه فيه ما فيه لأجل الاختلاط الذي ذكر عنه قلت لهذا الحديث علة وهي أن موسى بن إسماعيل التبوذكي خالف عمرو بن عاصم فيه فرواه عن حبان بن يسار حدثني أبو المطرف الخزاعي حدثني محمد بن عطاء الهاشمي عن نعيم المجمر عن أبي هريرة أن رسول الله قال من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى فذكره ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل به
وله علة أخرى وهي أن عمرو بن عاصم قال أخبرنا حبان بن يسار عن عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي وقال موسى بن إسماعيل عبيد الله بن طلحة بن عبيد الله بن كريز وهكذا هو في تاريخ البخاري وكتاب ابن أبي حاتم والثقات لابن حبان وتهذيب الكمال لشيخنا أبي الحجاج المزي فإما أن يكون عمرو بن عاصم وهم في اسمه وإما أن يكونا اثنين ولكن عبد الرحمن هذا مجهول لا يعرف في غير هذا الحديث ولم يذكره أحد من المتقدمين وعمرو بن عاصم وإن كان روى عنه البخاري ومسلم واحتجا به فموسى بن إسماعيل أحفظ منه والحديث له أصل من رواية أبي هريرة بغير هذا السند والمتن ونحن نذكره قال محمد بن إسحاق السراج أخبرني أبو يحيى وأحمد بن محمد البرتي قالا أنبأنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب أنبأنا داود بن قيس عن نعيم بن عبد الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أنهم سألوا رسول الله كيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم وهذا الإسناد إسناد صحيح على شرط الشيخين رواه عبد الوهاب بن مندة عن الخفاف عنه
وقال الشافعي أنبأنا إبراهيم بن محمد أخبرنا صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنه قال يا رسول كيف نصلي عليك يعني في الصلاة قال تقولون اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم ثم تسلمون علي إبراهيم هذا هو ابن محمد بن أبي يحيى الأسلمي كان الشافعي يرى الاحتجاج به على عجره وبجره وكان يقول لأن يخر إبراهيم من السماء أحب إليه من أن يكذب وقد تكلم فيه مالك والناس ورموه بالضعف والترك وصرح بتكذيبه مالك وأحمد ويحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين والنسائي وقال ابن عقدة الحافظ نظرت في حديث إبراهيم بن أبي يحيى كثيرا وليس بمنكر الحديث وقال أبو أحمد بن عدي هو كما قال ابن عقدة وقد نظرت أنا في حديثه الكثير فلم أجد فيه منكرا إلا عن شيوخ يحتملون يعني أن يكون الضعف منهم ومن جهتهم ثم قال ابن عدي وقد نظرت في أحاديثه وتبحرتها وفتشت الكل فليس فيها حديث منكر وقد وثقه محمد بن سعيد الأصبهاني مع الشافعي ولأبي هريرة أيضا أحاديث في الصلاة على النبي منها ما رواه العشاري من حديث محمد بن موسى عن الأصمعي حدثني محمد بن مروان السدي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله
من صلى علي عند قبري وكل الله به ملكا يبلغني وكفي أمر دنياه وآخرته وكنت له يوم القيامة شهيدا أو شفيعا لكن محمد بن موسى هذا هو محمد بن يونس بن موسى الكديمي متروك الحديث ومنها حديث صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا الله تعالى ولم يصلوا على نبيه إلا كان مجلسهم عليهم ترة يوم القيامة إن شاء عفا عنهم وإن شاء آخذهم
ورواه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن صالح بن أبي صالح وقال فيه حديث حسن ورواه عن يوسف بن يعقوب حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت الأغر أبا مسلم قال أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما شهدا على رسول الله فذكر مثله ورواه إسماعيل بن إسحاق في كتاب فضل الصلاة على النبي من حديث محمد بن كثير عن سفيان عن صالح ورواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه من رواية سهيل عن أبيه عن أبي هريرة وهو على شرط مسلم ورواه ابن حبان أيضا من حديث شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه ما قعد قوم مقعدا لا يذكرون الله فيه ويصلون على النبي إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنة للثواب وهذا الإسناد على شرط الشيخين وأخرجه الحاكم في مستدركه من رواية ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال الحاكم صحيح على شرط البخاري وفيما قاله نظر فإن إبراهيم بن الحسن بن يزيد رواية عن
آدم بن أبي إياس ضعيف متكلم فيه وعلته أن أبا إسحاق الفزاري رواه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة // موقوفا وصالح مولى التوأمة كان شعبة لا يروي عنه وينهى عنه وقال مالك ليس بثقة فلا تأخذن عنه شيئا وقال يحيى ليس بالقوي في الحديث وقال مرة لم يكن ثقة وقال السعدي تغير وقال النسائي ضعيف قلت للحفاظ في صالح هذا ثلاثة أقوال ثالثها أحسنها وهو أنه ثقة في نفسه ولكن تغير بأخرة فمن سمع منه قديما فسماعه صحيح ومن سمع منه أخيرا ففي سماعه شيء فممن سمع منه قديما ابن أبي ذئب وابن جريج وزياد بن سعد وأدركه مالك والثوري بعد اختلاطه وهذا منصوص الإمام أحمد رحمه الله فإنه قال ما أعلم بأسا بمن سمع منه قديما ثم إن هذا الحديث قد رواه سليمان بن بلال عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ولكن لم يذكر فيه الصلاة على النبي وتابعه ابن أبي أويس عن عبد العزيز بن أبي حازم عن سهيل وقال إسماعيل في كتاب الصلاة على النبي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا سعيد بن زيد عن ليث عن كعب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلوا علي فإن صلاتكم علي زكاة لكم قال واسألوا الله لي الوسيلة قال فإما حدثنا وإما سألنا قال الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل وأرجو أن أكون أنا ذلك الرجل // ضعيف //
حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا معتمر عن ليث فذكره بإسناده ولفظه ورواه ابن أبي شيبة في مسنده وقال إسماعيل أيضا حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا عمر بن هارون عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة أن النبي قال صلوا على أنبياء الله ورسله فإن الله بعثهم كما بعثني صلوات الله وسلامه عليهم قلت سعيد بن زيد هذا هو أخو حماد بن زيد ضعفه يحيى بن سعيد جدا وقال السعدي يضعفون حديثه وليس بحجة وقال النسائي ليس بالقوي وروى له مسلم وأما الإمام أحمد فكان حسن القول فيه قال ليس به بأس وقال يحيى بن معين ثقة وقال البخاري ثقة وعمر بن هارون وموسى بن عبيدة ومحمد بن ثابت وإن لم يكونوا بحجة فالحديث له شواهد ومثله يصلح للاستشهاد ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضا في الصلاة على النبي ما رواه الترمذي عن الدورقي حدثنا ربعي بن
إبراهيم عن عبد الرحمن ابن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة // صحيح // قال الترمذي وفي الباب عن جابر وأنس وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وربعي بن إبراهيم هو أخو إسماعيل بن إبراهيم وهو ثقة وهو ابن علية ويروى عن بعض أهل العلم قال إذا صلى الرجل على النبي مرة في المجلس أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس ورواه الحاكم في المستدرك وعبد الرحمن بن إسحاق احتج به مسلم وقال فيه أحمد بن حنبل صالح الحديث وتكلم فيه بعضهم وقال فيه أبو داود ثقة إلا انه قدري ورواه إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا أبو ثابت حدثنا عبد العزيز ابن أبي حازم عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة أن رسول الله رقي المنبر فقال آمين آمين آمين فقيل له يا رسول الله ما كنت تصنع هذا فقال قال لي جبريل رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ولم يغفر له فقلت آمين ثم قال رغم أنف عبد أدرك أبويه أو أحدهما الكبر لم يدخل الجنة فقلت آمين ثم رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين // إسناده حسن //
كثير بن زيد وثقه ابن حبان وقال أبو زرعة صدوق وقد تكلم فيه ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكره وقال فيه من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين ومحمد بن عمرو هذا أخرج له البخاري ومسلم في المتابعات ووثقه ابن معين ويصحح له الترمذي ورغم بكسر الغين المعجمة أي لصق بالتراب وهو الرغام وقال ابن الأعرابي هو بفتح الغين ومعناه ذل ومن حديثه أيضا ما رواه مسلم في صحيحه من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حديث // حسن صحيح //
وفي بعض ألفاظه من صلى علي مرة واحدة كتب له بها عشر حسنات ذكرها ابن حبان ومن حديث أبي هريرة ما روى ابن خزيمة في صحيحه حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا الضحاك بن عثمان حدثنا سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي وليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك فإذا خرج فليسلم على النبي وليقل اللهم أجرني من الشيطان ورواه ابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن محمد عن إسحاق بن إبراهيم عن أبي بكر الحنفي به ومنها ما رواه الحسن بن احمد بن إبراهيم بن فيل صاحب الجزء المعروف عن مسلم بن عمرو حدثنا عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم // سنده حسن // ومن حديثه أيضا ما رواه مسلم بن إبراهيم حدثنا عبد السلام ابن عجلان حدثنا أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال قال رسول الله إن لله سيارة من الملائكة إذا مروا بحلق الذكر قال بعضهم لبعض اقعدوا فإذا دعا القوم أمنوا على دعائهم فإذا صلوا على النبي صلوا معهم حتى يفرغوا ثم يقول بعضهم لبعض طوبى لهؤلاء يرجعون مغفورا لهم رواه أبو سعيد القاص في فوائده ومن حديثه أيضا ما رواه الإمام أحمد وأبو داود قال أحمد حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا حيوة حدثنا أبو صخر أن يزيد بن عبد الله ابن قسيط أخبره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله إلي روحي حتى أرد إليه السلام // إسناده حسن // أبو صخر اسمه حميد بن زياد ورواه أبو داود عن محمد بن عوف عن عبد الله بن يزيد المقرئ وقد صح إسناد هذا الحديث وسألت شيخنا عن سماع يزيد بن عبد الله من أبي هريرة فقال ما كأنه أدركه وهو ضعيف ففي سماعه منه نظر
وقال أبو الشيخ في - كتاب الصلاة على النبي حدثنا عبد الرحمن بن أحمد الأعرج حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي من بعيد أعلمته وهذا الحديث غريب جدا ومن حديثه أيضا ما رواه أبو نعيم عن الطبراني حدثنا عبيد الله بن محمد العمري حدثنا أبو مصعب حدثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ما من مسلم يسلم علي في شرق ولا في غرب إلا أنا وملائكة ربي نرد عليه السلام فقال له قائل يا رسول الله ما بال أهل المدينة قال وما يقال لكريم في جيرته وجيرانه إنه مما أمر به من حفظ الجوار وحفظ الجيران // ضعيف // قال محمد بن عثمان الحافظ هذا وضعه العمري وهو كما قال فإن هذا الإسناد لا يحتمل هذا الحديث وأما حديث بريدة بن الحصيب فرواه الحسن بن شاذان عن عبد الله ابن إسحاق الخراساني حدثنا الحسن بن مكرم حدثنا يزيد بن هارون حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي داود عن بريدة قال قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على
محمد وعلى آل محمد كما جعلتها على إبراهيم إنك حميد مجيد وأبو داود هو نفيع بن الحارث الأعمى وإن كان متروكا مطرح الحديث فالعمدة على ما تقدم ولا يضر إخراج حديثه في الشواهد دون الأصول وأما حديث سهل بن سعد الساعدي فرواه الطبراني في المعجم عن عبد الرحمن بن معاوية العتبي حدثنا عبيد الله بن محمد بن المنكدر حدثنا ابن أبي فديك عن أبي بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده سهل بن سعد أن رسول الله قال لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ولا صلاة لمن لم يصل على النبي ولا صلاة لمن لا يحب الأنصار رواه ابن ماجة من حديث عبد المهيمن بن عباس أخي أبي بن عباس فأما أبي بن عباس فقد احتج به البخاري في صحيحه وضعفه أحمد ويحيى بن معين وغيرهما وأما أخوه عبد المهيمن فمتفق على تركه واطراح حديثه فإن كان عبد المهيمن قد سرقه من أخيه فلا يضر الحديث شيء ولا ينزل عن درجة
الحديث الحسن وإن كان ابن أبي فديك أو من دونه غلط من عبد المهيمن إلى أخيه أبي وهو الأشبه والله أعلم لأن الحديث معروف بعبد المهيمن فتلك علة قوية فيه وله حديث آخر رواه عبد الله بن محمد البغوي حدثنا محمد بن حبيب حدثنا ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد قال خرج رسول الله فإذا أنا بأبي طلحة فقام إليه فتلقاه فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني لأرى السرور في وجهك قال أجل إنه أتاني جبريل آنفا فقال يا محمد من صلى عليك مرة أو قال واحدة كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له بها عشر درجات قال ابن حبيب ولا أعلمه إلا قال وصلت عليه الملائكة عشر مرات وهذا الحديث بمسند سهل أولى منه بمسند أبي طلحة وأما حديث ابن مسعود فرواه الحاكم في المستدرك من حديث الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن يحيى بن السباق عن رجل من آل الحارث عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله قال إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل اللهم صل على محمد وعلى آل
محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد رواه البيهقي في السنن هكذا وفي تصحيح الحاكم لهذا الحديث نظر ظاهر فإن يحيى بن السباق وشيخه غير معروفين بعدالة ولا جرح وقد ذكر أبو حاتم بن حبان يحيى بن السباق في كتاب الثقات وقد روى الدار قطني من حديث عبد الوهاب بن مجاهد حدثني مجاهد حدثني ابن أبي ليلى أو أبو معمر قال علمني ابن مسعود التشهد وقال علمنيه رسول الله كما كان يعلمنا السورة من القرآن التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وعلى آل بيت محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم صل علينا معهم اللهم بارك على محمد وعلى أهل بيته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك علينا معهم صلوات الله وصلوات المؤمنين على محمد النبي الأمي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال وكان مجاهد يقول إذا سلم فبلغ وعلى عباد الله الصالحين لقد سلم على أهل السماء والأرض
وعلة هذا الحديث أنه من رواية عبد الوهاب بن مجاهد وقد ضعفه يحيى بن معين والدار قطني وغيرهما وقال فيه الحاكم يروي عن أبيه أحاديث موضوعة وله علة أخرى وهي أن ابن مسعود المحفوظ عنه في التشهد إلى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم روي عنه موقوفا ومرفوعا فإذ قلت هذا فقد تمت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد والموقوف أشبه وأصح ومن حديث ابن مسعود أيضا ما رواه محمد بن حمدان المروزي حدثنا عبد الله بن خبيق حدثنا يوسف بن أسباط عن سفيان الثوري عن رجل عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله من لم يصل علي فلا دين له وروى الترمذي في جامعه من حديث موسى بن يعقوب الزمعي عن عبد الله بن كيسان عن عبد الله بن شداد عن ابن
مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة قال الترمذي // حديث حسن غريب // ورواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه من حديث خالد بن مخلد عن موسى بن يعقوب وقال فيه عن عبد الله بن شداد عن أبيه عن ابن مسعود وهو في مسند البزار والترمذي عنده عن ابن شداد عن ابن مسعود وعند أبي حاتم عن ابن شداد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وكذلك رواه البغوي عن أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد حدثنا موسى فذكره وقال عن ابن شداد عن أبيه عن ابن مسعود وقد روى ابن ماجة في سننه من حديث المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال إذا صليتم على رسول الله فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قال فقالوا له فعلمنا قال قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ومن حديثه أيضا ما رواه النسائي من حديث سفيان عن عبد الله ابن السائب عن زاذان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي قال إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام وهذا // إسناد صحيح // ورواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن وكيع عن سفيان به
وأما حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه فقال الإمام أحمد حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قال حدثنا حيوة بن شريح قال أخبرني أبو هانئ حميد بن هانئ أن أبا علي عمرو بن مالك الجنبي حدثه أنه سمع فضالة بن عبيد صاحب رسول الله قال سمع رسول الله رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي فقال رسول الله عجل هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي ثم يدعو بعد بما شاء فرواه الإمام أحمد وأبو داود وهذا لفظه والنسائي والترمذي وقال // حديث صحيح // فرواه الترمذي عن محمود بن غيلان عن المقرئ والنسائي عن محمد بن سلمة عن ابن وهب عن حيوة وابن خزيمة في
صحيحه عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه عن أبي هانئ قال أبو عبد الله المقدسي وأظن سقط من روايته حيوة وعن بكر بن إدريس بن الحجاج ابن هارون المصري عن أبي عبد الرحمن ورواه ابن حبان في صحيحه عن محمد بن إسحاق السراج
وأما حديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه فقال الإمام أحمد في المسند حدثنا شريح حدثنا أبو معشر عن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبي طلحة الأنصاري قال أصبح رسول الله يوما طيب النفس يرى في وجهه البشر قالوا يا رسول الله أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر قال أجل أتاني آت من ربي تعالى فقال من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ورد عليه مثلها // حديث صحيح // حدثنا أبو كامل حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن سلمان مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه أن رسول الله جاء ذات يوم والسرور يرى في وجهه فقالوا يا رسول الله إنا لنرى السرور في وجهك فقال إنه أتاني الملك فقال يا محمد أما يرضيك أن ربك تعالى يقول إنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك
أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا قال بلى ورواه النسائي من حديث ابن المبارك وعفان عن حماد ورواه ابن حبان في صحيحه أيضا من حديث حماد
وأما حديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال النسائي أخبرنا محمد بن المثنى عن أبي داود حدثنا أبو سلمة وهو المغيرة بن مسلم الخراساني عن أبي إسحاق عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله قال من ذكرت عنده فليصل علي ومن صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يحيى بن آدم حدثنا يونس بن أبي إسحاق حدثني بريد بن أبي مريم عن أنس أنه سمعه يقول قال رسول الله من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه بها عشر سيئات ورفعه بها عشر درجات // حديث صحيح // ورواه الإمام أحمد في المسند عن أبي نعيم عن يونس
ورواه ابن حبان في صحيحه عن محمد بن الحسن بن الخليل عن أبي كريب عن محمد بن بشر العبدي عن يونس وعلته ما أشار إليه النسائي في كتابه الكبير أن مخلد بن يزيد رواه عن يونس بن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن الحسن عن أنس وهذه العلة لا تقدح فيه شيئا لأن الحسن لا شك في سماعه من أنس وقد صح سماع بريد بن أبي مريم من أنس أيضا هذا الحديث ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك من حديث يونس بن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم قال سمعت أنس بن مالك فذكره ولعل بريدا بن أبي الحسن ثم سمعه من أنس فحدث به على الوجهين فإنه قال كنت أزامل الحسن في محمد فقال حدثنا أنس بن مالك قال قال رسول الله فذكره ثم إنه حدثه به أنس فرواه عنه كما تقدم لكن يبقى أن يقال يحتمل أن يكون هذا هو حديث أبي طلحة بعينه أرسله أنس عنه عن النبي ويدل عليه ما رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن عبد الله بن عمر عن ثابت البناني قال قال أنس بن مالك قال أبو طلحة رضي الله عنه إن رسول الله خرج عليهم يوما يعرفون البشر في وجهه فقالوا إنا نعرف الآن البشر في وجهك فذكر حديث
أبي طلحة المتقدم والله أعلم وروى العشاري من حديث الحكم بن عطية عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله من صلى علي في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة // إسناده ضعيف // قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتاب الصلاة على النبي لا أعرفه إلا من حديث الحكم بن عطية قال الدار قطني حدث عن ثابت أحاديث لا يتابع عليها وقال الإمام أحمد لا بأس به إلا أن أبا داود الطيالسي روى عنه أحاديث منكرة وقال وروي عن يحيى بن معين أنه قال هو ثقة وقال جعفر الفريابي حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا الفضل ابن دكين حدثنا سلمة بن وردان قال سمعت أنسا يقول ارتقى رسول الله المنبر فرقي درجة فقال آمين ثم ارتقى درجة فقال آمين ثم ارتقى الثالثة فقال آمين ثم استوى فجلس فقال أصحابه أي نبي الله علام أمنت فقال أتاني جبريل فقال رغم أنف امرئ أدرك أبويه الكبر أو أحدهما لم يدخل الجنة فقلت آمين ورغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له قلت آمين قال ورغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين // حديث صحيح //
رواه أبو بكر الشافعي عن معاذ بن معاذ حدثنا القعنبي حدثنا سلمة بن وردان فذكره وسلمة هذا لين الحديث قد تكلم فيه وليس ممن يطرح حديثه ولا سيما حديث له شواهد وهو معروف من حديث غيره ومن حديث أنس أيضا ما رواه أبو يعلى الموصلي حدثنا شباب خليفة بن خياط حدثنا درست بن حمزة عن مطر الوراق عن قتادة عن أنس عن رسول الله قال ما من عبدين متحابين يستقبل أحدهما صاحبه ويصليان على النبي لم يتفرقا حتى تغفر لهما ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر ومن حديث أنس أيضا ما رواه ابن أبي عاصم حدثنا الحسن ابن الزار حدثنا شبابة حدثنا المغيرة بن مسلم عن أبي إسحاق عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلوا علي فإن الصلاة علي كفارة لكم فمن صلى علي صلى الله عليه ومن حديثه أيضا ما رواه ابن شاهين حدثنا محمد بن أحمد بن البراء حدثنا محمد بن عبد العزيز الدينوري حدثنا
قرة بن حبيب القشيري حدثنا الحكم بن عطية عن ثابت عن أنس بن مالك قال قال رسول الله من صلى علي في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة وتقدم هذا الحديث من طريق آخر
وأما حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال إسماعيل بن إسحاق حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سلمة بن وردان قال سمعت أنس بن مالك قال خرج النبي يتبرز فلم يجد أحدا يتبعه ففزع عمر فاتبعه بمطهرة يعني إداوة فوجده ساجدا في شربة فتنحى عمر فجلس وراءه حتى رفع رأسه قال فقال أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني إن جبريل أتاني فقال من صلى عليك واحدة صلى الله عليه عشرا ورفعه عشر درجات // إسناده صحيح // وهذا الحديث يحتمل أن يكون في مسند أنس وأن يكون في مسند عمر وجعله في مسند عمر أظهر لوجهين أحدهما أن سياقه يدل على أن أنسا لم يحضر القصة وأن الذي حضرها عمر
الثاني أن القاضي إسماعيل قال حدثنا يعقوب بن حميد حدثني أنس بن عياض عن سلمة بن وردان حدثني مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال خرج النبي يتبرز فاتبعته بإداوة من ماء فوجدته ساجدا في شربة فتنحيت عنه فلما فرغ رفع رأسه فقال أحسنت يا عمر حين تنحيت عني إن جبريل أتاني فقال من صلى عليك صلاة صلى الله عليه عشرا ورفعه عشر درجات فإن قيل فهذا الحديث الثاني علة للحديث الأول لأن سلمة بن وردان أخبر أنه سمعه من مالك بن أوس بن الحدثان قيل ليس بعلة له فقد سمعه سلمة بن وردان منهما قال أبو بكر الإسماعيلي في كتاب مسند عمر حدثني عبد الرحمن بن عبد المؤمن أنبأنا أبو موسى الفروي حدثني أبو ضمرة عن سلمة بن وردان قال سمعت أنس بن مالك يقول خرج رسول الله ومعه عمر بن الخطاب بإداوة وحجارة فوجده قد فرغ ووجده ساجدا في شربة فتنحى عمر وذكر الحديث حدثنا عمران بن موسى حدثنا ابن كاسب حدثنا أنس بن عياض عن سلمة بن وردان حدثني مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر وحدثني أنس بن مالك ثم ساقه من حديث الفضل بن دكين حدثنا سلمة بن وردان سمعت أنس بن مالك ومالك بن أوس بن الحدثان فذكره
وقال ابن شاهين حدثني العباس بن العباس بن المغيرة حدثنا عبيد الله بن ربيعة قال سمعت عبد الله بن شريك عن عاصم بن عبيد الله عن عبدالله بن عامر بن ربيعة عن عمر بن الخطاب عن النبي أنه قال من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا فليقل عبد بعد علي من الصلاة أو ليكثر ومن حديث عمر رضي الله عنه في الباب ما رواه الترمذي في جامعه من حديث النضر بن شميل عن أبي قرة الأسدي عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله تعالى عنه قال إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك هكذا رواه موقوفا وكذلك رواه الإسماعيلي في مسند عمر من حديث النضر أتم من هذا قال أخبرني الحسن حدثنا محمد بن قدامة وإسحاق بن إبراهيم قالا أخبرنا النضر عن أبي قرة سمعت سعيد بن المسيب يقول قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما من امرئ مسلم يأتي فضاء من الأرض فيصلي به الضحى ركعتين ثم يقول اللهم أصبحت عبدك على عهدك ووعدك خلقتني ولم أك شيئا أستغفرك لذنبي فإني قد أرهقتني ذنوبي وأحاطت بي إلا
أن تغفرها فاغفر لي يا رحمن إلا غفر الله له في ذلك المقعد ذنبه وإن كان مثل زبد البحر وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر لي أن الدعاء يكون بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك قال وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر لي أن الأعمال تتباهى فتقول الصدقة أنا أفضلكن وقال عمر ما من امرئ مسلم يتصدق بزوجين من ماله إلا ابتدرته حجبة الجنة قال الإسماعيلي الأول في صلاة الضحى موقوف وكذلك الصدقة بزوجين من ماله موقوف والباقي سواء قلت يريد أن حديث الصلاة وحديث تباهي الأعمال يحتمل الرفع ويحتمل الوقف على السواء قلت روي حديث الصلاة على النبي من حديث معاذ بن الحارث عن أبي قرة مرفوعا لكنه لا يثبت والموقوف أشبه والله أعلم وحديث أنس بن مالك عنه المتقدم قد روي بطريق آخر قال الطبراني حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن بحير بمصر حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق حدثنا يحيى بن أيوب حدثني عبيد الله بن عمر عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن
الأسود بن يزيد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال خرج رسول الله لحاجته فلم يجد أحدا يتبعه ففزع عمر فأتاه بمطهرة من خلفه فوجد النبي ساجدا في شربة فتنحى عنه من خلفه حتى رفع النبي رأسه وقال أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني إن جبريل أتاني فقال من صلى عليك من أمتك واحدة صلى الله عليه عشرا ورفعه بها عشر درجات قال الطبراني لم يروه عن عبيد الله بن عمر إلا يحيى بن أيوب تفرد به عمرو بن طارق // إسناده حسن // وأما حديث عامر بن ربيعة فقال أحمد في مسنده حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله قال سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث عن أبيه قال سمعت رسول الله يخطب على المنبر ويقول من صلى علي صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى علي فليقل عبد من ذلك أو ليكثر ورواه ابن ماجة عن بكير بن خلف عن خالد بن الحارث عن شعبة ورواه عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر العمري عن
عبد الرحمن بن القاسم عن عبد الله بن عامر عن أبيه ولفظه من صلى علي صلاة صلى الله عليه فأكثروا أو أقلوا وعاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن عمر العمري وإن كان حديثهما فيه بعض الضعف فرواية هذا الحديث من هذين الوجهين المختلفين يدل على أن له أصلا وهذا لا ينزل عن وسط درجات الحسن والله أعلم
وأما حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فقال الإمام أحمد في مسنده حدثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي ويونس قالا حدثنا ليث عن يزيد بن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن أبي الحويرث عن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الرحمن بن عوف قال خرج رسول الله فاتبعته حتى دخل نخلا فسجد فأطال السجود حتى خفت أو خشيت أن يكون الله قد توفاه أو قبضه قال فجئت أنظر فرفع رأسه فقال ما لك يا عبد الرحمن قال فذكرت ذلك له قال فقال إن جبريل قال لي ألا أبشرك إن الله تعالى يقول من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا سليمان بن بلال حدثنا عمرو بن أبي عمرو عن عبد الواحد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف فذكره وقال فيه فسجدت لله شكرا
ورواه الحاكم في المستدرك من رواية سليمان بن بلال عن عمرو وقال // صحيح الإسناد // ورواه ابن أبي الدنيا عن يحيى بن جعفر حدثنا زيد بن الحباب أخبرني موسى بن عبيدة أخبرني قيس بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جده عبد الرحمن بن عوف قال سجد رسول الله سجدة فأطالها فقلت له في ذلك فقال إني سجدت هذه السجدة شكرا لله تعالى فيما أبلاني في أمتي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا وموسى بن عبيدة وإن كان في حديثه بعض الضعف فهو شاهد لما تقدم وقال المخلص حدثنا البغوي حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا خالد ابن مخلد عن سليمان بن بلال حدثنا عمرو بن أبي عمرو عن عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن أن النبي قال لقيني جبريل فبشرني أن الله تعالى يقول لك من صلى عليك صلاة صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت لذلك
وأما حديث أبي بن كعب رضي الله عنه فقال عبد بن حميد في مسنده حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي عن أبي بن كعب قال كان رسول الله إذا ذهب ربع الليل قام فقال يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه قال أبي بن كعب قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي قال ما شئت قلت الربع قال ما شئت وإن زدت فهو خير قلت النصف قال ما شئت وإن زدت فهو خير قلت الثلثين قال ما شئت وإن زدت فهو خير قال قلت أجعل لك صلاتي كلها قال إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك // إسناده حسن // وأخرجه الترمذي عن هناد عن قبيصة به وأخرجه الإمام أحمد في - المسند - عن وكيع عن سفيان به وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال الترمذي حديث حسن صحيح وعبد الله بن
محمد بن عقيل احتج به الأئمة الكبار كالحميدي وأحمد وإسحاق وغيرهم والترمذي يصحح هذه الترجمة تارة ويحسنها تارة وسئل شيخنا أبو العباس عن تفسير هذا الحديث فقال كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه فسأل النبي هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه فقال إن زدت فهو خير لك فقال له النصف فقال إن زدت فهو خير لك إلى أن قال أجعل لك صلاتي كلها أي أجعل دعائي كله صلاة عليك قال إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك لأن من صلى على النبي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ومن صلى الله عليه كفاه همه وغفر له ذنبه هذا معنى كلامه رضي الله عنه
وأما حديث أوس بن أوس رضي الله عنه قال قال رسول الله من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي قالوا يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت يعني وقد بليت فقال إن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء // إسناده صحيح // قال الإمام أحمد في المسند حدثنا حسين بن علي الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس فذكره ورواه أبو داود عن هارون بن عبد الله
والنسائي عن إسحاق بن منصور وابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة ثلاثتهم عن حسين الجعفي ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك أيضا من حديث حسين الجعفي وقد أعله بعض الحفاظ بأن حسينا الجعفي حدث به عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس قال ومن تأمل هذا الإسناد لم يشك في صحته لثقة رواته وشهرتهم وقبول الأئمة أحاديثهم وعلته أن حسينا الجعفي لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وإنما سمع من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم لا يحتج به فلما حدث به حسين الجعفي غلط في اسم الجد فقال ابن جابر وقد بين ذلك الحفاظ ونبهوا عليه فقال البخاري في التاريخ الكبير عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي الشامي عن مكحول سمع منه الوليد بن مسلم عنده مناكير ويقال هو الذي روى عنه أبو أسامة وحسين الجعفي وقالا هو ابن يزيد بن جابر وغلطا في نسبه ويزيد بن تميم أصح وهو // ضعيف الحديث // وقال الخطيب روى الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن تميم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ووهموا في ذلك والحمل عليهم في تلك الأحاديث وقال موسى بن هارون الحافظ روى أبو أسامة عن
عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وكان ذلك وهما منه هو لم يلق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وإنما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فظن أنه ابن جابر نفسه ابن تميم ضعيف وقد أشار غير واحد من الحفاظ إلى ما ذكره هؤلاء الأئمة وجواب هذا التعليل من وجوه أحدها أن حسين بن علي الجعفي قد صرح بسماعه له من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال ابن حبان في صحيحه حدثنا ابن خزيمة حدثنا أبو كريب حدثنا حسين بن علي حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فصرح بالسماع منه وقولهم إنه ظن أنه ابن جابر وإنما هو ابن تميم فغلط في اسم جده بعيد فإنه لم يكن يشتبه على حسين هذا بهذا ما نقده وعلمه بهما وسماعه منهما فإن قيل فقد قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب العلل سمعت أبي يقول عبد الرحمن بن يزيد بن جابر لا أعلم أحدا من أهل العراق يحدث عنه والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو أسامة وحسين الجعفي واحد وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم لأن أبا أسامة روى عن عبد الرحمن بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة خمسة أحاديث أو ستة أحاديث منكرة لا يحتمل أن يحدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر مثله ولا أعلم أحدا من أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الأحاديث شيئا وأما حسين الجعفي فإنه روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث عن أوس بن أوس عن النبي في
يوم الجمعة أنه قال أفضل الأيام يوم الجمعة فيه الصعقة وفيه النفخة وفيد كذا وهو حديث منكر لا أعلم أحدا رواه غير حسين الجعفي وأما عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فهو ضعيف الحديث وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة تم كلامه قيل قد تكلم في سماع حسين الجعفي وأبي أسامة من ابن جابر فأكثر أهل الحديث أنكروا سماع أبي أسامة منه قال شيخنا في التهذيب قال ابن نمير وذكر أبا أسامة فقال الذي يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر نرى انه ليس بابن جابر المعروف وذكر لي أنه رجل يسمى باسم ابن جابر قال يعقوب صدق هو عبد الرحمن بن فلان بن تميم فدخل عليه أبو أسامة فكتب عنه هذه الأحاديث فروى عنه وإنما هو إنسان يسمى باسم ابن جابر قال يعقوب وكأني رأيت ابن نمير يتهم أبا أسامة أنه علم ذلك وعرف ولكن تغافل عن ذلك قال وقال لي ابن نمير أما ترى روايته لا تشبه سائر حديثه الصحاح الذي روى عنه أهل الشام وأصحابه وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سألت محمد بن عبد الرحمن ابن أخي حسين الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد فقال قدم الكوفة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثم قدم عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بعد ذلك بدهر والذي يحدث عنه أبو أسامة ليس هو ابن
جابر هو ابن تميم وقال ابن أبي داود سمع أبو أسامة من ابن المبارك عن ابن جابر وجميعا يحدثان عن مكحول وابن جابر أيضا دمشقي فلما قدم هذا قال أنا عبد الرحمن بن يزيد الدمشقي وحدث عن مكحول فظن أبو أسامة أنه ابن جابر الذي روى عنه ابن المبارك وابن جابر ثقة مأمون يجمع حديثه وابن تميم ضعيف وقال أبو داود متروك الحديث حدث عنه أبو أسامة وغلط في اسمه قال حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشامي وكل ما جاء عن أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد فإنما هو ابن تميم وأما رواية حسين الجعفي عن ابن جابر فقد ذكره شيخنا في التهذيب وقال روى عنه حسين بن علي الجعفي وأبو أسامة حماد بن أسامة إن كان محفوظا فجزم برواية حسين عن ابن جابر وشك في رواية حماد فهذا ما ظهر في جواب هذا التعليل ثم بعد أن كتب ذلك رأيت الدار قطني قد ذكر ذلك أيضا فقال في كلامه على كتاب أبي حاتم في الضعفاء قوله حسين الجعفي روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم خطأ الذي يروي عنه حسين هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وأبو أسامة يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فيغلط في اسم جده تم كلامه وللحديث علة أخرى وهي أن عبد الرحمن بن يزيد لم يذكر سماعه من أبي الأشعث قال علي بن المديني حدثنا الحسين بن
علي بن الجعفي حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر سمعته يذكر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس فذكره وقال إسماعيل بن إسحاق في كتابه حدثنا علي بن عبد الله فذكره وليست هذه بعلة قادحة فإن للحديث شواهد من حديث أبي هريرة وأبي الدرداء وأبي أمامة وأبي مسعود الأنصاري وأنس بن مالك والحسن عن النبي مرسلا فأما حديث أبي هريرة فرواه مالك عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عنه قال قال رسول الله خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس وفيها ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه // إسناده صحيح // فهذا الحديث الصحيح مؤيد لحديث أوس بن أوس دال على مثل معناه وأما حديث أبي الدرداء ففي الثقفيات أخبرنا أبو بكر بن محمد بن إبراهيم بن علي بن المقرئ أخبرنا أبو العباس محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني حدثنا حرملة حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن سعيد عن أبي هلال عن زيد بن أيمن
عن عبادة بن نسي عن أبي الدرداء قال رسول الله أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة وإن أحدا لا يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها قال قلت وبعد الموت قال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فنبي الله حي يرزق وسيأتي في حديث أبي الدرداء بإسناد آخر من الطبراني ورواه ابن ماجة أيضا // إسناده لا يصح // وأما حديث أبي أمامة فقال البيهقي حدثنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأنا أحمد بن عبيد حدثنا الحسين بن سعيد حدثنا إبراهيم بن الحجاج حدثنا حماد بن سلمة عن برد بن سنان عن مكحول الشامي عن أبي أمامة قال قال رسول الله أكثروا من الصلاة في كل يوم جمعة فإن صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة لكن لهذا الحديث علتان إحداهما أن برد بن سنان قد تكلم فيه وقد وثقه يحيى بن معين وغيره العلة الثانية أن مكحولا قد قيل إنه لم يسمع من أبي أمامة والله أعلم وأما حديث أنس فقال الطبراني حدثنا محمد بن علي الأحمر حدثنا نصر بن علي حدثنا النعمان بن عبد السلام حدثنا
أبو ظلال عن أنس قال قال رسول الله أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه أتاني جبريل آنفا عن ربه تعالى فقال ما على الأرض من مسلم يصلي عليك مرة واحدة إلا صليت أنا وملائكتي عليه عشرا وقال محمد بن إسماعيل الوراق حدثنا جبارة بن مغلس حدثنا أبو إسحاق خازم عن يزيد الرقاشي عن أنس قال قال رسول الله أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإن صلاتكم تعرض علي وهذان وإن كانا ضعيفين فيصلحان للاستشهاد ورواه ابن أبي السري حدثنا داود بن الجراح حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس عن النبي أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة وكان الصحابة رضي الله عنهم يستحبون إكثار الصلاة على النبي يوم الجمعة قال محمد بن يوسف العابد عن الأعمش عن زيد بن وهب قال لي ابن مسعود رضي الله عنه يا زيد بن وهب لا تدع إذا كان يوم الجمعة أن تصلي على النبي ألف مرة تقول اللهم صل على محمد النبي الأمي وأما حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما
فقال أبو يعلى في مسنده حدثنا موسى بن محمد حبان حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا عبد الله بن نافع أخبرنا العلاء بن عبد الرحمن قال سمعت الحسن بن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا ولا تتخذوا بيتي عيدا صلوا علي وسلموا فإن صلاتكم وسلامكم يبلغني أينما كنتم وعلة هذا الحديث أن مسلم بن عمرو رواه عن عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال لا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم وهذا أشبه وقال الطبراني في المعجم الكبير حدثنا أحمد بن رشدين المصري حدثنا سعيد بن إبراهيم حدثنا محمد بن جعفر أخبرنا حميد بن أبي زينب عن حسين بن حسن بن علي بن أبي طالب عن أبيه أن رسول الله قال حيثما كنتم فصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني واما حديث الحسين أخيه رضي الله عنه فقال الطبراني في المعجم حدثنا يوسف بن الحكم الضبي حدثنا محمد بن بشير الكندي حدثنا عبيد بن حميد حدثني فطر بن خليفة عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين عن أبيه عن جده حسين بن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله من ذكرت عنده فخطئ الصلاة علي خطئ طريق الجنة // حديث حسن //
وعلته أن ابن أبي عاصم رواه عن أبي بكر هو ابن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي مرسلا ورواه عمرو بن حفص بن غياث عن أبيه عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ورواه إسماعيل بن إسحاق عن إبراهيم بن الحجاج حدثنا وهيب عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن النبي مرسلا ورواه علي بن المديني حدثنا سفيان قال قال عمرو عن محمد بن علي بن حسين عن النبي مرسلا ثم قال سفيان قال رجل بعد عمرو سمعت محمد بن علي يقول قال رسول الله ثم سمى سفيان الرجل فقال هو بسام وهو الصيرفي ذكره إسماعيل عن علي وقال حدثنا سليمان بن حرب وعارم قالا حدثنا حماد بن زيد عن عمرو عن محمد بن علي قال قال رسول الله مرسل
وله شاهد من حديث عبد الله بن عباس سيأتي إن شاء الله تعالى وقال النسائي أخبرنا سليمان بن عبيد الله حدثنا أبو عامر حدثنا سليمان عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن علي بن حسين عن علي بن حسين عن أبيه عن النبي قال البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي أنا أحمد بن الخليل حدثنا خالد وهو ابن مخلد القطواني حدثنا سليمان بن بلال حدثني عمارة بن غزية به ورواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما من حديث خالد بن مخلد والترمذي في جامعه وقال حديث حسن صحيح غريب وزاد في سنده عن علي بن أبي طالب قلت وله علة ذكرها النسائي في سننه الكبير فقال رواه عبد العزيز بن محمد عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال رسول الله إن البخيل الذي إذا ذكرت عنده لم يصل علي قال إسماعيل بن إسحاق في كتابه اختلف يحيى
الحماني وأبو بكر ابن أبي أويس في إسناد هذا الحديث فرواه أبو بكر عن سليمان عن عمرو بن أبي عمرو ورواه الحماني عن سليمان بن بلال عن عمارة بن غزية وهذا حديث مشتهر عن عمارة بن غزية وقد رواه عنه خمسة سليمان بن بلال وعمرو بن الحارث وعبد العزيز الدراوردي وإسماعيل بن جعفر وعبد الله ابن جعفر والد علي ثم ساقها كلها ورواه عن إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو عن علي بن حسين عن أبيه فذكره
وأما حديث فاطمة رضي الله عنها فقال أبو العباس الثقفي حدثنا أبو رجاء حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز هو ابن محمد عن عبد الله بن الحسن عن أمه أن النبي قال لفاطمة ابنته رضي الله عنها إذا دخلت المسجد فقولي بسم الله والحمد لله اللهم صل على محمد وسلم اللهم اغفر لي وسهل لي أبواب رحمتك وإذا خرجت من المسجد فقولي كذلك إلا أنه قال وسهل لي أبواب رزقك ورواه الترمذي عن علي بن حجر عن إسماعيل بن إبراهيم عن ليث عن عبد الله بن الحسين عن أمه فاطمة بنت الحسين رضي الله عنه عن جدتها فاطمة الكبرى قال إسماعيل فلقيت عبد الله بن الحسين بمكة فسألته عن هذا الحديث فحدثني به قال وليس إسناده بمتصل فاطمة بنت الحسين رضي الله عنها لم تدرك فاطمة الكبرى
ورواه ابن ماجة عن أبي بكر عن ابن علية وأبي معاوية عن ليث نحوه
وأما حديث البراء بن عازب رضي الله عنه فقال أحمد بن عمرو بن أبي عاصم حدثنا يعقوب بن حميد حدثنا حاتم بن إسماعيل عن محمد بن عبيد الله عن مولى البراء بن عازب عن البراء أن النبي قال من صلى علي كتب له عشر حسنات ومحي عنه بها عشر سيئات ورفعه بها عشر درجات وكن له عدل عشر رقاب // إسناده صحيح //
وأما حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه فقال النسائي في سننه الكبير حدثنا أحمد بن عبد الله بن سويد بن منجوف حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله ما اجتمع قوم ثم تفرقوا عن غير ذكر الله تعالى وصلاة على النبي إلا قاموا عن أنتن من جيفة قال أبو عبد الله المقدسي هذا عندي على شرط مسلم وقال أحمد بن عمرو بن أبي عاصم حدثنا أحمد بن عصام حدثنا أبو عاصم عن موسى بن عبيدة عن إبراهيم بن محمد عن أبيه عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله لا تجعلوني كقدح الراكب إن الراكب يملأ قدحه فإذا فرغ وعلق معاليقه فإن كان فيه ماء شرب منه حاجته أو الوضوء توضأ وإلا أهراق القدح فاجعلوني في أول الدعاء وفي أوسطه ولا تجعلوني في آخره لفظ ابن أبي عاصم
وقال الطبراني حدثنا إسحاق الدبري أنبأنا عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد بن إبراهيم عن أبيه عن جابر فذكر نحوه إلا أنه قال فاجعلوني في أول الدعاء وفي أوسطه وفي آخره // الحديث ضعيف //
وأما حديث أبي رافع مولى النبي فقال الطبراني حدثنا نصر بن عبد الملك السنجاري بمدينة سنجار سنة ثمان وسبعين ومائتين حدثنا معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع صاحب النبي قال حدثني أبي محمد عن أبيه عبيد الله بن أبي رافع عن أبي رافع قال قال رسول الله إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي قال الطبراني لا يروى عن أبي رافع إلا بهذا الإسناد تفرد به معمر بن محمد وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى الحساني حدثنا معمر بن محمد بن عبيد الله بن علي بن أبي رافع مولى رسول الله قال أخبرني أبي محمد
عن أبيه عبيد الله عن أبي رافع قال قال رسول الله إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي وليقل ذكر الله من ذكرني بخير
وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه فقال الترمذي في جامعه حدثنا علي بن عيسى بن يزيد البغدادي حدثنا عبد الله بن بكر السهمي وحدثنا عبد الله بن منير عن عبد الله بن بكر عن فائد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبي أوفى قال قال رسول الله من كانت له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله تعالى وليصل على النبي ثم ليقل لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين قال الترمذي هذا حديث غريب وفي إسناده مقال
وفائد بن عبد الرحمن يضعف في الحديث وفائد هو أبو الورقاء وقال الإمام أحمد بن حنبل فائد متروك الحديث وقال يحيى بن معين ضعيف وقال أبو حاتم بن حبان كان ممن يروي المناكير عن المشاهير ويأتي عن ابن أوفى بالمعضلات ولا يجوز الاحتجاج به ورواه الحاكم في المستدرك وقال إنما أخرجته شاهدا وفائد مستقيم الحديث كذا قال
وأما حديث رويفع بن ثابت رضي الله عنه فقال الطبراني في المعجم الكبير حدثنا عبد الملك بن يحيى بن بكير المصري حدثنا أبي حدثنا ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم عن وفاء بن شريح الحضرمي عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال قال رسول الله من قال اللهم صل على محمد وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي // إسناده حسن // ورواه إسماعيل بن إسحاق في كتابه عن يحيى حدثنا زيد بن الحباب أخبرني ابن لهيعة حدثني بكر بن سوادة المعافري عن زياد بن نعيم الحضرمي عن ابن شريح قال حدثني رويفع الأنصاري فذكره // إسناده ضعيف //
وأما حديث أبي أمامة رضي الله عنه فقال الطبراني حدثنا محمد بن إبراهيم بن عوف حدثنا سعيد ابن عمرو الحضرمي حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن الحارث عن القاسم عن أبي أمامة قال قال رسول الله ما من قوم جلسوا مجلسا ثم قاموا منه ولم يذكروا الله تعالى ولم يصلوا على النبي إلا كان ذلك المجلس عليهم ترة // إسناده قوي // وقال الطبراني في المعجم الكبير حدثنا الحسين بن محمد بن مصعب الأشناني حدثنا محمد بن عبيد المحاربي حدثنا موسى بن عمير عن مكحول عن أبي أمامة قال قال
رسول الله من صلى علي صلى الله عليه عشرا بها ملك موكل بها حتى يبلغنيها وأما حديث عبد الرحمن بن بشير بن مسعود رضي الله عنه فقال إسماعيل بن إسحاق في كتابه حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن عبد الرحمن بن بشير بن مسعود قال قيل يا رسول الله أمرتنا أن نسلم عليك وأن نصلي عليك فقد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال تقولون اللهم صل على آل محمد كما صليت على آل إبراهيم اللهم بارك على آل محمد كما باركت على آل إبراهيم // إسناده صحيح //
حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا ابن عون عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود فذكره حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الأعلى حدثنا هشام عن محمد عن عبد الرحمن بن بشير بن مسعود رضي الله عنه قال قلنا أو قيل للنبي أمرنا أن نصلي عليك ونسلم فأما السلام فقد عرفناه ولكن كيف نصلي عليك قال تقولون اللهم صل على محمد كما صليت على آل إبراهيم فذكره بمثله سواء وعبد الرحمن هذا معدود في الصحابة ذكره ابن مندة وقال ابن بشير وقال ابن عبد البر ابن بشير ويقال ابن بشر روى عن النبي في فضل علي روى عنه الشعبي وروى عنه محمد بن سيرين عن النبي قالوا يا رسول الله قد عرفنا السلام عليك الحديث
وأما حديث أبي بردة بن نيار رضي الله عنه فقال النسائي أخبرني زكريا بن يحيى حدثنا أبو كريب حدثنا أبو أسامة عن سعيد بن سعيد بن عمير بن عقبة بن نيار عن عمه أبي بردة بن نيار قال قال رسول الله من صلى علي من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات وكتب له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات لكن علة هذا الحديث أن وكيعا رواه عن سعيد بن سعيد عن سعيد بن عمير الأنصاري عن أبيه وكان بدريا قال قال رسول الله من صلى علي فذكره قال النسائي أنا الحسين بن حريث حدثنا وكيع فذكره فقد اختلف فيه أبو أسامة ووكيع
قال الحافظ أبو قريش محمد بن جمعة سألت أبا زرعة يعني الرازي عن اختلاف هذين الحديثين فقال حديث أبي أسامة أشبه وقال الطبراني في المعجم الكبير حدثنا عبيد بن غنام حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن سعيد بن سعيد أبي الصباح حدثنا سعيد بن عمير بن عقبة بن نيار الأنصاري عن عمه أبي بردة بن نيار فذكره ورواه ابن أبي عاصم في كتاب الصلاة على النبي عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة عن سعيد بن سعيد به
وأما حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه فقال أبو الشيخ الأصبهاني أنا إسحاق بن أحمد الفارسي حدثنا أبو كريب حدثنا قبيصة عن نعيم بن ضمضم قال قال لي عمران بن حميري ألا أحدثك عن خليلي عمار بن ياسر رضي الله عنه قلت بلى قال قال رسول الله إن لله تبارك وتعالى ملكا أعطاه أسماع الخلائق فهو قائم على قبري إذا مت فليس أحد يصلي علي صلاة إلا قال يا محمد صلى عليك فلان بن فلان قال فيصلي الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل واحدة عشرا وقال الطبراني في المعجم الكبير حدثنا محمد بن
عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو كريب حدثنا قبيصة بن عقبة عن نعيم بن ضمضم عن ابن الحميري قال قال لي عمار بن ياسر يا ابن الحميري ألا أحدثك عن حبيبي نبي الله قلت بلى قال قال رسول الله يا عمار إن لله ملكا أعطاه أسماع الخلائق كلها وهو قائم على قبري إذا مت إلى يوم القيامة فليس أحد من أمتي يصلي علي صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه قال يا محمد صلى عليك فلان بن فلان كذا وكذا فيصلي الرب تعالى على ذلك الرجل بكل واحدة عشرا حدثنا أحمد بن داود المكي حدثنا عبد الرحمن بن صالح الكوفي حدثنا نعيم بن ضمضم عن خال له يقال له عمران الحميري قال سمعت عمار بن ياسر يقول سمعت رسول الله يقول إن لله ملكا أعطاه سماع العباد فليس من أحد يصلي علي صلاة إلا أبلغنيها وإني سألت ربي أن لا يصلي علي عبد صلاة إلا صلى الله عليه عشر أمثالها رواه الروياني في مسنده عن أبي كريب عن قبيصة عن نعيم بن ضمضم
وأما حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه فقال الشافعي في مسنده أخبرني مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري قال أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره رجل من أصحاب النبي أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ فاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ثم يصلي على النبي ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات ولا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرا في نفسه وقال إسماعيل بن إسحاق حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا معمر عن الزهري قال سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يحدث سعيد بن المسيب قال إن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ فاتحة الكتاب ويصلي على النبي ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ ولا يقرأ إلا مرة واحدة ثم يسلم في نفسه // إسناده صحيح //
ورواه النسائي في سننه وهذا // إسناده صحيح // وأبو أمامة بن سهل بن حنيف بن واهب الأنصاري من بني عمرو بن عوف بن مالك اسمه أسعد سماه رسول الله باسم جده أبي أمه أسعد بن زرارة وكناه بكنيته ودعا له وبرك عليه وعده أبو عمر وغيره في الصحابة قال ابن عبد البر توفي سنة مائة وهو ابن نيف وتسعين سنة قال وروى الليث بن سعد عن يونس عن ابن شهاب قال أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف وكان ممن أدرك النبي لكن قد اختلف في هذا الحديث فقال مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري عن أبي أمامة عن رجل من أصحاب النبي من السنة وقال عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن أبي أمامة من السنة ورواه الشافعي بالوجهين وليس هذا بعلة قادحة فيه فإن جهالة الصحابي لا تضر وقول الصحابي من السنة اختلف فيه فقيل هو في حكم المرفوع وقيل لا يقضى له بالرفع والصواب التفصيل كما هو مذكور في غير هذا الموضع
وأما حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه فقال الدقيقي حدثنا إسماعيل بن أبان الوراق الكوفي حدثني قيس بن الربيع عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال صعد النبي المنبر فقال آمين آمين فقيل يا رسول الله ما كنت تصنع هذا فقال قال لي جبريل فذكر الحديث وقال فيه يا محمد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين قلت آمين وقيس بن الربيع صدوق سيئ الحفظ كان شعبة يثني عليه وقال أبو حاتم محله الصدق وليس بالقوي وقال ابن عدي عامة رواياته مستقيمة وهذا الأصل قد روي من حديث أبي هريرة ومن حديث كعب بن عجرة ومن حديث ابن عباس ومن حديث أنس ومن حديث مالك بن الحويرث ومن حديث عبد الله بن الحارث بن جزء
الزبيدي ومن حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهم فأما حديث أبي هريرة وجابر بن سمرة وكعب بن عجرة وأنس بن مالك فقد تقدمت
وأما حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه فقال أبو حاتم البستي في صحيحه حدثنا عبد الله بن صالح المحاربي ببغداد حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا عمران بن أبان حدثنا ابن الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده قال صعد رسول الله المنبر فلما رقي عتبته قال آمين ثم رقي عتبة أخرى فقال آمين ثم رقي عتبة ثالثة وقال آمين ثم قال أتاني جبريل وقال يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله قلت آمين قال ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله فقلت آمين فقال ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله قل آمين قلت آمين
وأما حديث عبد الله بن جزء الزبيدي رضي الله عنه فقال جعفر الفرياني حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن يزيد الصدفي عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي أن رسول الله دخل المسجد فصعد المنبر فلما صعد أول درجة قال آمين ثم صعد الثانية فقال آمين ثم صعد الثالثة فقال آمين فلما نزل قيل له رأيناك صنعت شيئا ما كنت تصنعه فقال إن جبريل تبدى لي في أول درجة فقال يا محمد من أدرك أحد والديه فلم يدخلاه الجنة فأبعده الله ثم أبعده قال فقلت آمين ثم قال في الثانية من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له أبعده الله فقلت آمين وقال في الثالثة من ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله ثم أبعده الله فقلت آمين // إسناده صحيح //
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال الطبراني في المعجم حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا ليث بن هارون العكلي حدثنا محمد بن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بينما النبي على المنبر إذ قال آمين ثلاث مرات فسئل عن ذلك فقال أتاني جبريل فقال من ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله قل آمين فقلت آمين قال ومن أدرك والديه أو أحدهما فمات ولم يغفر له فأبعده الله قل آمين فقلت آمين ومن أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله قل آمين فقلت آمين ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما أيضا في ذلك ما رواه محمد بن الحسن الهاشمي حدثني سليمان بن الربيع حدثنا كادح بن رحمة حدثنا نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله من صلى علي في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب
وكادح هذا ونهشل غير ثقتين وقد اتهما بالكذب لكن لم يرو في هذا الأصل إلا هذا الحديث وحديث آخر من رواية ابن الجارود حدثنا محمد بن عاصم حدثنا بشير بن عبيد حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عبد الله عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله فذكره وقد روي موقوفا من كلام جعفر بن محمد وهو أشبه يرويه محمد بن حمير عنه قال من صلى على رسول الله في كتاب صلت عليه الملائكة غدوة ورواحا ما دام اسم رسول الله في ذلك الكتاب وقال أحمد بن عطاء الروذباري سمعت أبا صالح عبد الله بن صالح يقول رؤي بعض أصحاب الحديث في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال غفر لي فقيل بأي شيء فقال بصلاتي في كتبي على النبي ومن حديثه أيضا ما رواه الطبراني في معجمه عن عبدان بن أحمد حدثنا جبارة بن مغلس حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال قال رسول الله من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة ورواه ابن ماجة في سننه عن جبارة بن مغلس وجبارة هذا كان ممن وضع له الحديث حدث به وهو لا يشعر وهذا المعنى قد روي من حديث أبي هريرة وحسين بن علي ومحمد بن الحنفية وابن عباس فأما حديث حسين بن علي وابن عباس فقد تقدما
واما حديث محمد بن الحنفية رضي الله عنه فقال ابن أبي عاصم في كتاب الصلاة على النبي حدثنا أبو بكر حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قال رسول الله من ذكرت عنده فنسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة // إسناده جيد //
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال عبد الخالق بن الحسن السقطي حدثنا محمد بن سليمان بن الحارث حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثني أبي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة
وأما حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال إسماعيل بن إسحاق في كتاب الصلاة على النبي حدثنا حجاج بن المنهال حدثنا حماد بن سلمة عن معبد بن هلال العنزي قال حدثني رجل من أهل دمشق عن عوف بن مالك عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله قال إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي وقال ابن أبي عاصم في كتاب الصلاة على النبي حدثنا عمر بن عثمان حدثنا محمد بن شعيب بن شابور عن عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن أبي ذر رضي الله عنه قال خرجت ذات يوم فأتيت رسول الله قال ألا أخبركم بأبخل الناس قالوا بلى يا رسول الله قال من ذكرت عنده فلم يصل علي فذلك أبخل الناس // إسناده ضعيف //
وهذا من رواية الصحابي عن مثله وهذا الأصل قد روي عن النبي من حديث علي بن أبي طالب وابنه الحسين رضي الله عنهما وقد ذكرا
وأما حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه فقال ابن منيع في مسنده حدثنا يوسف بن عطية الصفار عن العلاء بن كثير عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله أيما قوم جلسوا في مجلس ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله ويصلوا على النبي كان ذلك المجلس عليهم ترة يوم القيامة يعني حسرة وهذا الأصل قد رواه عن النبي أبو سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهما
وأما حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال ابن شاهين حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث حدثنا علي بن الحسين المكتب حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي حدثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول من صلى علي كنت شفيعه يوم القيامة وقال ابن أبي داود أيضا حدثنا علي بن الحسين حدثنا إسماعيل بن يحيى حدثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال سمعت رسول الله في حجة الوداع يقول إن الله تعالى قد وهب لكم ذنوبكم عند الاستغفار فمن استغفر بنية صادقة غفر له ومن قال لا إله إلا الله رجح ميزانه ومن صلى علي كنت شفيعه يوم القيامة
وأما حديث عائشة رضي الله عنها فقال إبراهيم بن رشيد بن مسلم حدثنا عمر بن حبيب القاضي حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله ما من عبد صلى علي صلاة إلا عرج بها ملك حتى يجيء بها وجه الرحمن تعالى فيقول ربنا تبارك وتعالى اذهبوا بها إلى قبر عبدي تستغفر لصاحبها وتقر بها عينه وقال أبو نعيم أخبرنا عبد الله بن جعفر أخبرنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا عبد الرحمن بن هانئ حدثنا أبو مالك هو عبد الملك بن حسين عن عاصم بن عبيد الله عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة ما صلى علي فليكثر عبد أو يقل
وأما حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال أبو داود في سننه حدثنا محمد يعني ابن سلمة حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة وحيوة وسعيد بن أبي أيوب عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة ورواه مسلم عن محمد بن سلمة وله حديث آخر موقوف ذكره عبد الله بن أحمد حدثنا أبي حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن عبد الله وفي نسخة عبد الرحمن بن شريح الخولاني قال
سمعت أبا قيس مولى عمرو بن العاص يقول سمعت عبد الله بن عمر يقول من صلى على رسول الله صلاة صلى الله عليه وملائكته بها سبعين صلاة فليقل من ذلك أو ليكثر كذا رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى موقوفا ذكره أبو نعيم عن أحمد بن جعفر عن عبد الله عن أبيه وله حديث آخر موقوف رواه الحافظ أبو موسى المديني من حديث محمد بن أبي العوام عن أبيه حدثنا إبراهيم بن سليمان أبو إسماعيل المؤدب عن سعيد بن معروف عن عمرو بن قيس أو ابن أبي قيس عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو قال من كانت له إلى الله حاجة فليصم الأربعاء والخميس والجمعة فإذا كان يوم الجمعة تطهر وراح إلى المسجد فتصدق بصدقة قلت أو كثرت فإذا صلى الجمعة قال اللهم إني أسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم الذي ملأت عظمته السماوات والأرض الذي عنت له الوجوه وخشعت له الأصوات ووجلت القلوب من خشيته أن تصلي على محمد وأن تعطيني حاجتي وهي كذا وكذا فإنه يستجاب له إن شاء الله تعالى قال وكان يقال لا تعلموه سفهاءكم لئلا يدعوا به في مأثم أو قطيعة رحم
وأما حديث أبي الدرداء رضي الله عنه فقال الطبراني في المعجم الكبير حدثنا محمد بن علي بن حبيب الطرائفي حدثنا محمد بن علي بن ميمون حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي حدثنا بقية بن الوليد عن إبراهيم بن محمد بن زياد قال سمعت خالد بن معدان يحدث عن أبي الدرداء قال قال رسول الله من صلى علي حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي قال الطبراني حدثنا يحيى بن أيوب العلاف حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن أبي الدرداء قال قال رسول الله أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة ليس من عبد يصلي علي إلا بلغني صوته حيث كان قلنا وبعد وفاتك قال وبعد وفاتي إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء
وأما حديث سعيد بن عمير الأنصاري عن أبيه عمير البدري فقال عبد الباقي بن قانع حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن صالح بن شيخ بن عميرة قال حدثني محمد بن هشام حدثنا محمد بن ربيعة الكلابي عن أبي الصباح البهري حدثنا سعيد بن عمير عن أبيه قال قال رسول الله من صلى علي صادقا من نفسه صلى الله عليه عشر صلوات ورفعه عشر درجات وكتب له بها عشر حسنات
الباب الثاني في المراسيل والموقوفات فمنها ما رواه إسماعيل في كتابه حدثنا عبد الرحمن بن واقد العطار حدثنا هشيم حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن يزيد الرقاشي قال إن ملكا موكل يوم الجمعة من صلى على النبي يبلغ النبي يقول إن فلانا من أمتك يصلي عليك هذا موقوف وقال إسماعيل حدثنا مسلم حدثنا مبارك عن النبي قال أكثروا علي الصلاة يوم الجمعة وقال إبراهيم بن الحجاج حدثنا وهيب عن أيوب قال بلغني والله أعلم أن ملكا موكل بكل من صلى على النبي حتى يبلغه النبي
حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل قال جئت أسلم على النبي وحسن بن حسين يتعشى في بيت عند النبي فدعاني فجئته فقال ادن فتعش قال قلت لا أريده قال مالي رأيتك وقفت قال وقفت أسلم على النبي قال إذا دخلت المسجد فسلم عليه ثم قال إن رسول الله قال صلوا في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم مقابر لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم // إسناده صحيح // حدثنا سليمان بن حرب حدثنا جرير بن حازم قال سمعت الحسن يقول قال رسول الله بحسب امرئ من البخل أن أذكر عنده فلا يصلي علي حدثنا سلم بن سليمان الضبي حدثنا أبو حرة عن الحسن قال قال رسول الله كفى به شحا أن يذكرني قوم فلا يصلون علي حدثنا عارم حدثنا جرير بن حازم عن الحسن رفعه أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة
حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثنا سليمان بن بلال عن جعفر عن أبيه رفعه إلى النبي من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال قال عمرو عن محمد بن علي بن حسين قال قال رسول الله من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة قال سفيان قال رجل بعد عمرو سمعت محمد بن علي يقول قال رسول الله من ذكرت عنده فلم يصل علي خطئ طريق الجنة ثم سمى سفيان الرجل فقال هو بسام وهو الصيرفي حدثنا سليمان بن حرب وعارم قالا حدثنا حماد بن زياد عن عمرو عن محمد بن علي يرفعه من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة حدثنا إبراهيم بن الحجاج حدثنا وهيب عن جعفر عن أبيه أن النبي قال من ذكرت عنده فلم يصل علي فقد خطئ طريق الجنة
حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا عمر بن علي عن أبي بكر الجشمي عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله من صلى علي أو سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة حدثنا سعيد الجريري عن يزيد بن عبد الله أنهم كانوا يستحبون أن يقولوا اللهم صل على محمد النبي الأمي عليه السلام حدثنا عاصم بن علي حدثنا المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة عن الأسود عن عبد الله أنه قال إذا صليتم على النبي فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قالوا فعلمنا قال قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
حدثنا يحيى الحماني حدثنا هشيم حدثنا أبو بلج حدثنا يونس مولى بني هاشم قال قلت لعبد الله بن عمرو أو ابن عمر كيف الصلاة على النبي فقال اللهم اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير اللهم ابعثه يوم القيامة مقاما محمودا يغبطه الأولون والآخرون وصل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم حدثنا محمود بن خداش أخبرنا جرير عن مغيرة عن أبي معشر عن إبراهيم قال قالوا يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد حدثنا سليمان بن حرب حدثنا السري بن يحيى قال سمعت الحسن قال لما نزلت إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما الأحزاب 56 قالوا يا رسول الله هذا السلام قد علمنا كيف هو فكيف تأمرنا أن نصلي عليك قال تقولون اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد حدثنا سليمان بن حرب حدثنا عمرو بن مسافر حدثني
شيخ من أهلي قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ما من دعوة لا يصلى على النبي قبلها إلا كانت معلقة بين السماء والأرض وفي الترمذي من حديث النضر بن شميل عن أبي قرة الأسدي عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه قال إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك وقد روي مرفوعا والموقوف أصح وروى عبد الكريم بن عبد الرحمن الخزاز عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي رضي الله عنه أنه قال ما من دعاء إلا بينه وبين السماء حجاب حتى يصلى على محمد فإذا صلي على النبي انخرق الحجاب واستجيب الدعاء وإذا لم يصل على النبي لم يستجب الدعاء هذا هو الصواب موقوف ورفعه سلام الخزاز وعبد الكريم بن مالك الخزاز عن أبي إسحاق عن الحارث وقال القاضي إسماعيل حدثنا محمد بن المثنى حدثنا
معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن عبد الله بن الحارث أن أبا حليمة معاذا كان يصلي على النبي في القنوت حدثنا معاذ بن أسد حدثنا عبد الله بن المبارك أنا ابن لهيعة حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن نبيه بن وهب أن كعبا دخل على عائشة رضي الله عنها فذكروا رسول الله فقال كعب ما من فجر يطلع إلا ونزل سبعون ألفا من الملائكة حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم القبر ويصلون على النبي حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط سبعون ألفا حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم فيصلون على النبي سبعون ألفا بالليل وسبعون الفا بالنهار حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين ألفا من الملائكة يزفون حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام الدستوائي حدثنا حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوما فقال لهم إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه قال عبد الله تبدأ
فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد ربك وتصلي على النبي محمد ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ثم تقرأ ثم تكبر وتركع ثم تقوم فتقرأ وتركع وتحمد ربك وتصلي على النبي ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ثم تركع فقال حذيفة وأبو موسى صدق أبو عبد الرحمن حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن أبي بكر قال كنا بالخيف ومعنا عبد الله بن أبي عتبة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ودعا بدعوات ثم قام فصلى بنا حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي عن صالح بن محمد بن زائدة قال سمعت القاسم بن محمد يقول كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي
حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا سيف بن عمر التيمي عن سليمان العبسي عن علي بن حسين قال قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه إذا مررتم بالمساجد فصلوا على النبي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت سعيد بن ذي حدان قال قلت لعلقمة ما أقول إذا دخلت المسجد قال تقول صلى الله وملائكته على محمد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته حدثنا عارم بن الفضل حدثنا عبد الله بن المبارك حدثنا زكريا عن الشعبي عن وهب بن الأجدع قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول إذا قدمتم فطوفوا بالبيت سبعا وصلوا عند المقام ركعتين ثم ائتوا الصفا فقوموا عليه من حيث ترون البيت فكبروا سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين حمد لله وثناء عليه وصلاة على النبي ومسألة لنفسك وعلى المروة مثل ذلك حدثنا عبد الرحمن بن واقد العطار حدثنا هشيم أخبرنا العوام بن حوشب حدثني رجل من بني أسد عن عبد الرحمن بن
عمرو قال من صلى على النبي كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي قال قال رسول الله أتاني آت من ربي فقال ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرا فقام إليه رجل فقال يا رسول الله أجعل نصف دعائي لك قال إن شئت قال أجعل ثلثي دعائي لك قال إن شئت قال أجعل دعائي كله لك قال إذن يكفيك الله هم الدنيا وهم الآخرة فقال شيخ كان بمكة يقال له منيع سفيان عمن أسنده فقال لا أدري حدثنا عبد الرحمن بن واقد العطار حدثنا هشيم حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن يزيد الرقاشي قال إن ملكا موكل يوم الجمعة بمن صلى على النبي يبلغ النبي يقول إن فلانا من أمتك يصلي عليك وقال علي بن المديني حدثنا سفيان حدثني معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول اللهم تقبل شفاعة محمد الكبرى وارفع درجته العليا
وأعطه سؤله في الآخرة والأولى كما آتيت إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام وقال إسماعيل حدثنا عاصم بن علي وحفص بن عمر وسليمان بن حرب قالوا حدثنا شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي سعيد قال ما من قوم يقعدون ثم يقومون لا يصلون على النبي إلا كان عليهم يوم القيامة حسرة وإن دخلوا الجنة يرون الثواب وهذا لفظ الحوضي
الباب الثالث في بيان معنى الصلاة على النبي والصلاة على آله وتفسير الآل ووجه تشبيه الصلاة على النبي بالصلاة على إبراهيم وآله من بين سائر الأنبياء وختم الصلاة بالاسمين الخاصين وهما الحميد المجيد وفي بيان معنى السلام عليه والرحمة والبركة ومعنى اللهم ومعنى اسمه محمد فهذه عشر فصول
الفصل الأول في افتتاح صلاة المصلي بقول اللهم ومعنى ذلك لا خلاف أن لفظة اللهم معناها يا الله ولهذا لا تستعمل إلا في الطلب فلا يقال اللهم غفور رحيم بل يقال اللهم اغفر لي وارحمني واختلف النحاة في الميم المشددة من آخر الاسم فقال سيبويه زيدت عوضا من حرف النداء ولذلك لا يجوز عنده الجمع بينهما في اختيار الكلام فلا يقال يا اللهم إلا فيما ندر كقول الشاعر إني إذا ما حدث ألما ... أقول يا اللهم يا اللهما ويسمى ما كان من هذا الضرب عوضا إذ هو في غير محل المحذوف فإن كان في محله سمي بدلا كالألف في قام وباع فإنها بدل عن الواو والياء ولا يجوز عنده أن يوصف هذا الاسم أيضا فلا يقال يا اللهم الرحيم ارحمني ولا يبدل منه والضمة التي على الهاء ضمة الاسم المنادى المفرد وفتحت
الميم لسكونها وسكون الميم التي قبلها وهذا من خصائص هذا الاسم كما اختص بالتاء في القسم وبدخول حرف النداء عليه مع لام التعريف وبقطع همزة وصله في النداء وتفخيم لامه وجوبا غير مسبوقة بحرف إطباق هذا ملخص مذهب الخليل وسيبويه وقيل الميم عوض عن جملة محذوفة والتقدير يا الله أمنا بخير أي اقصدنا ثم حذف الجار والمجرور وحذف المفعول فبقي في التقدير يا الله أم ثم حذفوا الهمزة لكثرة دوران هذا الاسم في الدعاء على ألسنتهم فبقي يا اللهم وهذا قول الفراء وصاحب هذا القول يجوز دخول يا عليه ويحتج بقول الشاعر وما عليك أن تقولي كلما صليت أو سبحت ... يا اللهما اردد علينا شيخنا مسلما وبالبيت المتقدم وغيرهما ورد البصريون هذا بوجوه أحدها أن هذه تقادير لا دليل عليها ولا يقتضيها القياس فلا يصار إليها بغير دليل الثاني أن الأصل عدم الحذف فتقدير هذه المحذوفات الكثيرة خلاف الأصل الثالث أن الداعي بهذا قد يدعو بالشر على نفسه وعلى غيره فلا يصح هذا التقدير فيه
تجمع بين يا واللهم ولو كان أصله ما ذكره الفراء لم يمتنع الجمع بل كان استعماله فصيحا شائعا والأمر بخلافه الخامس أنه لا يمتنع أن يقول الداعي اللهم أمنا بخير ولو كان التقدير كما ذكره لم يجز الجمع بينهما لما فيه من الجمع بين العوض والمعوض السادس أن الداعي بهذا الاسم لا يخطر ذلك بباله وإنما تكون غايته مجردة إلى المطلوب بعد ذكر الاسم السابع أنه لو كان التقدير ذلك لكان اللهم جملة تامة يحسن السكوت عليها لاشتمالها على الاسم المنادى وفعل الطلب وذلك باطل الثامن أنه لو كان التقدير ما ذكره لكتب فعل الأمر وحده ولم يوصل بالاسم المنادى كما يقال يا الله قه ويا زيد عه ويا عمرو فه لأن الفعل لا يوصل بالاسم الذي قبله حتى يجعلا في الخط كلمة واحدة هذا لا نظير له في الخط وفي الاتفاق على وصل الميم باسم الله دليل على أنها ليست بفعل مستقل التاسع أنه لا يسوغ ولا يحسن في الدعاء أن يقول العبد اللهم أمني بكذا بل هذا مستكره اللفظ والمعنى فإنه لا يقال اقصدني بكذا إلا لمن كان يعرض له الغلط والنسيان فيقول له اقصدني وأما من لا يفعل إلا بإرادته ولا يضل ولا ينسى فلا يقال اقصد كذا العاشر أنه يسوغ استعمال هذا اللفظ في موضع لا يكون بعده دعاء كقوله في الدعاء اللهم لك الحمد وإليك
المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك وقوله اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك وقوله تعالى قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء آل عمران 26 الآية وقوله تعالى قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون الزمر 46 وقول النبي في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي فهذا كله لا يسوغ فيه التقدير الذي ذكروه والله أعلم
وقيل زيدت الميم للتعظيم والتفخيم كزيادتها في زرقم لشديد الزرقة وابنم في الابن وهذا القول صحيح ولكن يحتاج إلى تتمة وقائله لحظ معنى صحيحا لا بد من بيانه وهو أن الميم تدل على الجمع وتقتضيه ومخرجها يقتضي ذلك وهذا مطرد على أصل من أثبت المناسبة بين اللفظ والمعنى كما هو مذهب أساطين العربية وعقد له أبو الفتح بن جني بابا في الخصائص وذكره عن سيبويه واستدل عليه بأنواع من تناسب اللفظ والمعنى ثم قال ولقد كنت برهة يرد علي اللفظ لا أعلم موضوعه وآخذ معناه من قوة لفظه ومناسبة تلك الحروف لذلك المعنى ثم أكشفه فأجده كما فهمته أو قريبا منه فحكيت لشيخ الإسلام هذا عن ابن جني فقال وأنا كثيرا ما يجري لي ذلك ثم ذكر لي فصلا عظيم النفع في التناسب بين اللفظ والمعنى ومناسبة الحركات لمعنى اللفظ وأنهم في الغالب يجعلون الضمة التي هي أقوى الحركات للمعنى الأقوى والفتحة الخفيفة للمعنى الخفيف والمتوسطة للمتوسط فيقولون عز يعز بفتح العين إذا صلب وأرض عزاز صلبة ويقولون عز يعز بكسرها إذا امتنع والممتنع فوق الصلب فقد يكون الشيء صلبا ولا يمتنع على كاسره ثم يقولون عزه يعزه إذا غلبه قال الله تعالى في قصة داود عليه السلام وعزني في الخطاب ص 23 والغلبة أقوى من الامتناع إذ قد يكون الشيء ممتنعا في نفسه متحصنا من عدوه ولا يغلب غيره فالغالب أقوى من الممتنع فأعطوه أقوى
الحركات والصلب أضعف من الممتنع فأعطوه أضعف الحركات والممتنع المتوسط بين المرتبتين فأعطوه حركة الوسط ونظير هذا قولهم ذبح بكسر أوله للمحل المذبوح وذبح بفتح أوله لنفس الفعل ولا ريب أن الجسم أقوى من العرض فأعطوا الحركة القوية للقوي والضعيفة للضعيف وهو مثل قولهم نهب ونهب بالكسر للمنهوب وبالفتح للفعل وكقولهم ملء وملء بالكسر لما يملأ الشيء وبالفتح للمصدر الذي هو الفعل وكقولهم حمل وحمل فبالكسر لما كان قويا مرئيا مثقلا لحامله على ظهره أو رأسه أو غيرهما من أعضائه والحمل بالفتح لما كان خفيفه غير مثقل لحامله كحمل الحيوان وحمل الشجرة به أشبه ففتحوه وتأمل كونهم عكسوا هذا في الحب والحب فجعلوا المكسور الأول لنفس المحبوب ومضمومه للمصدر إيذانا بخفة المحبوب على قلوبهم ولطف موقعه في أنفسهم وحلاوته عندهم وثقل حمل الحب ولزومه للمحب كما يلزم الغريم غريمه ولهذا يسمى غراما ولهذا كثر وصفهم لتحمله بالشدة والصعوبة وإخبارهم بأن أعظم المخلوقات وأشدها من الصخر والحديد ونحوهما لو حمله لذاب ولم يستقل به كما هو كثير في أشعار المتقدين والمتأخرين وكلامهم فكان الأحسن أن يعطوا المصدر هنا الحركة القوية والمحبوب الحركة التي هي أخف منها ومن هذا قولهم قبض بسكون وسطه للفعل وقبض بتحريكه للمقبوض والحركة أقوى من السكون والمقبوض أقوى من المصدر ونظيره سبق بالسكون للفعل وسبق بالفتح للمال المأخوذ في هذا العقد وتأمل قولهم دار دورانا وفارت القدر
فورانا وغلت غليانا كيف تابعوا بين الحركات في هذه المصادر لتتابع حركة المسمى فطابق اللفظ المعنى وتأمل قولهم حجر وهواء كيف وضعوا للمعنى الثقيل الشديد هذه الحروف الشديدة ووضعوا للمعنى الخفيف هذه الحروف الهوائية التي هي من أخف الحروف وهذا أكثر من أن يحاط به وإن مد الله في العمر وضعت فيه كتابا مستقلا إن شاء الله تعالى ومثل هذه المعاني يستدعي لطافة ذهن ورقة طبع ولا تتأتى مع غلظ القلوب والرضى بأوائل مسائل النحو والتصريف دون تأملها وتدبرها والنظر إلى حكمة الواضع ومطالعة ما في هذه اللغة الباهرة من الأسرار التي تدق على أكثر العقول وهذا باب ينبه الفاضل على ما وراءه ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور النور 40 وانظر إلى تسميتهم الغليظ الجافي بالعتل والجعظري والجواظ كيف تجد هذه الألفاظ تنادي على ما تحتها من المعاني وانظر إلى تسميتهم الطويل بالعشنق وتأمل اقتضاء هذه الحروف ومناسبتها لمعنى الطويل وتسميتهم القصير بالبحتر وموالاتهم بين ثلاث فتحات في اسم الطويل وهو العشنق وإتيانهم بضمتين بينهما سكون في البحتر كيف يقتضي اللفظ الأول انفتاح الفم وانفراج آلات النطق وامتدادها وعدم ركوب بعضها بعضا وفي اسم البحتر الأمر بالضد وتأمل قولهم طال الشيء فهو طويل وكبر فهو كبير فإن زاد طوله قالوا طوالا وكبارا فأتوا بالألف التي هي أكثر مدا وأطول من الياء في المعنى الأطول فإن زاد كبر الشيء وثقل موقعه من النفوس ثقلوا اسمه فقالوا كبارا بتشديد الباء
ولو أطلقنا عنان القلم في ذلك لطال مداه واستعصى على الضبط فلنرجع إلى ما جرى الكلام بسببه فنقول الميم حرف شفهي يجمع الناطق به شفتيه فوضعته العرب علما على الجمع فقالوا للواحد أنت فإذا جاوزوه إلى الجمع قالوا أنتم وقالوا للواحد الغائب هو فإذا جاوزوه إلى الجمع قالوا هم وكذلك في المتصل يقولون ضربت وضربتم وإياك وإياكم وإياه وإياهم ونظائره نحو به وبهم ويقولون للشيء الأزرق أزرق فإذا اشتدت زرقته واستحكمت قالوا زرقم ويقولون للكبير الاست ستهم وتأمل الألفاظ التي فيها الميم كيف تجد الجمع معقودا بها مثل لم الشيء يلمه إذا جمعه ومنه لم الله شعثه أي جمع ما تفرق من أموره ومنه قولهم دار لمومة أي تلم الناس وتجمعهم ومنه أكلا لما الفجر 19 جاء في تفسيرها يأكل نصيبه ونصيب صاحبه وأصله من اللم وهو الجمع كما يقال لفه يلفه ومنه ألم بالشيء إذا قارب الاجتماع به والوصول إليه ومنه اللمم وهو مقاربة الاجتماع بالكبائر ومنه الملمة وهي النازلة التي تصيب العبد ومنه اللمة وهي الشعر الذي قد اجتمع وتقلص حتى جاوز شحمة الأذن ومنه تم الشيء وما تصرف منها ومنه بدر التم إذا كمل واجتمع نوره ومنه التوأم للولدين المجتمعين في بطن ومنه الأم وأم الشيء أصله الذي تفرع منه فهو الجامع له وبه سميت مكة أم القرى والفاتحة أم القرآن واللوح المحفوظ أم الكتاب قال الجوهري أم الشيء أصله ومكة أم القرى وأم
مثواك صاحبة منزلك يعني التي تأوي إليها وتجتمع معها وأم الدماغ الجلدة التي تجمع الدماغ ويقال لها أم الرأس وقوله تعالى في الآيات المحكمات هن أم الكتاب آل عمران 7 والأمة الجماعة المتساوية في الخلقة والزمان قال تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم الأنعام 38 وقال النبي لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها ومنه الإمام الذي يجتمع المقتدون به على اتباعه ومنه أم الشيء يؤمه إذا اجتمع قصده وهمه إليه ومنه رم الشيء يرمه إذا أصلحه وجمع متفرقة قيل ومنه سمي الرمان لاجتماع حبه وتضامه ومنه ضم الشيء يضمه إذا جمعه ومنه هم الإنسان وهمومه وهي إرادته وعزائمه التي تجتمع في قلبه ومنه قولهم للأسود أحم وللفحمة السوداء حممة وحمم رأسه إذا اسود بعد حلقه كل هذا لأن السواد لون جامع للبصر لا يدعه يتفرق ولهذا يجعل على عيني الضعيف البصر لوجع أو غيره شيء أسود من شعر أو خرقة ليجمع عليه بصره فتقوى القوة
الباصرة وهذا باب طويل فلنقتصر منه على هذا القدر وإذا علم هذا من شأن الميم فهم ألحقوها في آخر هذا الاسم الذي يسأل الله سبحانه به في كل حاجة وكل حال إيذانا بجميع أسمائه وصفاته فالسائل إذا قال اللهم إني أسألك كأنه قال أدعو الله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى بأسمائه وصفاته فأتى بالميم المؤذنة بالجمع في آخر هذا الاسم إيذانا بسؤاله تعالى بأسمائه كلها كما قال النبي في الحديث الصحيح ما أصاب عبدا قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرحا قالوا يا رسول الله أفلا نتعلمهن قال بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن // إسناده صحيح // فالداعي مندوب إلى أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته كما في الاسم الأعظم اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم // إسناده صحيح //
وهذه الكلمات تتضمن الأسماء الحسنى كما ذكر في غير هذا الموضع والدعاء ثلاثة أقسام أحدها أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته وهذا أحد التأويلين في قوله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها الأعراف 180 والثاني أن تسأله بحاجتك وفقرك وذلك فتقول أنا العبد الفقير المسكين البائس الذليل المستجير ونحو ذلك والثالث أن تسأل حاجتك ولا تذكر واحدا من الأمرين فالأول أكمل من الثاني والثاني أكمل من الثالث فإذا جمع الدعاء الأمور الثلاثة كان أكمل وهذه عامة أدعية النبي وفي الدعاء الذي علمه صديق الأمة رضي الله عنه ذكر الأقسام الثلاثة فإنه قال في أوله ظلمت نفسي ظلما كثيرا وهذا حال السائل ثم قال وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وهذا حال المسؤول ثم قال فاغفر لي فذكر حاجته وختم الدعاء باسمين من الأسماء الحسنى تناسب المطلوب وتقتضيه وهذا القول الذي اخترناه جاء عن غير واحد من السلف قال الحسن البصري اللهم مجمع الدعاء وقال أبو رجاء
العطاردي إن الميم في قوله اللهم فيها تسعة وتسعون اسما من أسماء الله تعالى وقال النضر بن شميل من قال اللهم فقد دعا الله بجميع أسمائه وقد وجه طائفة هذا القول بأن الميم هنا بمنزلة الواو الدالة على الجمع فإنها من مخرجها فكأن الداعي بها يقول يا الله الذي اجتمعت له الأسماء الحسنى والصفات العلى قال ولذلك شددت لتكون عوضا عن علامتي الجمع وهي الواو والنون في مسلمون ونحوه وعلى الطريقة التي ذكرناها أن نفس الميم دالة على الجمع لا يحتاج إلى هذا يبقى أن يقال فهلا جمعوا بين يا وبين هذه الميم على المذهب الصحيح فالجواب أن القياس يقتضي عدم دخول حرف النداء على هذا الاسم لمكان الألف واللام منه وإنما احتملوا ذلك فيه لكثرة استعمالهم دعاءه واضطرارهم إليه واستغاثتهم به فإما أن يحذفوا الألف واللام منه وذلك لا يسوغ للزومهما له وإما أن يتوصلوا إليه ب أي وذلك لا يسوغ لأنها لا يتوصل بها إلا إلى نداء اسم الجنس المحلى بالألف واللام كالرجل والرسول والنبي وأما في الأعلام فلا فخالفوا قياسهم في هذا الاسم لمكان الحاجة فلما أدخلوا الميم المشددة في آخره عوضا عن جميع الأسماء جعلوها عوضا عن حرف النداء فلم يجمعوا بينهما والله أعلم
الفصل الثاني في بيان معنى الصلاة على النبي وأصل هذه اللفظة في اللغة يرجع إلى معنيين أحدهما الدعاء والتبريك والثاني العبادة فمن الأول قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم التوبة 103 وقوله تعالى في حق المنافقين ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره التوبة 84 وقول النبي إذا دعي أحدكم إلى الطعام فليجب فإن كان صائما فليصل فسر بهما قيل فليدع لهم بالبركة وقيل يصلي عندهم بدل أكله وقيل إن الصلاة في اللغة معناها الدعاء والدعاء نوعان دعاء عبادة ودعاء مسألة والعابد داع كما أن السائل داع وبهما فسر قوله تعالى وقال ربكم ادعوني أستجب لكم غافر 60 قيل أطيعوني أثبكم وقيل سلوني أعطكم وفسر بهما قوله تعالى وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان البقرة 186 والصواب أن الدعاء يعم النوعين وهذا لفظ متواطئ لا
اشتراك فيه فمن استعماله في دعاء العبادة قوله تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض سبأ 22 وقوله تعالى والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون النحل 20 وقوله تعالى قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم الفرقان 77 والصحيح من القولين لولا أنكم تدعونه وتعبدونه أي أي شيء يعبأ بكم لولا عبادتكم إياه فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل وقال تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا الأعراف 55 56 وقال تعالى إخبارا عن أنبيائه ورسله إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا الأنبياء 90 وهذه الطريقة أحسن من الطريقة الأولى ودعوى الاختلاف في مسمى الدعاء وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاة الشرعية هل هو منقول عن موضعه في اللغة فيكون حقيقة شرعية أو مجازا شرعيا فعلى هذا تكون الصلاة باقية على مسماها في اللغة وهو الدعاء والدعاء دعاء عبادة ودعاء مسألة والمصلي من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة فهو في صلاة حقيقية لا مجازا ولا منقولة لكن خص اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة كسائر الألفاظ التي يخصها أهل اللغة والعرف ببعض مسماها كالدابة والرأس ونحوهما فهذا غايته تخصيص اللفظ وقصره على بعض موضوعه ولهذا لا يوجب نقلا ولا خروجا عن موضوعه الأصلي والله أعلم
فصل هذه صلاة الآدمي وأما صلاة الله سبحانه على عبده فنوعان عامة وخاصة أما العامة فهي صلاته على عباده المؤمنين قال تعالى هو الذي يصلي عليكم وملائكته الأحزاب 43 ومنه دعاء النبي بالصلاة على آحاد المؤمنين كقوله اللهم صل على آل أبي أوفى وفي حديث آخر أن امرأة قالت له صل علي وعلى زوجي قال صلى الله عليك وعلى زوجك وسيأتي ذكر هذا الحديث وما شابهه إن شاء الله تعالى
النوع الثاني صلاته الخاصة على أنبيائه ورسله خصوصا على خاتمهم وخيرهم محمد فاختلف الناس في معنى الصلاة منه سبحانه على أقوال أحدها أنها رحمته قال إسماعيل حدثنا نصر بن علي حدثنا محمد بن سواء عن جويبر عن الضحاك قال صلاة الله رحمته وصلاة الملائكة الدعاء // سنده ضعيف // وقال المبرد أصل الصلاة الرحم فهي من الله رحمة ومن الملائكة رقة واستدعاء للرحمة من الله وهذا القول هو المعروف عند كثير من المتأخرين والقول الثاني أن صلاة الله مغفرته قال إسماعيل ثنا محمد بن أبي بكر ثنا محمد بن سواء عن جويبر عن الضحاك هو الذي يصلي عليكم قال صلاة الله مغفرته وصلاة الملائكة الدعاء // ضعيف جدا // وهذا القول من جنس الذي قبله وهما ضعيفان لوجوه أحدها أن الله سبحانه فرق بين صلاته على عباده ورحمته فقال تعالى وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون البقرة 157 فعطف الرحمة على الصلاة فاقتضى ذلك تغايرهما هذا أصل العطف وأما قولهم وألفى قولها كذبا ومينا
فهو شاذ نادر لا يحمل عليه أفصح الكلام مع أن المين أخص من الكذب الوجه الثاني أن صلاة الله سبحانه خاصة بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين وأما رحمته فوسعت كل شيء فليست الصلاة مرادفة للرحمة لكن الرحمة من لوازم الصلاة وموجباتها وثمراتها فمن فسرها بالرحمة فقد فسرها ببعض ثمرتها ومقصودها وهذا كثيرا ما يأتي في تفسير ألفاظ القرآن والرسول يفسر اللفظة بلازمها وجزء معناها كتفسير الريب بالشك والشك جزء مسمى الريب وتفسير المغفرة بالستر وهو جزء مسمى المغفرة وتفسير الرحمة بإرادة الإحسان وهو لازم الرحمة ونظائر ذلك كثيرة قد ذكرناها في أصول التفسير الوجه الثالث أنه لا خلاف في جواز الترحم على المؤمنين واختلف السلف والخلف في جواز الصلاة على الأنبياء على ثلاثة أقوال سنذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى فعلم أنهما ليسا بمترادفين الوجه الرابع أنه لو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقامت مقامها في امتثال الأمر وأسقطت الوجوب عند من أوجبها إذا قال اللهم ارحم محمدا وآل محمد وليس الأمر كذلك الوجه الخامس أنه لا يقال لمن رحم غيره ورق عليه فأطعمه أو سقاه أو كساه إنه صلى عليه ويقال إنه قد رحمه الوجه السادس أن الإنسان قد يرحم من يبغضه ويعاديه فيجد في قلبه له رحمة ولا يصلي عليه
الوجه السابع أن الصلاة لا بد فيها من كلام فهي ثناء من المصلي على من يصلي عليه وتنويه به وإشارة لمحاسنه ومناقبه وذكره ذكر البخاري في صحيحه عن أبي العالية قال صلاة الله على رسوله ثناؤه عليه عند الملائكة // سنده قابل للتحسن // وقال إسماعيل في كتابه حدثنا نصر بن علي حدثنا خالد بن يزيد عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية إن الله وملائكته يصلون على النبي الأحزاب 56 قال صلاة الله تعالى ثناؤه عليه وصلاة الملائكة عليه الدعاء الوجه الثامن أن الله سبحانه فرق بين صلاته وصلاة ملائكته وجمعهما في فعل واحد فقال إن الله وملائكته يصلون على النبي وهذه الصلاة لا يجوز أن تكون هي الرحمة وإنما هي ثناؤه سبحانه وثناء ملائكته عليه ولا يقال الصلاة لفظ مشترك ويجوز أن يستعمل في معنييه معا لأن في ذلك محاذير متعددة أحدها أن الاشتراك خلاف الأصل بل لا يعلم انه وقع في اللغة من واضع واحد كما نص على ذلك أئمة اللغة منهم المبرد وغيره وإنما يقع وقوعا عارضا اتفاقيا بسبب تعدد الواضعين ثم تختلط اللغة فيقع الاشتراك الثاني أن الأكثرين لا يجووزون استعمال اللفظ المشترك في معنييه لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز وما حكي عن
الشافعي رحمه الله من تجويزه ذلك فليس بصحيح عنه وإنما أخذ من قوله إذا أوصى لمواليه وله موال من فوق ومن أسفل تناول جميعهم فظن من ظن أن لفظ المولى مشترك بينهما وأنه عند التجرد يحمل عليهما وهذا ليس بصحيح فإن لفظ المولى من الألفاظ المتواطئة فالشافعي في ظاهر مذهبه وأحمد يقولان بدخول نوعي الموالي في هذا اللفظ وهو عنده عام متواطئ لا مشترك واما ما حكي عن الشافعي رحمه الله أنه قال في مفاوضة جرت له في قوله أو لامستم النساء وقد قيل له قد يراد بالملامسة المجامعة قال هي محمولة على الجس باليد حقيقة وعلى الوقاع مجازا فهذا لا يصح عن الشافعي ولا هو من جنس المألوف من كلامه وإنما هذا من كلام بعض الفقهاء المتأخرين وقد ذكرنا على إبطال استعمال اللفظ المشترك في معنييه معا بضعة عشر دليلا في مسألة القرء في - كتاب التعليق على الأحكام - فإذا كان معنى الصلاة هو الثناء على الرسول والعناية به وإظهار شرفه وفضله وحرمته كما هو المعروف من هذه اللفظة لم يكن لفظ الصلاة في الآية مشتركا محمولا على معنييه بل قد يكون مستعملا في معنى واحد وهذا هو الأصل وسنعود إلى هذه المسألة إن شاء الله تعالى في الكلام على تفسير قوله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي الأحزاب 56 الوجه التاسع أن الله سبحانه أمر بالصلاة عليه عقب إخباره بأنه وملائكته يصلون عليه والمعنى أنه إذا كان الله وملائكته
يصلون على رسوله فصلوا أنتم عليه فأنتم أحق بأن تصلوا عليه وتسلموا تسليما لما نالكم ببركة رسالته ويمن سفارته من شرف الدنيا والآخرة ومن المعلوم أنه لو عبر عن هذا المعنى بالرحمة لم يحسن موقعه ولم يحسن النظم فينقض اللفظ والمعنى فإن التقدير يصير إلى أن الله وملائكته ترحم ويستغفرون لنبيه فادعوا أنتم له وسلموا وهذا ليس مراد الآية قطعا بل الصلاة المأمور بها فيها هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته وصلاة ملائكته وهي ثناء عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه فهي تتضمن الخبر والطلب وسمي هذا السؤال والدعاء منا نحن صلاة عليه لوجهين أحدهما أنه يتضمن ثناء المصلي عليه والإشادة بذكر شرفه وفضله والإرادة والمحبة لذلك من الله تعالى فقد تضمنت الخبر والطلب والوجه الثاني أن ذلك سمي منا صلاة لسؤالنا من الله أن يصلي عليه فصلاة الله عليه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقريبه وصلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به وضد هذا في لعنة أعدائه الشانئين لما جاء به فإنها تضاف إلى الله وتضاف إلى العبد كما قال تعالى إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون البقرة 159 فلعنة الله تعالى لهم تتضمن ذمه وإبعاده وبغضه لهم ولعنة العبد تتضمن سؤال الله تعالى أن يفعل ذلك بمن هو أهل للعنته وإذا ثبت هذا فمن المعلوم أنه لو كانت الصلاة هي
الرحمة لم يصح أن يقال لطالبها من الله مصليا وإنما يقال له مسترحما له كما يقال لطالب المغفرة مستغفرا له ولطالب العطف مستعطفا ونظائره ولهذا لا يقال لمن سأل الله المغفرة لغيره قد غفر له فهو غافر ولا لمن سأله العفو عنه قد عفا عنه وهنا قد سمي العبد مصليا فلو كانت الصلاة هي الرحمة لكان العبد راحما لمن صلى عليه وكان قد رحمه برحمة ومن رحم النبي مرة رحمه الله بها عشرا وهذا معلوم البطلان فإن قيل ليس معنى صلاة العبد عليه رحمته وإنما معناها طلب الرحمة له من الله قيل هذا باطل من وجوه أحدها أن طلب الرحمة مطلوب لكل مسلم وطلب الصلاة من الله يختص رسله صلوات الله وسلامه عليهم عند كثير من الناس كما سنذكره إن شاء الله تعالى الثاني أنه لو سمي طالب الرحمة مصليا لسمي طالب المغفرة غافرا وطالب العفو عافيا وطالب الصفح صافحا ونحوه فإن قيل فأنتم قد سميتم طالب الصلاة من الله مصليا قيل إنما سمي مصليا لوجود حقيقة الصلاة منه فإن حقيقتها الثناء وإرادة الإكرام والتقريب وإعلاء المنزلة وهذا حاصل من صلاة العبد لكن العبد يريد ذلك من الله تعالى والله سبحانه وتعالى يريد ذلك من نفسه أن يفعله برسوله وأما على الوجه الثاني وأنه سمي مصليا لطلبه ذلك من الله فلأن الصلاة نوع من الكلام الطلبي والخبري والإرادة وقد وجد ذلك من المصلي بخلاف الرحمة والمغفرة فإنها أفعال لا تحصل من الطالب وإنما تحصل من المطلوب منه والله أعلم
الوجه العاشر أنه قد ثبت عن النبي في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشرا وأنه سبحانه وتعالى قال له إنه من صلى عليك من أمتك مرة صليت عليه بها عشرا وهذا موافق للقاعدة المستقرة في الشريعة أن الجزاء من جنس العمل فصلاة الله على المصلي على رسوله جزاء لصلاته هو عليه ومعلوم أن صلاة العبد على رسول الله ليست هي رحمة من العبد لتكون صلاة الله عليه من جنسها وإنما هي ثناء على الرسول وإرادة من الله تعالى أن يعلي ذكره ويزيده تعظيما وتشريفا والجزاء من جنس العمل فمن أثنى على رسول جزاه الله من جنس عمله بأن يثني عليه ويزيد تشريفه وتكريمه فصح ارتباط الجزاء بالعمل ومشاكلته له ومناسبته له كقوله من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة ومن سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار // حديث صحيح // ومن صلى على النبي مرة صلى الله عليه بها عشرا ونظائره كثيرة
الوجه الحادي عشر أن أحدا لو قال عن رسول الله رحمه الله أو قال رسول الله رحمه الله بدل لبادرت الأمة إلى الإنكار عليه وسموه مبتدعا غير موقر للنبي ولا مصل عليه ولا مثن عليه بما يستحقه ولا يستحق أن يصلي الله عليه بذلك عشر صلوات ولو كانت الصلاة من الله الرحمة لم يمتنع شيء من ذلك الوجه الثاني عشر أن الله سبحانه وتعالى قال لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا النور 63 فأمر سبحانه ألا يدعى رسوله بما يدعو الناس بعضهم بعضا بل يقال يا رسول الله ولا يقال يا محمد وإنما كان يسميه باسمه وقت الخطاب الكفار وأما المسلمون فكانوا يخاطبونه يا رسول الله وإذا كان هذا في خطابه فهكذا في مغيبه لا ينبغي أن يجعل ما يدعى به له من جنس ما يدعو به بعضنا لبعض بل يدعى له بأشرف الدعاء وهو الصلاة عليه ومعلوم أن الرحمة يدعى بها لكل مسلم بل ولغير الآدمي من الحيوانات كما في دعاء الاستسقاء اللهم ارحم عبادك وبلادك وبهائمك الوجه الثالث عشر أن هذه اللفظة لا تعرف في اللغة الأصلية بمعنى الرحمة أصلا والمعروف عند العرب من معناها
إنما هو الدعاء والتبريك والثناء قال وإن ذكرت صلى عليها وزمزما ... أي برك عليها ومدحها ولا تعرف العرب قط صلى عليه بمعنى الرحمة فالواجب حمل اللفظة على معناها المتعارف في اللغة الوجه الرابع عشر أنه يسوغ بل يستحب لكل أحد أن يسأل الله تعالى أن يرحمه فيقول اللهم ارحمني كما علم النبي الداعي أن يقول اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني فلما حفظها قال أما هذا فقد ملأ يديه من الخير ومعلوم أنه لا يسوغ لأحد أن يقول اللهم صل علي بل الداعي بهذا معتد في دعائه والله لا يحب المعتدين بخلاف سؤال الرحمة فإن الله تعالى يحب أن يسأله عبده مغفرته ورحمته فعلم أنه ليس معناهما واحدا الوجه الخامس عشر أن أكثر المواضع التي تستعمل فيها الرحمة لا يحسن أن تقع فيها الصلاة كقوله تعالى ورحمتي وسعت كل شيء الأعراف 156 وقوله إن رحمتي سبقت غضبي
وقوله إن رحمة الله قريب من المحسنين الأعراف 56 وقوله وكان بالمؤمنين رحيما الأحزاب 43 وقوله إنه بهم رؤوف رحيم التوبة 117 وقول النبي لله ارحم بعباده من الوالدة بولدها وقوله ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء // الحديث صحيح // وقوله من لا يرحم لا يرحم وقوله لا تنزع الرحمة إلا من شقي // سنده حسن // وقوله والشاة إن رحمتها رحمك الله // إسناده صحيح //
فمواضع استعمال الرحمة في حق الله وفي حق العباد لا يحسن أن تقع الصلاة في كثير منها بل في أكثرها فلا يصح تفسير الصلاة بالرحمة والله أعلم وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما إن الله وملائكته يصلون على النبي قال يباركون عليه وهذا لا ينافي تفسيرها بالثناء وإرادة التكريم والتعظيم فإن التبريك من الله يتضمن ذلك ولهذا قرن بين الصلاة عليه والتبريك عليه وقالت الملائكة لإبراهيم رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت هود 73 وقال المسيح وجعلني مباركا أينما كنت مريم 31 قال غير واحد من السلف معلما للخير أينما كنت وهذا جزء المسمى فالمبارك كثير الخير في نفسه الذي يحصله لغيره تعليما وإقدارا ونصحا وإرادة واجتهادا ولهذا يكون العبد مباركا لأن الله بارك فيه وجعله كذلك والله تعالى متبارك لأن البركة كلها منه فعبده مبارك وهو المتبارك تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الفرقان 1 وقوله تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الملك 1 وسنعود إلى هذا المعنى عن قريب إن شاء الله تعالى وقد رد طائفة من الناس تفسير الصلاة من الله بالرحمة بأن قال الرحمة معناها رقة الطبع وهي مستحيلة في حق الله سبحانه وتعالى كما أن الدعاء منه سبحانه مستحيل وهذا الذي
قاله هذا عرق عرق جهمي ينضح من قلبه على لسانه وحقيقته إنكار رحمة الله جملة وكان جهم يخرج إلى الجذمي ويقول أرحم الراحمين يفعل هذا إنكارا لرحمته سبحانه وهذا الذي ظنه هذا القائل هو شبهة منكري صفات الرب سبحانه وتعالى فإنهم قالوا الإرادة حركة النفس لجلب ما ينفعها ودفع ما يضرها والرب تعالى يتعالى عن ذلك فلا إرادة له والغضب غليان دم القلب طلبا للانتقام والرب منزه عن ذلك فلا غضب له وسلكوا هذا المسلك الباطل في حياته وكلامه وسائر صفاته وهو من أبطل الباطل فإنه أخذ في مسمى الصفة خصائص المخلوق ثم نفاها جملة عن الخالق وهذا في غاية التلبيس والإضلال فإن الخاصة التي أخذها في الصفة لم يثبت لها لذاتها وإنما يثبت لها بإضافتها إلى المخلوق الممكن ومعلوم أن نفي خصائص صفات المخلوقين عن الخالق لا يقتضي نفي أصل الصفة عنه سبحانه ولا إثبات أصل الصفة له يقتضي إثبات خصائص المخلوق له كما أن ما نفي عن صفات الرب تعالى من النقائص والتشبيه لا يقتضي نفيه عن صفة المخلوق ولا ما ثبت لها من الوجوب والقدم والكمال يقتضي ثبوته للمخلوق ولا إطلاق الصفة على الخالق والمخلوق وهذا مثل الحياة والعلم فإن حياة العبد تعرض لها الآفات المضادة لها من المرض والنوم والموت وكذلك علمه يعرض له النسيان والجهل المضاد له وهذا محال في حياة الرب وعلمه فمن نفى علم الرب وحياته لما يعرض فيهما للمخلوق فقد أبطل وهو نظير نفي من نفى رحمة الرب وعلمه فمن نفى رحمة الرب عنه لما يعرض في رحمة المخلوق من رقة
الطبع وتوهم المتوهم أنه لا تعقل رحمة إلا هكذا نظير توهم المتوهم أنه لا يعقل علم ولا حياة ولا إرادة إلا مع خصائص المخلوق وهذا الغلط منشؤه إنما هو توهم صفة المخلوق المقيدة به أولا وتوهم أن إثباتها لله هو مع هذا القيد وهذان وهمان باطلان فإن الصفة الثابتة لله مضافة إليه لا يتوهم فيها شيء من خصائص المخلوقين لا في لفظها ولا في ثبوت معناها وكل من نفى عن الرب تعالى صفة من صفاته لهذا الخيال الباطل لزمه نفي جميع صفات كماله لأنه لا يعقل منها إلا صفة المخلوق بل ويلزمه نفي ذاته لأنه لا يعقل من الذوات إلا الذوات المخلوقة ومعلوم أن الرب سبحانه وتعالى لا يشبهه شيء منها وهذا الباطل قد التزمه غلاة المعطلة وكلما أوغل النافي في نفيه كان قوله أشد تناقضا وأظهر بطلانا ولا يسلم على محك العقل الصحيح الذي لا يكذب إلا ما جاءت به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم كما قال تعالى سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين الصافات 159 فنزه سبحانه وتعالى عما يصفه به كل أحد إلا المخلصين من عباده وهم الرسل ومن تبعهم كما قال في الآية الأخرى سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين الصافات 180 182 فنزه نفسه عما يصفه به الواصفون وسلم على المرسلين لسلامة ما وصفوه به من كل نقص وعيب وحمد نفسه إذ هو الموصوف بصفات الكمال التي يستحق لأجلها الحمد ومنزه عن كل نقص ينافي كمال حمده
الفصل الثالث في معنى اسم النبي واشتقاقه هذا إلا سم هو أشهر أسمائه وهو اسم منقول من الحمد وهو في الأصل اسم مفعول من الحمد وهو يتضمن الثناء على المحمود ومحبته وإجلاله وتعظيمه هذا هو حقيقة الحمد وبني على زنة مفعل مثل معظم ومحبب ومسود ومبجل ونظائرها لأن هذا البناء موضوع للتكثير فإن اشتق منه اسم فاعل فمعناه من كثر صدور الفعل منه مرة بعد مرة كمعلم ومفهم ومبين ومخلص ومفرج ونحوها وإن اشتق منه اسم مفعول فمعناه من كثر تكرر وقوع الفعل عليه مرة بعد أخرى إما استحقاقا أو وقوعا فمحمد هو كثر حمد الحامدين له مرة بعد أخرى أو الذي يستحق أن يحمد مرة بعد أخرى ويقال حمد فهو محمد كما يقال علم فهو معلم وهذا علم وصفة اجتمع فيه الأمران في حقه وإن كان علما محضا في حق كثير ممن تسمى به غيره وهذا شأن أسماء الرب تعالى وأسماء كتابه وأسماء نبيه هي أعلام دالة على معان هي بها أوصاف فلا تضاد فيها العلمية الوصف بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين فهو الله الخالق
البارئ المصور القهار فهذه أسماء دالة على معان هي صفاته وكذلك القرآن والفرقان والكتاب المبين وغير ذلك من أسمائه وكذلك أسماء النبي محمد وأحمد والماحي وفي حديث جبير بن مطعم عن النبي أنه قال إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر فذكر رسول الله هذه الأسماء مبينا ما خصه الله به من الفضل وأشار إلى معانيها وإلا فلو كانت أعلاما محضة لا معنى لها لم تدل على مدح ولهذا قال حسان رضي الله عنه وشق له من إسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد وكذلك أسماء الرب تعالى كلها أسماء مدح ولو كانت ألفاظا مجردة لا معاني لها لم تدل على المدح وقد وصفها الله سبحانه بأنها حسنى كلها فقال ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون الأعراف 18 فهي لم تكن حسنى لمجرد اللفظ بل لدلالتها على أوصاف الكمال ولهذا لما سمع بعض العرب قارئا يقرأ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله المائدة 38 والله غفور رحيم قال ليس هذا كلام الله تعالى فقال القارئ أتكذب بكلام الله تعالى فقال لا ولكن ليس هذا بكلام الله فعاد إلى حفظه وقرأ والله عزيز حكيم فقال الأعرابي
صدقت عز فحكم فقطع ولو غفر ورحم لما قطع ولهذا إذا ختمت آية الرحمة باسم عذاب أو بالعكس ظهر تنافر الكلام وعدم انتظامه وفي السنن من حديث أبي بن كعب قراءة القرآن على سبعة أحرف ثم قال ليس منهن إلا شاف كاف إن قلت سميعا عليما عزيزا حكيما ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب // إسناده صحيح // ولو كانت هذه الأسماء أعلاما محضة لا معنى لها لم يكن فرق بين ختم الآية بهذا أو بهذا وأيضا فإنه سبحانه يعلل أحكامه وأفعاله بأسمائه ولو لم يكن لها معنى لما كان التعليل صحيحا كقوله تعالى استغفروا ربكم إنه كان غفارا نوح 10 وقوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم البقرة 226 227 فختم حكم الفيء الذي هو الرجوع والعود إلى رضى الزوجة والإحسان إليها بأنه غفور رحيم يعود على عبده بمغفرته ورحمته إذا رجع إليه والجزاء من جنس العمل فكما رجع إلى التي هي أحسن رجع الله إليه بالمغفرة والرحمة وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم فإن الطلاق لما كان لفظا يسمع ومعنى يقصد عقبه باسم السميع للنطق به العليم بمضمونه وكقوله تعالى ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة
النساء أو اكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم البقرة 235 فلما ذكر سبحانه وتعالى التعريض بخطبة المرأة الدال على أن المعرض في قلبه رغبة فيها ومحبة لها وأن ذلك يحمله على الكلام الذي يتوصل به إلى نكاحها ورفع الجناح عن التعريض وانطواء القلب على ما فيه من الميل والمحبة ونفي مواعدتهن سرا فقيل هو النكاح والمعنى لا تصرحوا لهن بالتزويج إلا أن تعرضوا تعريضا وهو القول المعروف وقيل هو أن يتزوجها في عدتها سرا فإذا انقضت العدة أظهر العقد ويدل على هذا قوله ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله وهو انقضاء العدة ومن رجح القول الأول قال دلت الآية على إباحة التعريض بنفي الجناح وتحريم التصريح بنفي المواعدة سرا وتحريم عقد النكاح قبل انقضاء العدة فلو كان معنى مواعدة السر هو إسرار العقد كان تكرارا ثم عقب ذلك بقوله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه أن تتعدوا ما حد لكم فإنه مطلع على ما تسرون وما تعلنون ثم قال واعلموا أن الله غفور حليم لولا مغفرته وحلمه لعنتم غاية العنت فإنه سبحانه مطلع عليكم يعلم ما في قلوبكم ويعلم ما تعملون فإن وقعتم في شيء مما نهاكم عنه فبادروا إليه بالتوبة والاستغفار فإنه الغفور الحليم وهذه طريقة القرآن يقرن بين أسماء الرجاء وأسماء المخافة كقوله تعالى اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور
رحيم المائدة 98 وقال أهل الجنة الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور سبأ 34 لما صاروا إلى كرامته بمغفرته ذنوبهم وشكره إحسانهم قالوا إن ربنا لغفور شكور وفي هذا معنى التعليل أي بمغفرته وشكره وصلنا إلى دار كرامته فإنه غفر لنا السيئات وشكر لنا الحسنات وقال تعالى ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما النساء 147 فهذا جزاء لشكرهم أي إن شكرتم ربكم شكركم وهو عليم بشكركم لا يخفى عليه من شكره ممن كفره والقرآن مملوء من هذا والمقصود التنبيه عليه وأيضا فإنه سبحانه يستدل بأسمائه على توحيده ونفي الشرك عنه ولو كانت أسماء لا معنى لها لم تدل على ذلك كقول هارون لعبدة العجل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن طه 90 وقوله سبحانه في القصة إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما طه 98 وقوله تعالى وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم البقرة 163 وقوله سبحانه في آخر سورة الحشر هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون الحشر 22 23 فسبح نزه نفسه عن شرك المشركين به عقب تمدحه بأسمائه الحسنى المقتضية لتوحيده واستحالة إثبات شريك له
ومن تدبر هذا المعنى في القرآن هبط به على رياض من العلم حماها الله عن كل أفاك معرض عن كتاب الله واقتباس الهدى منه ولو لم يكن في كتابنا هذا إلا هذا الفصل وحده لكفى من له ذوق ومعرفة والله الموفق للصواب وأيضا فإن الله تعالى يعلق بأسمائه المعمولات من الظروف والجار والمجرور وغيرهما ولو كانت أعلاما محضة لم يصح فيها ذلك كقوله والله بكل شيء عليم الحجرات 16 والله عليم بالظالمين الجمعة 7 فإن الله عليم بالمفسدين آل عمران 63 و وكان بالمؤمنين رحيما الفرقان 43 إنه بهم رؤوف رحيم التوبة 117 والله على كل شيء قدير آل عمران 189 والله محيط بالكافرين البقرة 19 وكان الله بهم عليما النساء 49 وكان الله على كل شيء مقتدرا الكهف 45 إنه بما يعملون خبير هود 111 والله بصير بما تعملون الحجرات 18 إنه بعباده خبير بصير الشورى 27 ونظائره كثيرة وأيضا فإنه سبحانه يجعل أسماءه دليلا على ما ينكره الجاحدون من صفات كماله كقوله تعالى ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير الملك 14 وقد اختلف النظار في هذه الأسماء هل هي متباينة نظرا إلى تباين معانيها وأن كل اسم يدل على غير ما يدل عليه الآخر أم هي مترادفة لأنها تدل على ذات واحدة فمدلولها لا تعدد فيه وهذا شأن المترادفات والنزاع لفظي في ذلك
والتحقيق أن يقال هي مترادفة بالنظر إلى الذات متباينة بالنظر إلى الصفات وكل اسم منها يدل على الذات الموصوفة بتلك الصفة بالمطابقة وعلى أحدهما وحده بالتضمن وعلى الصفة الأخرى بالالتزام
فصل إذا ثبت هذا فتسميته بهذا الاسم لما اشتمل عليه من مسماه وهو الحمد فإنه محمود عند الله ومحمود عند ملائكته ومحمود عند إخوانه من المرسلين ومحمود عند أهل الأرض كلهم وإن كفر به بعضهم فإن ما فيه من صفات الكمال محمودة عند كل عاقل وإن كابر عقله جحودا أو عنادا أو جهلا باتصافه بها ولو علم اتصافه بها لحمده فإنه يحمد من اتصف بصفات الكمال ويجهل وجودها فيه فهو في الحقيقة حامد له وهو اختص من مسمى الحمد بما لم يجتمع لغيره فإن اسمه محمد وأحمد وأمته الحمادون يحمدون الله على السراء والضراء وصلاة أمته مفتتحة بالحمد وخطبته مفتتحة بالحمد وكتابه مفتتح بالحمد هكذا عند الله في اللوح المحفوظ أن خلفاءه وأصحابه يكتبون المصحف مفتتحا بالحمد وبيده لواء الحمد يوم القيامة ولما يسجد بين يدي ربه تعالى للشفاعة ويؤذن له فيها يحمد ربه بمحامد يفتحها عليه حينئذ وهو صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون قال تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا الإسراء 79
على معنى المقام المحمود فليقف على ما ذكره سلف الأمة من الصحابة والتابعين فيه في تفسير هذه السورة كتفسير ابن أبي حاتم وابن جرير وعبد بن حميد وغيرها من تفاسير السلف وإذا قام في المقام حمده حينئذ أهل الموقف كلهم مسلمهم وكافرهم أولهم وآخرهم وهو محمود بما ملأ الأرض من الهدى والإيمان والعلم النافع والعمل الصالح وفتح به القلوب وكشف به الظلمة عن أهل الأرض واستنقذهم من أسر الشيطان ومن الشرك بالله والكفر به والجهل به حتى نال به أتباعه شرف الدنيا والآخرة فإن رسالته وافت أهل الأرض أحوج ما كانوا إليها فإنهم كانوا بين عباد أوثان وعباد صلبان وعباد نيران وعباد الكواكب ومغضوب عليهم قد باؤوا بغضب من الله وحيران لا يعرف ربا يعبده ولا بماذا يعبده والناس يأكل بعضهم بعضا من استحسن شيئا دعا إليه وقاتل من خالفه وليس في الأرض موضع قدم مشرق بنور الرسالة وقد نظر الله سبحانه حينئذ إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا على آثار من دين صحيح فأغاث الله به البلاد والعباد وكشف به تلك الظلم وأحيا به الخليقة بعد الموت فهدى به من الضلالة وعلم به من الجهالة وكثر بعد القلة وأعز به بعد الذلة وأغنى به بعد العيلة وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فعرف الناس ربهم ومعبودهم غاية ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة وأبدأ وأعاد واختصر وأطنب في ذكر أسمائه وصفاته وأفعاله حتى تجلت معرفته سبحانه في قلوب عباده المؤمنين وانجابت سحائب الشك والريب
عنها كما ينجاب السحاب عن القمر ليلة إبداره ولم يدع لأمته حاجة في هذا التعريف لا إلى من قبله ولا إلى من بعده بل كفاهم وشفاهم وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون العنكبوت 51 روى أبو داود في مراسيله عن النبي أنه رأى بيد بعض أصحابه قطعة من التوراة فقال كفى بقوم ضلالة أن يتبعوا كتابا غير كتابهم الذي أنزل على نبيهم فأنزل الله تعالى تصديق ذلك أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون العنكبوت 51 فهذا حال من أخذ دينه عن كتاب منزل على غير النبي فكيف بمن أخذه عن عقل فلان وفلان وقدمه على كلام الله ورسوله وعرفهم الطريق الموصل لهم إلى ربهم ورضوانه ودار كرامته ولم يدع حسنا إلا أمرهم به ولا قبيحا إلا نهى عنه كما قال ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد أمرتكم به ولا من شيء يقربكم من النار إلا وقد نهيتكم عنه قال أبو ذر رضي الله عنه لقد توفي رسول الله وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علما وعرفهم حالهم بعد القدوم على ربهم أتم تعريف فكشف
الأمر وأوضحه ولم يدع بابا من العلم النافع للعباد المقرب لهم إلى ربهم إلا فتحه ولا مشكلا إلا بينه وشرحه حتى هدى الله به القلوب من ضلالها وشفاها به من أسقامها وأغاثها به من جهلها فأي بشر أحق بأن يحمد منه وجزاه عن أمته أفضل الجزاء وأصح القولين في قوله تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين الأنبياء 107 أنه على عمومه وفيه على هذا التقدير وجهان أحدهما أن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته أما أتباعه فنالوا به كرامة الدنيا والآخرة وأما أعداؤه فالمحاربون له عجل قتلهم وموتهم خير لهم من حياتهم لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة وهم قد كتب عليهم الشقاء فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر وأما المعاهدون له فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته وهم أقل شرا بذلك العهد من المحاربين له وأما المنافقون فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهلهم واحترامها وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوارث وغيره وأما الأمم النائية عنه فإن الله سبحانه رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض فأصاب كل العالمين النفع برسالته الوجه الثاني أنه رحمة لكل أحد لكن المؤمنون قبلوا هذه الرحمة فانتفعوا بها دنيا وأخرى والكفار ردوها فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمة لهم لكن لم يقبلوها كما يقال هذا دواء
لهذا المرض فإذا لم يستعمله المريض لم يخرج عن أن يكون دواء لذلك المرض ومما يحمد عليه ما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم فإن من نظر في أخلاقه وشيمه علم إنها خير أخلاق الخلق وأكرم شمائل الخلق فإنه كان أعلم الخلق وأعظمهم أمانة وأصدقهم حديثا وأحلمهم وأجودهم وأسخاهم وأشدهم احتمالا وأعظمهم عفوا ومغفرة وكان لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال في صفة رسول الله في التوراة محمد عبدي ورسولي سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله وأفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وأرحم الخلق وأرأفهم بهم وأعظم الخلق نفعا لهم في دينهم ودنياهم وأفصح خلق الله وأحسنهم تعبيرا عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة الدالة على المراد وأصبرهم في مواطن الصبر وأصدقهم في مواطن اللقاء وأوفاهم بالعهد والذمة وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه وأشدهم تواضعا واعظمهم إيثارا على نفسه وأشد الخلق ذبا عن أصحابه وحماية
لهم ودفاعا عنهم وأقوم الخلق بما يأمر به وأتركهم لما ينهى عنه وأوصل الخلق لرحمه فهو أحق بقول القائل برد على الأدنى ومرحمة ... وعلى الأعادي مارن جلد قال علي رضي الله عنه كان رسول الله أجود الناس صدرا وأصدقهم لهجة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله فقوله كان اجود الناس صدرا أراد به بر الصدر وكثرة خيره وأن الخير يتفجر منه تفجيرا وأنه منطو على كل خلق جميل وكل خير كما قال بعض أهل العلم ليس في الدنيا كلها محل كان أكثر خيرا من صدر رسول الله قد جمع الخير بحذافيره وأودع في صدره وقوله أصدق الناس لهجة هذا مما أقر له به أعداؤه المحاربون له ولم يجرب عليه أحد من أعدائه كذبة واحدة قط دع شهادة أوليائه كلهم له به فقد حاربه أهل الأرض بأنواع المحاربات مشركوهم وأهل الكتاب منهم وليس أحد منهم يوما من الدهر طعن فيه بكذبة واحدة صغيرة ولا كبيرة قال المسور بن مخرمة قلت لأبي جهل وكان خالي يا خال هل كنتم تتهمون محمدا بالكذب قبل أن يقول مقالته فقال والله يا ابن أختي لقد كان محمد وهو شاب يدعى فينا الأمين فلما وخطه الشيب لم يكن
ليكذب قلت يا خال فلم لا تتبعونه فقال يا ابن أختي تنازعنا نحن وبنو هاشم الشرف فأطعموا وأطعمنا وسقوا وسقينا وأجاروا وأجرنا فلما تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي فمتى نأتيهم بهذه أو كما قال وقال تعالى يسليه ويهون عليه قول أعدائه قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين الأنعام 33 34 وقوله ألينهم عريكة يعني سهل لين قريب من الناس مجيب لدعوة من دعاه قاض لحاجة من استقضاه جابر لقلب من قصده لا يحرمه ولا يرده خائبا إذا أراد أصحابه منه أمرا وافقهم عليه وتابعهم فيه وإن عزم على أمر لم يستبد دونهم بل يشاورهم ويؤامرهم وكان يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم وقوله أكرمهم عشرة يعني أنه لم يكن يعاشر جليسا له إلا اتم عشرة وأحسنها وأكرمها فكان لا يعبس في وجهه ولا يغلظ له في مقاله ولا يطوي عنه بشره ولا يمسك عليه فلتات لسانه ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة ونحوها بل يحسن إلى عشيره غاية الإحسان ويحتمل غاية الاحتمال فكانت عشرته لهم احتمال أذاهم وجفوتهم جملة لا يعاقب أحدا منهم ولا يلومه ولا يباديه بما يكره من خالطه يقول أنا احب الناس إليه لما يرى من لطفه به وقربه منه وإقباله عليه واهتمامه بأمره وتضحيته له وبذل
إحسانه إليه واحتمال جفوته فأي عشرة كانت أو تكون أكرم من هذه العشرة قال الحسين رضي الله عنه سألت أبي عن سيرة النبي في جلسائه فقال كان النبي دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه راجيه ولا يخيب فيه قد ترك نفسه من ثلاث المراء والإكثار وترك ما لا يعنيه كان لا يذم أحدا ولا يعيبه ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير فإذا سكت تكلموا لا يتنازعون عنده الحديث ومن تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ حديثهم عند حديث أولهم يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم ويقول إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام وقوله من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه وصفه بصفتين خص الله بهما أهل الصدق والإخلاص وهما الإجلال والمحبة وكان قد ألقى عليه هيبة منه ومحبة فكان كل من يراه يهابه ويجله ويملأ قلبه تعظيما وإجلالا وإن كان عدوا له فإذا خالطه وعاشره كان أحب إليه من كل مخلوق فهو المجل المعظم المحبوب المكرم وهذا كمال المحبة أن تقرن بالتعظيم والهيبة فالمحبة
بلا هيبة ولا تعظيم ناقصة والهيبة والتعظيم من غير محبة كما تكون للغادر الظالم نقص أيضا والكمال أن تجتمع المحبة والود والتعظيم والإجلال وهذا لا يوجد إلا إذا كان في المحبوب صفات الكمال التي يستحق أن يعظم لأجلها ويحب لأجلها ولما كان الله سبحانه وتعالى أحق بهذا من كل أحد كان المستحق لأن يعظم ويكبر ويهاب ويحب ويود بكل جزء من أجزاء القلب ولا يجعل له شريك في ذلك وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله سبحانه أن يسوي بينه وبين غيره في هذا الحب قال تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله البقرة 165 فأخبر أن من أحب شيئا غير الله مثل حبه لله كان قد اتخذه ندا وقال أهل النار في النار لمعبودهم تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين الشعراء 97 98 ولم تكن تسويتهم بالله في كونهم خلقوا السماوات والأرض أو خلقوهم أو خلقوا آباءهم وإنما سووهم برب العالمين في الحب لهم كما يحب الله فإن حقيقة العبادة هي الحب والذل وهذا هو الإجلال والإكرام الذي وصف به نفسه في قوله سبحانه وتعالى تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام الرحمن 78 وأصح القولين في ذلك أن الجلال هو التعظيم والإكرام هو الحب وهو سر قول العبد لا إله إلا الله والله أكبر ولهذا جاء في مسند الإمام احمد من حديث أنس رضي الله
عنه عن النبي أنه قال ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام // حديث صحيح // أي الزموها والهجوا بها وفي مسند أبي يعلى الموصلي عن بعض الصحابة أنه طلب أن يعرف اسم الله الأعظم فرأى في منامه مكتوبا في السماء بالنجوم يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام وكل محبة وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعا لمحبة الله وتعظيمه كمحبة رسوله وتعظيمه فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه فإن أمته يحبونه لحب الله له ويعظمونه ويجلونه لإجلال الله له فهي محبة لله من موجبات محبة الله وكذلك محبة أهل العلم والإيمان ومحبة الصحابة رضي الله عنهم وإجلالهم تابع لمحبة الله ورسوله لهم والمقصود أن النبي ألقى الله سبحانه وتعالى عليه منه المهابة والمحبة ولكل مؤمن مخلص حظ من ذلك قال الحسن البصري رحمه الله إن المؤمن رزق حلاوة ومهابة يعني يحب ويهاب ويجل بما ألبسه الله سبحانه من ثوب الإيمان المقتضي لذلك ولهذا لم يكن بشر أحب إلى بشر ولا أهيب وأجل في صدره من رسول الله في صدر الصحابة رضي الله عنهم قال عمرو بن العاص قبل إسلامه إنه لم يكن شخص أبغض إلي منه فلما أسلم لم يكن شخص أحب إليه منه ولا أجل في عينه منه قال ولو سئلت أن أصفه لكم لما أطقت لأني لم أكن
أملأ عيني منه إجلالا له وقال عروة بن مسعود لقريش يا قوم والله لقد وفدت على كسرى وقيصر والملوك فما رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله ما يحدون النظر إليه تعظيما له وما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فيدلك بها وجهه وصدره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه فلما كان رسول الله مشتملا على ما يقتضي أن يحمد عليه مرة بعد مرة سمي محمدا وهو اسم موافق لمسماه ولفظ مطابق لمعناه والفرق بين لفظ أحمد ومحمد من وجهين أحدهما أن محمدا هو المحمود حمدا بعد حمد فهو دال على كثرة حمد الحامدين له وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه وأحمد أفعل تفضيل من الحمد يدل على أن الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره فمحمد زيادة حمد في الكمية وأحمد زيادة في الكيفية فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر والوجه الثاني أن محمدا هو المحمود حمدا متكررا كما تقدم وأحمد هو الذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره فدل أحد الاسمين وهو محمد على كونه محمودا ودل الاسم
الثاني وهو احمد على كونه أحمد الحامدين لربه وهذا هو القياس فإن أفعل التفضيل والتعجب عند جماعة البصريين لا يبنيان إلا من فعل الفاعل لا يبنيان من فعل المفعول بناء منهم على أن أفعل التعجب والتفضيل إنما يصاغان من الفعل اللازم لا من المتعدي ولهذا يقدرون نقله من فعل وفعل إلى بناء فعل بضم العين قالوا والدليل على هذا أنه يعدى بالهمزة إلى المفعول فالهمزة التي فيه للتعدية نحو ما أظرف زيدا وأكرم عمرا وأصلهما ظرف وكرم قالوا لأن المتعجب منه فاعل في الأصل فوجب أن يكون فعله غير متعد قالوا وأما قولهم ما أضرب زيدا لعمرو وفعله متعد في الأصل قالوا فهو منقول من ضرب إلى وزن فعل اللازم ثم عدي من فعل بهمزة التعدية قالوا والدليل على ذلك مجيئهم باللام فيقولون ما أضرب زيدا لعمرو ولو كان باقيا على تعديه لقيل ما أضرب زيدا عمرا لأنه متعد إلى واحد بنفسه وإلى الآخر بهمزة التعدية فلما عدي إلى المفعول بهمزة التعدية عدي إلى الآخر باللام فعلم أنه لازم فهذا هو الذي أوجب لهم أن قالوا لا يصاغ ذلك إلا من فعل الفاعل لا من الفعل الواقع على المفعول ونازعهم في ذلك آخرون وقالوا يجوز بناء فعل التعجب والتفضيل من فعل الفاعل ومن الواقع على المفعول تقول
العرب ما أشغله بالشيء وهذا من شغل به على وزن سئل فالتعجب من المشغول بالشيء لا من الشاغل وكذا قولهم ما أولعه بكذا من أولع به مبني للمفعول لأن العرب التزمت بناء هذا الفعل للمفعول ولم تبنه للفاعل وكذلك قولهم ما أعجبه بكذا هو من أعجب بالشيء وكذا قولهم ما أحبه إلي هو تعجب من فعل المفعول وكذا قولهم ما أبغضه إلي وامقته إلي وهنا مسألة مشهورة ذكرها سيبويه وهي أنك تقول ما أبغضني له وما أحبني له وما أمقتني له إذا كنت أنت المبغض الكاره والمحب الماقت فيكون تعجبا من فعل الفاعل وتقول ما أبغضني إليه وما أمقتني إليه وما أحبني إليه إذا كنت أنت المبغض الممقوت أو المحبوب فيكون تعجبا من الفعل الواقع على المفعول فما كان باللام فهو للفاعل وما كان بإلى فهو للمفعول وكذلك تقول ما احبه إلي إذا كان هو المحبوب وما أبغضه إلي إذا كان هو المبغض وأكثر النحاة لا يعللون هذا والذي يقال في علته والله أعلم أن اللام تكون للفاعل في المعنى نحو قولك لمن هذا الفعل فتقول لزيد فتأتي باللام وأما إلى فتكون للمفعول في المعنى لأنه يقول إلى من يصل هذا الفعل فتقول إلى زيد وسر ذلك أن اللام في الأصل للملك أو الاختصاص والاستحقاق والملك والاستحقاق إنما يستحقه الفاعل الذي يملك ويستحق وإلى لانتهاء الغاية والغاية منتهى ما يقتضيه الفعل فهي بالمفعول أليق لأنه تمام مقتضى الفعل
ومن التعجب من فعل المفعول قول كعب بن زهير في النبي فلهو أخوف عندي إذ أكلمه ... وقيل إنك محبوس ومقتول من ضيغم من ضراء الأسد مخدره ... ببطن عثر غيل دونه غيل فأخوف هنا من خيف لا من خاف وهو نظير أحمد من محمد كسئل لا من حمد كعلم وتقول ما اجنه من جن فهو مجنون قال البصريون هذا كله شاذ لا يعول عليه قال الآخرون هذا قد كثر في كلامهم جدا وحمله على الشذوذ غير جائز لأن الشاذ ما خالف استعمالهم ومطرد كلامهم وهذا غير مخالف لذلك قالوا وأما تقديركم لزوم الفعل ونقله إلى بناء فعل المضموم فمما لا يساعد عليه دليل وأما ما تمسكتم به من التعدية بالهمزة فليس كما ذكرتم والهمزة هنا ليست للتعدية وإنما هي للدلالة على معنى التعجب والتفضيل كألف فاعل وميم مفعول وتاء الافتعال والمطاوعة ونحوها من الحروف التي تلحق الفعل الثلاثي لبيان ما لحقه من الزيادة على مجرد مدلوله فهذا هو السبب الجالب لهذه الألف لا مجرد تعدية الفعل قالوا والذي يدل على هذا أن الفعل الذي يعدى بالهمزة
يجوز أن يعدى بحرف الجر وبالتضعيف تقول أجلست زيدا وجلسته وجلست به وأقمته وقومته وقمت به وأنمته ونومته ونمت به ونظائر ذلك وهنا لا يقوم مقام الهمزة غيرها فبطل أن تكون للتعدية الثاني أنها تجامع باء التعدية فتقول أكرم به وأحسن به والمعنى ما أكرمه وما أحسنه والفعل لا تجمع عليه بين معديين معا الثالث أنهم يقولون ما أعطى زيدا للدراهم وما أكساه للثياب وهذا من أعطى وكسا المتعدي ولا يصح تقدير نقله إلى عطو إذا تناول ثم أدخلت عليه همزة التعدية كما تأوله بعضهم لفساد المعنى فإن التعجب إنما وقع من إعطائه لا من عطوه وهو تناوله والهمزة فيه همزة التعجب والتفضيل وحذفت همزته التي في فعله فلا يصح أن يقال هي للتعدية قالوا وأما قولكم إنه عدي باللام في قولهم ما أضربه لزيد ولولا انه لازم لما عدي باللام فهذا ليس كما ذكرتم من لزوم الفعل وإنما هو تقوية له لما ضعف بمنعه من الصرف وألزم طريقة واحدة خرج عن سنن الأفعال وضعف عن مقتضاه فقوي باللام وهذا كما يقوى باللام إذا تقدم معموله عليه وحصل له بتأخره نوع وهن جبروه باللام كما قال تعالى إن كنتم للرؤيا تعبرون يوسف 43 وكما يقوى باللام إذا كان اسم فاعل كما تقول أنا محب لك ومكرم لزيد ونحوه فلما ضعف هذا الفعل بمنعه من الصرف قوي باللام هذا المذهب هو الراجح كما تراه والله أعلم
فلنرجع إلى المقصود وهو انه سمي محمدا وأحمد لأنه يحمد أكثر مما يحمد غيره وأفضل مما يحمد غيره فالاسمان واقعان على المفعول وهذا هو المختار وذلك أبلغ في مدحه وأتم معنى ولو أريد به معنى الفاعل لسمي الحماد وهو كثير الحمد كما سمي محمدا وهو المحمود كثيرا فإنه كان أكثر الخلق حمدا لربه فلو كان اسمه باعتبار الفاعل لكان الأولى أن يسمى حمادا كما أن اسم أمته الحمادون وأيضا فإن الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى محمدا وأحمد فهو الذي يحمده أهل الدنيا واهل الآخرة ويحمده أهل السماء والأرض فلكثرة خصائله المحمودة التي تفوت عد العادين سمي باسمين من أسماء الحمد يقتضيان التفضيل والزيادة في القدر والصفة والله أعلم
فصل وقد ظن طائفة منهم أبو القاسم السهيلي وغيره أن تسميته ب أحمد كانت قبل تسميته بمحمد فقالوا ولهذا بشر به المسيح باسمه أحمد وفي حديث طويل في حديث موسى لما قال لربه جل وعلا إني أجد أمة من شأنها كذا وكذا فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد يا موسى فقال اللهم اجعلني من أمة أحمد قالوا وإنما جاء تسميته بمحمد في القرآن خاصة لقوله تعالى والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد محمد 8 وقوله محمد رسول الله الفتح 29 وبنوا على ذلك أن اسمه أحمد تفضيل من فعل الفاعل أي أحمد الحامدين لربه ومحمد هو المحمود الذي تحمده الخلائق وإنما يترتب على هذا الاسم بعد وجوده وظهوره فإنه حينئذ حمده أهل السماء والأرض ويوم القيامة يحمده أهل الموقف فلما ظهر إلى الوجود وترتب على ظهوره من الخيرات ما ترتب حمده الخلائق حمدا مكررا فتأخرت تسميته بمحمد على تسميته بأحمد
وفي هذا الكلام مناقشة من وجوه أحدها أنه قد سمي بمحمد قبل الإنجيل كذلك اسمه في التوراة وهذا يقر به كل عالم من مؤمني أهل الكتاب ونحن نذكر النص الذي عندهم في التوراة وما هو الصحيح في تفسيره قال في التوراة في إسماعيل قولا هذه حكايته وعن إسماعيل سمعتك ها أنا باركته وأيمنته مما باد وذكر هذا بعد أن ذكر إسماعيل وأنه سيلد اثني عشر عظيما منهم عظيم يكون اسمه مماد باد وهذا عند العلماء المؤمنين من أهل الكتاب صريح في اسم النبي محمد ورأيت في بعض شروح التوراة ما حكايته بعد هذا المتن قال الشارح هذان الحرفان في موضعين يتضمنان اسم السيد الرسول محمد لأنك إذا اعتبرت حروف اسم محمد وجدتها في الحرفين المذكورين لأن ميمي محمد وداله بإزاء الميمين من الحرفين وإحدى الدالين وبقية اسم محمد وهي الحاء فبإزاء بقية الحرفين وهي الباء والألفان والدال الثانية قلت يريد بالحرفين الكلمتين قال لأن للحاء من الحساب ثمانية من العدد والباء لها اثنان وكل ألف لها واحد والدال بأربعة فيصير المجموع ثمانية وهي قسط الحاء من العدد الجملي فيكون الحرفان معنى الكلمتين وهما مماد باد قد تضمنا بالتصريح ثلاثة أرباع اسم محمد وربعه الآخر قد دل عليه بقية الحرفين بالكتابة بالطريق التي أشرت إليها قال الشارح فإن قيل فما مستندكم في هذا التأويل قلنا
مستندنا فيه مستند علماء اليهود في تأويل أمثاله من الحروف المشكلة التي جاءت في التوراة كقوله تعالى يا موسى قل لبني إسرائيل أن يجعل كل واحد منهم في طرف ثوبه خيطا أزرق له ثمانية أرؤس ويعقد فيه خمس عقد ويسميه صيصيت قال علماء اليهود تأويل هذا وحكمته أن كل من رأى ذلك الخيط الأزرق وعدد أطرافه الثمانية وعقده الخمس وذكر اسمه ذكر ما يجب عليه من فرائض الله سبحانه وتعالى لأن الله تعالى افترض على بني إسرائيل ستمائة وثلاث عشرة شريعة لأن الصادين والياءين بمائتين والتاء بأربعمائة فيصير مجموع الاسم ستمائة والأطراف والعقد ثلاثة عشر كأنه يقول بصورته واسمه اذكر فرائض الله تعالى قال هذا الشارح وأما قول كثير من المفسرين إن المراد بهذين الحرفين جدا جدا لكون لفظ ماد قد جاءت مفردة في التوراة بمعنى جدا قال فهذا لا يصح لأجل الباء المتصلة بهذا الحرف فإنه ليس من الكلام المستقيم قول القائل أنا أكرمك بجدا فلما نقل هذا الحرف من التوراة الأزلية التي نزلت في ألواح الجوهر على الكليم بالخط الكينوني وهذا الحرف فيها موصولا بالباء علم أن المراد غير ما ذهب إليه من قال هي بمعنى جدا إذ لا تأويل يليق بها غير هذا التفسير بدليل قوله تعالى في غير هذا الموضع لإبراهيم عن ولده إسماعيل إنه يلد اثني عشر شريفا ومن شريف منهم يكون شخص اسمه مما باد فقد صرحت التوراة أن هذين الحرفين اسم علم لشخص شريف معين من ولد إسماعيل فبطل قول من قال إنه بمعنى المصدر للتوكيد فإن التصريح بكونه
اسم عين يناقض من يدعي أنه اسم معنى والله أعلم تم كلامه وقال غيره لا حاجة إلى هذا التعسف في بيان اسمه في التوراة بل اسمه فيها أظهر من هذا كله وذلك أن التوراة هي باللغة العبرية وهي قريبة من العربية بل هي أقرب لغات الأمم إلى اللغة العربية وكثيرا ما يكون الاختلاف بينهما في كيفية أداء الحروف والنطق بها من التفخيم والترقيق والضم والفتح وغير ذلك واعتبر هذا بتقارب ما بين مفردات اللغتين فإن العرب يقولون لا والعبرانيين تقول لو فيضمون اللام ويأتون بالألف بين الواو والألف وتقول العرب قدس ويقول العبرانيون قدش وتقول العرب أنت ويقول العبرانيون أنا وتقول العرب يأتي كذا ويقول العبرانيون يوتى فيضمون الياء ويأتون بالألف بعدها بين الواو والألف وتقول العرب قدسك ويقول العبرانيون قد شحا وتقول العرب منه ويقول العبرانيون ممنو وتقول العرب من يهوذا ويقول العبرانيون مهوذا وتقول العرب سمعتك ويقول العبرانيون شمعيخا وتقول العرب من ويقول العبرانيون مي وتقول العرب يمينه ويقول العبرانيون مينو وتقول العرب له ويقول العبرانيون لو بين الواو والألف وكذلك تقول العرب أمة ويقول العبرانيون أموا وتقول العرب أرض ويقول العبرانيون إيرص وتقول العرب واحد ويقول العبرانيون إيحاد وتقول العرب عالم ويقول العبرانيون عولام وتقول العرب كيس ويقول العبرانيون كييس وتقول العرب يأكل ويقول العبرانيون يوخل وتقول العرب تين ويقول العبرانيون تيين وتقول العرب إله ويقول العبرانيون
أولوه وتقول العرب إلهنا ويقول العبرانيون ألوهينو وتقول العرب أبانا ويقول العبرانيون أبوتينا ويقولون باصباع إلوهيم يعنون إصبع الإله ويقولون مابنم يعنون الابن ويقولون حاليب بمعنى حلوب فإذا أرادوا يقولون لا تأكل الجدي في حليب أمه قالوا لو تدخل لذي ما حالوب أمو ويقولون لو توخلوا أي لا تأكلوا ويقولون للكتب المشنا ومعناها بلغة العرب المثناة التي تثنى أي تقرأ مرة بعد مرة ولا نطيل بأكثر من هذا في تقارب اللغتين وتحت هذا سر يفهمه من فهم تقارب ما بين الأمتين والشريعتين واقتران التوراة بالقرآن في غير موضع من الكتاب كقوله تعالى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا ساحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين القصص 48 49 وقوله في سورة الأنعام ردا على من قال ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس الأنعام 91 ثم قال تعالى وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه الأنعام 92
وقال في آخر السورة ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون الأنعام 154 155 وقال تعالى في أول سورة آل عمران ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس آل عمران 1 4 وقال تعالى ولقد آتينا موسى وهرون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون الأنبياء 48 50 ولهذا يذكر سبحانه وتعالى قصة موسى ويعيدها ويبديها ويسلي رسوله ويقول رسول الله عندما يناله من أذى الناس لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر ولهذا قال النبي إنه كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل حتى لو كان فيهم من أتى أمه علانية لكان في هذه الأمة من يفعله
فتأمل هذا التناسب بين الرسولين والكتابين والشريعتين أعني الشريعة الصحيحة التي لم تبدل والأمتين واللغتين فإذا نظرت في حروف محمد وحروف مماد باد وجدت الكلمتين كلمة واحدة فإن الميمين فيهما والهمزة والحاء من مخرج واحد والدال كثيرا ما تجد موضعها ذالا في لغتهم يقولون إيحاذ للواحد ويقولون قوذش في القدس والدال والذال متقاربتان فمن تأمل اللغتين وتأمل هذين الاسمين لم يشك أنهما واحد ولهذا نظائر في اللغتين مثل موسى فإنه في اللغة العبرانية موشى بالشين وأصله الماء والشجر فإنهم يقولون للماء مو وشا هو الشجر وموسى التقطه آل فرعون من بين الماء والشجر فالتفاوت الذي بين موسى وموشى كالتفاوت بين محمد ومماد باد وكذا إسماعيل هو في لغتهم يشماعيل بياء بدل الألف وبشين بدل السين فالتفاوت بينهما كالتفاوت بين محمد ومماد باد وكذلك العيص وهو أخو يعقوب يقولون له عيسى وهو عيص ونظير هذا في غير الأعلام مما تقدم قوله يشماعون يعنون يسمعون ويقولون آقيم بمد الهمزة مع ضمها أي أقيم ويقولون مي قارب أي من قارب ووسط أخيهيم أي إخوتهم وهذا مما يعترف به كل مؤمن عالم من علماء أهل الكتاب والمقصود أن اسم النبي في التوراة محمد كما هو في القرآن وأما المسيح فإنما سماه أحمد كما حكاه الله عنه في القرآن فإذن تسميته بأحمد وقعت متأخرة عن تسميته محمدا في التوراة ومتقدمة على تسميته محمدا في القرآن فوقعت بين
التسميتين محفوفة بهما وقد تقدم أن هذين الاسمين صفتان في الحقيقة والوصفية فيهما لا تنافي العلمية وإن معناهما مقصود فعرف عند كل أمة بأعرف الوصفين عندها فمحمد مفعل من الحمد وهو الكثير الخصال التي يحمد عليها حمدا متكررا حمدا بعد حمد وهذا إنما يعرف بعد العلم بخصال الخير وأنواع العلوم والمعارف والأخلاق والأوصاف والأفعال التي يستحق تكرار الحمد عليها ولا ريب أن بني إسرائيل هم أولو العلم الأول والكتاب الذي قال الله تعالى فيه وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا بكل شيء الأعراف 45 ولهذا كانت أمة موسى أوسع علوما ومعرفة من أمة المسيح ولهذا لا تتم شريعة المسيح إلا بالتوراة وأحكامها فإن المسيح عليه السلام وأمته محالون في الأحكام عليها والإنجيل كأنه مكمل لها متمم لمحاسنها والقرآن جامع لمحاسن الكتابين فعرف النبي عند هذه الأمة باسم محمد الذي قد جمع خصال الخير التي يستحق أن يحمد عليها حمدا بعد حمد وعرف عند أمة المسيح ب أحمد الذي يستحق أن يحمد أفضل مما يحمد غيره وحمده أفضل من حمد غيره فإن أمة المسيح أمة لهم من الرياضات والأخلاق والعبادات ما ليس لأمة موسى ولهذا كان غالب كتابهم مواعظ وزهد وأخلاق وحض على الإحسان والاحتمال والصفح حتى قيل إن الشرائع ثلاثة شريعة عدل وهي شريعة التوراة فيها الحكم والقصاص وشريعة فضل وهي شريعة الإنجيل مشتملة على العفو ومكارم الأخلاق والصفح والإحسان كقوله من أخذ رداءك فأعطه ثوبك ومن لطمك على
خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ومن سخرك ميلا فامش معه ميلين وشريعة نبينا جمعت هذا وهذا وهي شريعة القرآن فإنه يذكر العدل ويوجبه والفضل ويندب إليه كقوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين الشورى 40 فجاء اسمه عند هذه الأمة بأفعل التفضيل الدال على الفضل والكمال كما جاءت شريعتهم بالفضل المكمل لشريعة التوراة وجاء في الكتاب الجامع لمحاسن الكتب قبله بالاسمين معا فتدبر هذا الفصل وتبين ارتباط المعاني بأسمائها ومناسبتها لها والحمد لله المان بفضله وتوفيقه وقول أبي القاسم إن اسم محمد إنما ترتب بعد ظهوره إلى الوجود لأنه حينئذ حمد حمدا مكررا فكذلك أن يقال محمد أيضا سواء وقوله في اسمه أحمد إنه تقدم لكونه أحمد الحامدين لربه وهذا يقدم على حمد الخلائق له فبناء منه على أنه تفضيل من فعل الفاعل وأما على القول الآخر الصحيح فلا يجيء هذا وقد تقدم تقرير ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم
الفصل الرابع في معنى الآل واشتقاقه وأحكامه وفيه قولان أحدهما أن أصله أهل ثم قلبت الهاء همزة فقيل أأل ثم سهلت على قياس أمثالها فقيل آل قالوا ولهذا إذا صغر رجع إلى أصله فقيل أهيل قالوا ولما كان فرعا عن فرع خصوه ببعض الأسماء المضاف إليها فلم يضيفوه إلى أسماء الزمان ولا المكان ولا غير الأعلام فلا يقولون آل رجل وآل امرأة ولا يضيفونه إلى مضمر فلا يقال آله وآلي بل لا يضاف إلا إلى معظم كما أن التاء لما كانت في القسم بدلا عن الواو وفرعا عليها والواو فرعا عن فعل القسم خصوا التاء بأشرف الأسماء وأعظمها وهو اسم الله تعالى وهذا القول ضعيف من وجوه أحدها أنه لا دليل عليه الثاني أنه يلزم منه القلب الشاذ من غير موجب مع مخالفة الأصل الثالث أن الأهل تضاف إلى العاقل وغيره والآل لا تضاف إلا إلى عاقل الرابع أن الأهل تضاف إلى العلم والنكرة والآل لا يضاف
إلا إلى معظم من شأنه أن غيره يؤول إليه الخامس أن الأهل تضاف إلى الظاهر والمضمر والآل من النحاة من منع أضافته إلى المضمر ومن جوزها فهي شاذة قليلة السادس أن الرجل حيث أضيف إلى آله دخل فيه هو كقوله تعالى أدخلوا آل فرعون أشد العذاب غافر 46 وقوله تعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين آل عمران 33 وقوله تعالى إلا آل لوط نجيناهم بسحر القمر 34 وقول النبي اللهم صل على آل أبي أوفى وهذا إذا لم يذكر معه من أضيف إليه الآل وأما إذا ذكر معه فقد يقال ذكر مفردا وداخلا في الآل وقد يقال ذكره مفردا أغنى عن ذكره مضافا والأهل بخلاف ذلك فإذا قلت جاء أهل زيد لم يدخل فيهم وقيل بل أصله أول وذكره صاحب الصحاح في باب الهمزة والواو واللام قال وآل الرجل أهله وعياله وآله أيضا اتباعه وهو عند هؤلاء مشتق من آل يؤول إذا رجع فآل الرجل هم الذين يرجعون إليه ويضافون إليه ويؤولهم أي يسوسهم فيكون مآلهم إليه ومنه الإيالة وهي السياسة فآل الرجل هم الذين يسوسهم ويؤولهم ونفسه أحق بذلك من غيره فهو أحق بالدخول في آله ولكن لا يقال إنه مختص بآله بل هو داخل فيهم وهذه المادة موضوعة لأصل
الشيء وحقيقته ولهذا سمي حقيقة الشيء تأويله لأنها حقيقته التي يرجع إليها ومنه قوله تعالى هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق الأعراف 53 فتأويل ما أخبرت به الرسل هو مجيء حقيقته ورؤيتها عيانا ومنه تأويل الرؤيا وهو حقيقتها عيانا ومنه تأويل الرؤيا الخارجية التي ضربت للرائي في عالم المثال ومنه التأويل بمعنى العاقبة كما قيل في قوله تعالى فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا النساء 59 قيل أحسن عاقبة فإن عواقب الأمور هي حقائقها التي تؤول إليها ومنه التأويل بمعنى التفسير لأن تفسير الكلام هو بيان معناه وحقيقته التي يراد منه قالوا ومنه الأول لأنه أصل العدد ومبناه الذي يتفرع منه ومنه الآل بمعنى الشخص نفسه قال أصحاب هذا القول والتزمت العرب إضافته فلا يستعمل مفردا إلا في نادر الكلام كقول الشاعر نحن آل الله في بلدتنا ... لم نزل آلا على عهد إرم والتزموا أيضا إضافته إلى الظاهر فلا يضاف إلى مضمر إلا قليلا وعد بعض النحاة إضافته إلى المضمر لحنا كما قال أبو عبد الله بن مالك والصحيح انه ليس بلحن بل هو من كلام العرب لكنه قليل ومنه قول الشاعر أنا الفارس الحامي والدي ... وآلي فما يحمي حقيقة آلكا
وقال عبد المطلب في الفيل وأصحابه وانصر على آل الصلي ... ب وعابديه اليوم آلك فأضافه إلى الياء والكاف وزعم بعض النحاة أنه لا يضاف إلا إلى علم من يعقل وهذا الذي قاله هو الأكثر وقد جاءت إضافته إلى غير من يعقل قال الشاعر نجوت ولم يمنن علي طلاقه ... سوى ربد التقريب من آل أعوجا وأعوج علم فرس قالوا ومن أحكامه أيضا أنه لا يضاف إلا إلى متبوع معظم فلا يقال آل الحائك ولا آل الحجام ولا آل رجل وأما معناه فقالت طائفة يقال آل الرجل له نفسه وآل الرجل لمن يتبعه وآله لأهله وأقاربه فمن الأول قول النبي لما جاءه أبو أوفى بصدقته اللهم صل على آل أبي أوفى وقوله تعالى سلام على آل ياسين الصافات 130 وقوله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم فآل إبراهيم هو إبراهيم لأن الصلاة المطلوبة للنبي هي الصلاة على إبراهيم نفسه وآله تبع له فيها ونازعهم في ذلك آخرون وقالوا لا يكون الآل إلا الأتباع والأقارب وما ذكرتموه من الأدلة فالمراد بها الأقارب وقوله
كما صليت على آل إبراهيم آل إبراهيم هنا هم الأنبياء والمطلوب من الله سبحانه أن يصلي على رسوله كما صلى على جميع الأنبياء من ذرية إبراهيم لا إبراهيم وحده كما هو مصرح به في بعض الألفاظ من قوله على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وأما قوله تعالى سلام على آل ياسين الصافات 130 فهذه فيها قراءتان إحداهما إلياسين بوزن إسماعيل وفيه وجهان أحدهما أنه اسم ثان للنبي إلياس وإلياسين كميكال وميكائيل والوجه الثاني أنه جمع وفيه وجهان أحدهما أنه جمع إلياس وأصله إلياسيين بيائين كعبرانيين ثم خففت أحدى اليائين فقيل إلياسين والمراد أتباعه كما حكى سيبويه الأشعرون ومثله الأعجمون والثاني أنه جمع إلياس محذوف الياء والقراءة الثانية سلام على آل ياسين وفيه أوجه أحدها أن ياسين اسم لأبيه فأضيف إليه الآل كما يقال آل إبراهيم والثاني أن آل ياسين هو إلياس نفسه فيكون آل مضافة إلى يس والمراد بالآل يس نفسه كما ذكر الأولون
والثالث انه على حذف ياء النسب فيقال يس واصله ياسيين كما تقدم وآلهم أتباعهم على دينهم والرابع أن يس هو القرآن وآله هم أهل القرآن والخامس أنه النبي وآله أقاربه وأتباعه كما سيأتي وهذه الأقوال كلها ضعيفة والذي حمل قائلها عليها استشكالهم إضافة آل إلى يس واسمه إلياس وإلياسين ورأوها في المصحف مفصولة وقد قرأها بعض القراء آل ياسين فقال طائفة منهم له أسماء يس وإلياسين وإلياس وقالت طائفة يس اسم لغيره ثم اختلفوا فقال الكلبي يس محمد سلم الله على آله وقالت طائفة هو القرآن وهذا كله تعسف ظاهر لا حاجة إليه والصواب والله أعلم في ذلك أن أصل الكلمة آل ياسين كآل إبراهيم فحذفت الألف واللام من أوله لاجتماع الأمثال ودلالة الاسم على موضع المحذوف وهذا كثير في كلامهم إذا اجتمعت الأمثال كرهوا النطق بها كلها فحذفوا منها ما لا إلباس في حذفه وإن كانوا لا يحذفونه في موضع لا تجتمع فيه الأمثال ولهذا لا يحذفون النون من إني وأني وكأني ولكني ولا يحذفونها من ليتني ولما كانت اللام في لعل شبيهة بالنون حذفوا النون معها ولا سيما عادة العرب في استعمالها للاسم الأعجمي وتغييرها له فيقولون مرة إلياسين ومرة إلياس ومرة ياسين وربما قالوا ياس ويكون على إحدى القراءتين قد وقع على المسلم عليه وعلى القراءة الأخرى على آله
وعلى هذا ففصل النزاع بين أصحاب القولين في الآل أن الآل إن أفرد دخل فيه المضاف إليه كقوله تعالى أدخلوا آل فرعون أشد العذاب غافر 46 ولا ريب في دخوله في آله هنا وقوله تعالى ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين الأعراف 130 ونظائره وقول النبي اللهم صل على آل أبي أوفى ولا ريب في دخول أبي أوفى نفسه في ذلك وقوله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم هذه أكثر روايات البخاري وإبراهيم هنا داخل في آله ولعل هذا مراد من قال آل الرجل نفسه وأما إن ذكر الرجل ثم ذكر آله لم يدخل فيهم ففرق بين المجرد والمقرون فإذا قلت أعط لزيد وآل زيد لم يكن زيد هنا داخلا في آله وإذا قلت أعطه لآل زيد تناول زيدا وآله وهذا له نظائر كثيرة قد ذكرناها في غير هذا الموضع وهي أن اللفظ تختلف دلالته بالتجريد والاقتران كالفقير والمسكين هما صنفان إذا قرن بينهما وصنف واحد إذا أفرد كل منهما ولهذا كانا في الزكاة صنفين وفي الكفارات صنف واحد وكالإيمان والإسلام والبر والتقوى والفحشاء والمنكر والفسوق والعصيان ونظائر ذلك كثيرة ولا سيما في القرآن
فصل واختلف في آل النبي على أربعة أقوال فقيل هم الذين حرمت عليهم الصدقة وفيهم ثلاثة أقوال للعلماء أحدها أنهم بنو هاشم وبنو المطلب وهذا مذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه والثاني أنهم بنو هاشم خاصة وهذا مذهب أبي حنيفة والرواية الثانية عن أحمد واختيار ابن القاسم صاحب مالك والثالث أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب فيدخل فيهم بنو المطلب وبنو أمية وبنو نوفل ومن فوقهم إلى بني غالب وهذا اختيار أشهب من أصحاب مالك حكاه صاحب - الجواهر - عنه وحكاه اللخمي في التبصرة عن أصبغ ولم يحكه عن أشهب وهذا القول في الآل أعني أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة هو منصوص الشافعي وأحمد والأكثرين وهو اختيار جمهور أصحاب أحمد والشافعي والقول الثاني أن آل النبي هم ذريته وأزواجه خاصة حكاه ابن عبد البر في التمهيد قال في
باب عبد الله بن أبي بكر في شرح حديث أبي أحمد حميد الساعدي استدل قوم بهذا الحديث على أن آل محمد هم وأزواجه وذريته خاصة لقوله في حديث مالك عن نعيم المجمر وفي غير ما حديث اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وفي هذا الحديث يعني حديث أبي حميد اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته قالوا فهذا تفسير ذلك الحديث ويبين أن آل محمد هم أزواجه وذريته قالوا فجائز أن يقول الرجل لكل من كان من أزواج محمد ومن ذريته صلى الله عليك إذا واجهه وصلى الله عليه إذا غاب عنه ولا يجوز ذلك في غيرهم قالوا والآل والأهل سواء وآل الرجل وأهله سواء وهم الأزواج والذرية بدليل هذا الحديث والقول الثالث أن آله اتباعه إلى يوم القيامة حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم وأقدم من روي عنه هذا القول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ذكره البيهقي عنه ورواه عنه سفيان الثوري وغيره واختاره بعض أصحاب الشافعي حكاه عنه أبو الطيب الطبري في تعليقه ورجحه الشيخ محيي الدين النواوي في شرح مسلم واختاره الأزهري والقول الرابع أن آله هم الأتقياء من أمته حكاه القاضي حسين والراغب وجماعة
فصل في ذكر حجج هذه الأقوال وتبيين ما فيها من الصحيح والضعيف فأما القول الأول وهو أن الآل من تحرم عليهم الصدقة على ما فيهم من الاختلاف فحجته من وجوه أحدها ما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله يؤتى بالنخل عند صرامه فيجيء هذا بتمرة وهذا بتمرة حتى يصير عنده كوم من تمر فجعل الحسن والحسين يلعبان بذلك التمر فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه فنظر إليه رسول الله فأخرجها من فيه فقال أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة ورواه مسلم وقال إنا لا تحل لنا الصدقة الثاني ما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم قال قام رسول الله يوما خطيبا فينا بماء يدعى خما بين مكة
والمدينة فحمد الله تعالى وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي تعالى وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله تعالى فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه وقال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي فقال حصين بن سبرة ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته قال إن نساءه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال ومن هم قال هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال أكل هؤلاء حرم عليهم الصدقة قال نعم وقد ثبت أن النبي قال إن الصدقة لا تحل لآل محمد الدليل الثالث ما في الصحيحين من حديث الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي مما أفاء الله على رسوله فقال أبو بكر رضي الله عنه إن رسول الله قال لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال يعني مال الله ليس لهم أن يزيدوا على المأكل فآله لهم خواص منها حرمان الصدقة ومنها أنهم
لا يرثونه ومنها استحقاقهم خمس الخمس ومنها اختصاصهم بالصلاة عليهم وقد ثبت أن تحريم الصدقة واستحقاق خمس الخمس وعدم توريثهم مختص ببعض أقاربه فكذلك الصلاة على آله الدليل الرابع ما رواه مسلم من حديث ابن شهاب عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي أن عبد المطلب بن ربيعة أخبره أن أباه ربيعة بن الحارث قال لعبد المطلب بن ربيعة وللفضل بن العباس رضي الله عنهما ائتيا رسول الله فقولا له استعملنا يا رسول الله على الصدقات فذكر الحديث وفيه فقال لنا إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد الدليل الخامس ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن النبي أمر بكبش اقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فذكر الحديث وقال فيه فأخذ النبي الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى به
هكذا رواه مسلم بتمامه وحقيقه العطف المغايرة وأمته أعم من آله قال أصحاب هذا القول وتفسير الآل بكلام النبي أولى من تفسيره بكلام غيره
فصل وأما القول الثاني أنهم ذريته وأزواجه خاصة فقد تقدم احتجاج ابن عبد البر له في حديث أبي حميد اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته وفي غيره من الأحاديث اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وهذا غايته أن يكون الأول منهما قد فسره اللفظ الآخر واحتجوا أيضا بما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ومعلوم أن هذه الدعوة المستجابة لم تنل كل بني هاشم ولا بني المطلب لأنه كان فيهم الأغنياء وأصحاب الجدة وإلى الآن وأما أزواجه وذريته فكان رزقهم قوتا وما كان يحصل لأزواجه بعده من الأموال كن يتصدقن به ويجعلن رزقهن قوتا وقد جاء عائشة رضي الله عنها مال عظيم فقسمته كله في قعدة واحدة فقالت لها الجارية لو خبأت لنا درهما نشتري به لحما فقالت لها لو ذكرتني فعلت
واحتجوا أيضا بما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله تعالى قالوا ومعلوم أن العباس وأولاده وبني المطلب لم يدخلوا في لفظ عائشة ولا مرادها قال هؤلاء وإنما دخل الأزواج في الآل وخصوصا أزواج النبي تشبيها لذلك بالسبب لأن اتصالهن بالنبي غير مرتفع وهن محرمات على غيره في حياته وبعد مماته وهن زوجاته في الدنيا والآخرة فالسبب الذي لهن بالنبي قائم مقام النسب وقد نص على الصلاة عليهن ولهذا كان القول الصحيح وهو منصوص الإمام أحمد رحمه الله أن الصدقة تحرم عليهم لأنها أوساخ الناس وقد صان الله سبحانه ذلك الجناب الرفيع وآله من كل أوساخ بني آدم ويا لله العجب كيف يدخل أزواجه في قوله اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا وقوله في الأضحية اللهم هذا عن محمد وآل محمد وفي قول عائشة رضي الله عنها ما شبع آل رسول الله من خبز بر وفي قول المصلى اللهم صل على محمد وعلى آل
محمد ولا يدخلن في قوله إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد مع كونها من أوساخ الناس فأزواج رسول الله أولى بالصيانة عنها والبعد منها فإن قيل لو كانت الصدقة حراما عليهم لحرمت على مواليهن كما أنها لما حرمت على بني هاشم حرمت على مواليهم وقد ثبت في - الصحيح - أن بريرة تصدق عليها بلحم فأكلته ولم يحرمه النبي وهي مولاة لعائشة رضي الله عنها قيل هذا هو شبهة من أباحها لأزواج النبي وجواب هذه الشبهة أن تحريم الصدقة على أزواج النبي ليس بطريق الأصالة وإنما هو تبع لتحريمها عليه وإلا فالصدقة حلال لهن قبل اتصالهن به فهن فرع في هذا التحريم والتحريم على المولى فرع التحريم على سيده فلما كان التحريم على بني هاشم أصلا استتبع ذلك مواليهم ولما كان التحريم على أزواج النبي تبعا لم يقو ذلك على استتباع مواليهن لأنه فرع عن فرع قالوا وقد قال الله تعالى يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها
مرتين واعتدنا لها رزقا كريما يا نساء النبي لستن كاحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة الأحزاب 30 34 فدخلن في أهل البيت لأن هذا الخطاب كله في سياق ذكرهن فلا يجوز إخراجهن في شيء منه
فصل وأما القول الثالث وهو أن آل النبي أمته وأتباعه إلى يوم القيامة فقد احتج له بأن آل المعظم المتبوع هم أتباعه على دينه وأمره قريبهم وبعيدهم قالوا واشتقاق هذه اللفظة تدل عليه فإنه من آل يؤول إذا رجع ومرجع الأتباع إلى متبوعهم لأنه إمامهم وموئلهم قالوا ولهذا كان قوله تعالى إلا آل لوط نجيناهم بسحر القمر 34 المراد به أتباعه وشيعته المؤمنون به من أقاربه وغيرهم وقوله تعالى أدخلوا آل فرعون أشد العذاب غافر 46 المراد به أتباعه واحتجوا أيضا بأن واثلة بن الأسقع روى أن النبي دعا حسنا وحسينا فأجلس كل واحد منهما على فخذه وأدنى فاطمة رضي الله عنها من حجرة وزوجها ثم لف عليهم ثوبه ثم قال اللهم هؤلاء أهلي قال واثلة فقلت يا رسول الله وأنا من
أهلك فقال وأنت من أهلي رواه البيهقي // بإسناد جيد // قالوا ومعلوم أن واثلة بن الأسقع من بني ليث بن بكر بن عبد مناة وإنما هو من أتباع النبي
فصل وأما أصحاب القول الرابع أن آله الأتقياء من أمته فاحتجوا بما رواه الطبراني في معجمه عن جعفر بن إلياس بن صدقة حدثنا نعيم بن حماد حدثنا نوح بن أبي مريم عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال سئل رسول الله من آل محمد فقال كل تقي وتلا رسول الله ﷺ إن أولياؤه إلا المتقون الأنفال 38 قال الطبراني لم يروه عن يحيى إلا نوح تفرد به نعيم وقد رواه البيهقي من حديث عبد الله بن أحمد بن يونس حدثنا نافع أبو هرمز عن أنس فذكره ونوح هذا ونافع لا يحتج بهما أحد من أهل العلم وقد رميا بالكذب واحتج لهذا القول أيضا بأن الله تعالى قال لنوح عن ابنه إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح هود 46 فأخرجه بشركه أن يكون من أهله فعلم أن آل الرسول هم أتباعه وأجاب عنه الشافعي رحمه الله بجواب جيد وهو أن
المراد أنه ليس من أهلك الذين أمرنا بحملهم ووعدناك نجاتهم لأن الله سبحانه قال له قبل ذلك احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول هود 40 فليس ابنه من أهله الذين ضمن نجاتهم قلت ويدل على صحة هذا أن سياق الآية يدل على أن المؤمنين به قسم غير أهله الذين هم أهله لأنه قال سبحانه احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن فمن آمن معطوف على المفعول بالحمل وهم الأهل والاثنان من كل زوجين واحتجوا أيضا بحديث واثلة بن الأسقع المتقدم قالوا وتخصيص واثلة بذلك أقرب من تعميم الأمة به وكأنه جعل واثلة في حكم الأهل تشبيها بمن يستحق هذا الاسم فهذا ما احتج به أصحاب كل قول من هذه الأقوال والصحيح هو القول الأول ويليه القول الثاني واما الثالث والرابع فضعيفان لأن النبي قد رفع الشبهة بقوله إن الصدقة لا تحل لآل محمد وقوله إنما يأكل آل محمد من هذا المال وقوله اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا وهذا لا يجوز أن يراد به عموم الأمة قطعا فأولى ما حمل عليه الآل في الصلاة الآل المذكورون في سائر ألفاظه ولا يجوز العدول عن ذلك وأما تنصيصه على الأزواج والذرية فلا يدل على اختصاص الآل بهم بل هو حجة على عدم الاختصاص بهم لما روى أبو داود من حديث نعيم المجمر عن أبي هريرة رضي الله عنه في
الصلاة على النبي اللهم صل على محمد النبي الأمي وأزواجه امهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم فجمع بين الأزواج والذرية والأهل وإنما نص عليهم بتعيينهم ليبين أنهم حقيقيون بالدخول في الآل وأنهم ليسوا بخارجين منه بل هم أحق من دخل فيه وهذا كنظائره من عطف الخاص على العام وعكسه تنبيها على شرفه وتخصيصا له بالذكر من بين النوع لأنه من أحق أفراد النوع بالدخول فيه وهنا للناس طريقان أحدهما أن ذكر الخاص قبل العام أو بعده قرينة تدل على أن المراد به بالعام ما عداه والطريق الثاني أن الخاص ذكر مرتين مرة بخصوصه ومرة بشمول الاسم العام له تنبيها على مزيد شرفه وهذا كقوله تعالى وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم الأحزاب 7 وقوله تعالى من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين البقرة 98 وأيضا فإن الصلاة على النبي حق له ولآله دون سائر الأمة ولهذا تجب عليه وعلى آله عند الشافعي رحمه الله وغيره كما سيأتي وإن كان عندهم في الآل اختلاف ومن لم يوجبها فلا ريب أنه يستحبها عليه وعلى آله ويكرهها أو لا يستحبها لسائر المؤمنين أو لا يجوزها على غير النبي وآله فمن قال إن آله في الصلاة كل الأمة فقد أبعد غاية الإبعاد
وأيضا فإن النبي شرع في التشهد السلام والصلاة فشرع في السلام تسليم المصلي على الرسول أولا وعلى نفسه ثانيا وعلى سائر عباد الله الصالحين ثالثا وقد ثبت عن النبي أنه قال فإذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء والأرض وأما الصلاة فلم يشرعها إلا عليه وعلى آله فقط فدل على أن آله هم أهله وأقاربه وأيضا فإن الله سبحانه أمرنا بالصلاة عليه بعد ذكر حقوقه وما خصه به دون أمته من حل نكاحه لمن تهب نفسها له ومن تحريم نكاح أزواجه على الأمة بعده ومن سائر ما ذكر مع ذلك من حقوقه وتعظيمه وتوقيره وتبجيله ثم قال تعالى وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما الأحزاب 53 ثم ذكر رفع الجناح عن أزواجه في تكليمهن آباءهن وأبناءهن ودخولهم عليهن وخلوتهم بهن ثم عقب ذلك بما هو حق من حقوقه الأكيدة على أمته وهو أمرهم بصلاتهم عليه وسلامهم مستفتحا ذلك الأمر بإخباره بأنه هو وملائكته يصلون عليه فسأل الصحابة رسول الله على أي صفة يؤدون هذا الحق فقال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد فالصلاة على آله هي من تمام الصلاة عليه وتوابعها لأن ذلك
مما تقر به عينه ويزيده الله به شرفا وعلوا صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما وأما من قال إنهم الأتقياء من أمته فهؤلاء هم أولياؤه فمن كان منهم من أقربائه فهو من أوليائه ومن لم يكن منهم من أقربائه فهم من أوليائه لا من آله فقد يكون الرجل من آله وأوليائه كأهل بيته والمؤمنين به من أقاربه ولا يكون من آله ولا من أوليائه وقد يكون من أوليائه وإن لم يكن من آله كخلفائه في أمته الداعين إلى سنته الذابين عنه الناصرين لدينه وإن لم يكن من أقاربه وثبت في الصحيح عن النبي أنه قال إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إن أوليائي المتقون اين كانوا ومن كانوا وغلط بعض الرواة في هذا الحديث وقال إن آل أبي بياض والذي غر هذا أن في الصحيح إن آل أبي ليسوا لي بأولياء وأخلى بياضا بين أبي وبين ليسوا فجاء بعض النساخ فكتب على ذلك الموضع بياض يعني أنه كذا وقع فجاء آخر فظن أن بياض هو المضاف إليه فقال أبي بياض ولا يعرف في العرب أبو بياض والنبي لم يذكر ذلك وإنما سمى قبيلة كبيرة من قبائل قريش والصواب لمن قرأها في ذلك النسخ أن يقرأها إن آل
أبي بياض بضم الضاد من بياض لا بجرها والمعنى وثم بياض أو هنا بياض ونظير هذا ما وقع في كتاب مسلم في حديث جابر الطويل ونحن يوم القيامة أي فوق كذا انظر وهذه الألفاظ لا معنى لها هنا أصلا وإنما هي من تخليط النساخ والحديث بهذا السند والسياق في مسند الإمام أحمد ونحن يوم القيامة على كوم أو تل فوق الناس فاشتبه على الناسخ التل أو الكوم ولم يفهم ما المراد فكتب على الهامش انظر وكتب هو أو غيره كذا فجاء آخر فجمع بين ذلك كله وأدخله في متن الحديث سمعته من شيخنا أبي العباس أحمد بن تيمية رحمه الله والمقصود أن المتقين هم أولياء رسول الله وأولياؤه هم أحب إليه من آله قال الله تعالى وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير التحريم 4 وسئل النبي أي الناس أحب إليك قال عائشة
رضي الله عنها قيل من الرجال قال أبوها رضي الله عنه // متفق عليه // وذلك أن المتقين هم أولياء الله كما قال تعالى ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون يونس 62 63 وأولياء الله سبحانه وتعالى أولياء لرسوله وأما من زعم أن الآل هم الأتباع فيقال لا ريب أن الأتباع يطلق عليهم لفظ الآل في بعض المواضع بقرينة ولا يلزم من ذلك أنه حيث وقع لفظ الآل يراد به الأتباع لما ذكرنا من النصوص والله أعلم
فصل وأما الأزواج فجمع زوج وقد يقال زوجة والأول أفصح وبها جاء القرآن قال تعالى يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة البقرة 35 وقال تعالى في حق زكريا عليه السلام وأصلحنا له زوجه الأنبياء 90 ومن الثاني قول ابن عباس رضي الله عنهما في عائشة رضي الله عنها إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة وقال الفرزدق وإن الذي يبغي ليفسد زوجتي ... كساع إلى أسد الشرى يستبيلها وقد يجمع على زوجات وهذا إنما هو جمع زوجة وإلا فجمع زوج أزواج قال تعالى هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون يس 56
وقال تعالى أنتم وأزواجكم تحبرون الزخرف 70 وقد وقع في القرآن الإخبار عن أهل الإيمان بلفظ الزوج مفردا وجمعا كما تقدم وقال تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم الأحزاب 6 وقال تعالى يا أيها النبي قل لأزواجك الأحزاب 59 والإخبار عن أهل الشرك بلفظ المرأة قال تعالى تبت يدا أبي لهب إلى قوله وامرأته حمالة الحطب المسد 1 4 وقال تعالى ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط التحريم 10 فلما كانتا مشركتين أوقع عليهما اسم المرأة وقال في فرعون وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون التحريم 11 لما كان هو المشرك وهي مؤمنة لم يسمها زوجا له وقال في حق آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وقال للنبي إنا أحللنا لك أزواجك الأحزاب 50 وقال في حق المؤمنين ولهم فيها أزواج مطهرة البقرة 25 فقالت طائفة منهم السهيلي وغيره إنما لم يقل في حق هؤلاء الأزواج لأنهن لسن بأزواج لرجالهم في الآخرة ولأن التزويج حلية شرعية وهو من أمر الدين فجرد الكافرة منه كما جرد منها امرأة نوح وامرأة لوط
ثم أورد السهيلي على نفسه قول زكريا عليه السلام وكانت امرأتي عاقرا مريم 5 وقوله تعالى عن إبراهيم فأقبلت امرأته في صرة الذاريات 29 وأجاب بأن ذكر المرأة أليق في هذه المواضع لأنه في سياق ذكر الحمل والولادة فذكر المرأة أولى به لأن الصفة التي هي الأنوثة هي المقتضية للحمل والوضع لا من حيث كانت زوجا قلت ولو قيل إن السر في ذكر المؤمنين ونسائهم بلفظ الأزواج أن هذا اللفظ مشعر بالمشاكلة والمجانسة والاقتران كما هو المفهوم من لفظه فإن الزوجين هما الشيئان المتشابهان المتشاكلان أو المتساويان ومنه قوله تعالى احشروا الذين ظلموا وأزواجهم الصافات 22 قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أزواجهم أشباههم ونظراؤهم وقاله الإمام أحمد أيضا ومنه قوله تعالى وإذا النفوس زوجت التكوير 7 أي قرن بين كل شكل وشكله في النعيم والعذاب قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذه الآية الصالح مع الصالح في الجنة والفاجر مع الفاجر في النار وقاله الحسن وقتادة والأكثرون وقيل زوجت أنفس المؤمنين بالحور العين وأنفس الكافرين بالشياطين وهو راجع إلى القول الأول
قال تعالى ثمانية أزواج الأنعام 143 ثم فسرها من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين الأنعام 143 144 فجعل الزوجين هما الفردان من نوع واحد ومنه قولهم زوجا خف وزوجا حمام ونحوه ولا ريب أن الله سبحانه وتعالى قطع المشابهة والمشاكلة بين الكافر والمؤمن قال تعالى لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة الحشر 20 وقال تعالى في حق مؤمني أهل الكتاب وكافرهم ليسوا سواء من أهل الكتاب الآية آل عمران 113 وقطع المقارنة سبحانه بينهما في أحكام الدنيا فلا يتوارثان ولا يتناكحان ولا يتولى أحدهما صاحبه فكما انقطعت الوصلة بينهما في المعنى انقطعت في الاسم فأضاف فيها المرأة بلفظ الأنوثة المجرد دون لفظ المشاكلة والمشابهة وتأمل هذا المعنى تجده أشد مطابقة لألفاظ القرآن ومعانيه ولهذا وقع على المسلمة امرأة الكافر وعلى الكافرة امرأة المؤمن لفظ المرأة دون الزوجة تحقيقا لهذا المعنى والله أعلم وهذا أولى من قول من قال إنما سمى صاحبة أبي لهب امرأته ولم يقل لها زوجته لأن أنكحة الكفار لا يثبت لها حكم الصحة بخلاف أنكحة أهل الإسلام فإن هذا باطل بإطلاقه اسم المرأة على امرأة نوح وامرأة لوط مع صحة ذلك النكاح
وتأمل في هذا المعنى في آية المواريث وتعليقه سبحانه التوارث بلفظ الزوجة دون المرأة كما في قوله تعالى ولكم نصف ما ترك أزواجكم النساء 12 إيذانا بأن هذا التوارث إنما وقع بالزوجية المقتضية للتشاكل والتناسب والمؤمن والكافر لا تشاكل بينهما ولا تناسب فلا يقع بينهما التوارث وأسرار مفردات القرآن ومركباته فوق عقول العالمين
فصل وهذاأليق المواضع بذكر أزواجه وأولاهن خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب تزوجها بمكة وهو ابن خمس وعشرين سنة وبقيت معه إلى أن أكرمه الله برسالته فآمنت به ونصرته فكانت له وزير صدق وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين في الأصح وقيل بأربع وقيل بخمس ولها خصائص رضي الله عنها منها أنه لم يتزوج عليها غيرها ومنها أن أولاده كلهم منها إلا إبراهيم عليه السلام فإنه من سريته مارية ومنها أنها خير نساء الأمة واختلف في تفضيلها على عائشة رضي الله عنها على ثلاثة أقوال ثالثها الوقف وسألت شيخنا ابن تيمية رحمه الله فقال اختص كل واحدة منها بخاصة فخديجة كان تأثيرها في أول الإسلام وكانت تسلي رسول الله وتثبته وتسكنه وتبذل دونه
مالها فأدركت عزة الإسلام واحتملت الأذى في الله وفي رسوله وكانت نصرتها للرسول في أعظم أوقات الحاجة فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها وعائشة رضي الله عنها تأثيرها في آخر الإسلام فلها من التفقه في الدين وتبليغه إلى الأمة وانتفاع نبيها بما أدت إليهم من العلم ما ليس لغيرها هذا معنى كلامه قلت ومن خصائصها أن الله سبحانه بعث إليها السلام مع جبريل عليه السلام فبلغها رسول الله ذلك قال البخاري في صحيحه حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا محمد بن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتى جبريل النبي فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب وهذه لعمر الله خاصة لم تكن لسواها وأما عائشة رضي الله عنها فإن جبريل عليه السلام سلم عليها على لسان النبي
قال البخاري حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال أبو سلمة إن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله يوما يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام فقالت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ترى ما لا أرى تريد رسول الله ومن خواص خديجة رضي الله عنها أنها لم تسؤه قط ولم تغاضبه ولم ينلها منه إيلاء ولا عتب قط ولا هجر وكفى به منقبة وفضيلة ومن خواصها أنها أول امرأة آمنت بالله ورسوله من هذه الأمة
فصل فلما توفاها الله سبحانه وتعالى تزوج بعدها سودة بني زمعة رضي الله عنها وهي سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس ابن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي كبرت عنده وأراد طلاقها فوهبت يومها لعائشة رضي الله عنها فأمسكها وهذا من خواصها أنها آثرت بيومها حب رسول الله تقربا إلى رسول الله وحبا له وإيثارا لمقامها معه فكان يقسم لنسائه ولا يقسم لها وهي راضية بذلك مؤثرة لرضى رسول الله رضي الله عنها وتزوج الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما وهي بنت ست سنين قبل الهجرة بسنتين وقيل بثلاث وبنى بها بالمدينة أول مقدمه في السنة الأولى وهي بنت تسع
ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة وتوفيت بالمدينة ودفنت بالبقيع وأوصت أن يصلي عليها أبو هريرة رضي الله عنه سنة ثمان وخمسين ومن خصائصها أنها كانت أحب أزواج رسول الله إليه كما ثبت عنه ذلك في البخاري وغيره وقد سئل أي الناس أحب إليك قال عائشة قيل فمن الرجال قال أبوها ومن خصائصها أيضا أنه لم يتزوج امرأة بكرا غيرها ومن خصائصها أنه كان ينزل عليه الوحي وهو في لحافها دون غيرها ومن خصائصها أن الله تعالى لما أنزل عليه آية التخيير بدأ بها فخيرها فقال ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك فقالت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة فاستن بها بقية أزواجه وقلن كما قالت ومن خصائصها أن الله سبحانه برأها مما رماها به أهل الإفك وأنزل في عذرها وبراءتها وحيا يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة وشهد لها بأنها من الطيبات ووعدها
المغفرة والرزق الكريم وأخبر سبحانه أن ما قيل فيها من الإفك كان خيرا لها ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شرا لها ولا عائبا لها ولا خافضا من شأنها بل رفعها الله بذلك وأعلى قدرها وأعظم شأنها وصار لها ذكرا بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء فيا لها من منقبة ما أجلها وتأمل هذا التشريف والإكرام الناشئ عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها حيث قالت ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله رؤيا يبرئني الله بها فهذه صديقة الأمة وأم المؤمنين وحب رسول الله وهي تعلم أنها بريئة مظلومة وأن قاذفيها ظالمون لها مفترون عليها قد بلغ أذاهم إلى أبويها وإلى رسول الله وهذا كان احتقارها لنفسها وتصغيرها لشأنها فما ظنك بمن صام يوما أو يومين أو شهرا أو شهرين وقام ليلة أو ليلتين فظهر عليه شيء من الأحوال ولاحظوا بعين استحقاق الكرامات والمكاشفات والمخاطبات والمنازلات وإجابة الدعوات وأنهم ممن يتبرك بلقائهم ويغتنم صالح دعائهم وأنهم يجب على الناس احترامهم وتعظيمهم وتعزيرهم وتوقيرهم فيتمسح بأثوابهم ويقبل ثرى أعتابهم وأنهم من الله بالمكانة التي ينتقم لهم لأجلها ممن تنقصهم في الحال وأن يؤخذ ممن أساء الأدب عليهم من
غير إمهال وأن إساءة الأدب عليهم ذنب لا يكفره شيء إلا رضاهم ولو كان هذا من وراء كفاية لهان ولكن من وراء تخلف وهذه الحماقات والرعونات نتائج الجهل الصميم والعقل غير المستقيم فإن ذلك إنما يصدر من جاهل معجب بنفسه غافل عن جرمه وذنوبه مغتر بإمهال الله تعالى له عن أخذه بما هو فيه من الكبر والإزراء على من لعله عند الله تعالى خير منه نسأل الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة وينبغي للعبد أن يستعيذ بالله أن يكون عند نفسه عظيما وهو عند الله حقير ومن خصائصها رضي الله عنها أن الأكابر من الصحابة رضي الله عنهم كان إذا أشكل عليهم أمر من الدين استفتوها فيجدون علمه عندها ومن خصائصها أن رسول الله توفي في بيتها وفي يومها وبين سحرها ونحرها ودفن في بيتها ومن خصائصها أن الملك أرى صورتها للنبي قبل أن يتزوجها في سرقة حرير فقال النبي إن يكن هذا من عند الله يمضه
ومن خصائصها أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يومها من رسول الله تقربا إلى الرسول فيتحفونه بما يحب في منزل أحب نسائه إليه رضي الله عنهن أجمعين وتكنى أم عبد الله وروي أنها أسقطت من النبي سقطا ولا يثبت ذلك وتزوج رسول الله حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وكانت قبله عند خنيس بن حذافة وكان من أصحاب رسول الله وممن شهد بدرا توفيت سنة سبع وقيل ثمان وعشرين ومن خصائصها ما ذكره الحافظ أبو محمد المقدسي في مختصره في السيرة أن النبي طلقها فأتاه جبريل فقال إن الله يأمرك أن تراجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة وقال الطبراني في المعجم الكبير حدثنا أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى حدثنا جدي حرملة حدثنا ابن وهب حدثني عمرو بن صالح الحضرمي عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر أن النبي طلق حفصة فبلغ ذلك
عمر بن الخطاب رضي الله عنه فوضع التراب على رأسه وقال ما يعبأ الله بابن الخطاب بعد هذا فنزل جبريل عليه السلام على النبي فقال إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر رضي الله تعالى عنه وتزوج رسول الله أم حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة بنت صخر بن حرب بن امية بن عبد شمس بن عبد مناف هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة فتنصر بالحبشة وأتم الله لها الإسلام وتزوجها رسول الله وهي بأرض الحبشة وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار // إسناده صحيح // وبعث رسول الله عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي يخطبها وولي نكاحها عثمان بن عفان وقيل خالد بن سعيد بن العاص وقد روى مسلم في صحيحه من حديث عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه قال كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي ثلاث خلال أعطنيهن قال نعم قال عندي أحسن
العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها قال نعم قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك قال نعم وتؤمرني أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم قال أبو زميل ولولا أنه طلب ذلك من النبي ما أعطاه ذلك لأنه لم يكن يسأل شيئا إلا قال نعم وقد أشكل هذا الحديث على الناس فإن أم حبيبة تزوجها رسول الله قبل إسلام أبي سفيان كما تقدم زوجها إياه النجاشي ثم قدمت على رسول الله قبل أن يسلم أبوها فكيف يقول بعد الفتح أزوجك أم حبيبة فقالت طائفة هذا الحديث كذب لا أصل له قال ابن حزم كذبه عكرمة بن عمار وحمل عليه واستعظم ذلك آخرون وقالوا أنى يكون في صحيح مسلم حديث موضوع وإنما وجه الحديث أنه طلب من النبي أن يجدد له العقد على ابنته ليبقى له وجه بين المسلمين وهذا ضعيف فإن في الحديث أن النبي وعده وهو الصادق الوعد ولم ينقل أحد قط أنه جدد العقد على أم حبيبة ومثل هذا لو كان لنقل ولو نقل واحد عن واحد فحيث لم ينقله أحد قط علم أنه لم يقع ولم يزد القاضي عياض على استشكاله فقال والذي وقع في مسلم من هذا غريب جدا عند أهل الخبر وخبرها مع أبي سفيان عند وروده إلى المدينة بسبب تجديد الصلح ودخوله عليها مشهور
وقالت طائفة ليس الحديث بباطل وإنما سأل أبو سفيان النبي أن يزوجه ابنته الأخرى عزة أخت أم حبيبة قالوا ولا يبعد أن يخفى هذا على أبي سفيان لحداثة عهده بالإسلام وقد خفي هذا على ابنته أم حبيبة حتى سألت رسول الله أن يتزوجها فقال إنها لا تحل لي فأراد أن يزوج النبي ابنته الأخرى فاشتبه على الراوي وذهب وهمه إلى أنها أم حبيبة وهذه التسمية من غلط بعض الرواة لا من قول أبي سفيان لكن يرد هذا أن النبي قال نعم وأجابه إلى ما سأل فلو كان المسؤول أن يزوجه أختها لقال إنها لا تحل لي كما قال ذلك لأم حبيبة ولولا هذا لكان التأويل في الحديث من احسن التأويلات وقالت طائفة لم يتفق أهل النقل على أن النبي تزوج أم حبيبة رضي الله تعالى عنها وهي بأرض الحبشة بل قد ذكر بعضهم أن النبي تزوجها بالمدينة بعد قدومها من الحبشة حكاه أبو محمد المنذري وهذا من أضعف الأجوبة لوجوه أحدها أن هذا القول لا يعرف به أثر صحيح ولا حسن ولا حكاه أحد ممن يعتمد على نقله الثاني أن قصة تزويج أم حبيبة وهي بأرض الحبشة قد جرت مجرى التواتر كتزويجه خديجة بمكة وعائشة بمكة وبنائه بعائشة بالمدينة وتزويجه حفصة بالمدينة وصفية عام خيبر وميمونة في عمرة القضية ومثل هذه الوقائع شهرتها عند أهل العلم موجبة لقطعهم بها فلو جاء سند ظاهره الصحة يخالفها عدوه غلطا ولم يلتفتوا إليه ولا يمكنهم مكابرة نفوسهم في ذلك الثالث أنه من المعلوم عند أهل العلم بسيرة النبي
وأحواله أنه لم يتأخر نكاح أم حبيبة إلى بعد فتح مكة ولا يقع ذلك في وهم أحد منهم أصلا الرابع أن أبا سفيان لما قدم المدينة دخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله طوته عنه فقال يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني قالت بل هو فراش رسول الله قال والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر وهذا مشهور عند أهل المغازي والسير الخامس أن أم حبيبة كانت من مهاجرات الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش ثم تنصر زوجها وهلك بأرض الحبشة ثم قدمت هي على رسول الله من الحبشة وكانت عنده ولم تكن عند أبيها وهذا مما لا يشك فيه أحد من أهل النقل ومن المعلوم أن أباها لم يسلم إلا عام الفتح فكيف يقول عندي أجمل العرب أزوجك إياها وهل كانت عنده بعد هجرتها وإسلامها قط فإن كان قال له هذا القول قبل إسلامه فهو محال فإنها لم تكن عنده ولم يكن له ولاية عليها أصلا وإن كان قاله بعد إسلامه فمحال أيضا لأن نكاحها لم يتأخر إلى بعد الفتح فإن قيل بل يتعين أن يكون نكاحها بعد الفتح لأن الحديث الذي رواه مسلم صحيح وإسناده ثقات حفاظ وحديث نكاحها وهي بأرض الحبشة من رواية محمد بن إسحاق مرسلا والناس مختلفون في الاحتجاج بمسانيد ابن إسحاق فكيف بمراسيله فكيف بها إذا خالفت المسانيد الثانية وهذه طريقة لبعض المتأخرين في تصحيح حديث ابن عباس هذا
فالجواب من وجوه أحدها أن ما ذكره هذا القائل إنما يمكن عند تساوي النقلين فيرجح بما ذكره وأما مع تحقيق بطلان أحد النقلين وتيقنه فلا يلتفت إليه فإنه لا يعلم نزاع بين اثنين من أهل العلم بالسير والمغازي وأحوال رسول الله أن نكاح أم حبيبة لم يتأخر إلى بعد الفتح ولم يقله أحد منهم قط ولو قاله قائل لعلموا بطلان قوله ولم يشكوا فيه الثاني أن قوله إن مراسيل ابن إسحاق لا تقاوم الصحيح المسند ولا تعارضه فجوابه أن الاعتماد في هذا ليس على رواية ابن إسحاق وحده لا متصله ولا مرسله بل على النقل المتواتر عند أهل المغازي والسير وذكرها أهل العلم واحتجوا على جواز الوكالة في النكاح قال الشافعي في رواية الربيع في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله قال إذا نكح الوليان فالأول أحق قال فيه دلالة على أن الوكالة في النكاح جائزة مع توكيل النبي عمرو بن أمية الضمري فزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وقال الشافعي في كتابه الكبير أيضا رواية الربيع ولا يكون الكافر وليا لمسلمة وإن كانت بنته قد زوج ابن سعيد بن العاص النبي أم حبيبة بنت أبي سفيان وابو سفيان حي لأنها كانت مسلمة وابن سعيد مسلم ولا أعلم مسلما أقرب لها منه
ولم يكن لأبي سفيان فيها ولاية لأن الله قطع الولاية بين المسلمين والمشركين والمواريث والعقل وغير ذلك وابن سعيد هذا الذي ذكره الشافعي هو خالد بن سعيد بن العاص ذكره ابن إسحاق وغيره وذكر عروة والزهري أن عثمان بن عفان رضي الله عنه هو الذي ولي نكاحها وكلاهما ابن عم ابيها لأن عثمان هو ابن عفان بن أبي العاص بن أمية وخالد هو ابن سعيد بن العاص بن أمية وابو سفيان هو ابن حرب بن أمية والمقصود أن أئمة الفقه والسير ذكروا أن نكاحها كان بأرض الحبشة وهذا يبطل وهم من توهم أنه تأخر إلى بعد الفتح اغترارا منه بحديث عكرمة ابن عمار الثالث أن عكرمة بن عمار راوي حديث ابن عباس هذا قد ضعفه كثير من أئمة الحديث منهم يحيى بن سعيد الأنصاري قال ليست أحاديثه بصحاح وقال الإمام أحمد أحاديثه ضعاف وقال أبو حاتم عكرمة هذا صدوق وربما وهم وربما دلس وإذا كان هذا حال عكرمة فلعله دلس هذا الحديث عن غير حافظ أو غير ثقة فإن مسلما في صحيحه رواه عن عباس بن عبد العظيم عن النضر بن محمد عن عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن ابن عباس هكذا معنعنا ولكن قد رواه الطبراني في معجمه فقال حدثنا محمد بن محمد الجذوعي حدثنا العباس ابن عبد العظيم حدثنا النضر بن محمد حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا أبو زميل قال حدثني ابن عباس فذكره وقال أبو الفرج بن الجوزي في هذا الحديث هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد وقد اتهموا به عكرمة بن عمار
راوي الحديث قال وإنما قلنا إن هذا وهم لأن أهل التاريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبيد الله بن جحش وولدت له وهاجر بها وهما مسلمان إلى أرض الحبشة ثم تنصر وثبتت أم حبيبة على دينها فبعث رسول الله إلى النجاشي يخطبها عليه فزوجه إياها وأصدقها عن رسول الله أربعة آلاف درهم وذلك في سنة سبع من الهجرة وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة فدخل عليها فثنت بساط رسول الله حتى لا يجلس عليه ولا خلاف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمان ولا يعرف أن رسول الله أمر أبا سفيان آخر كلامه وقال أبو محمد بن حزم هذا حديث موضوع لا شك في وضعه والآفة فيه من عكرمة بن عمار ولم يختلف في أن رسول الله تزوجها قبل الفتح بدهر وأبوها كافر فإن قيل لم ينفرد عكرمة بن عمار بهذا الحديث بل قد توبع عليه فقال الطبراني في معجمه حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا محمد بن حليف بن مرسال الخثعمي قال حدثني عمي إسماعيل بن مرسال عن أبي زميل الحنفي قال حدثني ابن عباس قال كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يفاتحونه فقال يا رسول الله ثلاث أعطنيهن الحديث فهذا إسماعيل بن مرسال قد رواه عن أبي زميل كما رواه عنه عكرمة بن عمار فبرئ عكرمة من عهدة التفرد
قيل هذه المتابعة لا تفيده قوة فإن هؤلاء مجاهيل لا يعرفون بنقل العلم ولا هم ممن يحتج بهم فضلا عن أن تقدم روايتهم على النقل المستفيض المعلوم عند خاصة أهل العلم وعامتهم فهذه المتابعة أن لم تزده وهنا لم تزده قوة وبالله التوفيق وقالت طائفة منهم البيهقي والمنذري رحمهما الله تعالى يحتمل أن تكون مسألة أبي سفيان النبي أن يزوجه أم حبيبة وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة وهو كافر حين سمع نعي زوج أم حبيبة بأرض الحبشة والمسألة الثانية والثالثة وقعتا بعد إسلامه فجمعها الراوي وهذا أيضا ضعيف جدا فان أبا سفيان إنما قدم المدينة آمنا بعد الهجرة في زمن الهدنة قبيل الفتح وكانت أم حبيبة إذ ذاك من نساء النبي ولم يقدم أبو سفيان قبل ذلك إلا مع الأحزاب عام الخندق ولولا الهدنة والصلح الذي كان بينهم وبين النبي لم يقدم المدينة فمتى قدم وزوج النبي أم حبيبة فهذا غلط ظاهر وأيضا فإنه لا يصح أن يكون تزويجه إياها في حال كفره إذ لا ولاية له عليها ولا تأخر ذلك إلى بعد إسلامه لما تقدم فعلى التقديرين لا يصح قوله أزوجك أم حبيبة وأيضا فإن ظاهر الحديث يدل على أن المسائل الثلاثة وقعت منه في وقت واحد وانه قال ثلاث أعطنيهن الحديث ومعلوم أن سؤاله تأميره واتخاذ معاوية كاتبا إنما يتصور بعد إسلامه فكيف يقال بل سأل بعض ذلك في حال كفره وبعضه وهو مسلم وسياق الحديث يرده
وقالت طائفة بل يمكن حمل الحديث على محمل صحيح يخرج به عن كونه موضوعا إذ القول بأن في - صحيح مسلم - حديثا موضوعا مما ليس يسهل قال وجهه أن يكون معنى ازوجكها ارضى بزواجك بها فإنه كان على رغم مني وبدون اختياري وان كان نكاحك صحيحا لكن هذا اجمل واحسن واكمل لما فيه من تأليف القلوب قال وتكون اجابة النبي ب نعم كانت تأنيسا ثم اخبره بعد بصحة العقد فإنه لا يشترط رضاك ولا ولاية لك عليها لاختلاف دينكما حالة العقد قال وهذا مما لا يمكن دفع احتماله وهذا مما لا يقوى أيضا ولا يخفى شدة بعد هذا التأويل من اللفظ وعدم فهمه منه فإن قوله عندي اجمل العرب ازوجكها لا يفهم منه أحد أن زوجتك التي هي عصمة نكاحك ارضى بزواجك بها ولا يطابق هذا المعنى أن يقول له النبي نعم فإنه إنما سأل النبي أمرا تكون الإجابة اليه من جهته فأما رضاه بزواجه بها فأمر قائم بقلبه هو فكيف يطلبه من النبي ولو قيل طلب منه أن يقره على نكاحه إياها وسمى اقراره نكاحا لكان مع فساده اقرب إلى اللفظ وكل هذه تأويلات مستكرهة في غاية المنافرة للفظ ولمقصود الكلام وقالت طائفة كان أبو سفيان يخرج إلى المدينة كثيرا فيحتمل أن يكون جاءها وهو كافر أو بعد إسلامه حين كان النبي آلى من نسائه شهرا واعتزلهن فتوهم أن ذلك الايلاء طلاق كما توهمه عمر رضي الله عنه فظن وقوع الفرقة به فقال هذا القول للنبي متعطفا له ومتعرضا لعله يراجعها فأجابه
النبي ب نعم على تقدير إن امتد الايلاء أو وقع طلاق فلم يقع شيء من ذلك وهذا أيضا في الضعف من جنس ما قبله ولا يخفى أن قوله عندي اجمل العرب واحسنه أزوجك إياها انه لا يفهم منه ما ذكر من شأن الايلاء ووقوع الفرقة به ولا يصح أن يجاب ب نعم ولا كان أبو سفيان حاضرا وقت الايلاء اصلا فإن النبي اعتزل في مشربة له حلف أن لا يدخل على نسائه شهرا وجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاستأذن عليه في الدخول مرارا فأذن له في الثالثة فقال اطلقت نساءك فقال لا فقال عمر الله اكبر واشتهر عند الناس انه لم يطلق نساءه واين كان أبو سفيان حينئذ ورأيت للشيخ محب الدين الطبري كلاما على هذا الحديث قال في جملته يحتمل أن يكون أبو سفيان قال ذلك كله قبل إسلامه بمدة تتقدم على تاريخ النكاح كالمشترط ذلك في إسلامه ويكون التقدير ثلاث أن اسلمت تعطينيهن أم حبيبة ازوجكها ومعاوية يسلم فيكون كاتبا بين يديك وتؤمرني بعد اسلامي فأقاتل الكفار كما كنت اقاتل المسلمين وهذا باطل أيضا من وجوه أحدها قوله كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا
يقاعدونه فقال يا نبي الله ثلاث أعضيهن فيا سبحان الله هذا يكون قد صدر منه وهو بمكة قبل الهجرة أو بعد الهجرة وهو يجمع الأحزاب لحرب رسول الله أو وقت قدومه المدينة وام حبيبة عند النبي لا عنده فما هذا التكلف البارد وكيف يقول وهو كافر حتى اقاتل المشركين كما كنت اقاتل المسلمين وكيف ينكر جفوة المسلمين له وهو جاهد في قتالهم وحربهم واطفاء نور الله وهذه قصة اسلام أبي سفيان معروفة لا اشتراط فيها ولا تعرض لشيء من هذا وبالجملة فهذه الوجوه وامثالها مما يعلم بطلانها واستكراهها وغثاثتها ولا تفيد الناظر فيها علما بل النظر فيها والتعرض لابطالها من منارات العلم والله تعالى اعلم بالصواب فالصواب أن الحديث غير محفوظ بل وقع فيه تخليط والله اعلم وهي التي اكرمت فراش رسول الله أن يجلس عليه أبوها لما قدم المدينة وقالت انك مشرك ومنعته من الجلوس عليه وتزوج رسول الله أم سلمة واسمها هند بنت أبي امية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الاسد توفيت سنة اثنين وستين ودفنت بالبقيع وهي آخر ازواج
رسول الله موتا وقيل بل ميمونة ومن خصائصها أن جبريل دخل على النبي وهي عنده فرأته في صورة دحية الكلبي ففي صحيح مسلم عن أبي عثمان قال انبئت أن جبريل اتى النبي وعنده أم سلمة قال فجعل يتحدث ثم قام فقال نبي الله لام سلمة من هذا أو كما قال قالت هذا دحية الكلبي قالت وايم الله ما حسبته إلا اياه حتى سمعت خطبة نبي الله يخبر خبر جبريل أو كما قال قال سليمان التيمي فقلت لابي عثمان ممن سمعت هذا الحديث قال من اسامة بن زيد وزوجها ابنها عمر من رسول الله وردت طائفة ذلك بأن ابنها لم يكن له من السن حينئذ ما يعقل به التزويج ورد الأمام احمد ذلك وانكر على من قاله ويدل على صحة قوله ما روى مسلم في صحيحه أن عمر بن أبي سلمة ابنها سأل رسول الله عن القبلة للصائم فقال سل هذه يعني أم سلمة فأخبرته أن رسول الله يفعله فقال يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال
رسول الله إما والله أني اتقاكم لله واخشاكم له أو كما قال ومثل هذا لا يقال لصغير جدا وعمر ولد بأرض الحبشة قبل الهجرة وقال البيهقي وقول من زعم انه كان صغيرا دعوى ولم يثبت صغره بإسناد صحيح وقول من زعم انه زوجها البنوة مقابل بقول من قال انه زوجها بأنه كان من بني اعمامها ولم يكن لها ولي هو اقرب منه اليها لانه عمر بن أبي سلمة بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وام سلمة هند بنت أبي امية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وقد قيل أن الذي زوجها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا ابنها لان في غالب الروايات قم يا عمر فزوج رسول الله وعمر بن الخطاب هو كان الخاطب ورد بأن في النسائي فقالت لابنها عمر قم فزوج رسول الله واجاب شيخنا أبو الحجاج الحافظ المزي بأن الصحيح في هذا قم يا عمر فزوج رسول الله واما لفظ ابنها فوقعت من بعض الرواة لانه لما كان اسم ابنها عمر وفي الحديث قم يا عمر فزوج رسول الله ظن الراوي انه ابنها واكثر الروايات في المسند وغيره قم يا عمر من غير ذكر ابنها قال ويدل
على ذلك أن ابنها عمر كان صغير السن لانه قد صح عنه قال كنت غلاما في حجر النبي وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال النبي يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك وهذا يدل على صغر سنه حين كان ربيب النبي والله اعلم وذكر ابن إسحاق أن الذي زوجها ابنها سلمة بن أبي سلمة والله أعلم وتزوج رسول الله زينب بنت جحش من بني خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر وهي بنت عمته اميمة بنت عبد الملطب وكانت قبل عند مولاه زيد بن حارثة وطلقها فزوجها الله تعالى اياه من فوق سبع سماوات وانزل عليه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها الأحزاب 37 فقام فدخل عليها بلا استئذان وكانت تفخر بذلك على سائر أزواج رسول الله وتقول زوجكن اهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماواته وهذا من خصائصها توفيت بالمدينة سنة عشرين ودفنت بالبقيع رضي الله عنها وتزوج رسول الله زينب بنت خزيمة الهلالية وكانت
تحت عبد الله بن جحش تزوجها سنة ثلاث من الهجرة وكانت تسمى أم المساكين لكثرة اطعامها المساكين ولم تلبث عند رسول الله إلا يسيرا شهرين أو ثلاثة وتوفيت رضي الله عنها وتزوج رسول الله جويرية بنت الحارث من بني المصطلق وكانت سبيت في غزوة بني المصطلق فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها فقضى رسول الله كتابتها وتزوجها سنة ست من الهجرة وتوفيت سنة ست وخمسين وهي التي اعتق المسلمون بسببها مائة أهل بيت من الرقيق وقالوا اصهار رسول الله وكان ذلك من بركتها على قومها رضي الله عنها // إسناده صحيح //
وتزوج رسول الله صفية بنت حيي من ولد هارون بن عمران اخي موسى سنة سبع فإنها سبيت من خيبر وكانت قبله تحت كنانة بن أبي الحقيق فقتله رسول الله توفيت سنة ست وثلاثين وقيل سنة خمسين ومن خصائصها أن رسول الله اعتقها وجعل عتقها صداقها قال انس امهرها نفسها وصار ذلك سنة للامة إلى يوم القيامة انه يجوز للرجل أن يجعل عتق جاريته صداقها وتصير زوجته على منصوص الأمام احمد رحمه الله قال الترمذي حدثنا اسحاق بن منصور وعبد بن حميد قالا حدثنا عبد الرزاق اخبرنا معمر عن ثابت عن انس قال بلغ صفية أن حفصة قالت صفية بنت يهودي فبكت فدخل عليها النبي وهي تبكي فقال ما يبكيك قالت قالت لي حفصة أني ابنة يهودي فقال النبي انك لابنة نبي وان عمك لنبي وانك لتحت نبي فبم تفخر عليك ثم قال اتق الله يا حفصة قال الترمذي هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه
وهذا من خصائصها رضي الله عنها وتزوج رسول الله ميمونة بنت الحارث الهلالية تزوجها بسرف وبنى بها بسرف وماتت بسرف وهو على سبعة اميال من مكة وهي آخر من تزوج من امهات المؤمنين توفيت سنة ثلاث وستين وهي خالة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فإن أمه أم الفضل بنت الحارث وهي خالة خالد بن الوليد أيضا وهي التي اختلفت في نكاح النبي هل نكحها حلالا أو محرما فالصحيح انه تزوجها حلالا كما قال أبو رافع السفير في نكاحها وقد بينت وجه غلط من قال نكحها محرما وتقديم حديث من
قال تزوجها حلالا على عشرة اوجه مذكورة في غير هذا الموضع فهؤلاء جملة من دخل بهن من النساء وهن احدى عشرة قال الحافظ أبو محمد المقدسي وغيره وعقد على سبع ولم يدخل بهن فالصلاة على أزواجه تابعة لاحترامهن وتحريمهن على الأمة وانهن نساؤه في الدنيا والاخرة فمن فارقها في حياتها ولم يدخل بها لا يثبت لها احكام زوجاته اللاتي دخل بهن ومات عنهن وعلى أزواجه وذريته وسلم تسليما
فصل واما الذرية فالكلام فيها في مسألتين المسألة الأولى في لفظها وفيها ثلاثة اقوال أحدها إنها من ذرأ الله الخلق أي نشرهم واظهرهم إلا انهم تركوا همزها استثقالا فأصلها ذريئة بالهمز فعيلة من الذرء وهذا اختيار صاحب الصحاح وغيره والثاني أن أصلها من الذر وهو النمل الصغار وكان قياس هذه النسبة ذرية بفتح الذال وبالياء لكنهم ضموا اوله وهمزوا آخره وهذا من باب تغيير النسب وهذا القول ضعيف من وجوه منها مخالفة باب النسب ومنها إبدال الراء ياء وهو غير مقيس ومنها أن لا اشتراك بين الذرية والذر إلا في الذال والراء واما في المعنى فليس مفهوم أحدهما مفهوم الآخر ومنها أن الذر من المضاعف والذرية من المعتل أو المهموز فاحدهما غير الآخر والقول الثالث إنها من ذرا يذرو إذا فرق من قوله تعالى
تذروه الرياح الكهف 45 واصلها على هذا ذريوه فعلية من الذرو ثم قلبت الواو ياء لسبق إحداهما بالسكون والقول الأول اصح لان الاشتقاق والمعنى يشهدان له فإن اصل هذه المادة من الذرء قال الله تعالى جعل لكم من انفسكم ازواجا ومن الأنعام ازواجا يذرؤكم فيه الشورى 11 وفي الحديث أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ وقال تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس الاعراف 179 وقال تعالى وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه النحل 13 فالذرية فعلية منه بمعنى مفعولة أي مذروءة ثم ابدلوا همزها فقالوا ذرية المسألة الثانية في معنى هذه اللفظة ولا خلاف بين أهل اللغة أن الذرية تقال على الأولاد الصغار وعلى الكبار أيضا قال تعالى واذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني
جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي البقرة 124 وقال تعالى أن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض آل عمران 134 وقال تعالى ومن آبائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم الانعام 87 وقال تعالى وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني اسرائيل أن لا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا الاسراء 2 3 وهل تقال الذرية على الاباء فيه قولان أحدهما انهم يسمون ذرية أيضا احتجوا على ذلك بقوله تعالى وآية لهم انا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون يس 41 وأنكر ذلك جماعة من أهل اللغة وقالوا لا يجوز هذا في اللغة والذرية كالنسل والعقب لا تكون إلا للعمود الاسفل ولهذا قال تعالى ومن آبائهم وذرياتهم واخوانهم فذكر جهات النسب الثلاث من فوق ومن اسفل ومن الاطراف قالوا وأما الاية التي استشهدتم بها فلا دليل لكم فيها لأن الذرية فيها لم تضف اليهم اضافة نسل وايلاد وانما اضيفت اليهم بوجه ما والاضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص وإذا كان الشاعر قد اضاف الكوكب في قوله إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة ... سهيل أذاعت غزلها في القرائب
فأضاف اليها الكوكب لانها كانت تغزل إذا لاح وظهر والاسم قد يضاف بوجهين مختلفين إلى شيئين وجهة اضافته إلى أحدهما غير جهة اضافته إلى الآخر قال أبو طالب في النبي لقد علموا أن ابننا لا مكذب ... لدينا ولا يعزى لقول الاباطل فأضاف نبوته اليه بجهة غير جهة اضافته إلى ابيه عبد الله وهكذا لفظة رسول الله فإن الله سبحانه يضيفه اليه تارة كقوله قد جاءكم رسولنا المائدة 15 وتارة إلى المرسل اليهم كقوله أم لم يعرفوا رسولهم المؤمنون 69 فأضافه سبحانه اليه اضافة رسول إلى مرسله واضافه اليهم اضافة رسول إلى مرسل اليهم وكذا لفظ كتابه فإنه يضاف اليه تارة فيقال كتاب الله ويضاف إلى العباد تارة فيقال كتابنا القرآن وكتابنا خير الكتب وهذا كثير فهكذا لفظ الذرية اضيف اليهم بجهة غير الجهة التي اضيف بها إلى آبائهم
وقالت طائفة بل المراد جنس بني آدم ولم يقصد الاضافة إلى الموجودين في زمن النبي وانما أريد ذرية الجنس وقالت طائفة بل المراد بالذرية نفسها وهذا ابلغ في قدرته وتعديد نعمه عليهم أن حمل ذريتهم في الفلك في اصلاب ابائهم والمعنى انا حملنا الذين هم ذرية هؤلاء وهم نطف في اصلاب الاباء وقد اشبعنا الكلام على ذلك في - كتاب الروح والنفس - إذا ثبت هذا فالذرية الأولاد واولادهم وهل يدخل فيها اولاد البنات فيه قولان للعلماء هما روايتان عن احمد إحداهما يدخلون وهو مذهب الشافعي والثانية لا يدخلون وهو مذهب أبي حنيفة واحتج من قال بدخولهم بأن المسلمين مجمعون على دخول اولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي المطلوب لهم من الله الصلاة لان احدا من بناته لم يعقب غيرها فمن انتسب اليه من اولاد ابنته فإنما هو من جهة فاطمة خاصة ولهذا قال النبي في الحسن ابن ابنته أن ابني هذا سيد فسماه ابنه ولما انزل الله سبحانه آية المباهلة فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم دعا النبي فاطمة وحسنا وحسينا وخرج للمباهلة
قالوا وأيضا فقد قال تعالى في حق إبراهيم عليه السلام ومن ذريته داود وسليمان وايوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى والياس الأنعام 84 85 ومعلوم أن عيسى لم ينسب إلى إبراهيم إلا من جهة امه مريم عليها السلام واما من قال بعدم دخولهم فحجته أن ولد البنات إنما ينتسبون إلى آبائهم حقيقة ولهذا إذا ولد الهذلي أو التيمي أو العدوي هاشمية لم يكن ولدها هاشميا فإن الولد في النسب يتبع اباه وفي الحرية والرق امه وفي الدين خيرهما دينا ولهذا قال الشاعر بنونا بنو ابنائنا وبناتنا ... بنوهن ابناء الرجال الاباعد ولو وصى أو وقف على قبيلة لم يدخل فيها اولاد بناتها من غيرها قالوا واما دخول اولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي فلشرف هذا الأصل العظيم والوالد الكريم الذي لا يدانيه أحد من العالمين سرى ونفذ إلى اولاد البنات لقوته وجلالته وعظم قدره ونحن نرى من لا نسبة له إلى هذا الجناب العظيم من العظماء والملوك وغيرهم تسري حرمة ايالدهم وابوتهم إلى اولاد بناتهم فتلحظهم العيون بلحظ أبنائهم ويكادون يضر بون عن ذكر ابائهم صفحا فما الظن بهذا الايلاد العظيم قدره الجليل خطره قالوا واما تمسككم بدخول المسيح في ذرية إبراهيم فلا
حجة لكم فيه فإن المسيح لم يكن له اب فنسبه من جهة الاب مستحيل فقامت امه مقام ابيه ولهذا ينسبه الله سبحانه إلى امه كما ينسب غيره من ذوي الاباء إلى ابيه وهكذا كل من انقطع نسبه من جهة الاب إما بلعان أو غيره فأمه في النسب تقوم مقام ابيه وامه ولهذا تكون في هذه الحال عصبته في اصح الأقوال وهو احدى الروايات عن الأمام احمد وهو مقتضى النصوص وقول ابن مسعود رضي الله عنه وغيره والقياس يشهد له بالصحة لان النسب في الأصل للاب فإذا انقطع من جهته عاد إلى الام فلو قدر عوده من جهة الاب رجع من الام اليه وهكذا كما اتفق الناس عليه في الولاء انه لموالي الاب فإذا تعذر رجوعه اليهم صار لموالي الام فإذا امكن عوده اليهم رجع من موالي الام إلى معدنه وقراره ومعلوم أن الولاء فرع على النسب يحتذى فيه حذوه فإذا كان عصبات الام من الولاء عصبات لهذا المولى الذي انقطع تعصيبه من جهة موالي ابيه فلأن تكون عصبات الام من النسب عصبات لهذا الولد الذي انقطع تعصيبه من جهة ابيه بطريق الأولى وألا فكيف يثبت هذا الحكم في الولاء ولا يثبت في النسب الذي غايته أن يكون مشبها به مفرعا عليه وهذا مما يدل على أن القياس الصحيح لا يفارق النص اصلا ويدلك على عمق علم الصحابة رضي الله عنهم وبلوغهم في العلم إلى غاية يقصر عن نيلها السباق وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
الفصل الخامس في ذكر إبراهيم خليل الرحمن وهذا الاسم من النمط المتقدم فإن إبراهيم بالسريانية معناه اب رحيم والله سبحانه جعل إبراهيم الاب الثالث للعالم فإن ابانا الأول آدم والاب الثاني نوح وأهل الأرض كلهم من ذريته كما قال تعالى وجعلنا ذريته هم الباقين الصافات 77 وبهذا يتبين كذب المفترين من العجم الذين يزعمون انهم لا يعرفون نوحا ولا ولده ولا ينسبون اليه وينسبون ملوكهم من آدم اليهم ولا يذكرون نوحا في انسابهم وقد اكذبهم الله تعالى في ذلك فالاب الثالث أبو الاباء وعمود العالم وامام الحنفاء الذي اتخذه الله سبحانه وتعالى خليلا وجعل النبوة والكتاب في ذريته ذاك خليل الرحمن وشيخ الأنبياء كما سماه النبي بذلك فإنه لما دخل الكعبة وجد المشركين قد صورا فيها صورته وصورة اسماعيل ابنه وهما يستقسمان بالازلام فقال قاتلهم الله لقد علموا أن شيخنا لم يكن يستقسم بالازلام ولم يأمر الله سبحانه
رسول أن يتبع ملة أحد من الأنبياء غيره فقال تعالى ثم اوحينا اليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين النحل 123 وامر امته بذلك فقال تعالى هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل الحج 78 وملة منصوب على اضمار فعل أي اتبعوا والزموا ملة ابيكم ودل على المحذوف ما تقدم من قوله وجاهدوا في الله حق جهاده الحج 78 وهذا هو الذي يقال له الاغراء وقيل منصوب انتصاب المصادر والعامل فيه مضمون ما تقدم قبله وكان رسول الله يوصي اصحابه إذا اصبحوا إذا امسوا أن يقولوا اصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الاخلاص ودين نبينا محمد وملة ابينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين وتأمل هذه الالفاظ كيف جعل الفطرة للاسلام فإنه فطرة الله التي فطر الناس عليها وكلمة الاخلاص هي شهادة أن لا اله إلا الله والملة لابراهيم فإنه صاحب الملة وهي التوحيد وعبادة الله تعالى وحده لا شريك له ومحبته فوق كل محبة والدين للنبي وهو دينه الكامل وشرعه التام الجامع لذلك كله وسماه سبحانه اماما وامة وقانتا وحنيفا قال تعالى واذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين البقرة 124 فأخبر
سبحانه انه جعله اماما للناس وان الظالم من ذريته لا ينال ربتة الامامة والظالم هو المشرك واخبر سبحانه أن عهده بالإمامة لا ينال من اشرك به وقال تعالى أن إبراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وانه في الاخرة لمن الصالحين النحل 120 122 فالامة هو القدوة المعلم للخير والقانت المطيع لله الملازم لطاعته والحنيف المقبل على الله المعرض عما سواه ومن فسره بالمائل فلم يفسره بنفس موضوع اللفظ وانما فسره بلازم المعنى فإن الحنف هو الاقبال ومن اقبل على شيء مال عن غيره والحنف في الرجلين هو اقبال إحداهما على الأخرى ويلزمه ميلها عن جهتها قال تعالى فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها الروم 30 فحنيفا هو حال مقررة لمضمون قوله فأقم وجهك للدين ولهذا فسرت مخلصا فتكون الاية قد تضمنت الصدق والاخلاص فإن اقامة الوجه للدين هو افراد طلبه بحيث لا يبقى في القلب إرادة لغيره والحنيف المفرد لا يريد غيره فالصدق أن لا ينقسم طلبك والافراد أن لا ينقسم مطلوبك الأول توحيد الطلب والثاني توحيد المطلوب والمقصود أن إبراهيم عليه السلام هو ابونا الثالث وهو امام الحنفاء ويسميه أهل الكتاب عمود العالم وجميع أهل الملل متفقة على تعظيمه وتوليه ومحبته وكان خير بنيه سيد ولد آدم محمد يجله ويعظمه ويبجله ويحترمه
ففي الصحيحين من حديث المختار بن فلفل عن انس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال جاء رجل إلى النبي فقال يا خير البرية فقال رسول الله ذاك إبراهيم وسماه شيخه كما تقدم وثبت في صحيح البخاري من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي انه قال انكم محشورون حفاة عراة غرلا ثم قرأ كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين الأنبياء 104 أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم وكان رسول الله اشبه الخلق به كما في الصحيحين عنه قال رأيت إبراهيم فإذا اقرب الناس شبها به صاحبكم يعني نفسه وفي لفظ آخر واما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم وكان يعوذ اولاد ابنته حسنا وحسينا بتعويذ إبراهيم لاسماعيل واسحاق ففي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
رضي الله عنه قال كان النبي يعوذ الحسن والحسين ويقول أن اباكما كان يعوذ بهما اسماعيل واسحاق اعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة وكان أول من قرى الضيف أول من اختتن أول من رأى الشيب فقال ما هذا يا رب قال وقار قال رب زدني وقارا وتأمل ثناء الله سبحانه عليه في اكرام ضيفه من الملائكة حيث يقول سبحانه هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ إلى اهله فجاء بعجل سمين فقربه اليهم قال إلا تأكلون الذاريات 23 27 ففي هذا الثناء على إبراهيم من وجوه متعددة أحدها انه وصف ضيفه بأنهم مكرمون وهذا على أحد القولين انه اكرام إبراهيم لهم انهم المكرمون عند الله ولا تنافي بين القولين فالاية تدل على المعنيين الثاني قوله تعالى إذ دخلوا عليه فلم يذكر استئذانهم ففي هذا دليل على انه كان قد عرف بإكرام الضيفان واعتياد قراهم فبقي منزله مضيفة مطروقا لمن ورده لا يحتاج إلى الاستئذان بل استئذان الداخل دخوله وهذا غاية ما يكون من الكرم
الثالث قوله لهم سلام بالرفع وهم سلموا عليه بالنصب والسلام بالرفع اكمل فإنه يدل على الجملة الاسمية الدالة على الثبوت والتجدد والمنصوب يدل على الفعلية الدالة على الحدوث والتجدد فإبراهيم حياهم احسن من تحيتهم فإن قولهم سلاما يدل على سلمنا سلاما وقوله سلام أي سلام عليكم الرابع انه حذف من قوله قوم منكرون فإنه لما انكرهم ولم يعرفهم احتشم من مواجهتهم بلفظ ينفر الضيف لو قال انتم قوم منكرون فحذف المبتدأ هنا من ألطف الكلام الخامس انه بنى الفعل للمفعول وحذف فاعله فقال منكرون ولم يقل أني انكركم وهو احسن في هذا المقام وابعد من التنفير والمواجهة بالخشونة السادس انه راغ إلى اهله ليجيئهم بنزلهم والروغان هو الذهاب في اختفاء بحيث لا يكاد يشعر به الضيف وهذا من كرم رب المنزل المضيف أن يذهب في اختفاء بحيث لا يشعر به الضيف فيشق عليه ويستحي فلا يشعر به إلا وقد جاءه بالطعام بخلاف من يسمع ضيفه ويقول له أو لمن حضر مكانكم حتى آتيكم بالطعام ونحو ذلك مما يوجب حياء الضيف واحتشامه السابع انه ذهب إلى اهله فجاء بالضيافة فدل على أن ذلك كان معدا عندهم مهيئا للضيفان ولم يحتج أن يذهب إلى غيرهم من جيرانه أو غيرهم فيشتريه أو يستقرضه الثامن قوله تعالى فجاء بعجل سمين دل على خدمته للضيف بنفسه ولم يقل فأمر لهم بل هو الذي ذهب وجاء به بنفسه ولم يبعثه مع خادمه وهذا ابلغ في اكرام الضيف
التاسع انه جاء بعجل كامل ولم يأت ببضعة منه وهذا من تمام كرمه العاشر انه سمين لا هزيل ومعلوم أن ذلك من أفخر اموالهم ومثله يتخذ للاقتناء والتربية فآثر به ضيفانه الحادي عشر انه قربه اليهم بنفسه ولم يأمر خادمه بذلك الثاني عشر انه قربه ولم يقربهم اليه وهذا ابلغ في الكرامة أن يجلس الضيف ثم يقرب الطعام اليه ويحمله إلى حضرته ولا يضع الطعام في ناحية ثم يأمر الضيف بأن يتقرب اليه الثالث عشر انه قال ألا تأكلون وهذا عرض وتلطف في القول وهو احسن من قوله كلوا أو مدوا ايديكم وهذا مما يعلم الناس بعقولهم حسنه ولطفه ولهذا يقولون بسم الله أو ألا تتصدق أو إلا تجبر ونحو ذلك الرابع عشر انه إنما عرض عليهم الاكل لانه رآهم لا يأكلون ولم يكن ضيوفه يحتاجون معه إلى الآذن في الاكل بل كان إذا قدم اليهم الطعام اكلوا وهؤلاء الضيوف لما امتنعوا من الاكل قال لهم إلا تأكلون ولهذا اوجس منهم خيفة أي احسها واضمرها في نفسه ولم يبدها لهم وهو الوجه الخامس عشر فإنهم لما امتنعوا من آكل طعامه خاف منهم ولم يظهر لهم ذلك فلما علمت الملائكة منه ذلك قالوا لا تخف وبشروه بالغلام فقد جمعت هذه الاية اداب الضيافة التي هي اشرف الآداب وما عداها من التكلفات التي هي تخلف وتكلف إنما هي
من اوضاع الناس وعوائدهم وكفى بهذه الاداب شرفا وفخرا فصلى الله على نبينا وعلى إبراهيم وعلى آلهما وعلى سائر النبيين وقد شهد الله سبحانه بأنه وفى ما أمر به فقال تعالى أم لم ينبأ بما في صحف موسى وابراهيم الذي وفى النجم 36 37 قال ابن عباس رضي الله عنهما وفي جميع شرائع الإسلام ووفى ما أمر به من تبليغ الرسالة وقال تعالى واذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال أني جاعلك للناس اماما البقرة 124 فلما أتم ما أمر به من الكلمات جعله الله اماما للخلائق يأتمون به وكان كما قيل قلبه للرحمن وولده للقربان وبدنه للنيران وماله للضيفان ولما اتخذه ربه خليلا والخلة هي كمال المحبة وهي مرتبة لا تقبل المشاركة والمزاحمة وكان قد سأل ربه أن يهب له ولدا صالحا فوهب له اسماعيل فأخذ هذا الولد شعبة من قلبه فغار الخليل على قلب خليله أن يكون فيه مكان لغيره فامتحنه بذبحه ليظهر سر الخلة في تقديمه محبة خليله على محبة ولده فلما استسلم لأمر ربه وعزم على فعله وظهر سلطان الخلة في الاقدام على ذبح الولد ايثارا لمحبة خليله على محبته نسخ الله ذلك عنه وفداه بالذبح العظيم لأن المصلحة في الذبح كانت ناشئة من العزم وتوطين النفس على ما أمر به فلما حصلت هذه المصلحة عاد
الذبح مفسدة فنسخ في حقه فصارت الذبائح والقرابين من الهدايا والضحايا سنة في اتباعه إلى يوم القيامة وهو الذي فتح للأمة باب مناظرة المشركين واهل الباطل وكسر حججهم وقد ذكر الله سبحانه مناظراته في القرآن مع امام المعطلين ومناظرته مع قومه المشركين وكسر حجج الطائفتين بأحسن مناظرة واقربها إلى الفهم وحصول العلم قال تعالى وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء الأنعام 83 قال زيد بن اسلم وغيره بالحجة والعلم ولما غلب اعداء الله معه بالحجة وظهرت حجته عليهم وكسر اصنامهم فكسر حججهم ومعبودهم هموا بعقوبته والقائه في النار وهذا شأن المبطلين إذا غلبوا وقامت عليهم الحجة همو بالعقوبة كما قال فرعون لموسى عليه السلام وقد اقام عليه الحجة لئن اتخذت إلها غيري لاجعلنك من المسجونين الشعراء 29 فأضرموا له النار والقوه في المنجنيق فكانت تلك السفرة من اعظم سفرة سافرها وابركها عليه فإنه ما سافر سفرة ابرك ولا اعظم ولا ارفع لشأنه واقر لعينه منها وفي تلك السفرة عرض له جبريل بين السماء والأرض فقال يا إبراهيم الك حاجة قال إما اليك فلا قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل آل عمران 172 قالها نبيكم وقالها
إبراهيم حين القي في النار فجعل الله سبحانه عليه النار بردا وسلاما وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أم شريك أن النبي أمر بقتل الوزغ وقال كانت تنفح على إبراهيم وهو الذي بنى بيت الله واذن في الناس بحجه فكل من حجه واعتمره حصل لابراهيم من مزيد ثواب الله وكرامته بعدد الحجاج والمعتمرين قال تعالى واذ جعلنا البيت مثابة للناس وامنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى البقرة 125 فأمر نبيه وامته أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى تحقيقا للاقتداء به واحياء آثاره على نبينا عليه وسلم ومناقب هذا الإمام الاعظم والنبي الاكرام اجل من أن يحيط بها كتاب وان مد الله في العمر افردنا كتابا في ذلك يكون قطرة في بحر فضائله أو اقل جعلنا الله ممن ائتم به ولا جعلنا ممن عدل عن ملته بمنه وكرمه وقد روى لنا عنه النبي حديثا وقع لنا متصل الرواية اليه
رويناه في كتاب الترمذي وغيره من حديث القاسم بن عبد الرحمن عن ابيه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله لقيت إبراهيم ليلة اسري بي فقال يا محمد اقرئ امتك مني السلام واخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وانها قيعان وان غراسها سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر قال الترمذي هذا حديث حسن
الفصل السادس في ذكر المسألة المشهورة بين الناس وبيان ما فيها وهي أن النبي افضل من إبراهيم فكيف طلب له من الصلاة ما لابراهيم مع أن المشبه به اصله أن يكون فوق المشبه فكيف الجمع بين هذين الأمرين المتنافيين ونحن نذكر ما قاله الناس في هذا وما فيه من صحيح وفاسد فقالت طائفة هذه الصلاة علمها النبي امته قبل أن يعرف انه سيد ولد آدم ولو سكت قائل هذا لكان اولى به وخيرا له فإن هذه هي الصلاة التي علمهم النبي إياها لما سألوه عن تفسير إن الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما الأحزاب 56 فعلمهم هذه الصلاة وجعلها مشروعة في صلوات الأمة إلى يوم القيامة والنبي لم يزل افضل ولد آدم قبل أن يعلم بذلك وبعده وبعد أن علم بذلك لم يغير نظم الصلاة التي علمها امته ولا ابدلها بغيرها ولا روى عنه أحد خلافها فهذا من افسد جواب يكون وقالت طائفة أخرى هذا السؤال والطلب شرع ليتخذه الله خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا وقد اجابه الله إلى ذلك كما ثبت عنه في الصحيح إلا وان صاحبكم خليل الرحمن يعني نفسه وهذا الجواب من جنس ما قبله فإن مضمونه انه بعد أن اتخذه الله خليلا لا تشرع الصلاة عليه على هذا الوجه وهذا من ابطل الباطل وقالت طائفة أخرى إنما هذا التشبيه راجع إلى المصلي فيما يحصل له من ثواب الصلاة عليه فطلب من ربه ثوابا وهو أن يصلي عليه كما صلى على آل إبراهيم لا بالنسبة إلى النبي فإن المطلوب لرسول الله من الصلاة اجل واعظم مما هو حاصل لغيره من العالمين وهذا من جنس ما قبله وافسد فإن التشبيه ليس فيما يحصل للمصلي بل فيما يحصل للمصلى عليه وهو النبي فمن قال أن المعنى اللهم اعطني من ثواب صلاتي عليه كما صليت على آل إبراهيم فقد حرف الكلم وابطل في كلامه ولولا أن هذه الوجوه وامثالها قد ذكرها بعض الشرح وسودوا بها الطروس واوهموا الناس أن فيها تحقيقا لكان الاضراب عنها صفحا اولى من ذكرها فإن العالم يستحي من التكلم على هذا والاشتغال برده وقالت طائفة أخرى التشبيه عائد إلى الال فقط وتم الكلام عند قوله اللهم صل على محمد ثم قال وعلى آل محمد كما
صليت على آل إبراهيم فالصلاة المطلوبة لآل محمد هي المشبهة بالصلاة الحاصلة لآل إبراهيم وهذا نقله العمراني عن الشافعي رحمه الله وهو باطل عليه قطعا فإن الشافعي اجل من أن يقول مثل هذا ولا يليق هذا بعلمه وفصاحته فإن هذا في غاية الركاكة والضعف وقد تقدم في كثير من احاديث الباب اللهم صل على محمد كما صليت على آل إبراهيم وقد تقدمت الاحاديث بذلك وأيضا فإنه لا يصح من جهة العربية فإن العامل إذا ذكر معموله وعطف عليه غيره ثم قيد بظرف أو جار ومجرور أو مصدر أو صفة مصدر كان ذلك راجعا إلى المعمول وما عطف عليه هذا الذي لا تحتمل العربية غيره فإذا قلت جاءني زيد وعمرو يوم الجمعة كان الظرف مقيدا لمجيئهما لا لمجيء عمرو وحده وكذلك إذا قلت ضربت زيدا وعمرا ضربا مؤلما أو أمام الامير أو سلم علي زيد وعمرو يوم الجمعة ونحوه فإن قلت هذا متوجه إذا لم يعد العامل فأما إذا اعيد العامل حسن ذلك تقول سلم على زيد وعلى عمرو إذا لقيته لم يمتنع أن يختص ذلك بعمرو وهنا قد اعيد العامل في قوله وعلى آل محمد قيل هذا المثال ليس بمطابق لمسألة الصلاة وانما المطابق أن تقول سلم على زيد وعلى عمرو كما تسلم على المؤمنين ونحو ذلك وحينئذ فادعاء أن التشبيه لسلامه على عمرو وحده دون زيد دعوى باطلة
وقالت طائفة أخرى لا يلزم أن يكون المشبه به اعلى من المشبه بل يجوز أن يكونا متماثلين وان يكون المشبه اعلى من المشبه به قال هؤلاء والنبي افضل من إبراهيم E من وجوه غير الصلاة وان كانا متساويين في الصلاة قالوا والدليل على أن المشبه قد يكون افضل من المشبه به قول الشاعر بنونا بنو ابنائنا وبناتنا ... بنوهن ابناء الرجال الاباعد وهذا القول أيضا ضعيف من وجوه أحدها أن هذا خلاف المعلوم من قاعدة تشبيه الشيء بالشيء فإن العرب لا تشبه الشيء إلا بما هو فوقه الثاني أن الصلاة من الله تعالى من اجل المراتب واعلاها ومحمد افضل الخلق فلا بد أن تكون الصلاة الحاصلة له افضل من كل صلاة تحصل لكل مخلوق فلا يكون غيره مساويا له فيها الثالث أن الله سبحانه أمر فيها بعد أن اخبر انه وملائكته يصلون عليه وامر بالصلاة والسلام عليه واكده بالتسليم وهذا الخبر والأمر لم يثبتهما في القرآن لغيره من المخلوقين الرابع أن النبي قال إن الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير وهذا لان بتعليمهم الخير قد انقذوهم من شر
الدنيا والاخرة وتسببوا بذلك إلى فلاحهم وسعادتهم وذلك سبب دخولهم في جملة المؤمنين الذين يصلي عليهم الله وملائكته فلما تسبب معلمو الخير إلى صلاة الله وملائكته على من يعلم منهم صلى الله عليهم وملائكته ومن المعلوم أنه لا أحد من معلمي الخير افضل ولا اكثر تعليما من النبي ولا انصح لامته ولا اصبر على تعليمه منه ولهذا نال امته من تعليمه لهم ما لم تنله امة من الامم سواهم وحصل للامة من تعليمهم من العلوم النافعة والأعمال الصالحة ما صارت به خير امة اخرجت للعالمين فكيف تكون الصلاة على هذا الرسول المعلم للخير مساوية للصلاة على من لم يماثله في هذا التعليم واما استشهادهم بقول الشاعر على جواز كون المشبه به افضل من المشبه فلا يدل على ذلك لان قوله بنونا بنو ابنائنا إما أن يكون المبتدأ فيه مؤخرا والخبر مقدما ويكون قد شبه بني ابنائه ببنيه وجاز تقديم الخبر هنا لظهور المعنى وعدم وقوع اللبس وعلى هذا فهو جار على اصل التشبيه واما أن يكون من باب عكس التشبيه كما يشبه القمر بالوجه الكامل في حسنه ويشبه الاسد بالكامل في شجاعته والبحر بالكامل في جوده تنزيلا لهذا الرجل منزلة الفرع المشبه وهذا يجوز إذا تضمن عكس التشبيه مثل هذا المعنى وعلى هذا فيكون هذا الشاعر قد نزل بني ابنائه منزلة بنيه وانهم فوقهم عنده ثم شبه بنيه بهم وهذا قول طائفة من أهل المعاني
والذي عندي فيه أن الشاعر لم يرد ذلك وانما اراد التفريق بين بني بنيه وبني بناته فأخبر أن بني بناته تبع لآبائهم ليسوا بابناء لنا وانما ابناؤنا بنو ابنائنا لا بنوا بناتنا فلم يرد تشبيه بني بنيه ببنيه ولا عكسه وانما اراد ما ذكرنا من المعنى وهذا ظاهر وقالت طائفة أخرى إن النبي له من الصلاة الخاصة به التي لا يساويها صلاة ما لم يشركه فيها أحد والمسؤول له إنما هو صلاة زائدة على ما اعطيه مضافا اليه ويكون ذلك الزائد مشبها بالصلاة على إبراهيم وليس بمستنكر أن يسأل للفاضل فضيلة اعطيها المفضول منضما إلى ما اختص به هو من الفضل الذي لم يحصل لغيره قالوا ومثال ذلك أن يعطي السلطان رجلا مالا عظيما ويعطي غيره دون ذلك المال فيسأل السلطان أن يعطي صاحب المال الكثير مثل ما أعطى من هو دونه لينضم ذلك إلى ما اعطيه فيحصل له من مجموع العطاءين اكثر مما يحصل من الكثير وحده وهذا أيضا ضعيف لان الله تعالى اخبر انه وملائكته يصلون عليه ثم أمر بالصلاة عليه ولا ريب أن المطلوب من الله هو نظير الصلاة المخبر بها لا ما هو دونها وهو اكمل الصلاة عليه وارجحها لا الصلاة المرجوحة المفضولة وعلى قول هؤلاء إنما يكون الطلب لصلاة مرجوحة لا راجحة وانما تصير راجحة بانضمامها إلى صلاة لم تطلب ولا ريب في فساد ذلك فإن الصلاة التي تطلبها الأمة له من ربه هي اجل صلاة وافضلها
وقالت طائفة أخرى التشبيه المذكور إنما هو في اصل الصلاة لا في قدرها ولا في كيفيتها فالمسؤول إنما هو راجع إلى الهيئة لا إلى قدر الموهوب وهذا كما تقول للرجل احسن إلى ابنك كما أحسنت إلى فلان وانت لا تريد بذلك قدر الاحسان وانما تريد به اصل الاحسان وقد يحتج لذلك بقوله تعالى واحسن كما احسن الله اليك القصص 77 ولا ريب انه لا يقدر أحد أن يحسن بقدر ما احسن الله اليه وانما أريد به اصل الاحسان لا قدره ومنها قوله تعالى انا اوحينا اليك كما اوحينا إلى نوح والنبيين من بعده النساء 163 وهذا التشبيه في اصل الوحي لا في قدره وفضل الموحى به وقوله تعالى فليأتنا بآية كما ارسل الاولون الأنبياء 5 إنما مرادهم جنس الاية لا نظيرها وقوله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم النور 55 ومعلوم أن كيفية الاستخلاف مختلفة وان ما لهذه الأمة اكمل مما لغيرهم وقال تعالى يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم البقرة 183 والتشبيه إنما هو في اصل الصوم لا في عينه وقدره وكيفيته وقال تعالى كما بدأكم تعودون الاعراف 29 ومعلوم تفاوت ما بين النشأة الأولى وهي المبدأ والثانية وهي المعاد
وقال تعالى انا ارسلنا اليكم رسولا شاهدا عليكم كما ارسلنا إلى فرعون رسولا المزمل 15 ومعلوم أن التشبيه في اصل الارسال لا يقتضي تماثل الرسولين وقال النبي لو انكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا فالتشبيه هنا في اصل الرزق لا في قدره ولا كيفيته ونظائر ذلك وهذا الجواب ضعيف أيضا لوجوه منها أن ما ذكروه يجوز أن يستعمل في الاعلى والادنى والمساوي فلو قلت احسن إلى ابيك واهلك كما أحسنت إلى مركوبك وخادمك ونحوه جاز ذلك ومن المعلوم انه لو كان التشبيه في اصل الصلاة لحسن أن تقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل أبي اوفى أو كما صليت على آحاد المؤمنين ونحوه أو كما صليت على آدم ونوح وهود ولوط فإن التشبيه عند هؤلاء إنما هو واقع في اصل الصلاة لا في قدرها ولا صفتها ولا فرق في ذلك بين كل من صلى عليه واي ميزة وفضيلة في ذلك لابراهيم وآله وما الفائدة حينئذ في ذكره وذكر آله وكان الكافي في ذلك أن تقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد فقط
الثاني أن ما ذكروه من الامثلة ليس بنظير الصلاة على النبي فإن هذه الامثلة نوعان خبر وطلب فما كان منها خبرا فالمقصود بالتشبيه به الاستدلال والتقريب إلى الفهم وتقرير ذلك الخبر وانه مما لا ينبغي لعاقل انكاره كنظير المشبه به فكيف تنكرون الاعادة وقد وقع الاعتراف بالبداءة وهي نظيرها وحكم النظير ولهذا يحتج سبحانه بالمبدأ على المعاد كثيرا قال تعالى كما بدأكم تعودون الاعراف 29 وقال تعالى كما بدأنا أول خلق نعيده الأنبياء 104 وقال تعالى وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم يس 78 79 وهذا كثير في القرآن وكذلك قوله تعالى انا ارسلنا اليكم رسولا شاهدا عليكم كما ارسلنا إلى فرعون رسولا المزمل 15 أي كيف يقع الانكار منكم وقد تقدم قبلكم رسل مني مبشرين ومنذرين وقد علمتم حال من عصى رسلي كيف اخذتهم اخذا وبيلا وكذلك قوله تعالى انا اوحينا اليك كما اوحينا إلى نوح والنبيين الاية النساء 163 أي لست أول رسول طرق العالم بل قد تقدمت قبلك رسل أوحيت اليهم كما اوحيت اليك كما قال تعالى قل ما كنت بدعا من الرسل الاحقاف 9 فهذا رد وانكار على من انكر رسالة النبي مع مجيئه بمثل ما جاءت به الرسل قبله من الايات بل اعظم منها فكيف تنكر رسالته وليست من الأمور
التي تطرق العالم بل لم تخل الأرض من الرسل وآثارهم فرسولكم جاء على منهاج من تقدمه من الرسل في الرسالة لم يكن بدعا وكذلك قوله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم النور 55 إخبار عن عادته سبحانه في خلقه وحكمته التي لا تبديل لها أن من آمن وعمل صالحا مكن له في الأرض واستخلفه فيها ولم يهلكه ويقطع دابره كما اهلك من كذب رسله وخالفهم وقطع دابره فأخبرهم سبحانه عن حكمته ومعاملته لمن آمن برسله وصدقهم وانه يفعل بهم كما فعل بمن قبلهم من اتباع الرسل وهكذا قول النبي لو انكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير إخبار بأنه سبحانه يرزق المتوكلين عليه من حيث لا يحتسبون وانه لا يخليهم من رزق قط كما ترون ذلك في الطير فإنها تغدو من اوكارها خماصا فيرزقها سبحانه حتى ترجع بطانا من رزقه وانتم اكرم على الله من الطير وسائر الحيوانات فلو توكلتم عليه لرزقكم من حيث لا تحتسبون ولم يمنع احدا منكم رزقه هذا من قبيل الأخبار واما في قسم الطلب والأمر فالمقصود منه التنبيه على العلة وان الجزاء من جنس العمل فإذا قلت علم كما علمك الله واحسن كما احسن الله اليك القصص 77 واعف كما عفا الله عنك ونحوه كان في ذلك تنيبه للمأمور على شكر النعمة التي انعم الله بها عليه وانه حقيق أن يقابلها بمثلها ويقيدها بشكرها فإن جزاء تلك النعمة من جنسها ومعلوم انه يمتنع خطاب الرب سبحانه بشيء من ذلك
ولا يحسن في حقه فيصير ذكر التشبيه لغوا لا فائدة فيه وهذا غير جائز الثالث أن قوله كما صليت على آل إبراهيم صفة لمصدر محذوف وتقديره صلاة مثل صلاتك على آل إبراهيم وهذا الكلام حقيقته أن تكون الصلاة مماثلة للصلاة المشبهة بها فلا يعدل عن حقيقة الكلام ووجهه وقالت طائفة أخرى أن هذا التشبيه حاصل بالنسبة إلى كل صلاة من صلوات المصلين فكل مصل صلى على النبي بهذه الصلاة فقد طلب من الله أن يصلي على رسوله صلاة مثل الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم ولا ريب انه إذا حصل له من كل مصل طلب من الله له صلاة مثل صلاته على آل إبراهيم حصل له من ذلك اضعاف مضاعفة من الصلاة لا تعد ولا تحصى ولم يقاربه فيها أحد فضلا عن أن يساويه أو يفضله ونظير هذا أن يعطي ملك لرجل ألف درهم فيسأله كل واحد من رعيته أن يعطي لرجل آخر افضل منه نظير تلك الألف فكل واحد قد سأله أن يعطيه الفا فيحصل له من الالوف بعدد كل سائل واورد أصحاب هذا القول على أنفسهم سؤالا وهو أن التشبيه حاصل بالنسبة إلى اصل هذه الصلاة المطلوبة وكل فرد من افرادها فالاشكال وارد كما هو وتقريره أن العطية التي يعطاها الفاضل لا بد أن تكون افضل
من العطية التي يعطاها المفضول فإذا سئل له عطية دون ما يستحقه لم يكن ذلك لائقا بمنصبه واجابوا عنه بأن هذا الاشكال إنما يرد إذا لم يكن الأمر للتكرار فأما إذا كان الأمر للتكرار فالمطلوب من الأمة أن يسألوا الله له صلاة بعد صلاة كل منها نظير ما حصل لابراهيم E فيحصل له من الصلوات ما لا يحصى مقداره بالنسبة إلى الصلاة الحاصلة لابراهيم عليه السلام وهذا أيضا ضعيف فإن التشبيه هنا إنما هو واقع في صلاة الله عليه لا في معنى صلاة المصلي ومعنى هذا الدعاء اللهم اعطه نظير ما اعطيت إبراهيم فالمسؤول له صلاة مساوية للصلاة على إبراهيم وكلما تكرر هذا السؤال كان هذا معناه فيكون كل مصل قد سأل الله أن يصلي عليه صلاة دون التي يستحقها وهذا السؤال والأمر به متكرر فهل هذا إلا تقوية لجانب الاشكال ثم أن التشبيه واقع في اصل الصلاة وافرادها ولا يغني جوابكم عنه بقضية التكرار شيئا فإن التكرار لا يجعل جانب المشبه به اقوى من جانب المشبه كما هو مقتضي التشبيه فلو كان التكرار يجعله كذلك لكان الاعتذار به نافعا بل التكرار يقتضي زيادة تفضيل المشبه وقوته فكيف يشبه حينئذ بما هو دونه فظهر ضعف هذا الجواب وقالت طائفة أخرى آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليس في آل محمد مثلهم فإذا طلب للنبي ولآله من الصلاة مثل ما لابراهيم وآله وفيهم الأنبياء حصل لآل النبي من ذلك ما يليق
بهم فإنهم لا يبلغون مراتب الأنبياء وتبقى الزيادة التي للانبياء وفيهم إبراهيم لمحمد فيحصل له بذلك من المزية ما لم يحصل لغيره وتقرير ذلك أن يجعل الصلاة الحاصلة لابراهيم ولآله وفيهم الأنبياء جملة مقسومة على محمد وآله ولا ريب انه لا يحصل لآل النبي مثل ما حصل لآل إبراهيم وفيهم الأنبياء بل يحصل لهم ما يليق بهم فيبقى قسم النبي والزيادة المتوفرة التي لم يستحقها آله مختصة به فيصير الحاصل له من مجموع ذلك أعظم وافضل من الحاصل لابراهيم وهذا احسن من كل ما تقدمه واحسن منه أن يقال محمد هو من آل إبراهيم بل هو خير آل إبراهيم كما روى علي بن أبي طلحة عن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين آل عمران 33 قال ابن عباس رضي الله عنهما محمد من آل إبراهيم وهذا نص فإنه إذا دخل غيره من الأنبياء الذين هم من ذرية إبراهيم في آله فدخول رسول الله اولى فيكون قولنا كما صليت على آل إبراهيم متناولا للصلاة عليه وعلى سائر النبيين من ذرية إبراهيم ثم قد أمرنا الله أن نصلي عليه وعلى آله خصوصا بقدر ما صلينا عليه مع سائر آل إبراهيم عموما وهو فيهم ويحصل لآله من ذلك ما يليق بهم ويبقى الباقي كله له
وتقرير هذا انه يكون قد صلى عليه خصوصا وطلب له من الصلاة ما لآل إبراهيم وهو داخل معهم ولا ريب أن الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم ورسول الله معهم اكمل من الصلاة الحاصلة له دونهم فيطلب له من الصلاة هذا الأمر العظيم الذي هو افضل مما لابراهيم قطعا وتظهر حينئذ فائدة التشبيه وجريه على اصله وان المطلوب له من الصلاة بهذا اللفظ اعظم من المطلوب له بغيره فإنه إذا كان المطلوب بالدعاء إنما هو مثل المشبه به وله اوفر نصيب منه صار له من المشبه المطلوب اكثر مما لابراهيم وغيره وانضاف إلى ذلك مما له من المشبه به من الحصة التي لم تحصل لغيره فظهر بهذا من فضله وشرفه على إبراهيم وعلى كل من آله وفيهم النبيون ما هو اللائق به وصارت هذه الصلاة دالة على هذا التفضيل وتابعة له وهي من موجباته ومقتضياته ف وعلى آله تسليما كثيرا وجزاه عنا افضل ما جزى نبيا عن أمته اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم انك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد
الفصل السابع في ذكر نكتة حسنة في هذا الحديث المطلوب فيه الصلاة عليه وعلى آله كما صلى على إبراهيم وعلى آله وهي أن اكثر الاحاديث الصحاح والحسان بل كلها مصرحة بذكر النبي وبذكر آله واما في حق المشبه به وهو إبراهيم وآله فإنما جاءت بذكر آل إبراهيم فقط دون ذكر إبراهيم أو بذكره فقط دون ذكر آله ولم يجيء حديث صحيح فيه لفظ إبراهيم وآل إبراهيم كما تظاهرت على لفظ محمد وآل محمد ونحن نسوق الاحاديث الواردة في ذلك ثم نذكر ما يسره الله تعالى في سر ذلك فنقول هذا الحديث في الصحيح من أربعة اوجه اشهرها حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لقيني
كعب بن عجرة فقال إلا اهدي لك هدية خرج علينا رسول الله فقلنا قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم انك حميد مجيد اللهم بارك وفي لفظ وبارك على محمد كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد رواه البخاري ومسلم وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه واحمد بن حنبل في - المسند - وهذا لفظهم إلا الترمذي فإنه قال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم فقط وكذا في ذكر البركة ولم يذكر الال وهي رواية لأبي داود وفي رواية كما صليت على آل إبراهيم بذكر الال فقط كما باركت على إبراهيم بذكرة فقط وفي الصحيحين من حديث أبي حميد الساعدي قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وازواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد هذا هو اللفظ المشهور وقد روي فيه كما صليت على إبراهيم وكما باركت على إبراهيم بدون لفظ الال في الموضعين
وفي البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم وفي صحيح مسلم عن أبي مسعود الانصاري رضي الله عنه قال أتانا رسول الله ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد امرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك قال فسكت رسول حتى تمنينا انه لم يسأله ثم قال رسول الله قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين انك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم وقد روي هذا الحديث بلفظ آخر كما صليت على إبراهيم وكما باركت على إبراهيم لم يذكر الال فيهما وفي رواية أخرى كما صليت على إبراهيم وكما باركت على آل إبراهيم بذكر إبراهيم وحده في الأولى والال فقط في الثانية
هذه هي الالفاظ المشهورة في هذه الاحاديث المشهور في اكثرها لفظ آل إبراهيم في الموضعين وفي بعضها لفظ إبراهيم فيهما وفي بعضها لفظ إبراهيم في الأول والال في الثاني وفي بعضها عكسه واما الجمع بين إبراهيم وآل إبراهيم فرواه البيهقي في سننه من حديث يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي إذا تشهد احدكم في الصلاة فليقل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد وهذا اسناد ضعيف ورواه الدارقطني من حديث ابن اسحاق حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن يزيد بن عبد ربه عن أبي مسعود الانصاري رضي الله عنه فذكر الحديث وفيه اللهم صل على محمد النبي الامي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد النبي الامي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد ثم قال هذا اسناد حسن متصل وفي النسائي من حديث موسى بن طلحة عن ابيه قال قلنا
يا رسول الله كيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد ولكن رواه هكذا ورواه مقتصرا فيه على ذكر إبراهيم في الموضعين وقد روى ابن ماجه حديثا آخر موقوفا على ابن مسعود فيه إبراهيم وآل إبراهيم قال في السنن حدثنا الحسين بن بيان حدثنا زياد بن عبد الله حدثنا المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة عن الاسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال إذا صليتم على رسول الله فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قال فقالوا له فعلمنا قال قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المسلمين وامام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك امام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الاولون والاخرون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد وهذا موقوف وعامة الاحاديث في الصحاح والسنن كما ذكرنا اولا
بالاقتصار على الآل أو إبراهيم في الموضعين أو الال في أحدهما وابراهيم في الآخر وكذلك في حديث أبي هريرة المتقدم في أول الكتاب وغيره من الاحاديث فحيث جاء ذكر إبراهيم وحده في الموضعين فلأنه الأصل في الصلاة المخبر بها وآله تبع له فيها فدل ذكر المتبوع على التابع واندرج فيه واغنى عن ذكره وحيث جاء ذكر آله فقط فلأنه داخل في آله كما تقدم تقريره فيكون ذكر آل إبراهيم مغنيا عن ذكره وذكر آله بلفظين وحيث جاء في أحدهما ذكره فقط وفي الآخر ذكر آله فقط كان ذلك جمعا بين الأمرين فيكون قد ذكر المتبوع الذي هو الأصل وذكر اتباعه بلفظ يدخل هو فيهم يبقى أن يقال فلم جاء ذكر محمد بالاقتران دون الاقتصار على أحدهما في عامة الاحاديث وجاء الاقتصار على إبراهيم وآله في عامتها وجواب ذلك أن الصلاة على النبي وعلى آله ذكرت في مقام الطلب والدعاء واما الصلاة على إبراهيم فإنما جاءت في مقام الخبر وذكر الواقع لأن قوله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد جملة طلبية وقوله كما صليت على آل إبراهيم جملة خبرية والجملة الطلبية إذا وقعت موقع الدعاء والسؤال كان بسطها وتطويلها انسب من اختصارها وحذفها ولهذا يشرع تكرارها وابداؤها واعادتها فإنها دعاء والله يحب الملحين في الدعاء ولهذا تجد كثيرا من أدعية النبي فيها من بسط الالفاظ وذكر كل معنى بصريح لفظه دون الاكتفاء بدلالة
اللفظ الآخر عليه ما يشهد لذلك كقوله ﷺ في حديث علي رضي الله عنه الذي رواه مسلم في صحيحه اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت اعلم به مني أنت المقدم وانت المؤخر لا اله إلا أنت ومعلوم انه لو قيل اغفر لي كل ما صنعت كان اوجز ولكن ألفاظ الحديث في مقام الدعاء والتضرع واظهار العبودية والافتقار واستحضار الانواع التي يتوب العبد منها تفصيلا أحسن وابلغ من الايجاز والاختصار وكذلك قوله في الحديث الآخر اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله سره وعلانيته اوله وآخره وفي الحديث اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي واسرافي في أمري وما أنت اعلم به مني اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي وهذا كثير في الادعية المأثورة فإن الدعاء عبودية لله تعالى
وافتقار اليه وتذلل بين يديه فكلما كثره العبد وطوله واعاده وابداه ونوع جمله كان ذلك ابلغ في عبوديته واظهار فقره وتذلله وحاجته وكان ذلك اقرب له من ربه واعظم لثوابه وهذا بخلاف المخلوق فإنك كلما كثرت سؤاله وكررت حوائجك اليه ابرمته وثقلت عليه وهنت عليه وكلما تركت سؤاله كان اعظم عنده واحب اليه والله سبحانه وتعالى كلما سألته كنت أقرب اليه واحب اليه وكلما الححت عليه في الدعاء احبك ومن لم يسأله يغضب عليه فالله يغضب إن تركت سؤاله ... وبني آدم حين يسأل يغضب فالمطلوب يزيد بزيادة الطلب وينقص بنقصانه واما الخبر فهو خبر عن أمر قد وقع وانقضى لا يحتمل الزيادة والنقصان فلم يكن في زيادة اللفظ فيه كبير فائدة ولا سيما ليس المقام مقام ايضاح وتفهيم للمخاطب ليحسن معه البسط والاطناب فكان الايجاز فيه والاختصار اكمل واحسن فلهذا جاء فيه بلفظ إبراهيم تارة وبلفظه آله أخرى لان كلا اللفظين يدل على ما يدل عليه الآخر من الوجه الذي قدمناه فكان المراد باللفظين واحدا مع الايجاز والاختصار واما في الطلب فلو قيل صل على محمد لم يكن في هذا ما يدل على الصلاة على آله إذ هو طلب ودعاء ينشأ بهذا اللفظ ليس خبرا عن أمر قد وقع واستقر ولو قيل صل على آل محمد لكان النبي إنما يصلي عليه في العموم فقيل على محمد وعلى آل محمد
فأنه يحصل له بذلك الصلاة عليه بخصوصه والصلاة عليه بدخوله في آله وهنا للناس طريقان في مثل هذا أن يقال هو داخل في آله مع اقترانه بذكره فيكون قد ذكر مرتين مرة بخصوص ومرة في اللفظ العام وعلى هذا فيكون قد صلى عليه مرتين خصوصا وعموما وهذا على اصل من يقول إن العام إذا ذكر بعد الخاص كان متناولا له أيضا ويكون الخاص قد ذكر مرتين مرة بخصوصه ومرة بدخوله في اللفظ العام وكذلك في ذكر الخاص بعد العام كقوله تعالى من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين البقرة 98 وكقوله تعالى واذ اخذنا من النبيين مثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم الأحزاب 7 الطريقة الثانية أن ذكره بلفظ الخاص يدل على انه غير داخل في اللفظ العام فيكون ذكره بخصوصه مغنيا عن دخوله في اللفظ العام وعلى هذه الطريقة فيكون في ذلك فوائد منها انه لما كان من اشرف النوع العام افرد بلفظ دال عليه بخصوصه كأنه باين النوع وتميز عنهم بما اوجب أن يتميز بلفظ يخصه فيكون ذلك تنبيها على اختصاصه ومزيته عن النوع الداخل في اللفظ العام الثانية انه يكون فيه تنبيه على أن الصلاة عليه اصل
والصلاة على آله تبع له إنما نالوها بتبعيتهم له الثالثة أن أفراده بالذكر يرفع عنه توهم التخصيص وانه لا يجوز أن يكون مخصوصا من اللفظ العام بل هو مراد قطعا
الفصل الثامن في قوله اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد وذكر البركة وحقيقتها الثبوت واللزوم والاستقرار فمنه برك البعير إذا استقر على الأرض ومنه المبرك لموضع البروك قال صاحب الصحاح وكل شيء ثبت واقام فقد برك والبرك الابل الكثيرة والبركة بكسر الباء كالحوض والجمع البرك ذكره الجوهري قال ويقال سميت بذلك لاقامة الماء فيها والبراكاء الثبات في الحرب والجد فيها قال الشاعر ولا ينجي من الغمرات إلا ... براكاء القتال أو الفرار والبركة النماء والزيادة والتبريك الدعاء بذلك ويقال باركه الله وبارك فيه وبارك عليه وبارك له وفي
القرآن أن بورك من في النار ومن حولها النمل 8 وفيه وباركنا عليه وعلى اسحاق الصافات 113 وفيه باركنا فيها الاعراف 37 وفي الحديث وبارك لي فيما اعطيت // إسناده صحيح // وفي حديث سعد بارك الله لك في اهلك ومالك المبارك الذي قد باركه الله سبحانه كما قال المسيح عليه السلام جعلني مباركا أينما كنت مريم 31 وكتابه مبارك كما قال تعالى وهذا ذكر مبارك انزلناه الأنبياء 50 وقال تعالى كتاب انزلناه اليك مبارك ص 29 وهو
أحق أن يسمى مباركا من كل شيء لكثرة خيره ومنافعه ووجوه البركة فيه والرب سبحانه وتعالى يقال في حقه تبارك ولا يقال مبارك ثم قالت طائفة منهم الجوهري أن تبارك بمعنى بارك مثل قاتل وتقاتل قال إلا أن فاعل يتعدى وتفاعل لا يتعدى وهذا غلط عند المحققين وانما تبارك تفاعل من البركة وهذا الثناء في حقه تعالى إنما هو لوصف رجع اليه كتعالى فإنه تفاعل من العلو ولهذا يقرن بين هذين اللفظين فيقال تبارك وتعالى وفي دعاء القنوت تباركت وتعاليت وهو سبحانه احق بذلك واولى من كل أحد فإن الخير كله بيديه وكل الخير منه صفاته كلها صفات كمال وافعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة وخيرات لا شرور فيها كما قال النبي والشر ليس اليك وانما يقع الشر في مفعولاته ومخلوقاته لا في فعله سبحانه فإذا كان العبد وغيره مباركا لكثرة خيره ومنافعه واتصال اسباب الخير فيه وحصول ما ينتفع به الناس منه فالله تبارك وتعالى احق أن يكون متباركا وهذا ثناء يشعر بالعظمة والرفعة والسعة كما يقال تعاظم وتعالى ونحوه فهو دليل على عظمته وكثرة خيره ودوامه واجتماع صفات الكمال فيه وان كل نفع في العالم كان ويكون فمن نفعه سبحانه واحسانه
ويدل هذا الفعل أيضا في حقه على العظمة والجلال وعلو الشأن ولهذا إنما يذكره غالبا مفتتحا به جلاله وعظمته وكبرياءه قال تعالى إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة ايام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إلا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين الاعراف 54 وقال تعالى تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الفرقان 1 وقال تعالى تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا الفرقان 61 و تبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة اليه ترجعون الزخرف 85 وتبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الملك 1 وقال تعالى عقب خلق الانسان في اطواره السبعة فتبارك الله احسن الخالقين المؤمنون 14 فقد ذكر تبارك سبحانه في المواضع التي اثنى فيها على نفسه بالجلال والعظمة والافعال الدالة على ربوبيته والهيته وحكمته وسائر صفات كماله من انزال الفرقان وخلق العالمين وجعله البروج في السماء والشمس والقمر وانفراده بالملك وكمال القدرة ولهذا قال أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما
تبارك بمعنى تعالى وقال أبو العباس تبارك ارتفع والمبارك المرتفع وقال ابن الانباري تبارك بمعنى تقدس وقال الحسن تبارك تجيء البركة من قبله وقال الضحاك تبارك تعظم وقال الخليل بن احمد تمجد وقال الحسين بن الفضل تبارك في ذاته وبارك من شاء من خلقه وهذا احسن الأقوال فتباركه سبحانه وصف ذات له وصفه فعل كما قال الحسين بن الفضل والذي يدل على ذلك أيضا انه سبحانه يضيف التبارك إلى اسمه كما قال تعالى تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام الرحمن 78 وفي حديث الاستفتاح تبارك اسمك وتعالى جدك فدل هذا على أن تبارك ليس بمعنى بارك كما قاله الجوهري وان تبريكه سبحانه جزء مسمى اللفظ لا كمال معناه وقال ابن عطية معناه عظم وكثرت بركاته ولا يوصف بهذه اللفظة إلا الله سبحانه وتعالى ولا تتصرف هذه اللفظة في لغة العرب لا يستعمل منها مضارع ولا أمر قال وعلة ذلك أن تبارك لما لم يوصف به غير الله لم يقتض مستقبلا إذ الله سبحانه وتعالى قد تبارك في الأزل قال وقد غلط أبو علي القالي فقيل
له كيف المستقبل من تبارك فقال يتبارك فوقف على أن العرب لم تقله وقال ابن قتيبة تبارك اسمك تفاعل من البركة كما يقال تعالى اسمك من العلو يراد به أن البركة في اسمك وفيما سمي عليه وقال وانشدني بعض أصحاب اللغة بيتا حفظت عجزه إلى الجذع النخلة المتبارك ... فقوله يراد به أن البركة في اسمك وفيما سمي عليه يدل على أن ذلك صفة لمن تبارك فإن بركة الاسم تابعة لبركة المسمى ولهذا كان قوله تعالى فسبح باسم ربك العظيم الواقعة 74 و 96 و الحاقة 52 دليلا على أن الأمر بتسبيح الرب بطريق الأولى فإن تنزيه الاسم من توابع تنزيه المسمى وقال الزمخشري فيه معنيان أحدهما تزايد خيره وتكاثر أو تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته وافعاله قلت ولا تنافي بين المعنيين كما قال الحسين بن الفضل وغيره وقال النضر بن شميل سألت الخليل بن أحمد عن تبارك فقال تمجد ويجمع المعنيين مجده في ذاته وافاضته البركة على خلقة فإن هذا هو حقيقة المجد فإنه السعة ومنه مجد الشيء إذا اتسع واستمجد والعرش المجيد لسعته وقال بعض المفسرين يمكن أن يقال هو من البروك فيكون تبارك ثبت ودام ازلا وابدا فيلزم أن يكون واجب الوجود
لأن ما كان وجوده من غيره لم يكن ازليا وهذا قد يقال انه جزء المعنى فتباركه سبحانه يجمع هذا كله دوام وجوده وكثرة خيره ومجده وعلوه وعظمته وتقدسه ومجيء الخيرات كلها من عنده وتبريكه على من شاء من خلقه وهذا هو المعهود من ألفاظ القرآن كلها إنها تكون دالة على جملة معان فيعبر هذا عن بعضها وهذا عن بعضها واللفظ يجمع ذلك كله وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع والمقصود الكلام على قوله وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم فهذا الدعاء يتضمن اعطاءه من الخير ما اعطاه لآل إبراهيم وادامته وثبوته له ومضاعفته وزيادته هذا حقيقة البركة وقد قال تعالى في إبراهيم وآله وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى اسحاق الصافات 112 و 113 وقال تعالى فيه وفي أهل بيته رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد هود 73 وتأمل كيف جاء في القرآن وباركنا عليه وعلى اسحاق ولم يذكر اسماعيل وجاء في التوراة ذكر البركة على اسماعيل ولم يذكر اسحاق كما تقدم حكايته وعن اسماعيل سمعتك هانا باركته فجاء في التوراة ذكر البركة في اسماعيل ايذانا بما حصل لبنيه من الخير والبركة لا سيما خاتمة بركتهم واعظمها واجلها برسول الله فنبههم بذلك على ما يكون في بنيه من هذه البركة العظيمة الموافية على
لسان المبارك وذكر لنا في القرآن بركته على اسحاق منبها لنا على ما حصل في اولاده من نبوة موسى عليه السلام وغيره وما اتوه من الكتاب والعلم مستدعيا من عباده الإيمان بذلك والتصديق به وان لا يهملوا معرفة حقوق هذا البيت المبارك واهل النبوة منهم ولا يقول القائل هؤلاء انبياء بني اسرائيل لا تعلق لنا بهم بل يجب علينا احترامهم وتوقيرهم والايمان بهم ومحبتهم وموالاتهم والثناء عليهم صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ولما كان هذا البيت المبارك المطهر اشرف بيوت العالم على الاطلاق خصهم الله سبحانه وتعالى منه بخصائص منها انه جعل فيه النبوة والكتاب فلم يأت بعد إبراهيم عليه السلام نبي إلا من أهل بيته ومنها انه سبحانه جعلهم ائمة يهدون بأمره إلى يوم القيامة فكل من دخل الجنة من اولياء الله بعدهم فإنما دخل من طريقهم وبدعوتهم ومنها انه سبحانه اتخذ منهم الخليلين إبراهيم ومحمدا عليهما وقال تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا النساء 125 وقال النبي أن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا وهذا من خواص البيت
ومنها انه سبحانه جعل صاحب هذا البيت اماما للعالمين كما قال تعالى واذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما البقرة 124 ومنها انه اجرى على يديه بناء بيته الذي جعله قياما للناس وقبله لهم وحجا فكان ظهور هذا البيت من أهل هذا البيت الاكرمين ومنها انه أمر عباده بأن يصلوا على أهل هذا البيت كما صلى على أهل بيتهم وسلفهم وهم إبراهيم وآله وهذه خاصة لهم ومنها انه اخرج منهم الامتين المعظمتين اللتين لم تخرجا من أهل بيت غيرهم وهم امة موسى وأمة محمد عليهما وأمة محمد تمام سبعين امة هم خيرها واكرمها على الله ومنها أن الله سبحانه ابقى عليهم لسان صدق وثناء حسنا في العالم فلا يذكرون إلا بالثناء عليهم والصلاة والسلام عليهم قال تعالى وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين الصافات 108 و 110 ومنها جعل أهل هذا البيت فرقانا بين الناس فالسعداء ابتاعهم ومحبوهم ومن تولاهم والاشقياء من ابغضهم واعرض عنهم
وعاداهم فالجنة لهم ولاتباعهم والنار لاعدائهم ومخالفيهم ومنها انه سبحانه جعل ذكرهم مقرونا بذكره فيقال إبراهيم خليل الله ورسوله ونبيه ومحمد رسول الله وخليله ونبيه وموسى كليم الله ورسوله قال تعالى لنبيه يذكره بنعمته عليه ورفعنا لك ذكرك الانشراح 4 قال ابن عباس رضي الله عنهما إذا ذكرت ذكرت معي فيقال لا اله إلا الله محمد رسول الله في كلمة الإسلام وفي الاذان وفي الخطب وفي التشهدات وغير ذلك ومنها أنه سبحانه جعل خلاص خلقه من شقاء الدنيا والاخرة على ايدي أهل هذا البيت فلهم على الناس من النعم ما لا يمكن احصاؤها ولا جزاؤها ولهم المنن الجسام في رقاب الأولين والآخرين من أهل السعادة والايادي العظام عندهم التي يجازيهم عليها الله تعالى ومنها أن كل ضر ونفع وعمل صالح وطاعة لله تعالى حصلت في العالم فلهم من الاجر مثل اجور عامليها فسبحان من يختص بفضله من يشاء من عباده ومنها أن الله سبحانه وتعالى سد جميع الطرق بينه وبين العالمين واغلق دونهم الابواب فلم يفتح أحد قط من طريقهم وبابهم وقال الجنيد رحمه الله يقول الله تعالى لرسوله وعزتي وجلالي لو اتوني من كل طريق أو استفتحوا من كل باب لما فتحت لهم حتى يدخلوا خلفك ومنها انه سبحانه خصهم من العلم بما لم يخص به أهل بيت سواهم من العالمين فلم يطرق العالم أهل بيت اعلم بالله
وأسمائه وصفاته واحكامه وافعاله وثوابه وعقابه وشرعه ومواقع رضاه وغضبه وملائكته ومخلوقاته منهم فسبحان من جمع لهم علم الأولين والآخرين ومنها انه سبحانه خصهم من توحيده ومحبته وقربه والاختصاص به بما لم يختص به أهل بيت سواهم ومنها انه سبحانه مكن لهم في الأرض واستخلفهم فيها واطاع أهل الأرض لهم ما لم يحصل لغيرهم ومنها انه سبحانه ايدهم ونصرهم واظفرهم بأعدائه واعدائهم بما لم يؤيد غيرهم ومنها انه سبحانه محا بهم من آثار أهل الضلال والشرك ومن الاثار التي يبغضها ويمقتها ما لم يمحه بسواهم ومنها انه سبحانه غرس لهم من المحبة والاجلال والتعظيم في قلوب العالمين ما لم يغرسه لغيرهم ومنها انه سبحانه جعل آثارهم في الأرض سببا لبقاء العالم وحفظه فلا يزال العالم باقيا ما بقيت آثارهم فإذا ذهب آثارهم من الأرض فذاك اوان خراب العالم قال الله تعالى جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد المائدة 97 قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها لو ترك الناس كلهم الحج لوقعت السماء على الأرض وقال لو ترك الناس كلهم الحج لما نظروا
واخبر النبي أن في آخر الزمان يرفع الله بيته من الأرض وكلامه من المصاحف وصدور الرجال فلا يبقى له في الأرض بيت يحج ولا كلام يتلى فحينئذ يقرب خراب العالم وهكذا الناس اليوم إنما قيامهم بقيام اثار نبيهم وشرائعه بينهم وقيام امورهم حصول مصالحهم واندفاع أنواع البلاء والشر عنهم بحسب ظهورها بينهم وقيامها وهلاكهم وعنتهم وحلول البلاء والشر بهم عند تعطلها والإعراض عنها والتحاكم إلى غيرها واتخاذ سواها ومن تأمل تسليط الله سبحانه على من سلطه على البلاد والعباد من الاعداء علم أن ذلك بسبب تعطيلهم لدين نبيهم وسننه وشرائعه فسلط الله عليهم من اهلكهم وانتقم منهم حتى أن البلاد التي لآثار الرسول وسننه وشرائعه فيها ظهور دفع عنها بحسب ظهور ذلك بينهم وهذه الخصائص واضعاف اضعافها من آثار رحمة الله وبركاته على أهل هذا البيت فلهذا امرنا رسول الله أن نطلب له من الله تعالى أن بارك عليه وعلى آله كما بارك على هذا البيت المعظم صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ومن بركات أهل هذا البيت انه سبحانه اظهر على ايديهم
من بركات الدنيا والآخرة ما لم يظهره على يدي أهل بيت غيرهم ومن بركاتهم وخصائصهم أن الله سبحانه اعطاهم من خصائصهم ما لم يعط غيرهم فمنهم من اتخذه خليلا ومنهم الذبيح ومنهم من كلمه تكليما وقربه نجيا ومنهم من آتاه شطر الحسن وجعله من اكرم الناس عليه ومنهم من آتاه ملكا لم يؤته احدا غيره ومنهم من رفعه مكانا عليا ولما ذكر سبحانه وتعالى هذا البيت وذريته اخبر أن كلهم فضله على العالمين ومن خصائصهم وبركاتهم على أهل الأرض أن الله سبحانه رفع العذاب العام عن أهل الأرض بهم وببعثتهم وكانت عادته سبحانه في امم الأنبياء قبلهم انهم إذا كذبوا انبياءهم ورسلهم اهلكهم بعذاب يعمهم كما فعل بقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط فلما انزل الله سبحانه وتعالى التوراة والانجيل والقرآن رفع بها العذاب العام عن أهل الأرض وامر بجهاد من كذبهم وخالفهم فكان ذلك نصرة لهم بايديهم وشفاء لصدورهم واتخاذ الشهداء منهم واهلاك عدوهم بايديهم لتحصيل محابه سبحانه على ايديهم وحق بأهل بيت هذا بعض فضائلهم أن لا تزال الالسن رطبة بالصلاة عليهم والسلام والثناء والتعظيم والقلوب ممتلئة من تعظيمهم ومحبتهم واجلالهم وان يعرف المصلي عليهم انه لو انفق انفاسه كلها في الصلاة عليهم ما وفى القليل من حقهم فجزاهم الله عن بريته افضل الجزاء وزادهم في الملأ الاعلى تعظيما وتشريفا وتكريما وصلى عليهم صلاة دائمة لا انقطاع لها وسلم تسليما
الفصل التاسع في اختتام هذه الصلاة بهذين الاسمين من أسماء الرب سبحانه وتعالى وهما الحميد والمجيد فالحميد فعيل من الحمد وهو بمعنى محمود واكثر ما يأتي فعيلا في اسمائه تعالى بمعنى فاعل كسميع وبصير وعليم وقدير وعلي وحكيم وحليم وهو كثير وكذلك فعول كغفور وشكور وصبور واما الودود ففيه قولان أحدهما انه بمعنى فاعل وهو الذي يحب انبياءه ورسله واولياءه وعباده المؤمنين والثاني انه بمعنى مودود وهو المحبوب الذي يستحق أن يحب الحب كله وان يكون احب إلى العبد من سمعه وبصره وجميع محبوباته واما الحميد فلم يأت إلا بمعنى المحمود وهو ابلغ من المحمود فان فعيلا إذا عدل به عن مفعول دل على أن تلك الصفة قد صارت مثل السجية والغريزة والخلق اللازم إذا قلت فلان ظريف وشريف وكريم ولهذا يكون هذا البناء غالبا من فعل بوزن
شرف هذا البناء من أبنية الغرائز والسجايا اللازمة ككبر وصغر وحسن ولطف ونحو ذلك ولهذا كان حبيب ابلغ من محبوب لان الحبيب الذي حصلت فيه الصفات والافعال التي يحب لاجلها فهو حبيب في نفسه وان قدر أن غيره لا يحبه لعدم شعوره به أو لمانع منعه من حبه واما المحبوب فهو الذي تعلق به حب المحب فصار محبوبا بحب الغير له واما الحبيب فهو حبيب بذاته وصفاته تعلق به حب الغير أو لم يتعلق وهكذا الحميد والمحمود فالحميد هو الذي له من الصفات واسباب الحمد ما يقتضي أن يكون محمودا وان لم يحمده غيره فهو حميد في نفسه والمحمود من تعلق به حمد الحامدين وهكذا المجيد والممجد والكبير والمكبر والعظيم والمعظم والحمد والمجد اليهما يرجع الكمال كله فإن الحمد يستلزم الثناء والمحبة للمحمود فمن احببته ولم تثن عليه لم تكن حامدا له حتى تكون مثنيا عليه محبا له وهذا الثناء والحب تبع للاسباب المقتضية له وهو ما عليه المحمود من صفات الكمال ونعوت الجلال والاحسان إلى الغير فإن هذه هي اسباب المحبة وكلما كانت هذه الصفات اجمع واكمل كان الحمد والحب اتم واعظم والله سبحانه له الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه ما والاحسان كله له ومنه فهو احق بكل حمد وبكل حب من كل جهة فهو أهل أن يحب لذاته ولصفاته ولافعاله ولاسمائه ولاحسانه ولكل ما صدر منه سبحانه وتعالى
وأما المجد فهو مستلزم للعظمة والسعة والجلال والحمد يدل على صفات الاكرام والله سبحانه وتعالى ذو الجلال والإكرام وهذا معنى قول العبد لا اله إلا الله والله اكبر ف لا اله إلا الله دال على الوهيته وتفرده فيها فالوهيته تستلزم محبته التامة والله اكبر دال على مجده وعظمته وذلك يستلزم تعظيمه وتمجيده وتكبيره ولهذا يقرن سبحانه بين هذين النوعين في القرآن كثيرا كقوله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد هود 73 وقوله تعالى وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا الاسراء 111 فأمر بحمده وتكبيره وقال تعالى تبارك اسم ربك ذي الجلا والإكرام الرحمن 78 وقال تعالى ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام الرحمن 27 وفي - المسند - و - صحيح أبي حاتم - وغيره من حديث انس عن النبي انه قال الظوا بياذا الجلال والاكرام حديث صحيح يعني الزموها وتعلقوا بها فالجلال والاكرام هو الحمد والمجد
ونظير هذا قوله تعالى إن ربي غني كريم النمل 40 وقوله تعالى فإن الله كان عفوا قديرا النساء 149 وقوله تعالى والله قدير والله غفور رحيم الممتحنة 7 وقوله تعالى وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد البروج 14 15 وهو كثير في القرآن وفي الحديث الصحيح حديث دعاء الكرب لا اله إلا الله العظيم الحليم لا اله إلا الله رب العرش العظيم لا اله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم فذكر هذين الاسمين الحميد المجيد عقيب الصلاة على النبي وعلى آله مطابق لقوله تعالى رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد هود 73 ولما كانت الصلاة على النبي وهي ثناء الله تعالى عليه وتكريمه والتنويه به ورفع ذكره وزيادة حبه وتقريبه كما تقدم كانت مشتملة على الحمد والمجد فكأن المصلي طلب من الله تعالى أن يزيد في حمده ومجده فإن الصلاة عليه هي نوع حمد له وتمجيد هذا حقيقتها فذكر في هذا المطلوب الاسمين المناسبين له وهما أسماء الحميد والمجيد وهذا كما تقدم أن الداعي يشرع له أن يختم دعاءه باسم من الاسماء الحسنى مناسب لمطلوبه أو يفتتح دعاءه به وتقدم أن هذا من قوله ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها الاعراف 180
قال سليمان عليه السلام في دعائه ربه رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي انك أنت الوهاب ص 35 وقال الخليل وابنه اسماعيل عليهما السلام في دعائهما ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم البقرة 28 وكان النبي يقول رب اغفر لي وتب علي انك أنت التواب الغفور مائة مرة في مجلسه // إسناده صحيح // وقال لعائشة رضي الله عنها وقد سألته أن وافقت ليلة القدر ما ادعو به قال قولي اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني // سنده صحيح // وقال للصديق رضي الله عنه وقد سأله أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته قال قل اللهم أني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني انك أنت الغفور الرحيم وهذا كثير قد ذكرناه في - كتاب الروح والنفس - وما قاله الناس في قول المسيح إن تعذبهم فإنهم
عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم المائدة 118 ولم يقل الغفور الرحيم وقول الخليل عليه السلام فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم إبراهيم 36 فلما كان المطلوب للرسول حمدا ومجدا بصلاة الله عليه ختم هذا السؤال باسمي الحميد والمجيد وأيضا فإنه لما كان المطلوب للرسول حمدا ومجدا وكان ذلك حاصلا له ختم ذلك بالاخبار عن ثبوت ذنيك الوصفين للرب بطريق الأولى إذ كل كمال في العبد غير مستلزم للنقص فالرب احق به وأيضا فإنه لما طلب للرسول حمدا ومجدا بالصلاة عليه وذلك يستلزم الثناء عليه ختم هذا المطلوب بالثناء على مرسله بالحمد والمجد فيكون هذا الدعاء متضمنا لطلب الحمد والمجد للرسول والاخبار عن ثبوته للرب سبحانه وتعالى
الفصل العاشر في ذكر قاعدة في هذه الدعوات والاذكار التي رويت بأنواع مختلفة كأنواع الاستفتاحات وانواع التشهدات في الصلاة وانواع الادعية التي اختلفت الفاظها وانواع الاذكار بعد الاعتدالين من الركوع والسجود ومنه هذه الالفاظ التي رويت في الصلاة على النبي قد سلك بعض المتأخرين في ذلك طريقة في بعضها وهو أن الداعي يستحب له أن يجمع بين تلك الالفاظ المختلفة ورأى ذلك افضل ما يقال فيها فرأى انه يستحب للداعي بدعاء الصديق رضي الله عنه أن يقول اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا ويقول المصلي على النبي اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أزواجه وذريته وارحم محمدا وآل محمد وازواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وكذلك في البركة والرحمة ويقول في دعاء الاستخارة اللهم أن كنت تعلم أن هذا الأمر
خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري وآجله // حديث صحيح // ونحو ذلك قال ليصيب ألفاظ النبي يقينا فيما شك فيه الراوي ولتجتمع له الادعية الآخر فيما اختلفت الفاظها ونازعه في ذلك آخرون وقالوا هذا ضعيف من وجوه أحدها أن هذه طريقة محدثة لم يسبق اليها أحد من الأئمة المعروفين الثاني أن صاحبها أن طردها لزمه أن يستحب للمصلي أن يستفتح بجميع أنواع الاستفتاحات وان يتشهد بجميع أنواع التشهدات وان يقول في ركوعه وسجوده جميع الاذكار الواردة فيه وهذا باطل قطعا فإنه خلاف عمل الناس ولم يستحبه أحد من أهل العلم وهو بدعة وان لم يطردها تناقض وفرق بين متماثلين الثالث أن صاحبها ينبغي له أن يستحب للمصلي والتالي أن يجمع بين القراءات المتنوعة في التلاوة في الصلاة وخارجها قالوا ومعلوم أن المسلمين متفقون على انه لا يستحب ذلك للقارئ في الصلاة ولا خارجها إذا قرأ قراءة عبادة وتدبر وانما يفعل ذلك القراء احيانا ليمتحن بذلك حفظ القارئ لانواع القراءات واحاطته بها واستحضاره إياها والتمكن من استحضارها عند طلبها فذلك تمرين وتدريب لا تعبد يستحب لكل تال وقارئ ومع هذا ففي ذلك للناس كلام ليس هذا موضعه بل
المشروع في حق التالي أن يقرأ بأي حرف شاء وإن شاء أن يقرأ بهذا مرة وبهذا مرة جاز ذلك وكذا الداعي إذا قال ظلمت نفسي ظلما كثيرا مرة ومرة قال كبيرا جاز ذلك وكذلك إذا صلى على النبي مرة بلفظ هذا الحديث ومرة باللفظ الآخر وكذلك إذا تشهد فإن شاء تشهد بتشهد ابن مسعود وان شاء تشهد بتشهد ابن عباس وإن شاء بتشهد عمر وإن شاء بتشهد عائشة وكذلك في الاستفتاح إن شاء استفتح بحديث علي وان شاء بحديث أبي هريرة وان شاء باستفتاح عمر رضي الله عنهم اجمعين وان شاء فعل هذا مرة وهذا مرة وهذا مرة وكذلك إذا رفع رأسه من الركوع أن شاء قال اللهم ربنا لك الحمد وان شاء قال ربنا لك الحمد وان شاء قال ربنا ولك الحمد ولا يستحب له أن يجمع بين ذلك وقد احتج غير واحد من الأئمة منهم الشافعي على جواز الانواع المأثورة في التشهدات ونحوها بالحديث الذي رواه أصحاب الصحيح والسنن وغيرهم عن النبي انه قال انزل القرآن على سبعة احرف فجوز النبي القراءة بكل حرف من تلك الاحرف واخبر انه شاف كاف ومعلوم أن المشروع في ذلك أن يقرأ بتلك الاحرف على سبيل البدل لا على سبيل الجمع كما كان الصحابة يفعلون الرابع أن النبي لم يجمع بين تلك الالفاظ المختلفة
في آن واحد بل إما أن يكون قال هذا مرة وهذا مرة كألفاظ الاستفتاح والتشهد واذكار الركوع والسجود وغيرها فاتباعه يقتضي أن لا يجمع بينها بل يقال هذا مرة وهذا مرة واما أن يكون الراوي قد شك في أي الالفاظ قال فإن ترجح عند الداعي بعضها صار اليه وان لم يترجح عنده بعضها كان مخيرا بينها ولم يشرع له الجمع فإن هذا نوع ثالث لم يرو عن النبي فيعود الجمع بين تلك الالفاظ في آن واحد على مقصود الداعي بالإبطال لانه قصد متابعة الرسول ففعل ما لم يفعله قطعا ومثال ما يترجح فيه أحد الالفاظ حديث الاستخارة فإن الراوي شك هل قال النبي اللهم أنت كنت تعلم أن هذا خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري أو قال وعاجل امري وآجله بدل وعاقبة امري والصحيح اللفظ الأول وهو قوله وعاقبة امري لان عاجل الأمر وآجله هو مضمون قوله ديني ومعاشي وعاقبة امري فيكون الجمع بين المعاش وعاجل الأمر وآجله تكرارا بخلاف ذكر المعاش والعاقبة فإنه لا تكرار فيه فإن المعاش هو عاجل الأمر والعاقبة آجله ومن ذلك ما ثبت عن النبي انه قال من قرأ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال // رواه مسلم // واختلف فيه فقال بعض الرواة من أول سورة الكهف
وقال بعضهم من آخرها وكلاهما في الصحيح لكن الترجيح لمن قال من أول سورة الكهف لان في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان في قصة الدجال فإذا رأيتموه فاقرؤوا عليه فواتح سورة الكهف ولم يختلف في ذلك وهذا يدل على أن من روى العشر من أول السورة حفظ الحديث ومن روى من اخرها لم يحفظه الخامس أن المقصود إنما هو المعنى والتعبير عنه بعبارة مؤدية له فإذا عبر عنه باحدى العبارتين حصل المقصود فلا يجمع بين العبارات المتعددة السادس أن أحد اللفظين بدل عن الآخر فلا يستحب الجمع بين البدل والمبدل معا كما لا يستحب ذلك في المبدلات التي لها أبدال والله تعالى اعلم
الباب الرابع في مواطن الصلاة على النبي التي يتأكد طلبها إما وجوبا واما استحبابا مؤكدا الموطن الأول وهو اهمها اكدها في الصلاة في آخر التشهد وقد اجمع المسلمون على مشروعيته واختلفوا في وجوبه فيها فقالت طائفة ليس يواجب فيها ونسبوا من أوجبه إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع منهم الطحاوي والقاضي عياض والخطابي فإنه قال ليست بواجبة في الصلاة وهو قول جماعة الفقهاء إلا الشافعي ولا اعلم له قدوة وكذلك ابن المنذر ذكر أن الشافعي تفرد بذلك واختار عدم الوجوب واحتج ارباب هذا القول بأن قالوا واللفظ لعياض والدليل على أن الصلاة على النبي ليست من فروض الصلاة عمل السلف الصالح قبل الشافعي واجماعهم عليه وقد شنع الناس عليه المسألة جدا وهذا تشهد ابن مسعود رضي الله عنه الذي اختاره الشافعي وهو الذي علمه النبي اياه ليس فيه الصلاة على النبي وكذلك كل من روى التشهد عن النبي كأبي هريرة وابن عباس وجابر وابن عمر وأبي سعيد الخدري وأبي موسى الاشعري وعبد الله بن الزبير رضي الله
الله عنهم لم يذكروا فيه الصلاة على النبي وقد قال ابن عباس وجابر كان النبي يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن ونحوه عن أبي سعيد وقال ابن عمر كان أبو بكر يعلمنا التشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان في الكتاب وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمه أيضا على المنبر يعني وليس في شيء من ذلك أمرهم فيه بالصلاة على النبي قال ابن عبد البر في التمهيد ومن حجة من قال بأن الصلاة على النبي ليست فرضا في الصلاة حديث الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة اخذ علقمة بيدي فقال إن عبد الله اخذ بيدي كما اخذت بيدك فعلمني التشهد فذكر الحديث إلى قوله اشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله قال فإذا أنت قلت ذلك فقد قضيت الصلاة فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد قالوا ففي هذا الحديث ما يشهد لمن لم ير الصلاة على النبي في التشهد واجبة ولا سنة مسنونة وان من تشهد فقد تمت صلاته إن شاء قام وان شاء قعد قالوا لان ذلك لو كان واجبا أو سنة في التشهد لبين النبي ذلك وذكره وقالوا أيضا فقد روى أبو داود والترمذي والطحاوي من حديث عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله إذا رفع رأسه من آخر السجود فقد مضت صلاته إذا هو احدث واللفظ
لحديث الطحاوي وعندكم لا تمضي صلاته حتى يصلي على النبي قالوا وقد روى عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه إذا جلس مقدار التشهد ثم احدث فقد تمت صلاته ومن حجتهم أيضا حديث الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود في التشهد وقال ثم ليتخير ما احب من الكلام يعني ولم يذكر الصلاة عليه ومن محجتهم أيضا حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله سمع رجلا يدعو في صلاته ولم يحمد الله ولم يصل على النبي فقال النبي عجل هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره إذا صلى احدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي ثم يدعو بما شاء // إسناده حسن // قالوا ففي حديث فضالة هذا أن النبي لم يأمر هذا المصلي الذي ترك الصلاة عليه بالإعادة لانها لو كانت فرضا لأمره بإعادة الصلاة كما أمر الذي لم يتم ركوعه ولا سجوده بالاعادة واحتج هؤلاء أيضا بأن النبي لم يعلمها المسيء في صلاته ولو كانت من فروض الصلاة التي لا تصح إلا بها لعلمه إياها كما علمه القراءة والركوع والسجود والطمأنينة في الصلاة واحتجوا أيضا بأن الفرائض إنما تثبت بدليل صحيح لا
معارض له من مثله أو بإجماع ممن تقوم الحجة بإجماعهم فهذا جل ما احتج به النفاة وعمدتهم ونازعهم آخرون في ذلك نقلا واستدلالا وقالوا أما نسبتكم الشافعي ومن قال بقوله في هذه المسألة إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع فليس بصحيح فقد قال بقوله جماعة من الصحابة ومن بعدهم فمنهم عبد الله بن مسعود فإنه كان يراها واجبة في الصلاة ويقول لا صلاة لمن لم يصل فيها على النبي ذكره ابن عبد البر عنه في التمهيد وحكاه غيره أيضا ومنهم أبو مسعود البدري روى عثمان بن أبي شيبة وغيره عن شريك بن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبي مسعود قال ما أرى أن صلاة لي تمت حتى اصلي فيها على محمد وعلى آل محمد ومنهم عبد الله بن عمر ذكره الحسن بن شبيب المعمري حدثنا علي بن ميمون حدثنا خالد بن حسان عن جعفر بن برقان عن عقبة بن نافع عن ابن عمر انه قال لا تكون صلاة إلا بقراءة وتشهد وصلاة على النبي فإن نسيت شيئا من ذلك فاسجد سجدتين بعد السلام وقال حدثنا عثمان ابن أبي شيبة حدثنا شريك عن أبي جعفر قال قال أبو مسعود البدري ما أرى أن صلاة لي تمت لا اصلي فيها على محمد
ومن التابعين أبو جعفر محمد بن علي والشعبي ومقاتل بن حيان ومن ارباب المذاهب المتبوعين اسحاق بن راهويه قال أن تركها عمدا لم تصح صلاته وان تركها سهوا رجوت أن تجزئه قلت عن اسحاق في ذلك روايتان ذكرهما عنه حرب في مسائله قال باب الصلاة على النبي بعد التشهد قال سألت اسحاق قلت الرجل إذا تشهد فلم يصل على النبي قال أما أنا فأقول أن صلاته جائزة وقال الشافعي لا تجوز صلاته ثم قال انا اذهب إلى حديث الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة فذكر حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال حرب سمعت أبا يعقوب يعني اسحاق يقول إذا فرغ من التشهد اماما كان أو مأموما صلى على النبي لا يجزئه غير ذلك لقول أصحاب النبي قد عرفنا السلام عليك يعني في التشهد والسلام فيها فكيف الصلاة فانزل الله سبحانه وتعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي الأحزاب 56 وفسر النبي كيف هي فأدنى ذكر عن النبي في الصلاة عليه يكفيه فليقله بعد التشهد والتشهد والصلاة على النبي في الجلسة الاخيرة عملان هما عدلان لا يجوز أحد أن يترك واحدا منهما عمدا وان كان ناسيا رجونا أن تجزئه مع أن بعض علماء الحجاز قال لا يجزئه ترك الصلاة على النبي وان تركه اعاد الصلاة تم كلامه واما الأمام احمد فاختلفت الرواية عنه ففي مسائل
المروزي قيل لأبي عبد الله أن ابن راهوية يقول لو أن رجلا ترك الصلاة على النبي في التشهد بطلت صلاته قال ما اجترئ أن اقول هذا وقال مرة هذا شذوذ وفي مسائل أبي زرعة الدمشقي قال احمد كنت اتهيب ذلك ثم تبينت فإذا الصلاة على النبي واجبة وظاهر هذا انه رجع عن قوله بعدم الوجوب واما قولكم الدليل على عدم وجوبها عمل السلف الصالح قبل الشافعي واجماعهم عليه فجوابه أن استدلالكم إما أن يكون بعمل الناس في صلاتهم واما بقول أهل الإجماع إنها ليست بواجبة فإن كان الاستدلال بالعمل فهو من اقوى حججنا عليكم فإنه لم يزل عمل الناس مستمرا قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر على الصلاة على النبي في آخر التشهد امامهم ومأمومهم ومنفردهم ومفترضهم ومتنفلهم حتى لو سئل كل مصل هل صليت على النبي في الصلاة لقال نعم وحتى لو سلم من غير صلاة على النبي وعلم المأمومون منه ذلك لأنكروا ذلك عليه وهذا أمر لا يمكن انكاره فالعمل اقوى حجة عليكم فكيف يسوغ لكم أن تقولوا عمل السلف الصالح قبل الشافعي ينفي الوجوب افترى السلف الصالح كلهم ما كان أحد منهم قط يصلي على النبي في صلاته وهذا من ابطل الباطل واما أن كان احتجاجكم بقول أهل الإجماع أيضا إنها ليست
بفرض فهذا مع انه لا يسمى عملا لم يعلمه أهل الإجماع وانما هو مذهب مالك وأبي حنيفة واصحابهما وغايته انه قول كثير من أهل العلم وقد نازعهم في ذلك آخرون من الصحابة والتابعين وارباب المذاهب كما تقدم فهذا ابن مسعود وابن عمر وابو مسعود والشعبي ومقاتل بن حيان وجعفر بن محمد واسحاق بن راهوية والامام احمد في آخر قوليه يوجبون الصلاة عليه في التشهد فأين إجماع المسلمين مع خلاف هؤلاء واين عمل السلف الصالح وهؤلاء من افاضلهم رضي الله عنهم ولكن هذا شأن من لم يتتبع مذاهب العلماء ويعلم مواقع الإجماع والنزاع واما قوله قد شنع الناس على الشافعي المسألة جدا فيا سبحان الله أي شناعة عليه في هذه المسألة وهل هي إلا من محاسن مذهبه ثم لا يستحي المشنع عليه مثل هذه المسألة من المسائل التي شنعتها ظاهرة جدا يعرفها من عرفها من المسائل التي تخالف النصوص أو تخالف الإجماع السابق أو القياس أو المصلحة الراجحة ولو تتبعت لبلغت مئين وليس تتبع المسائل المستشنعه من عادة أهل العلم فيقتدى بهم في ذكرها وعدها والمنصف خصم نفسه فأي كتاب خالف الشافعي في هذه المسألة أم أي سنة أم أي إجماع ولاجل أن قال قولا اقتضته الأدلة وقامت على صحته وهو من تمام الصلاة بلا خلاف إما اتمام واجباتها أو تمام مستحباتها فهو رحمه الله رأى انه من تمام واجباتها بالأدلة التي سنذكرها فيما بعد ذلك فلا اجماعا
خرقه ولا نصا خالفه فمن أي وجه يشنع عليه وهل الشناعة إلا بمن شنع عليه اليق وبه الحق واما قوله وهذا تشهد ابن مسعود رضي الله تعالى عنه الذي اختاره الشافعي وهو الذي علمه النبي اياه إلى آخره فهكذا رأيته في النسخة الذي اختاره الشافعي والشافعي إنما اختار تشهد ابن عباس إما تشهد ابن مسعود رضي الله عنه فأبو حنيفة واحمد اختاراه ومالك اختار تشهد عمر وبالجملة فجواب ذلك من وجوه أحدها انا نقول بموجب هذا الدليل فإن مقتضاه وجوب التشهد ولا ينفي وجوب غيره فإنه لم يقل أحد إن هذا التشهد هو جميع الواجب من الذكر في هذه القعدة فإيجاب الصلاة على النبي بدليل آخر لا يكون معارضا بترك تعليمه في احاديث التشهد الثاني انكم توجبون السلام من الصلاة ولم يعلمهم النبي اياه في احاديث التشهد فإن قلتم إنما اوجبنا السلام بقوله تحريمها التكبير وتحليلها التسليم // سنده حسن // قيل لكن ونحن اوجبنا الصلاة على النبي
بالأدلة المقتضية لها فان كان تعليم التشهد وحده مانعا من ايجاب الصلاة على النبي كان مانعا من ايجاب السلام وان لم يمنعه لم يمنع وجوب الصلاة الثالث أن النبي كما علمهم التشهد عملهم الصلاة عليه فكيف يكون تعليمه للتشهد دالا على وجوبه وتعليمه الصلاة لا يدل على وجوبها فإن قلتم التشهد الذي علمهم اياه هو تشهد الصلاة ولهذا قال فيه فإذا جلس احدكم فليقل التحيات لله واما تعليم الصلاة عليه فمطلق قلنا والصلاة التي علمهم إياها عليه هي في الصلاة أيضا لوجهين أحدهما حديث محمد بن إبراهيم التيمي وقوله كيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا في صلاتنا وقد تقدم في الباب الأول الثاني أن الصلاة التي سألوا النبي أن يعلمهم إياها نظير السلام الذي علموه لانهم قالوا هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك ومن المعلوم أن السلام الذي علموه هو قولهم في الصلاة السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته فوجب أن تكون الصلاة المقرونة به هي في الصلاة وسيأتي أن شاء الله تعالى تمام تقرير ذلك الرابع انه لو قدر أن احاديث التشهد تنفي وجوب الصلاة على النبي لكانت أدلة وجوبها مقدمة على تلك لان نفيها ينبني على استصحاب البراءة الاصلية ووجوبها ناقل عنها والناقل
مقدم على المنفي فكيف ولا تعارض فإن غاية ما ذكرتم تعليم التشهد أدلة ساكتة عن وجوب غيره وما سكت عن وجوب شيء لا يكون معارضا لما نطق بوجوبه فضلا عن أن يقدم عليه الخامس أن تعليمهم التشهد كان متقدما بل لعله من حين فرضت الصلاة واما تعليمهم الصلاة عليه فإنه كان بعد نزول قوله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي الأحزاب 56 ومعلوم أن هذه الاية نزلت في الأحزاب بعد نكاحه زينب بنت جحش بعد تخييره أزواجه فهي بعد فرض التشهد فلو قدر أن فرض التشهد كان نافيا لوجوب الصلاة عليه لكان منسوخا بأدلة الوجوب فإنها متأخرة والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن هذا يقتضي تقديم أدلة الوجوب لتأخرها والذي قبله يقتضي تقديمها لرفعها البراءة الاصلية من غير نظر إلى تقدم ولا تأخر والذي يدل على تأخر الأمر بالصلاة عن التشهد قولهم هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك ومعلوم أن السلام عليه مقرون بذكر التشهد لم يشرع في الصلاة وحده بدون ذكر التشهد والله اعلم واما قوله ومن حجة من لم يرها فرضا في الصلاة حديث الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة فذكر حديث ابن مسعود رضي الله عنه وفيه فإذا قلت ذلك فقد قضيت الصلاة فإن شئت أن تقوم فقم وان شئت أن تقعد فاقعد ولم يذكر الصلاة على النبي
فجوابه من وجوه أحدها أن هذه الزيادة مدرجة في الحديث وليست من كلام رسول الله بين ذلك الأئمة الحفاظ قال الدار قطني في كتاب العلل رواه الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة عن علقمه عن عبد الله حدث به عنه محمد بن عجلان وحسين الجعفي وزهير بن معاوية وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان فأما ابن عجلان وحسين الجعفي فاتفقا على لفظه واما زهير فزاد عليهما في آخره كلاما أدرجه بعض الرواة عن زهير في حديث النبي وهو قوله إذا قضيت هذا أو فعلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم ورواه شبابة بن سوار عن زهير ففصل بين لفظ النبي وقال فيه عن زهير قال ابن مسعود هذا الكلام وكذلك رواه ابن ثوبان عن الحسن بن الحر وبينه وفصل كلام النبي من كلام ابن مسعود وهو الصواب وقال في كتاب السنن وقد ذكر حديث زهير عن الحسن بن الحر هذا وذكر الزيادة ثم قال ادرجه بعضهم عن زهير في الحديث ووصله بكلام النبي وفصله شبابة عن زهير وجعله من كلام عبد الله رضي الله عنه وهو اشبه بالصواب من قول من ادرجه في حديث النبي لان ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك وجعل آخره من قول ابن مسعود ولاتفاق حسين الجعفي وابن عجلان ومحمد بن ابان في روايتهم عن الحسن بن الحر على ترك ذكره في آخر الحديث مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن عبد الله بن
مسعود على ذلك ثم ذكر رواية شبابة وفصله كلام عبد الله من حديث النبي ثم قال شبابة ثقة وقد فصل آخر الحديث جعله من قول عبد الله بن مسعود وهو اصح من رواية من ادرج في كلام النبي وقد تابعه غسان بن الربيع وغيره فرواه عن ابن ثوبان عن الحسن بن الحر كذلك وجعله آخر الحديث من كلام ابن مسعود لم يرفعه إلى النبي وذكر أبو بكر الخطيب هذا الحديث في كتاب الفصل للوصل له وقال قول من فصل كلام النبي من كلام ابن مسعود وبين أن الصواب أن هذه الزيادة مدرجة فإن قيل فأنتم قد رويتم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن الصلاة على النبي واجبة في الصلاة وهذا الذي ساعدكم على انه من قول ابن مسعود رضي الله عنه يبطل ما رويتم عنه فإن كان الحديث من كلام النبي فهو نص في عدم وجوبها وان كان من كلام ابن مسعود رضي الله عنه فهو مبطل لما رويتموه عنه فهذا سؤال قوي وقد اجيب عنه بأجوبه أحدها قال القاضي أبو الطيب قوله فإذا قلت فقد قضيت صلاتك معناه إنها قاربت التمام والدليل على ذلك انا اجمعنا على أن الصلاة لم تتم وهذا جواب ضعيف لانه قال فإن شئت أن تقوم فقم وان شئت أن تقعد فاقعد وعند من يوجب الصلاة على النبي لا يخير بين القيام والقعود حتى يأتي بها
الجواب الثاني أن هذا حديث خرج على معنى في التشهد وذلك انهم كانوا يقولون في الصلاة السلام على الله فقيل لهم أن الله هو السلام ولكن قولوا كذا فعلمهم التشهد ومعنى قوله إذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك يعني إذا ضم اليها ما يجب فيها من ركوع وسجود وقراءه وتسليم وسائر احكامها إلا ترى انه لم يذكر التسليم من الصلاة وهو من فرائضها لانه قد وقفهم على ذلك فاستغنى عن اعادة ذلك عليهم قالوا ومثل حديث ابن مسعود هذا قوله في الصدقة إنها تؤخذ من اغنيائهم فترد على فقرائهم أي ومن ضمن اليهم وسمي معهم في القرآن وهم الثمانية الاصناف قالوا ومثل ذلك قوله في حديث المسيء في صلاته ارجع فصل فانك لم تصل ثم أمره بفعل ما رآه لم يأت به أو لم يقمه من صلاته فقال إذا قمت إلى الصلاة فذكر الحديث وسكت عن التشهد والتسليم وقد قام الدليل من غير هذا الحديث على وجوب التشهد ووجوب التسليم عليه بما علمهم من ذلك كما يعلمهم السورة من القرآن واعلمهم أن ذلك في صلاته وقام الدليل أيضا في المسألة بأنه إنما يتحلل من الصلاة به لا بغيره من غير هذا
الحديث فكذلك الصلاة على النبي مأخوذة من غير ذلك الحديث قالوا وكما جاز لمن جعل التشهد فرضا لحديث ابن مسعود رضي الله عنه هذا ورد من خالفه وقال إذا قعد بمقدار التشهد فقد تمت صلاته وان لم يتشهد وعلى من قال إذا رفع رأسه من السجدة الاخرة فقد تمت صلاته بأن ابن مسعود رضي الله عنه إنما علق التمام في حديثه بالتشهد جاز لمن اوجب الصلاة على النبي أن يحتج بالاحاديث الموجبة لها وتكون حجته منها على من نفى وجوبها كالحجة من حديث ابن مسعود رضي الله عنه على من نفى وجوب التشهد أو وجوب القعدة معه قالوا واستدلالنا اقوى من استدلالكم فإنه استدلال بكتاب الله تعالى وسنة رسوله وعمل الأمة قرنا بعد قرن فإن لم يكن ذلك اقوى من الاستدلال على وجوب التشهد لم يكن دونه وان كان من الفقهاء من ينازعنا في هذه المسألة فهو كمن ينازعكم من الفقهاء في وجوب التشهد والحجة في الدليل اين كان ومع من كان الجواب الثالث انه لا يمكن احدا ممن ينازعنا أن يحتج علينا بهذا الاثر لا مرفوعا ولا موقوفا يقال لمن احتج به لا يخلو إما أن يكون قوله إذا قلت هذا فقد تمت صلاتك مقتصرا عليه أو مضافا إلى سائر واجباتها والاول محال وباطل والثاني حق ولكنه لا ينفي وجوب شيء مما تنازع فيه الفقهاء من واجبات الصلاة فضلا عن نفيه وجوب الصلاة على النبي ولهذا كان التسليم من تمام الصلاة وواجباتها عند
مالك وكذا الجلوس للتشهد ولم يذكره وكذا أن كان عليه سهو واجب فإنه لا تتم الصلاة إلا به ولم يذكره يوضحه الجواب الرابع أن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن التشهد ليس بفرض بل إذا جلس مقدار التشهد فقد تمت صلاته تشهد أو لم يتشهد والحديث دليل على أن الصلاة لا تتم إلا بالتشهد فإن كان استدلالكم بأنه علق على التمام بالتشهد فلا تجب الصلاة بعده صحيحا فهو حجة عليكم في قولكم بعدم وجوب التشهد لانه علق به التمام وبطل قولكم بنفي فريضة التشهد وان لم يكن الاستدلال به صحيحا بطل معارضة أدلة الوجوب به وبطل قولكم بنفي الصلاة على النبي فبطل قولكم على التقديرين فإن قلتم نحن نجيب عن هذا بأن قوله فإذا قلت هذا فقد تمت صلاتك المراد به تمام الاستحباب وتمام الواجب قد انقضى بالجلوس قيل لكم هذا فاسد على قول من نفى الصلاة وعلى قول من اوجبها لان من نفى وجوبها لا ينازع في أن تمام الاستحباب موقوف عليها وان الصلاة لا تتم التمام المستحب إلا بها ومن اوجبها يقول لا تتم التمام الواجب إلا بها فعلى التقديرين لا يمكنكم الاستدلال بالحديث اصلا قوله روى أبو داود والترمذي حديث عبد الله بن عمرو وفيه إذا رفع رأسه من السجدة فقد مضت صلاته جوابه من وجوه
أحدها أن الحديث معلول وبيان تعليله من وجوه أحدها أن الترمذي قال ليس اسناده بالقوي وقد اضطربوا في اسناده الثاني انه من رواية عبد الرحمن بن زياد بن انعم الافريقي وقد ضعفه غير واحد من الأئمة الثالث انه من رواية بكر بن سوادة عن عبد الله بن عمرو ولم يلقه فهو منقطع الرابع انه مضطرب الاسناد كما ذكره الترمذي الخامس انه مضطرب المتن فمرة يقول إذا رفع رأسه من السجدة فقد مضت صلاته ولفظ أبي داود والترمذي غير هذا وهو إذا احدث الرجل وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته وهذا غير لفظ الطحاوي ورواه الطحاوي أيضا بلفظ آخر فقال إذا قضى الإمام الصلاة فقعد فأحدث هو أو أحد ممن ائتم بالصلاة معه قبل أن يسلم الإمام فقد تمت صلاته فلا يعود فيها فهذا معناه غير معنى الأول قال الطحاوي وقد روى بلفظ آخر إذا رفع المصلي رأسه
من آخر صلاته وقضى تشهده ثم أحدث فقد تمت صلاته وكلها مدارها على الإفريقي ويوشك أن يكون هذا من سوء حفظه والله اعلم قوله وقال علي رضي الله عنه إذا جلس مقدار التشهد تمت صلاته جوابه أن علي بن سعيد قال في مسائله سألت احمد بن حنبل عمن ترك التشهد فقال يعيد قلت فحديث علي رضي الله عنه من قعد مقدار التشهد فقال لا يصح وقد روي عن النبي بخلاف حديث علي وعبد الله بن عمر وقوله وروى الاعمش عن أبي وائل عن عبد الله قصة التشهد وقال ثم ليختر من الكلام ما شاء ولم يذكر الصلاة على النبي فلا يكون معارضا لاحاديث الوجوب كما تقدم تقريره قوله وحديث فضالة عن عبيد يدل على نفي الوجوب جوابه إن حديث فضالة حجة لنا في المسألة لان النبي أمره بالصلاة عليه في التشهد وأمره للوجوب فهو نظير امره بالتشهد وإذا كان الأمر متناولا لهما فالتفريق بين المأمورين تحكم فإن قلتم التشهد عندنا ليس بواجب قلنا الحديث حجة لنا عليكم في المسألتين والواجب اتباع الدليل قوله النبي لم يأمر هذا المصلي بإعادة الصلاة ولو
كانت الصلاة على النبي فرضا لأمره بإعادتها كما أمر المسيء في صلاته جوابه من وجوه أحدها أن هذا كان غير عالم بوجوبها معتقدا أنها غير واجبة فلم يأمره النبي بالإعادة وأمره في المستقبل أن يقولها فأمره بقولها في المستقبل دليل على وجوبها وترك أمره بالإعادة دليل على انه يعذر الجاهل بعدم الوجوب وهذا كما لم يأمر النبي المسيء في الصلاة بإعادة ما مضى من الصلوات وقد اخبره انه لا يحسن غير تلك الصلاة عذرا له بالجهل فإن قيل فلم أمره أن يعيد تلك الصلاة ولم يعذره بالجهل قلنا لان الوقت باق وقد علم اركان الصلاة فوجب عليه أن يأتي بها فإن قيل فهلا أمر تارك الصلاة عليه بإعادة تلك الصلاة كما أمر المسيء قلنا امره بالصلاة عليه فيها محكم ظاهر في الوجوب ويحتمل أن الرجل لما سمع ذلك الأمر من النبي بادر إلى الاعادة من غير أن يأمره النبي ويحتمل أن تكون الصلاة نفلا لا تجب عليه اعادتها ويحتمل غير ذلك فلا يترك الظاهر من الأمر وهو دليل محكم لهذا المشتبه المحتمل والله سبحانه وتعالى اعلم فحديث فضالة إما مشترك الدلالة على السواء فلا حجة لكم فيه واما راجح الدلالة من جانبنا كما ذكرناه فلا حجة لكم فيه أيضا فعلى التقديرين سقط احتجاجكم به
قوله لم يعلمها النبي المسيء في الصلاة ولو كانت فرضا لعلمها اياه جوابه من وجوه أحدها أن حديث المسيء هذا قد جعله المتأخرون مستندا لهم في نفي كل ما ينفون وجوبه وحملوه فوق طاقته وبالغوا في نفي ما اختلف في وجوبه به فمن نفى وجوب الفاتحة احتج به ومن نفى وجوب التسليم احتج به ومن نفى وجوب الصلاة على النبي احتج به ومن نفى وجوب اذكار الركوع والسجود وركني الاعتدال احتج به ومن نفى وجوب تكبيرات الانتقالات احتج به وكل هذا تساهل واسترسال في الاستدلال وإلا فعند التحقيق لا ينفي وجوب شيء من ذلك بل غايته أن يكون قد سكت عن وجوبه ونفيه فإيجابه بالأدلة الموجبة له لا يكون معارضا به فإن قيل سكوته عن الأمر بغير ما أمره به يدل على انه ليس بواجب لانه في مقام البيان وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز قيل هذا لا يمكن أحد أن يستدل به على هذا الوجه فإنه يلزمه أن يقول لا يجب التشهد ولا الجلوس له ولا السلام ولا النية ولا قراءة الفاتحة ولا كل شيء لم يذكره في الحديث وطرد هذا انه لا يجب عليه استقبال القبلة ولا الصلاة في الوقت لانه لم يأمره بهما وهذا لا يقوله أحد فإن قلتم إنما علمه ما اساء فيه وهو لم يسيء في ذلك قيل لكم فاقنعوا بهذا الجواب من منازعيكم في كل ما نفيتم وجوبه بحديث المسيء هذا الثاني ما أمر به النبي من اجزاء الصلاة دليل ظاهر
في الوجوب وترك امره للمسيء به يحتمل امورا منها انه لم يسىء فيه ومنها انه وجب بعد ذلك ومنها انه علمه معظم الاركان واهمها واحال بقية تعميمه على مشاهدته في صلاته أو على تعليم بعض الصحابة له فإنه كان يأمرهم بتعليم بعضهم بعضا فكان من المستقر عندهم انه دلهم في تعليم الجاهل وارشاد الضال واي محذور في أن يكون النبي علمه البعض وعلمه اصحابه البعض الآخر وإذا احتمل هذا لم يكن هذا المشتبه المجمل معارضا لأدلة وجوب الصلاة على النبي ولا غيرها من واجبات الصلاة فضلا عن أن يقدم عليها فالواجب تقديم الصريح المحكم على المشتبه المجمل والله اعلم قوله الفرائض إنما تثبت بدليل صحيح لا معارض له من مثله أو بإجماع قلنا اسمعوا ادلتنا الان على الوجوب فلنا عليه أدلة الدليل الأول قوله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما الأحزاب 56 ووجه الدلالة أن الله سبحانه أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسول الله وأمره المطلق على الوجوب ما لم يقم دليل على خلافه وقد ثبت أن اصحابه رضي الله عنهم سألوه عن كيفية هذه الصلاة المأمور بها فقال قولوا اللهم صل على محمد الحديث
وقد ثبت أن السلام الذي علموه هو السلام عليه في الصلاة وهو سلام التشهد فمخرج الأمرين والتعليمين والمحلين واحد يوضحه انه علمهم التشهد امرا لهم به فيه وفيه ذكر التسليم عليه فسألوه عن الصلاة عليه فعلمهم إياها ثم شبهها بما علموه من التسليم عليه وهذا يدل على أن الصلاة والتسليم المذكورين في الحديث هما الصلاة والتسليم عليه في الصلاة يوضحه انه لو كان المراد بالصلاة والتسليم عليه خارج الصلاة لا فيها لكان كل مسلم منهم إذا سلم علهي يقول له السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته ومن المعلوم انهم لم يكونوا يتقيدون في السلام عليه بهذه الكيفية بل كان الداخل منهم يقول السلام عليكم وربما قال السلام على رسول الله وربما قال السلام عليك يا رسول الله ونحو ذلك وهم لم يزالوا يسلمون عليه من أول الإسلام بتحية الإسلام وانما الذي علموه قدر زائد عليها وهو السلام عليه في الصلاة يوضحه حديث أبي اسحاق كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا وقد صحح هذه اللفظة جماعة من الحفاظ منهم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدار قطني والبيهقي وقد تقدم في أول الكتاب وما اعلت به والجواب عن ذلك وإذا تقرر أن الصلاة المسؤول عن كيفيتها هي الصلاة عليه في نفس الصلاة وقد خرج ذلك مخرج البيان المأمور به منها في القرآن ثبت إنها على الوجوب ويضاف إلى ذلك أمر النبي بها ولعل هذا وجه ما أشار اليه الأمام احمد رحمه الله تعالى بقوله كنت اته
ذلك ثم تبينت فإذا هي واجبة وقد تقدم حكاية كلامه وعلى هذا الاستدلال اسئلة أحدها أن قوله والسلام كما علمتم يحتمل امرين أحدهما أن يراد به السلام عليه في الصلاة والثاني أن يراد به السلام من الصلاة نفسها قاله ابن عبد البر الثاني أن غاية ما ذكرتم إنما يدل دلالة اقتران الصلاة بالسلام والسلام واجب في التشهد فكذا الصلاة ودلالة الاقتران ضعيفة الثالث انا لا نسلم وجوب السلام ولا الصلاة وهذا الاستدلال منكم إنما يتم بعد تسليم وجوب السلام عليه والجواب عند هذه الاسئلة إما الأول ففاسد جدا فإن في نفس الحديث ما يبطله وهو انهم قالوا هذا السلام عليك يا رسول الله قد عرفناه فكيف الصلاة عليك لفظ البخاري في حديث أبي سعيد رضي الله عنه وأيضا فإنهم إنما سألوا النبي عن كيفية الصلاة والسلام المأمور بهما في الآية لا عن كيفية السلام من الصلاة واما السؤال الثاني فسؤال من لم يفهم وجه تقرير الدلالة فإنا لم نحتج بدلالة الاقتران وانما استدللنا بالأمر بها في القرآن وبينا أن الصلاة التي سألوا النبي أن يعلمهم إياها إنما هي الصلاة التي في الصلاة واما السؤال الثالث ففي غاية الفساد فإنه لا يعترض على
الأدلة من الكتاب والسنة بخلاف المخالف فكيف يكون خلافكم في مسألة قد قام الدليل على قول منازعيكم فيها مبطلا لدليل صحيح لا معارض له في مسألة أخرى وهل هذا إلا عكس طريقة أهل العلم فإن الأدلة هي التي تبطل ما خالفها من الأقوال ويعترض بها على من خالف موجبها فتقدم على كل قول اقتضى خلافها لا أن اقوال المجتهدين تعارض بها الأدلة وتبطل مقتضاها وتقدم عليها ثم إن الحديث حجة عليكم في المسألتين فإنه دليل على وجوب التسليم والصلاة عليه فيجب المصير اليه الدليل الثاني أن النبي كان يقول ذلك في التشهد وامرنا أن نصلي كصلاته وهذا يدل على وجوب فعل ما فعل في الصلاة إلا ما خصه الدليل فهاتان مقدمتان أما المقدمة الأولى فبيانها ما روى الشافعي في مسنده عن إبراهيم بن محمد حدثني سعد بن اسحاق عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن النبي انه كان يقول في الصلاة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد وهذا وان كان فيه إبراهيم بن أبي يحيى فقد وثقه جماعة منهم الشافعي رحمه الله وابن الاصبهاني وابن عدي وابن عقدة وضعفه آخرون
أما المقدمة الثانية فبيانها ما روى البخاري في صحيحه عن مالك بن الحويرث قال اتينا النبي ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة فظن انا اشتقنا إلى اهلنا وسألنا عمن تركنا في اهلنا فاخبرناه وكان رفيقا رحيما فقال ارجعوا إلى اهليكم فعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني اصلي وإذا حضرت الصلاة فليؤذن احدكم وليؤمكم اكبركم وعلى هذا الاستدلال من الاسئلة والاعتراضات ما هو مذكور في غير هذا الموضع الدليل الثالث حديث فضالة بن عبيد فإن النبي قال له أو لغيره إذا صلى احدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه والصلاة ثم ليصل على النبي ثم ليدع بما شاء وقد تقدم رواه الإمام احمد رحمه الله تعالى واهل السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم واعترض عليه بوجوه أحدها أن النبي لم يأمر هذا المصلي بالإعادة وقد تقدم جوابه الثاني أن هذا الدعاء كان بعد انقضاء الصلاة لا فيها بدليل ما روى الترمذي في جامعه من حديث رشدين في هذا بينا
رسول الله قاعد إذ دخل رجل فصلى فقال اللهم اغفر لي وارحمني فقال رسول الله ايها المصلي إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو اهله وصل علي ثم ادعه وجواب هذا من وجوه أحدها أن رشدين ضعفه أبو زرعة وغيره فلا يكون حجة مع استقلاله فكيف إذا خالف الثقات الاثبات لان كل من روى هذا الحديث قال فيه سمع النبي رجلا يدعو في صلاته الثاني أن رشدين لم يقل في حديثه أن هذا الداعي دعا بعد انقضاء الصلاة ولا يدل لفظه على ذلك بل قال فصلى فقال اللهم اغفر لي وهذا لا يدل على انه قال بعد فراغه من الصلاة ونفس الحديث دليل على ذلك فإنه قال إذا صلى احدكم فليبدأ بتحميد الله ومعلوم انه لم يرد بذلك الفراغ من الصلاة بل الدخول فيها ولا سيما فإن عامة ادعية النبي إنما كانت في الصلاة لا بعدها لحديث أبي هريرة وعلي وأبي موسى وعائشة وابن عباس وحذيفة وعمار وغيرهم ولم ينقل أحد منهم انه كان يدعو به في صلاته في حديث صحيح ولما سأله الصديق دعاء يدعو به في صلاته لم يقل ادع به خارج الصلاة ولم يقل لهذا الداعي ادع به بعد سلامك من الصلاة لا سيما والمصلي مناج ربه مقبل عليه فدعاؤه ربه تعالى في هذه الحال انسب من دعائه له بعد انصرافه عنه وفراغه من مناجاته الثالث أن قوله فاحمد الله بما هو أهله إنما اراد
به التشهد في القعود ولهذا قال إذا صليت فقعدت يعني في تشهدك فأمره بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله الاعتراض الثالث أن الذي امره أن يصلي فيه ويدعو بعد تحميد الله غير معين فلم قلتم انه بعد التشهد وجواب هذا انه ليس في الصلاة موضع يشرع فيه الثناء على الله ثم الصلاة على رسوله ثم الدعاء إلا في التشهد آخر الصلاة فإن ذلك لا يشرع في القيام ولا الركوع ولا السجود اتفاقا فعلم انه إنما اراد به آخر الصلاة حال جلوسه في التشهد الاعتراض الرابع انه امره فيه بالدعاء عقب الصلاة عليه والدعاء ليس بواجب فكذا الصلاة عليه وجواب هذا انه لا يستحيل أن يأمر بشيئين فيقوم الدليل على عدم وجوب أحدهما فيبقى الآخر على اصل الوجوب الثاني أن هذا المذكور من الحمد والثناء هو واجب قبل الدعاء فإنه هو التشهد وقد أمر النبي به واخبر الصحابة انه فرض عليهم ولم يكن اقتران الأمر بالدعاء به مسقطا لوجوبه فكذا الصلاة على النبي الثالث أن قولكم الدعاء لا يجب باطل فإن من الدعاء ما هو واجب وهو الدعاء بالتوبة والاستغفار من الذنوب والهداية والعفو وغيرها وقد روي عن النبي انه قال من لم يسأل الله يغضب عليه // حديث حسن // والغضب لا يكون إلا على ترك واجب أو فعل محرم
الاعتراض الخامس انه لو كانت الصلاة على النبي فرضا في الصلاة لم يؤخر بيانها إلى هذا الوقت حتى يرى رجلا لا يفعلها فيأمره بها ولكان العلم بوجوبها مستفادا قبل هذا الحديث وجواب هذا انا لم نقل إنها وجبت على الأمة إلا بهذا الحديث بل هذا المصلي كان قد تركها فأمره النبي بما هو مستقر معلوم من شرعه وهذا كحديث المسيء في صلاته فإن وجوب الركوع والسجود والطمأنينة على الأمة لم يكن مستفادا من حديثه وتأخير بيان النبي لذلك إلى حين صلاة هذا الاعرابي وانما امره أن يصلي الصلاة التي شرعها لامته قبل هذا الاعتراض السادس أن أبا داود والترمذي قالا في هذا الحديث حديث فضالة فقال له أو لغيره بحرف أو ولو كان هذا واجبا على كل مكلف لم يكن ذلك له أو لغيره وهذا اعتراض فاسد من وجوه أحدها أن الرواية الصحيحة التي رواها ابن خزيمة وابن حبان فقال له ولغيره بالواو وكذا رواه الإمام احمد والدار قطني والبيهقي وغيرهم الثاني أن أو هنا ليست للتخيير بل للتقسيم والمعنى أن أي مصل صلى فليقل ذلك هذا أو غيره كما قال تعالى فلا
تطع منهم آثما أو كفورا الدهر 34 ليس المراد التخيير بل المعنى أن ايهما كان فلا تطعه إما هذا واما هذا الثالث أن الحديث صريح في العموم بقوله إذا صلى احدكم فليبدأ بتحميد الله فذكره الرابع أن في رواية النسائي وابن خزيمة علمهم رسول الله فذكره وهذا عام الدليل الرابع ثلاثة احاديث كل منها لا تقوم الحجة به عند انفراده وقد يقوي بعضها بعضا عند الاجتماع أحدها ما رواه الدار قطني من حديث عمرو بن شمر عن جابر هو الجعفي عن ابن بريدة عن ابيه قال قال رسول الله يا بريدة إذا صليت في صلاتك فلا تتركن التشهد والصلاة علي فإنها زكاة الصلاة وسلم على جميع انبياء الله ورسله وسلم على عباد الله الصالحين الثاني ما رواه الدار قطني أيضا من طريق عمرو بن شمر عن جابر قال قال الشعبي سمعت مسرو بن الاجدع يقول قالت عائشة رضي الله عنها سمعت رسول الله يقول
لا يقبل الله صلاة إلا بطهور وبالصلاة علي لكن عمرو بن شمر وجابر لا يحتج بحديثهما وجابر اصلح من عمرو الثالث ما رواه الدار قطني من حديث عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد عن ابيه عن جده أن النبي قال لا صلاة لمن لم يصل على نبيه // إسناده ضعيف // رواه الطبراني من حديث أبي بن عباس عن ابيه عن جده وعبد المهيمن ليس بحجة وأبي اخوه وان كان ثقة احتج به البخاري فالحديث المعروف فيه إنما هو من رواية عبد المهيمن ورواه الطبراني بالوجهين ولا يثبت الدليل الخامس انه قد ثبت وجوبها عن ابن مسعود وابن عمر وأبي مسعود الانصاري وقد تقدم ذلك ولم يحفظ عن أحد من الصحابة انه قال لا تجب وقول الصحابي إذا لم يخالفه غيره حجة ولا سيما على اصول أهل المدينة والعراق الدليل السادس أن هذا عمل الناس من عهد نبيهم إلى الان ولو كانت الصلاة عليه غير واجبة لم يكن اتفاق الأمة في سائر الامصار والاعصار على قولها في التشهد وترك الاخلال بها وقد قال مقاتل بن حيان في تفسيره في قوله تعالى الذين يقيمون الصلاة المائدة 55 قال اقامتها المحافظة عليها وعلى اوقاتها والقيام فيها والركوع والسجود والتشهد والصلاة على النبي في التشهد الاخير وقد قال الأمام احمد الناس عيال في التفسير على مقاتل
قالوا فالصلاة على النبي في الصلاة من اقامتها المأمور بها فتكون واجبة وقد تمسك أصحاب هذا القول بأقيسة لا حاجة إلى ذكرها قالوا ثم نقول لمنازعينا ما منكم إلا من اوجب في الصلاة اشياء بدون هذه الأدلة هذا أبو حنيفة يقول بوجوب الوتر واين أدلة وجوبه من أدلة وجوب الصلاة على النبي ويوجب الوضول على من قهقه في صلاته بحديث مرسل لا يقاوم ادلتنا في هذه المسألة ويوجب الوضوء من القيء والرعاف والحجامة ونحوها بأدلة لا تقاوم أدلة هذه المسألة ومالك يقول أن في الصلاة اشياء بين الفرض والمستحب ليست بفرض وهي فوق الفضيلة والمستحبة يسميها اصحابه سننا كقراءة سورة مع الفاتحة وتكبيرات الانتقال والجلسة الأولى والجهر والمخافتة ويوجبون السجود في تركها على تفصيل لهم فيه واحمد يسمي هذه واجبات ويوجب السجود لتركها سهوا
فإيجاب الصلاة على النبي أن لم يكن اقوى من ايجاب كثير من هذه فليست دونها فهذا ما احتج به الفريقان في هذه المسألة والمقصود أن تشنيع المشنع فيها على الشافعي باطل فإن مسألة فيها من الأدلة والاثار مثل هذا كيف يشنع على الذاهب اليها والله اعلم
فصل الموطن الثاني من مواطن الصلاة عليه في التشهد الأول وهذا قد اختلف فيه فقال الشافعي رحمه الله في الام يصلى على النبي في التشهد الأول هذا هو المشهور من مذهبه وهو الجديد لكنه يستحب وليس بواجب وقال في القديم لا يزيد على التشهد وهذه رواية المزني عنه وبهذا قال احمد أبو حنيفة ومالك وغيرهم واحتج لقول الشافعي بما رواه الدار قطني من حديث موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله يعلمنا التشهد التحيات الطيبات الزاكيات لله السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله ثم يصلي على النبي ﷺ // إسناده ضعيف جدا // وروى الدار قطني أيضا من حديث عمرو بن شمر عن جابر عن عبد الله بن بريدة عن ابيه قال قال رسول الله
يا بريدة إذا جلست في صلاتك فلا تتركن الصلاة علي فإنها زكاة الصلاة وقد تقدم قالوا وهذا يعم الجلوس الأول والآخر واحتج له أيضا بأن الله تعالى أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسوله فدل على انه حيث شرع التسليم عليه شرعت الصلاة عليه ولهذا سأله الصحابة عن كيفية الصلاة عليه وقالوا قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك فدل على أن الصلاة عليه مقرونة بالسلام عليه ومعلوم أن المصلي يسلم على النبي فيشرع له أن يصلي عليه قالوا ولانه مكان شرع فيه التشهد والتسليم على النبي فشرع فيه الصلاة عليه كالتشهد الاخير قالوا ولان التشهد الأول محل يستحب فيه ذكر الرسول فاستحب فيه الصلاة عليه لانه اكمل في ذكره قالوا ولأن في حديث محمد بن اسحاق كيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا في صلاتنا وقال الاخرون ليس التشهد الأول بمحل لذلك وهو القديم من قولي الشافعي وهو الذي صححه كثير من اصحابه لان التشهد الأول تخفيفه مشروع وكان النبي إذا جلس فيه كأنه على الرضف ولم يثبت عنه انه كان يفعل ذلك فيه ولا علمه
للأمة ولا يعرف أن احدا من الصحابة استحبه ولان مشروعية ذلك لو كانت كما ذكرتم من الأمر لكانت واجبة في هذا المحل كما في الاخير لتناول الأمر لهما ولانه لو كانت الصلاة مستحبة في هذا المومضع لاستحب فيه الصلاة على آله لأن النبي لم يفرد نفسه دون آله بالأمر بالصلاة عليه بل أمرهم بالصلاة عليه وعلى آله في الصلاة وغيرها ولانه لو كانت الصلاة عليه في هذه المواضع مشروعة لشرع فيها ذكر إبراهيم وآل ابراهيم لانها هي صفة الصلاة المأمور بها ولانها لو شرعت في هذه المواضع لشرع فيها الدعاء بعدها لحديث فضالة ولم يكن فرق بين التشهد الأول والاخير قالوا واما ما استدللتم به من الاحاديث فمع ضعفها بموسى بن عبيدة وعمرو بن شمر وجابر الجعفي لا تدل لأن المراد بالتشهد فيها هو الاخير دون الأول بما ذكرناه من الأدلة والله اعلم
فصل الموطن الثالث من مواطن الصلاة على النبي الصلاة عليه آخر القنوت استحبه الشافعي ومن وافقه واحتج لذلك بما رواه النسائي عن محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن علي عن الحسن بن علي قال علمني رسول الله هؤلاء الكلمات في الوتر قال قل اللهم اهدني فيمن هديت وبارك لي فيما اعطيت وتولني فيمن توليت وقني شر ما قضيت انك تقضي ولا يقضى عليك وانه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت وصلى الله على النبي وهذا إنما هو في قنوت الوتر وانما نقل إلى قنوت الفجر قياسا كما نقل اصل هذا الدعاء إلى قنوت الفجر وقد رواه أبو اسحاق عن يزيد عن أبي الجوزاء قال قال الحسن بن علي
رضي الله عنهما علمني رسول الله كلمات اقولهن في الوتر فذكره ولم يذكر في الصلاة وهو مستحب في قنوت رمضان قال ابن وهب اخبرني يونس عن ابن شهاب قال اخبرني عروة بن الزبير أن عبد الرحمن بن عبد القاري وكان في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع عبد الله بن الارقم على بيت المال قال إن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف في المسجد واهل المسجد اوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر رضي الله عنه والله إني لأظن لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد يكون امثل ثم عزم عمر على ذلك وامر أبي ابن كعب أن يقوم بهم في رمضان فخرج عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر رضي الله عنه نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها افضل من التي يقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون اوله وكانوا يلعنون الكفرة في النصف يقولون اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم والق في قلوبهم الرعب والق عليهم رجزك وعذابك اله الحق ثم يصلي على النبي ثم يدعو للمسلمين ما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين قال وكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين ومسألته اللهم اياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد أن عذابك لمن عاديت ملحق ثم يكبر ويهوي ساجدا
وقال اسماعيل بن اسحاق حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن عبد الله بن الحارث أن أبا حليمة معاذا كان يصلي على النبي في القنوت // إسناده صحيح //
فصل الموطن الرابع من مواطن الصلاة عليه صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية لا خلاف في مشروعيتها فيها واختلف في توقف صحة الصلاة عليها فقال الشافعي واحمد في المشهور من مذهبهما إنها واجبة في الصلاة لا تصح إلا بها ورواه البيهقي عن عبادة بن الصامت وغيره من الصحابة وقال مالك وابو حنيفة تستحب وليست بواجبة وهو وجه لاصحاب الشافعي الدليل على مشروعيتها في صلاة الجنازة ما روى الشافعي في مسنده اخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري قال اخبرني أبو امامة بن سهل انه اخبره رجل من أصحاب النبي أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ثم يصلي على النبي ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرا في نفسه وقال اسماعيل بن اسحاق في كتاب الصلاة على النبي حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الاعلى حدثنا
معمر عن الزهري قال سمعت أبا امامة بن سهل بن حنيف يحدث سعيد بن المسيب قال أن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلي على النبي ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ ولا يقرأ إلا مرة واحدة ثم يسلم في نفسه // إسناده صحيح // وابو امامة هذا صحابي صغير وقد رواه عن صحابي آخر كما ذكره الشافعي وقال صاحب المغني يروى عن ابن عباس رضي الله عنه انه صلى على جنازة بمكة فكبر ثم قرأ وجهر وصلى على النبي ثم دعا لصاحبه فأحسن ثم انصرف وقال هكذا ينبغي أن تكون الصلاة على الجنازة وفي موطأ يحيى بن بكير حدثنا مالك بن انس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن ابيه انه سأل أبا هريرة كيف نصلي على الجنازة فقال أبو هريرة رضي الله عنه انا لعمر الله اخبرك اتبعها من اهلها فإذا وضعت كبرت وحمدت الله تعالى وصليت على نبيه ثم اقول اللهم انه عبدك وابن عبدك وابن امتك
كان يشهد أن لا اله إلا أنت وان محمدا عبدك ورسولك وانت اعلم به اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته اللهم لا تحرمنا اجره ولا تفتنا بعده وقال أبو ذر الهروي اخبرنا أبو الحسن بن أبي سهل السرخسي اخبرنا أبو علي احمد بن محمد بن رزين حدثنا علي بن خشرم حدثنا انس بن عياض عن اسماعيل بن رافع عن رجل قال سمعت إبراهيم النخعي يقول كان ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إذا اتي بجنازة استقبل الناس وقال يا ايها الناس سمعت رسول الله يقول لكل مائة امة ولم يجتمع مائة لميت فيجتهدون له في الدعاء إلا وهب الله ذنوبه لهم وانكم جئتم شفعاء لاخيكم فاجتهدوا في الدعاء ثم يستقبل القبلة فإن كان رجلا قام عند وسطه وان كانت امرأة قام عند منكبها ثم قال اللهم عبدك وابن عبدك أنت خلقته وانت هديته للإسلام وانت قبضت روحه وانت اعلم بسريرته وعلانيته جئنا شفعاء له اللهم انا نستجير بحبل جوارك له فانك ذو وفاء وذو رحمة اعذه من فتنة القبر وعذاب جهنم اللهم أن كان محسنا فزد في احسانه وان كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته اللهم نور له في قبره والحقه بنبيه قال يقول هذا كلما كبر وإذا كانت التكبيرة الاخيرة قال مثل ذلك ثم يقول اللهم صل على محمد وبارك
على محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد اللهم صل على اسلافنا وافراطنا اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات ثم ينصرف قال إبراهيم كان ابن مسعود يعلم هذا في الجنائز وفي المجلس قال وقيل له اكان رسول الله يقف على القبر إذا فرغ منه قال نعم كان إذا فرغ منه وقف عليه ثم قال اللهم نزل بك صاحبها وخلف الدنيا وراء ظهره ونعم المنزول به اللهم ثبت عند المسألة منطقة ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به اللهم نور له في قبره والحقه بنبيه كلما ذكر إذا تقرر هذا فالمستحب أن يصلي عليه في الجنازة كما يصلي عليه في التشهد لان النبي علم ذلك اصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه وفي مسائل عبد الله بن احمد عن ابيه قال يصلي على النبي ويصلي على الملائكة المقربين قال القاضي فيقول اللهم صل على ملائكتك المقربين وانبيائك المرسلين واهل طاعتك اجمعين من أهل السماوات والارضين انك على كل شيء قدير
فصل الموطن الخامس من مواطن الصلاة عليه في الخطبة وقد اختلف في اشتراطها لصحة الخطبة فقال الشافعي وأحمد في المشهور من مذهبهما لا تصح الخطبة إلا بالصلاة عليه وقال أبو حنيفة ومالك تصح بدونها وهو وجه في مذهب احمد واحتج لوجوبها في الخطبة بقوله تعالى الم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك الشرح 1 4 قال ابن عباس رضي الله عنهما رفع الله له ذكره فلا يذكر إلا ذكر معه وفي هذا الدليل نظر لان ذكره مع ذكر ربه هو الشهادة له بالرسالة إذا شهد لمرسله بالوحدانية وهذا هو الواجب في الخطبة قطعا بل هو ركنها الاعظم وقد روى أبو داود واحمد وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي انه قال كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء // إسناده قوي //
واليد الجذماء المقطوعة فمن اوجب الصلاة على النبي في الخطبة دون التشهد فقوله في غاية الضعف وقد روى يونس عن شيبان عن قتادة ورفعنا لك ذكرك قال رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ابتدأها اشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله وقال عبد بن حميد اخبرني عمرو بن عون عن هشيم عن جويبر عن الضحاك ورفعنا لك ذكرك قال إذا ذكرت ذكرت معي ولا يجوز خطبة ولا نكاح إلا بذكرك وقال عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن نجيح عن مجاهد ورفعنا لك ذكرك قال لا اذكر إلا ذكرت معي ولا يجوز خطبة ولا نكاح إلا بذكرك وقال عبد الرازق عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ورفعنا لك ذكرك قال لا اذكر إلا ذكرت معي الاذان اشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله // إسناده صحيح // فهذا هو المراد من الاية وكيف لا يجب التشهد الذي هو عقد الإسلام في الخطبة وهو افضل كلماتها وتجب الصلاة على النبي فيها
والدليل على مشروعية الصلاة على النبي في الخطبة ما رواه عبد الله بن احمد حدثنا منصور بن أبي مزاحم حدثنا خالد حدثني عون بن أبي جحيفة قال كان أبي من شرط علي وكان تحت المنبر فحدثني انه صعد المنبر يعني عليا رضي الله عنه فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي وقال خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر والثاني عمر وقال يجعل الله الخير حيث شاء // إسناده حسن // وقال محمد بن الحسن بن جعفر الاسدي حدثنا أبو الحسن علي بن محمد الحميري حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي قال سمعت أبي يذكر عن أبي اسحاق عن أبي الاحوص عن عبد الله انه كان يقول بعدما يفرغ من خطبة الصلاة ويصلي على النبي اللهم حبب الينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره الينا الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون اللهم بارك لنا في اسماعنا وابصارنا وازواجنا وقلوبنا وذرياتنا وروى الدار قطني من طريق ابن لهيعة عن يحيى بن هاني المعافري قال ركبت انا ووالدي إلى صلاة الجمعة فذكر حديثا وفيه فقام عمرو بن العاص على المنبر فحمد الله واثنى عليه حمدا موجزا وصلى على النبي ووعظ الناس فأمرهم ونهاهم
وفي الباب حديث ضبة بن محيصن أن أبا موسى كان إذا خطب فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي ودعا لعمر قبل الدعاء لأبي بكر رضي الله عنهما فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه فقال لضبة أنت اوفق منه وارشد فهذا دليل على أن الصلاة على النبي في الخطب كان امرا مشهورا معروفا عند الصحابة رضي الله عنهم اجمعين واما وجوبها فيعتمد دليلا يجب المصير اليه والى مثله
فصل الموطن السادس من مواطن الصلاة عليه الصلاة عليه بعد اجابة المؤذن وعند الاقامة لما روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما انه سمع رسول الله يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وارجو أن اكون انا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة وقال الحسن بن عرفة حدثني محمد بن يزيد الواسطي عن العوام بن حوشب عن منصور بن زادان عن الحسن قال من قال مثل ما يقول المؤذن فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة قال اللهم رب هذه الدعوة الصادقة والصلاة القائمة صل على محمد عبدك ورسولك وابلغه درجة الوسيلة في الجنة دخل في شفاعة محمد
وقال يوسف بن اسباط بلغني أن الرجل إذا اقيمت الصلاة فلم يقل الله رب هذه الدعوة المستمعة المستجاب لها صل على محمد وعلى آل محمد وزوجنا من الحور العين قلن الحور العين ما ازهدك فينا في اجابة المؤذن خمس سنن عن رسول الله قد اشتمل حديث عبد الله بن عمرو على ثلاثة منها والرابعة أن يقول ما رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي انه قال من قال حين يسمع المؤذن اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالاسلام دينا غفر له ذنبه والخامسة أن يدعو الله بعد اجابة المؤذن وصلاته على رسوله وسؤاله له الوسيلة لما في سنن أبي داود و النسائي من حديث عبد الله بن عمرو أن رجلا قال يا رسول الله أن المؤذنين يفضلوننا فقال رسول الله قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تعطه // إسناده صحيح // وفي - المسند - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله قال من قال حين ينادي المنادي اللهم
رب هذه الدعوة القائمة والصلاة النافعة صل على محمد وارض عني رضى لا سخط بعده استجاب الله له دعوته وفي المستدرك للحاكم من حديث أبي امامة أن رسول الله كان إذا سمع المؤذن قال اللهم رب هذه الدعوة المستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى توفنا عليها واحينا عليها واجعلنا من صالح اهلها احياء وامواتا فهذه خمسة وعشرون سنة في اليوم والليلة لا يحافظ عليها إلا السابقون
فصل الموطن السابع من مواطن الصلاة عليه عند الدعاء وله ثلاثة مراتب احداها أن يصلي عليه قبل الدعاء وبعد حمد الله تعالى والمرتبة الثانية أن يصلي عليه في أول الدعاء واوسطه وآخره والثالثة أن يصلي عليه في اوله وآخره ويجعل حاجته متوسطة بينهما فأما المرتبة الأولى فالدليل عليها حديث فضالة عن عبيد وقول النبي فيه إذا دعا احدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي ثم يدعو بما شاء وقد تقدم وقال الترمذي حدثنا محمود بن غيلان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله قال كنت اصلي والنبي وابو بكر وعمر معه فلما جلست بدأت بالثناء على الله تعالى ثم بالصلاة على النبي ثم دعوت لنفسي فقال النبي سل تعطه سل تعطه // حديث حسن صحيح //
وقال عبد الرزاق اخبرنا معمر عن أبي اسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال إذا اراد احدكم أن يسأل الله تعالى فليبدأ بحمده والثناء عليه بما هو اهله ثم يصلي على النبي ثم يسأل بعد فإنه أجدر أن ينجح أو يصيب ورواه شريك عن أبي اسحاق عن أبي الاحوص عن عبد الله نحوه واما المرتبة الثانية فقال عبدالرزاق عن الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد بن إبراهيم التيمي عن ابيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله لا تجعلوني كقدح الراكب فذكر الحديث وقال اجعلوني في وسط الدعاء وفي اوله وفي آخره وقد تقدم حديث علي ما من دعاء إلا بينه وبين الله حجاب حتى يصلى على محمد فإذا صلي على النبي انخرق الحجاب واستجيب الدعاء وإذا لم يصل على النبي لم يستجب الدعاء وتقدم قول عمر رضي الله عنه الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك
وقال احمد بن علي بن شعيب حدثنا محمد بن حفص حدثنا الجراح بن يحيى حدثني عمرو بن عمرو قال سمعت عبد الله بن بسر يقول قال رسول الله الدعاء كله محجوب حتى يكون اوله ثناء على الله تعالى وصلاة على النبي ثم يدعو يستجاب لدعائه وعمرو بن عمرو هذا هو الاحموشي له عن عبد الله بن بسر حديثان هذا أحدهما والآخر رواه الطبراني في معجمه الكبير عنه عن النبي من استفتح أول نهاره بخير وختمه بالخير قال الله تعالى لملائكته لا تكتبوا عليه ما بين ذلك من الذنوب والصلاة على النبي للدعاء بمنزلة الفاتحة من الصلاة وهذه المواطن التي تقدمت كلها شرعت الصلاة على النبي فيها امام الدعاء فمفتاح الدعاء الصلاة على النبي كما أن مفتاح الصلاة الطهور فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما وقال احمد بن أبي الحواري سمعت أبا سليمان الداراني يقول من اراد أن يسأل الله حاجته فليبدأ بالصلاة على النبي وليسأل حاجته وليختم بالصلاة على النبي فإن الصلاة على النبي مقبولة والله اكرم أن يرد ما بينهما
فصل الموطن الثامن من مواطن الصلاة على النبي عند دخول المسجد وعند الخروج منه لما روى ابن خزيمه في صحيحه وابو حاتم بن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال إذا دخل احدكم المسجد فليسلم على النبي وليقل اللهم افتح لي ابواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي وليقل اللهم اجرني من الشيطان الرجيم وفي المسند والترمذي وسنن ابن ماجه من حديث فاطمة بنت الحسين عند جدتها فاطمة الكبرى قالت كان رسول الله إذا دخل المسجد قال اللهم صل على محمد وسلم اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي ابواب رحمتك وإذا خرج قال مثل ذلك إلا انه يقول ابواب فضلك ولفظ الترمذي كان رسول الله إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقد تقدم الكلام على هذا الحديث
فصل الموطن التاسع من مواطن الصلاة عليه على الصفا والمروة لما روى اسماعيل بن اسحاق في كتابه ثنا هدبة ثنا همام بن يحيى ثنا نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي كان يكبر على الصفا ثلاثا يقول لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثم يصلي على النبي ثم يدعو ويطيل القيام والدعاء ثم يفعل على المروة مثل ذلك وهذا من توابع الدعاء أيضا // إسناده صحيح // وروى جعفر بن عون عن زكريا عن الشعبي عن وهب بن الاجدع قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الناس بمكة يقول إذا قدم الرجل منكم حاجا فليطف بالبيت سبعا وليصل عند المقام ركعتين ثم يستلم الحجر الاسود ثم يبدأ بالصفا فيقوم عليها ويستقبل البيت فيكبر سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين حمد الله تعالى وثناء عليه تعالى وصلاة على النبي ومسألة لنفسه وعلى المروة مثل ذلك
رواه أبو ذر عن زاهر عن محمد بن المسيب عن عبد الله بن خبيق عن جعفر ورواه البزار عن عبد الله بن سليمان عن عبد الله بن محمد بن المسور عن سفيان بن سعيد عن فراس عن الشعبي عن وهب به
فصل المواطن العاشر من مواطن الصلاة عليه عند اجتماع القوم قبل تفوقهم وقد تقدمت الاحاديث بذلك عن النبي من غير وجه انه قال ما جلس قوم مجلسا ثم تفرقوا ولم يذكروا الله ولم يصلوا على النبي إلا كان عليهم من الله ترة إن شاء عذبهم وان شاء غفر لهم رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وغيرهما وقد روى عبد الله بن ادريس الاودي عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة رضي الله عنها قالت زينوا مجالسكم بالصلاة على النبي ﷺ // موقوف صحيح // ويذكر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فصل الموطن الحادي عشر من مواطن الصلاة عليه عند ذكره وقد اختلف في وجوبها كلما ذكر اسمه فقال أبو جعفر الطحاوي وابو عبد الله الحليمي تجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه وقال غيرهما إن ذلك مستحب وليس بفرض يأثم تاركه ثم اختلفوا فقالت فرقة تجب الصلاة عليه في العمر مرة واحدة لان الأمر المطلق لا يقتضي تكرارا والماهية تحصل بمرة وهذ محكي عن أبي حنيفة ومالك والثوري والاوزاعي قال عياض وابن عبد البر وهو قول جمهور الأمة وقالت فرقة بل تجب في كل صلاة تشهدها الاخير كما تقدم وهو قول الشافعي واحمد في آخر الروايتين عنه وغيرهما وقالت طائفة الأمر بالصلاة أمر استحباب لا أمر ايجاب وهذا قول ابن جرير وطائفة وادعى ابن جرير فيه الإجماع وهذا على اصله فإنه إذا رأى الاكثرين على قول جعله اجماعا يجب اتباعه والمقدمتان هنا باطلتان واحتج الموجبون بحجج الحجة الأولى حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي رغم انف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي صححه
الحاكم وحسنه الترمذي ورغم انفه دعاء عليه وذم له وتارك المستحب لا يذم ولا يدعى عليه الحجة الثانية حديث أبي هريرة أيضا عن النبي انه صعد المنبر فقال آمين آمين آمين فذكر الحديث المتقدم في أول الكتاب وقال فيه من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين رواه ابن حبان في صحيحه وقد تقدمت الاحاديث في هذا المعنى من رواية أبي هريرة وجابر بن سمرة وكعب بن عجرة ومالك بن الحويرث وانس بن مالك وكل منها حجة مستقلة ولا ريب أن الحديث بتلك الطرق المتعددة يفيد الصحة الحجة الثالثة ما رواه النسائي عن محمد بن المثنى عن أبي داود عن المغيرة بن مسلم عن أبي اسحاق السبيعي عن انس بن مالك قال قال رسول الله من ذكرت عنده فليصل علي فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا وهذا // اسناد صحيح // والأمر ظاهر الوجوب الحجة الرابعة ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن علي بن حسين عن علي بن حسين عن ابيه عن النبي قال أن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي ورواه الحاكم في مستدركه والنسائي والترمذي قال ابن حبان هذا اشبه شيء روي عن الحسين بن علي وكان الحسين
رضي الله عنه حيث قبض النبي ابن سبع سنين إلا أشهرا وذلك انه ولد لليال خلون من شعبان سنة اربع وابن ست سنين واشهر إذا كانت لغته العربية يحفظ الشيء بعد الشيء وقد تقدمت الاحاديث في هذا المعنى والكلام عليها قال أبو نعيم حدثنا احمد بن عبد الله حدثنا الحارث بن محمد حدثنا عبيد الله بن عائشة حدثنا حماد عن أبي هلال العنزي قال حدثني رجل في مسجد دمشق عن عوف بن مالك الاشجعي أن رسول الله قعد أو قعد أبو ذر فذكر حديثا طويلا وفيه قال رسول الله أن ابخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي وقال قاسم بن اصبغ حدثنا محمد بن اسماعيل الترمذي حدثنا نعيم بن حماد حدثنا عبد الله بن المبارك حدثنا جرير بن حازم قال سمعت الحسن يقول قال رسول الله بحسب المؤمن من البخل أن اذكر عنده فلم يصل علي // إسناده صحيح // وقال سعيد بن منصور ثنا هشيم بن أبي حرة عن الحسن قال قال رسول الله كفى بن شحا أن اذكر عند
رجل فلا يصلي علي قالوا فإذا ثبت انه بخيل فوجه الدلالة به من وجهين أحدهما أن البخل اسم ذم وتارك المستحب لا يستحق اسم الذم قال الله تعالى والله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل الحديد 23 24 فقرن البخل بالاختيال والفخر والأمر بالبخل وذم على المجموع فدل على أن البخل صفة ذم وقال النبي وأي داء ادوأ من البخل // إسناده صحيح // الثاني أن البخيل هو مانع ما وجب عليه فمن أدى الواجب عليه كله لم يسم بخيلا وانما البخيل مانع ما يستحق عليه اعطاؤه وبذله
الحجة الخامسة أن الله سبحانه وتعالى أمر بالصلاة والتسليم عليه والأمر المطلق للتكرار ولا يمكن أن يقال التكرار هو كل وقت فإن الاوامر المكررة إنما تتكرر في اوقات خاصة أو عند شروط واساليب تقتضي تكرارها وليس وقت اولى من وقت فتكرر المأمور بتكرار ذكر النبي اولى لما تقدم من النصوص فهنا ثلاث مقدمات الأولى أن الصلاة مأمور بها أمرا مطلقا وهذه معلومة المقدمة الثانية أن الأمر المطلق يقتضي التكرار وهذا مختلف فيه فنفاه طائفة من الفقهاء والاصوليين واثبته طائفة وفرقت طائفة بين الأمر المطلق والمعلق على شرط أو وقت فأثبتت التكرار في المعلق دون المطلق والاقوال الثلاثة في مذهب احمد والشافعي وغيرهما ورجحت هذه الطائفة التكرار بأن عامة اوامر الشرع على التكرار كقوله تعالى آمنوا بالله ورسوله آل عمران 136 ادخلوا في السلم كافة البقرة 208 وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول النساء 59 واتقوا الله البقرة 194 واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة البقرة 34 وقوله تعالى يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون آل عمران 200 وقوله تعالى وخافون آل عمران 175 واخشوني البقرة 150 واعتصموا بالله الحج 78 واعتصموا بحبل الله جميعا آل عمران 103 واوفوا بعهد الله النحل 91 و أوفوا بالعقود المائدة 1 وأوفوا بالعهد الإسراء 34 وقوله تعالى في اليتامى وارزقوهم فيها واكسوهم النساء 5 وقوله إذا نودي للصلاة
من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع الجمعة 9 وقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم إلى قوله وان كنتم جنبا فاطهروا إلى قوله فلم تجدوا ماء فتيمموا النساء 43 والمائدة 6 وقوله تعالى استعينوا بالصبر والصلاة البقرة 45 وقوله تعالى واوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله اوفوا الأنعام 153 وقوله تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه الأنعام 151 وذلك في القرآن اكثر من أن ينحصر وإذا كانت اوامر الله ورسوله على التكرار حيث وردت إلا في النادر علم أن هذا عرف خطاب الله ورسوله للامة والأمر وان لم يكن في لفظه المجرد ما يؤذن بتكرار ولا فور فلا ريب انه في عرف خطاب الشارع للتكرار فلا يحمل كلامه إلا على عرفه والمألوف من خطابه وان لم يكن ذلك مفهوما من اصل الوضع في اللغة وهذا كما قلنا إن الأمر يقتضي الوجوب والنهي يقتضي الفساد فإن هذا معلوم من خطاب الشارع وان كان لا تعرض لصحة المنهي ولا فساده في اصل موضوع اللغة وكذا خطاب الشارع لواحد من الأمة يقتضي معرفة الخاص أن يكون اللفظ متناولا له ولأمثاله وان كان موضوع اللفظ لغة لا يقتضي ذلك فإن هذا لغة صاحب الشرع وعرفه في مصادر كلامه وموارده وهذا معلوم بالاضطرار من دينه قبل أن يعلم صحة القياس واعتباره وشروطه وهكذا فالفرق بين اقتضاء اللفظ وعدم اقتضائه لغة وبين اقتضائه في عرف الشارع وعادة خطابه
المقدمة الثالثة انه إذا تكرر المأمور به فإنه لا يتكرر إلا بسبب أو وقت واولى الاسباب المقتضية لتكرار ذكر اسمه لاخباره برغم انف من ذكر عنده فلم يصل عليه وللإسجال عليه بالبخل واعطائه اسمه وقالوا ومما يؤيد ذلك أن الله سبحانه أمر عباده المؤمنين بالصلاة عليه عقب اخباره لهم بأنه وملائكته يصلون عليه ومعلوم أن الصلاة من الله وملائكته عليه لم يكن مرة وانقطعت بل هي صلاة متكررة ولهذا ذكرها مبينا بها فضله وشرفه وعلو منزلته عنده ثم أمر المؤمنين بها فتكرارها في حقهم احق وآكد لأجل الأمر قالوا ولان الله تعالى اكد السلام بالمصدر الذي هو التسليم وهذا يقتضي المبالغة والزيادة في كميته وذلك بالتكرار قالوا ولان لفظ الفعل المأمور به يدل على التكثير وهو صلى وسلم فإن فعل المشدد يدل على تكرار الفعل كقولك كسر الخبز وقطع اللحم وعلم الخير وبين الأمر وشدد في كذا ونحوه قالوا ولان الأمر بالصلاة عليه في مقابلة احسانه إلى الأمة وتعليمهم وارشادهم وهدايتهم وما حصل لهم ببركته من سعادة الدنيا والاخرة ومعلوم أن مقابلة مثل هذا النفع العظيم لا يحصل بالصلاة عليه مرة واحدة في العمر بل لو صلى العبد عليه بعدد انفاسه لم يكن موفيا لحقه ولا مؤديالنعمته فجعل ضابط شكر هذه النعمة بالصلاة عليه عند ذكر اسمه
قالوا ولهذا اشار النبي إلى ذلك بتسميته من لم يصل عليه عند ذكر اسمه بخيلا لأن من أحسن إلى العبد الإحسان العظيم وحصل له به الخير الجسيم ثم يذكر عنده ولا يثني عليه ولا يبالغ في مدحه وحمده وتمجيده ويبدي ذلك ويعيده ويعتذر من التقصير في القيام بشكره وحقه عده الناس بخيلا لئيما كفورا فكيف بمن ادنى احسانه إلى العبد يزيد على اعظم احسان المخلوقين بعضهم لبعض الذي باحسانه حصل للعبد خير الدنيا والاخرة ونجا من شر الدنيا والاخرة الذي لا تتصور القلوب حقيقة نعمته واحسانه فضلا عن أن يقوم بشكره اليس هذا المنعم المحسن احق بأن يعظم ويثنى عليه ويستفرغ الوسع في حمده ومدحه إذا ذكر بين الملأ فلا أقل من أن يصلى عليه مرة إذا ذكر اسمه قالوا ولهذا دعا عليه النبي برغم انفه وهو أن يلصق انفه بالرغام وهو التراب لانه لما ذكر عنده فلم يصل عليه استحق أن يذله الله تعالى ويلصق انفه بالتراب قالوا ولأن الله سبحانه نهى الامه أن يجعلوا دعاء الرسول بينهم كدعاء بعضهم بعضا فلا يسمونه إذا خاطبوه باسمه كما يسمي بعضهم بعضا بل يدعونه برسول الله ونبي الله وهذا من تمام تعزيره وتوقيره وتعظيمه فهكذا ينبغي أن يخص باقتران اسمه بالصلاة عليه ليكون ذلك فرقا بينه وبين ذكر غيره كما كان الأمر بدعائه بالرسول والنبي فرقا بينه وبين خطاب غيره فلو كان عند ذكره لا تجوز الصلاة عليه كان ذكره كذكر غيره في ذلك هذا على أحد التفسيرين في الآية واما على التفسير الآخر وهو أن المعنى لا
تجعلوا دعاءه اياكم دعاء بعضكم بعضها فتؤخروا الإجابة بالاعتذار والعلل التي يؤخر بها بعضكم إجابة بعض ولكن بادروا اليه إذا دعاكم بسرعة الإجابة ومعالجة الطاعة حتى لم يجعل اشتغالهم بالصلاة عذرا لهم في التخلف في اجابته والمبادرة إلى طاعته فإذا لم تكن الصلاة التي فيها شغل عذرا يستباح بها تأخير اجابته فكيف ما دونها من الاسباب والاعذار فعلى هذا يكون المصدر مضافا إلى الفاعل وعلى القول الأول يكون مضافا إلى المفعول وقد يقال وهو احسن من القولين أن المصدر هنا لم يضف اضافته إلى فاعل ولا مفعول وانما اضيف اضافة الاسماء المحضة ويكون المعنى لا تجعلوا الدعاء المتعلق بالرسول المضاف اليه كدعاء بعضكم بعضا وعلى هذا فيعم الأمرين معا ويكون النهي عن دعائهم له باسمه كما يدعو بعضهم بعضا وعن تأخير اجابته وعلى كل تقدير فكما أمر الله سبحانه بأن يميز عن غيره في خطابه ودعائه اياهم قياما للأمة بما يجب عليهم من تعظيمه واجلاله فتمييزه بالصلاة عليه عند ذكر اسمه من تمام الصلاة قالوا وقد أخبر النبي أن من ذكر عنده فلم يصل عليه خطئ طريق الجنة هكذا رواه البيهقي وهو من مراسيل محمد بن الحنفية وله شواهد قد ذكرناها في أول الكتاب فلولا أن الصلاة عليه واجبة عند ذكره لم يكن تاركها مخطئا لطريق الجنة قالوا وأيضا فمن ذكر النبي أو ذكر عنده فلم يصل
عليه فقد جفاه ولا يجوز لمسلم جفاؤه فالدليل على المقدمة الأولى ما رواه أبو سعيد بن الاعرابي حدثنا اسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال قال رسول الله من الجفاء أن اذكر عند الرجل فلا يصلي علي ولو تركنا وهذا المرسل وحده لم نحتج به ولكن له اصول وشواهد قد تقدمت من تسمية تارك الصلاة عليه عند ذكره بخيلا وشحيحا والدعاء عليه بالرغم وهذا من موجبات جفائه والدليل على المقدمة الثانية أن جفاءه مناف لكمال حبه وتقديم محبته على النفس والاهل والمال وانه اولى بالمؤمن من نفسه فإن العبد لا يؤمن حتى يكون رسول الله احب اليه من نفسه ومن ولده ووالده والناس اجمعين كما ثبت عن عمر رضي الله تعالى عنه انه قال يا رسول الله والله لانت احب الي من كل شيء إلا من نفسي قال لا يا عمر حتى اكون احب اليك من نفسك قال فو الله لانت الان احب من نفسي قال الان يا عمر وثبت عنه في الصحيح انه قال لا يؤمن احدكم حتى اكون احب اليه من ولده ووالده والناس اجمعين
فذكر في هذا الحديث أنواع المحبة الثلاثة فإذا المحبة إما محبة اجلال وتعظيم كمحبة الوالد واما محبةتحنن وود ولطف كمحبة الولد وإما محبة لأجل الاحسان وصفات الكمال كمحبة الناس بعضهم بعضا ولا يؤمن العبد حتى يكون حب الرسول عنده اشد من هذه المحاب كلها ومعلوم أن جفاءه ينافي ذلك قالوا فلما كانت محبته وكانت توابعها من الاجلال والتعظيم والتوقير والطاعة والتقديم على النفس وايثاره بنفسه بحيث يقي نفسه بنفسه فرضا كانت الصلاة عليه إذا ذكر من لوازم هذه الاحبية وتمامها قالوا وإذا ثبت بهذه الوجوه وغيرها وجوب الصلاة عليه على من ذكر عنده فوجوبها على الذاكر نفسه اولى ونظير هذا أن سامع السجدة إذا أمر بالسجود إما وجوبا أو استحبابا فوجوبها على التالي اولى والله اعلم
فصل قال نفاة الوجوب الدليل على قولنا وجوه أحدها انه من المعلوم الذي لا ريب فيه أن السلف الصالح الذين هم القدوة لم يكن أحدهم كلما ذكر النبي يقرن الصلاة عليه باسمه وهذا في خطابهم للنبي اكثر من أن يذكر فإنهم كانوا يقولون يا رسول الله مقتصرين على ذلك وربما كان يقول أحدهم صلى الله عليك وهذا في الاحاديث ظاهر كثير فلو كانت الصلاة عليه واجبة عند ذكره لانكر عليهم تركها الثاني أن الصلاة عليه لو كانت واجبة كلما ذكر لكان هذا من أظهر الواجبات ولبينه النبي لامته بيانا يقطع العذر وتقوم به الحجة الثالث انه لا يعرف عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم هذا القول ولا تعرف أن احدا منهم قال به واكثر الفقهاء بل قد حكي الإجماع على أن الصلاة عليه ليست من فروض الصلاة وقد نسب القول بوجوبها إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع السابق كما تقدم فكيف تجب خارج الصلاة الرابع انه لو وجبت الصلاة عليه عند ذكره دائما لوجب
على المؤذن أن يقول اشهد أن محمدا رسول الله وهذا لا يشرع له في الاذان فضلا أن يجب عليه الخامس أنه كان يجب على من سمع النداء واجابه أن يصلي عليه وقد أمر السامع أن يقول كما يقول المؤذن وهذا يدل على جواز اقتصاره على قوله اشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله فإن هذا مثل ما يقول المؤذن السادس أن التشهد الأول ينتهي عند قوله واشهد أن محمدا عبده ورسوله اتفاقا واختلف هل يشرع أن يصلي على النبي وعلى آله فيه على ثلاثة اقوال أحدها لا يسرع ذلك إلا في الاخير والثاني يشرع والثالث تشرع الصلاة عليه خاصة دون آله ولم يقل أحد بوجوبها في الأول عند ذكر النبي السابع أن المسلم إذا دخل في الإسلام بتلفظه بالشهادتين لم يحتج أن يقول اشهد أن محمدا رسول الله الثامن أن الخطيب في الجمع والاعياد وغيرهما لا يحتاج أن يصلي على النبي في نفس التشهد ولو كانت الصلاة واجبة عليه عند ذكره لوجب عليه أن يقرنها بالشهادة ولا يقال تكفي الصلاة عليه في الخطبة فإن تلك الصلاة لا تنعطف على ذكر
اسمه عند الشهادة ولا سيما مع طول الفصل والموجبون يقولون تجب الصلاة عليه كلما ذكر ومعلوم أن ذكره ثانيا غير ذكره اولا التاسع انه لو وجبت الصلاة عليه كلما ذكر لوجبت على القارئ كلما مر بذكر اسمه أن يصلي عليه ويقطع لذلك قراءته ليؤدي هذا الواجب وسواء كان في الصلاة أو خارجها فإن الصلاة عليه لا تبطل الصلاة وهي واجب قد تعين فلزم اداؤه ومعلوم أن ذلك لو كان واجبا لكان الصحابة والتابعون اقوم واسرع إلى ادائه وترك اهماله العاشر انه لو وجبت الصلاة عليه كلما ذكر لوجب الثناء على الله تعالى كلما ذكر اسمه فكان يجب على من ذكر اسم الله أن يقرنه بقوله سبحانه وتعالى أو تعالى أو تبارك وتعالى أو جلت عظمته أو تعالى جده ونحو ذلك بل كان ذلك اولى واحرى فإن تعظيم الرسول واجلاله ومحبته وطاعته تابع لتعظيم مرسله سبحانه اجلاله ومحبته وطاعته فمحال أن تثبت المحبة والطاعة والتعظيم والاجلال للرسول دون مرسله بل إنما يثبت ذلك له تبعا لمحبة الله وتعظيمه واجلاله ولهذا كانت طاعة الرسول طاعة لله فمن يطع الرسول فقد اطاع الله ومبايعته لله أن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم الفتح 10 ومحبته محبة لله قال الله تعالى قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله آل عمران 31 وتعظيمه تعظيم لله ونصرته نصرة لله فإنه رسوله وعبده الداعي اليه والى طاعته ومحبته واجلاله
وتعظيمه وعبادته وحده لا شريك له فكيف يقال تجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه وهي ثناء وتعظيم كما تقدم ولا يجب الثناء والتعظيم للخالق سبحانه وتعالى كلما ذكر اسمه هذا محال من القوم الحادي عشر انه لو جلس انسان ليس له هجير إلا قوله محمد رسول الله صل على محمد وبشر كثير يسمعونه فإن قلتم تجب على كل أولئك السامعين أن يكون هجيراهم الصلاة عليه ولو طال المجلس ما طال كان ذلك حرجا ومشقة وتركا لقراءة قارئهم ودراسة دارسهم وكلام صاحب الحاجة منهم ومذاكرته في العلم وتعليمه القرآن وغيره وإن قلتم لا تجب عليهم الصلاة عليه في هذه الحال نقضتم مذهبكم وان قلتم تجب عليه مرة أو اكثر كان تحكما بلا دليل مع انه مبطل لقولكم الثاني عشر أن الشهادة له بالرسالة افرض واوجب من الصلاة عليه بلا ريب ومعلوم انه لا يدخل في الإسلام إلا بها فإذا كانت لا تجب كلما ذكر اسمه فكيف تجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه وليس من الواجبات بعد كلمة الاخلاص افرض من الشهادة له بالرسالة فمتى اقر له بوجوبها عند ذكر اسمه تذكر العبد الإيمان وموجبات هذه الشهادة فكان يجب على كل من ذكر اسمه أن يقول محمد رسول الله ووجوب ذلك اظهر بكثير من وجوب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه ولكل فرقة من هاتين الفرقتين اجوبة عن حجج الفرقة
المنازعة لها بعضها ضعيف جدا وبعضها محتمل وبعضها قوي ويظهر ذلك لمن تأمل حجج الفريقين والله سبحانه وتعالى اعلم بالصواب فصل الموطن الثاني عشر من مواطن الصلاة عليه عند الفراغ من التلبية قال الدار قطني ثنا محمد بن مخلد ثنا علي بن زكريا التمار ثنا يعقوب ابن حميد ثنا عبد الله بن عبد الله الاموي قال سمعت صالح بن محمد بن زائدة يحدث عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن ابيه أن النبي كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله تعالى مغفرته ورضوانه واستعاذ برحمته من النار قال صالح سمعت القاسم بن محمد يقول كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي قلت وهذا أيضا من نوابع الدعاء والله اعلم
فصل الموطن الثالث عشر من مواطن الصلاة على النبي عند استلام الحجر قال أبو ذر الهروي ثنا محمد بن بكران اخبرنا أبو عبد الله بن مخلد حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا عون بن سلام أنبأنا محمد بن سلام ثنا محمد بن مهاجر عن نافع قال كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا اراد أن يستلم الحجر قال اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك وسنة نبيك ويستلمه وقد تقدم أن من مواطن الصلاة عليه على الصفا والمروة
فصل الموطن الرابع عشر من مواطن الصلاة عليه عند الوقوف على قبره قال سحنون ثنا عبد الرحمن بن القاسم عن مالك عن عبد الله بن دينار قال رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي فيصلي على النبي ويدعو لابي بكر وعمر رضي الله عنهما ذكره مالك في الموطأ وقال مالك أيضا عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما انه كان إذا اراد سفرا أو قدم من سفر جاء قبر النبي فصلى عليه ودعا ثم انصرف وقال ابن نمير ثنا محمد بن بشير ثنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما انه كان إذا قدم من سفر بدأ بقبر النبي فيصلي عليه ولا يمس القبر ثم يسلم على أبي بكر رضي الله عنه ثم يقول السلام عليك يا ابت
فصل الموطن الخامس عشر من مواطن الصلاة عليه إذا خرج إلى السوق أو إلى دعوة أو نحوها قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان حدثنا محمد بن بشر حدثنا مسعر حدثنا عامر بن شقيق عن أبي وائل قال ما رأيت عبد الله جلس في مأدبة ولا جنازة ولا غير ذلك فيقوم حتى يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي ويدعو بدعوات وان كان يخرج إلى السوق فيأتي اغفلها مكانا فيجلس فيحمد الله ويصلي على النبي ويدعو بدعوات
فصل الموطن السادس عشر من مواطن الصلاة عليه إذا قام الرجل من نوم الليل قال النسائي في سننه الكبير اخبرني علي بن محمد بن علي حدثنا خلف يعني ابن تميم حدثنا أبو الاحوص حدثنا شريك عن أبي اسحاق عن أبي عبيدة عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال يضحك الله تعالى إلى رجلين رجل لقي العدو وهو على فرس من امثل خيل اصحابه فانهزموا وثبت فإن قتل استشهد وان بقي فذلك الذي يضحك الله اليه ورجل قام في جوف الليل لا يعلم به أحد فتوضأ فاسبغ الوضوء ثم حمد الله ومجده وصلى على النبي واستفتح القرآن فذلك الذي يضحك الله اليه يقول انظروا إلى عبدي قائما لا يراه أحد غيري وقال عبد الرزاق حدثنا معمر عن أبي اسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود انه قال رجلان يضحك الله اليهما فذكره بنحوه
فصل الموطن السابع عشر من مواطن الصلاة عليه عقب ختم القرآن وهذا لأن المحل محل دعاء وقد نص الإمام احمد رحمه الله تعالى على الدعاء عقيب الختمة فقال في رواية أبي الحارث كان انس إذا ختم القرآن جمع أهله ولده وقال في رواية يوسف بن موسى وقد سئل عن الرجل يختم القرآن فيجتمع اليه قوم فيدعون قال نعم رأيت معمرا يفعله إذا ختم وقال في رواية حرب استحب إذا ختم الرجل القرآن أن يجمع اهله ويدعو وروى ابن أبي داود في فضائل القرآن عن الحكم قال ارسل الي مجاهد وعنده ابن أبي لبابة ارسلنا اليك انا نريد أن نختم القرآن وكان يقال أن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن ثم دعوا بدعوات وروى أيضا في كتابه عن ابن مسعود انه قال من ختم القرآن فله دعوة مستجابة وعن مجاهد قال تنزل الرحمة عند ختم القرآن
وروى أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن عن قتادة قال كان بالمدينة رجل يقرأ القرآن من اوله إلى آخره على أصحاب له فكان ابن عباس رضي الله عنهما يضع الرقباء فإذا كان عند الختم جاء ابن عباس رضي الله عنهما فشهده ونص احمد رحمه الله تعالى على استحباب ذلك في صلاة التراويح قال حنبل سمعت احمد يقول في ختم القرآن إذا فرغت من قراءتك قل اعوذ برب الناس الناس 1 فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع قلت إلى أي شيء تذهب في هذا قال رأيت أهل مكة يفعلونه وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة قال عباس بن عبد العظيم وكذلك ادركت الناس بالبصرة وبمكة ويروي أهل المدينة في هذا اشياء وذكر عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وقال الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله اختم القرآن اجعله في التراويح أو في الوتر قال اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاء بين اثنين قلت كيف اصنع قال إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع وادع بنا ونحن في الصلاة واطل القيام قلت بم ادعو قال بما شئت قال ففعلت كما امرني وهو خلفي يدعو قائما ويرفع يديه وإذا كان هذا من آكد مواطن الدعاء واحقها بالاجابة فهو من آكد مواطن الصلاة على النبي
فصل الموطن الثامن عشر من مواطن الصلاة عليه يوم الجمعة وقد تقدم فيه حديث اوس بن اوس عن أبي امامة أن النبي قال اكثروا علي من الصلاة في كل يوم جمعة فإن صلاة امتي تعرض علي في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان اقربهم مني منزلة رواه البيهقي وقد تقدم وروي أيضا عن أبي مسعود الانصاري عن النبي قال اكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإنه ليس أحد يصلي علي يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته وفيه اسماعيل بن رافع قال يعقوب بن سفيان يصلح حديثه للشواهد والمتابعات وقال ابن عدي حدثنا اسماعيل بن موسى الحاسب حدثنا جبارة بن مغلس حدثنا أبو اسحاق الخميسي عن يزيد الرقاشي عن انس رضي الله عنه قال قال رسول الله اكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإن صلاتكم تعرض علي وهذا وان كان اسناده ضعيفا فهو محفوظ في الجملة ولا يضر ذكره في الشواهد
وقد تقدم في مراسيل الحسن عن النبي اكثروا الصلاة علي يوم الجمعة وقال ابن وضاح حدثنا أبو مروان البزار حدثنا ابن المبارك عن ابن شعيب قال كتب عمر بن عبد العزيز أن انشروا العلم يوم الجمعة فإن غائلة العلم النسيان واكثروا الصلاة على النبي يوم الجمعة
فصل الموطن التاسع عشر من مواطن الصلاة عليه عند القيام من المجلس قال عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان حدثنا عثمان بن عمر قال سمعت سفيان بن سعيد ما لا احصي إذا اراد القيام يقول صلى الله وملائكته على محمد وعلى انبياء الله وملائكته هذا الدي رأيته من الاثر في هذا الموطن والله اعلم
فصل الموطن العشرون من مواطن الصلاة عليه عند المرور على المساجد ورؤيتها قال القاضي اسماعيل في كتابه حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا سيف بن عمر التميمي عن سليمان العبسي عن علي بن حسين قال قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا مررتم بالمسجد فصلوا على النبي ﷺ // إسناده موقوف ضعيف //
فصل الموطن الحادي والعشرون من مواطن الصلاة عليه عند الهم والشدائد وطلب المغفرة لحديث الطفيل بن أبي بن كعب عن ابيه قال كان رسول الله إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال يا ايها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه قال أبي قلت يا رسول الله إني اكثر الصلاة عليك فكم اجعل لك من صلاتي فقال ما شئت قال قلت الربع قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قلت النصف قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قال قلت فالثلثين قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قال اجعل لك صلاتي كلها قال إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك رواه الترمذي من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل عن ابيه وقال // حديث حسن // وروى من حديث محمد بن عقيل أيضا عن الطفيل عن أبيه حديثا آخر وصححه وهو حديث مثلي ومثل النبيين من قبلي كمثل رجل بنى دارا الحديث رواه ابن أبي شيبة في مسنده
واختصره فقال عن أبي قال رجل يا رسول الله ارأيت أن جعلت صلاتي كلها صلاة عليك قال اذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك تسليما كثيرا إلى يوم الدين
فصل الموطن الثاني والعشرون من مواطن الصلاة عليه عند كتابة اسمه قال أبو الشيخ حدثنا اسيد بن عاصم حدثنا بشر بن عبيد حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عبد الله عن الاعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله نم صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب قال أبو موسى رواه غير واحد عن اسيد كذلك قال ورواه اسحاق بن وهب العلاف عن بشر بن عبيد فقال عن حازم بن بكر عن يزيد بن عياض عن الاعرج ويروى من غير هذين الوجهين أيضا عن الاعرج وفي الباب عن أبي بكر الصديق وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وروى سليمان بن الربيع حدثنا كادح بن رحمة حدثنا نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله من صلى علي في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب // ضعيف //
وروي من طريق جعفر بن علي الزعفراني قال سمعت خالي الحسن بن محمد يقول رأيت احمد بن حنبل رحمه الله تعالى في النوم فقال لي يا أبا علي لو رأيت صلاتنا على النبي في الكتب كيف تزهر بين ايدينا وقال أبو الحسن بن علي الميموني رأيت الشيخ أبا علي بن الحسن بن عيينة في المنام بعد موته وكأن على اصابع يديه شيئا مكتوبا بلون الذهب أو بلون الزعفران فسألته عن ذلك وقلت يا أستاذ ارى على اصابعك شيئا مليحا مكتوبا ما هو قال يا بني هذا لكتابتي لحديث رسول الله أو قال لكتابتي في حديث رسول الله وذكر الخطيب حدثنا مكي بن علي حدثنا أبو سليمان الحراني قال قال رجل من جواري يقال له أبو الفضل وكان كثير الصوم والصلاة كنت اكتب الحديث ولا اصلي على النبي فرأيته في المنام فقال إذا كتبت أو ذكرت فلم لا تصلي علي ثم رأيته مرة من الزمان فقال لي بلغني صلواتك علي فإذا صليت علي أو ذكرت فقل وقال سفيان الثوري لو لم يكن لصاحب الحديث فائدة إلا الصلاة على رسول الله فإنه يصلي عليه ما دام في ذلك الكتاب وقال محمد بن أبي سليمان رأيت أبي في النوم فقلت يا أبت ما فعل الله بك قال غفر لي فقلت بماذا قال بكتابتي الصلاة على النبي
وقال بعض أهل الحديث كان لي جار فمات فرئي في المنام فقيل له ما فعل الله بك قال غفر لي قيل بماذا قال كنت إذا كتبت ذكر رسول الله في الحديث كتبت وقال سفيان بن عيينة حدثنا خلف صاحب الخلقان قال كان لي صديق يطلب معي الحديث فمات فرأيته في منامي وعليه ثياب خضر يجول فيها فقلت الست كنت معي تطلب الحديث قال بلى قلت فما الذي صيرك إلى هذا قال كان لا يمر حديث فيه ذكر محمد إلا كتبت في اسفله فكافأني ربي هذا الذي ترى علي وقال عبد الله بن عبد الحكم رأيت الشافعي رحمه الله في النوم فقلت ما فعل الله بك قال رحمني وغفر لي وزفني إلى الجنة كما يزف بالعروس ونثر علي كما ينثر على العروس فقلت بم بلغت هذه الحال فقال لي قائل يقول لك بما في كتاب الرسالة من الصلاة على النبي قلت فكيف ذلك قال وصلى الله على محمد عدد ما ذكره الذاكرون وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون قال فلما اصبحت نظرت إلى الرسالة فوجدت الأمر كما رأيت النبي وقال الخطيب أنبأ بشير بن عبد الله الرومي قال سمعت الحسين بن محمد بن عبيد العسكري يقول سمعت أبا اسحاق الدارمي المعروف بنهشل يقول كنت أكتب الحديث في تخريجي للحديث قال النبي تسليما قال فرأيت النبي في المنام وكأنه قد أخذ شيئا مما اكتبه فنظر فيه فقال هذا جيد
وقال عبد الله بن عمرو حدثني بعض اخواني ممن اثق به قال رأيت رجلا من أهل الحديث في المنام فقلت ماذا فعل الله بك قال رحمني وغفر لي قلت وبم ذاك قال أني كنت إذا اتيت على اسم النبي كتبت ذكرها محمد بن صالح عن ثوابة عن سعيد بن مروان عنه وقد روى الحافظ أبو موسى في كتابه عن جماعة من أهل الحديث انهم رؤوا بعد موتهم واخبروا أن الله تعالى غفر لهم بكتابتهم الصلاة على النبي في كل حديث وقال ابن سنان سمعت عباسا العنبري وعلي بن المديني يقولان ما تركنا الصلاة على النبي في كل حديث سمعناه وربما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حديث حتى نرجع اليه
فصل الموطن الثالث والعشرون من مواطن الصلاة عليه عند تبليغ العلم إلى الناس عند التذكير والقصص والقاء الدرس وتعليم العلم في أول ذلك وآخره قال اسماعيل بن اسحاق في كتابه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي هو الجعفي عن جعفر بن برقان قال كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إما بعد فإن اناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة وان من القصاص من قد احدثوا في الصلاة على خلفائهم وامرائهم عدل صلاتهم على النبي فإذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة ويدعوا ما سوى ذلك والصلاة على النبي في هذا الموطن لانه موطن لتبليغ العلم الذي جاء به ونشره في امته والقائه اليهم ودعوتهم إلى سنته وطريقته وهذا من افضل الاعمال واعظمها نفعا للعبد في الدنيا والآخرة
قال تعالى ومن احسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين فصلت 33 وقال تعالى قل هذه سبيلي ادعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني يوسف 108 وسواء كان المعنى انا ومن اتبعني يدعو إلى الله على بصيرة أو كان الوقف عند قوله ادعو إلى الله ثم يبتدئ على بصيرة انا ومن اتبعني فالقولان متلازمان فإنه امره سبحانه أن يخبر أن سبيله الدعوة إلى الله فمن دعا إلى الله تعالى فهو على سبيل رسوله وهو على بصيرة وهو من اتباعه ومن دعا إلى غير ذلك فليس على سبيله ولا هو على بصيرة ولا هو من اتباعه فالدعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين واتباعهم وهم خلفاء الرسل في أممهم والناس تبع لهم والله سبحانه قد أمر رسوله أن يبلغ ما انزل اليه وضمن له حفظه وعصمته من الناس وهكذا المبلغون عنه من أمته لهم من حفظ الله وعصمته اياهم بحسب قيامهم بدينه وتبليغهم لهم وقد أمر النبي بالتبليغ عنه ولو آية ودعا لمن بلغ عنه ولو حديثا وتبليغ سنته إلى الأمة افضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو لأن ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس واما تبليغ السنن فلا تقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه وهم كما قال فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خطبته التي ذكرها ابن وضاح في كتاب الحوادث والبدع له قال الحمد لله الذي امتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى
ويصبرون منهم على الاذى ويحيون بكتاب الله أهل العمى كم من قتيل لإبليس قد احيوه وضال تائه قد هدوه بذلوا دماءهم واموالهم دون هلكة العباد فما أحسن اثرهم على الناس واقبح اثر الناس عليهم يقبلونهم في سالف الدهر والى يومنا هذا فما نسيهم ربك وما كان ربك نسيا مريم 64 وجعل قصصهم هدى وأخبر عن حسن مقالتهم فلا تقصر عنهم فإنهم في منزلة رفيعة وان اصابتهم الوضيعة وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا من اوليائه يذب عنها وينطق بعلاماتها فاغتنموا حضور تلك المواطن وتوكلوا على الله ويكفي في هذا قول النبي لعلي رضي الله عنه لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم وقوله من احيا شيئا من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وضم بين اصبعيه وقوله من دعا إلى هدى فاتبع عليه كان له مثل اجر من تبعه إلى يوم القيامة
فمتى يدرك العامل هذا الفضل العظيم والحظ الجسيم بشيء من عمله وانما ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم فحقيق بالمبلغ عن رسول الله الذي اقامه الله سبحانه في هذا المقام أن يفتتح كلامه بحمد الله تعالى والثناء عليه وتمجيده والاعتراف له بالوحدانية وتعريف حقوقه على العباد ثم بالصلاة على رسول الله وتمجيده والثناء عليه أن يختمه أيضا بالصلاة عليه تسليما
فصل الموطن الرابع والعشرون من مواطن الصلاة عليه أول النهار وآخره قال الطبراني حدثنا حفص بن عمر الصباح حدثنا يزيد بن عبد ربه الجرجسي حدثنا بقية بن الوليد حدثني إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني قال سمعت خالد بن معدان يحدث عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله من صلى علي حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة قال أبو موسى المديني رواه عن بقية غير واحد ويزيد بن عبد ربه كان يسكن بحمص قرب كنيسة جرجس فنسب اليها
فصل الموطن الخامس والعشرون من مواطن الصلاة عليه عقب الذنب إذا اراد أن يكفر عنه قال ابن أبي عاصم في - كتاب الصلاة على النبي - حدثنا الحسن بن البزار حدثنا شبابة حدثنا مغيرة بن مسلم عن أبي اسحاق عن انس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلوا علي فإن الصلاة علي كفارة لكم فمن صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا وقال ابن أبي عاصم في كتابه حدثنا يونس بن محمد حدثنا الفضل بن عطاء عن الفضل بن شعيب عن أبي منظور عن ابن معاذ عن أبي كاهل قال قال لي رسول الله يا أبا كاهل من صلى علي كل يوم ثلاث مرات وكل ليلة ثلاث مرات حبا وشوقا الي كان حقا على الله أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة وذلك اليوم وقال أبو الشيخ في - كتاب الصلاة على النبي - حدثنا
عبد الله بن محمد بن نصر حدثنا اسماعيل بن يزيد قال حدثنا الحسين بن حفص حدثنا إبراهيم بن طهمان عن ليث بن أبي سليم عن نافع بن كعب المدني عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلوا علي فإن الصلاة علي زكاة لكم ورواه ابن أبي شيبة عن ابن فضيل عن ليث بن كعب عن أبي هريرة فهذا فيه الأخبار بأن الصلاة زكاة للمصلي على النبي والزكاة تتضمن النماء والبركة والطهارة والذي قبله فيه إنها كفارة وهي تتضمن محو الذنب فتضمن الحديثان أن بالصلاة عليه تحصل طهارة النفس من رذائلها ويثبت لها النماء والزيادة في كمالاتها وفضائلها والى هذين الأمرين يرجع كمال النفس فعلم انه لا كمال للنفس إلا بالصلاة على النبي التي هي من لوازم محبته ومتابعته وتقديمه على كل من سواه من المخلوقين
فصل الموطن السادس والعشرون من مواطن الصلاة عليه عند المام الفقر أو خوف وقوعه قال أبو نعيم حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر حدثنا محمد بن الحسن بن سماعة حدثنا أبو نعيم حدثنا فطر بن خليفة عن جابر بن سمرة السوائي عن ابيه قال كنا عند النبي إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله ما اقرب الاعمال إلى الله تعالى قال صدق الحديث واداء الأمانة قلت يا رسول الله زدنا قال صلاة الليل وصوم الهواجر قلت يا رسول الله زدنا قال كثرة الذكر والصلاة علي تنفي الفقر قلت يا رسول الله زدنا قال من أم قوما فليخفف فان فيهم الكبير والعليل والضعيف وذا الحاجة
فصل الموطن السابع والعشرون من مواطن الصلاة عليه عند خطبة الرجل المرأة في النكاح - قال اسماعيل بن أبي زياد عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى أن الله وملائكته يصلون على النبي الاية الأحزاب 56 قال يعني أن الله تعالى يثني على نبيكم ويغفر له وامر الملائكة بالاستغفار له يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه اثنوا عليه في صلاتكم وفي مساجدكم وفي كل موطن وفي خطبة النساء فلا تنسوه
فصل الموطن الثامن والعشرون من مواطن الصلاة عليه عند العطاس قال الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا سهل بن صالح الانطاكي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن نافع قال رأيت ابن عمر رضي الله عنهما وقد عطس رجل إلى جنبه فقال الحمد لله والسلام على رسول الله فقال ابن عمر وأنا اقول السلام على رسول الله ولكن ليس هكذا امرنا رسول الله امرنا أن نقول إذا عطسنا الحمد لله على كل حال قال الطبراني لم يروه عن سعيد إلا الوليد تفرد به سهل ورواه الترمذي عن حميد مسعدة حدثنا زياد بن الربيع حدثنا حضرمي مولى آل الجارود عن نافع أن رجلا عطس إلى جنب ابن عمر فقال الحمد لله والسلام على رسول الله قال ابن عمر وأنا اقول الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله علمنا أن نقول الحمد لله على كل حال قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زياد ابن الربيع
قال أبو موسى المديني وروي عن نافع أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما خلاف ذلك ثم ساق من طريق عبد الله بن احمد حدثنا عباد بن زياد الاسدي حدثنا زهير عن أبي اسحاق عن نافع قال عطس رجل عند ابن عمر فقال له ابن عمر لقد بخلت هلا حمدت الله تعالى وصليت على النبي فذهب إلى هذا جماعة منهم أبو موسى المديني وغيره ونازعهم في ذلك آخرون وقالوا لا تستحب الصلاة على النبي عند العطاس وانما هو موضع حمد الله تعالى وحده ولم يشرع النبي عند العطاس إلا حمد الله تعالى والصلاة على رسول الله وان كانت من افضل الاعمال واحبها إلى الله تعالى فلكل ذكر موطن يخصه لا يقوم غيره مقامه فيه قالوا ولهذا لا تشرع الصلاة عليه في الركوع ولا السجود ولا قيام الاعتدال من الركوع وتشرع في التشهد الاخير إما مشروعية وجوب أو استحباب ورووا حديثا عن النبي لا تذكروني عند ثلاث عند تسمية الطعام وعند الذبح وعند العطاس وهذا الحديث لا يصح فإنه من حديث سليمان بن عيسى السجزي عن عبد الرحيم بن زيد العمي عن كثير عن عويد عن ابيه عن النبي فذكره وله ثلاث علل احداها تفرد سليمان بن عيسى به
قال البيهقي وهو في عداد من يضع الحديث الثانية ضعف عبد الرحيم العمي الثالثة انقطاعه قال البيهقي وقد روينا في الصلاة عند العطاس ما أخبرنا أبو طاهر الفقيه اخبرنا أبو عبد الله الصفار حدثنا عبد الله الصفار حدثنا عبد الله بن احمد حدثنا عباد بن زياد فذكر الحديث المتقدم
فصل الموطن التاسع والعشرون من مواطن الصلاة بعد الفراغ من الوضوء قال أبو الشيخ في كتابه حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن شبيب حدثنا اسحاق بن أبي اسرائيل حدثنا محمد بن جابر عن الاعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال قال رسول الله إذا فرغ احدكم من طهوره فليقل اشهد أن لا اله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله ثم ليصل علي فإذا قال ذلك فتحت له ابواب الرحمة هذا حديث مشهور له طرق عن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر وثوبان وانس رضي الله عنهم ليس في شيء منها ذكر الصلاة إلا في هذه الرواية // حديث ضعيف // وقال ابن أبي عاصم في كتابه حدثنا دحيم حدثنا ابن أبي فديك حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد عن ابيه عن جده يرفعه ولا وضوء لمن لم يصل على النبي وعبد المهيمن لا يحتج به وقد تقدم الحديث
فصل الموطن الثلاثون من مواطن الصلاة عليه عند دخول المنزل ذكره الحافظ أبو موسى المديني وروى فيه من حديث أبي صالح بن المهلب عن أبي بكر بن عمران حدثني محمد بن العباس بن الوليد حدثني عمرو بن سعيد حدثنا ابن أبي ذئب حدثني محمد بن عجلان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال جاء رجل إلى النبي فشكا اليه الفقر وضيق العيش أو المعاش فقال له رسول الله إذا دخلت منزلك فسلم إن كان فيه أحد أو لم يكن فيه أحد ثم سلم علي واقرأ قل هو الله أحد الاخلاص 1 مرة واحدة ففعل الرجل فأدر الله عليه الرزق حتى افاض على جيرانه وقراباته
فصل الموطن الحادي والثلاثون من مواطن الصلاة عليه في كل موطن يجتمع فيه لذكر الله تعالى لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي انه قال أن لله سيارة من الملائكة إذا مروا بحلق الذكر قال بعضهم لبعض اقعدوا فإذا دعا القوم امنوا على دعائهم فإذا صلوا على النبي صلوا معهم حتى يفرغوا ثم يقول بعضهم لبعض طوبى لهؤلاء يرجعون مغفورا لهم واصل الحديث في مسلم وهذا سياق مسلم بن إبراهيم الكشي حدثنا عبد السلام بن عجلان حدثنا أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة فذكره
فصل الموطن الثاني والثلاثون من مواطن الصلاة عليه إذا نسي الشيء أو اراد ذكره ذكره أبو موسى المديني وروى فيه من طريق محمد بن عتاب المروزي ثنا سعدان بن عبدة أبو سعيد المرزوي ثنا عبد الله بن عبد الله العتكي أنبأ انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله إذا نسيتم شيئا فصلوا علي تذكروه إن شاء الله قال الحافظ وقد ذكرناه من غيرها هذا الطريق في كتاب الحفظ والنسيان
فصل الموطن الثلاث والثلاثون من مواطن الصلاة عليه عند الحاجة تعرض للعبد قال احمد بن موسى الحافظ حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم قال ثنا عبد الله بن احمد بن محمد بن اسيد حدثنا اسماعيل بن يزيد حدثنا إبراهيم بن الاشعث الخراساني حدثنا عبد الله بن سنان بن عقبة بن أبي عائشة المدني عن أبي سهل بن مالك عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله من صلى علي مائة صلاة حين يصلي الصبح قبل أن يتكلم قضى الله له مائة حاجة عجل له منها ثلاثين الله حاجة وأخر له سبعين وفي المغرب مثل ذلك قالوا وكيف الصلاة عليك يا رسول الله قال إن الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما الأحزاب 56 اللهم صل عليه حتى تعد مائة مرة وقال إبراهيم بن الجنيد ثنا اسماعيل بن اسماعيل بن حديج بن معاوية عن أبي اسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال إذا اردت أن تسأل حاجة فابدأ
بالمدحة والتحميد والثناء على الله تعالى بما هو اهله ثم صل على النبي ثم ادع بعد فإن ذلك احرى أن تصيب حاجتك وقال الطبراني حدثنا سهل بن موسى حدثنا زريق بن السحت حدثنا عبد الوهاب بن عطاء حدثنا فائد أبو الورقاء حدثنا عبد الله بن أبي اوفى قال خرج علينا رسول الله فقال من كان له إلى الله تعالى حاجة فليتوضأ وليحسن الوضوء وليركع ركعتين وليثن على الله تعالى وليصل على النبي وليقل لا اله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش الكريم والحمد لله رب العالمين أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل ذنب لا تدع لي هما إلا فرجته ولا ذنبا إلا غفرته ولا حاجة هي لك رضى إلا قضيتها يا ارحم الراحمين وقال ابن مندة الحافظ حدثنا عبد الصمد العاصمي اخبرنا إبراهيم بن احمد المستملي حدثنا محمد بن درستويه حدثنا سهل بن متويه حدثنا محمد بن عبيد حدثنا عباس بن بكار حدثنا أبو بكر الهذلي حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله من صلى علي في كل يوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة سبعين منها لآخرته وثلاثين منها
لديناه قال الحافظ أبو موسى المديني هذا حديث حسن قلت قد تقدم حديث فضالة بن عبيد وأبي بن كعب في ذلك
فصل الموطن الرابع والثلاثون من مواطن الصلاة عليه عند طنين الأذن ذكره أبو موسى وغيره قال ابن عاصم في كتابه حدثنا ابوالربيع قال حدثنا حسان بن عدي قال حدثنا محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن اخيه عبد الله عن ابيه عن جده قال قال رسول الله إذا طنت اذن احدكم فليصل علي وليقل ذكر الله بخير من ذكرني ورواه معمر بن محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن ابيه عن جده لم يذكر عبد الله في الاسناد وفي رواية ذكر الله من ذكرني بخير
فصل الموطن الخامس والثلاثون من مواطن الصلاة عليه عقيب الصلوات ذكره الحافظ أبو موسى وغيره ولم يذكروا في ذلك سوى حكاية ذكرها أبو موسى المديني من طريق عبد الغني بن سعيد قال سمعت اسماعيل بن احمد بن اسماعيل الحاسب قال اخبرني أبو بكر محمد بن عمر قال كنت عند أبي بكر بن مجاهد فجاء الشبلي فقام اليه أبو بكر بن مجاهد فعانقه وقبل بين عينيه فقلت له يا سيدي يفعل هذا بالشبلي وانت وجميع من ببغداد يتصورونه انه مجنون فقال لي فعلت به كما رأيت رسول الله يفعل به وذلك أني رأيت رسول الله في المنام وقد اقبل الشبلي فقام اليه وقبل بين عينيه فقلت يا رسول الله اتفعل هذا بالشبلي فقال هذا يقرأ بعد صلاته لقد جاءكم رسول من انفسكم التوبة 128 إلى آخرها ويتبعها بالصلاة علي وفي رواية انه لم يصل صلاة فريضة إلا ويقرأ خلفها لقد جاءكم رسول من انفسكم إلى آخر السورة ويقول ثلاث مرات صلى الله عليك يا محمد قال فلما دخل الشبلي سألته عما يذكر بعد الصلاة فذكر مثله
فصل الموطن السادس والثلاثون من مواطن الصلاة عليه عند الذبيحة وقد اختلف في هذه المسألة فاستحبها الشافعي رحمه الله قال والتسمية على الذبيحة بسم الله فإن زاد بعد ذلك شيئا من ذكر الله تعالى فالزيادة خير ولا اكره مع تسميته على الذبيحة أن يقول صلى الله على رسول الله بل أحبه له وأحب أن يكثر الصلاة على كل الحالات لأن ذكر الله بالصلاة عليه ايمان بالله وعبادة له يؤجر عليها إن شاء الله تعالى من قالها وقد ذكر عبد الرحمن بن عوف انه كان مع النبي فتقدمه النبي فتبعه عبد الرحمن ساجدا فوقف ينتظره فأطال ثم رفع فقال عبد الرحمن لقد خشيت أن يكون الله قبض روحك في سجودك فقال يا عبد الرحمن أني لما كنت حيث رأيت لقيني جبريل عليه السلام فاخبرني عن الله انه قال من صلى عليك صليت عليه فسجدت لله شكرا وقال رسول الله من نسي الصلاة علي خطئ به طريق الجنة وبسط رحمه الله الكلام في هذا ونازعه في ذلك آخرون منهم أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإنهم كرهوا الصلاة في هذا الموطن ذكره
صاحب المحيط وعلله بأنه قال لان فيه الاهلال لغير الله تعالى واختلف أصحاب الأمام احمد رحمه الله تعالى فكرهها القاضي واصحابه وذكر الكراهة أبو الخطاب في رؤوس المسائل وقال ابن شاقلا تستحب كقول الشافعي واحتج من كرهها بأن قالوا روى أبو محمد الخلال بإسناده عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي انه قال موطئان لا حظ لي فيهما عند العطاس والذبح واحتجوا بحديث سليمان بن عيسى السجزي عن عبد الرحيم بن زيد العمي عن ابيه وقد تقدم الكلام على هذا الحديث وانه غير ثابت
فصل الموطن السابع والثلاثون من مواطن الصلاة عليه في الصلاة في غير التشهد بل في حال القراءة إذا مر بذكره أو بقوله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي الأحزاب 56 الآية ذكره اصحابنا وغيرهم قالوا متى مر بذكره في القراءة وقف وصلى عليه وقال اسماعيل بن اسحاق حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا بشر بن منصور عن هشام عن الحسن قال إذا مر بالصلاة على النبي فليقف وليصل عليه في التطوع ونص الأمام احمد رحمه الله تعالى على ذلك فقال إذا مر المصلي بآية فيها ذكر النبي فإن في كان نفل صلى الله عليه
الموطن الثامن والثلاثون من مواطن الصلاة عليه في بدل الصدقة لمن لم يكن له مال فتجزئ الصلاة عليه عن الصدقة للمعسر قال ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله ايما رجل لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وصل على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات فإنها له زكاة رواه عنه ابن اخيه وهارون بن معروف
فصل الموطن التاسع والثلاثون من مواطن الصلاة عليه عند النوم قال أبو الشيخ في كتابه حدثنا اسحاق بن اسماعيل البرمكي حدثنا آدم أبي اياس حدثنا محمد بن نشر حدثنا محمد بن عامر قال قال أبو قرصافة سمعت رسول الله يقول من اوى إلى فراشه ثم قرأ تبارك الذي بيده الملك الملك 1 ثم قال اللهم رب الحل والحرم ورب البلد الحرام ورب الركن والمقام ورب المشعر الحرام بحق كل آية انزلتها في شهر رمضان بلغ روح محمد مني تحية وسلاما اربع مرات وكل الله تعالى بها الملكين حتى يأتي محمدا فيقولان له يا محمد إن فلان بن فلان يقرأ عليك السلام ورحمة الله فيقول وعلى فلان مني السلام ورحمة الله وبركاته قال الحافظ أبو موسى نشر والد محمد بفتح النون قلت وابو قرصافة ذكره ابن عبد البر في كتابه الصحابة وقال اسمه جندرة من بني كنانة له صحبة سكن فلسطين
وقيل كان يسكن تهامة ولكن محمد بن نشر هذا هو المدني قال فيه الازدي متروك الحديث مجهول وقلت وعلة الحديث انه معروف من قول أبي جعفر الباقر وهذا اشبه والله اعلم
فصل الموطن الاربعون من مواطن الصلاة عليه عند كل كلام ذي بال فإنه يبتدئ بحمد الله والثناء عليه ثم بالصلاة على رسوله ثم يذكر كلامه بعد ذلك إما ابتداؤه بالحمد فلما في مسند الإمام احمد وسنن أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله انه قال كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو اجذم واما الصلاة على النبي فروى أبو موسى المديني من حديث اسماعيل بن أبي زياد عن يونس بن يزيد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله كل كلام لا يذكر الله فيه فيبدأ به وبالصلاة علي فهو اقطع ممحوق من كل بركة // إسناده ضعيف //
فصل الموطن الحادي والأربعون من مواطن الصلاة عليه في اثناء صلاة العيد فإنه يستحب أن يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي قال اسماعيل بن اسحاق حدثنا مسلم بن إبراهيم هشام الدستوائي حدثنا حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوما فقال لهم إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه قال عبد الله تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد ربك وتصلي على النبي ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ثم تقرأ ثم تكبر وتكرع ثم تقوم وتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي محمد ثم تدعو وتفعل مثل ذلك ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ثم تكبر وتفعل ذلك ثم تركع فقال حذيفة وابو موسى صدق أبو عبد الرحمن // إسناده حسن // وفي هذا الحديث الموالاة بين القراءتين وهي مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن احمد وفيه تكبيرات العيد الزوائد ثلاثا ثلاثا وهو مذهب أبي حنيفة وفيه حمد الله والصلاة على
رسوله بين التكبيرات وهو مذهب الشافعي واحمد فأخذ أبو حنيفة به في عدد التكبيرات والموالاة بين القراءتين واخذ به احمد والشافعي في استحباب الذكر بين التكبيرات وابو حنيفة ومالك يستحبان سرد التكبيرات من غير ذكر بينهما ومالك لم يأخذ به في هذا ولا في هذا والله سبحانه وتعالى اعلم
الباب الخامس في الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه الأولى امتثال أمر الله سبحانه وتعالى الثانية موافقته سبحانه في الصلاة عليه وان اختلفت الصلاتان فصلاتنا عليه دعاء وسؤال وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف كما تقدم الثالثة موافقة ملائكته فيها الرابعة حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة الخامسة انه يرفع عشر درجات السادسة انه يكتب له عشر حسنات السابعة انه يمحي عنه عشر سيئات الثامنة انه يرجى اجابة دعائه إذا قدمها امامه فهي تصاعد الدعاء إلى عند رب العالمين التاسعة أنها سبب لشفاعته إذا قرنها بسؤال الوسيله له أو افردها كما تقدم حديث رويفع بذلك العاشرة أنها سبب لغفران الذنوب كما تقدم الحادية عشرة أنها سبب لكفاية الله العبد ما اهمه الثانية عشرة أنها سبب لقرب العبد منه يوم القيامة
وقد تقدم حديث ابن مسعود رضي الله عنه بذلك الثالثة عشرة أنها تقوم مقام الصدقة لذي العسرة الرابعة عشرة أنها سبب لقضاء الحوائج الخامسة عشرة أنها سبب لصلاة الله على المصلي وصلاة ملائكته عليه السادسة عشرة أنها زكاة للمصلي وطهارة له السابعة عشرة أنها سبب لتبشير العبد بالجنة قبل موته ذكره الحافظ أبو موسى في كتابه وذكر فيه حديثا الثامنة عشرة أنها سبب للنجاة من اهوال يوم القيامة ذكره أبو موسى وذكر فيه حديثا التاسعة عشرة أنها سبب لرد النبي الصلاة والسلام على المصلي والمسلم عليه العشرون أنها سبب لتذكر العبد ما نسيه كما تقدم الحادية والعشرون إنها سبب لطيب المجلس وان لا يعود حسرة على اهله يوم القيامة الثانية والعشرون أنها سبب لنفي الفقر كما تقدم الثالثة والعشرون أنها تنفي عن العبد اسم البخل إذا صلى عليه عند ذكره الرابعة والعشرون أنها ترمي صاحبها على طريق الجنة وتخطئ بتاركها عن طريقها الخامسة والعشرون أنها تنجي من نتن المجلس الذي لا يذكر فيه الله ورسوله ويحمد ويثني عليه فيه ويصلي على رسوله
السادسة والعشرون إنها سبب لتمام الكلام الذي ابتدئ بحمد الله والصلاة على رسوله السابعة والعشرون إنها سبب لوفور نور العبد على الصراط وفيه حديث ذكره أبو موسى وغيره الثامنة والعشرون انه يخرج بها العبد عن الجفاء التاسعة والعشرون إنها سبب لابقاء الله سبحانه الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض لان المصلي طالب من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه والجزاء من جنس العمل فلا بد أن يحصل للمصلي نوع من ذلك الثلاثون إنها سبب البركة في ذات المصلي وعمله وعمره واسباب مصالحه لان المصلي داع ربه يبارك عليه وعلى آله وهذا الدعاء مستجاب والجزاء من جنسه الحادية والثلاثون إنها سبب لنيل رحمة الله له لان الرحمة إما بمعنى الصلاة كما قاله طائفة واما من لوازمها وموجباتها على القول الصحيح فلا بد للمصلي عليه من رحمه تناله الثانية والثلاثون إنها سبب لدوام محبته للرسول وزيادتها وتضاعفها وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به لان العبد كلما اكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه وتزايد شوقه اليه واستولى على جميع قلبه وإذا اعرض عن ذكره واحضار محاسنه بقلبه نقص حبه من قلبه ولا شيء اقر لعين المحب من رؤية محبوبه ولا اقر لقلبه من ذكره واحضار محاسنه فإذا قوي
هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه والحس شاهد بذلك حتى قال بعض الشعراء في ذلك عجبت لمن يقول ذكرت حبي ... وهل أنسى فأذكر من نسيت فتعجب هذا المحب ممن يقول ذكرت محبوبي لان الذكر يكون بعد النسيان ولو كمل حب هذا لما نسي محبوبه وقال آخر أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل فهذا اخبر عن نفسه أن محبته لها مانع له من نسيانها وقال آخر يراد من القلب نسيانكم ... وتأبى الطباع على الناقل فأخبر أن حبهم وذكرهم قد صار طبعا له فمن اراد منه خلاف ذلك ابت عليه طباعه أن تنتقل عنه والمثل المشهور من احب شيئا اكثر من ذكره وفي هذا الجناب الاشرف احق ما انشد لو شق قلبي ففي وسطه ... ذكرك والتوحيد في سطر فهذا قلب المؤمن توحيد الله وذكر رسوله مكتوبان فيه لا يتطرق اليهما محو ولا ازالة ولما كانت كثرة ذكر الشيء موجبة لدوام محبته ونسيانه سببا لزوال محبته أو اضعافها وكان سبحانه هو المستحق من عبادة نهاية الحب مع نهاية التعظيم بل الشرك الذي لا يغفره الله تعالى هو أن يشرك به في الحب والتعظيم فيحب غيره ويعظم من المخلوقات غيره كما يحب الله تعالى ويعظمه قال
تعالى ومن الناس من يتخذ من دونه الله اندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا اشد حبا لله البقرة 165 فأخبر سبحانه أن المشرك يحب الند كما يحب الله تعالى وان المؤمن اشد حبا لله من كل شيء وقال أهل النار في النار تالله أن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين الشعراء 97 98 ومن المعلوم انهم إنما سووهم به سبحانه في الحب والتأله والعبادة وألا فلم يقل أحد قط أن الصنم أو غيره من الانداد مساو لرب العالمين في صفاته وفي افعاله وفي خلق السماوات والأرض وفي خلق عباده أيضا وانما كانت السوية في المحبة والعبادة واضل من هؤلاء واسوأ حالا من سوى كل شيء بالله سبحانه في الوجود وجعله وجود كل موجود كامل أو ناقص فإذا كان الله قد حكم بالضلال والشقاء لمن سوى بينه وبين الاصنام في الحب مع اعتقادههم تفاوت ما بين الله وبين خلقه في الذات والصفات والافعال فكيف بمن سوى الله بالموجودات في جميع ذلك وزعم انه ما عبد غير الله في كل معبود
والمقصود أن دوام الذكر لما كان سببا لدوام المحبة وكان الله سبحانه احق بكمال الحب والعبودية والتعظيم والاجلال كان كثرة ذكره من انفع ما للعبد وكان عدوه حقا هو الصاد له عن ذكر ربه وعبوديته ولهذا أمر الله سبحانه بكثرة ذكره في القرآن وجعله سببا للفلاح فقال تعالى واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون الجمعة 10 وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا الجمعة 41 وقال تعالى والذاكرين الله كثيرا والذاكرات الأحزاب 35 وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون المنافقون 9 وقال تعالى فاذكروني اذكركم البقرة 152 وقال النبي سبق المفردون قالوا يا رسول الله وما المفردون قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات وفي الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي انه قال إلا أدلكم على خير اعمالكم وازكاها عند مليككم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكر الله تعالى // إسناده صحيح // وهو
في الموطأ موقوف على أبي الدرداء قال معاذ بن جبل ما عمل آدمي عملا انجى له من عذاب الله من ذكر الله وذكر رسوله تبع لذكره والمقصود أن دوام الذكر سبب لدوام المحبة فالذكر للقلب كالماء للزرع بل كالماء للسمك لا حياة له إلا به وهو أنواع ذكره بأسمائه وصفاته والثناء عليه بها الثاني تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله وتمجيده والغالب من استعمال لفظ الذكر عند المتأخرين هذا الثالث ذكره بأحكامه واوامره ونواهيه وهو ذكر العالم بل الانواع الثلاثة هي ذكرهم لربهم ومن افضل ذكره ذكره بكلامه قال تعالى ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى طه 124 فذكره هنا كلامه الذي انزله على رسوله وقال تعالى الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الرعد 28 ومن ذكره سبحانه دعاؤه واستغفاره والتضرع اليه فهذه خمسة أنواع من الذكر
الفائدة الثالثة والثلاثون أن الصلاة عليه سبب لمحبته للعبد فإنها إذا كانت سببا لزيادة محبة المصلى عليه له فكذلك هي سبب لمحبته هو للمصلي عليه الرابعة والثلاثون أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه فإنه كلما اكثر الصلاة عليه وذكره واستولت محبته على قلبه حتى لا يبقى في قلبه معارضة لشيء من اوامره ولا شك في شيء مما جاء به بل يصير ما جاء به مكتوبا مسطورا في قلبه لا يزال يقرؤه على تعاقب احواله ويقتبس الهدى والفلاح وانواع العلوم منه وكلما ازداد في ذلك بصيرة وقوة ومعرفة ازدادت صلاته عليه ولهذا كانت صلاة أهل العلم العارفين بسنته وهديه المتبعين له على خلاف صلاة العوام عليه الذين حظهم منها ازعاج اعضائهم بها رفع اصواتهم واما اتباعه العارفون بسنته وهديه المتبعين له على خلاف العوام عليه الذين حظهم منها إزعاج أعضائهم بها ورفع أصواتهم وأما أتباعه العارفون بسنته العالمون بما جاء به فصلاتهم عليه نوع آخر فكلما ازدادوا فيما جاء به معرفة ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطلوبة له من الله تعالى وهكذا ذكر الله سبحانه كلما كان العبد به اعرف وله اطوع واليه احب كان ذكره غير ذكر الغافلين اللاهين وهذا أمر إنما يعلم بالخبر لا بالخبر وفرق بين من يذكر صفات محبوبه الذي قد ملك حبه جميع قلبه ويثني عليه وبها ويمجده بها وبين من يذكرها إما امارة واما لفظا لا يدري ما معناه لا يطابق فيه قلبه لسانه كما انه فرق بين بكاء النائحة وبكاء الثكلى فذكره وذكر ما جاء به وحمد الله سبحانه على انعامه علينا ومنته بارساله هو حياة الوجود وروحه كما قيل روح المجالس ذكره وحديثه ... وهدى لكل ملدد حيران
وإذا اخل في مجلس ... فأولئك الاموات في الحيان الخامسة والثلاثون أنها سبب لعرض اسم المصلي عليه وذكره عنده كما تقدم قوله أن صلاتكم معروضة علي وقوله أن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن امتي السلام وكفى بالعبد نبلا أن يذكر اسمه بالخير بين يدي رسول الله وقد قيل في هذا المعنى ومن خطرت منه خطرة ... حقيق بأن يتقدما وقال الآخر اهلا بما لم اكن اهلا لموقعه ... قول المبشر بعد اليأس بالفرج لك البشارة فاخلع ما عليك فقد ... ذكرت ثم على ما فيك من عوج السادسة والثلاثون إنها سبب لتثبيت القدم على الصراط والجواز عليه لحديث عبد الرحمن بن سمرة الذي رواه عنه سعيد بن المسيب في رؤيا النبي وفيه ورأيت رجلا من امتي يزحف على الصراط ويحبو احيانا ويتعلق احيانا فجاءته علي فأقامته على قدميه وانقذته رواه أبو موسى المديني وبنى عليه كتابه في - الترغيب والترهيب - وقال هذا حديث حسن جدا السابعة والثلاثون أن الصلاة عليه أداء لاقل القليل من حقه وشكر له على نعمته التي انعم الله بها علينا مع أن الذي يستحقه من ذلك لا يحصى علما ولا قدرة ولا إرادة ولكن الله سبحانه لكرمه رضي من عباده باليسير من شكره واداء حقه الثامنة والثلاثون إنها متضمنة لذكر الله تعالى وشكره ومعرفة انعامه على عبيده بإرساله فالمصلي عليه قد تضمنت
صلاته علي ذكر الله وذكر رسوله وسؤاله أن يجزيه بصلاته عليه ما هو اهله كما عرفنا ربنا واسماءه وصفاته وهدانا إلى طريق مرضاته وعرفنا مالنا بعد الوصول اليه والقدوم عليه فهي متضمنة لكل الإيمان بل هي متضمنة للإقرار بوجوب الرب المدعو وعلمه وسمعه وقدرته وارادته وحياته وكلامه وارسال رسوله وتصديقه في اخباره كلها وكمال محبته ولا ريب أن هذه هي اصول الإيمان فالصلاة عليه متضمنة لعلم العبد ذلك وتصديقه به ومحبته له فكانت من افضل الاعمال التاسع والثلاثون أن الصلاة عليه من العبد هي دعاء ودعاء العبد وسؤاله من ربه نوعان أحدهما سؤاله حوائجه ومهماته وما ينوبه في الليل والنهار فهذا دعاء وسؤال وايثار لمحبوب العبد ومطلوبه والثاني سؤاله أن يثني على خليله وحبيبه ويزيد في تشريفه وتكريمه وايثاره ذكره ورفعه ولا ريب أن الله تعالى يحب ذلك ورسوله يحبه فالمصلي عليه قد صرف سؤاله ورغبته وطلبه إلى محاب الله ورسوله وآثر ذلك على طلبه حوائجه ومحابه هو بل كان هذا المطلوب من احب الأمور اليه وآثرها عنده فقد آثر ما يحبه الله ورسوله على ما يحبه هو فقد آثر الله ومحابه على ما سواه والجزاء من جنس العمل فمن آثر الله على غيره آثره الله على غيره واعتبر هذا بما تجد الناس يعتمدونه عند ملوكهم ورؤسائهم إذا ارادوا التقرب اليهم والمنزلة عندهم فإنهم يسألون المطاع أن ينعم على من يعلمونه احب رعيته اليه وكلما سألوه أن يزيد في حبائه واكرامه وتشريفه علت منزلتهم عنده وازداد قربهم
منه وحظوا بهم لديه لانهم يعلمون منه إرادة الإنعام والتشريف والتكريم لمحبوبه فاحبهم اليه اشدهم له سؤالا ورغبة أن يتم عليه انعامه واحسانه هذا أمر مشاهد بالحس ولا تكون منزلة هؤلاء ومنزلة المطاع حوائجه هو وهو فارغ من سؤاله تشريف محبوبه والانعام عليه واحدة فكيف بأعظم محب واجله لاكرم محبوب واحقه بمحبة ربه له ولو لم يكن من فوائد الصلاة عليه إلا هذا المطلوب وحده لكفى المؤمن به شرفا وها هنا نكتة حسنة لمن علم امته دينه وما جاء به ودعاهم اليه وحضهم عليه وصبر على ذلك وهي أن النبي له من الاجر الزائد على اجر عمله مثل اجور من اتبعه فالداعي إلى سنته ودينه والمعلم الخير للامة إذا قصد توفير هذا الحظ على رسول الله وصرفه اليه وكان مقصوده بدعاء الخلق إلى الله التقرب اليه بارشاد عباده وتوفير اجور المطيعين له على رسول الله مع توفيتهم اجورهم كاملة كان له من الاجر في دعوته وتعليمه بحسب هذه النية وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
الباب السادس في الصلاة على غير النبي وآله تسليما أما سائر الأنبياء والمرسلين فيصلي عليهم ويسلم قال تعالى عن نوح عليه السلام وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين انا كذلك نجزي المحسنين الصافات 78 80 وقال تعالى عن إبراهيم خليله وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم الصافات 108 و 109 وقال تعالى في موسى وهارون وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهرون الصافات 119 و 120 وقال تعالى سلام على الياسين الصافات 130 فالذي تركه سبحانه على رسله في الآخرين هو السلام عليهم المذكور وقد قال جماعة من المفسرين منهم مجاهد وغيره وتركنا عليهم في الآخرين الثناء الحسن ولسان الصدق للانبياء كلهم وهذا قول قتادة أيضا ولا ينبغي أن يحكى هذا قولين للمفسرين كما يفعله من له بحكاية الأقوال بل هما قول واحد فمن قال إن المتروك هو السلام عليهم في الآخرين نفسه فلا ريب أن قوله
سلام على نوح جملة في موضع نصب ب تركنا والمعنى أن العالمين يسلمون على نوح ومن بعده من الأنبياء ومن فسره بلسان الصدق والثناء الحسن نظر إلى لازم السلام وموجبة وهو الثناء عليهم وما جعل لهم من لسان الصدق الذي لاجله إذا ذكروا سلم عليهم وقد زعمت طائفة منهم ابن عطية وغيره أن من قال تركنا عليه ثناء حسنا ولسان صدق كان سلام على نوح في العالمين جملة ابتدائية لا محل لها من الاعراب وهو سلام من الله سلم به عليه قالوا فهذا السلام من الله امنة لنوح في العالمين أن يذكره أحد بشر قاله الطبري وقد يقوي هذا القول انه سبحانه اخبر أن المتروك عليه هو في الآخرين وان السلام عليه في العالمين وبأن ابن عباس رضي الله عنهما قال ابقى الله عليه ثناء حسنا وهذا القول ضعيف لوجوه أحدها انه يلزم منه حذف المفعول ل تركنا ولا يبقى في الكلام فائدة على التقدير فإن المعنى يؤول إلى انا تركنا عليه في الآخرين امرا مالا ذكر له في اللفظ لان السلام عند هذا القائل منقطع مما قبله لا تعلق له بالفعل الثاني انه لو كان المفعول محذوفا كما ذكروه لذكره في موضع واحد ليدل على المراد منه حذفه ولم يطرد في جميع من اخبر انه ترك عليه في الآخرين الثناء الحسن وهذه طريقة القرآن بل وكان فصيح أن يذكر الشيء في موضع ثم يحذفه في موضع اخر لدلالة المذكور على المحذوف واكثر ما تجده مذكورا
وحذفه قليل واما أن يحذف حذفا مطردا ولم يذكره في موضع واحد ولا في اللفظ ما يدل عليه فهذا لا يقع في القرآن الثالث أن في قراءة ابن مسعود وتركنا عليه في الآخرين سلاما بالنصب وهذا وهذا يدل على أن المتروك هو السلام نفسه الرابع انه لو كان السلام منقطعا مما قبله لاخل ذلك بفصاحة الكلام وجزالته ولما حسن الوقوف على ما قبله وتأمل هذا بحال السامع إذا سمع قوله وتركنا عليه في الآخرين كيف يجد قلبه متشوقا متطلعا إلى تمام الكلام واجتناء الفائدة منه ولا يجد فائدة الكلام انتهت وتمت ليطمئن عندها بل يبقى طالبا لتمامها وهو المتروك فالوقف على الآخرين ليس بوقف تام فإن قيل فيجوز حذف المفعول من هذا الباب لان ترك هنا بمعنى اعطى لانه اعطاه ثناءا حسنا ابقاه عليه في الآخرين ويجوز في باب اعطى ذكر المفعولين وحذفهما والاقتصار على أحدهما وقد وقع ذلك في القرآن كقوله انا اعطيناك الكوثر فذكرهما وقال تعالى فأما من اعطى الليل 5 فحذفهما وقال تعالى ولسوف يعطيك ربك الضحى فحذف الثاني واقتصر على الأول وقال يؤتون الزكاة فحذف الأول واقتصر على الثاني قيل فعل الاعطاء فعل مدح فلفظه دليل على أن المفعول المعطى قد ناله عطاء المعطي والاعطاء احسان ونفع وبر فجاز ذكر المفعولين وحذفهما والاقتصار على أحدهما بحسب الغرض المطلوب من الفعل فإن كان المقصود ايجاد ماهية الاعطاء
المخرجة للعبد من البخل والشح والمنع المنافي للاحسان ذكر الفعل مجردا كما قال تعالى فأما من اعطى واتقى ولم يذكر ما أعطى ولا من اعطى وتقول فلان يعطي ويتصدق ويهب ويحسن وقال النبي اللهم لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت لما كان المقصود بهذا تفرد الرب سبحانه بالعطاء والمنع لم يكن لذكر المعطى ولا لحظ المعطى معنى بل المقصود أن حقيقة العطاء والمنع اليك لا إلى غيرك بل أنت المتفرد بها لا يشركك فيها أحد فذكر المفعولين هنا يخل بتمام المعنى وبلاغته وإذا كان المقصود ذكرهما ذكرا معا كقوله تعالى انا اعطيناك الكوثر الكوثر 1 فإن المقصود اخباره لرسوله بما خصه به واعطاه اياه من الكوثر ولا يتم هذا إلا بذكر المفعولين وكذا قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا الانسان 8 وإذا كان المقصود أحدهما فقط اقتصر عليه كقوله تعالى ويؤتون الزكاة المقصود به انهم يفعلون هذا الواجب عليهم ولا يهملونه فذكره لانه هو المقصود وقوله عن أهل النار لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين المدثر 43 44 لما كان المقصود الإخبار عن المستحق للاطعام انهم بخلوا عنه ومنعوه حقه من الاطعام وقست قلوبهم عنه كان ذكره هو المقصود دون المطعوم وتدبر هذه الطريقة في القرآن وذكره للاهم المقصود وحذفه
لغيره يطلعك على باب من ابواب اعجازه وكمال فصاحته واما فعل الترك فلا يشعر بشيء من هذا ولا يمدح به فلو قلت فلان يترك لم يكن مفيدا فائدة اصلا بخلاف قولك يطعم ويعطي ويهب ونحوه بل لا بد أن تذكر ما يترك ولهذا لا يقال فلان تارك ويقال معط ومطعم ومن اسمائه سبحانه المعطي فقياس ترك على اعطى من افسد القياس و سلام على نوح في العالمين الصافات 79 جملة محكية قال الزمخشري وتركنا عليه في الآخرين الصافات 78 من الامم هذه الكلمة وهي سلام على نوح يعني يسلمون عليه تسليما ويدعون له وهو من الكلام المحكي كقولك قرأت سورة انزلناها الخامس انه قال سلام على نوح في العالمين فأخبر سبحانه أن هذا السلام عليه في العالمين ومعلوم أن هذا السلام فيهم هو سلام العالمين عليه كلهم يسلم عليه ويثني عليه ويدعو له فذكره بالسلام عليه فيهم واما سلام الله سبحانه وتعالى عليه فليس مقيدا بهم ولهذا لا يشرع أن يسأل الله تعالى مثل ذلك فلا يقال السلام على رسول الله في العالمين ولا اللهم صل وسلم على رسولك في العالمين ولو كان هذا هو سلام الله لشرع أن يطلب من الله على الوجه الذي سلم به واما قولهم أن الله سلم عليه في العالمين وترك عليه في الآخرين فالله سبحانه وتعالى ابقى على انبيائه ورسله سلاما وثناء حسنا فيمن تأخر بعدهم جزاء على صبرهم وتبليغهم رسالات ربهم
واحتمالهم للاذى من اممهم في الله واخبر أن هذا المتروك على نوح هو عام في العالمين وان هذه التحية ثابتة فيهم جميعا لا يخلون منها فادامها عليه في الملائكة والثقلين طبقا بعد طبق وعالما بعد عالم مجازاة لنوح عليه السلام بصبره وقيامه بحق ربه وبأنه أول رسول ارسله الله إلى أهل الأرض وكل المرسلين بعده بعثوا بدينه كما قال تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا الشورى 13 وقولهم أن هذا قول ابن عباس فقد تقدم أن ابن عباس وغيره إنما ارادوا بذلك أن السلام عليه من الثناء الحسن ولسان الصدق فذكروا معنى السلام عليه وفائدته والله سبحانه اعلم واما الصلاة عليهم فقال اسماعيل بن اسحاق في كتابه حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا عمر بن هارون عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة أن النبي قال صلوا على انبياء الله ورسله فإن الله بعثهم كما بعثني تسليما رواه الطبراني عن الدبري عن عبد الرزاق عن الثوري عن موسى وقال الطبراني حدثنا ابن أبي مريم حدثنا الفريابي حدثنا سفيان عن موسى بن عبيدة عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله إذا صليتم علي فصلوا على انبياء الله فإن الله بعثهم كما بعثني // إسناده ضعيف //
وفي الباب عن انس وقيل عن انس عن أبي طلحة قال الحافظ أبو موسى المديني وبلغني بإسناد عن بعض السلف انه رأى آدم E في المنام كأنه يشكو قلة صلاة بنيه عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وموسى وان كان ضعيفا فحديثه يستأنس به وقد حكى غير واحد الإجماع على أن الصلاة على جميع النبيين مشروعة منهم الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله وغيره قد حكي عن مالك رضي الله عنه رواية انه لا يصلى على غير نبينا ولكن قال اصحابه هي مؤولة بمعنى انا لم نتعبد بالصلاة على غيره من الأنبياء كما تعبدنا الله بالصلاة عليه
فصل واما من سوى الأنبياء فآل النبي يصلي عليهم بغير خلاف بين الأمة واختلف موجبو الصلاة على النبي في وجوبها على آله على قولين مشهورين لهم وهي طريقتان للشافعية إحداهما أن الصلاة واجبة على النبي وفي وجوبها على الآل قولان للشافعي هذه طريقة امام الحرمين والغزالي والطريقة الثانية أن في وجوبها على الال وجهين وهي الطريقة المشهورة عندهم والذي صححوه إنها غير واجبة عليهم واختلف أصحاب احمد في وجوب الصلاة على آله وفي ذلك وجهان لهم وحيث اوجبوها فلو ابدل لفظ الال بالاهل فقال اللهم صل على محمد وعلى أهل محمد ففي الاجراء وجهان وحكى بعض أصحاب الشافعي الإجماع على أن الصلاة على الال مستحبة لا واجبة ولا يثبت في ذلك إجماع
فصل وهل يصلى على آله منفردين عنه فهذه المسألة على نوعين أحدهما أن يقال اللهم صل على آل محمد فهذا يجوز ويكون داخلا في آله فالإفراد عنه وقع في اللفظ لا في المعنى الثاني أن يفرد واحد منهم بالذكر فيقال اللهم صل على علي أو على حسن أو حسين أو فاطمة ونحو ذلك فاختلف في ذلك وفي الصلاة على غير آله من الصحابة ومن بعدهم فكره ذلك مالك وقال لم يكن ذلك من عمل من مضى وهو مذهب أبي حنيفة أيضا وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري وبه قال طاووس وقال ابن عباس لا ينبغي الصلاة إلا على النبي قال اسماعيل بن اسحاق حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال حدثنا عبد الرحمن بن زياد حدثني عثمان بن حنيف عن عكرمة عن ابن عباس انه قال لا تصلح الصلاة على أحد إلا على النبي ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالإستغفار
وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز قال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي عن جعفر بن برقان قال كتب عمر بن عبد العزيز إما بعد فإن ناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة وان القصاص قد احدثوا في الصلاة على خلفائهم وامرائهم عدل صلاتهم على النبي فإذا جاءك كتابي فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة ويدعو ما سوى ذلك وهذا مذهب أصحاب الشافعي ولهم ثلاثة اوجه أحدها انه منع تحريم والثاني وهو قول الاكثرين انه منع كراهية تنزيه والثالث انه من باب ترك الأولى وليس بمكروه حكاها النووي في الاذكار قال والصحيح الذي عليه الاكثرون انه مكروه كراهة تنزيه ثم اختلفوا في السلام هل هو في معنى الصلاة فيكره أن يقال السلام على فلان أو قال فلان عليه السلام فكرهه طائفة منهم أبو محمد الجويني ومنع أن يقال عن علي عليه السلام وفرق آخرون بينه وبين الصلاة فقالوا السلام يشرع في حق كل مؤمن حي وميت وحاضر وغائب فإنك تقول بلغ فلانا مني السلام وهو تحية أهل الإسلام بخلاف الصلاة فإنها من حقوق الرسول ولهذا يقول المصلي السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ولا يقول الصلاة علينا وعلى عباد الله الصالحين فعلم الفرق
واحتج هؤلاء بوجوه أحدها قول ابن عباس وقد تقدم الثاني أن الصلاة على غير النبي وآله قد صارت شعار أهل البدع وقد نهينا عن شعارهم ذكره النووي قلت ومعنى ذلك أن الرافضة إذا ذكروا ائمتهم يصلون عليهم بأسمائهم ولا يصلون على غيرهم ممن هو خير منهم واحب إلى الرسول فينبغي أن يخالفوا في هذا الشعار الثالث ما احتج به مالك رحمه الله أن هذا لم يكن من عمل من مضى من الأمة ولو كان خيرا لسبقونا اليه الرابع أن الصلاة قد صارت مخصوصة في لسان الأمة بالنبي تذكر مع ذكر اسمه كما صار تعالى وسبحانه وتعالى مخصوصا بالله تعالى يذكر مع ذكر اسمه ولا يسوغ أن يستعمل ذلك لغيره فلا يقال محمد تعالى ولا سبحانه وتعالى فلا يعطي المخلوق مرتبة الخالق فهكذا لا ينبغي أن يعطى غير النبي مرتبته فيقال قال فلان الخامس أن الله سبحانه قال لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا النور 63 فأمر سبحانه إلا يدعى باسمه كما يدعى غيره باسمه فكيف يسوغ أن تجعل الصلاة عليه كما تجعل على غيره في دعائه والاخبار عنه هذا مما لا يسوغ اصلا السادس أن النبي شرع لامته في التشهد أن يسلموا
على عباد الله الصالحين ثم يصلوا على النبي فعلم أن الصلاة عليه حقه الذي لا يشركه في أحد السابع أن الله سبحانه ذكر الأمر بالصلاة عليه في معرض حقوقه وخواصه التي خصه بها من تحريم نكاح أزواجه وجواز نكاحه لمن وهبت نفسها له ايجاب اللعنة لمن آذاه وغير ذلك من حقوقه واكدها بالأمر بالصلاة عليه والتسليم فدل على أن ذلك حق له خاصة وآله تبع له فيه الثامن أن الله سبحانه شرع للمسلمين أن يدعو بعضهم لبعض ويستغفر بعضهم لبعض ويترحم عليه في حياته وبعد موته وشرع لنا أن نصلي على النبي في حياته وبعد موته فالدعاء حق للمسلمين والصلاة حق لرسول الله فلا يقوم أحدهما مقام الآخر ولهذا في صلاة الجنازة إنما يدعى للميت ويترحم عليه ويستغفر له ولا يصلى عليه بدل ذلك فيقال اللهم صل عليه وسلم وفي الصلوات يصلى على النبي ولا يقال بدله اللهم اغفر له وارحمه ونحو ذلك بل يعطى كل ذي حق حقه التاسع أن المؤمن احوج الناس إلى أن يدعى له بالمغفرة والرحمة والنجاة من العذاب واما النبي فغير محتاج أن يدعى له بذلك فالصلاة عليه زيادة في تشريف الله له وتكريمه ورفع درجاته وهذا حاصل له وان غفل عن ذكره الغافلون فالامر بالصلاة عليه احسان من الله للامة ورحمة بهم لينيلهم كرامته بصلاتهم على رسوله بخلاف غيره من الأمة فإنه يحتاج إلى من يدعو له ويستغفر له ويترحم عليه ولهذا جاء الشرع بهذا في محله وهذا في محله
العاشر انه لو كانت الصلاة على غيره سائغة فإما أن يقال باختصاصها ببعض الأمة أو يقال تجوز على كل مسلم فإن قيل باختصاصها فلا وجه له وهو تخصيص من غير مخصص وان قيل بعدم الاختصاص وانها تسوغ لكل من يسوغ الدعاء له فحينئذ تسوغ الصلاة على المسلم وان كان من أهل الكبائر فكما يقال اللهم تب عليه اللهم اغفر له يقال اللهم صل عليه وهذا باطل وان قيل تجوز على الصالحين دون غيرهم فهذا مع انه لا دليل عليه ليس له ضابط فإن كون الرجل صالحا أو غير صالح وصف يقبل الزيادة والنقصان وكذلك كونه وليا لله وكونه متقيا وكونه مؤمنا كل ذلك يقبل الزيادة والنقصان فما ضابط من يصلى عليه من الأمة ومن لا يصلى عليه قالوا فعلم بهذه الوجوه العشرة اختصاص الصلاة بالنبي وآله وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا تجوز الصلاة على غير النبي وآله قال القاضي أبو الحسين بن الفراء في رؤوس مسائله وبذلك قال الحسن البصري وخصيف ومجاهد ومقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان وكثير من أهل التفسير قال وهو قول الإمام احمد نص عليه في رواية أبي داود وقد سئل اينبغي أن يصلي على أحد إلا على النبي قال اليس قال علي لعمر رضي الله عنهما صلى الله عليك قال وبه قال اسحاق بن راهويه وابو ثور ومحمد بن جرير الطبري وغيرهم وحكى أبو
بكر بن أبي داود عن ابيه ذلك قال أبو الحسين وعلى هذا العمل واحتج هؤلاء بوجوه أحدها قوله سبحانه وتعالى خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم التوبة 103 فأمر سبحانه أن يأخذ الصدقة من الأمة وان يصلي عليهم ومعلوم أن الأئمة بعده يأخذون الصدقة كما كان يأخذها فيشرع لهم أن يصلوا على المتصدق كما كان يصلى عليه النبي الثاني في الصحيحين من حديث شعبة عن عمرو عبن عبد الله بن أبي اوفى قال كان النبي إذا اتاه قوم بصدقتهم قال اللهم صل على آل فلان فأتاه أبي بصدقته فقال اللهم صل على آل أبي اوفى والاصل عدم الاختصاص وهذا ظاهر في انه هو المراد من الاية الثالث ما رواه حجاج عن أبي عوانة عن الاسود بن قيس عن نبيه العنزي عن جابر بن عبد الله أن امرأة قالت يا رسول الله صل علي وعلى زوجي فقال صلى الله عليك وعلى زوجك // إسناده قوي // رواه احمد وابو داود في السنن الرابع ما رواه ابن سعد في كتاب الطبقات من حديث ابن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن عليا دخل
على عمر وهو مسجى فلما انتهى اليه قال صلى الله عليك ما أحد القى إلى الله بصحيفته احب الي من هذا المسجى بينكم الخامس ما رواه اسماعيل بن اسحاق حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا نافع بن عبد الرحمن أبي نعيم القارئ عن نافع عن ابن عمر انه كان يكبر على الجنازة ويصلي على النبي ثم يقول اللهم بارك فيه وصل عليه واغفر له واورده حوض نبيك // إسناده صحيح // السادس أن الصلاة هي الدعاء وقد امرنا بالدعاء بعضنا لبعض احتج بهذه الحجة أبو الحسين السابع ما رواه مسلم في صحيحه من حديث حماد بن زيد عن بديل عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة قال إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها قال حماد فذكر من طيب ريحها وذكر المسك قال ويقول أهل السماء روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه وذكر الحديث هكذا قال مسلم عن أبي هريرة موقوفا وسياقه يدل على انه مرفوع فإنه قال بعده وان الكافر إذا خرجت روحه قال حماد وذكر من نتنها وذكر لعنا ويقول أهل السماء روح خبيثة جاءت من قبل الأرض قال فيقال انطلقوا به إلى آخر الاجل قال أبو هريرة فرد رسول الله ريطة كانت على انفه هكذا
وهذا يدل على أن رسول الله حدثهم بالحديث وقد رواه جماعة عن أبي هريرة مرفوعا منهم أبو سلمة وعمر بن الحكم واسماعيل السدي عن أبيه عن أبي هريرة وسعيد بن يسار وغيرهم وقد استوفيت الكلام على هذا الحديث وامثاله في - كتاب الروح - قالوا فإذا كانت الملائكة تقول للمؤمن صلى الله عليك جاز ذلك للمؤمنين بعضهم لبعض الثامن قوله أن الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير // حديث حسن صحيح // وقد قال تعالى هو الذي يصلي عليكم وملائكته الأحزاب 43 التاسع ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف وفي حديث آخر عنها إن رسول الله قال إن الله
وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف وقد تقدم في أول الكتاب صلاة الملائكة على من صلى على النبي العاشر ما احتج به القاضي أبو يعلى ورواه بإسناد من حديث مالك بن يخامر عن النبي مرسلا انه قال اللهم صل على أبي بكر فإنه يحب الله ورسوله اللهم صل على علي فإنه يحب الله ورسوله اللهم صل على عمرو بن العاص فإنه يحب الله ورسوله الحادي عشر ما رواه يحيى بن يحيى في موطئه عن مالك عن عبد الله بن دينار قال رأيت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقف على قبر النبي فيصلي على النبي وعلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما هذا لفظ يحيى بن يحيى الثاني عشر انه قد صح أن النبي نص على أزواجه في الصلاة وقد تقدم قالوا وهذا على اصولكم الزم فإنكم لم تدخلوهن في آله الذي تحرم عليهم الصدقة فإذا جازت الصلاة عليهن جازت على غيرهن من الصحابة رضي الله عنهم الثالث عشر انكم قد قلتم بجواز الصلاة على غير النبي وآله تبعا له فقلتم بجواز أن يقال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واصحابه وازواجه وذريته واتباعه قال أبو زكريا النووي واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعا لهم في الصلاة ثم ذكر هذه الكيفية وقال للأحاديث
الصحيحة في ذلك وقد أمرنا به في التشهد ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة أيضا قلت ومنه الاثر المعروف عن بعض السلف اللهم صل على ملائكتك المقربين وانبيائك والمرسلين واهل طاعتك اجمعين من أهل السماوات والارضين الرابع عشر ما رواه أبو يعلى الموصلي عن ابن زنجويه حدثنا أبو المغيرة حدثنا أبو بكر بن أبي مريم حدثنا ضمرة بن حبيب بن صهيب عن أبي الدرداء عن زيد بن ثابت أن رسول الله انه دعاه وامره أن يتعاهد به اهله كل يوم قال قل حين تصبح لبيك اللهم لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك ومنك واليك اللهم ما قلت من قول أو نذرت من نذر أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه ما شئت منه كان وما لم تشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بك أنت على كل شيء قدير اللهم وما صليت من صلاة فعلى من صليت وما لعنت من لعن فعلى من لعنت أنت وليي في الدنيا والاخرة توفني مسلما والحقني بالصالحين // إسناده ضعيف // ووجه الاستدلال انه لو لم تشرع الصلاة على غير النبي ما صح الاستثناء فيها فإن العبد لما كان يصلي على من ليس بأهل للصلاة ولا يدري استثنى من ذلك كما استثنى في حلفه ونذره
وقال الاولون الجواب عما ذكرتم من الأدلة إنها نوعان نوع منها صحيح وهو غير متناول لمحل النزاع فلا يحتج به ونوع غير معلوم الصحة فلا يحتج به أيضا وهذا إنما يظهر بالكلام على كل دليل دليل إما الدليل الأول وهو قوله تعالى وصل عليهم فهذا في غير محل النزاع لأن كلامنا في انه هل يسوغ لاحدنا أن يصلي على غير النبي وآله أم لا واما صلاة النبي على من صلى عليه فتلك مسألة أخرى فأين هذه من صلاتنا عليه التي امرنا بها قضاء لحقه هل يجوز أن يشرك معه غيره فيها أم لا يؤكده الوجه الثاني أن الصلاة عليه حق له يتعين على الأمة أداؤه والقيام به واما هو فيخص من اراد ببعض ذلك الحق وهذا كما تقول في شاتمه ومؤذيه أن قتله حق لرسول الله يجب على الأمة القيام به واستيفاؤه وان كان يعفو عنه حتى كان يبلغه ويقول رحم الله موسى لقد اوذي بأكثر من هذا فصبر وبهذا حصل الجواب عن الدليل الثاني أيضا وهو قوله اللهم صل على آل أبي اوفى وعن الدليل الثالث أيضا وهو صلاته على تلك المرأة وزوجها واما دليلكم الرابع وهو قول علي لعمر صلى الله عليك فجوابه من وجوه
أحدها انه قد اختلف على جعفر بن محمد في هذا الحديث فقال انس بن عياض عن جعفر بن محمد عن ابيه أن عليا لما غسل عمر وكفن وحمل على سريره وقف عليه فأثنى عليه وقال والله ما على الأرض رجل احب الي أن القى بصحيفته من هذا المسجى بالثوب وكذلك رواه محمد ويعلي ابنا عبيد عن حجاج الواسطي عن جعفر ولم يذكر هذه اللفظة ورواه ورقاء عن عمرو عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر عن علي ولم يذكر لفظة الصلاة بل قال رحمك الله وكذلك رواه عارم بن الفضل عن حماد بن زيد عن ايوب وعمرو بن دينار وأبي جهضم قالوا لما مات عمر فذكروا الحديث دون لفظ الصلاة وكذلك رواه قيس بن الربيع عن قيس بن مسلم عن ابن الحنفية الثاني أن الحديث الذي فيه الصلاة لم يسنده ابن سعد بل قال في الطبقات اخبرنا بعض اصحابنا عن سفيان بن عيينة انه سمع منه هذا الحديث عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جابر عن عبد الله فذكره وقال لما انتهى اليه فقال له صلى الله عليك وهذا المبهم لعله لم يحفظه فلا يحتج به الثالث انه معارض بقول ابن عباس لا ينبغي الصلاة على أحد إلا على النبي وقد تقدم قالوا واما دليلكم الخامس وهو قول ابن عمر في صلاة الجنازة اللهم صل عليه فجوابه من وجوه أحدها أن نافع بن أبي نعيم ضعيف عندهم في الحديث
وان كان في القراءة اماما قال الأمام احمد يؤخذ عنه القرآن وليس في الحديث بشيء والذي يدل على أن هذا ليس بمحفوظ عن ابن عمر أن مالكا في موطئه لم يروه عن ابن عمر وانما روى اثرا عن أبي هريرة فلو كان هذا عند نافع مولاه لكان مالك اعلم به من نافع بن أبي نعيم الثاني أن قول ابن عباس يعارض ما نقل عن ابن عمر واما دليلكم السادس أن الصلاة دعاء وهو مشروع لكل مسلم فجوابه من وجوه أحدها انه دعاء مخصوص مأمور به في حق الرسول وهذا لا يدل على جواز أن يدعى به لغيره لما ذكرنا من الفروق بين الدعاء وغيره مع الفرق العظيم بين الرسول وغيره فلا يصح الالحاق به لا في الدعاء ولا في المدعو له الثاني انه كما لا يصح أن يقاس عليه دعاء غيره لا يصح أن يقاس على الرسول غيره فيه الثالث أنه ما شرع في حق الرسول لكونه دعاء بل لاخص من مط بل لاخص من مط لق الدعاء وهو كونه صلاة متضمنة لتعظيمه وتمجيده والثناء عليه كما تقدم تقريره وهذا اخص من مطلق الدعاء واما دليلكم السابع وهو قول الملائكة لروح المؤمن صل الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه فليس بمتناول لمحل النزاع فإن النزاع إنما هو هل يسوغ لاحدنا أن يصلي على غير الرسول وآله واما الملائكة فليسوا بداخلين تحت احكام تكاليف البشر حتى يصح قياسهم عليه فيما يقولونه ويفعلونه فأين احكام
الملك من احكام البشر فالملائكة رسل الله في خلقه وامره يتصرفون بأمره لا بأمر البشر وبهذا خرج الجواب عن كل دليل فيه صلاة الملائكة واما قولكم أن الله يصلي على المؤمنين وعلى معلم الناس الخير جوابه انه في غير محل النزاع وكيف يصح قياس فعل العبد على فعل الرب وصلاة العبد دعاء وطلب وصلاة الله على عبده ليست دعاء وانما هي اكرام وتعظيم ومحبة وثناء واين هذا من صلاة العبد واما دليلكم العاشر وهو حديث مالك بن يخامر وفيه صلاة النبي على أبي بكر وعمر ومن معهما فجوابه من وجوه أحدها انه لا علم لنا بصحة هذا الحديث ولم تذكروا اسناده لننظر فيه الثاني انه مرسل الثالث انه في غير محل النزاع كما تقدم واما دليلكم الحادي عشر أن ابن عمر كان يقف على قبر النبي فيصلي عليه وعلى أبي بكر وعمر فجوابه من وجوه أحدها أن ابن عبد البر قال انكر العلماء على يحيى بن يحيى ومن تابعه في الرواية عن مالك عن عبد الله بن دينار رأيت ابن عمر يقف على قبر النبي فيصلي على النبي
وعلى أبي بكر وعمر وقالوا إنما الرواية لمالك وغيره عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر انه كان يقف على قبر النبي فيصلي على النبي ويدعو لابي بكر وعمر وكذلك رواه ابن القاسم والقعنبي وابن بكير وغيرهم عن مالك ففرقوا بما وصفت لك بين ويدعو لأبي بكر وعمر وبين فيصلي على النبي وان كانت الصلاة قد تكون دعاء لما خص به من لفظ الصلاة قلت وكذلك هو في موطأ ابن وهب لفظ الصلاة مختص بالنبي والدعاء لصاحبيه الثاني أن هذا من باب الاستغناء عن أحد الفعلين بالأول منهما وان كان غير واقع على الثاني كقول الشاعر علفتها تبنا وماءباردا ... حتى غدت همالة عيناها وقول الآخر ورأيت زوجك قد غدا ... متقلدا سيفا ورمحا وقول الآخر وزججن الحواجب والعيونا
فلما كان الفعل الأول موافقا للفعل الثاني في الجنس العام اكتفى به منه لان العلف موافق للسقي في التغذية وتقلد السيف موافق لحمل الرمح في معنى الحمل وتزجيج الحواجب موافق لكحل العيون في الزينة وهكذا الصلاة على النبي موافقة للدعاء لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في معنى الدعاء والطلب الثالث أن ابن عباس قد خالفه كما تقدم واما دليلكم الثاني عشر بالصلاة على أزواجه ففاسد لانه إنما صلى عليهن لاضافتهن اليه ودخولهن في آله واهل بيته فهذه خاصة له واهل بيته وزوجاته تبع له فيها واما قولكم انه الزم على اصولنا فإنا لا نقول بتحريم الصدقة عليهن فجوابه أن هذا وان سلم دل على انهن لسن من الال الذين تحرم عليهم الصدقة لعدم القرابة التي يثبت بها التحريم لكنهن من أهل بيته الذين يستحقون الصلاة عليهم ولا منافاة بين الأمرين واما دليلكم الثالث عشر وهو جواز الصلاة على غيره تبعا وحكايتكم الاتفاق على ذلك فجواه من وجهين أحدهما أن هذا الاتفاق غير معلوم الصحة والذين منعوا الصلاة على غير الأنبياء منعوها مفردة وتابعة وهذا التفصيل وان كان معروفا عن بعضهم فليس كلهم يقوله الثاني انه لا يلزم من جواز الصلاة على اتباعه تبعا للصلاة عليه جواز افراد المعين أو غيره بالصلاة عليه استقلالا
وقوله للأحاديث الصحيحة في ذلك فليس في الاحاديث الصحيحة الصلاة على غير النبي وآله وازواجه وذريته ليس فيها ذكر اصحابه ولا اتباعه في الصلاة وقوله أحرنا بها في التشهد فالمأمور به في التشهد الصلاة على آله وازواجه لا على غيرهما واما دليلكم الرابع عشر وهو حديث زيد بن ثابت الذي فيه اللهم ما صليت من صلاة فعلى من صليت ففيه أبو بكر بن أبي مريم ضعفه احمد وابن معين وابو حاتم والنسائي والسعدي وقال ابن حبان كان من خيار أهل الشام ولكنه كان رديء الحفظ يحدث بشيء فيهم وكثر ذلك حتى استحق الترك وفصل الخطاب في هذه المسألة أن الصلاة على غير النبي إما أن يكون آله وازواجه وذريته أو غيرهم فان كان الأول فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي وجائزة مفردة واما الثاني فإن كان الملائكة واهل الطاعة عموما الذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم جاز ذلك أيضا فيقال اللهم صل على ملائكتك المقربين واهل طاعتك اجمعين وان كان شخصا معينا أو طائفة معينة كره أن يتخذ الصلاة عليه شعارا لا يخل به ولو قيل بتحريمه لكان له وجه ولا سيما إذا جعلها شعارا له ومنع منها نظيره أو من هو خير منه وهذا كما تفعل الرافضة بعلي رضي الله عنه فإنهم حيث ذكروه قالوا E ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه فهذا ممنوع لا سيما
إذا اتخذ شعارا لا يخل به فتركه حينئذ متعين واما أن صلى عليه احيانا بحيث لا يجعل ذلك شعارا كما صلي على دافع الزكاة وكما قال ابن عمر للميت صلى الله عليه وكما صلى النبي على المرأة وزوجها وكما روي عن علي من صلاته على عمر فهذا لا بأس به وبهذا التفصل تتفق الأدلة وينكشف وجه الصواب والله الموفق