كتاب جماع العلم/باب حكاية قول من رد خبر الخاصة

ملاحظات: باب حكاية قول من رد خبر الخاصة



[أخبرنا الربيع] قال: قال محمد بن إدريس الشافعي فوافقنا طائفة في أن تثبيت الأخبار عن النبي -- لازم للأمة ورأوا ما حكيت مما احتججت به على من رد الخبر حجة يثبتونها ويضيقون على كل أحد أن يخالفها ثم كلمني جماعة منهم مجتمعين ومتفرقين بما لا أحفظ أن أحكي كلام المنفرد عنهم منهم وكلام الجماعة ولا ما أجبت به كلا ولا أنه قيل لي وقد جهدت على تقصي كل ما احتجوا به فأثبت أشياء قد قلتها ولمن قلتها منهم وذكرت بعض ما أراه منه يلزمهم وأسأل الله تعالى العصمة والتوفيق قال فكانت جملة قولهم أن قالوا لا يسع أحدا من الحكام ولا من المفتين أن يفتي ولا يحكم إلا من جهة الإحاطة، والإحاطة كل ما علم أنه حق في الظاهر والباطن يشهد به على الله، وذلك الكتاب والسنة المجتمع عليها وكل ما اجتمع الناس ولم يفترقوا فيه فالحكم كله واحد يلزمنا أن لا نقبل منهم إلا ما قلنا مثل أن الظهر أربع لأن ذلك الذي لا منازع فيه ولا دافع له من المسلمين ولا يسع أحدا يشك فيه قلت له لست أحسبه يخفى عليك ولا على أحد حضرك أنه لا يوجد في علم الخاصة ما يوجد في علم العامة قال وكيف؟ قلت علم العامة على ما وصفت لا تلقى أحدا من المسلمين إلا وجدت علمه عنده ولا يرد منها أحد شيئا على أحد فيه كما وصفت في جمل الفرائض وعدد الصلوات وما أشبهها، وعلم الخاصة علم السابقين والتابعين من بعدهم إلى من لقيت تختلف أقاويلهم وتتباين تباينا بينا فيما ليس فيه نص كتاب يتأولون فيه ولم يذهبوا إلى القياس فيحتمل القياس الاختلاف فإذا اختلفوا فأقل ما عند المخالف لمن أقام عليه خلافه أنه مخطئ عنده، وكذلك هو عند من خالفه وليست هكذا المنزلة الأولى وما قيل قياسا فأمكن في القياس أن يخطئ القياس لم يجز عندك أن يكون القياس إحاطة ولا يشهد به كله على الله كما زعمت فذكرت أشياء تلزمه عندي سوى هذا فقال بعض من حضره دع المسألة في هذا وعندنا أنه قد يدخل عليه كثير مما أدخلت عليه ولا يدخل عليه كله قال فأنا أحدث لك غير ما قال قلت فاذكره قال العلم من وجوه منها ما نقلته عامة عن عامة أشهد به على الله وعلى رسوله مثل جمل الفرائض قلت هذا العلم المقدم الذي لا ينازعك فيه أحد. ومنها كتاب يحتمل التأويل فيختلف فيه فإذا اختلف فيه فهو على ظاهره وعامه لا يصرف إلى باطن أبدا وإن احتمله إلا بإجماع من الناس عليه فإذا تفرقوا فهو على الظاهر قال ومنها ما اجتمع المسلمون عليه وحكوا عمن قبلهم الاجتماع عليه وإن لم يقولوا هذا بكتاب ولا سنة فقد يقوم عندي مقام السنة المجتمع عليها وذلك أن إجماعهم لا يكون عن رأي لأن الرأي إذا كان تفرق فيه قلت فصف لي ما بعده قال ومنها علم الخاصة ولا تقوم الحجة بعلم الخاصة حتى يكون نقله من الوجه الذي يؤمن فيه الغلط، ثم آخر هذا القياس، ولا يقاس منه الشيء بالشيء حتى يكون مبتدؤه ومصدره ومصرفه فيما بين أن يبتدئ إلى أن ينقضي سواء، فيكون في معنى الأصل. ولا يسع التفرق في شيء مما وصفت من سبيل العلم والأشياء على أصولها حتى تجتمع العامة على إزالتها عن أصولها والإجماع حجة على كل شيء لأنه لا يمكن فيه الخطأ قال فقلت أما ما ذكرت من العلم الأول من نقل العوام عن العوام فكما قلت أفرأيت الثاني الذي قلت لا تختلف فيه العوام بل تجتمع عليه وتحكي عمن قبلها الاجتماع عليه أتعرفه فتصفه أو تعرف العوام الذين ينقلون عن العوام أهم كمن قلت في جمل الفرائض فأولئك العلماء ومن لا ينسب إلى العلم ولا نجد أحدا بالغا في الإسلام غير مغلوب على عقله يشك أن فرض الله أن الظهر أربع أم هو وجه غير هذا؟ قال بل هو وجه غير هذا قلت فصفه قال هذا إجماع العلماء دون من لا علم له يجب اتباعهم فيه لأنهم منفردون بالعلم دونهم مجتمعون عليه فإذا اجتمعوا قامت بهم الحجة على من لا علم له وإذا افترقوا لم تقم بهم على أحد حجة وكان الحق فيما تفرقوا فيه أن يرد إلى القياس على ما اجتمعوا عليه فأي حال وجدتهم بها؟ دلتني على حال من قبلهم إن كانوا مجتمعين من جهة علمت أن من كان قبلهم من أهل العلم مجتمعون من كل قرن لأنهم لا يجتمعون من جهة. فإن كانوا متفرقين علمت أن من كان قبلهم كانوا متفرقين من كل قرن وسواء كان اجتماعهم من خبر يحكونه أو غير خبر للاستدلال أنهم لا يجتمعون إلا بخبر لازم وسواء إذا تفرقوا حكوا خبرا بما وافق بعضهم أو لم يحكوه لأني لا أقبل من أخبارهم إلا ما أجمعوا على قبوله فأما ما تفرقوا في قبوله فإن الغلط يمكن فيه فلم تقم حجة بأمر يمكن فيه الغلط قال فقلت له هذا تجويز إبطال الأخبار وإثبات الإجماع لأنك زعمت أن إجماعهم حجة كان فيه خبر أو لم يكن فيه وأن افتراقهم غير حجة كان فيه خبر أو لم يكن فيه وقلت له: ومن أهل العلم الذي إذا أجمعوا قامت بإجماعهم حجة؟ قال هم من نصبه أهل بلد من البلدان فقيها رضوا قوله وقبلوا حكمه قلت فمثل الفقهاء الذين إذا أجمعوا كانوا حجة أرأيت إن كانوا عشرة فغاب واحد أو حضر ولم يتكلم أتجعل التسعة إذا اجتمعوا أن يكون قولهم حجة؟ قال، فإن قلت لا؟ قلت أفرأيت إن مات أحدهم أو غلب على عقله أيكون للتسعة أن يقولوا؟ قال، فإن قلت نعم؟، وكذا لو مات خمسة أو تسعة للواحد أن يقول؟ قال، فإن قلت لا قلت فأي شيء قلت فيه كان متناقضا قال فدع هذا قلت فقد وجدت أهل الكلام منتشرين في أكثر البلدان فوجدت كل فرقة منهم تنصب منها من تنتهي إلى قوله وتضعه الموضع الذي وصفت أيدخلون في الفقهاء الذين لا يقبل من الفقهاء حتى يجتمعوا معهم أم خارجون منهم قال، فإن قلت إنهم داخلون فيهم؟ قلت، فإن شئت فقله قال فقد قلته قلت فما تقول في المسح على الخفين؟ قال، فإن قلت لا يمسح أحد لأني إذا اختلفوا في شيء رددته إلى الأصل والأصل الوضوء قلت، وكذلك تقول في كل شيء؟ قال نعم قلت فما تقول في الزاني الثيب أترجمه قال: نعم. قلت: كيف ترجمه ومما نص بعض الناس على أن لا رجم على زان لقول الله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} فكيف ترجمه ولم ترده إلى الأصل من أن دمه محرم حتى يجتمعوا على تحليله ومن قال هذا القول يحتج بأنه زان داخل في معنى الآية وأن يجلد مائة قال إن أعطيتك هذا دخل علي فيه شيء يجاوز القدر كثرة قلت: أجل، فقال: فلا أعطيك هذا وأجيبك فيه غير الجواب الأول قلت فقل قال لا أنظر إلى قليل من المفتين وأنظر إلى الأكثر قلت أفتصف القليل الذين لا تنظر إليهم أهم إن كانوا أقل من نصف الناس أو ثلثهم أو ربعهم قال ما أستطيع أن أحدهم ولكن الأكثر قلت أفعشرة أكثر من تسعة قال هؤلاء متقاربون قلت فحدهم بما شئت قال ما أقدر أن أحدهم قلت فكأنك أردت أن تجعل هذا القول مطلقا غير محدود فإذا أخذت بقول اختلف فيه قلت عليه الأكثر وإذا أردت رد قول قلت: هؤلاء الأقل أفترضى من غيرك بمثل هذا الجواب رأيت حين صرت إلى أن دخلت فيما عبت من التفرق أرأيت لو كان الفقهاء كلهم عشرة فزعمت أنك لا تقبل إلا من الأكثر فقال ستة فاتفقوا وخالفهم أربعة أليس قد شهدت للستة بالصواب وعلى الأربعة بالخطأ؟ قال، فإن قلت بلى؟ قلت فقال الأربعة في قول غيره فاتفق اثنان من الستة معهم وخالفهم أربعة قال فآخذ بقول الستة قلت فتدع قول المصيبين بالاثنين وتأخذ بقول المخطئين بالاثنين وقد أمكن عليهم مرة وأنت تنكر قول ما أمكن فيه الخطأ فهذا قول متناقض وقلت له أرأيت قولك لا تقوم الحجة إلا بما أجمع عليه الفقهاء في جميع البلدان أتجد السبيل إلى إجماعهم كلهم ولا تقوم الحجة على أحد حتى تلقاهم كلهم أو تنقل عامة عن عامة عن كل واحد منهم؟ قال ما يوجد هذا قلت، فإن قبلت عنهم بنقل الخاصة فقد قبلت فيما عبت وإن لم تقبل عن كل واحد إلا بنقل العامة لم نجد في أصل قولك ما اجتمع عليه البلدان إذا لم تقبل نقل الخاصة لأنه لا سبيل إليه ابتداء لأنهم لا يجتمعون لك في موضع ولا تجد الخبر عنهم بنقل عامة عن عامة قلت فأسمعك قلدت أهل الحديث وهم عندك يخطئون فيما يدينون به من قبول الحديث فكيف تأمنهم على الخطأ فيما قلدوه الفقه ونسبوه إليه فأسمعك قلدت من لا ترضاه وأفقه الناس عندنا وعند أكثرهم أتبعهم للحديث وذلك أجهلهم لأن الجهل عندك قبول خبر الانفراد، وكذلك أكثر ما يحتاجون فيه إلى الفقهاء ويفضلونهم به مع أن الذي ينصف غير موجود في الدنيا قال فكيف لا يوجد؟ قال هو أو بعض من حضر معه فإني أقول إنما أنظر في هذا إلى من يشهد له أهل الحديث بالفقه قلت ليس من بلد إلا وفيه من أهله الذين هم بمثل صفته يدفعونه عن الفقه وتنسبه إلى الجهل أو إلى أنه لا يحل له أن يفتي ولا يحل لأحد أن يقبل قوله وعلمت تفرق أهل كل بلد بينهم، ثم علمت تفرق كل بلد في غيرهم فعلمنا أن من أهل مكة من كان لا يكاد يخالف قول عطاء ومنهم من كان يختار عليه، ثم أفتى بها الزنجي بن خالد فكان منهم من يقدمه في الفقه ومنهم من يميل إلى قول سعيد بن سالم وأصحاب كل واحد من هذين يضعفون الآخر ويتجاوزون القصد وعلمت أن أهل المدينة كانوا يقدمون سعيد بن المسيب، ثم يتركون بعض قوله، ثم حدث في زماننا منهم مالك كان كثير منهم من يقدمه وغيره يسرف عليه في تضعيف مذاهبهم وقد رأيت ابن أبي الزناد يجاوز القصد في ذم مذاهبه ورأيت المغيرة وابن أبي حازم والدراوردي يذهبون من مذاهبه ورأيت من يذمهم ورأيت بالكوفة قوما يميلون إلى قول ابن أبي ليلى يذمون مذاهب أبي يوسف وآخرين يميلون إلى قول أبي يوسف يذمون مذاهب ابن أبي ليلى وما خالف أبا يوسف وآخرين يميلون إلى قول الثوري وآخرين إلى قول الحسن بن صالح وبلغني غير ما وصفت من البلدان شبيه بما رأيت مما وصفت من تفرق أهل البلدان ورأيت المكيين يذهبون إلى تقديم عطاء في العلم على التابعين وفي بعض العراقيين من يذهبون إلى تقديم إبراهيم النخعي، ثم لعل كل صنف من هؤلاء قدم صاحبه أن يسرف في المباينة بينه وبين من قدموا عليه من أهل البلدان. وهكذا رأيناهم فيمن نصبوا من العلماء الذين أدركنا فإذا كان أهل الأمصار يختلفون هذا الاختلاف فسمعت بعض من يفتي منهم يحلف بالله ما كان لفلان أن يفتي لنقص عقله وجهالته وما كان يحل لفلان أن يسكت يعني آخر من أهل العلم ورأيت من أهل البلدان من يقول ما كان يحل له أن يفتي بجهالته يعني الذي زعم غيره أنه لا يحل له أن يسكت لفضل علمه وعقله ثم وجدت أهل كل بلد كما وصفت فيما بينهم من أهل زمانهم فأين اجتمع لك هؤلاء على تفقه واحد أو تفقه عام؟ وكما وصفت رأيهم أو رأي أكثرهم وبلغني عمن غاب عني منهم شبيه بهذا، فإن أجمعوا لك على نفر منهم فتجعل أولئك النفر علماء إذا اجتمعوا على شيء قبلته قال وإنهم إن تفرقوا كما زعمت باختلاف مذاهبهم أو تأويل أو غفلة أو نفاسة من بعضهم على بعض فإنما أقبل منهم ما اجتمعوا عليه معا فقيل له، فإن لم يجمعوا لك على واحد منهم أنه في غاية فكيف جعلته عالما؟ قال لا ولكن يجتمعون على أنه يعلم من العلم قلت نعم ويجتمعون لك على أن من لم تدخله في جملة العلماء من أهل الكلام يعلمون من العلم فلم قدمت هؤلاء وتركتهم في أكثر هؤلاء أهل الكلام وما اسمك وطريقك إلا بطريق التفرق. إلا أنك تجمع إلى ذلك أن تدعي الإجماع وإن في دعواك الإجماع لخصالا يجب عليك في أصل مذاهبك أن تنتقل عن دعوى الإجماع في علم الخاصة قال فهل من إجماع؟ قلت نعم نحمد الله كثيرا في جملة الفرائض التي لا يسع جهلها، فذلك الإجماع هو الذي لو قلت: أجمع الناس؛ لم تجد حولك أحدا يعرف شيئا يقول لك ليس هذا بإجماع فهذه الطريق التي يصدق بها من ادعى الإجماع فيها وفي أشياء من أصول العلم دون فروعه ودون الأصول غيرها فأما ما ادعيت من الإجماع حيث قد أدركت التفرق في دهرك وتحكي عن أهل كل قرن فانظره أيجوز أن يكون هذا إجماعا؟ قال فقال قد ادعى بعض أصحابك الإجماع فيما ادعى من ذلك فما سمعت منهم أحدا ذكر قوله إلا عائبا لذلك وإن ذلك عندي لمعيب قلت من أين عبته وعابوه؟ وإنما ادعاء إجماع فرقة أحرى أن يدرك من ادعائك الإجماع على الأمة في الدنيا قال إنما عبناه أنا نجد في المدينة اختلافا في كل قرن فيما يدعي فيه الإجماع ولا يجوز الإجماع إلا على ما وصفت من أن لا يكون مخالف فلعل الإجماع عنده الأكثر وإن خالفهم الأقل فليس ينبغي أن يقول إجماعا ويقول الأكثر إذا كان لا يروي عنهم شيئا ومن لم يرو عنه شيء في شيء لم يجز أن ينسب إلى أن يكون مجمعا على قوله كما لا يجوز أن يكون منسوبا إلى خلافه فقلت له إن كان ما قلت من هذا كما قلت فالذي يلزمك فيه أكثر. لأن الإجماع في علم الخاصة إذا لم يوجد في فرقة كان أن يوجد في الدنيا أبعد قال وقلت قولك وقول من قال الإجماع خلاف الإجماع قال فأوجدني ما قلت. قلت إن كان الإجماع قبلك إجماع الصحابة أو التابعين أو القرن الذين يلونهم وأهل زمانك فأنت تثبت عليهم أمرا تسميه إجماعا قال ما هو؟ اجعل له مثالا لأعرفه قلت كأنك ذهبت إلى أن جعلت ابن المسيب عالم أهل المدينة وعطاء عالم أهل مكة والحسن عالم أهل البصرة والشعبي عالم أهل الكوفة من التابعين فجعلت الإجماع ما أجمع عليه هؤلاء قال نعم قلت زعمت أنهم لم يجتمعوا قط في مجلس علمته وإنما استدللت على إجماعهم بنقل الخبر عنهم وأنك لما وجدتهم يقولون في الأشياء ولا تجد فيها كتابا ولا سنة استدللت على أنهم قالوا بها من جهة القياس فقلت القياس العلم الثابت الذي أجمع عليه أهل العلم أنه حق قال هكذا قلت وقلت له قد يمكن أن يكونوا قالوا ما لم تجده أنت في كتاب ولا سنة وإن لم يذكروه وما يرون لم يذكروه وقالوا بالرأي دون القياس قال إن هذا وإن أمكن عليهم فلا أظن بهم أنهم علموا شيئا فتركوا ذكره ولا أنهم قالوا إلا من جهة القياس فقلت له لأنك وجدت أقاويلهم تدل على أنهم ذهبوا إلى أن القياس لازم لهم أو إنما هذا شيء ظننته لأنه الذي يجب عليهم وقلت له فلعل القياس لا يحل عندهم محله عندك قال ما أرى إلا ما وصفت لك فقلت له هذا الذي رويته عنهم من أنهم قالوا من جهة القياس توهم، ثم جعلت التوهم حجة قال فمن أين أخذت القياس أنت ومنعت أن لا يقال إلا به؟ قلت من غير الطريق التي أخذته منها وقد كتبته في غير هذا الموضع.

وقلت أرأيت الذين نقلوا لك عنهم أنهم قالوا فيما تجد أنت فيه خيرا فتوهمت أنهم قالوه قياسا وقلت إذا وجدت أفعالهم مجتمعة على شيء فهو دليل على إجماعهم أنقلوا إليك عنهم أنهم قالوا من جهة الخبر المنفرد فروى أبو المسيب عن أبي هريرة عن النبي -- شيئا وأخذ به وله فيه مخالفون من الأمة وعن أبي سعيد الخدري في الصرف شيئا فأخذ به وله فيه مخالفون من الأمة وروى عطاء عن جابر بن عبد الله عن النبي -- في المخابرة شيئا وأخذ به وله فيه مخالفون وروى الشعبي عن علقمة عن عبد الله عن النبي -- أشياء أخذ بها وله فيها مخالفون من الناس اليوم وقبل اليوم وروى الحسن عن رجل عن النبي -- أشياء أخذ بها وله فيها مخالفون من الناس اليوم وقبل اليوم ورووا لك عنهم أنهم عاشوا يقولون بأقاويل يخالف كل واحد منهم فيها قضاء صاحبه وكانوا على ذلك حتى ماتوا قال نعم قد رووا هذا عنهم فقلت له فهؤلاء جعلتهم أئمة في الدين وزعمت أن ما وجد من فعلهم مجمعا عليه لزم العامة الأخذ به ورويت عنهم سننا شتى وذلك قبول كل واحد منهم الخبر على الانفراد وتوسعهم في الاختلاف، ثم عبت ما أجمعوا عليه لا شك فيه وخالفتهم فيه فقلت لا ينبغي قبول الخبر على الانفراد ولا ينبغي الاختلاف وتوهمت عليهم أنهم قاسوا فزعمت أنه لا يحل لأحد أن يدع القياس ولا يقول إلا بما يعرف أن قولك الإجماع خلاف الإجماع بهذا وبأنك زعمت أنهم لا يسكتون على شيء علموه وقد ماتوا لم يقل أحد منهم قط الإجماع علمناه والإجماع أكثر العلم لو كان حيث ادعيته أو ما كفاك عيب الإجماع أنه لم يرو عن أحد بعد رسول الله -- دعوى الإجماع إلا فيما لا يختلف فيه أحد إلا عن أهل زمانك هذا فقال فقد ادعاه بعضهم قلت أفحمدت ما ادعى منه قال لا قلت فكيف صرت إلى أن تدخل فيما ذممت في أكثر مما عبت ألا تستدل من طريقك أن الإجماع هو ترك ادعاء الإجماع ولا تحسن النظر لنفسك إذا قلت هذا إجماع فيوجد سواك من أهل العلم من يقول لك معاذ الله أن يكون هذا إجماعا بل فيما ادعيت أنه إجماع اختلاف من كل وجه في بلد أو أكثر من يحكي لنا عنه من أهل البلدان قال وقلت لبعض من حضر هذا الكلام منهم نصير بك إلى المسألة عما لزم لنا ولك من هذا قال وما هو؟ قلت: أفرأيت سنة رسول الله -- بأي شيء تثبت. قال أقول القول الأول الذي قاله لك صاحبنا. فقلت: ما هو؟ قال زعم أنها تثبت من أحد ثلاثة وجوه. قلت فاذكر الأول منها قال خبر العامة عن العامة قلت أكقولكم الأول مثل أن الظهر أربع؟ قال نعم. فقلت هذا مما لا يخالفك فيه أحد علمته فما الوجه الثاني؟ قال تواتر الأخبار؟ فقلت له حدد لي تواتر الأخبار بأقل مما يثبت الخبر واجعل له مثالا لعلم ما يقول وتقول قال نعم إذا وجدت هؤلاء النفر للأربعة الذين جعلتهم مثالا يروون واحدا فتتفق روايتهم أن رسول الله -- حرم شيئا أو أحل شيئا استدللت على أنهم بتباين بلدانهم وأن كلا منهم قبل العلم عن غير الذي قبله عنه صاحبه وقبله عنه من أداه إلينا ممن لم يقبل عن صاحبه أن روايتهم إذا كانت هذا تتفق عن رسول الله -- فالغلط لا يمكن فيها قال فقلت له لا يكون تواتر الأخبار عندك عن أربعة في بلد ولا إن قبل عنهم أهل بلد حتى يكون المدني يروي عن المدني والمكي يروي عن المكي والبصري عن البصري والكوفي عن الكوفي حتى ينتهي كل واحد منهم بحديثه إلى رجل من أصحاب النبي -- غير الذي روى عنه صاحبه ويجمعوا جميعا على الرواية عن النبي -- للعلة التي وصفت قال نعم لأنهم إذا كانوا في بلد واحد أمكن فيهم التواطؤ على الخبر ولا يمكن فيهم إذا كانوا في بلدان مختلفة فقلت له لبئسما نبثت به على من جعلته إماما في دينك إذا ابتدأت وتعقبت قال فاذكر ما يدخل علي فيه فقلت له أرأيت لو لقيت رجلا من أهل بدر وهم المقدمون ومن أثنى الله تعالى عليهم في كتابه فأخبرك خبرا عن رسول الله -- لم تلفه حجة ولا يكون عليك خبره حجة لما وصفت أليس من بعدهم أولى أن لا يكون خبر الواحد منهم مقبولا لنقصهم عنهم في كل فضل وأنه يمكن فيهم ما أمكن فيمن هو خير منهم وأكثر منه؟ قال بلى فقلت أفتحكم فيما تثبت من صحة الرواية فاجعل أبا سلمة بالمدينة يروي لك أنه سمع جابر بن عبد الله يروي عن النبي -- في فضل أبي سلمة وفضل جابر واجعل الزهري يروي لك أنه سمع ابن المسيب يقول سمعت عمر أو أبا سعيد الخدري يقول سمعت النبي -- واجعل أبا إسحاق الشيباني يقول سمعت الشعبي أو سمعت إبراهيم التيمي يقول أحدهما سمعت البراء بن عازب أو سمعت رجلا من أصحاب النبي -- يسميه واجعل أيوب يروي عن الحسن البصري يقول سمعت أبا هريرة أو رجلا غيره من أصحاب النبي -- يقول سمعت النبي -- بتحليل الشيء أو تحريم له أتقوم بهذا حجة؟ قال نعم فقلت له أيمكن في الزهري عندك أن يغلط على ابن المسيب وابن المسيب على من فوقه وفي أيوب أن يغلط على الحسن والحسن على من فوقه؟ فقال، فإن قلت نعم قلت يلزمك أن تثبت خبر الواحد على ما يمكن فيه الغلط ممن لقيت وممن هو دون من فوقه ومن فوقه دون أصحاب النبي -- وترد خبر الواحد من أصحاب النبي -- وأصحاب النبي -- خير ممن بعدهم فترد الخبر بأن يمكن فيه الغلط عن أصحاب رسول الله -- وهم خير الناس وتقبله عمن لا يعدلهم في الفضل لأن كل واحد من هؤلاء ثبت عمن فوقه ومن فوقه ثبت عمن فوقه حتى ينتهي الخبر إلى رسول الله -- فهذه الطريق التي عبت قال هذا هكذا إن قلته ولكن أرأيت إن لم أعطك هذا هكذا؟ قلت لا يدفع هذا إلا بالرجوع عنه أو ترك الجواب بالروغان والانقطاع والروغان أقبح قال، فإن قلت لا أقبل من واحد نثبت عليه خبرا إلا من أربعة وجوه متفرق كما لم أقبل عن النبي -- إلا عن أربعة وجوه متفرقة قال فقلت له فهذا يلزمك أفتقول به؟ قال: إذا نقول به. لا يوجد هذا أبدا قال فقلت أجل وتعلم أنت أنه لا يوجد أربعة عن الزهري ولا ثلاثة الزهري رابعهم عن الرجل من أصحاب رسول الله -- قال أجل ولكن دع هذا قال وقلت له من قال أقبل من أربعة دون ثلاثة؟ أرأيت إن قال لك رجل لا أقبل إلا من خمسة أو قال آخر من سبعين ما حجتك عليه ومن وقت لك الأربعة؟ قال إنما مثلتهم قلت أفتجد من يقبل منه؟ قال لا قلت أوتعرفه فلا تظهره لما يدخل عليك فتبين انكساره وقلت له أو لبعض من حضر معه فما الوجه الثالث الذي يثبت به عن النبي --؟ قال إذا روى عن رسول الله -- الواحد من أصحابه الحكم حكم به فلم يخالفه غيره استدللنا على أمرين أحدهما أنه إنما حدث به في جماعتهم والثاني أن تركهم الرد عليه بخبر يخالفه إنما كان عن معرفة منهم بأن ما كان كما يخبرهم فكان خبرا عن عامتهم قلت له فلما رأيتكم تنتقلون إلى شيء إلا احتججتم بأضعف مما تركتم فقال أبن لنا ما قلت. قلت له أيمكن لرجل من أصحاب النبي -- يحدث بالمدينة رجلا أو نفرا قليلا ما تثبته عن رسول الله -- ويمكن أن يكون أتى بلدا من البلدان فحدث به واحدا أو نفرا أو حدث به في سفر أو عند موته واحدا أو أكثر قال، فإن قلت لا يمكن أن يحدث واحدهم بالحديث إلا وهو مشهور عندهم قلت فقد تجد العدد من التابعين يروون الحديث فلا يسمون إلا واحدا ولو كان مشهورا عندهم بأنهم سمعوا من غيره سمعوا من سمعوه منه وقد نجدهم يختلفون في الشيء قد روي فيه الحديث عن النبي -- فيقول بعضهم قولا يوافق الحديث وغيره قولا يخالفه قال فمن أين ترى ذلك؟ قلت لو سمع الذي قال بخلاف الحديث الحديث عن النبي -- ما قال إن شاء الله تعالى بخلافه وقلت له قد روى اليمين مع الشاهد عن النبي -- ابن عباس وغيره ولم يحفظ عن أحد من أصحاب رسول الله -- علمته خلافها فيلزمك أن تقول بها على أصل مذهبك وتجعلها إجماعا فقال بعضهم ليس ما قال من هذا مذهبنا قلت ما زلت أرى ذلك فيه وفي غيره مما كلمتمونا به والله المستعان قال فاليمين مع الشاهد إجماع بالمدينة فقلت لا هي مختلف فيها غير أنا نعمل بما اختلف فيه إذا ثبت عن رسول الله -- من الطريق الذي يثبت منها قال وقلت له من الذين إذا اتفقت أقاويلهم في الخبر صح وإذا اختلفوا طرحت لاختلافهم الحديث؟ قال أصحاب رسول الله -- خبر الخاصة قال لا قلت فهل يستدرك عنهم العلم بإجماع أو اختلاف بخبر عامة؟ قال ما لم أستدركه بخبر العامة نظرت إلى إجماع أهل العلم اليوم فإذا وجدتهم ما أجمعوا عليه استدللت على أن اختلافهم عن اختلاف من مضى قبلهم قلت له أفرأيت استدلالا بأن إجماعهم خبر جماعتهم؟ قال فنقول ماذا؟ قلت أقول لا يكون لأحد أن يقول حتى يعلم إجماعهم في البلدان ولا يقبل على أقاويل من نأت داره منهم ولا قربت إلا بخبر الجماعة عن الجماعة قال، فإن قلته؟ قلت فقله إن شئت قال قد يضيق هذا جدا فقلت له وهو مع ضيقه غير موجود ويدخل عليك خلافه في القياس إذا زعمت للواحد أن يقيس فقد أجزت القياس والقياس قد يمكن فيه الخطأ وامتنعت من قبول السنة إذا كان يمكن فيمن رواها الخطأ فأجزت الأضعف ورددت الأقوى وقلت لبعض أرأيت قولك إجماعهم يدل لو قالوا لك مما قلنا به مجتمعين ومتفرقين ما قبلنا الخبر فيه والذي ثبت مثله عندنا عمن قبلنا ونحن مجمعون على أن جائزا لنا فيما ليس فيه نص ولا سنة أن نقول فيه بالقياس وإن اختلفنا أفتبطل أخبار الذين زعمت أن أخبارهم وما اجتمعت عليه أفعالهم حجة في شيء وتقبله في غيره؟ أرأيت لو قال لك قائل أنا أتبعهم في تثبيت أخبار الصادقين وإن كانت منفردة وأقبل عنهم القول بالقياس فيما لا خبر فيه فأوسع أن يختلفوا فأكون قد تبعتهم في كل حال أكان أقوى حجة وأولى باتباعهم وأحسن ثناء عليهم أم أنت؟ قال بهذا نقول قلت نعم وقلت أرأيت قولك إجماع أصحاب رسول الله -- ما معناه أتعني أن يقولوا أو أكثرهم قولا واحدا أو يفعلوا فعلا واحدا قال لا أعني هذا وهذا غير موجود ولكن إذا حدث واحد منهم الحديث عن النبي -- ولم يعارضه منهم معارض بخلافه فذلك دلالة على رضاهم به وأنهم علموا أن ما قال منه كما قال قلت أوليس قد يحدث ولا يسمعونه ويحدث ولا علم لمن سمع حديثه منهم أن ما قال كما قال وأنه خلاف ما قال وإنما على المحدث أن يسمع فإذا لم يعلم خلافه فليس له رده قال قد يمكن هذا على ما قلت ولكن الأئمة من أصحاب رسول الله -- فلا يمكن أبدا أن يحدث محدثهم بأمر فيدعوا معارضته إلا عن علم بأنه كما قال، وقال فأقول فإذا حكم حاكمهم فلم يناكروه فهو علم منهم بأن ما قال الحق وكان عليهم أن يقيموا على ما حكم فيه قلت أفيمكن أن يكونوا صدقوه بصدقه في الظاهر كما قبلوا شهادة الشاهدين بصدقهما في الظاهر؟ قال، فإن قلت لا؟ فقلت إذا قلت لا فيما عليهم الدلالة فيه بأنهم قبلوا خبر الواحد وانتهوا إليه علمت أنك جاهل بما قلنا وإذا قلت فيما يمكن مثله لا يمكن كنت جاهلا بما يجب عليك قال فتقول ماذا؟ قلت أقول إن صمتهم عن المعارضة قد يكون علما بما قال وقد يكون عن غير علم به ويكون قبولا له ويكون عن وقوف عنه ويكون أكثرهم لم يسمعه لا كما قلت واستدلالا عنهم فيما سمعوا قوله ممن كان عندهم صادقا ثبتا قال فدع هذا قلت لبعضهم هل علمت أن أبا بكر في إمارته قسم مالا فسوى فيه بين الحر والعبد وجعل الجد أبا؟ قال نعم قلت فقبلوا منه القسم ولم يعارضوه في الجد في حياته؟ قال نعم ولو قلت عارضوه في حياته قلت فقد أراد أن يحكم وله مخالف قال نعم ولا أقوله قال فجاء عمر ففضل الناس في القسم على النسب والسابقة وطرح العبيد من القسم وشرك بين الجد والإخوة؟ قال نعم قلت وولي علي فسوى بين الناس في القسم قال نعم قلت فهذا على أخبار العامة عن ثلاثتهم عندك قال نعم قلت فقل فيها ما أحببت قال فتقول فيها أنت ماذا؟ قلت أقول إن ما ليس فيه نص كتاب ولا سنة إذا طلب بالاجتهاد فيه المجتهدون وسع كلا إن شاء الله تعالى أن يفعل ويقول بما رآه حقا لا على ما قلت فقل أنت ما شئت قال لئن قلت العمل الأول يلزمهم كان ينبغي للعمل الثاني والثالث أن يكون مثله لا يخالفه ولئن قلت بل لم يكونوا وافقوا أبا بكر على فعله في حياته ليدخل على أن له يمضي له اجتهاده وإن خالفهم قلت أجل قال، فإن قلت لا أعرف هذا عنهم ولا أقبله حتى أجد العامة تنقله عن العامة فتقول عنهم حدثنا جماعة ممن مضى قبلهم بكذا فقلت له ما نعلم أحدا شك في هذا ولا روى عن أحد خلافه فلئن لم تجز أن يكون مثل هذا ثابتا فما حجتك على أحد إن عارضك في جميع ما زعمت أنه إجماع بأن يقول مثل ما قلت فقال جماعة ممن حضر منهم فإن الله عز وجل ذم على الاختلاف فذممناه فقلت له في الاختلاف حكمان أم حكم؟ قال حكم قلت فأسألك قال فسل قلت أتوسع من الاختلاف شيئا؟ قال لا قلت أفتعلم من أدركت من أعلام المسلمين الذين أفتوا عاشوا أو ماتوا وقد يختلفون في بعض أمور يحكون عمن قبلهم؟ قال نعم: قلت فقل فيهم ما شئت قال، فإن قلت قالوا بما لا يسعهم قلت فقد خالفت اجتماعهم قال أجل قال فدع هذا قلت أفيسعهم القياس قال نعم قلت، فإن قاسوا فاختلفوا يسعهم أن يمضوا على القياس؟ قال، فإن قلت لا؟ قلت فيقولون إلى أي شيء نصير؟ قال إلى القياس قلت قالوا قد فعلنا فرأيت القياس بما قلت ورأى هذا القياس بما قال؟ قال فلا يقولون حتى يجتمعوا قلت من أقطار الأرض؟ قال: فإن قلت نعم؟ قلت فلا يمكن أن يجتمعوا ولو أمكن اختلفوا قال فلو اجتمعوا لم يختلفوا. قلت قد اجتمع اثنان فاختلفا فكيف إذا اجتمع الأكثر؟ قال ينبه بعضهم بعضا قلت ففعلوا فزعم كل واحد من المختلفين أن الذي قاله القياس قال، فإن قلت يسع الاختلاف في هذا الموضع قلت قد زعمت أن في اختلاف كل واحد من المختلفين حكمين وتركت قولك ليس الاختلاف إلا حكما واحدا قال ما تقول أنت؟ قلت الاختلاف وجهان فما كان لله فيه نص حكم أو لرسوله سنة أو للمسلمين فيه إجماع لم يسع أحدا علم من هذا واحدا أن يخالفه وما لم يكن فيه من هذا واحد كان لأهل العلم الاجتهاد فيه بطلب الشبهة بأحد هذه الوجوه الثلاثة فإذا اجتهد من له أن يجتهد وسعه أن يقول بما وجد الدلالة عليه بأن يكون في معنى كتاب أو سنة أو إجماع،.

فإن ورد أمر مشتبه يحتمل حكمين مختلفين فاجتهد فخالف اجتهاده اجتهاد غيره وسعه أن يقول بشيء وغيره بخلافه وهذا قليل إذا نظر فيه قال فما حجتك فيما قلت؟ قلت له الاستدلال بالكتاب والسنة والإجماع قال فاذكر الفرق بين حكم الاختلاف قلت له قال الله عز وجل: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات}. وقال: {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة} فإنما رأيت الله ذم الاختلاف في الموضع الذي أقام عليهم الحجة ولم يأذن لهم فيه قال قد عرفت هذا فما الوجه الذي دلك على أن ما ليس فيه نص حكم وسع فيه الاختلاف؟ فقلت له فرض الله على الناس التوجه في القبلة إلى المسجد الحرام فقال: {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} أفرأيت إذا سافرنا واختلفنا في القبلة فكان الأغلب على أنها في جهة والأغلب على غيري في جهة ما الفرض علينا؟، فإن قلت الكعبة فهي وإن كانت ظاهرة في موضعها فهي مغيبة عمن نأوا عنها فعليهم أن يطلبوا التوجه لها غاية جهدهم على ما أمكنهم وغلب بالدلالات في قلوبهم فإذا فعلوا وسعهم الاختلاف وكان كل مؤديا للفرض عليه بالاجتهاد في طلب الحق المغيب عنه وقلت قال الله: {ممن ترضون من الشهداء} وقال: {ذوي عدل منكم} أفرأيت حاكمين شهد عندهما شاهدان بأعيانهما فكانا عند أحد الحاكمين عدلين وعند الآخر غير عدلين. قال فعلى الذي هما عنده عدلان أن يجيزهما وعلى الآخر الذي هما عنده غير عدلين أن يردهما قلت له فهذا الاختلاف قال نعم فقلت له أراك إذن جعلت الاختلاف حكمين فقال لا يوجد في المغيب إلا هذا وكل وإن اختلف فعله وحكمه فقد أدى ما عليه قلت فهكذا قلنا وقلت له قال الله عز وجل: {ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة}، فإن حكم عدلان في موضع بشيء وآخران في موضع بأكثر أو أقل منه فكل قد اجتهد وأدى ما عليه وإن اختلفا وقال: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فإن أطعنكم} الآية. وقال عز وجل: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} أرأيت إذا فعلت امرأتان فعلا واحدا وكان زوج إحداهما يخاف نشوزها وزوج الأخرى لا يخاف به نشوزها؟ قال يسع الذي يخاف به النشوز العظة والهجر والضرب ولا يسع الآخر الضرب وقلت وهكذا يسع الذي يخاف أن لا تقيم زوجته حدود الله الأخذ منها ولا يسع الآخر وإن استوى فعلاهما قال نعم قال: قال وإني قلت هذا فلعل غيري يخالفني وإياك ولا يقبل هذا منا فأين السنة التي دلت على سعة الاختلاف قلت أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله -- يقول: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر). قال يزيد بن الهاد فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقال هكذا حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة قال وماذا: قلت ما وصفنا من أن الحكام والمفتين إلى اليوم قد اختلفوا في بعض ما حكموا فيه وأفتوا وهم لا يحكمون ويفتون إلا بما يسعهم عندهم وهذا عندك إجماع فكيف يكون إجماعا إذا كان موجودا في أفعالهم الاختلاف؟ والله أعلم.


كتاب جماع العلم
باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها | باب حكاية قول من رد خبر الخاصة | بيان فرائض الله تعالى | باب الصوم | كتاب صفة نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- | كتاب إبطال الاستحسان | باب إبطال الاستحسان