كتاب حجة الوداع/الفصل الثالث/صفحة واحدة

كتاب حجة الوداع المؤلف ابن حزم
الفصل الثالث



ونحن الآن نأخذ إن شاء الله عز وجل بتأييده وعونه في إيراد ما يظنه الظان أنه من الأحاديث معترض على ما ذكرنا وأثبتنا ، ومبينون وجه نفي التعارض على كل ذلك حتى يلوح الاتفاق فيها بيننا إن شاء الله تعالى ، وبه عز وجل نعتصم ونتأيد

الباب الأول عدل

تاريخ خروجه من المدينة إن قال قائل : كيف قلتم : إن خروج رسول الله كان من المدينة يوم الخميس لست بقين من ذي القعدة ؟ وقد حدثكم عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن يحيى هو ابن سعيد الأنصاري عن عمرة ، قالت : سمعت عائشة ، تقول : خرجنا مع رسول الله لخمس بقين لذي القعدة لا نرى إلا أنه الحج ، وذكرت باقي الحديث .

قال يحيى بن سعيد الأنصاري : قد ذكرت هذا الحديث للقاسم بن محمد فقال : أتتك والله بالحديث على وجهه . قلنا له وبالله تعالى التوفيق : إن عبد الله بن يوسف أيضا قد حدثنا قال : حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن نمير ، حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله موافين لهلال ذي الحجة ، وذكرت الحديث . فلما اضطربت الرواية عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله كما ترى ، رجعنا إلى من لم تضطرب الرواية عنه في ذلك وهما عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، فوجدنا ابن عباس ذكر أن اندفاع النبي من ذي الحليفة بعد أن بات بها كان لخمس بقين لذي القعدة ، وذكر عمر أن يوم عرفة كان في ذلك العام يوم جمعة . وقد ذكرنا هذين الحديثين عنهما في أول هذا الكتاب في فصل ذكرنا فيه يوم خروجه من المدينة فأغنى عن تكرارها .

فإذ قد صح ذلك فقد وجب أن استهلال ذي الحجة حينئذ كان ليلة يوم الخميس لست بقين لذي القعدة . ويزيد ذلك وضوحا حديث أنس الذي ذكرناه في أول هذا الكتاب أيضا ويقول : صلينا مع رسول الله الظهر بالمدينة أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب راحلته ، وأهل عليه وسلم بالحج والعمرة جميعا . فلو كان خروجه من المدينة لخمس بقين لذي القعدة لكان بلا شك يوم الجمعة وهذا خطأ ؛ لأن الجمعة لا تصلى أربعا ، وقد ذكر أنس أنهم صلوا الظهر معه بالمدينة أربعا . فصح أن ذلك كان يوم الخميس ، وائتلفت الأحاديث وعلمنا أن معنى قول عائشة رضي الله عنها لخمس بقين لذي القعدة إنما عنت اندفاعه عليه السلام من ذي الحليفة ، وليس بين ذي الحليفة والمدينة إلا أربعة أميال فقط ، فلم تعد هذه المرحلة القريبة لقلتها ، والله أعلم . وبهذا تتآلف جميع الأحاديث وينتفي التعارض عنها ، وبالله تعالى التوفيق

213 - ويزيد ما قلنا وضوحا : ما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ، حدثنا أبو إسحاق البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا عبد الله ، عن يونس ، عن الزهري ، أخبرني عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، أن كعب بن مالك ، كان يقول : لقلما كان رسول الله يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس

214 - حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن إبراهيم ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا هشام هو ابن يوسف ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، أن رسول الله كان يحب أن يخرج يوم الخميس . فبطل خروجه عليه السلام ، يوم الجمعة لما ذكرنا آنفا عن أنس ، وبطل خروجه عليه السلام يوم السبت ؛ لأنه كان يكون حينئذ خارجا من المدينة لأربع بقين لذي القعدة ، وهذا ما لم يقله أحد ، وأيضا فإنه قد صح مبيته عليه السلام بذي الحليفة الليلة المستقبلة من يوم خروجه من المدينة ، فكان يكون اندفاعه من ذي الحليفة يوم الأحد ، وصح مبيته عليه السلام بذي طوى ليلة يوم دخوله عليه السلام مكة ، وأنه عليه السلام دخلها صبيحة رابعة من ذي الحجة . فعلى هذا تكون مدة سفره عليه السلام من المدينة لو كان ذلك لأربع بقين لذي القعدة وتستوفي على مكة لثلاث خلون لذي الحجة وفي استقبال الليلة الرابعة ، فتلك سبع ليال لا مزيد . وهذا خطأ بإجماع ، وأمر لم يقله أحد فصح أن خروجه عليه السلام كان لست بقين لذي القعدة ، وتآلفت الروايات كلها ، وانتفى الاعتراض عنها ، وبالله التوفيق ، والملك لله رب العالمين كثيرا

الباب الثاني عدل

تعارض في طيبه قال أبو محمد علي بن أحمد رحمه الله : موه قوم إما لسبب الجهل ، وإما عمدا فهو أشد فيما روينا من طيبه عليه السلام لإحرامه بالحديث المأثور الذي ذكرناه في أول هذا الكتاب من طريق إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه ، عن عائشة أنه تطيب ثم طاف على نسائه ، ثم أصبح محرما ينضح طيبا .

215 - وبما حدثناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا عيسى بن محمد هو أبو عمير بن النحاس ، عن ضمرة بن ربيعة ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : طيبت النبي لإحلاله ، وطيبته طيبا لا يشبه طيبكم هذا ، تعني ليس له بقاء . ولا ندري كيف جاز هذا التمويه على أحد له أدنى مسكة منهم ؛ لأن إبراهيم بن محمد بن المنتشر روى عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها ما ذكرناه من أنه تطيب ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرما

216 - وروى مالك بن أنس ، عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ، عن أبيه ، عن عائشة ، أنها طيبته حين أحرم

217 - وروى أيضا سالم بن عبد الله بن عمر عن عائشة ، وعمرة ، عن عائشة ، أنها طيبت النبي حين أحرم فأما حديث عروة وعمرة وسالم كلهم عنها

218 - فإن عبد الله بن يوسف حدثنا قال : حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا زهير بن حرب ، حدثنا سفيان هو ابن عيينة ، حدثنا عثمان بن عروة بن الزبير ، عن أبيه ، قال : سألت عائشة بأي شيء طيبت رسول الله عند حرمه ؟ قالت : بأطيب الطيب

219 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن عائشة ، قالت : طيبت رسول الله عند إحرامه حين أراد أن يحرم ، وعند إحلاله قبل أن يحل بيدي

220 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا محمد بن رافع ، حدثنا ابن أبي فديك ، أخبرنا الضحاك هو ابن عثمان عن أبي الرجال هو محمد بن عبد الرحمن عن أمه ، وهي عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة ، قالت : طيبت رسول الله لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يفيض بالبيت بأطيب ما وجدت . وقد ذكرنا في باب طيبه عليه السلام لإحرامه من كتابنا هذا رواية الأسود ومسروق كلاهما عن عائشة رضي الله عنها أنها رأت ذلك الطيب في مفارقه باقيا وهو محرم ، قال الأسود : بعد ثلاث يعني ليالي . فصح يقينا لا شك فيه أن الطيب الذي ذكر إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه عن عائشة هو غير الطيب الذي ذكر عروة والقاسم وعمرة وسالم ومسروق والأسود كلهم عن عائشة ؛ لأن الذي ذكر محمد بن المنتشر عنها كان بين ذلك الطيب وبين إحرامه ليلة تطواف على النساء واغتسال ، والطيب الذي ذكر هؤلاء كلهم عن عائشة كان حين الإحرام ، وبقي بعد الإحرام مدة طويلة لم يغسل ، ولو غسل لما بقي بلا شك .

فصح أن ذلك معنيان مختلفان وتآلفت الأحاديث كلها ، وبطل تمويه من لم يراقب الله عز وجل فيما يتكلم به ناصرا لتقليده ، وثبت أن حديث ابن المنتشر غير معارض ولا مفسد لأحاديث من ذكرنا بلا شك . ثم نقول : لو جاء حديث محمد بن المنتشر عن عائشة مخالفا لحديث عروة وعمرة والقاسم وسالم ومسروق والأسود عن عائشة لكان لا شك عند كل ذي بصر بالرجال والأخبار في أن كل واحد من هؤلاء لو انفرد وحده أوثق وأعلم وأفضل وأضبط وأخص بعائشة من محمد بن المنتشر بها ، فكيف بهم كلهم إذا اتفقوا ؟ فكيف يحل لمن يعلم أن كلامه من عمله أن يعارض هؤلاء كلهم بمحمد بن المنتشر ، وهو أيضا مع ذلك غير معارض لما روى هؤلاء ، وبالله تعالى نعوذ من الخذلان لا سيما الأسود ، فإنه كان من الاختصاص بعائشة رضي الله عنها بحيث كان عبد الله بن الزبير وهو ابن أختها يسأله عن أخبارها

221 - حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ، حدثنا أبو إسحاق البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق هو السبيعي عن الأسود ، قال : قال لي ابن الزبير : كانت عائشة تسر إليك كثيرا فما حدثتك في الكعبة ؟ فقالت : قال لي رسول الله  : « يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم - قال ابن الزبير : بكفر - لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين : باب يدخل الناس ، وباب يخرجون » ، ففعله ابن الزبير

وحدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية القرشي ، حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي ، حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود ، أن ابن الزبير ، سأل الأسود قال : وكان يأتي عائشة ، وإنها كانت تفضي إليه ، وذكر الحديث . فكيف إذا استضاف إليه مسروق وهو من أجل التابعين الكبار ، وممن أفتى وكبار الصحابة رضي الله عنهم أحياء ، ثم وافقه عروة وهو ابن أخت عائشة ، ومن أفطن الناس بها ، والقاسم بن محمد وهو ابن أخيها وربا في حجرها ؛ لأنه كان يتيما وهي متولية أمره ، وعمرة وكانت في حجر عائشة ومعهم سالم بن عبد الله بن عمر .

والعجب من تعلق المالكيين برواية ابن المنتشر التي ذكرنا وهي رواية عراقية كوفية إنما رواها عن محمد بن المنتشر ابنه إبراهيم وحده ، وهو إبراهيم بن محمد بن المنتشر بن الأجدع أخي مسروق بن الأجدع ، ورواها عن إبراهيم شعبة وسفيان الثوري ومسعر وأبو حنيفة وأبو عوانة وهؤلاء عراقيون كوفيون وواسطي وبصري ، وأضربوا عن رواية فقهاء المدينة وهم القاسم وسالم وعروة وعمرة ، وهم يؤمنون برواية أهل العراق لا سيما أهل الكوفة منهم ، ويعظمون رواية أهل المدينة حيث أحبوا حتى إذا لم نوافق تقليدهم تعلقوا بما أمكنهم من رواية أهل الكوفة وغيرهم من أهل العراق وغيرهم ، وضربوا بها رواية أهل المدينة وتركنا رواية أهل الكوفة وسائر العراق برواية أهل المدينة هنا ، ورواية كلا الطائفتين متفقة غير مختلفة لا حجة لهم في شيء منها .

ولسنا نقول هذا تفضيلا لرواية الثقات من أهل المدينة على رواية الثقات من أهل الكوفة ، ومن سائر البلاد لكن تبكيتا لهم على تناقضهم وتعللهم بما لا حجة لهم فيه ، ورواية أهل المدينة وأهل مكة وأهل الكوفة وأهل كل بلد سواء لا فضل لبعض منها على ما سواه منها . ومن نعوذ بالله منه وذلك أنه قال : إن معنى ما روي من بقاء وبيص الطيب في مفرق النبي بعد ثلاث هو أنه بقي الوبيص بعد الغسل . قال أبو محمد : وهذا كلام لا يخلو ضرورة من أحد وجهين : إما أن يكون غسل النبي من طوفه على نسائه غير مستوفى ولا محكم ، وهذا لغو من قائله ولا ينسب هذا إلى رسول الله إلا مشرك . وإما أن يكون عليه السلام أحكم غسله كما صح عنه عليه السلام أنه دلك شئون رأسه وخلله بيديه ، فلا يجوز أن يبقى للطيب أثر بعد هذا أصلا ، لا وبيص ولا غيره بوجه من الوجوه .

ومن جوز أن يبقى للطيب أثر مدة ثلاثة أيام بعد غسل محكم من الجنابة ، وكان ذلك الطيب قبل ذلك الغسل ثم لم يتطيب المغتسل بعد غسله هو مجنون مجاهر بالمحال ، ونعوذ بالله من قول ينسب قائله : إما في حالة اللغو ، وإما في حالة الجنون . وأما حديث أبي عمير بن النحاس فساقط من وجوه ، أحدهما : أن أبا عمير لا أدري ما حاله ، والثاني : أنه لو صح لما كانت فيه حجة ؛ لأن قوله يعني ليس له بقاء ، ليس من قول عائشة ، وإنما هو من قول من دونها وهو ظن - كما ترى - والظن أكذب الحديث . وأيضا فحديث الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها رأت الطيب في مفارقه بعد ثلاث وهو محرم يبطل هذا الظن الفاسد بالكلية . والحمد لله رب العالمين

222 - وتعلقوا أيضا بما حدثناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا علي بن خشرم ، أخبرنا عيسى ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء ، أن صفوان بن يعلى بن أمية ، أخبره أن يعلى بن أمية كان يقول لعمر بن الخطاب : ليتني أرى نبي الله حين ينزل عليه ، فلما كان النبي بالجعرانة ، وعلى النبي ثوب قد أظل به عليه ، ومعه ناس من أصحابه فيهم عمر ، إذ جاءه رجل عليه جبة متضمخ بطيب ، فنظر إليه النبي ساعة ثم سكت فجاءه الوحي ، فأشار عمر بيده إلى يعلى بن أمية فأدخل رأسه فإذا النبي محمر الوجه يغط ساعة ثم سري عنه ، فقال : « أين الذي سألني عن العمرة آنفا » ؟ فالتمس فجيء به ، فقال النبي  : « أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات ، وأما الجبة فانزعها ، ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك » . قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه أصلا لوجهين ظاهرين ، أحدهما : أن هذا الحديث إنما جاء ببيان أن ذلك الطيب الذي كان على ذلك الرجل إنما كان صفرة وهي الخلوق ، والصفرة منهي عنها الرجال على كل حال في الإحرام وفي غير الإحرام

223 - كما حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا همام ، حدثنا عطاء بن أبي رباح ، عن صفوان بن يعلى بن منية ، عن أبيه ، قال : جاء رجل إلى النبي وهو بالجعرانة عليه جبة وعليها خلوق ، أو قال : أثر الصفرة فقال : كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي ؟ قال : وأنزل على النبي الوحي فستر بثوب ، وكان يعلى يقول : وددت أني أرى النبي وقد نزل عليه الوحي ، قال : فقال - يعني عمر - أيسرك أن تنظر إلى النبي وهو قد أنزل عليه ؟ قال : فرفع عمر طرف الثوب فنظرت إليه له غطيط ، قال : فلما سري عنه قال : « أين السائل عن العمرة اغسل أثر الصفرة أو قال : أثر الخلوق ، واخلع عنك جبتك ، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك »

224 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا محمد بن رافع ، حدثنا وهب بن جرير بن حازم ، حدثنا أبي قال ، : سمعت قيسا ، هو ابن سعد يحدث عن عطاء ، عن صفوان بن يعلى بن أمية ، عن أبيه ، أن رجلا ، أتى النبي ، وهو بالجعرانة ، قد أهل بالعمرة ، وهو مصفر رأسه ولحيته ، وعليه جبة ، فقال : يا رسول الله إني أحرمت بعمرة وأنا كما ترى فقال : « انزع عنك الجبة ، واغسل عنك الصفرة ، وما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك » . فقد صح النهي عن ذلك ، عن النبي

225 - كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ، حدثنا أبو إسحاق البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا مسدد ، حدثنا عبد الوارث ، عن عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك ، قال : نهى النبي عن أن يتزعفر الرجل ، وكانت جبة ذلك الرجل كما ذكرنا عليها الخلوق وهذا حرام على المحرم

226 - كما حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا ابن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا يحيى بن يحيى ، قرأت على مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رجلا سأل رسول الله  : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال رسول الله  : « لا تلبسوا القمص ، ولا السراويلات ، ولا البرانس ، ولا الخفاف إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس خفين فليكشفهما حتى يكونا أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا من الثياب شيئا ما مسه الزعفران ولا الورس » . فإنما نهى عليه السلام ذلك الرجل عن الزعفران وهو حرام على كل أحد من الرجال محرما كان أو غير محرم ، ونهى عن الجبة إذا مسها الزعفران فلا حجة لهم في قولهم

والوجه الثاني : أن ذلك الحديث الذي ذكرنا كان بالجعرانة مرجع النبي من حنين ، وكان ذلك قبل حجة الوداع التي تطيب فيها رسول الله لإحرامه ولحله بعامين وشهر ؛ لأن تلك العمرة كانت في ذي القعدة بعد فتح مكة بشهرين ، ثم حج في العام الثاني أبو بكر بالناس ، ثم حج في العام الثالث النبي في ذي الحجة ، وكان تطيبه عليه السلام لإحرامه بعد حديث هذا الرجل بعامين وشهر ، والأخير هو الذي يجب الأخذ به . هذا لو كان الحديث مخالفا لتطيبه عليه السلام ، فكيف وليس مخالفا ولا فيه نهي عن الطيب عند الإحرام بما عدا الخلوق أصلا ؟ فبطل تمويههم بكل وجه والحمد لله رب العالمين . والعجب من أمرهم في هذا وأخذهم برواية مكية لا متعلق لهم أيضا بها ، وتركهم رواية أهل المدينة في هذا التي بها يحتجون ، وهذا أيضا مما تركوا فيه له آخر فعله ، وتعلقوا بفعل متقدم ليس أيضا لهم فيه حجة ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . قال أبو محمد : وبقي التطيب عند الإحلال قبل الإفاضة لا شبهة لهم فيه أصلا ، ولا يجدون متعلقا يشغبون به في كراهة ذلك ، وبالله تعالى التوفيق

227 - وهكذا حدثنا حمام ، عن الباجي ، عن أحمد بن خالد ، عن عبيد الله بن محمد الكشوري ، عن محمد بن يوسف الحذاقي ، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال : كان عطاء يكره الطيب عند الإحرام ، كان يأخذ بشأن صاحب الجبة ، وكان شأن صاحب الجبة قبل حجة الوداع والآخر ، فالآخر من أمر رسول الله أحق . هذا نص كلام ابن جريج . فإن تعلقوا في كراهة الطيب بما :

228 - قد حدثناه أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي ، حدثنا محمد بن أحمد بن مفرج ، حدثنا محمد بن أيوب الصموت ، حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ، حدثنا إبراهيم بن الجنيد ، حدثني عبد الرحيم بن مطرف ، حدثني عيسى بن يونس ، عن إبراهيم بن يزيد ، عن محمد بن عباد بن جعفر ، عن ابن عمر ، قال : أقبلنا مع رسول الله حتى إذا كنا بذي الحليفة أهل وأهللنا ، فمر بنا راكب ينفح منه ريح الطيب ، فقال عمر : من هذا ؟ قالوا : معاوية ، فقال : ما هذا يا معاوية ؟ فقال : مررت بأم حبيبة بنت أبي سفيان ففعلت بي هذا ، فقال : ارجع فاغسله عنك ، فإني سمعت رسول الله يقول : « الحاج الشعث التفل » . قال البزار : لا نعلم لهذا القول سندا عن عمر إلا هذا ، وإبراهيم بن يزيد ليس بالقوي . قال أبو محمد : هذا كما ترى ولو صح لم يكن فيه حجة ؛ لأن الشعث والتفل ليس فيه منع الطيب للإحرام ولا أمر بغسله عند الإحرام مع أنه حديث فاسد مضطرب ، بينما هو في ذكر إحلالهم مع رسول الله إذ رجع إلى فعل عمر في خلافته ، فإن تعلقوا بعمر ورأيه في ذلك وعثمان وابن عمر

229 - فإن حمام بن أحمد حدثنا ، عن عبد الله بن محمد بن علي الباجي ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا عبيد بن محمد الكشوري ، حدثنا محمد بن يوسف الحذاقي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم بن عبد الله ، قال : كان ابن عمر يترك المجمر قبل الإحرام بجمعتين ، فينبغي لهم أن يقلدوا ابن عمر أيضا في هذا . وقد خالف عمر في ذلك عائشة وأم حبيبة زوجا النبي ، وسعد بن أبي وقاص ، وابن عباس ، ومعاوية ، والبراء بن عازب ، والحسين بن علي ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن الزبير

230 - حدثنا حمام ، حدثنا الباجي ، حدثنا ابن خالد ، حدثنا الكشوري ، حدثنا الحذاقي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : وجد عمر ريح طيب بالشجرة ، فقال : ما هذا الريح ؟ ، فقال معاوية : مني ، طيبتني أم حبيبة ، فتغيظ عليه عمر ، قال : منك لعمري ، أقسمت عليك لترجعن إلى أم حبيبة فتغسله عنك كما طيبتك ، قال معمر : وكان الزهري يأخذ بقول عمر فيه ، قال الزهري : وكان عروة بن الزبير يتطيب عن الإحرام بالبان والذريرة ، قال عبد الرزاق : حدثنا معمر ، عن أيوب ، عن عائشة بنت سعد ، أنها كانت تطيب أباها قبل إحرامه بالذريرة الممسكة ، أو قالت : بالمسك والذريرة

231 - أخبرنا محمد بن سعيد النباتي ، حدثنا عبد الله بن عاصم بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا عيينة بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، قال : سألت ابن عباس وابن عمر وابن الزبير ، عن الطيب عند الإحرام ، فقال ابن عباس : أما أنا فأسعسعه في رأسي ثم أحب بقاءه ، وقال ابن الزبير : لا أرى به بأسا ، وقال ابن عمر : لا آمر به ، ولا أنهى عنه

232 - وبه إلى وكيع ، حدثنا هشام بن عروة ، عن عبد الله بن الزبير ، أنه كان يتطيب بالغالية الجيدة قبل أن يحرم

233 - وبه إلى وكيع ، حدثنا علي بن صالح ، عن الشعبي ، قال : كان عبد الله بن جعفر يسحق المسك ، ثم يجعله في يافوخه إذا أراد أن يحرم

234 - وبه إلى وكيع ، حدثنا سفيان الثوري ، عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين ، أن الحسين بن علي ، أمر لأصحابه بالطيب عند الإحرام

235 - وبه إلى وكيع ، حدثنا محمد بن قيس عن بشير بن يسار ، قال : لما أحرموا وجد عمر نفح الطيب ، فقال عمر : من هذا ؟ فقال البراء بن عازب : مني يا أمير المؤمنين ، فقال : قد علمنا أن امرأتك عطارة ، أو عطرة ، إنما الحاج الأذفر والأغبر ، قال أبو محمد : روينا عن ابن عباس أنه قال : إن الله لا يعبأ بأوساخكم شيئا ، والحاج هو المقتدي برسول الله

236 - وبالسند المذكور إلى وكيع ، حدثنا علي بن صالح ، عن كثير بن سام ، عن علي بن محمد بن الحنفية ، أن أباه ، كان يغلف رأسه بالغالية الجيدة قبل أن يحرم قال وكيع : وسمعت سفيان الثوري ، يقول : لا بأس بالطيب قبل الغسل وبعده

237 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا أيوب بن محمد الوزان ، عن عمر بن أيوب ، أخبرنا أفلح بن حميد ، عن أبي بكر هو عبد الرحمن ، أن سليمان بن عبد الملك ، عام حج ، جمع أناسا من أهل العلم ، فيهم عمر بن عبد العزيز وخارجة بن زيد بن ثابت ، والقاسم بن محمد وسالم وعبد الله ابنا عبد الله بن عمر ، وابن شهاب ، وأبو بكر ، فسألهم عن الطيب قبل الإفاضة ، فكلهم أمره بالطيب ، وقال القاسم بن محمد : أخبرتني عائشة أنها طيبت رسول الله لحرمه قبل أن أحرم ، ولحله قبل أن يطوف بالبيت ، ولم يختلف عليه أحد منهم إلا أن عبد الله بن عبد الله قال : كان عبد الله رجلا جادا مجدا ، كان يرمي الجمرة ثم يذبح ثم يحلق ، ثم يركب فيفيض قبل أن يأتي منزله ، قال سالم : صدق ، فإذا تنازع الصحابة أو من دونهم فاتباع من وافق قوله سنة النبي أولى ، وهذا الذي لا يجوز غيره ، وقد خالف سالم أباه وجده ، كما ترى ، يرحمه الله ، فهكذا يفعل المؤمن

238 - حدثنا محمد بن سعيد النباتي ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق النضري ، حدثنا عيسى بن حبيب القاضي ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد ، حدثنا جدي محمد هو محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، قال : قال سالم بن عبد الله بن عمر ، قالت عائشة : أنا طيبت ، رسول الله . وسنة رسول الله أحق أن تتبع ، وهؤلاء لا يرون تنكب قول مالك وأبي حنيفة لسنة رسول الله ، فسالم يترك قول أبيه لسنة النبي ، وهؤلاء لا يرون ذلك لسنته عليه السلام ، لا سيما وقد صح عن ابن عمر ما ذكرنا آنفا من أنه لا ينهى عن الطيب للإحرام ، فسقط كل ما شغبوا به في الطيب قبل الإحرام وقبل الإفاضة ، مع أن التطيب في كلا الوقتين المذكورين سنة لا يستحب تركها ، ولقد كان يلزم منهم من يقول : إن أفعال النبي على الوجوب ، أن يقول بوجوب التطيب للإحرام وللإحلال فرضا ، ولكنهم يقولون ما أحبوا حيث أحبوا ، ويتركونه حيث أحبوا ، كل ذلك بلا دليل ، وبالله تعالى نعتصم ، والتطيب قبل الإحرام ، ثم لا يغسل بعد الإحرام هو قول جمهور الناس من الصحابة والتابعين ، وبه يأخذ سفيان الثوري وأبو حنيفة ، وأبو يوسف والشافعي وجميع أصحابه كأحمد بن حنبل وأبو ثور وإسحاق ، وجميع أصحاب الظاهر ، وبه نأخذ ، وادعى بعضهم في ذلك الخصوص ، وهذا هو عين الكذب ، والقول بغير علم ، وكيف ذلك وعائشة رضي الله عنها تطيبه بيدها

239 - وقد حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا وهب بن مسرة ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو أسامة هو حماد بن أسامة ، عن عمر بن سويد الثقفي ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة أم المؤمنين ، قالت : كنا نضمخ جباهنا بالمسك المطيب قبل أن نحرم ثم نحرم مع رسول الله فنعرق ، فتسيل على وجوهنا ، فلا ينهانا عنه النبي

الباب الثالث عدل

الاختلاف في : أين صلى الظهر يوم خروجه من المدينة إلى حجة الوداع وثاني ذلك اليوم قد ذكرنا ، أول كتابنا هذا ، قول أنس أنهم صلوا مع رسول الله الظهر بالمدينة أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين يوم خروجه إلى حجة الوداع

240 - وحدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا ابن مثنى ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن أبي حسان ، عن ابن عباس ، قال : صلى رسول الله الظهر بذي الحليفة ، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم ، وقلدها نعلين ، ثم ركب راحلته ، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج

قال أبو محمد علي بن أحمد رحمه الله : فهذا ابن عباس يذكر كما ترى أنه صلى الظهر في ذي الحليفة ، وأنس يذكر أنه صلى الظهر بالمدينة ، وكلا الطريقتين في غاية الصحة ، وكنا توهمنا أن أحد القولين وهم ، أو من بعض الرواة فأعملنا النظر في ذلك ، فتأملنا الروايتين ونظرنا فيهما ، فوجدنا أنسا أثبت في هذا المكان ؛ لأنه ذكر أنه حضر ذلك ، بقوله : صلينا مع رسول الله الظهر بالمدينة أربعا ، وبذي الحليفة العصر ركعتين ، فهو أثبت لوجهين:

أحدهما : ذكره الحضور لذلك ، ولم يذكر ابن عباس حضورا والحاضر أثبت بلا شك إذا لم يكن بد من طلب الأثبت منهما .

والوجه الثاني إخبار أنس أنه صلى الظهر أربعا في ذلك اليوم ، وهذه صفة صلاة الحضر بلا شك ، ولو صلاها بذي الحليفة لصلاها ركعتين ، فصحت رواية أنس كما قلنا ، وإنما دخل الوهم في رواية ابن عباس والله أعلم ؛ لأنه كان يقدمه النبي في ضعفة أهله لصغره ؛ ولأنه كان حينئذ ابن ثلاث عشرة سنة أو أقل بشهور ، وقد ذكرنا ذلك بإسناده في باب تقدمة الضعفاء إلى منى من مزدلفة ، فقد رأى ابن عباس والله أعلم أنه لما تقدم إلى ذي الحليفة مع الثقل أنه عليه السلام قد أتى ذا الحليفة ، وأنس المشاهد لذلك أثبت بلا شك وبالله تعالى التوفيق .

قال أبو محمد رحمه الله : ثم تدبرنا حديث ابن عباس هذا فوجدناه لا يعارض حديث أنس أصلا بوجه من الوجوه ؛ لأنه لم يقل ابن عباس : إن صلاة الظهر المذكورة كانت يوم خروجه من المدينة ، لكن أنسا ذكر أن النبي صلى الظهر بالمدينة ، وصح أن ذلك كان يوم الخميس لست بقين لذي القعدة ، كما قدمنا ، ثم خرج عليه السلام بعد الظهر إلى ذي الحليفة من يوم الخميس المذكور وصلى بذي الحليفة العصر ، وبات بها على ما قد ذكرنا في صفة خروجه عليه الصلاة والسلام من المدينة ، فلما صح ذلك علمنا أن قول ابن عباس : إنه صلى الظهر بذي الحليفة ، إنما عنى يوم الجمعة اليوم الثاني من خروجه عليه السلام من المدينة ، فانتفى التعارض الذي ظنناه ، فصح أن الخبرين إنما هما عن ظهر من يومين لا من يوم واحد ، لكن الحديث الذي أوردناه في صدر هذا الكتاب في الباب الذي ترجمته ، وأما قولنا : وطاف عليه السلام على نسائه ، ثم اغتسل تلك الليلة وصلى بها الصبح

241 - أتينا به من طريق أحمد بن شعيب ، عن ابن راهويه ، عن النضر بن شميل ، عن أشعث الحمراني ، عن الحسن ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الظهر بالبيداء ، ثم ركب وصعد جبل البيداء وأهل بالحج والعمرة ، فإنه وإن كان مقويا لابن عباس في اليوم أنه كان الجمعة ، إذ قد ذكر فيه أن إثر الصلاة كان الإحرام ، والإحرام لم يكن يوم الخميس بيقين ، إذ قد ذكرنا في ذلك الباب مبيته عليه السلام بذي الحليفة وطوافه على نسائه في تلك الليلة ، لا سيما أنهما قد ذكرا أن الإحرام كان إثر صلاة الظهر وإثر صلاة الظهر من يوم الخميس ؛ إنما كان بالمدينة . فصح أنه كان يوم الجمعة ، واتفق الحديثان ، ولكنه قد يمكن أن نظن بحديث أنس أنه معارض بقوله : إنه صلى الظهر بالبيداء ، لقول ابن عباس : إنه صلى الظهر بذي الحليفة ذلك النهار بعينه ، وهذا لا يعارض فيه ؛ لأن البيداء وذا الحليفة متصلان بعضهما ببعض ، فصلى عليه الصلاة والسلام الظهر في آخر ذي الحليفة ، وهو أول البيداء ، فصح الحديثان معا ، وبالله تعالى التوفيق

الباب الرابع عدل

الاختلاف في أمره أصحابه رضي الله عنهم بفسخ الحج ، والأحاديث الواردة في التخيير في ذلك ، أو الإلزام قال أبو محمد رحمه الله : قد ذكرنا الأحاديث كلها ، وبينا أن تلك الأحاديث كانت في أوقات شتى ، وأنه عليه الصلاة والسلام أباح لهم في أول إحلالهم أن يهلوا بما أحبوا من إفراد بحج أو عمرة أو قران ، ثم إنه عليه السلام بسرف خيرهم في فسخ حجهم في عمرة أو التمادي على الحج ، ثم بمكة أوجب عليهم الفسخ فرضا إلا من معه الهدي ، فائتلفت الأحاديث كلها ، والحمد لله رب العالمين ، ووجب أن يكون الحكم الآخر من الأوامر في ذلك وبالفسخ المذكور يقول ابن عباس وأبو موسى ، وبه نأخذ وبالله التوفيق

الباب الخامس عدل

الاختلاف في أمره النفساء المحرمة ماذا تفعل قد ذكرنا في صدر خبر قائم في حديث جابر ، عن النبي أنه أمر أسماء بنت عميس الخثعمية إذ ولدت محمد بن أبي بكر بأن تغتسل وتستثفر بثوب وتهل ، وحديث القاسم بن محمد عن عائشة بمثل ذلك ، وهنا انتهى الحديث

242 - وقد حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرني أحمد بن فضالة بن إبراهيم ، حدثنا خالد بن مخلد ، حدثنا سليمان بن بلال ، أخبرني يحيى هو ابن سعيد الأنصاري ، سمعت القاسم بن محمد ، يحدث عن أبيه ، عن أبي بكر ، أنه خرج حاجا مع رسول الله في حجة الوداع ، ومعه امرأته أسماء بنت عميس الخثعمية ، فلما كانوا بذي الحليفة ولدت أسماء محمد بن أبي بكر ، فأتى أبو بكر النبي فأخبره ، فأمره رسول الله أن يأمرها أن تغتسل ، ثم تهل بالحج ، وتصنع ما يصنع الناس ، إلا أنها لا تطوف بالبيت .

ففي هذا الحديث لفظ منكر ، وهو أنها لا تطوف بالبيت ، وإنما هذا اللفظ محفوظ في أمره عائشة رضي الله عنها إذ حاضت ، والحائض ليست نفساء ، والنفساء ليست حائضا ، وليس اتفاقهما في أن لا يصليا ولا يطوفا بموجب أن يمنعا أيضا الطواف بالبيت دون نص وارد في النفساء كوروده في الحائض ، والقياس باطل ، فنظرنا في الحديث المذكور فوجدناه مفتعلا من جهتين مسقطتين للأخذ به ، وهما انقطاعان فيه ، فخرج عن أن يكون مسندا : وذلك أن محمد بن أبي بكر ولد كما قد روينا في حجة الوداع قبل موت رسول الله بثلاثة أشهر ، وتولى أبو بكر بعد النبي فعاش في ولايته عامين وثلاثة أشهر ونصف شهر ، وكان محمد إذ مات أبو بكر ابن عامين وسبعة أشهر غير أربعة أيام ، وهذه سن من لا يحفظ معها حديث سنة ، وأيضا فإن محمد بن أبي بكر قتل سنة سبع وثلاثين من الهجرة ، وله سبع وعشرون سنة ، وترك القاسم بن محمد صغيرا جدا ، ليس في حال من يضبط السنن ، ولا يحفظ الحديث ، ومات القاسم بن محمد سنة سبع ومائة ، ففي الحديث انقطاعان كما ترى ، فسقط الاحتجاج به ، وقد تكلم الناس في خالد بن مخلد أيضا ، وأحمد بن فضالة لا ندري ما حاله ، والانقطاع المذكور مسقط له بالجملة ، كاف عما سواه ، ووجدنا الرواية الصحيحة من طريق القاسم ، عن أسماء بنت عميس ، أنها ولدت محمد بن أبي بكر بالبيداء ، توافق حديث جابر الذي قدمناه في سقوط هذا اللفظ منه

243 - كما حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا الحارث بن مسكين ، قراءة عليه وأنا أسمع ، عن ابن القاسم ، حدثني مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن أسماء بنت عميس ، أنها ولدت محمد بن أبي بكر بالبيداء ، فذكر أبو بكر ذلك لرسول الله ، فقال : « مرها بأن تغتسل ثم تهل » ، قال أبو محمد رحمه الله : فهذه الرواية أصح من الأولى ؛ لأن أسماء بنت عميس عمرت بعد ابنها محمد ، وكانت تحت علي بن أبي طالب ، وعاشت بعده ، فلا ينكر سماع القاسم منها ، وأما سماعه من عائشة رضي الله عنها فهو الصحيح المشهور المتيقن المأثور ، وقد ذكرناه قبل ، وليس فيه هذا اللفظ ، وهذه الرواية كما ترى ليس فيها منع الطواف بالبيت ، ولا يجوز تعدي ما أمر به النبي ولا الزيادة في أمره ، ما لم يأمر به ، والبيداء والشجرة وذو الحليفة مواضع متجاورة ، مختلط بعضها ببعض ، فصحت الأحاديث في ذلك ، والحمد لله رب العالمين

الباب السادس عدل

الاختلاف في موضع حيض عائشة رضي الله عنها حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة : خرجنا مع رسول الله ولا نرى إلا الحج ، حتى كنا بسرف أو قريبا منها حضت وذكرت الحديث

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا سليمان بن حرب ، وموسى بن إسماعيل ، قال سليمان : حدثنا حماد بن زيد ، قال موسى : حدثنا حماد بن سلمة ، ووهيب بن خالد ، كلهم عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله موافين هلال ذي الحجة ، فذكرت الحديث ، وفيه : فلما كنت ببعض الطريق حضت .

قال أبو محمد رحمه الله : قد ذكرنا قبل رواية مجاهد عن عائشة ، بأنها حاضت بسرف بلا شك حدثنا أيضا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أفلح بن حميد ، عن القاسم ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : خرجنا مع رسول الله مهلين بالحج ، حتى نزلنا بسرف فخرج إلى أصحابه ، فذكرت قوله عليه السلام لهم ، قالت : فدخل علي رسول الله وأنا أبكي ، فقال : « ما يبكيك » قلت : سمعت كلامك مع أصحابك فمنعت العمرة قال : « وما لك ؟ » قالت : لا أصلي ، وذكرت باقي الحديث

وبه إلى مسلم ، حدثني أبو أيوب الغيلاني ، حدثنا بهز بن أسد ، حدثنا حماد ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : لبينا بالحج ، حتى إذا كنا بسرف حضت ، وذكرت الحديث وبه إلى مسلم ، حدثني أبو أيوب الغيلاني ، حدثنا سليمان بن عبيد الله ، حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي ، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله لا نذكر إلا الحج ، حتى جئنا سرف فطمثت ، وذكرت الحديث ، وقد ذكرنا قبل رواية الليث ، عن أبي الزبير ، عن جابر بمثل ذلك ، فإذا كان سفيان بن عيينة ، عن عبد الرحمن قد شك ، وكان عروة لم يسم المكان ، وكان عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبد الرحمن لم يشك ، وحماد عن عبد الرحمن أيضا لم يشك وجابر لم يشك ، وكلهم يسمي المكان ، فالمثبت ولو كان واحدا أولى بالقبول من الشاك ولو كانوا جماعة ، فكيف والمثبتون جماعة والشاك واحد ، والساكت واحد والمسمون جماعة ، فصح أنها حاضت بسرف ، وارتفع الاضطراب عن الأحاديث ، والحمد لله رب العالمين

الباب السابع عدل

الاختلاف في وقت دخوله مكة قال أبو محمد : حديث جابر ، أنه دخل مكة في حجة الوداع صبح رابعة من ذي الحجة ، وبينهم وبين عرفة خمس ليال وقد حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، سمع علي بن الحسين ، عن ذكوان ، عن عائشة ، قالت : قدم النبي لأربع وخمس ليال مضين لذي الحجة ، وذكر باقي الحديث ، وقد قلنا : إن الموقن أثبت وأولى من الشاك وكل مخير بذكره وحفظه وليس من شك حجة على من لم يشك ، لكن من لم يشك هو الحجة على من شك ؛ لأن عنده علما ليس عند الذي شك ، وقد وافق جابرا على قطعه ابن عباس وأنس

244 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثني محمد بن حاتم ، حدثنا بهز ، حدثنا وهيب ، حدثنا عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : فقدم النبي صبيحة رابعة مهلين بالحج ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة وبه إلى مسلم ، حدثنا نصر بن علي بن نصر الجهضمي ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن أيوب ، هو السجستاني ، عن أبي العالية البراء ، أنه سمع ابن عباس ، يقول : إن رسول الله قدم لأربع مضين من ذي الحجة ، وذكر الحديث ، وقد ذكرنا قول أنس : أقمنا بمكة عشرا ، وهذا يوجب الدخول لأربع خلون من ذي الحجة والخروج لأربع عشرة ليلة خلت لذي الحجة ، وهذا هو الذي لا يتخالج فيه شك لما ذكرنا ، وبالله تعالى التوفيق

الباب الثامن عدل

بقية من صفة طوافه وسعيه قال الإمام أبو محمد رحمه الله : قد ذكرنا رواية ابن عباس وجابر ، أنه طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة راكبا على بعير ، وقال جابر : إنه لم يطف بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا ، فصح أن ذلك الطواف بينهما كان راكبا . وأما طوافه بالبيت ، فإنه طاف به في حجة الوداع مرتين ، أولاهما إذ دخل والأخرى إذ أفاض من منى إلى مكة يوم النحر ، وقد روت عائشة رضي الله عنها وأبو الطفيل مثل ذلك

245 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا محمد بن مثنى ، حدثنا أبو داود سليمان بن داود ، حدثنا معروف بن خربوذ ، سمعت أبا الطفيل ، يقول : رأيت رسول الله يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن

246 - حدثنا عبد الله بن الربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا هارون بن عبد الله ، ومحمد بن رافع المثنى ، قالا : حدثنا أبو عاصم ، عن معروف بن خربوذ المكي ، حدثنا أبو الطفيل ، قال : رأيت النبي يطوف بالبيت على راحلته ، يستلم الركن بمحجنه ، ثم يقبله ، وزاد ابن رافع : ثم خرج إلى الصفا والمروة ، فطاف سبعا على راحلته

247 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثني الحكم بن موسى القنطري ، حدثنا شعيب بن إسحاق ، عن هشام ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : طاف رسول الله في حجة الوداع حول الكعبة على بعيره يستلم الركن كراهية أن يصرف عنه الناس ، قال أبو محمد : هكذا في كتابي : هشام بن عروة ، عن عائشة ، عن أبيه ، من بينهما ويحتمل أن يكون كما روي من سقط قول عمر رضي الله عنه مخاطبا الحجر : لولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك ، إنما أراد في أحد طوافيه : طواف الدخول أو طواف الإفاضة ، أو لعله عنى ما تقدم من طواف رسول الله في عمره السوالف ، وقد ذكر أبو الطفيل في حديثه الذي ذكرنا آنفا أن الطواف الذي دخل به عليه السلام كان راكبا ؛ لأنه ذكر أنه كان هو الطواف الموصول بالسعي بين الصفا والمروة ، وهو الطواف الأول بلا شك ، وبالله تعالى التوفيق

الباب التاسع عدل

اختلاف في طلحة ، أكان معه هدي أم لا ؟ قال أبو محمد رحمه الله : قد ذكرنا حديث عبيد الله بن معاذ العنبري ، عن أبيه ، عن شعبة ، عن مسلم القري ، عن ابن عباس أن طلحة كان ممن ساق الهدي في حجة الوداع ، وقد اضطرب في ذلك على شعبة

248 - كما حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن مسلم القري ، عن ابن عباس ، فذكر الحديث ، وقال فيه : وكان في من لم يكن معه الهدي طلحة بن عبيد الله ورجل آخر ، فأحلا . قال أبو محمد رحمه الله : عبيد الله بن معاذ ، عن أبيه ، قد أثبت الهدي وبندار عن غندر نفاه ، والمثبت أولى من النافي ، وكلاهما في شعبة ثقة ، ومعاذ أحفظ من غندر وأجل ؛ لأن الثقات ذكروا معاذ بن معاذ العنبري في الطبقة الثانية من أصحاب شعبة مع خالد بن الحارث وذكروا محمد بن جعفر في الطبقة الرابعة من أصحاب شعبة ، رحمة الله على جميعهم ، وأيضا فقد ذكر الماجشون في حديثه ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، أن الهدي كان مع ذوي اليسارة من الصحابة رضي الله عنهم ، وقد ذكرنا هذا الحديث فيما خلا من كتابنا ، وطلحة بلا شك من أيسر ذوي اليسارة ، فهذا يؤيد أنه كان من جملتهم في سوق الهدي ، بل هو داخل في جملة المخبر عنهم بسوق الهدي ؛ لأنه من ذوي اليسارة ، ويرفع الشك في هذا رفعا جليا رواية جابر دون أن يضطرب عليه ، بأن طلحة ساق الهدي ، بل في روايته أن هدي طلحة كان أشهر هدي في تلك الجماعة بعد هدي رسول الله

249 - كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ، حدثنا أبو إسحاق البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن المثنى ، وخليفة ، قالا : حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا حبيب المعلم ، عن عطاء ، عن جابر ، قال : وأهل النبي بالحج وليس مع أحد منهم هدي غير النبي وطلحة ، وقدم علي من اليمن ، ومعه هدي ، وذكر باقي الحديث ، فصح بلا شك أن طلحة كان ساق الهدي ، وأن الشك والله أعلم هو من قبل بندار ، أو من غندر لا يتجاوزهما

الباب العاشر عدل

في بيان ما نتخوف من أن يسبق إلى قلب بعض من لا ينعم النظر من أن أمره عليا وأبا موسى بما أمرهما به كان مختلفا ، وما ظنه قوم من أن إهلال علي وأبي موسى حجة في إباحة الإهلال بلا نية قال أبو محمد علي بن أحمد رحمه الله : قد ذكرنا فيما سلف من كتابنا هذا أن عليا وأبا موسى قالا في إهلالهما ، كل واحد منهما أنه يهل بما أهل به رسول الله ، وأنه عليه السلام إذ سألهما عن إهلالهما فأخبراه بما ذكرنا ، أمر عليا بالبقاء على إحرامه ، وأمر أبا موسى بفسخ إحرامه بعمرة ويحل ثم يحرم بالحج ،

قال أبو محمد رحمه الله : لا تعارض في ذلك أصلا ، بل أمرهما بما أمر به جميع أصحابه ، وذلك أنه عليه السلام أمر كل من ساق الهدي بالبقاء على إحرامه وثبت هو عليه السلام على إحرامه ؛ لأنه كان ساق الهدي ، وسأل عليا : « أمعك هدي ؟ » قال : نعم ، فأمره بما أمر به كل من معه هدي وأمر عليه السلام كل من لا هدي معه بفسخ إحرامه بعمرة ، وسأل أبا موسى : « أمعك هدي ؟ » فقال : لا ، فأمره عليه السلام بما أمر به كل من لا هدي معه ، وهذا الحكم باق أبدا في كل وجه من الوجهين المذكورين ، حكمه المذكور . وأما إهلالهما بإهلال كإهلال النبي فليس فيه إباحة إهلال بغير نية لعمل مقصود بعينه ، لا في الحج ولا في غيره أيضا إباحة أن يهل أحد بعد تلك الحجة بإهلال كإهلال فلان ؛ لأن الناس في تلك الحجة تعلموا مناسكهم التي لم يتعلموها قبل ذلك ، ويشهد بهذا الذي قلنا عائشة وجابر .

كما حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا سويد بن سعيد ، عن علي بن مسهر ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله نلبي ، لا نذكر حجا ولا عمرة ، وساق الحديث ، فإن قال قائل : هذا خلاف ما رواه لكم عبد الله بن يوسف عن أحمد بن فتح ، عن عبد الوهاب بن عيسى ، عن أحمد بن محمد ، عن أحمد بن علي ، عن مسلم ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله موافين لهلال ذي الحجة ، فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحجة وعمرة ، ومنا من أهل بحجة ، وذكر باقي الحديث . قلنا له وبالله تعالى التوفيق : كلا ليس معارضا له ، بل هو موافق له ؛ لأن هذا الإهلال الذي ذكره هشام عن عروة ، عن عائشة ، عن الناس ، إنما كان بعد تعليم النبي لهم ذلك

250 - كما حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا ابن أبي عمر هو العدني ، حدثنا سفيان هو ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت خرجنا مع رسول الله ، فقال : « من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليهل ، ومن أراد منكم أن يهل بعمرة فليهل » قالت عائشة : فأهل رسول الله بحج ، وأهل به ناس معه ، وأهل ناس بالعمرة والحج ، وأهل ناس بعمرة ، وكنت فيمن أهل بالعمرة . فصح بهذا الحديث أن إهلال الناس بما أهلوا إنما كان بعد أمر النبي لهم بذلك ، واتفق جميع الأحاديث ، والحمد لله رب العالمين ، وصح أن قولها الذي ذكرنا آنفا إذ قالت : خرجنا نلبي لا نذكر حجا ولا عمرة ليس معارضا لقولها ، إذ قالت : لبى قوم بحج ، وقوم بعمرة ، وقوم بحج وعمرة ، واستبان الحديث الذي ذكرنا آنفا من طريق الزهري عن عروة ، أن ذلك كان وقتين ، فأول أمرهم أن لبوا لا يذكرون حجا ولا عمرة ، ثم لما أمرهم النبي أن يلبوا بما أحبوا من ذلك لبوا ، أباح لهم وتآلفت الأحاديث بحمد الله تعالى . فإن قال قائل : فإنكم لا تأخذون من هذا الحديث الذي احتججتم به آنفا من طريق الزهري ، عن عروة ، بموضعين اثنين قلنا ، وبالله تعالى التوفيق

إنما سقناه لما فيه من النص على أنهم لم يلبوا بشيء إلا حتى علمهم إياه رسول الله ، ثم قلنا : إن آخر أمره عليه السلام بمكة بالفسخ لمن لا هدي معه ، فأمر من معه الهدي بالقران ، على ما ذكرنا قبل أن ينسخ الإباحة التي كانت في هذا الحديث ، والناسخ هو الذي يلزم الأخذ به ، ثم الزائد في روايته مقبول ، وقد زاد الليث ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، زيادة على ما في هذا الحديث الذي رواه سفيان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، فلزم الأخذ بها ؛ لأنها زيادة عدل ، وهي أنه عليه السلام أهل بالعمرة والحج ، ثم نرجع إلى ما ابتدأنا الكلام به من معنى إهلالهم بإهلال كإهلال النبي مطلقا ، فنقول وبالله التوفيق : فهذه عائشة قد ذكرت أنهم لبوا بغير ذكر حج ولا عمرة ، حتى علمهم النبي

251 - وحدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، هو ابن راهويه ، عن حاتم بن إسماعيل المدني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : دخلت على جابر بن عبد الله ، فقلت : أخبرني عن حجة ، رسول الله ، فقال بيده ، يعقد تسعا ، وقال : إن رسول الله مكث تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس في العاشرة ، بأن رسول الله حاج ، فقدم المدينة بشر كثير ، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله ، ويعمل مثل عمله ، فخرجنا معه ، ثم ذكر الحديث . وفيه : ورسول الله بين أظهرنا ، عليه ينزل القرآن ، وهو يعرف تأويله ، وما عمل من شيء عملنا به ، وذكر الحديث . وقد ذكرنا فيما خلا من كتابنا هذا قوله للناس : « خذوا عني مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه » بإسناده ، فأغنى عن إعادته . فقد صح بما أوردنا أن عليا وأبا موسى لم يهلا ، إلا كما أهل من حج معه عليه السلام في ذلك العام ، وأنهم كلهم كانوا ناظرين إليه عليه السلام ، فما علمهم يعلموه ، وما أمرهم به أو عمله عليه السلام عملوه ، ودروا أنه هو حكم نسكهم ، وفي تلك الحجة استقر حكم الحج والعمرة وجميع المناسك ، فليس لأحد بعد هذا أن يتعدى ما أمر به الله تعالى على لسان نبيه فيها ، لا في إهلال ولا في غيره بوجه من الوجوه وبالله تعالى التوفيق ، وقد بينا كل ما عمل به عليه السلام في تلك الحجة ، وما بلغنا أنه أمر به فيها وإن كنا قد تركنا له عليه السلام أوامر في المناسك كثيرة ؛ لأنا لم نجد نصا على أنه عليه السلام أمر بها في تلك الحجة ، وإنما قصدنا تلك الحجة ، وما صح عندنا أنه كان فيها من أمر أو عمل ، وبالله تعالى التوفيق

الباب الحادي عشر عدل

الاختلاف في تكفين المحرم قال أبو محمد رحمه الله : قد ذكرنا أمره عليه السلام أن يكفن المحرم في ثوبيه باديا رأسه ووجهه ، غير مغطيين ، ولا يحنط ولا يمس بطيب ، فوجب هذا فرضا علينا في من مات من المحرمين ، وقد ذهب إلى غير هذا قوم ، فرأوا أن يحنط ويطيب ويستر وجهه ورأسه

252 - كما حدثنا حمام ، عن الباجي ، عن أحمد بن خالد ، عن الكشوري ، عن الحذاقي ، عن عبد الرزاق ، حدثنا الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قال : سئلت عن المحرم يموت ، قالت : اصنعوا به كما تصنعون بموتاكم

253 - وبه إلى عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن الزهري ، عن سالم ، قال : توفي واقد بن عبد الله بن عمر مع ابن عمر بالجحفة ، وهو محرم ، فأخذ ابن عمر رأسه وقمصه وعممه ولفه في ثلاثة أثواب ، قال : هذا يقطع إحرامه حين توفي ، ولولا أنا محرمون ؛ أمسسناه طيبا ، وبهذا يأخذ مالك وجماعة من فقهاء الأمصار ، وخالفهم آخرون

254 - كما حدثنا حمام ، عن الباجي ، عن ابن خالد ، عن الكشوري ، عن الحذاقي ، عن عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، قال : خرج عبد الله بن الوليد معتمرا ، مع عثمان بن عفان ، فمات بالسقيا ، وهو محرم ، فلم يغيب عثمان رأسه ، ولم يمسسه طيبا ، فأخذ الناس بذلك

255 - وبه إلى عبد الرزاق ، حدثنا أبي ، قال : توفي عبيد بن يزيد بالمزدلفة وهو محرم فلم يغيب المغيرة بن حكيم رأسه ، وبهذا أخذ الشافعي وأصحابه وجمهور أصحاب الحديث ، وأصحاب الظاهر ، وبه نأخذ ، قال أبو محمد رحمه الله : إن في بعض الناس لعجبا ، أخذوا بقول عثمان في أن لا يطيب المحرم قبل إحرامه لإحرامه ، وتركوا قول عائشة في ذلك ، ومعها فعل النبي وعمله ، ثم أخذوا بقول عائشة في أن العمل في المحرم إذا مات كالعمل في غيره ، وخالفوا عثمان في ذلك ، ومعه مسند رسول الله ، فكأنهم مغرون بخلاف السنن حيثما وجدوها ، نعوذ بالله من ذلك . وما ها هنا شيء يمكن أن يشغب به في خلاف ما أوردنا عن ابن عباس عن النبي في سنة تكفين المحرم إذا مات

256 - إلا ما حدثنا حمام ، حدثنا الباجي ، حدثنا أحمد بن خالد ، عن الكشوري ، عن الحذاقي ، عن عبد الرزاق ، قال : قال ابن جريج ، عن عطاء ، إن مات المحرم قبل أن يرمي الجمرة فيغيب رأسه . بلغني أن النبي قال : « خمروا وجوههم ، ولا تشبهوا باليهود » ،

قال أبو محمد رحمه الله : هذا حديث مرسل لا يقوم بمثله حجة ، ولا يحل أن يترك له السنة في أن لا تخمروا وجهه ، حتى لو صح هذا الحديث والسند لما كانت لهم فيه حجة ؛ لأنه ليس فيه أن ذلك يفعل بالمحرم ، وإنما هو حديث عام ، فلو صح لوجب أن يستثنى منه المحرم بحديث ابن عباس فنكون قد استعملنا كلا الحديثين ، إذ لا يحل غير هذا في ما صح من الأحاديث ، ولا يجوز أن يترك منها شيء لشيء آخر ، فكلها في وجوب الطاعة لها سواء ، ولكن العجب والشأن في من ترك الصحيح لسقيم لا يعارضه ولا يخالفه ، وبالله تعالى نعتصم ، وقد شغب بعضهم في هذا بقول الله تعالى ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) ، وبقول رسول الله  : « إذا مات أحدكم انقطع عمله إلا من ثلاث » أو كما قال عليه السلام ، فذكر : « صدقة جارية ، وعلما ، وولدا صالحا يدعو له » ، قال أبو محمد رحمه الله : وإن في احتجاج من احتج بهذا في رد سنة تلقين المحرم ؛ لأنه وغيره لمن اعتبر . فيقال له ، وبالله تعالى التوفيق ، : إن هذا العمل المأثور في تكفين المحرم إذا مات ليس عملا للمحرم فينقطع بموته ، وإنما هو عمل للمحرم أمر به الأحياء في الموتى المحرمين ممن يعصون الله عز وجل ، إذا بلغهم فتركوه ، وهو ينبغي لنا في من مات من محرمينا ولا ينبغي للمحرم الميت ، فبطل التمويه الذي لا يستجيزه ذو ورع ، وصح أنه عملنا وسعينا كغسل جميع الموتى ، حاشا الشهداء ، وتكفينهم ، فإنهم يكفنون في ثيابهم ولا يغسل عنهم دماؤهم ، أفترى ذلك عملا للشهيد لم ينقطع بموته ، وأنه سعي الموتى ؟ وهذا ما لا يخالفنا خصومنا فيه ، فهلا قالوا لأنفسهم : إن هذه سنة أمرنا بها في المحرم كما أمرنا بأخرى في الشهيد ، وكلاهما مخالفة لما أمرنا به في غير المحرم وغير الشهيد ، ولا يقدمون على معصية الله تعالى ورسوله تقليدا لمن يأمرهم بتقليده ، ولا يغني عنهم من الله تعالى شيئا ، ولكن لا توفيق إلا بالله تعالى ، فإياه عز وجل نسأله ، لا إله إلا هو ، فإن قال قائل : بل أنتم تبيحون للمحرم أن يغطي وجهه ، وإنما تمنعونه من تغطية رأسه فقط ، ثم ترون في المحرم الميت أن لا يغطى وجهه ولا رأسه ، فكيف هنا ؟ قلنا له ، وبالله تعالى التوفيق

نحن لا نستعمل رأيا مع أمر رسول الله ، ولا نتعقب كلام ربنا تعالى وأمره ، وإنما نسمع ونطيع لما أمرنا به ، فلما جاء الأمر بأن لا يلبس المحرم العمائم وصح الإجماع على أن إحرامه في رأسه ، ولم يأت في نهيه عن تغطيته وجهه نص ولا إجماع ، وقفنا عند ذلك ، وإنما جاء النص في أن لا يغطى المحرم الميت ، وجهه ولا رأسه ، وقفنا عند ذلك ولم نتلق أوامر ربنا بالرد ، كما يفعل خصومنا إذ يحدثون بالريح من الأسافل فيغسلون الوجوه ، ويمسحون الرءوس ، ولا يمسون الأسافل بالماء ، ولا يعترضون في ذلك ، فلو فعلوا مثل ذلك ها هنا لوفقوا ، وما توفيقنا إلا بالله تعالى

الباب الثاني عشر عدل

خلاف ورد في تقديم الصلاة على الخطبة في عرفة قال أبو محمد رحمه الله : قد ذكرنا حديث جابر في خطبته بعرفة ، ثم جمعه بعدها بين الظهر والعصر ، وقد روينا خلاف ذلك

257 - كما حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا سليمان بن الأشعث السجستاني ، حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا يعقوب ، عن ابن إسحاق ، حدثني نافع ، عن ابن عمر ، قال : غدا رسول الله من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة ، فنزل بنمرة ، وهو منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة ، حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله مهجرا ، فجمع بين الظهر والعصر ، ثم خطب الناس ، ثم راح فوقف على الموقف من عرفة ،

قال أبو محمد رحمه الله : الكافة كلها نقلت من رواية جابر أن الخطبة كانت ذلك اليوم قبل الصلاة نقلا يقطع العذر ويرفع الشك ، فلا شك في أن عمل جميع الأئمة المقيمين للحج عاما بعد عام ، من ذلك الوقت إلى الآن ، إنما جرى على رواية جابر ، فصح بذلك أن الرواية عن ابن عمر التي ذكرنا لا تخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما ، إما أن يكون النبي خطب كما روى جابر ثم جمع بين الصلاتين ، ثم كلم الناس ببعض ما يأمرهم به ، ويعظهم فيه ، فسمى ذلك اليوم خطبة ، فيتفق الحديثان بذلك ، وهذا حسن لمن فعله ، فإن لم يكن هذا ، فحديث ابن عمر ، والله أعلم ، وهم بين أحمد بن حنبل ، وبين نافع ، والله أعلم

الباب الثالث عشر عدل

الخلاف في خطبته يوم عرفة بعرفة أعلى راحلته أم على منبر ؟ قال أبو محمد رحمه الله : قد ذكرنا حديث جابر ، وأنه ذكر أن رسول الله خطب الناس يوم عرفة على راحلته ، وقد روينا أيضا ذلك عن غير جابر .

258 - كما حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرني محمد بن آدم المصيصي ، عن ابن المبارك ، عن سلمة بن نبيط ، عن أبيه ، قال : رأيت رسول الله يخطب يوم عرفة على جمل ، قال أبو محمد رحمه الله : قد روى سفيان الثوري أيضا عن سلمة بن نبيط هذا الحديث ، وزاد فيه : إن الخطبة كانت قبل الصلاة

259 - كما حدثنا حمام ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا بكر بن حماد ، حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى هو القطان ، حدثنا سفيان ، عن سلمة بن نبيط ، عن أبيه ، قال : رأيت رسول الله يخطب بعرفة على بعير أحمر قبل الصلاة 260 - وحدثنا أيضا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا هناد بن السري ، حدثنا وكيع ، عن أبي عمرو عبد المجيد ، قال : حدثني خالد بن العداء بن هوذة ، قال : رأيت رسول الله يخطب الناس يوم عرفة على بعير ، قال أبو داود : هكذا رواه محمد بن العلاء عن وكيع

261 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا سليمان بن الأشعث أبو داود ، حدثنا عباس بن عبد العظيم ، حدثنا عثمان بن عمر ، حدثنا عبد المجيد أبو عمرو ، عن العداء بن خالد ، قال أبو داود : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، واللفظ له قال : حدثنا وكيع ، عن عبد المجيد ، حدثني العداء بن خالد بن هوذة ، قال : رأيت رسول الله يخطب يوم عرفة على بعيره ، قال أبو محمد رحمه الله : لعل كلا الرجلين حدث بذلك عبد المجيد ، فهذا ممكن والله أعلم ، وقد روينا خلاف ذلك

262 - كما حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا هناد ، عن ابن أبي زائدة ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن زيد بن أسلم ، عن رجل ، من بني ضمرة ، عن أبيه ، أو عمه ، قال : رأيت رسول الله وهو على المنبر بعرفة ، قال أبو محمد : هذه رواية ساقطة لا يلتفت إليها ؛ لأنها عن مجهول عن مجهول مشكوك فيه ، ومثل هذا لا تقوم به حجة ، فبقي أنه كان عليه السلام يومئذ على بعير هو المأخوذ به لصحته وتشعب طرقه ، وبالله تعالى التوفيق

الباب الرابع عشر عدل

الخلاف الوارد في الأذان والإقامة بعرفة بجمع صلاتي الظهر والعصر بها ومزدلفة بجمع صلاتي المغرب والعشاء الآخرة بها قال أبو محمد رحمه الله : أما حديث جابر في أن رسول الله جمع بين صلاتي الظهر والعصر بعرفة بأذان واحد لهما معا وبإقامتين لهما ، لكل صلاة منهما إقامة ، وأنه لما أتم الخطبة بها أتى بلال بالأذان والإقامة فقد ذكرناه فيما خلا من كتابنا هذا

263 - وقد حدثناه أيضا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق القاضي ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، وعثمان بن أبي شيبة ، وهشام بن عمار ، وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان ، وربما زاد بعضهم الكلمة ، قالوا : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : دخلنا على جابر بن عبد الله ، فقلت أخبرني عن حجة رسول الله ، فذكر الحديث وذكر خطبته بعرفة وإشهاده الناس على تبليغه ، قال : ثم أذن بلال ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ، وذكر باقي الحديث ،

قال أبو محمد رحمه الله : هذا حديث لم يأت شيء في الأحاديث الفائتة شيء يخالفه ، ولم يجز تعديه أصلا ، وبهذا الحديث يقول الشافعي ، وأبو ثور وسائر أصحاب الظاهر وأبو حنيفة وأصحابه ، وبه يقول داود وقد روي خلاف هذا عن مالك ، وسفيان ، وأحمد ، ولا ندري بم تعلقوا في ذلك ، فأما مالك فإنه يرى الجمع بين الظهر والعصر بعرفة بأذانين وإقامتين ، لكل صلاة أذان وإقامة ، وأما سفيان الثوري ، وأحمد بن حنبل فإنهما قالا بجمع بين الصلاتين بعرفة بإقامتين ، لكل صلاة إقامة ، ولم يذكرا أذانا ، إلا أن أحمد قال : وإن أذن فلا بأس ، قال أبو محمد رحمه الله : ثم وجدنا حديثا مرسلا به والله أعلم تعلق سفيان ، وأحمد

264 - وهو ما أخبرنا به حمام بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن محمد الباجي ، حدثنا أحمد بن خالد ، عن الكشوري ، عن الحذاقي ، عن عبد الرزاق ، حدثنا ابن جريج ، عن عطاء ، أن النبي لما قدم مكة صلى كل صلاة بإقامة ، قال أبو محمد رحمه الله : هذا مرسل لا تقوم به حجة ، وقال أبو محمد رحمه الله : وهذا كله لا معنى له ، إذ قد صح الخبر عن النبي في ذلك بما لا يسع أحدا تعديه . وكذلك أيضا اختلفوا في وقت الأذان أفي الخطبة ، أم قبلها ، أم بعدها ؟ فقال أبو حنيفة : يؤذن والإمام جالس على المنبر قبل أن يأخذ في الخطبة ، فإذا أتم الخطبة أقام الصلاة ، وقال أبو يوسف : يؤذن والإمام لم يخرج إلى الخطبة بعد ، ثم يخرج الإمام فيخطب ، فإذا أتم الخطبة أقام الصلاة ، ثم رجع عن ذلك ، فقال : يؤذن إذا مضى صدر من خطبة الإمام ، وقال الشافعي وأصحاب الظاهر : إذا خطب الإمام الأولى ثم حبس ، ثم أخذ في الخطبة الثانية أذن المؤذن حينئذ وخفف الإمام الكلام لتتم الخطبة مع تمام الأذان ، وقال مالك مرة : كل ذلك واسع ، إن شاء أن يؤذن والإمام يخطب ، وإن شاء إذا فرغ من الخطبة ،

وقال مرة أخرى : إذا أكمل الإمام الخطبة ابتدأ المؤذنون بالأذان ثم بالإقامة ثم بالصلاة ، وقال أبو محمد رحمه الله : هذا الثاني عن مالك هو الصحيح الذي لا يجوز تعديه لصحته عن رسول الله ، وبه نأخذ ، إلا أننا لا نحب أن يكون هنالك أكثر من مؤذن واحد فقط على ما في حديث جابر المذكور ، فلا خير في مخالفة أمر رسول الله ، ولا في مخالفة فعله ، وبالله تعالى التوفيق ، وأما جمع الصلاتين بمزدلفة ، فقد ذكرنا حديث جابر في أنه جمع بها بين المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ، وبه يأخذ الشافعي في رواية أبي ثور عنه ، وبه يأخذ أبو ثور ، وأبو جعفر الطحاوي ، وبه نأخذ ، وقد رويت أحاديث مخالفة لهذا الحديث أخذ بها قوم من أهل العلم ، نذكرها على مراتبها إن شاء الله تعالى ، وبه التوفيق ، فمن ذلك

265 - ما حدثناه عبد الله بن ربيع التميمي ، حدثنا محمد بن إسحاق بن السليم ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا القعنبي ، عن مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا

266 - حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ، حدثنا أبو الفيض المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا خالد بن مخلد ، حدثني سليمان بن بلال ، حدثني عدي بن ثابت ، حدثني عبد الله بن يزيد الخطمي ، حدثني أبو أيوب الأنصاري ، أن رسول الله جمع في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة ، قال أبو محمد : فهذان الحديثان نوع ثان ، كما ترى ، ليس فيه ذكر أذان ولا إقامة ، فروي الأخذ بما فيه عن بعض السلف الطيب

267 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز البغوي ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا يونس بن عبيد ، عن زياد بن جبير ، عن طلق بن حبيب ، أن ابن عمر ، جمع بين المغرب بجمع ، قال : الصلاة للمغرب ، ولم يؤذن ولم يقم ، ثم قال أيضا : للعشاء ، ولم يؤذن ولم يقم ، ونحر بدنته وهي قائمة مقيدة

268 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابن عثمان ، حدثنا ابن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا حجاج ، حدثنا حماد ، عن أنس بن سيرين ، قال : وقفت مع ابن عمر بعرفة ، وكان يكثر أن يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، فلما أفضنا من عرفة دخل الشعب فتوضأ ، ثم جاء إلى جمع فعرض راحلته ، ثم قال : الصلاة ، فصلى المغرب ، ولم يؤذن ولم يقم ، ثم سلم ، ثم قال : الصلاة ، ثم صلى العشاء ولم يؤذن ولم يقم ، فلما كان آخر الليل فصلى تطوعا وقمنا خلفه

269 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب السختياني ، عن نافع ، قال : « لم أحفظ عن ابن عمر ، أذانا ولا إقامة بجمع » ، قال أبو محمد : جمع من المزدلفة

270 - ونوع ثالث حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن ابن أبي ذئب ، حدثني الزهري ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه عبد الله بن عمر ، أن رسول الله جمع بين المغرب والعشاء بجمع بإقامة واحدة ، لم يسبح بينهما ولا على إثر واحدة منهما

271 - حدثني أحمد بن قاسم ، حدثني أبي قاسم بن محمد بن قاسم ، حدثني جدي قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن مسرة ، حدثنا عبد الصمد بن حسان ، حدثنا سفيان الثوري ، عن سلمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الصلاة بالمزدلفة بإقامة واحدة ، فروي الأخذ بذلك أيضا عن ابن عمر ، وسعيد بن جبير

272 - كما حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثني زهير بن حرب ، حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن الحكم ، وسلمة ، عن سعيد بن جبير ، أنه صلى المغرب والعشاء بإقامة واحدة ، ثم حدث عن ابن عمر ، أنه صلى مثل ذلك وحدث ابن عمر أن النبي صنع مثل ذلك

273 - وبهذا السند إلى مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي إسحاق ، قال : قال سعيد بن جبير : أفضنا مع ابن عمر حتى أتينا جمعا ، فصلى بنا المغرب والعشاء بإقامة واحدة ، ثم انصرف ، فقال : هكذا صلى بنا رسول الله في هذا المكان

274 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن مجاهد ، أن ابن عمر ، كان يجمع بين الصلاتين بإقامة واحدة

275 - حدثنا محمد بن سعيد ، حدثنا أحمد بن عون ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا الخشني ، حدثنا بندار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، سمعت أبا إسحاق - هو السبيعي - أنه ، سمع عبد الله بن مالك الهمداني ، أنه صلى مع ابن عمر بجمع فأقام فصلى المغرب والعشاء بإقامة واحدة ، فسأله خالد بن مالك عن ذلك فقال : رأيت رسول الله فعل مثل هذا في هذا المكان . وإلى هذا ذهب محمد بن داود وقد قال به سفيان ، وأحمد

276 - ونوع رابع : حدثناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه ، أخبرنا يحيى بن آدم ، حدثنا زهير بن معاوية أبو خيثمة ، حدثنا إبراهيم بن عقبة ، أخبرني كريب ، هو مولى ابن عباس أنه سأل أسامة بن زيد ، فذكر الحديث وفيه : أن أسامة ، قال له : فركب - يعني رسول الله - حتى جئنا المزدلفة فأقام المغرب ، ثم أناخ الناس في منازلهم ، ولم يحلوا حتى أقام العشاء الآخرة ، فصلى ، ثم حلوا

277 - حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ، حدثنا أبو إسحاق البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا مالك ، عن موسى بن عقبة ، عن كريب ، عن أسامة بن زيد ، أنه سمعه يقول : دفع رسول الله من عرفة فنزل الشعب ، فبال ، ثم توضأ ، ولم يسبغ الوضوء ، فقلت له : الصلاة ، فقال : « الصلاة أمامك » . فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ ، ثم أقيمت الصلاة ، فصلى المغرب ، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ، ثم أقيمت الصلاة ، فصلى ، ولم يصل بينهما

278 - حدثنا حمام ، حدثنا عبد الله بن إبراهيم ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا آدم ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن سالم بن عبد الله ، عن ابن عمر ، قال : « جمع رسول الله المغرب والعشاء بجمع ، كل واحدة منهما بإقامة ، ولم يسبح بينهما ، ولا على إثر واحدة منهما » فروي الأخذ بهذا أيضا عن بعض السلف الطيب

279 - كما حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن الحجاج ، هو ابن أرطاة ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، هو أخو الأسود بن يزيد أن عمر بن الخطاب ، جمع بينهما بإقامتين ، يعني بمزدلفة

280 - وبهذا السند إلى حماد : أخبرنا 4606 عبد الكريم قال : « كنت مع سالم بن عبد الله بجمع ، فجمع بين المغرب والعشاء فأقام إقامتين »

281 - حدثنا حمام ، حدثنا الباجي ، حدثنا أحمد بن خالد ، عن الكشوري ، عن الحذاقي ، حدثنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا بعض أصحابنا ، حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبي جعفر ، أن عليا ، جمع بين المغرب والعشاء بجمع ، كل واحدة منهما بإقامة وإلى هذا ذهب الشافعي في رواية المصريين عنه ، وقال به أحمد ، وسفيان أيضا

282 - ونوع خامس : حدثناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن بكر البصري ، حدثنا سليمان بن الأشعث ، حدثنا مسدد ، حدثنا أبو الأحوص ، حدثنا أشعث بن سليم ، عن أبيه ، قال : أقبلت مع ابن عمر من عرفات فلم يكن يفتر من التهليل والتكبير ، حتى أتينا المزدلفة فأذن وأقام ، فصلى بها المغرب ثلاث ركعات ، ثم التفت إلينا فقال : الصلاة ، فصلى بنا العشاء ركعتين ثم دعا بعشائه . قال : وأخبرني علاج بن عمرو بمثل حديث أبي ، عن ابن عمر ، وقيل لابن عمر في ذلك فقال : صليت مع رسول الله هكذا ، وقد رويناه أيضا عن عمر

283 - كما أخبرنا محمد بن سعيد النباتي ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، عن سفيان الثوري ، عن سماك بن حرب ، عن النعمان بن حميد ، أن عمر ، جمع بينهما بالمزدلفة ، وصلاهما بأذان وإقامة ، وبهذا يأخذ أبو حنيفة وأصحابه . فهذه الأحاديث التي رويت في ذلك مسندة ، وأشد الاضطراب في ذلك عن ابن عمر فإنه قد روي عنه من عمله الجمع بينهما بلا أذان ولا إقامة . وروي عنه أيضا الجمع بينهما بإقامة واحدة ، وروي عنه أيضا مسندا إلى النبي الجمع بينهما بإقامتين ، وروي عنه أيضا مسندا إلى النبي الجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة لهما معا على حسب ما قد أوردناه آنفا وها هنا قول سادس لم نجده مرويا عن النبي  :

284 - وهو ما حدثناه محمد بن سعيد ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : صلي بنا المغرب والعشاء بالمزدلفة كل واحدة منهما بأذان وإقامة حدثنا حمام ، حدثنا الباجي ، عن ابن خالد ، عن الكشوري ، عن الحذاقي ، عن عبد الرزاق ، عن أبي بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق ، أنه ذكر حديث ابن مسعود هذا لأبي جعفر محمد بن علي ، فقال : أما نحن أهل البيت فهكذا نصنع . وقد روي أيضا عن عمر من فعله ، وبه يأخذ مالك

285 - حدثناه أحمد بن عمر بن أنس ، حدثناه عبد الله بن عقال القرينشي ، حدثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ، حدثنا محمد بن أحمد بن الجهم ، أخبرنا إسماعيل هو القاضي ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله ، أخبرنا هشيم ، أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم هو النخعي ، عن الأسود بن يزيد ، قال : « كنت مع عمر رضي الله عنه حيث أفاض من عرفات ، فأتى جمعا فصلى به المغرب والعشاء ، كل صلاة منهما بأذان وإقامة » وروي أيضا عن علي مرسلا

286 - حدثناه أحمد بن عمر ، عن عبد الله بن حسين ، عن إبراهيم بن محمد ، عن محمد بن الجهم ، حدثنا موسى بن إسحاق الأنصاري ، حدثنا أبو بكر بن شيبة ، حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال : « اتفق علي ، وعبد الله هو ابن مسعود على أن كل صلاة تجمع بأذان وإقامة »

قال أبو محمد : أما هذا القول الأخير فلا وجه للاشتغال به ؛ لأنه لا حجة في أحد دون رسول الله ، فبقيت الأحاديث المسندة التي صدرنا بها .

فنقول وبالله التوفيق : إننا إنما ملنا إلى حديث جابر دون سائر الأحاديث ؛ لأننا نظرنا في حديث أبي أيوب ، وابن عمر الأول فوجدناهما ليس فيهما ذكر لإقامة ولا أذان ، ثم نظرنا في حديث ابن عباس ، وابن عمر الثاني فوجدنا فيه ذكر إقامة واحدة لكلتا الصلاتين ، فكان في هذا الحديث ذكر إقامة زائدة على ما في حديث أبي أيوب ، وزيادة العدل واجب الأخذ بها ؛ لأنها فضل علم عنده ، لم يكن عند من لم يأت بتلك الزيادة ، ومن علم حجة على من لم يعلم ، ثم نظرنا في حديث أسامة ، وابن عمر الثالث فوجدنا فيه ذكر إقامتين لكل صلاة منهما إقامة ، فكانت هذه أيضا زيادة على ما في حديث ابن عباس يلزم الأخذ بها ، ولا بد لما ذكرنا آنفا ، ونظرنا في حديث جابر ، وابن عمر الرابع فكانت فيهما زيادة أذان على حديث أسامة ، وابن عباس ، وأبي أيوب ، وكانت في حديث جابر أيضا ذكر إقامتين ، فكان أتم الأحاديث ، ووجب الأخذ بما فيه ، ولا بد ؛ لأنه فضل علم ذكره جابر ولم يذكره غيره فلزم الوقوف عنده .

ولو صح حديث مسند إلى رسول الله بمثل قول ابن مسعود الذي أخذ به مالك من أذانين وإقامتين لوجب المصير إليه لما فيه من الزيادة ، ولكن لا سبيل إلى التقدم بين يدي الله عز وجل ورسوله ، ولا إلى التزيد على ما صح عنه عليه السلام ، وبالله تعالى التوفيق . وقد ذكر عن أبي حنيفة أنه : إن فرق المرتين المغرب والعشاء بمزدلفة بعشائه أقام للعشاء الآخرة إقامة ثانية . قال أبو محمد : وهذا لا معنى له ؛ لأنه قول لا يعضده نص ولا إجماع ، وبالله تعالى نعتصم

الباب الخامس عشر عدل

الاختلاف في طوافه بالبيت بعد الإفاضة من منى يوم النحر قال أبو محمد : قد ذكرنا الرواية عن جابر وعائشة في أن رسول الله أفاض يوم النحر ، وصلى بمكة ، وذكرنا الرواية عن ابن عمر أن رسول الله أفاض يوم النحر ، ثم رجع وصلى الظهر بمنى .

وها هنا حديث آخر وهو ما حدثناه عبد الله بن ربيع عن عائشة وابن عباس أن النبي أخر الطواف يوم النحر إلى الليل . قال أبو محمد : وهذا حديث معلول ؛ لأن أبا الزبير مدلس فما لم يقل فيه : حدثنا وأخبرنا وسمعت فهو غير مقطوع على أنه مسند حاشا ما كان من رواية الليث عنه عن جابر ، فإنه كله سماع . فلسنا نحتج بحديثه إلا بما كان فيه بيان أنه سمعه ، وقد صح ذلك في كل ما رواه عنه الليث عن جابر خاصة .

287 - لما أخذناه عن بعض ، أصحابنا عن القاضي عبد الله بن محمد ، عن أبي يعقوب بن الدخيل ، عن العقيلي ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحسن بن علي ، أخبرنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا الليث بن سعد ، قال : قدمت مكة فجئت أبا الزبير فدفع إلي كتابين ، وانقلبت بهما ، ثم قلت في نفسي : لو عاودته فسألته : أسمع هذا كله من جابر ؟ فرجعت إليه ، فقلت : هذا كله سمعته من جابر ؟ فقال : منه ما سمعت منه ، ومنه ما حدثت عنه . فقلت : أعلم لي على ما سمعت ، فأعلم لي على هذا الذي عندي قال أبو محمد رحمه الله : وهذا الحديث الذي ذكرنا ليس فيه ذكر سماع من أبي الزبير إياه عن عائشة وابن عباس ، فسقط الاشتغال به ، وبقي الوجهان الأولان . وقد قلنا في ما خلا من كتابنا هذا : إن هذا مما لم يلح لنا القطع على وجه الحقيقة فيه ، إلا أن الأغلب عندنا أنه صلى الظهر في ذلك اليوم بمكة لوجوه :

أحدها : اتفاق عائشة وجابر على ذلك ، واختصاص عائشة رضي الله عنها بموضعه عليه السلام ، وأيضا في حجة الوداع كانت في شهر آذار وهو وقت تساوي الليل والنهار ، وقد دفع عليه السلام من مزدلفة قبيل طلوع الشمس إلى منى ، وخطب بها الناس ، ونحر بدنا عظيمة ، وتردد بها على الخلق ، ورمى الجمرة ، وتطيب ، ثم أفاض إلى مكة ، فطاف بالبيت سبعا ، وشرب من زمزم ، ومن نبيذ السقاية ، وهذه الأعمال يبدو في الأظهر أنها لا تنقضي في مقدار يمكن معه الرجوع من مكة إلى منى قبل الظهر ، ويدرك بها صلاة الظهر في أيام آذار ، والله أعلم . وقد قلنا : إننا لا نقطع على هذا ، وعلم ذلك عند الله عز وجل

الباب السادس عشر عدل

الاختلاف في عدد ما رمى به الجمرة من الحصى قد ذكرنا فيما خلا من كتابنا هذا حديث جابر في أنه رمى الجمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة .

288 - وقد أخبرنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ، حدثنا خالد بن الحارث ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، : سمعت أبا مجلز ، يقول : سألت ابن عباس عن شيء من أمر الجمار ؟ فقال : ما أدري رماها رسول الله بست أو بسبع

289 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا يحيى بن موسى البلخي ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، قال : قال مجاهد : قال سعد : رجعنا في الحجة مع رسول الله ، وبعضنا يقول : رميت بسبع ، وبعضنا يقول : رميت بست ، فلم يعب بعضهم على بعض . وقال أبو محمد رحمه الله : أما حديث سعد فليس مسندا ، وأما حديث ابن عباس فإنما هو شك منه ، وشكه لا يقضي على يقين جابر ، وقد وافق جابرا على أنه رماها بسبع عائشة ، وابن مسعود ، وابن عمر

290 - كما حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا علي بن بحر ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، رضي الله عنها قالت : أفاض رسول الله من آخر يومه حتى صلى الظهر ، وذكرت باقي الحديث ، وقد ذكرنا هذه الأحاديث كلها حديث عائشة ، وابن مسعود ، وابن عمر في باب رمي الجمرة ، وباب الإفاضة من كتابنا فأغنى عن تكرارها ، والحمد لله رب العالمين كثيرا

الباب السابع عشر عدل

الاختلاف في عدد ما نحر من البدن بمنى قد ذكرنا حديث جابر في ذلك وأنه نحر منها ثلاثا وستين بدنة ، ونحر علي ما غبر ، وقد جاءت الروايات في ذلك ببيان كلا العددين .

291 - كما حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، عن شعيب هو ابن الليث بن سعد قال : أخبرنا الليث هو ابن سعد ، عن ابن الهاد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، قال : كان علي قدم من اليمن بهدي لرسول الله ، وكان الهدي الذي قدم به رسول الله وعلي من اليمن مائة بدنة ، فنحر رسول الله منها ثلاثا وستين ، ونحر علي سبعا وثلاثين ، وأشرك عليا في بدنه ، ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلت في قدر فطبخت ، فأكل رسول الله وعلي من لحمها وشربا من مرقها

292 - قال أبو محمد رحمه الله : وقد ورد في ذلك ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ، حدثنا أبو إسحاق البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا سهل بن بكار ، حدثنا وهيب ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك قال : صلى النبي الظهر بالمدينة أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، فبات بها ، فلما أصبح ركب راحلته فجعل يهلل ويسبح ، فلما علا على البيداء أهل لنا بهما جميعا ، فلما دخل مكة أمرهم أن يحلوا ، ونحر النبي بيده سبع بدن قياما ، وضحى بالمدينة بكبشين أملحين قال أبو محمد رحمه الله : ففي حديث جابر أنه نحر ثلاثا وستين بدنة ، وأمر عليا فنحر ما غبر ، وفي حديث غرفة بن الحارث الكندي أنه شاهد النبي قد أخذ بأعلى الحربة ، وأمر عليا فأخذ بأسفلها ونحرا بها البدن ، ثم أردف عليا مع نفسه على البغلة ، وفي حديث أنس كما ترى أنه نحر بيده يومئذ سبع بدن .

قال أبو محمد رحمه الله : فيخرج هذا والله أعلم على وجوه : أحدها أنه عليه السلام نحر بيده أكثر من سبع بدن كما قال أنس ، وأنه عليه السلام أمر من نحر ما بعد ذلك إلى ثلاث وستين ثم زال عن ذلك المكان وأمر عليا بنحر ما بقي إما بنفسه وإما بالإشراف على ذلك . والثاني أن يكون أنس لم يشاهد إلا نحره عليه السلام سبعا فقط بيده وشاهد جابر تمام نحره عليه السلام للباقي ، فأخبر كل واحد منهما بما رأى وشهد . والثالث أنه عليه السلام نحر بيده مفردا سبع بدن كما قال أنس ، ثم أخذ هو وعلي الحربة معا فنحرا كذلك باقي الثلاث والستين بدنة كما قال غرفة بن الحارث ، وجابر ، ثم أفرد عليا بنحر باقي المائة كما قال جابر ، فتصح جميع الأخبار وينفى عنها كل التعارض ، والله أعلم أي ذلك كان ، إلا أنهم رضي الله عنهم كلهم صادق في ما حكى ، وبالله تعالى التوفيق

الباب الثامن عشر عدل

الاختلاف في الكبشين أين تنحى بهما رسول الله ؟ قال أبو محمد رحمه الله : قد ذكرنا فيما خلا من كتابنا هذا حديث أبي بكرة ، وذكره خطبة النبي يوم النحر بمنى ، وقوله عليه السلام : « أليس هذه بالبلدة » ؟ وقول أبي بكرة في آخر الحديث حاكيا عنه عليه السلام في آخر الخطبة : « ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فضحى بهما » . وقد ذكرنا في الباب الذي كان قبل هذا الباب حديث أنس وقوله : « إن رسول الله ضحى بالمدينة بكبشين أملحين »

قال أبو محمد رحمه الله : لا تعارض في هذا الباب أصلا وهما حديثان اثنان متغايران لا يحل ضرب بعضهما ببعض ، وروى أبو بكرة تضحيته عليه السلام بمكة ، وروى أنس تضحيته عليه السلام بالمدينة ، ولا يحل لأحد أن يقول : إن كلا الحديثين خبر عن عمل واحد ، ومن أقدم على ذلك فقد كذب ، ودخل في قوله تعالى ( وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ) وقفى ما لا علم له به ، وقد حرم الله تعالى ذلك إذ يقول تعالى ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) ، وليس رأي من رأى فقال من عند نفسه : لا يضحي الحاج ولا المسافر حجة يعرض عليها ما صح عن النبي فهذا هو الباطل وعكس الحق .

وإنما الواجب عرض الأقوال على ما جاء عن رسول الله فلأيها شهد أخذ به ، وأيها خالف رمى ذلك القول واطرح كما أمرنا تعالى إذ يقول ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) .

وحمل الروايات على نصها وظاهرها هو الذي لا يجوز تعديه . وصح - بما قلنا - إن الأضحية مستحبة للحاج كما تستحب لغير الحاج والمسافر كالمقيم ، ولا فرق . يبين ذلك :

293 - ما حدثناه حمام ، حدثنا عبد الله بن إبراهيم ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا مسدد ، حدثنا سفيان ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، أن النبي دخل عليها وحاضت بسرف قبل أن تدخل مكة ، وهي تبكي فقال : « ما لك أنفست » ؟ قالت : نعم ، قال : « إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت » فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : ضحى رسول الله عن أزواجه بالبقر . قال أبو محمد رحمه الله : فهذه التضحية عنهن وهن حواج مسافرات ، فإن قيل : قد روي هذا الحديث بلفظ الهدي ، وفيه : أهدى رسول الله عن نسائه البقر ، وروي أيضا : نحر عن أزواجه البقر ، وروي أيضا : ذبح عن نسائه

294 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، أخبرني أبو أيوب الغيلاني ، حدثنا أبو عامر العقدي ، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، : خرجنا مع رسول الله فذكرت الحديث ، وفيه : فأتينا بلحم بقر ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : أهدى رسول الله عن نسائه البقر

295 - حدثنا أحمد بن محمد الجسوري ، حدثنا أحمد بن مطرف ، حدثنا عبيد الله بن يحيى ، حدثنا مالك بن أنس ، عن يحيى بن سعيد ، أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن ، أنها سمعت عائشة ، تقول : خرجنا مع رسول الله ، فذكرت الحديث ، وفيه : ودخل علينا يوم النحر بلحم بقر ، فقلت : ما هذا ؟ قالوا : نحر رسول الله عن أزواجه

296 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا هناد بن السري ، عن ابن أبي زائدة ، أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة ، قالت : دخل علينا يوم النحر بلحم بقر ، فقلت : ما هذا ؟ قيل : ذبح النبي عن أزواجه البقر قيل له وبالله تعالى التوفيق : كلا اللفظين صحيح ، لا نرد أحدهما بالآخر ، وكل أضحية هدي فمن ضحى فقد أهدى الله عز وجل هديا ، وليس كل هدي أضحية ، والنسك اسم جامع لكل ذلك . وأيضا فإن سفيان ذكر التضحية زائدة معنى ، ليس في رواية الماجشون عن عبد الرحمن إذ قال : أهدى ، ولا رواية عمرة إذ قالت : نحر رسول الله .

والزائد في المعنى زائد علما ، وسنة يلزم الأخذ بها . وبالجملة فلا يحل لأحد التعلق بلفظ حديث صحيح دون لفظ آخر صحيح ورد في ذلك الحديث والواجب أن يستعمل كل ذلك ويؤخذ بجميعه ، ولا يضرب بعضه ببعض ، فكل ذلك مؤتلف لا اختلاف فيه ؛ لأنه كله وحي ، قال تعالى مخبرا عن نبيه ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ) ، وقال تعالى ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) ، فصح أنه لا اختلاف في شيء بما جاء عنه عليه السلام ، وأنه كله متفق . وقد روي في هذا أيضا حديث لسنا نورده على سبيل الاحتجاج به ؛ لأن سنده ليس مما نستجيز أن نجعله حجة لنا ولا علينا ، ولكن نورده تبكيتا لخصومنا ؛ لأنهم يحتجون بمثله إذا وافقهم

297 - وهو ما حدثناه عبد الله بن ربيع ، عن محمد بن إسحاق ، عن ابن الأعرابي ، عن أبي داود ، حدثنا النفيلي ، حدثنا حماد بن خالد الخياط ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير ، عن ثوبان ، قال : ضحى رسول الله ثم قال : « يا ثوبان أصلح لنا هذه الشاة » ، قال : فما زلت أطعمه منها حتى قدم المدينة قال أبو محمد رضي الله عنه : ففي هذا الحديث تضحية المسافر ، وقد روينا حديثا صحيحا إذا أضيف إلى الذي صدرنا به في أول هذا الباب قامت الحجة بهما ، ووضح فيهما ما في هذا الحديث

298 - وهو ما حدثناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، قال : حدثني إسحاق بن منصور ، أخبرنا أبو مسهر ، حدثنا يحيى بن حمزة ، حدثني الزبيدي ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن ثوبان ، مولى رسول الله قال : قال لي رسول الله في حجة الوداع : « أصلح هذا اللحم » ، قال : فأصلحته فلم يزل يأكل منه حتى بلغ المدينة ، ففي الذي قدمنا مع هذا الحديث بيان واضح ، فيه ما تقوم به الحجة ، كفاية وغناء عما بعده وبالله التوفيق . قال أبو محمد رضي الله عنه : ومما يبين هذا الحديث أن حديث أبي بكرة ، وأنس اللذين بنينا هذا الباب عليهما حديثان متغايران في وقتين :

299 - ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ، حدثنا أبو إسحاق المستملي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شعبة ، حدثنا عبد العزيز بن صهيب ، سمعت أنس بن مالك ، قال : كان النبي يضحي بكبشين وأنا أضحي بكبشين 300 - حدثنا حمام ، حدثنا الأصيلي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا همام ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك ، أن النبي كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين ، ويضع رجله على صفحتهما ، ويذبحهما بيده قال أبو محمد رضي الله عنه : فهذا أنس يخبر كما سمع أن رسول الله كان من عمله وعادته وسيرته التضحية بكبشين ، فصح بذلك أن هذا لا يجوز أن يقول قائل : إن هذا كان بالمدينة دون مكة ، بل هو على عمومه ، وبالله تعالى التوفيق

الباب التاسع عشر عدل

الاختلاف في إهدائه عن نسائه والرواية في ذلك في أمر عائشة رضي الله عنها قال أبو محمد رضوان الله عليه : قد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا الرواية في تضحيته عن نسائه بالبقر ، وأن ذلك هو معنى ما روي أيضا في ما قد ذكرناه فيه من الأحاديث الواردة بلفظ : أهدى ، وبلفظ : نحر ، وبلفظ : ذبح . وقد ذكرنا حديثا آخر فيما خلا من كتابنا هذا نعيده هنا للحاجة إليه :

301 - وهو ما حدثناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عمرو بن عثمان ، ومحمد بن مهران الرازي ، قالا : حدثنا الوليد هو ابن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى هو ابن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله ذبح عمن اعتمر من نسائه بقرة بينهن

302 - قال أبو محمد رحمه الله : وها هنا حديث آخر حدثناه أيضا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا سليمان بن الأشعث ، حدثنا ابن السرح ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة ، زوج النبي أن رسول الله نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة

303 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا عثمان بن عمر ، أخبرنا يونس ، عن الزهري ، عن عائشة ، أن النبي نحر عن أزواجه بقرة في حجة الوداع

304 - وهكذا رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عمرة ، عن عائشة ، قالت : « ما ذبح رسول الله في حجة الوداع إلا بقرة » ، حدثناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، عن أحمد بن شعيب ، أخبرنا محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق . قال أبو محمد رحمه الله : لا تعارض في هذا ؛ لأن حديث أبي هريرة الذي ذكرنا آنفا هو مفسر لحديث عائشة هذا ومبين أن تلك البقرة التي نحرت أو ذبحت عمن اعتمر من أمهات المؤمنين هي بلا شك غير البقرة التي ضحى بها رسول الله عن نسائه ، تلك أضحية غير واجبة ، وهذه البقرة فرض ؛ لأنهن كن متمتعات بلا شك على ما قد ذكرنا فيما خلا من كتابنا هذا بإسناده من أنهن رضي الله عنهن لم يكن سقن الهدي فأحللن بعمرة ، ثم أهللن بالحج فوجب عليهن الهدي فرضا بنص القرآن بقوله عز وجل ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) ، فأشرك عليه السلام بين من اعتمر منهن في بقرة واحدة ، كما روينا عن عائشة آنفا ، وكن رضي الله عنهن تسعا خرجت منهن عائشة بالقران ؛ لأنها لم تحل بعمرة على ما قد ذكرنا فيما خلا من كتابنا هذا ، وبيان آخر نذكره إن شاء الله تعالى ، ولا يوجد خبر فيه نص على أنه خرجت أيضا عن الاشتراك منهن أخرى غيرها ، فبقي ثمان من التسع .

وهكذا جاء الخبر الصحيح في اشتراك النفر في البقرة أو البدنة عن رسول الله . وقد جاء بيان آخر في خروج عائشة رضي الله عنها عن هذا الاشتراك المذكور

305 - وهو ما حدثناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبدة بن سليمان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله موافين لهلال ذي الحجة ، فكنت في من أهل بعمرة ، فخرجنا حتى قدمنا مكة فأدركني يوم عرفة ، وأنا حائض لم أحل من عمرتي ، فشكوت ذلك إلى رسول الله فقال : « دعي عمرتك ، وانقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج » .

قالت : ففعلت ، فلما كانت ليلة الحيضة وقد قضى الله حجنا أرسل معي عبد الرحمن بن أبي بكر ، فأردفني ، وخرج بي إلى التنعيم فأهللت بعمرة ، فقضى الله حجنا وعمرتنا ، ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم وقد صح أنها لم تحل بعمرة فخرجت عن أن يكون لها حظ في البقرة المهداة عن المعتمرات من صواحبها رضي الله عنهن ، وصح بهذا الحديث أنه ليس يلزم القارن ما يلزم المتمتع . وهكذا رواه ابن نمير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة فإن قال قائل : فإن عبد الله بن يوسف قد حدثكم عن أحمد بن فتح ، عن عبد الوهاب بن عيسى ، عن أحمد بن محمد ، عن أحمد بن علي ، عن مسلم ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، حدثنا هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، فذكرت الحديث بعينه ، وفي آخره : قال عروة في ذلك : إنه قضى الله حجها وعمرتها ، قال هشام : ولم يكن في ذلك هدي ولا صيام ولا صدقة . فجعل وكيع هذا اللفظ لهشام . قيل له وبالله التوفيق : إن كان وكيع جعله لهشام ، فابن نمير ، وعبدة لم يجعلاه له ، بل أدخلاه في كلام عائشة ، وكل واحد منهم ثقة فوكيع نسبه إلى هشام ؛ لأنه سمع هشاما يقوله ، وليس قول هشام إياه بدافع أن تكون عائشة أيضا قالته ، فقد يروي المرء حديثا بسنده ثم يفتي به دون أن يسنده ، وليس شيء من هذا بمتدافع ، وإنما يتعلل بمثل هذا من لا ينصف ، ومن اتبع هواه .

والصحيح من ذلك أن كل ثقة مصدق فيما نقل ، فإذا أضاف عبدة ، وابن نمير القول إلى عائشة صدقا ، وأخذ به لعدالتهما ، وإذا أضافه وكيع إلى هشام صدق أيضا لعدالته ، وقلنا : إن ذلك صحيح ، وإن عائشة قالته ، وقاله أيضا هشام ، وبهذا تتآلف الأحاديث ، وبالله تعالى التوفيق

306 - فإن قال قائل : فإن عبد الله بن يوسف أيضا حدثكم قال : حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثني محمد بن حاتم ، حدثنا محمد بن بكر ، أخبرنا ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله ، يقول : نحر رسول الله عن عائشة بقرة في حجته

307 - قيل له وبالله تعالى التوفيق : قد حدثنا بهذا الحديث عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي ، حدثني أبي ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله ، يقول : « نحر النبي عن نسائه بقرة في حجته »

فلا يخلو حديث ابن بكر من أن يكون هو حديث سعيد بن يحيى الأموي ، أو يكون حديثا آخر ، فإن كان هو ذلك الحديث نفسه فأحدهما وهم ، ولا شك فيه فإن كان كذلك فعائشة أعلم بنفسها ، وهي تقول : إنه لم يكن في ذلك هدي ، فصح حينئذ أن رواية ابن بكر هي الوهم ، وأن رواية يحيى الأموي هي الصحيحة ؛ لأنها الموافقة لرواية عائشة وأبي هريرة التي صدرنا بها في هذا الباب ، الذي نحن فيه ، من أنه نحر عن نسائه بقرة بينهن ، وإن كان حديث ابن بكر حديثا آخر غير حديث يحيى الأموي فهو موافق للحديث الذي ذكرناه في الباب الذي قبل هذا الباب من أنه ضحى عنهن بالبقر .

وبهذا تتآلف الأحاديث وتصح جميعها ؛ لأن عائشة رضي الله عنها قد ذكرت أيضا أنه ضحى عنهن بالبقر وأنها أتيت بلحمها ، وذكرت أيضا أنه لم يكن في عملها هدي ، فتآلفت الأحاديث ، وصحت وانتفى التعارض عنها ، وصح أن البقرة التي في حديث ابن بكر إنما هي التي ضحى بها عليه السلام عنها ، وليس في حديث ابن بكر أن تلك البقرة كانت هديا عن قرانها ، ولا يحل لأحد أن يزيد في الحديث ما ليس فيه فيحصل في حد الكذب نعوذ بالله من ذلك . وأيضا فإن مما يبين هذا كله الذي قلناه افتراضه عز وجل على جميعنا العدل بين النساء ، وأحقنا بذلك أولانا به لكل فضيلة وأقدرنا عليه رسول الله الموفق المؤيد المعصوم ، بل هو الذي نقطع بلا شك على أنه عدل في نسائه ، وفي جميع أموره ، ولم يجر في شيء من ذلك ، هذا ما لا شك فيه ، بل نبرأ إلى الله تعالى ممن شك في ذلك . فإذ قد تيقنا هذا ، فمحال ممتنع من أن يكون عليه السلام يهدي عمن اعتمر معه عليه السلام بقرة واحدة ، ويهدي عن الواجب على عائشة عندكم بقرة واحدة ، يفردها بها هذا ما لا يظنه مسلم . فصح أن تلك البقرة هي من جملة البقر التي ضحى بها عليه السلام عن نسائه ، وساوى بينهن في ذلك ، وهذا ما لا إشكال فيه ، وبالله تعالى التوفيق .

فإن اعترض معترض بما روي من أن الناس كانوا يتحينون بهداياهم يوم عائشة ، وأن سائر أمهات المؤمنين أردن العدل في ذلك ، وأن يهدى إليه عليه السلام حيث دار حتى وسطن في ذلك فاطمة ابنته رضي الله عنها ، وزينب بنت جحش رضي الله عنها . فلا حجة له في ذلك ؛ لأنه ليس على النبي أن يمنع من أراد أن يخص عائشة أو غيرها من البر بما شاء ؛ لأنه لا يلزم الناس المساواة في ذلك ، ورسول الله أجل من أن يستدعي من الناس الهدية إليه على رتبة ما ، لكن يقبل ما أهدي إليه دون أن يكون منه عليه السلام في ذلك استشراف ، هذا ما لا يظنه به عليه السلام مسلم ، وإنما الذي يلزمه فالعدل بينهن بفعله وعطائه وقسمه ، ومباح للناس أن يفضلوا ببرهم من شاءوا منهن ، وليس على النبي عليه السلام صرف قلبه عن المحبة والخصوص بها ، والرضا بتفضيل سواه إذا عدل هو عليه السلام في قسمه وفعله ، وهذا ما لا خلاف فيه بين أحد من الأمة ، وبالله تعالى التوفيق

الباب العشرون عدل

الاختلاف في لفظه لعائشة إذ حاضت ، وهي معتمرة ، فأمرها بعمل الحج ، والاختلاف في موضع طهرها رضي الله عنها

308 - حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ، حدثنا أبو إسحاق ، إبراهيم بن محمد البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثني أبو بكر الحنفي ، حدثنا أفلح بن حميد ، قال : سمعت القاسم بن محمد ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله ، فذكرت الحديث ، وفيه : قالت : فدخل علي رسول الله وأنا أبكي ، قال : « ما يبكيك يا هنتاه » ؟ قالت : سمعت قولك لأصحابك فتمتعت بالعمرة ، فقال : « وما شأنك » ؟ قلت : لا أصلي ، قال : « لا يضيرك » ، وذكرت كلاما ، وفيه : « فكوني في حجك فعسى الله أن يرزقكيها »

309 - وبه إلى البخاري : حدثنا عبد الله بن مسلمة ، حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، زوج النبي قالت : خرجنا مع رسول الله في حجة الوداع ، فأهللنا بعمرة ، ثم قال النبي  : « من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا » . فقدمت مكة وأنا حائض ، ولم أطف بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إلى النبي فقال : « انقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج ودعي العمرة » . ففعلت ، فلما قضينا حجنا أرسلني النبي مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم ، فاعتمرت فقال : « هذه مكان عمرتك » ، وذكر باقي الحديث

310 - حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن إبراهيم ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله ، فذكرت الحديث ، وفيه : فكنت ممن أهل بعمرة ، فأظلني يوم عرفة وأنا حائض ، فشكوت إلى النبي ، فقال : « ارفضي عمرتك ، وانقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج » فلما كان ليلة الجمعة أرسل معي عبد الرحمن فأهللت بعمرة مكان عمرتي

311 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن عبد الملك الخولاني ، حدثنا محمد بن بكر البصري ، حدثنا أبو داود ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، وسليمان بن حرب ، قال موسى : حدثنا وهيب بن خالد ، وحماد بن سلمة ، وقال : سليمان بن حرب : حدثنا حماد بن زيد ، كلهم عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله موافين هلال ذي الحجة فذكرت الحديث ، وفيه : فكنت ممن أهل بعمرة ، فلما كان في بعض الطريق حضت ، فدخل علي رسول الله وأنا أبكي ، فقال : « ما يبكيك » ؟ قلت : وددت أني لم أكن خرجت العام ، فقال : « ارفضي عمرتك ، وانقضي رأسك ، وامتشطي ، واصنعي ما يصنع المسلمون في حجهم » .

فلما كان ليلة الصدر أمر عبد الرحمن بن أبي بكر فذهب بها إلى التنعيم فأهلت بعمرة مكان عمرتها ، وذكر الحديث . قال أبو محمد رحمه الله : فتعلق بلفظ هذا الحديث أبو حنيفة وأصحابه الموافقون له في ذلك ورأوا للحائض بعض العمرة والإحلال منها إن دخلت بها ، ورأوا عليها لذلك دما . قال أبو محمد رحمه الله : أما الحديث الأول فهو أقرب إلى أن يكون حجة لنا منه إلى أن يكون حجة لهم ؛ لأن فيه : « فكوني في حجك » . فصح أنها في حج ، وأما سائر الأحاديث فلا توجب ما ذكروا ؛ لأن نقض الرأس والامتشاط ليس مما يمنع منه المحرم والمحرمة ، بل هو مباح لهما ، لم يأت نص ولا إجماع بمنعهما منه ، فليس في نقض الرأس والامتشاط ترك لإحرامهما المتقدم بالعمرة . ومعنى قوله لها : « ودعي العمرة ، وارفضي العمرة » ، إنما هو : دعي الطواف بالبيت الذي هو عمل العمرة فأخريه حتى تطهري ، وأمرها عليه السلام بأن تضيف إلى عمرتها حجا ، فتصير قارنة ، يبين ذلك :

312 - ما حدثناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا محمد بن حاتم ، حدثنا بهز بن أسد ، حدثنا وهيب ، حدثنا عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن عائشة ، أنها أهلت بعمرة ، فقدمت ولم تطف بالبيت ، حتى حاضت فنسكت المناسك كلها ، وقد أهلت بالحج ، فقال لها النبي يوم النفر : « يسعك طوافك لحجك وعمرتك » فأبت فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج

313 - وبهذا السند إلى مسلم قال : حدثني حسن بن علي الحلواني ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثني إبراهيم بن نافع ، حدثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن عائشة ، أنها حاضت بسرف فتطهرت بعرفة ، فقال لها رسول الله  : « يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك »

314 - وبه إلى مسلم : حدثنا قتيبة بن سعيد ، ومحمد بن رمح ، جميعا عن الليث بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، أنه قال : أقبلنا مع رسول الله بحج مفرد ، وأقبلت عائشة بعمرة ، فذكر الحديث ، وفيه : أنه دخل رسول الله على عائشة فوجدها تبكي ، فقال : « ما شأنك » ؟ قالت : شأني قد حضت ، وقد حل الناس ، ولم أحلل ، ولم أطف بالبيت ، والناس يذهبون إلى الحج الآن ، فقال : « إن هذا الأمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج » ، ففعلت ، ووقفت بالمزدلفة ، حتى إذا طافت بالكعبة والصفا والمروة ، ثم قال عليه السلام : « قد حللت من حجك وعمرتك جميعا » ، فقالت : يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت ، قال : « فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم » ، وذلك ليلة الحصبة قال مسلم : وحدثني محمد بن حاتم ، وعبد بن حميد ، كلاهما عن محمد بن بكر ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله ، فذكر الحديث كما ذكره الليث من دخول رسول الله إلى آخر الحديث

315 - حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، قال : وزادني محمد : حدثنا محاضر هو ابن المورع ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم هو النخعي ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله لا نذكر إلا الحج ، فلما قدمنا أمرنا أن نحل ، فلما كانت ليلة النفر حاضت صفية ، فذكرت الحديث ، وفيه : أن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله إني لم أكن حللت ، قال : « فاعتمري من التنعيم » فخرج معها أخوها ، وذكر باقي الخبر ، فقد نص رسول الله كما ترى على أن طوافها يكفيها لحجها وعمرتها ، وأنها قد حلت بذلك من حجها وعمرتها . فصح بذلك أنها كانت قارنة بين الحج والعمرة ، عاملة لهما عملا واحدا ، وصح بذلك ما قلنا : من أن معنى قوله  : « ارفضي العمرة ، واتركي العمرة ، ودعي العمرة » ، إنما هو تأخير الطواف لها حتى تطهر فقط ويوضح ذلك وضوحا ظاهرا :

316 - ما حدثناه أيضا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث ، أخبرني أبي ، عن جدي ، حدثني عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، زوج النبي أنها قالت : خرجنا مع رسول الله في حجة الوداع ، قالت عائشة : فحضت فلم أزل حائضا حتى كان يوم عرفة ، ولم أهلل إلا بعمرة ، فأمرني رسول الله أن أنقض رأسي وأمتشط ، وأهل بحج ، وأترك العمرة ، قالت : ففعلت ذلك حتى إذا قضيت حجي بعث معي رسول الله عبد الرحمن بن أبي بكر ، وأمرني أن أعتمر من التنعيم مكان عمرتي التي أدركني الحج ولم أحلل منها . فقد ذكرت كما ترى أنها لم تكن أحلت من عمرتها ، فصح أنها أدخلت الحج عليها ، وكلامه يفسر بعضه بعضا ، ولا يجوز أن يضرب بعضه بعضا ، ولا أن يترك بعضه لبعض ؛ لأنه كله شيء واحد ، فإن قيل : فإنها قد قالت : يا رسول الله أيرجع الناس بنسكين وأرجع بنسك ؟ وروي : أيرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بحج ؟ وإنه عليه السلام لم ينكر ذلك عليها

317 - كما حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن أم المؤمنين ، وعن ابن عون ، عن القاسم ، عن أم المؤمنين ، قالت : قلت : يا رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد ، فقال : « انتظري فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم فأهلي منه ثم القينا عند كذا وكذا - قال : أظنه قال : غدا - ولكنها على قدر نصبك - أو قال : نفقتك - »

318 - وبه إلى مسلم : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، فذكرت الحديث ، وفيه : فلما كانت ليلة الحصبة قالت : قلت : يا رسول الله يرجع الناس بعمرة وحجة ، وأرجع أنا بحجة ؟ قال : « أوما كنت طفت ليالي قدمنا مكة » ؟ قالت : قلت : لا ، قال : « فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فأهلي بعمرة ثم موعدك مكان كذا وكذا »

حدثنا حمام ، حدثنا الأصيلي ، حدثنا المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الوهاب الثقفي ، عن حبيب المعلم ، عن عطاء ، عن جابر ، فذكر الحديث وفيه أن عائشة ، قالت : يا رسول الله أينطلقون بعمرة وحج وأنطلق بالحج ؟ وذكر الحديث . قال أبو محمد رحمه الله : فيقال له وبالله التوفيق إننا قد ذكرنا من رواية طاوس ، ومجاهد عن أم المؤمنين رضي الله عنها من كلام النبي لها ، ورواية الأسود عنها رضي الله عنها أنها أخبرت النبي أنها لم تحل ، وذكرنا من رواية جابر عن النبي من كلامه عليه السلام لها أنها قد أجزأها طوافها عن حجها وعمرتها ، وأنها قد حلت من حجها وعمرتها معا . وقد ذكرنا آنفا في رواية جابر أنها رضي الله عنها إنما وجدت في نفسها إذ لم تعمل العمرة عملا منفردا قائما بنفسه سوى عملها الحج والعمرة معا ، فساعدها عليه السلام على ذلك ؛ لأنها دعت إلى بر وخير وتطوع بأجر .

فصح بهذا أن معنى قولها : يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بحج ؟ إنما هو : أن الناس عملوا عملين لهما مفترقين ، وعملت هي رضي الله عنها عملا واحدا ، وبهذا تتآلف الأحاديث ، وإخراج التأويل لكليهما هذا واجب علينا ، ورد قول رسول الله لها : قد أجزأها عملها بحجها وعمرتها لا تخرج إلا على التكذيب له عليه السلام ، وهذا كفر ، أو على تكذيب الرواة لذلك فهذا ظلم لا يحل ، فليس طاوس ، ومجاهد دون القاسم ، وعقيل عدل ، فواجب قبول زيادته . وأما الأسود فقد صح عنه مثل قولنا وأنها لم تحل بعلم النبي بذلك ، فبطل قول من ظن أنها رفضت عمرتها محلة منها .

وأما جابر صاحب رسول الله فقد جمع في حديثه معاني الأسود ، والقاسم ، وطاوس ، ومجاهد ، وعروة ، وبرواية جابر التي ذكرنا بتفسير ما رواه القاسم ، والأسود تتآلف رواية جميعهم ، وبالله تعالى التوفيق ، والعجب أن الموافقين لأبي حنيفة في هذا يتعلقون بلفظه : « ارفضي العمرة » ، ويتركون لها سائر الأحاديث الصحاح ، ويتركون ما روي عنها رضي الله عنها من أنه تعالى قضى حجها وعمرتها من دون هدي ولا صوم ولا صدقة ، فيرون في ذلك الهدي تحكما رأيهم ، وبالله تعالى التوفيق . وأما موضع طهرها فقد ذكرنا في أول هذا الباب رواية عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها أظلها يوم عرفة وهي حائض ، وذكرنا أيضا في صدر هذا الباب بعد الحديث المذكور بأحاديث رواية مجاهد عنها ، أنها قالت : فتطهرت بعرفة ، وقد روينا حديثين آخرين وهما :

319 - ما حدثناه عبد الله بن ربيع ، قال : حدثنا عمر بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله موافين هلال ذي الحجة ، فذكر الحديث ، وفيه : فلما كانت ليلة البطحاء طهرت عائشة

320 - والثاني حدثناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، أخبرني أبو أيوب سليمان بن عبيد الله الغيلاني ، حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو هو الثقفي ، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله لا نذكر إلا الحج حتى جئنا سرف فطمثت ، فذكرت الحديث ، وفيه : فلما كان يوم النحر طهرت ، وذكرت الحديث .

قال أبو محمد رحمه الله : اتفق القاسم ، وعروة وهما أقرب الناس منها على أنها كانت يوم عرفة حائضا ، وليس حديث مجاهد عنها : فتطهرت يوم عرفة ، والمعنى في طهرت غير المعنى في تطهرت ؛ لأن طهرت هو رؤيتها للطهر الذي هو رفع الحيض ، والمعنى في تطهرت إنما هو فعلها للطهور بمعنى : اغتسلت ، فأما في حديث مجاهد أنها اغتسلت ، والغسل للحائض يوم عرفة حسن ، فاتفقت الأحاديث كلها ، وانتفى الاختلاف عنها .

وأما حديث حماد بن سلمة فمنكر مخالف لما روى هؤلاء كلهم عنها ، وهو قوله : أنها طهرت ليلة البطحاء ، وليلة البطحاء كانت بعد يوم النحر بأربع ليال ، وهذا محال ، إلا أننا تدبرناه فوجدنا هذه اللفظة ليست من كلام عائشة ، وهذا بين في بعض الحديث المذكور ، فسقط التعلق بها ؛ لأنها إنما هي ممن دون عائشة ، ومن أعلم بنفسها ؟ وقد روى حديث حماد بن سلمة المذكور ، وهيب بن خالد ، وحماد بن زيد ، فلم يذكرا هذه اللفظة ، وقد ذكرنا روايتهما هذه في صدر هذا الباب ، فوضح أن لا تعلق في هذه اللفظة ، وبالله تعالى التوفيق

الباب الحادي والعشرون عدل

الاختلاف في كيفية حال رسول الله حيث شرب من زمزم

321 - حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن إبراهيم ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن سلام ، حدثنا الفزاري ، عن عاصم ، عن الشعبي ، أن ابن عباس ، حدثه قال : سقيت رسول الله من زمزم ، فشرب وهو قائم ، قال عاصم : فحلف عكرمة ما كان يومئذ إلا على بعير . قال أبو محمد رحمه الله : كنا نقول : ابن عباس أعلم ؛ لأنه شهد وعكرمة لم يشهد ، والشاهد أعلم ، إلا أننا وجدنا ابن عباس قد رويت عنه رواية تشهد لقول عكرمة :

322 - وهو ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ، قال : حدثنا أبو الفيض المروزي ، حدثنا محمد بن يوسف الفربري ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إسحاق ، حدثنا خالد هو الطحان ، عن خالد هو الحذاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله جاء إلى السقاية فاستسقى ، قال العباس : يا فضل اذهب إلى أمك فأت بشراب من عندها فقال : اسقني فقال : يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه ، قال : « اسقني » ، فشرب منه ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها فقال : « اعلموا فإنكم على عمل صالح » ، ثم قال : « لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه » ، وأشار إلى عاتقه .

قال أبو محمد رحمه الله : قوله  : « لنزلت » ، يدل على أنه كان راكبا ولكن قد بقي رسول الله بمكة أياما أربعة بلياليها في تلك الحجة من صبيحة يوم الأحد إلى صبيحة يوم الخميس ، فلعله عليه السلام سقاه ابن عباس من زمزم ، وهو قائم في تلك الأيام ، أو لعل ابن عباس عنى بقوله : وهو قائم : قيامه على راحلته ، والله أعلم . كل ذلك ممكن ، إلا أن ابن عباس الثقة المأمون الإمام الصادق المقطوع على غيبه ، لأنه لا يقول إلا حقا ما عدا أن يهم ، فالوهم لا يعصم منه بشر ، إلا أن هذه الرواية إن صحت من أنه شرب من زمزم وهو قائم فهي موافقة للحال المنسوخة ، وقد صح نسخ معناها بلا شك بالنهي الوارد عن الشرب قائما ، وليس هذا مكان الكلام في هذا الباب ، لكنا نبهنا عليه تبيينا للحق ، وتأدية للواجب في ذلك ، وبالله تعالى التوفيق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله

الباب الثاني والعشرون عدل

الاختلاف في قوله  : « منزلنا غدا بخيف بني كنانة » قال أبو محمد رحمه الله : قد ذكرنا فيما خلا من كتابنا هذا قوله  : إنه نازل بخيف بني كنانة ، حيث تقاسموا على الكفر ، وأن ذلك كان في حجة الوداع أيضا في الحديث من طريق أسامة بن زيد ، وأبي هريرة رضي الله عنهم ، وقد روينا رواية يمكن أن تشهد على من لا ينعم النظر .

323 - وهي ما حدثناه حمام ، حدثنا الأصيلي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله حين أراد حنينا : « منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر »

324 - حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ، حدثنا ابن شبويه المروزي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا البخاري ، حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي قال : « منزلنا إن شاء الله إذا فتح الله الخيف حيث تقاسموا على الكفر » ، قال أبو محمد رحمه الله : ليس من هذا شيء يتعارض بل هو كله متفق ، قال كل ذلك رسول الله في كل وقت من الأوقات المذكورة شكرا لله عز وجل وإظهارا للدين وحكم الإسلام ، حيث تقاسموا على الكفر ، وحيث أظهروا الكفر ، فقال عليه السلام في استقبال فتح مكة ، وهو أول أوقات غلبة دين الله تعالى بمكة ، وتنكيس راية الكفر بها ، والحمد لله رب العالمين . وقاله أيضا عليه السلام إذ أراد غزو هوازن بحنين ، وقاله أيضا عليه السلام في حجته . وإذا ذكر أبو هريرة أن رسول الله قال كل ذلك في الأوقات المذكورة فهو الإمام البر الصادق الذي لا يتهمه إلا فاسق ، ولا يجعل مثل هذا متعارضا إلا جاهل أو من لا يعد كلامه من عمله ، ونعوذ بالله من كلتيهما

الباب الثالث والعشرون عدل

الاختلاف في مدة مقامه بمكة في حجة الوداع قال أبو محمد علي بن أحمد رحمه الله : قد ذكرنا فيما سلف من كتابنا هذا قول أنس أن رسول الله أقام بمكة عشرا ، وأقمنا البرهان على صحة ذلك ، وقد روينا رواية ظاهرها خلاف ما ذكر أنس وهي :

325 - ما حدثناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا سفيان هو ابن عيينة ، عن عمرو هو ابن دينار قال : سألت عروة بن الزبير : كم أقام رسول الله بمكة ؟ قال : عشرا ، قلت : إن ابن عباس يزعم أنه أقام بضع عشرة ، قال : كذب ابن عباس ، قال : فمقته . قال أبو محمد رحمه الله : وفق عمرو في مقته عروة بن الزبير إذ كذب ابن عباس رضي الله عنه ، ووالله إن حق ابن عباس على عروة لأوجب من حق عروة وجميع طبقته علينا ، وإن البون في الفضل والصدق بين ابن عباس وبين عروة وجميع التابعين لأبعد وأبين منه بين عروة وجميع طبقته وبيننا ، ولكنها وهلة من عروة يتغمدها الله عز وجل بمنه . ليس قول ابن عباس هذا مخالفا لقول أنس ولكنه عنى غير حجة الوداع ، وإنما عنى والله أعلم عام الفتح ، فتتفق الروايات كلها وينتفي التعارض عنها وهذا الذي لا يجوز غيره ولا يسع سواه ، وبالله تعالى التوفيق

الباب الرابع والعشرون عدل

الأحاديث الواردة في أمر رسول الله بفسخ الحج بعمرة في حجة الوداع ، والأحاديث التي يظن أنها معارضة لها أو ناسخة قال أبو محمد رحمه الله : قد ذكرنا منها طرفا فيما سلف من كتابنا هذا ، ونحن موردوها هنا إن شاء الله تعالى باستيعاب ، وعلى رتبة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

326 - حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ، حدثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا يحيى بن بكر ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، أن عمر ، قال : تمتع رسول الله في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى ، فساق معه الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، فتمتع الناس مع رسول الله بالعمرة إلى الحج ، وكان من الناس من أهدى فساق معه الهدي ، ومنهم من لم يهد ، فلما قدم النبي قال للناس : « من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة ويقصر وليحلل ثم ليهل بالحج ، ومن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله » ، وذكر باقي الحديث وعن عروة ، أن عائشة ، أخبرته عن النبي في تمتعه بالعمرة إلى الحج فتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني به سالم ، عن أبيه عن النبي

327 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبدة بن سليمان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أن رسول الله قال في حجة الوداع : « فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة »

328 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبيد الله الغيلاني ، حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي ، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله لا نذكر إلا الحج ، فذكرت الحديث ، وفيه : قالت : فلما قدمت مكة قال رسول الله لأصحابه : « اجعلوها عمرة » ، فأحل الناس إلا من كان معه الهدي ، قالت : فكان الهدي مع رسول الله وأبي بكر ، وعمر وذوي اليسارة ، ثم أهلوا حين راحوا ، وذكرت باقي الحديث

329 - حدثنا حمام ، حدثنا الأصيلي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا عثمان ، هو ابن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله ولا نرى إلا أنه الحج ، فلما قدمنا تطوفنا بالبيت فأمر النبي من لم يكن ساق الهدي ، ونساؤه لم يسقن فأحللن

330 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن مثنى ، ومحمد بن بشار ، كلهم عن غندر ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن علي بن الحسين ، عن ذكوان ، مولى عائشة ، عن عائشة ، قالت : فدخل علي رسول الله وهو غضبان فقلت : من أغضبك يا رسول الله ؟ أدخله الله النار ، قال : « أوما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون - قال الحكم - كأنهم يترددون - ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى أشتريه ثم أحل كما حلوا »

331 - حدثني أحمد بن محمد الجسوري ، حدثنا ابن مطرف ، حدثنا عبيد الله بن يحيى بن يحيى ، حدثنا أبي ، حدثنا مالك بن أنس ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن عمرة ، قالت : سمعت عائشة ، تقول : خرجنا مع رسول الله لخمس ليال بقين من ذي القعدة ، ولا نرى إلا أنه الحج ، فلما دنونا من مكة أمر رسول الله من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل ، وذكرت باقي الحديث . قال يحيى : فذكرت هذا الحديث للقاسم بن محمد ، فقال : أتتك والله بالحديث على وجهه

332 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا هشام بن سليمان المخزومي ، وعبد المجيد ، عن ابن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر ، حدثني أن النبي أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع ، فقلت : ما يمنعك أن تحل ؟ قال : « إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي ، ولا أحل حتى أنحر الهدي »

333 - وبه إلى مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وإسحاق بن إبراهيم ، جميعا عن حاتم بن إسماعيل المدني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : دخلت على جابر بن عبد الله ، فذكرت الحديث وفيه : أن جابرا قال له في وصف حجة النبي  : وقدم علي رضي الله عنه من اليمن ببدن النبي ، فوجد فاطمة في من حل ، ولبست ثيابا صبيغا ، واكتحلت ، فأنكر ذلك علي ، فقالت : أبي أمرني بهذا ، قال : فكان علي يقول بالعراق : فذهبت إلى رسول الله محرشا على فاطمة للذي صنعت مستفتيا لرسول الله فيما ذكرت عنه ، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال عليه السلام : « صدقت صدقت ، ماذا قلت حين فرضت الحج » ؟ قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك ، قال : « فإن معي الهدي فلا تحل » ، وذكر باقي الحديث

334 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا حجاج هو ابن محمد الأعور ، حدثنا يونس هو ابن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب ، قال : كنت مع علي حين أمره رسول الله على اليمن ، فأصبت معه أواقي ، قال : وقدم علي من اليمن على رسول الله فأدرك فاطمة وقد لبست ثيابا صبيغا ، ونضحت البيت بنضوح ، فقال : ما لك ؟ فقالت : فإن رسول الله أمر أصحابه فأحلوا

335 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، وزهير بن حرب ، قال إسحاق : أخبرنا محمد بن بكر ، وقال زهير : حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني منصور بن عبد الرحمن ، عن أمه صفية بنت شيبة ، عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : خرجنا محرمين فقال رسول الله  : « من كان معه هدي فليقم على إحرامه ، ومن لم يكن معه هدي فليحلل » ، فلم يكن معي هدي فحللت ، وكان مع الزبير هدي فلم يحل . وبهذا السند إلى مسلم : أخبرني عباس بن عبد العظيم العنبري ، حدثنا أبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي ، حدثنا وهيب ، حدثنا منصور بن عبد الرحمن ، عن أمه ، عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : قدمنا مع رسول الله مهلين بالحج ، ثم ذكر مثل حديث ابن جريج

336 - حدثنا عمران بن يزيد ، عن منصور ، عن أمه ، عن أسماء ، قالت : خرجنا مع رسول الله مهلين بالحج فقال لنا : « من كان معه هدي فليقم على إحرامه ، ومن لم يكن معه هدي فليحل »

337 - حدثنا يونس بن عبد الله ، حدثنا أبو عيسى بن أبي عيسى ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، عن ابن فضيل ، عن يزيد ، عن مجاهد ، قال : قال عبد الله بن الزبير : أفردوا الحج ، ودعوا قول أعماكم هذا ، قال : فقال عبد الله بن عباس : إن الذي أعمى الله قلبه أنت ، ألا سل أمك عن هذا ، فأرسل إليها فقالت : صدق ابن عباس ، جئنا مع رسول الله حجاجا فجعلناها عمرة ، فحللنا الإحلال كله حتى سطعت المجامر بين الرجال والنساء

338 - حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ، حدثنا أبو إسحاق البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا أبو شهاب ، قال : دخلت على عطاء أستفتيه فقال : أخبرني جابر بن عبد الله أنه حج مع رسول الله يوم ساق البدن معه ، وقد أهلوا بالحج مفردا ، فقال لهم : « أحلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا ، ثم أقيموا حلالا ، حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة » ، فقالوا : كيف نجعلها متعة وقد سمينا بالحج ؟ فقال : « افعلوا ما أمرتكم ، فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله » ، ففعلوا

339 - حدثنا حمام ، حدثنا الأصيلي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن المثنى ، وخليفة ، قالا : حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا حبيب المعلم ، عن عطاء ، عن جابر ، قال : أهل النبي وأصحابه بالحج ، وذكر الحديث ، وفيه : فأمر النبي أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا ، ثم يقصروا إلا من كان معه الهدي ، فقالوا : ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر ؟ فبلغ النبي فقال : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، ولولا ما معي من الهدي لأحللت »

340 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا قتيبة ، حدثنا الليث هو ابن سعد ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال في صفة حجه : حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة والصفا والمروة ، فأمرنا رسول الله أن يحل منها من لم يكن معه هدي ، قال : فقلنا : حل ماذا ؟ قال : « الحل كله » ، قال : فواقعنا النساء ، ولبسنا ثيابنا ، وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال ، ثم أهللنا يوم التروية . وقد ذكرنا في باب الاختلاف في وقت إفاضته من كتابنا هذا إن كان ما رواه الليث ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، فهو سماع لأبي الزبير ، من جابر

341 - وبه إلى مسلم : حدثنا إسحاق بن راهويه ، عن حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن جابر ، فذكر الحديث ، وفيه : أن رسول الله قال في آخر طوافه على المروة إثر دخوله مكة : « لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، ولجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة » ، ثم ذكر الحديث ، وفيه : فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي ، ومن معه هدي ، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج

342 - حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن محمد الباجي ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا عبيد الله بن محمد الكشوري ، حدثنا محمد بن يوسف الحذاقي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن أيوب ، عن مجاهد ، عن جابر بن عبد الله ، قال : خرجنا مع رسول الله نقول : لبيك بالحج ، فلما قدمنا معه أمر النبي من لم يكن معه هدي أن يحل . فهؤلاء أربعة عن جابر : عطاء ، ومجاهد ، ومحمد بن علي ، وأبو الزبير

343 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، أخبرني عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، حدثنا داود ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، قال : خرجنا مع رسول الله نصرخ بالحج صراخا ، فلما قدمنا مكة أمر أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي ، فلما كان يوم التروية ورحنا إلى منى أهللنا بالحج

344 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرني أبو عبيد الله معاوية بن صالح الأشعري ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا حجاج يعني ابن محمد الأعور ، حدثنا يونس يعني ابن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن البراء يعني ابن عازب ، في حديث أن رسول الله قال لأصحابه في حجة الوداع : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما فعلتم ، ولكني سقت الهدي وقرنت »

345 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث ، حدثني أبي ، عن جدي ، حدثني عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، قال في صفة حجة الوداع في حديث ذكره ، وفيه : تمتع رسول الله فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ، ومنهم من لم يهد ، فلما قدم رسول الله مكة قال للناس : « من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ، ثم ليهل بالحج ، وليهد ، فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله » ، وذكر باقي الحديث ، وفيه : أن ابن شهاب قال عن عروة بن الزبير : إن عائشة زوج النبي أخبرته عن رسول الله في تمتعه بالحج إلى العمرة ، وتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني به سالم هو ابن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، عن رسول الله

346 - حدثنا الطلمنكي ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا الصموت ، حدثنا البزار ، حدثنا الحسن بن قزعة ، حدثنا سفيان بن حبيب ، حدثنا أشعث ، عن الحسن البصري ، عن أنس ، أن النبي أهل هو وأصحابه بالحج والعمرة ، فلما قدموا مكة ، وطافوا بالبيت وبالصفا والمروة ، أمرهم رسول الله أن يحلوا فهابوا ذلك ، فقال رسول الله  : « أحلوا فلولا أن معي الهدي لأحللت » ، فأحلوا حتى حلوا إلى النساء

347 - حدثنا أحمد بن محمد الجسوري ، حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حميد ، عن بكر هو ابن عبد الله المزني ، عن ابن عمر ، قال : إنما أهل رسول الله بالحج وأهللنا به معه ، فلما قدم قال : « من لم يكن معه هدي فليحل » ، فأحل الناس إلا من كان معه هدي ، وكان مع رسول الله هدي فلم يحل

348 - حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ، حدثنا أبو إسحاق البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب ، حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك ، قال : صلى رسول الله ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، ثم بات بها حتى أصبح ، ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء ، حمد الله وسبح ، ثم أهل بحج وعمرة ، وأهل الناس بهما ، فلما قدمنا أمر الناس فحلوا ، حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج ، وذكر باقي الحديث

349 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا محمد بن حاتم ، حدثنا ابن مهدي ، حدثنا سليم بن حيان ، عن مروان الأصفر ، عن أنس ، أن عليا ، قدم من اليمن فقال له النبي  : « بم أهللت » ؟ قال : أهللت بإهلال النبي ، قال : « لولا أن معي الهدي لأحللت »

350 - حدثنا حمام ، حدثنا الأصيلي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أبي موسى ، قال : بعثني النبي إلى قوم باليمن ، فجئت وهو بالبطحاء فقال : « بم أهللت » ؟ قلت : بإهلال النبي قال : « هل معك هدي » ؟ قلت : لا ، فأمرني فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم أمرني فأحللت

351 - وبه إلى البخاري : حدثنا موسى ، حدثنا وهيب ، حدثنا أيوب ، عن أبي العالية البراء ، أن ابن عباس ، قال : قدم النبي وأصحابه لصبح رابعة يلبون بالحج ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة إلا من كان معه هدي

352 - حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ، حدثنا أبو إسحاق البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا فضيل بن سليمان ، حدثنا موسى بن عقبة ، أخبرني كريب ، عن ابن عباس ، فذكر حجة الوداع ، وفيه عن النبي  : فأصبح بذي الحليفة ركب راحلته حتى استوى على البيداء أهل هو وأصحابه ، وقلد بدنته ، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة ، فقدم مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة ، فطاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة ، ولم يحلل من أجل بدنه ؛ لأنه قلدها . ثم ذكر باقي الحديث وفيه : أن رسول الله أمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم يقصروا من رءوسهم ، ثم يحلوا ، وذلك لمن لم يكن معه بدنة قلدها ، وذكر باقي الحديث

353 - حدثنا حمام ، حدثنا الأصيلي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا أبو النعمان ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عبد الملك بن جريج ، عن عطاء ، عن جابر ، وطاوس ، عن ابن عباس ، قالا : قدم النبي صبح رابعة من ذي الحجة يهلون بالحج ، لا يخلطهم شيء ، فلما قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة ، وذكر باقي الحديث

354 - حدثنا حمام ، حدثنا الأصيلي ، حدثنا المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، قال : قال أبو كامل : حدثنا أبو معشر ، حدثنا عثمان بن غياث ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي في حجة الوداع ، فلما قدمنا مكة ، قال رسول الله  : « اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة ، إلا من قلد الهدي  » ، فطفنا بالبيت وبين الصفا والمروة ، وأتينا النساء ولبسنا الثياب ، وقال : « من قلد الهدي فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله » ، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج ، وإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت بين الصفا والمروة

355 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، حدثنا مسلم القري ، سمع ابن عباس ، يقول : أهل رسول الله بعمرة ، وأهل أصحابه بحج ، فلم يحل النبي ، ولا من ساق الهدي من أصحابه ، وحل بقيتهم

356 - وبه إلى مسلم ، حدثنا ابن مثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، قال : سمعت أبا حسان الأعرج ، قال : قال رجل من بني الجهيم لابن عباس : ما هذه الفتيا التي قد تشغفت أو تشغبت بالناس ، أن من طاف بالبيت فقد حل ، فقال : سنة نبيكم وإن رغمتم

357 - وبه إلى مسلم ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا محمد بن بكر ، حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء ، قال : كان ابن عباس يقول : لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل ، قلت لعطاء : من أين تقول ذلك ؟ قال : من قول الله عز وجل ( ثم محلها إلى البيت العتيق ) ، قال : قلت : فإن ذلك بعد المعرف ، فقال : كان ابن عباس يقول : هو بعد المعرف وقبله ، وكان يأخذ ذلك من أمر النبي إذ أمرهم أن يحلوا في حجة الوداع

358 - حدثنا الجسوري ، حدثنا وهب ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، عن أبي أسامة ، عن هشام ، عن قتادة ، عن أنس بن سليم الجهيمي ، أنه قال لابن عباس : ما أخبار قد تنشغت في الناس ، يزعمون أنك تقول : إن من طاف بالبيت فقد حل قال : تلك سنة نبيكم وإن رغمتم

359 - حدثنا حمام ، حدثنا الباجي ، حدثنا ابن خالد ، حدثنا الكشوري ، حدثنا الحذاقي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن قتادة ، عن أبي الشعثاء جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، قال : من جاء مهلا بالحج فإن الطواف بالبيت يصير إلى عمرة ، شاء أم أبى ، قلت : إن الناس ينكرون هذا علينا ، قال : سنة نبيهم وإن رغبوا

360 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا سليمان بن الأشعث ، حدثنا هناد بن السري ، حدثنا ابن أبي زائدة ، أخبرنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، عن الربيع بن سبرة ، عن أبيه هو سبرة بن معبد الجهني ، قال : خرجنا مع رسول الله حتى إذا كان بعسفان قال له سراقة بن مالك المدلجي : يا رسول الله اقض لنا قضاء قوم ولدوا اليوم ، فقال : « إن الله عز وجل قد أحل عليكم في حجكم هذا عمرة ، فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل من كان معه هدي »

361 - حدثنا أحمد بن محمد الجسوري ، حدثنا وهب بن مسرة ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن مسعر ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن طاوس ، عن سراقة بن مالك بن جعشم ، قال : قام النبي خطيبا في الوادي ، فقال : « إن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة » ، قال أبو محمد رحمه الله : فهؤلاء أربعة عشر من الصحابة رضي الله عنهم ، وهم : عائشة ، وحفصة أما المؤمنين ، وعلي ، وفاطمة بنت رسول الله ، وأسماء بنت أبي بكر الصديق ، وجابر بن عبد الله ، وأبو سعيد الخدري ، والبراء بن عازب ، وابن عمر ، وأنس بن مالك ، وأبو موسى الأشعري ، وابن عباس ، وسبرة بن معبد الجهني ، وسراقة بن مالك المدلجي الكناني ، كلهم رووا أمر رسول الله بفسخ الحج لمن لم يسق الهدي ، وإلزامهم التمتع بعمرة ، ثم حجة ، وقد روي ذلك أيضا عن أبي ذر ، وعن معقل بن يسار

362 - كما أخبرني المهلب بن أبي صفرة ، عن محمد بن عيسى بن مناس الفروي ، عن زياد بن يونس السدي ، عن عبد الرحمن بن رشدين ، عن محمد بن سنجر ، حدثنا قحطبة بن غدانة ، حدثنا عبيد الله بن أبي حميد ، عن أبي المليح ، عن معقل بن يسار ، قال : حججنا مع رسول الله ، فإذا عائشة تنزع ثيابها ، قال : ما لك ؟ قالت : نبئت أنك أحللت وأحللت أهلك ، قال : حل من ليس معه بدن ، فأما نحن فمعنا بدن ، فلا نحل حتى نبلغ عرفات الحج ، وهم من بلاد شتى ، وروى ذلك عنهم طوائف من كبار التابعين ، حتى صار منقولا نقل كافة يقطع العذر ويرفع الشك ويوقع اليقين ، ويوجب العلم الضروري ، وبه كان يقول ابن عباس ، وأبو موسى الأشعري ، وبه قال عبد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة ، وابن حنبل ، وبه نقول ، وقد جاءت أخبار ، يظن من جهل أنها معارضة لهذه الأحاديث التي ذكرنا ، وربما شغب بها من يقول بلا علم أو من لا يبالي بما يقول أحد ، بما رويناه من طرق ، منها

363 - ما حدثناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا يحيى بن يحيى ، قرأت على مالك ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، أنها قالت : « خرجنا مع رسول الله عام حجة الوداع ، فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ، ومنا من أهل بالحج ، وأهل رسول الله بالحج ، فأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة ، فلم يحلوا حتى كان يوم النحر »

364 - والثاني : حدثناه يونس بن عبد الله القاضي ، حدثنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله بن يحيى ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بشر العبدي ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله للحج إلى أنواع ثلاثة ، فمنا من أهل بعمرة وحجة معا ، ومنا من أهل بحجة مفردا ، ومنا من أهل بعمرة مفردة ، فمن كان أهل بعمرة وحجة معا لم يحلل من شيء مما حرم منه حتى يقضي مناسك الحج ، ومن أهل بحج مفردا لم يحلل من شيء مما حرم منه حتى يقضي مناسك الحج ، ومن أهل بعمرة مفردة فطاف بالبيت وبين الصفا والمروة حل مما حرم منه حتى يستقبل حجا

365 - والثالث : حدثناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثني هارون بن سعيد الأيلي ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو هو ابن الحارث ، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، أن رجلا من أهل العراق قال له : سل لي عروة بن الزبير عن رجل يهل بالحج ، فإذا طاف بالبيت ، أيحل أم لا ؟ فإن قال لك : لا يحل ، فذكر الحديث ، وفيه تقول له : فإن رجلا كان يخبر أن رسول الله قد فعل ذلك ، وما شأن أسماء والزبير قد فعلا ذلك ؟ قال : فذكرت له ذلك ، يعني عروة ، فقال : فإنه قد كذب ، قد حج رسول الله ، فأخبرتني عائشة أنه أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت ، ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره ، ثم عمر مثل ذلك ، ثم حج عثمان فرأيته : أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ، ثم لم يكن غيره ، ثم معاوية ، وعبد الله بن عمر ، ثم حججت مع أبي : الزبير بن العوام ، فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره ، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك ، ثم لم يكن غيره ، ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر ثم لم ينقضها بعمرة ، فهذا ابن عمر عندهم ، أفلا يسألونه ؟ ولا أحد ممن مضى كانوا يبدءون بشيء حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت ثم لا يحلون وقد رأيت أمي وخالتي حين يقدمان لا تبدآن بشيء أول من البيت ، تطوفان به ، ثم لا تحلان ، وقد أخبرته أمي أنها أقبلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة قط ، فلما مسحوا الركن حلوا ، وقد كذب فيما ذكر من ذلك . قال أبو محمد رحمه الله : ولا حجة لمن تعلل بهذه الأخبار في شيء منها ، أما حديث أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، عن عروة ، عن عائشة ، وحديث يحيى بن عبد الرحمن ، عن عائشة فقد أنكره قبلنا أحمد بن حنبل

366 - كما حدثني أحمد بن عمر ، قال : حدثنا عبد الله بن الحسين بن عقال القرينشي ، حدثنا عبيد الله بن محمد السقطي ، حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد ، سلم الختلي ، حدثنا عمر بن محمد بن عيسى الجوهري السذابي ، حدثنا أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم ، قال : حدثنا ابن حنبل ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك بن أنس ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله ، فمنا من أهل بالحج ومنا من أهل بالعمرة ، ومنا من أهل بالحج والعمرة ، وأهل رسول الله ، فأما من أهل بالعمرة فأحلوا حين طافوا بالبيت وبالصفا والمروة ، وأما من أهل بالحج والعمرة فلم يحلوا إلى يوم النحر ، فقال أحمد بن حنبل : أيش في هذا الحديث من العجب ؟ هذا خطأ ، قال الأثرم : فقلت له : الزهري عن عروة عن عائشة بخلافه ، فقال نعم وهشام بن عروة ، قال أبو محمد رحمه الله : فهذان الحديثان منكران جدا ، ولأبي الأسود في هذا النحر حديث آخر لاحقا بنكرته ووهنه وبطلانه ، والعجب : كيف جاز على من رواه ؟

367 - وهو ما حدثناه عبد الرحمن بن خالد الهمذاني ، حدثنا أبو إسحاق البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو هو ابن الحارث ، عن أبي الأسود ، أن عبد الله ، مولى أسماء ، حدثه أنه كان يسمع أسماء بنت أبي بكر الصديق ، تقول كلما مرت بالحجون : صلى الله على رسوله ، لقد نزلنا معه ها هنا ونحن يومئذ خفاف ، قليل ظهرنا ، قليلة أزوادنا ، فاعتمرت أنا وأختي عائشة والزبير وفلان وفلان ، فلما مسحنا البيت أحللنا ، ثم أهللنا من العشي بالحج ،

قال أبو محمد رحمه الله : هذه وهلة لا خفاء بها على أحد ممن له أقل علم بالحديث لوجهين باطلين فيه بلا شك : أحدهما قوله فيه : فاعتمرت أنا وأختي عائشة ، ولا خلاف بين أحد من أهل النقل أن عائشة رضي الله عنها لم تعتمر أول دخولها مكة ، ولذلك أعمرها عليه السلام من التنعيم ، وبعد تمام الحج ليلة الحصبة ، هكذا روى جابر بن عبد الله ، ورواه عن عائشة الأثبات ، كالأسود بن يزيد ، وابن أبي مليكة ، والقاسم بن محمد ، وعروة ، وطاوس ، ومجاهد ، والموضع الثاني قوله فيه : فلما مسحنا البيت أحللنا ، ثم أهللنا من العشي بالحج ، وهذا باطل لا شك فيه ، لأن جابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك ، وابن عباس ، وعائشة كلهم رووا أن الإحلال كان يوم دخولهم مكة ، وأن إهلالهم بالحج كان يوم التروية وبين اليومين المذكورين ثلاثة أيام بلا شك ، وقد ذكرنا جميع هذه الروايات في الأبواب المتقدمة من كتابنا بأسانيدها ، فأغنى عن تردادها .

ثم نرجع إلى الحديثين المذكورين ، فنقول وبالله تعالى نتأيد : فأسلم الوجوه لهما أن نخرج روايتهما على أن المراد بقولها رضي الله عنها : إن الذين أهلوا بالحج أو حج وعمرة ولم يحلوا حتى كان يوم النحر ، وحتى قضوا مناسك الحج إنما عنت بذلك من كان معه الهدي ، فبهذا تنتفي الفكرة عن هذين الحديثين ، وبهذا تتآلف الأحاديث كلها ، لأن الزهري عن عروة يذكر خلاف ما ذكر أبو الأسود عن عروة ، والزهري بلا شك أحفظ من أبي الأسود ، وقد خالف يحيى بن عبد الرحمن عن عائشة في هذا الباب من لا يقرن يحيى بن عبد الرحمن إليه ، لا في حفظ ولا في فقه ، ولا في جلالة ، ولا في بطانة بعائشة رضي الله عنها كالأسود بن يزيد ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأبي عمرو ذكوان مولى عائشة ، وعمرة بنت عبد الرحمن ، وكانت في حجر عائشة ، وهؤلاء هم أهل الخصوصية والبطانة بها ، رضي الله عنها ، فكيف ولو لم يكونوا كذلك ، لكانت روايتهم أو رواية واحد منهم لو انفرد هو الواجب أن يؤخذ بها ، لأن فيها زيادة علم على رواية أبي الأسود ، ويحيى وعلما كان عندهم من أمره بالفسخ لم يكن عند أبي الأسود ، ويحيى ، وليس من جهل أو عقل حجة على من علم وذكر وأخبر ، كيف وقد وافق هؤلاء الجلة عن عائشة ثلاثة غر من الصحابة رضي الله عنهم ، كلهم عن النبي بمثل رواية هؤلاء الجلة عن عائشة ،

وقد ذكرنا رواياتهم كلهم آنفا ، فسقط التعلق بحديث أبي الأسود ، ويحيى اللذين ذكرنا ، وأيضا فإن حديثي أبي الأسود اللذين ذكرنا وحديث يحيى عن عائشة موقوفة على من لم يحل ؛ غير مسندة لأنهما إنما ذكرا عنها فعل من فعل ما ذكرت دون أن تذكر أن النبي أمرهم بأن لا يحلوا ، ولا حجة في أحد دون رسول الله ، فلو صح ما ذكره أبو الأسود ، ويحيى في حديثهما الذي ذكرنا ، وكان على ظاهره ، وقد صح أمر النبي كل من لا هدي معه بفسخ الحج في عمرة ، فتمادى المأمورون بذلك على حجهم ولم يحلوا كما أمرهم النبي لكانوا عصاة لله تعالى ، قال عز وجل ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) ، ولا حجة في فعل العصاة ، وقد أعاذهم الله من ذلك ، وبرأهم منه ، فثبت يقينا أن حديث أبي الأسود ، ويحيى إنما عنى فيه كل من معه هدي ، وهكذا جاءت الأحاديث الصحاح التي أوردنا بأنه أمر من معه الهدي بأن يجمع حجا مع العمرة ، ثم يحل منهما جميعا 368 - كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ، حدثنا أبو إسحاق البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله في حجة الوداع ، فأهللنا بعمرة ، فقال عليه السلام : « من كان معه هدي فليهلل بالحج والعمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما » ، فهذا الحديث كما ترى من طريق عروة ، عن عائشة مبين لما ذكرنا أنه المراد بلا شك ، في حديث أبي الأسود ، عن عروة وحديث يحيى ، عن عائشة ، وارتفع الإشكال جملة ، والحمد لله رب العالمين . ومما يبين أن في حديث أبي الأسود حذفا قوله فيه عن عروة : إن أمه وخالته والزبير أقبلوا بعمرة فقط ، فلما مسحوا الركن حلوا ، قال أبو محمد رحمه الله : ولا خلاف بين أحد في أن من أقبل بعمرة لا يحل أن يمسح الركن إلا حتى يسعى بين الصفا والمروة بعد مسح الركن ، فصح أن في حديثه حذفا تبينه سائر الأحاديث الصحاح التي ذكرنا وبطل الشغب به جملة ، وبالله تعالى التوفيق ، وأما قول أبي الأسود عن عروة في حديثه : إنه كذب من أخبر أن رسول الله فعل ذلك ، يعني : فسخ الحج بعمرة فقد صدق عروة ، وقد ذكرنا فيما أوردناه من الأحاديث المتواترة الصحاح أنه أخبرهم أن الذي منعه عليه السلام أن يحل بعمرة كما أمرهم كون الهدي معه ، وأنه عليه السلام ، قال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ، ولولا الهدي لأحللت ، لكنه عليه السلام أمر كل من لم يسق هديا مع نفسه بفسخ حجه في عمرة يحل منها ، ثم يهل بالحج يوم التروية على ما قد ذكرنا في ما خلا من كتابنا هذا ، وأما حديث أبي الأسود عن عروة من فعل أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، ومعاوية والمهاجرين والأنصار وابن عمر ، فلا حجة في أحد دون رسول الله ، وقد أجاب ابن عباس رضي الله عنه في هذه المسألة عروة فأحسن جوابه

369 - كما حدثنا حمام ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا ابن أيمن ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا حجاج بن محمد ، حدثنا شريك ، عن الأعمش ، عن فضيل بن عمرو ، قال : أوله عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : تمتع رسول الله ، فقال عروة : نهى أبو بكر ، وعمر عن المتعة ، فقال : يعني ابن عباس : أراهم سيهلكون ، أقول : قال رسول الله ، ويقول : قال أبو بكر ، وعمر قال أبو محمد رحمه الله : والله إنها لعظيمة ، ما رضي بها قط أبو بكر ولا عمر رضي الله عنهما

370 - وحدثنا أيضا : حمام ، حدثنا الباجي ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا الكشوري ، حدثنا الحذاقي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن أيوب ، قال : قال عروة لابن عباس : ألا تتقي الله ؟ ترخص في المتعة ، فقال ابن عباس : سل أمك يا عروة ، فقال عروة : أما أبو بكر ، وعمر فلم يفعلا ، فقال ابن عباس : والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله ، أحدثكم عن رسول الله وتحدثوننا عن أبي بكر ، وعمر ، فقال عروة هما أعلم بسنة رسول الله وأتبع لها منك

371 - حدثنا أحمد بن عمر بن أنس ، حدثنا عبد الله بن حسين بن عقال القرينشي ، حدثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ، حدثنا محمد بن أحمد بن الجهم ، حدثنا أبو مسلم ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب هو السختياني ، عن ابن أبي مليكة ، أن عروة بن الزبير ، قال لرجل من أصحاب رسول الله  : تأمرنا بالعمرة في هؤلاء العشر وليس فيها عمرة ؟ قال : أفلا تسأل أمك عن ذلك ؟ قال عروة : فإن أبا بكر ، وعمر لم يفعلا ذلك ، قال الرجل : من ها هنا هلكتم ، ما أرى الله عز وجل إلا سيعذبكم ، إني أحدثكم عن رسول الله وتخبرونني بأبي بكر ، وعمر ، فقال عروة : إنهما والله كانا أعلم بسنة رسول الله ، وأتبع لها منك ، فسكت الرجل ، هنا انتهى الحديث . قال أبو محمد رحمه الله : ونحن نقول لعروة : ابن عباس أعلم بسنة رسول الله وبأبي بكر وبعمر منك ، وأولى بهم ثلاثتهم منك ، لا يشك في ذلك مسلم ، وعائشة أم المؤمنين أعلم وأصدق من عروة

372 - وقد حدثنا عبد الله بن سعيد بن بنان ، حدثنا أحمد بن عون الله ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن سيف ، قال : قالت عائشة رضي الله عنها : « من استعمل على الموسم ؟ » قالوا : ابن عباس ، قالت : « هو أعلم الناس بالحج » ، مع أنه قد روى عنها رضي الله عنها خلاف ما قال عروة من هو خير من عروة وأفضل وأعلم وأحفظ وأصدق وأوثق

373 - حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا ابن الصموت الرقي ، حدثنا البزار ، حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج ، حدثنا عبد الله بن إدريس الأودي ، عن ليث ، عن عطاء ، وطاوس ، عن ابن عباس ، قال : تمتع رسول الله وأبو بكر ، وعمر ، وأول من نهى عنها معاوية

374 - حدثنا حمام ، عن الباجي ، عن أحمد بن خالد ، عن الكشوري ، عن الحذافي ، عن عبد الرزاق ، حدثنا الثوري ، عن ليث ، عن عطاء ، وطاوس ، عن ابن عباس ، قال : قال ، تمتع رسول الله وأبو بكر حتى مات وعمر ، وعثمان كذلك ، وأول من نهى عنها معاوية

375 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا حجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن الحسن البصري ، أن عمر ، أراد أن يأخذ مال الكعبة ، وقال : الكعبة غنية عن ذا المال ، وأن ينهى أهل اليمن أن يصبغوا بالبول ، وأراد أن ينهى عن متعة الحج ، فقال أبي بن كعب : قد رأى رسول الله مكان هذا المال ، وبه وبأصحابه إليه حاجة ، فلم يأخذه ، وأنت فلا تأخذه ، وقد كان رسول الله وأصحابه يلبسون الثياب اليمانية ، فلم ينه عنها ، وقد علم أنها تصبغ بالبول ، وقد تمتعنا مع رسول الله فلم ينه عنها ولم ينزل الله تعالى فيها نهيا

376 - حدثنا حمام ، عن الباجي ، عن أحمد بن خالد ، عن الكشوري ، عن الحذافي ، عن عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال أبي بن كعب وأبو موسى الأشعري لعمر بن الخطاب : ألا تقوم فتبين للناس أمر هذه المتعة ؟ ، فقال : وهل بقي أحد إلا قد عملها ، أما أنا فأفعلها

377 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا حجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن قيس ، عن طاوس ، أن ابن عمر ، قال : لو اعتمرت في وسط السنة ، ثم حججت لتمتعت ، ولو حججت خمسين حجة لتمتعت

378 - حدثنا محمد بن سعيد النباتي ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا عمر بن ذر ، عن مجاهد ، : لو جئت من بلدك أربعين عاما ما جئت إلا متمتعا ، هو آخر عهد فارق رسول الله الناس عليه وقد كان ابن عباس ، وابن عمر يقدمان علينا وهما متمتعان

379 - أخبرني محمد بن سعيد النباتي ، قال : حدثنا أحمد بن عون الله ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن بشار بندار ، حدثنا محمد بن جعفر غندر ، حدثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال عمر بن الخطاب : لو اعتمرت في سنة مرتين ثم حججت لجعلت مع حجتي عمرة

380 - وأخبرني محمد بن سعيد ، أيضا ، قال : حدثنا أحمد بن عون الله ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال : سمعت عمر بن الخطاب ، يقول : لو اعتمرت ثم حججت لتمتعت

381 - حدثنا حمام ، حدثنا الباجي ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا الكشوري ، حدثنا الحذاقي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال : قال عمر : لو اعتمرت ثم اعتمرت ثم حججت لتمتعت

382 - وبه إلى عبد الرزاق ، حدثنا ابن عيينة ، عن هشام بن حجير ، وليث ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، أنه قال : هذا الذي تزعمون أنه نهى عن المتعة ، يعني عمر ، سمعته يقول : « لو اعتمرت ثم حججت لتمتعت » ، قال ابن عباس : كذا وكذا من أمره ، ما تمت حجة رجل قط إلا بمتعة ، وذكر باقي الحديث

383 - وبه إلى عبد الرزاق ، حدثنا ابن التيمي ، عن القاسم بن الفضل ، عن هلال بن أبي رشيد ، قال : سألت سالم بن عبد الله : أنهى عمر عن متعة الحج ؟ ، قال : لا ، بعد كتاب الله ، قال القاسم : وسمعت رجلا قال لنافع : أنهى عمر عن متعة الحج ؟ فقال : لا

384 - حدثنا حمام ، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا عبيد الله بن محمد الكشوري ، حدثنا محمد بن يوسف الحذاقي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا أبو حنيفة هو النعمان بن ثابت ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم النخعي ، عن الأسود بن يزيد ، قال : بينا وأنا واقف مع عمر بن الخطاب بعرفة عشية عرفة ، فإذا هو برجل شعره يفوح منه ريح الطيب ، فقال له عمر : أمحرم أنت ؟ قال : نعم ، قال : ما هيئتك بهيئة محرم ، إنما المحرم الشعث الأغبر الأذفر ، قال : إني قدمت متمتعا ، وكان معي أهلي ، وإنما أحرمت اليوم ، فقال عمر عند ذلك : لا تتمتعوا في هذه الأيام ، فإني لو رخصت في المتعة لهم لعرسوا بهن الأراك ، ثم راحوا بهن حجاجا قال أبو محمد رحمه الله : فكان ماذا ؟ وحبذا ذلك ، قد طاف رسول الله على نسائه ، ثم أصبح ، ولا خلاف في أن الوطء مباح قبل الإحرام بطرفة عين ، وهذا يبين أن هذا من عمر رأي رآه ، ولا حجة في ذلك

385 - وبالسند المذكور إلى عبد الرزاق ، حدثنا مالك ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، أن المقداد بن الأسود ، دخل على علي بن أبي طالب ، فقال له وهو بالسقيا : إن عثمان ينهى أن يقرن بين الحج والعمرة ، فقام علي حتى وقف على عثمان ، فقال : أنت تنهى أن يقرن بين الحج والعمرة ؟ ، فقال عثمان : ذلك رأي ، فخرج علي مغضبا ، يقول : لبيك بحج وعمرة معا ، قال أبو محمد رحمه الله : فهذا إقرار من عثمان بأن ذلك من رأيه ، ولا حجة في ذلك ، وخصومنا يخالفون عمر ، وعثمان في ذلك ، ويبيحون المتعة والقران ، ويرونهما فعل خير ، قال أبو محمد رحمه الله : لم نورد شيئا من هذا احتجاجا به في إيجاب المتعة ، فلا حجة عندنا في شيء بعد كتاب الله عز وجل وكلام نبيه محمد وحكمه ، وإنما أوردناه حجة على من تعلق في ذلك بشيء رآه عمر رضي الله عنه من رأيه ، ثم رجع عنه ، أو لم يرجع ، وهم يخالفونه في ذلك إذا اشتهوا ، وبالله تعالى التوفيق . وإذا تنازع الأئمة فأقوالهم معروضة على القرآن وعلى سنة رسول الله ، فلأي تلك الأقوال شهد النص أخذ به ، والنصوص تشهد لمن قال بإيجاب التمتع على من لم يسق الهدي ممن أراد الحج ، وبالله تعالى التوفيق ، قال أبو محمد رحمه الله : وقد تعلل قوم بأن فسخ الحج المأثور عن النبي هو منسوخ وخصوص لتلك الحجة فقط وذكروا في ذلك

386 - ما حدثناه أحمد بن عبد الله الطلمنكي ، حدثنا محمد بن أحمد بن مفرج ، حدثنا محمد بن أيوب الصموت ، حدثنا عمر بن السجستاني ، حدثنا الفاريابي ، حدثنا أبان بن أبي حازم ، حدثني أبو بكر بن حفص ، عن ابن عمر ، عن عمر ، لما ولي قال : يا أيها الناس ، إن رسول الله أحل لنا المتعة ، ثم حرمها علينا

387 - حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، عن المرقع ، عن أبي ذر ، أنه قال : كان فسخ الحج من رسول الله لنا خاصة

388 - حدثنا محمد بن سعيد النباتي ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا موسى بن عبيدة ، عن يعقوب بن زيد ، عن أبي ذر ، قال : لم يكن لأحد بعدنا أن يجعل حجته عمرة ، إنها كانت رخصة لنا أصحاب رسول الله

389 - حدثنا أحمد بن عبد الله الطلمنكي ، حدثنا محمد بن مفرج ، حدثنا محمد بن أيوب ، حدثنا البزار ، حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا سلمة بن الفضل ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن يزيد بن شريك ، قلنا لأبي ذر : كيف تمتع رسول الله وأنتم معه ؟ قال : وما أنتم وذاك ، إنما ذلك شيء رخص لنا ، يعني المتعة

390 - وبه إلى البزار ، حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا إسرائيل ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، والحارث بن سويد ، قالا : قال أبو ذر : كانت المتعة رخصة أعطاناها رسول الله ، أو أعطيها رسول الله

391 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا سعيد بن منصور ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كريب ، وقتيبة ، قال سعيد وأبو كريب : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، وقال ابن أبي شيبة ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري ، عن عياش العامري ، وقال قتيبة : حدثنا جرير ، عن فضيل ، عن زبيد ، قال جرير : وحدثنا أيضا ، بيان ، ثم اتفق الأعمش ، وعياش ، وزبيد وبيان ، كلهم عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر قال : كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد خاصة ، هذا لفظ الأعمش في روايته ، وقال عياش في روايته : كانت لنا رخصة ، يعني المتعة في الحج ، وقال زبيد في روايته : لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة ، متعة النساء ومتعة الحج

392 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق القاضي ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا سليمان بن الأشعث ، حدثنا هناد بن السري ، عن ابن أبي زائدة ، أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن سليمان ، أو سليم بن الأسود ، أن أبا ذر ، كان يقول في من حج ثم فسخها عمرة : لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله

393 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا محمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، قال : سمعت عبد الوارث بن أبي حنيفة ، قال : سمعت إبراهيم التيمي ، يحدث عن أبيه ، عن أبي ذر ، في متعة الحج : ليست لكم ولستم منها في شيء ، إنما كانت رخصة لنا أصحاب محمد

394 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا عبد العزيز ، يعني ابن محمد الدراوردي ، أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن الحارث بن بلال بن الحارث ، عن أبيه ، قال : قلت يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أو لمن بعدنا ؟ فقال : « لكم خاصة »

395 - حدثنا حمام ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، حدثنا حجاج بن المنهال ، حدثنا أبو عوانة ، عن معاوية بن إسحاق ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، قال : سئل عثمان عن متعة الحج ، فقال : كانت لنا ليست لكم ، قال أبو محمد رحمه الله : هذا كله لا حجة لهم فيه ، بل بعضه حجة عليهم ، أما حديث عمر فإنما فيه ذكر المتعة ، ولا يخلو من أن يكون أراد متعة النساء ، فلذلك يقول : إنها أحلت ثم حرمت ، أو أراد متعة الحج ، فلا يجوز ذلك ؛ لأنه رضي الله عنه قد صح عنه الرجوع إلى القول بها ، ومحال أن يرجع إلى القول بما صح عنده أنه منسوخ ، وأيضا فإن خصومنا مخالفون لهذا الحديث ؛ لأن المتعة في الحج عندهم جائزة غير مكروهة ، وإنما نحن معهم في نسخ الحج ، لا في التمتع ، وأما حديث عثمان ، وأبي ذر ، فإن القول بأن ذلك خاصة لهم ، لا لمن بعدهم ، إنما هو موقوف عليهما ، ولا حجة في أحد بعد رسول الله ، وأما الأمر بالفسخ في حديث أبي ذر ، فهو مسند إلى النبي ، وهذا هو اللازم للناس لا قول من بعده ، فحديث أبي ذر حجة عليهم ، وإذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم في أمر صح عن النبي ، فقال قائل منهم : هو باق إلى الأبد ، وقال الآخر : هو منسوخ ، فالقول هو قول من ادعى بقاء الأمر ، وعلى من ادعى النسخ أن يأتي بالبرهان على قوله ، وإذا قال أبو ذر ، وعثمان : إن الفسخ منسوخ كما ذكرنا ، وقال ابن عباس وأبو موسى : إنه باق غير منسوخ

396 - كما حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا محمد بن مثنى ، وابن بشار ، عن محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، قال : سمعت أبا حسان الأعرج ، قال : قال رجل من بني الجهيم لابن عباس : ما هذه الفتيا التي قد تشغفت بها أو تشغبت بالناس ، أن من طاف بالبيت فقد حل ، فقال : سنة نبيكم وإن رغمتم

397 - وبه إلى مسلم ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني عطاء ، قال : كان ابن عباس ، يقول : لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل ، قلت لعطاء : من أين يقول ذلك ؟ قال : من قول الله عز وجل ( ثم محلها إلى البيت العتيق ) قلت : فإن ذلك بعد المعرف ، قال : كان ابن عباس يقول : هو بعد المعرف وقبله ، وكان يأخذ ذلك من أمر النبي حين أمرهم أن يحلوا في حجة الوداع

398 - حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا الباجي ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا عبيد بن محمد الكشوري ، حدثنا محمد بن يوسف الحذاقي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا عمر بن ذر ، أنه سمع مجاهدا ، يقول : قال ابن عباس : من جاء حاجا فأهدى هديا فله عمرته مع حجه

399 - حدثنا أحمد بن عمر بن أنس ، حدثنا عبد الله بن حسين بن عقال ، حدثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ، حدثنا محمد بن أحمد بن الجهم ، حدثنا أبو إسماعيل ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا عنبسة ، أخبرني يونس هو ابن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن كريب ، مولى ابن عباس ، أنه حدثه عن ابن عباس ، أن رسول الله أمر أن يحلوا بعمرة من حجة الوداع ، وأن الرجل كان يأتي النبي فيقول : يا رسول الله ، إنه الحج ، فيقول له رسول الله  : إنها ليست بحجة ، إنما هي عمرة ، فلذلك كان يفتي ابن عباس فيقول : ما طاف رجل بالبيت وكان حاجا إلا حل بعمرة إذا لم يكن معه هدي ، ولا طاف ومعه هدي إلا اجتمعت معه عمرة وحجة ، قال أبو محمد رحمه الله : هذا نفس قولنا بعينه ، ولا مزيد عليه

400 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا محمد بن المثنى أبو موسى الزمن ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان هو الثوري ، عن قيس هو ابن مسلم عن طارق هو ابن شهاب ، عن أبي موسى ، قال : قدمت على رسول الله وهو بالبطحاء ، فقال : « بم أهللت » ، قلت : أهللت بإهلال النبي ، قال : « هل سقت من هدي ؟ » ، قلت : لا ، قال : « طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل » فطفت بالبيت ، وبالصفا ، والمروة ، ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي ، فكنت أفتي الناس بذلك في إمارة أبي بكر وإمارة عمر ، فإني لقائم بالموسم إذ جاءني رجل ، فقال : إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك ، قلت : يا أيها الناس من كنا أفتيناه بشيء فليتئد ، فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فائتموا به ، فلما قدم قلت : يا أمير المؤمنين ، ما هذا الذي أحدثت في شأن النسك ، قال : إن نأخذ بكتاب الله فإن الله قال ( وأتموا الحج والعمرة لله ) وإن نأخذ بسنة نبينا ، فإن النبي لم يحل حتى نحر الهدي قال أبو محمد رحمه الله : فإذا كان ابن عباس يفتي بذلك باقي عمره ، وكان أبو موسى يفتي بذلك في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنهم ، ولا يريان ذلك منسوخا فعلى من ادعى النسخ الدليل على ما يدعي ، وقد كفانا ابن عباس الاحتجاج في هذا بما في حديث عطاء عنه الذي ذكرناه آنفا ، إذ يحتج في ذلك بقول الله عز وجل ( ثم محلها إلى البيت العتيق ) وبأمر النبي ، فقد شهد القرآن والسنة لقول من رأى الفسخ ثابتا غير منسوخ ، وقد قال الطحاوي في قول أبي ذر : إن ذلك منسوخ ، يعني المتعة : إن هذا لا يقال بالرأي . قال أبو محمد رحمه الله : هذا قول فاسد ، بل ما هو إلا رأي لا شك فيه ، قد قال بأنه رأي قبلنا عمران بن الحصين

401 - كما حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا حامد بن عمر البكراوي ، ومحمد بن أبي بكر المقدمي ، قالا : حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا عمران بن مسلم ، عن أبي رجاء ، قال : قال عمران بن الحصين وحدثنيه محمد بن حاتم ، حدثنا يحيى بن سعيد ، هو القطان ، عن عمران القصير ، حدثنا أبو رجاء ، عن عمران بن الحصين ، واللفظ لحامد ومحمد بن أبي بكر ، أن عمران بن الحصين ، قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله ، يعني متعة الحج ، وأمرنا بها رسول الله ، ثم لم تنزل آية تنسخ متعة الحج ، ولم ينه عنها رسول الله حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء قال أبو محمد رحمه الله : فعمران أحق بالتصديق من الطحاوي ، وقد قال عمران : إن من ادعى نسخ متعة الحج ، فإنما قال ذلك برأيه وإنها باقية غير منسوخة ، وقد جاء نصا عن النبي خلاف قول أبي ذر ، وعثمان رضي الله عنهما ، وبيان أن المتعة باقية غير منسوخة

402 - كما أخبرنا حمام ، عن عباس بن أصبغ ، عن محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبان بن يزيد العطار ، حدثنا مالك بن دينار ، عن عطاء ، عن سراقة بن مالك ، قال : اعتمر رسول الله واعتمرنا معه ، فقلنا : يا رسول الله ألنا أم للأبد ؟ فقال : « بل للأبد » فصح أن قول أبي ذر ، وعثمان ، وعمر في ذلك رأي من قبلهم ، وقد رجع عمر عن ذلك واضطربت الرواية عن عثمان ، وقد ذكرنا كل ذلك في هذا الباب ، وقد قال بثبات المتعة أبدا علي ، وسعد بن أبي وقاص ، وابن عمر ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، جمهور التابعين .

هذا وخصومنا مخالفون لقول أبي ذر الصحيح عنه ، ولقول عثمان الذي ذكرنا ؛ لأن الصحيح عن أبي ذر إنما هو من طريق إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، وإنما فيه وفي قول عثمان أن المتعة ليست لمن بعدهم ، وخصومنا ها هنا بأجمعهم من المالكي والحنفي والشافعي والداودي مجمعون على مخالفة هذا القول ، وقائلون بأن المتعة في الحج باقية غير مخصوصة ، وثابتة غير منسوخة ، وأما الرواية عن أبي ذر ، فإنما رواه المرقع الأسدي ، وهو مجهول ، وموسى بن عبيدة ، وهو ضعيف ، وسليمان أو سليم ، هذا بالشك وهو أيضا مجهول ، فلا تعلق لهم بشيء من هذه الرواية أصلا ، فإن قال قائل : فإن أبا موسى الأشعري قد توقف عن فتياه بها ، إذ أخبر عن عمر بما أخبر ، قال أبو محمد رحمه الله : يكفينا من معارضة خصومنا المحتجين بهذا الحديث إقرار عمر بأن ذلك القول منه حدث أحدثه في النسك ، وأنه تأول القرآن ، وفعل النبي ، وهذا لا حجة لهم فيه ، فالحدث لا يفسخ السنة ، وإنما الآية التي تأول عمر رضي الله عنه من قوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) فلا حجة فيها لمن لا يرى فسخ الحج بعمرة لمن لا هدي معه ؛ لأن فسخه لذلك هو الإتمام للحج والعمرة على الحقيقة ، لأنه بذلك أمر رسول الله المبين لنا مراد الله تعالى ، ولا يكون متما للحج والعمرة من أتى بهما ، كما أمر ، لا كما لم يؤمر .

وأما تأويله رضي الله عنه أن النبي لم يحل حتى نحر الهدي فنعم ، هذا صحيح ، وهكذا يجب على كل من أحرم ومعه هدي أن لا يحل حتى ينحر هديه ، ولا حجة في توقف أبي موسى ، فإنما فعل ذلك مخافة ، ويبين ذلك بيانا كافيا أمره للناس بالتوقف عن السنة التي عنده قبل أن يعرف ما يقول عمر ، ومن المحال أن يظن ظان بأبي موسى أن يترك سنة عنده لقول لم يسمعه بعد ، ولا يدري ما هو ، ولكن فعل ذلك خوف أن يعرض له ما عرض في حديث الاستئذان

403 - كما حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا أبو الطاهر بن السرح ، أخبرنا عبد الله بن وهب ، حدثنا عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشج ، أن بسر بن سعيد ، حدثه أنه ، سمع أبا سعيد الخدري ، قال : كنا في مجلس عند أبي بن كعب ، فأتى أبو موسى الأشعري مغضبا حتى وقف ، فقال أنشدكم الله ، هل سمع أحد منكم رسول الله يقول : « الاستئذان ثلاث ، فإن أذن لك ، وإلا فارجع » ، قال أبي : وما ذاك ؟ ، قال : استأذنت على عمر بن الخطاب ثلاث مرات فلم يؤذن لي ، فرجعت ، ثم جئته اليوم فدخلت عليه ، فأخبرته أني جئت أمس ، فسلمت ثلاثا ، ثم انصرفت ، فقال : قد سمعناك ونحن على شغل ، فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك ؟ قال : استأذنت كما سمعت رسول الله ، قال : فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن يشهد لك على هذا ، فقال أبي بن كعب : فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا ، قم يا أبا سعيد ، فقمت حتى أتيت عمر ، فقلت : سمعت رسول الله يقول هذا . قال أبو محمد رحمه الله : كانت في عمر رضي الله عنه شدة إذا سمع الشيء الذي لا يعرفه ولم يبلغه قصدا بذلك إلى الخير ، وكان سريع الفيئة إلى الحق إذا بلغه رضي الله عنه ، ويبين صحة ما قلنا ، وأن توقف أبي موسى رحمه الله عن الفتيا بالفسخ لم يكن رجوعا منه عن القول به ، ولا شكا منه في صحة الحكم به ، لكن توقع ما قلناه : أن أبا موسى قد كلم عمر هو وأبي بن كعب في أمر المتعة ، ونازلاه فيها ، حتى اعترف لهما برجوعه عن إنكارها إلى العمل بها ، وقد ذكرنا هذا الحديث قبل من طريق الكشوري عن الحذاقي ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، وهذا هو الذي يليق بعمر رضي الله عنه

404 - حدثنا أحمد بن عمر العذري ، حدثنا عبد الله بن الحسين بن عقال القرينشي ، حدثنا عبيد الله بن محمد السقطي ، حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الختلي ، حدثنا عمر بن محمد بن عيسى الجوهري ، حدثنا أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم ، قال : ذكر لنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل حديث عمران : نأخذ بكتاب الله ، فإن الله قال ( وأتموا الحج والعمرة لله ) قال : تأول عمر القرآن ، ثم ذكر لنا قول عمر : إن النبي لم يحل حتى نحر الهدي ، ضحك أحمد وقال : النبي كان معه الهدي . وذكر لنا أحمد بن حنبل ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر : متعة الحج كانت لنا خاصة ، فقال أحمد بن حنبل : رحم الله أبا ذر ، هي في كتاب الله عز وجل ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ) قال أبو محمد رحمه الله : وأما حديث الحارث بن بلال بن الحارث المسند إلى النبي في أن فسخ الحج خاصة للصحابة رضي الله عنهم فحديث واه لا يثبت ؛ لأن الحارث بن بلال بن الحارث مجهول ، والمجهول لا تقوم به حجة

405 - حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه ، أنه كان يرى المهل من الحج أن يفسخه إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة ، وقال في المتعة : هي آخر الأمرين من رسول الله ، قال عليه السلام : « اجعلوا حجكم عمرة » ، قال عبد الله : قلت : فحديث بلال بن الحارث في فسخ الحج يريد في المنع من فسخ الحج ، قال : لا أقول به ، لا يعرف هذا الرجل ، هذا ليس إسناده بالمعروف ، ليس حديث بلال بن الحارث عندي يثبت ، قال أبو محمد رحمه الله : هذه نصوص ألفاظ أحمد بن حنبل رحمه الله ، فسقط الاحتجاج بما راموا الشغب ، والحمد لله رب العالمين . قال أبو محمد رحمه الله : الأحاديث الصحاح تبطل هذا الحديث الذي رواه من لا تقوم به حجة وتوجب أن فسخ الحج باق إلى يوم القيامة

406 - كما حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وإسحاق بن إبراهيم ، هو ابن راهويه ، كلاهما عن حاتم بن إسماعيل المدني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : دخلت على جابر بن عبد الله ، فذكر حديث حجة الوداع ، وفيه أن رسول الله قال : « لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، وجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل ، وليجعلها عمرة » ، فقام سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فشبك رسول الله أصابعه واحدة في الأخرى ، وقال : « دخلت العمرة في الحج ، لا بل لأبد آبد »

407 - حدثنا عبد الرحمن بن الهمذاني ، حدثنا أبو إسحاق البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد ، عن حبيب المعلم ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : أخبرني جابر بن عبد الله ، أن رسول الله أذن لأصحابه أن يجعلوها عمرة إلا من معه هدي ، وذكر الحديث ، وفي آخره أن رسول الله لقيه سراقة بن مالك وهو يرمي الجمرة ، قال : ألكم هذه خاصة يا رسول الله ؟ قال : « بل للأبد »

408 - وبه إلى البخاري ، حدثنا أبو النعمان ، هو عارم بن الفضل ، حدثنا حماد بن زيد ، عن عبد الملك بن جريج ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله ، وعن طاوس ، عن ابن عباس ، قالا : قدم النبي وأصحابه صبح رابعة من ذي الحجة مهلين بالحج ، لا يخلطه شيء ، فلما قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة وأن نحل إلى نسائنا ، ففشت في ذلك القالة ، قال عطاء : قال جابر : فيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيا ، قال جابر : بكفه ، فبلغ ذلك النبي ، فقال : « بلغني أن قوما يقولون كذا وكذا ، والله لأنا أبر وأتقى منهم ، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، ولولا أن معي الهدي لأحللت » ، فقام سراقة بن مالك فقال : يا رسول الله ، هي لنا أو للأبد ؟ فقال : « بل للأبد »

409 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله  : « هذه عمرة استمتعنا بها ، فمن لم يكن معه الهدي فليحل الحل كله ، فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة » فهذه الآثار الصحاح التي لا داخلة فيها تشهد ببطلان قول من قال : إن فسخ الحج منسوخ ، إذ فيها كما ترى شهادة عدلين على جابر ، وهما محمد بن علي بن الحسين ، وعطاء بن أبي رباح ، وشهادة عدلين على ابن عباس ، وهما مجاهد ، وطاوس ، بإخبار جابر ، وابن عباس عن النبي ، أنه أخبرهم أن فسخ الحج ليس لهم خاصة ، بل لأبد الأبد وإلى يوم القيامة ، وما كان هكذا فقد أمنا نسخه وأيقنا أنه لا يجوز أن ينسخ أبدا ، لأنه كان عليه السلام يكون كاذبا حينئذ ، ومن ظن هذا فقد كفر بالله عز وجل ، فارتفع الزيف جملة والحمد لله رب العالمين .

وقد روينا أيضا دخول العمرة في الحج أبدا إلى يوم القيامة ، وأن ذلك ليس لهم خاصة ولا لعامهم ذلك ، مرسلا من طريق عبد الرزاق عن مجاهد ، وطاوس ، ومسروق ، ولسنا نحتج بهذه المرسلات ، وإنما نحتج بالمسائل التي ذكرنا ، وإنما نبهنا على هذه المراسيل ؛ حجة على من يرى أن المسند مثل المرسل . قال أبو محمد رحمه الله : وقد حاج الطحاوي في هذا المكان ، فقال لنا : معنى قوله عليه السلام : « لأبد الأبد » إنما عنى بذلك جواز العمرة في أشهر الحج ، قال أبو محمد رحمه الله : وليس في المجاهرة برد الحق أقبح من هذا لأن الحديث الذي ذكرنا آنفا يكذب قول الطحاوي ، لأن سراقة بين فيه من طريق ابن عباس ، وجابر ، أنه إنما سأل النبي عن المتعة التي هي فسخ الحج ، لا عن جواز العمرة من أشهر الحج ، لأنه إنما سأله بعقب أمره عليه السلام من لا هدي معه بفسخ الحج ، فقال له سراقة : هي لنا أم للأبد ؟ فأجابه عليه السلام عما سأله ، لا عما لم يسأله ، وفي الحديث الذي ذكرنا أيضا معه من طريق ابن عباس اتصال قوله عليه السلام : « إن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة » بأمره عليه السلام من لا هدي معه بالإحلال ، فبين بيانا جليا أن فسخ الحج لمن لا هدي معه في عمرة باق إلى يوم القيامة ، فبطل بذلك دعوى الخصوص والفسخ والتأويلات جملة .

قال أبو محمد رحمه الله : ولو صح حديث بلال بن الحارث وقول أبي ذر ، وعثمان رضي الله عنه ، لما كان في شيء من ذلك حجة علينا ، بل كان يكون موافقا لنا لأن معنى : إن فسخ الحج للصحابة رضي الله عنهم خاص ، كان يكون معناه لو صح عما ذكرنا هذا القول أنه ليس لأحد بعد الصحابة أن يبتدئ حجا مفردا يحتاج إلى فسخه في عمرة ، لكن يفعل ما أمره النبي به ، وهو أن يهل بالعمرة فقط ، إذ لم يسق هديا ، ثم إذا حل أهل بالحج أو يهل بالقران إن ساق هديا ، وأن أصحاب رسول الله كانوا بخلاف ذلك ، وأنه جاز لهم أن يبدءوا بحج مفرد ، ثم فسخوه ، فأجزأهم . قال أبو محمد رحمه الله : فلو صح ذلك اللفظ ، لكان حجة لنا لا لهم فكيف ؟ وهو لا يصح ، فلما لم يصح كان من أهل بحج مفردا جاهلا أو متأولا يلزمه أن يفسخه ويجزئه عن عمرته الواجبة ، كما فعل أصحاب رسول الله ، وفيهم أعظم الأسوة وبالله تعالى التوفيق ، وكما أخبر عليه السلام أن ذلك الفعل باق لأبد آبد ، وقد تعلل بعضهم في مخالفة القول بفسخ الحج

410 - بما حدثناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثني محمد بن حاتم ، حدثنا بهز هو ابن أسد ، حدثنا وهيب ، حدثنا عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ، ويجعلون المحرم صفرا ، ويقولون : إذا برأ الدبر وعفا الأثر ، وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر ، فقدم النبي وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة ، فتعاظم ذلك عندهم ، فقالوا : يا رسول الله أي الحل ؟ قال : « الحل كله » ،

قال أبو محمد رحمه الله : فقال قائلهم إن النبي إنما أمرهم بفسخ الحج في عمرة ليريهم جواز العمرة في أشهر الحج ، وليوقفهم على إباحتها عملا وقولا ، بخلاف ما كانوا يعتقدون من تحريمها في أشهر الحج ، قال أبو محمد رحمه الله : وهذا القول باطل من وجوه تسعة : أولها : أنه دعوى مجردة بلا دليل ، لأنهم لا يجدون عن النبي أنه قال : إني إنما أمرتكم بفسخ الحج بعمرة لأريكم إباحتها في أشهر الحج ، ولا يجدون ذلك عن صاحب أصلا ، وإنما قال ابن عباس : كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ، فأخبر عما كانوا عليه ، ولم يقل : إن النبي إنما أمرهم بالفسخ من أجل ذلك ، وإذا لم يوجد هذا منقولا عن النبي ولا عن صاحب من الصحابة رضي الله عنهم ، فالقائل بذلك قاف ما لا علم له به ، وقائل بما لا يعلم ، وهذا حرام ، ولقد يتوقع على قائل ذلك الدخول في الكذب على النبي الذي هو أعظم الكبائر بعد الشرك ؛ لأن من أخبر عن النبي بخبر لم يسند إليه ، وإنما قاله تظنيا ، فقد قال عليه ما لم يقل ، وقد أخبر عليه السلام أن من قال عليه ما لم يقل ولج النار ، وإذا كان هذا الظن دعوى بلا دليل ، فقد سقط وحرم القول به .

والوجه الثاني : أن المخبر بما شغبوا به من أنهم كانوا يرون العمرة في الأشهر الحرم من أفجر الفجور في الأرض ، وهو أعلم بما وصف من ذلك على أصولهم في أكثر فتاويهم إذ يتركون رواية الصاحب لرأيه ، ويقولون : هو أعلم بمعنى ما روى ، وإنما نورد هذا حجة عليهم من أصولهم الهامة لفروعهم ، وأما نحن فلا حجة عندنا في أحد بعد النبي إلا في إجماع متيقن راجع إلى التوقيف ، فإذا لم ير ابن عباس هذا الأمر علة الفسخ ، ورأى الفسخ واجبا ، فمن أين لهم أن يتزيدوا عليه ما لم يقل ولا رووه عنه .

والوجه الثالث : أنه لو كانت العلة في أمر رسول الله لما ذكروا من أن يريهم العمرة جائزة في أشهر الحج ، بخلاف ما كانوا يعتقدون ، لكان هذا محالا ، لأن رسول الله قد اعتمر بهم قبل حجة الوداع بثلاثة أعوام ، كل عمرة منها في ذي القعدة ، وهو من أشهر الحج ، فأولها عمرة الحديبية ، التي صد عنها في ذي القعدة ، ثم عمرة القضاء من العام الثاني في ذي القعدة ، ثم عمرة الجعرانة بعد الفتح في ذي القعدة ، فإذا لم يعرفوا بعمل ثلاثة أعوام أن العمرة في أشهر الحج جائزة ، فمحال أن يعرفوا ذلك بعمل العام الرابع ، ومن الممتنع أن يظن بالصحابة رضي الله عنهم ، وهم أصح الناس أذهانا وأقواهم فهما ، وأطوعهم لله تعالى ولرسوله أنهم لم يفهموا ولا علموا جواز العمرة في أشهر الحج ، وهم قد عملوها مع النبي ثلاثة أعوام متصلة ، كلها في أشهر الحج ، ثم لا يعرفون بهذا العمل المتصل الظاهر المقصود له من المدينة ، أن الذي عملوه جائز ، هذا أمر لا يظنه بالصحابة رضي الله عنهم إلا أنوك تام السخف .

ولعل ناقص العقل يقول : كانت تلك العمرة في ذي القعدة ، فأراد عليه السلام أن يريهم جواز العمرة في ذي الحجة ، فيقال له وبالله تعالى التوفيق : تمام ما تقول أن يعتمر بهم أيضا في شوال ؛ لأنه أيضا من أشهر الحج ، وليريهم جواز العمرة فيه ، وهذا لا يتعلق به إلا من يكاد أن يكون القلم مرفوعا عنه ، وهذا بين غاية البيان في إخلال ظن من ظن أن الفسخ إنما كان ليريهم جواز العمرة في أشهر الحج ، وبالله تعالى التوفيق .

والوجه الرابع : أننا قد ذكرنا حديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما فيما خلا من كتابنا هذا ، إذ يقولان : إن الناس أهلوا بعمرة وحج ، وتقول هي : إن النبي أباح لهم مفردة وبالحج مفردا ، وبالعمرة والحج معا ، وإنهم أهلوا معه عليه السلام بكل ذلك في حجة الوداع ، فقد كان كما ترى في تلك الحجة خلق أهلوا بالعمرة وعائشة من جملتهم ، وخلق أهلوا بالعمرة والحج معا ، فقد صح بهذا أنهم قد علموا أن العمرة في أشهر الحج جائزة ، وعملوا بها ، فبطل بذلك قول من قال : إنه إنما أمرهم بفسخ الحج ليعلمهم أن العمرة في أشهر الحج جائزة ؛ لأنهم قد كانوا عملوا ذلك ، فكيف يعلمهم ما قد عملوه بعد ما علموا به ؟ .

والوجه الخامس : أنه لو كان ذلك الأمر بفسخ الحج ليعلمهم أن العمرة في أشهر الحج جائزة ، بخلاف ما كانوا يعتقدون ، لما خص عليه السلام بالأمر بالفسخ من لا هدي معه ، ولعم بذلك من معه هدي ، ومن لا هدي معه ليعمهم بالتعليم ، وفي هذا بطلان ما ظنوه من ذلك جملة ، وارتفاع الريب ، وبيان أن الفسخ حكم من لا هدي معه ، وليس حكم من معه هدي ؛ كما أمرهم رسول الله ، ولا مزيد ولا علة لذلك ، كما لا علة لكون الصلوات خمسا ، ولا لاختصاص رمضان بالصوم دون شوال ، وبالله تعالى التوفيق .

والوجه السادس : أن يقال لهم ، وبالله تعالى التوفيق ، : كان أمره بالفسخ حقا يجب الائتمار به ، وشريعة من عند الله تعالى ، أو كان غير حق . فإن قالوا : كان غير حق كفروا ، وقالوا : إنه أم الناس بغير الحق ، وإن قالوا : بل كان حقا ، وشريعة من عند الله تعالى ، قيل لهم : صدقتم ، فالحق باق ، ما لم يأت نص صحيح ، أو إجماع بنسخه ولا نبالي لعلة كان على دعواهم ، أم لغير علة ، وقد قال عليه السلام : « لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة » أو كما قال عليه السلام ، وقد علم كل مسلم أن السواك لو كان واجبا لكل صلاة لأمرهم به ، شق أو لم يشق ، وإن لم يكن واجبا لكل صلاة لم يأمرهم به ، فالفسخ إذ أمرهم به واجب عليهم أبدا بلا شك ، ولو كان غير واجب عليهم لما أمرهم به عليه السلام أمر إلزام وحتم ، كما لم يأمرهم بالسواك وهو أحب التطوع إليه ، وقد أخبر عليه السلام أنه لا يأمر إلا بواجب ، لا سيما بما شق عليهم ، كما يشق عليهم الفسخ ، ولا يسع مسلما أن يظن أن النبي يأمر بما ليس من الشريعة ، أو بما لا يلزم الناس ، نعوذ بالله من ذلك ، وبه تعالى نعتصم .

والوجه السابع : أنه حتى لو صح ما قالوا ، ووجد نص صحيح أنه إنما أمرهم بفسخ الحج تعليما لهم بجواز العمرة في أشهر الحج ، وقطعا لما كانوا يظنونه من تحريم ذلك ، لكان ذلك باقيا إلى اليوم وأبدا ، وقد أمر عليه السلام بالرمل ؛ ليري المشركين قوة أصحابه ، وكان ذلك باقيا وإن ارتفع السبب ، وهكذا لكل ما أمر به ، فكان فسخ الحج باقيا أيضا كذلك ، فكيف ولا يوجد ما ظنوه ، ولا يصح أبدا ، وإنما الحق ما ذكره جابر : إنهم كانوا ينتظرون أمره عليه السلام ، وعليه ينزل القرآن ، وهو يعلم تأويله ، فالأمر بفسخ الحج وحي أوحاه الله تعالى إليه ، لازم أبدا كما أخبر عليه السلام أن ذلك لأبد الأبد .

والوجه الثامن : أننا نقول لهم : إذا كان الصحابة على قول لم يكتفوا بإخباره عليه السلام إياهم أن العمرة في أشهر الحج جائزة ، ولا بعمل ثلاثة أعوام متصلة يعملونها معه عليه السلام في أشهر الحج ، حتى يأمرهم بفسخ حجهم في عمرة ، فنحن أحرى بذلك منهم ، فالعمل بذلك باق علينا أبدا ، لا أن يقول أحمق : إننا نحن اكتفينا من ذلك بأقل مما اكتفى به الصحابة رضي الله عنهم ، فأين تقليدهم للصحابة ، وقولهم بأن عقولهم لا تبيح التميز ، وأن اتهامها لأقوال الصحابة واجب .

والوجه التاسع : لا يحق لمن يتمسك من الإسلام بشعبة أن يظن أن رسول الله الذي لا يأمر إلا بالحق أمر أصحابه بالفسخ الذي لا يحل ليعلمهم بذلك جواز العمرة في أشهر الحج ، وهذا ظن ليس في الوسواس أشد منه ، ولا يحل لمسلم أن يبيح الحرام ليعلم الجهال ما يجوز لهم . فإن قالوا : ليس الفسخ حراما تركوا قولهم ، ورجعوا إلى قولنا في إيجابه ، أو إلى قول أحمد بن حنبل في إباحته ، ولا بد لهم من أحد الوجهين ، وهذا كله يبين بطلان هذا الشغب الفاسد الساقط الذي موه به من موه ، وبالله تعالى التوفيق . وقد شغب أحمد بن محمد الطحاوي في هذا الفصل بشيء وجب أيضا علينا إيراده ونقضه بحول الله تعالى وقوته ، وهو : أن جعل الأحاديث في ذلك متعارضة ، فجعل حديث عائشة الذي ذكرناه في أول هذا الباب من طريق العقدي ، عن ابن الماجشون ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، وفيه : خرجنا مع رسول الله لا نذكر إلا الحج ، يعارضه حديثها الذي ذكرناه في ما خلا من هذا الكتاب في باب : أمره من ساق الهدي بأن يهل بالحج مع العمرة ، ذكرناه من طريق مالك ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة .

فقال الطحاوي : فدل هذا الحديث على أنه إنما أمرهم بالإحلال من عمرة لا من حج . قال الإمام أبو محمد رحمه الله : وهذا هذر به ما شئت منه ، وما كان يخفى مثل هذا الكلام الفاسد على مثل الطحاوي لولا الهوى وفرط التقليد الذي يعمي ويصم ؛ لأن أمره لهم في حديث عائشة المذكور : بأن يهل من معه هدي بالحج مع العمرة ، هو أمر لهم بالقران بينهما ، ولم يأمر قط عليه السلام هؤلاء بالإحلال ، وهكذا نص الحديث في روايتنا .

وفي رواية الطحاوي أنه عليه السلام قال : « ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا » ، فهو يقر بلسانه أن النبي يأمرهم أن لا يحلوا حتى يحلوا من الحج والعمرة جميعا ، ثم يقول هو : إنما أحلوا من عمرة فقط ، ويرى في سائر الأحاديث أن المأمورين بالإحلال إنما كانوا الذين لا هدي معهم ، وهم غير هؤلاء الذين معهم الهدي الذين أمروا أن لا يحلوا ، ثم يخلط هذا التخليط ، ويأتي بهذا الأمر الفاحش .

ثم حتى لو وجد متعلقا أن هؤلاء المذكورين في حديث عائشة المأمورين بجمع الحج والعمرة كانوا هم الذين أمروا بالإحلال ، وهو لا يحل ذلك أبدا لكان ذلك عليه لا له ؛ لأن نص كلام النبي فيه : « ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا » ، فالنص يوجب أنهم كانوا يكونون محلين من الحج ومن العمرة معا ، فخلاف الخطل الذي أتى به الطحاوي من أنهم إنما أحلوا من عمرة لا من حجة . وإن العجب ليكثر ممن يستجيز الاحتجاج بمثل هذه المصايب ، وهذا العمى الظاهر الذي إن سلم بأن يكون جهلا مظلما ، لم يسلم من أن يكون كذبا فاحشا ، وغرورا ظاهرا ، وتدليسا في دين الله عز وجل بيننا ، ونعوذ بالله من الخذلان ، فكيف والحديثان المذكوران لا تعارض بينهما أصلا ؟ لأن قولها رضي الله عنها في رواية الأسود والقاسم عنها : خرجنا لا نذكر إلا الحج إخبار عن بدء الحال وعن نيتهم حين خروجهم من المدينة ، ومن ذي الحليفة على نص قولها فيه من لفظها : خرجنا .

وفي حديث عروة أنه أمر من كان معه هدي بأن يهل بالحج مع العمرة ، كان بعد ذلك يبقى لفظها في الحديث تبعة من أن ذلك كان بعد إهلال من أهل بالعمرة . أفلا يتقي الله عز وجل حين يجعل هذا تعارضا ؟ ولكنهم يأبون إلا تسويد القراطيس ، وتسخيم وجوه من يغتر بهم ويقلدهم دينه ، وتكفينا المئونة في بيان هذا الهذيان الذي يأتون به ، ولكن في الأجر على ذلك إن شاء الله تعالى أجل عوض . نسأل الله تعالى أن يجعل نياتنا وعملنا وقولنا خالصا آمين آمين . ثم جعل الطحاوي حديث جابر الذي ذكرناه في هذا الباب من طرق ، وفيه من وصف حالهم في حجة الوداع : لسنا ننوي إلا الحج ، لسنا نعرف العمرة ، لم يأت عن جابر ما يعارضه ، وذكر أن بعض القائلين ادعى أن ها هنا حديثا يعارض هذا

411 - وهو الحديث الذي حدثناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم الأحول ، عن أبي نضرة ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : تمتعنا متعتين على عهد رسول الله فلما كان عمر نهانا عنها فانتهينا .

قال أبو محمد رحمه الله : لا أدري ماذا توهم القائل في هذا الحديث ؟ ولكن من لم يتق الله عز وجل قال ما قال ، وما هذا الحديث من جابر إلا موافق كسائر الأحاديث عنه ؛ لأنهم أهلوا بالحج ، فأمرهم عليه السلام بفسخه ، وأن يحلوا منه ، وأن يجعلوه عمرة ، ثم يهلوا بالحج يوم التروية ففعلوا ، فصاروا متمتعين . فأي اختلاف ها هنا ؟ وهل في الاتفاق شيء أكثر من هذا ؟ وهذا الذي قلناه منصوص كله في حديث جابر من جميع طرقه ، وبالله تعالى التوفيق .

قال أبو محمد رحمه الله : وجعل الطحاوي أيضا حديث ابن عمر الذي أوردناه في صدر هذا الباب من طريق بكر بن عبد الله المزني ، عن ابن عمر ، وفيه : أن الناس أهلوا بالحج مع رسول الله فأمر عليه السلام من لا هدي معه منهم بالإحلال ، يعارضه حديث ابن عمر الذي أوردناه أيضا : من طريق سالم ، عن أبيه في صدر هذا الكتاب متصلا بالحديث المذكور من طريق بكر المزني ، عن ابن عمر ، وفيه : أن رسول الله بدأ فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، وأنه عليه السلام في حجة الوداع تمتع بالعمرة إلى الحج ، وتمتع الناس معه بالعمرة إلى الحج ، فأمر عليه السلام من لا هدي معه منهم بالإحلال .

قال أبو محمد رحمه الله : هذان الحديثان متفقان ، لا تعارض بينهما ؛ لأن الناس لو أحلوا من عمرة لا حج معها لما خص بذلك من لا هدي معه دون من معه الهدي ، ونص الحديثين المذكورين متفق على أنه إنما خص بالإحلال من لا هدي معه ، وأمر من معه الهدي بأن لا يحل ، وليس هذا حكم المعتمر المفرد للعمرة المزيد للحج من عامه ؛ لأن عائشة رضي الله عنها قد روت أن رسول الله أمر من معه الهدي بأن يجعل من عمرته حجا ، وأن يهل بالحج مع العمرة ، رواه عروة عنها ، وقال عليه السلام لمن لا هدي معه قبل أن يصل إلى مكة : « من أحب منكم أن يجعلها عمرة فليفعل ، وأما من معه الهدي فلا » .

هذا نص قوله عليه السلام عن عائشة . فكيف يسوغ لذي علم ودين أن يقول : إنه عليه السلام إنما أمر من معه الهدي أن لا يحل أيضا من عمرة مفردة فقط ، وهل في الهذيان أعظم من هذا ؟ ويخرج هذا القول الفاسد أن من كان معه عليه السلام كانوا مهلين بعمرة فقط كلهم أجمعون ؛ لأنهم ليس فيهم إلا من أمر بالإحلال ، ونهي عنه ، ولا مزيد « وهذا قول باطل بلا خلاف من أحد من الناس ، وحديث سالم ، عن أبيه المذكور زائد على حديث بكر بن عبد الله بيانا في صفة إهلال النبي ، وأما في فسخ الحج فلا اختلاف بين الحديثين المذكورين في شيء منه ، ولا بين أحاديث ابن عمر كلها في ذلك اختلاف أصلا ، وإنما جاء الاختلاف عنه في صفة إهلال رسول الله ، مرة قال : أهل بحج مفرد ، ومرة قال : تمتع ، ثم وصف صفة القران بين الحج والعمرة ، وليس هذا من الفسخ في شيء ؛ لأن أحاديثه كلها متفقة على أن الناس فسخوا حجهم أو قرانهم بعمرة ، لعل بها منهم من لا هدي معه ، وتمادى على إحرامه منهم من معه الهدي ، وبالله تعالى التوفيق . وأيد الطحاوي قوله الفاسد في تعارض حديثي ابن عمر المذكورين بقول حفصة

412 - الذي حدثناه أحمد بن محمد الجسوري ، حدثنا أحمد بن سعيد بن حزم ، حدثنا عبيد الله بن يحيى ، عن أبيه ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة ، زوج النبي أنها قالت لرسول الله  : ما بال الناس أحلوا بعمرة ، ولم تحلل أنت من عمرتك ؟ فقال عليه السلام : « إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر » . وقال الطحاوي : فهذا النبي لم ينكر على حفصة قولها له : « من عمرتك » ، فصح أنه كان في عمرة

قال أبو محمد رحمه الله : وليت شعري أي شيء في كونه عليه السلام في عمرة معها حجة ومعه هدي مما يعارض أمره عليه السلام من لا هدي معه بفسخ حجهم في عمرة ؟ أو أي تعلق لأحد هذين الأمرين بالآخر ؟ وهل هما إلا خبران متغايران ؟ لا سيما والطحاوي مقر معنا أنه كان قارنا لا مفردا عمرة ، ولا مفردا حجا ، أفيسوغ لمن يتقي الله عز وجل أن يحقق أنه عليه السلام كان قارنا ثم يتعلق في إنكار الحق المروي ؟ بأن يلجأ إلى خلاف ما يعتقد فيتشبث به ، ويشير إلى أنه عليه السلام كان مفردا عمرة ، فرجع إلى أن يكذب نفسه في هذا الموضع خاصة ، ويبطل مما صحح قبل من مذهبه ، فهو إذا ناظر خصومه في حال إهلال النبي في حجة الوداع قال : إنه عليه السلام كان ملبيا بحجة وعمرة معا قارنا بينهما ، ولم يكن متمتعا ، فإذا أتى إلى الكلام في الفسخ قال : كان عليه السلام في حجة الوداع ملبيا بعمرة مفردة ، متمتعا بالحج من عامه . والله إن هذا الأمر لا يستجيزه ذو ورع يخاف النار ، ولا ذو حياء يتجنب العار ، ولا عجب من أهل عصرنا إذا كان من سلف ممن اتسع في المعرفة يستجيز مثل هذا البلاء ؛ نظرا لتقليده الفاسد ، نعوذ بالله من الخذلان ، ونسأله العصمة آمين .

وإذا حصل لنا من كلام الطحاوي أن الفسخ المأمور به إنما كان من عمرة ، وأن النهي الوارد لمن كان معه الهدي أن لا يحل حتى يتم الحج : إنما أمر بذلك من أهل بعمرة فقط ، وساق الهدي مع نفسه ، ونوى التمتع بالحج من عامه . وقد تيقنا كذب هذا الكلام بما صح مما ذكرناه قبل من دراية من روى من الصحابة رضي الله عنهم أنه كان منهم في تلك الحجة من قرن ، ومن أهل بحج مفرد ، ومن أهل بعمرة مفردة ، ومن رواية من روى منهم : خرجنا مهلين بالحج ، لا نعرف العمرة ، وقد ذكرنا كل ذلك بأسانيده الصحاح ، وبالله تعالى التوفيق .

قال أبو محمد رحمه الله : جعل الطحاوي الحديث الذي ذكرنا قبل هذا المكان من طريق بهز ، عن وهيب ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ، يعارضه الحديث من طريق ابن عباس أيضا الذي

413 - حدثناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا محمد بن مثنى ، وابن بشار قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، قال مسلم : وحدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، واللفظ له قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله  : « هذه عمرة استمتعنا بها ، فمن لم يكن عنده الهدي فليحل الحل كله ، فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة » قال أبو محمد رحمه الله : لا تعارض بين هذين الحديثين أصلا ، ولا بينهما وبين سائر أحاديث ابن عباس ، بل كلها متفق ؛ لأنه إذ أمرهم عليه السلام بأن يفسخ منهم من لا هدي معه الحج في عمرة ، ثم يحل ، ثم أمرهم بالإهلال بالحج يوم التروية إذا توجهوا إلى منى كما في حديث جابر وغيره ، فقد صارت لهم عمرة ليستمتعوا بها بلا شك ، وصاروا متمتعين بيقين ، فأي تعارض ها هنا ؟ وهل في الاتفاق أكثر من هذا ؟ وقال الطحاوي : إن عمر قد أنكر على أبي موسى الفتيا بفسخ الحج ، قال : وعمر كان مع النبي في حجة الوداع ، ولم يكن عند عمر أمر فسخ الحج . قال أبو محمد رحمه الله : إذا لم يكن عند عمر أمر فسخ الحج ، أو كان عنده فنسيه ، أو لم ينسه لكن تأول فيه أنه فسخ أو كان خصوصا ، فما علينا من ذلك شيء ، واتباع الذي لولاه لم يكن عمر إماما ، والذي به هدى الله عز وجل عمر وغير عمر ، أولى بنا من اتباع من دونه ،

كما قال ابن عمر رضي الله عنه إذ قيل له : إن أباك نهى عن المتعة ، فأنكر ذلك ابن عمر فحقق عليه ذلك ، فقال : أفرأيتم إن كانت في كتاب الله عز وجل ونهى أبي عنها ، أكتاب الله تتبعون أم أبي ؟ ولا شك أن اتباع ما دونه الكافة الذين فيهم المكي والمدني والبصري والكوفي ، عن النبي ، وقال به طائفة من الصحابة أحق وأولى من اتباع رأي رآه عمر رضي الله عنه ، فلعله قد رجع عنه أو لم يرجع ، وهذا عمر يقول : من لم يدرك صلاة الظهر والعصر مع الإمام بعرفة بطل حجه ، ومن قدم ثقله يوم عرفة إلى منى بطل حجه ، وخصومنا المحتجون علينا بعمر في هذا الفصل مخالفون في هاتين القضيتين لعمر ، وفي ما لا تحل مخالفته فيه من حكمه في الأرنب بعناق ، وفي الضب بجدي ، وفي اليربوع بحملان من الغنم ، نعم وفي عدة قضايا في الحج فلينكروا على أنفسهم مخالفة عمر ، فالعيب لهم في ذلك لازم ؛ لأنهم يحتجون به ثم يخالفونه « وإنا من لا يرى حجة في أحد من الناس دون رسول الله ، وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد رحمه الله : فإن اعترض معترض في إباحة الإفراد من الميقات

414 - بما حدثناه عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا سعيد بن منصور ، وعمرو الناقد ، وزهير بن حرب ، كلهم عن سفيان بن عيينة ، حدثنا الزهري ، عن حنظلة الأسلمي ، قال : سمعت أبا هريرة ، يحدث عن النبي قال : « والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنينهما » قال مسلم : وحدثنا قتيبة ، حدثنا الليث هو ابن سعد ، عن ابن شهاب بإسناده مثله ، إلا أنه قال : والذي نفس محمد بيده . قال أبو محمد رحمه الله : لا حجة لهم فيه ؛ لأن هذا أمر لا يعلمه النبي إلا بالوحي ؛ لأنه علم غيب بما يكون في آخر الزمان ، وقد أيقنا ضرورة أن الوحي لا يأتي بشك ، فصح أن الشك المذكور ليس من كلام النبي ، هذا ما لا يجوز أن يظنه مسلم ، أن يشك النبي في شيء لا يمكن أن يعلمه إلا بالوحي ، وقد وجدنا للأفاضل كلاما يأتون به تفسيرا للحديث يصلونه به ، لا سيما هذا الإسناد ، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي حديث النفقات ، ثم وصل به تقول امرأتك : أنفق علي ، أو طلقني ، ويقول لك غلامك : أنفق علي واستعملني ، ويقول لك ولدك : إلى من تكلني ؟ فقيل له : يا أبا هريرة أهذا عن رسول الله ؟ فقال : لا هذا من كيس أبي هريرة . ووجدنا الزهري قد روى عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، عن النبي قصة زيارة النبي إذا اعتل ، فذكر كلام النبي  : « لكن البائس سعد ابن خولة » ، ثم وصل به : يرثي له رسول الله أن مات بمكة ، ولا شك في أن هذا اللفظ ليس من كلامه عليه السلام . وكذلك أيضا روى الزهري حديث إفطاره بالكديد ، فوصل به ، فكان الناس يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله . وكذلك أيضا روى الزهري عن النبي  : « ما لي أنازع القرآن » ، فوصل به : فانتهى الناس عن القراءة خلف رسول الله فيما يجهر فيه . قال أبو محمد رحمه الله : قد استوعبنا ، والحمد لله رب العالمين كل ما موه به من لا يرى الفسخ ، وأبنا بتأييد الله عز وجل بطلان قولهم ، وأبطلنا دعواهم الفسخ فيه ، ودعواهم الخصوص ، ودعواهم أن ذلك كان لعلة ، ودعواهم التعارض ، ودعوى الطحاوي أن ذلك الفسخ كان من عمر .

وهذا الوجه أبرد الوجوه التي تعلقوا بها وأكذبها ؛ لأن عائشة ، وجابرا ، وأبا سعيد ، وأسماء ، وابن عمر ، وابن عباس ، وسراقة بن جعشم ، وسبرة ، وأبا موسى كلهم يروي أن رسول الله إنما أمر الناس من الإحلال بحج أحرموا به ، وما روى قط أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه عليه السلام إنما أمر بالفسخ لمن لا هدي معه من عمرة مفردة ، ونعوذ بالله من كل قول أدخل قائله في الكذب . قال أبو محمد رحمه الله : روى الفسخ عن النبي كما ذكرنا أربعة عشر من أصحابه رضي الله عنهم ، وهم : عائشة ، وحفصة ، وفاطمة بنت النبي ، وعلي ، وأسماء بنت أبي بكر الصديق ، وجابر ، وأبو سعيد الخدري ، وابن عمر ، وأنس ، وأبو موسى ، والبراء ، وابن عباس ، وسراقة ، وسبرة .

فرواه عن عائشة : الأسود بن يزيد ، والقاسم ، وعروة ، وعمرة ، وذكوان ، فهؤلاء خمسة . ورواه عن جابر ، عطاء بن أبي رباح ، ومجاهد ، ومحمد بن علي ، وأبو الزبير ، فهؤلاء أربعة . ورواه عن أسماء صفية ، ومجاهد ، اثنان . ورواه عن أبي سعيد الخدري : أبو نضرة ، واحد . ورواه عن البراء : أبو إسحاق ، واحد . ورواه عن ابن عمر ، سالم ابنه ، وبكر بن عبد الله المزني ، اثنان . ورواه عن أنس : أبو قلابة ، واحد . ورواه عن أبي موسى ، طارق بن شهاب ، واحد . ورواه عن ابن عباس ، طاوس ، وعطاء ، وعكرمة ، وأنس بن سليم ، وجابر بن زيد ، ومجاهد ، وكريب ، وأبو العالية ، ومسلم القري ، وأبو حسان الأعرج ، فهؤلاء عشرة . ورواه عن سراقة ، طاوس . ورواه عن سبرة ابنه ، واحد . أسقطنا من تكرر منهم وعددناهم بأسمائهم فبلغوا أربعة وعشرين من الثقات . ورواه عن أبي ذر ثلاثة مجهولون مسندا ، فصار نقل كافة وتواتر ، يقطع العذر ، ويوجب العلم الفردي ، والحمد الله رب العالمين

الباب الخامس والعشرون عدل

الاختلاف في كيفية إهلال رسول الله بحج مفرد ، أم بعمرة مفردة ، تمتع بها ثم حج من شهره ، أم بعمرة وحج معا قرن بينهما ، والاختلاف في موضع إهلاله

ذكر ما تعلق به من ادعى أن رسول الله أهل بحج مفرد عدل

415 - حدثنا محمد بن أحمد الجسوري ، حدثنا أحمد بن مطرف ، حدثنا عبيد الله بن يحيى بن يحيى ، حدثنا أبي ، عن مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، وأبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عبد الرحمن عن أبيه ، ومحمد ، عن عروة ، فكلاهما عن عائشة ، أن رسول الله أفرد الحج

416 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله موافين هلال ذي الحجة ، فلما كان بذي الحليفة قال : « من شاء أن يهل بحج فليهل ، ومن شاء أن يهل بعمرة فليهل ، وأما أنا فأهل بالحج فإن معي الهدي » ، وذكر الحديث

417 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا سريج بن يونس ، حدثنا هشيم ، حدثنا حميد ، عن بكر هو ابن عبد الله المزني أن ابن عمر ، أخبره أن رسول الله لبى بالحج وحده

418 - في حديث كتب إلي يوسف بن عبد الله النمري ، حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا جعفر بن محمد الطيالسي ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا غندر ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن بكر بن عبد الله ، عن ابن عمر ، قال : سمعت النبي يقول : « لبيك بحجة »

419 - حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة ، حدثنا مطرف بن عبد الله ، هو صاحب مالك ، حدثنا عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، أن رسول الله أفرد الحج

420 - حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي ، حدثنا محمد بن معاوية الهشامي ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا محمد بن بشار ، عن يحيى بن كثير العنبري ، حدثنا شعبة ، عن أيوب ، عن أبي العالية البراء ، عن ابن عباس ، قال : قدم رسول الله لأربع مضين من ذي الحجة ، وقد أهل بالحج ، وصلى الصبح بالبطحاء ، وقال : « من شاء أن يجعلها عمرة فليفعل » وهكذا روى كريب ، وأبو حسان الأعرج ، عن ابن عباس ذكرا الحج ، ولم يقل عنه في ذلك أحد نعلمه بالحج وحده ، ولا أنه أفرد الحج . قال أبو محمد رحمه الله : فهؤلاء أربعة : عائشة ، وابن عمر ، وجابر ، وابن عباس ، وقد اضطربت الرواية عنهم في ذلك أيضا على ما نورده إثر هذا إن شاء الله تعالى قال أبو محمد رحمه الله : وقد استدل بعض الناس على إفراده الحج :

421 - بما حدثناه أحمد بن محمد الجسوري ، حدثنا وهب بن مسرة ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن سفيان الثوري ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أبي موسى ، وذكر ، حديثا فيه : أنه سأل عمر بن الخطاب قال : قلت : ما أحدثت في شأن النسك ؟ قال : أن نأخذ بكتاب الله عز وجل فإنه يأمرنا بالتمام ، وأن نأخذ بسنة نبينا فإنه لم يحل حتى بلغ الهدي محله قال أبو محمد رحمه الله : لا متعلق في هذا الحديث خاصة لمن يقول بأنه كان مفردا للحج ؛ لأنه لم يقل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه : إن رسول الله كان مفردا للحج ، وإنما أخبر أنه عليه السلام لم يحل حتى نحر الهدي ، وهذا يحتمل أن يكون عليه السلام مفردا للحج ، ويحتمل أن يكون أيضا عليه السلام قارنا بين الحج والعمرة . فإن قيل : المحفوظ عن عمر أنه كان ينكر القران ، قيل : المحفوظ عن عمر أنه قال للضبي بن معبد إذ قرن بين الحج والعمرة : هديت لسنة نبيك ، وسنذكر هذا الحديث بسنده في باب القران إن شاء الله تعالى

ذكر ما تعلق به من زعم أن رسول الله كان متمتعا بالعمرة مفردة ، ثم حج عدل

422 - حدثنا حمام ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن إبراهيم الأصيلي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث هو ابن سعد ، عن عقيل ، عن ابن شهاب الزهري ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، قال : تمتع رسول الله في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى وساق الهدي من ذي الحليفة وذكر باقي الحديث على ما نورده إن شاء الله تعالى في باب القران وفيه : الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أخبرته أن رسول الله في تمتعه بالعمرة إلى الحج تمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم ، عن أبيه ، عن رسول الله

423 - أخبرنا حمام بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا عبيد بن محمد الكشوري ، حدثنا محمد بن يوسف الحذاقي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، قال : سئل ابن عمر عن متعة الحج ، فأمر بها فقيل له : إنك تخالف أباك ، فقال : « أراني لم يقل الذي تقولون » ، ثم ذكر الحديث ، وفي آخره : فإذا أكثروا عليه قال : أكتاب الله عز وجل أحق أن تتبعوا أم عمر ؟

424 - حدثنا أبو عمر الطلمنكي أحمد بن عبد الله ، حدثنا محمد بن أحمد بن مفرج القاضي ، حدثنا محمد بن أيوب الصموت الرقي ، حدثنا أبو بكر أحمد بن عمرو البزار ، حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن سالم ، قال : كنت عند عبد الله بن عمر - يعني أباه - فجاءه رجل فسأله عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال : حسن لا بأس به ، فقال : إن أباك كان ينهى عنها ، فغضب ابن عمر ، وقال : بأمر رسول الله نأخذ

425 - حدثني أبو عمر أحمد بن قاسم ، حدثني أبي قاسم بن محمد بن قاسم ، حدثني جدي قاسم بن أصبغ البياني ، حدثنا أبو عبيدة ، حدثنا محمد بن علي بن داود ، بالمحلة من أرض مصر ، حدثنا سعيد بن داود الزنبري ، حدثنا مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، أن سالم بن عبد الله بن عمر ، حدثه أنه ، سمع رجلا ، من أهل الشام يسأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال عبد الله : هي حلال ، فقال الشامي : إن أباك قد نهى عنها ، فقال عبد الله بن عمر : أرأيت إن كان أبي قد نهى عنها ، وصنعها رسول الله ، أمر أبي يتبع أم أمر رسول الله ؟ فقال الرجل : بل أمر رسول الله ، فقال : قد صنعها رسول الله

426 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، حدثنا مسلم القري ، سمع ابن عباس ، يقول : أهل رسول الله بعمرة ، وأهل أصحابه بحج ، يعني ذلك في حجة الوداع ، وذكر باقي الحديث على ما سنورده إن شاء الله تعالى في باب القران بعد هذا

427 - وبه إلى مسلم : حدثنا محمد بن مثنى ، وابن بشار ، عن محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن عمارة بن عمير ، عن إبراهيم بن أبي موسى ، عن أبي موسى ، أنه كان يفتي بالمتعة ، فقال له الرجل : رويدك ببعض فتياك ، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعد ، حتى لقيه فسأله فقال عمر : فقد علمت أن رسول الله قد فعله وأصحابه ، ولكن كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ، ثم يروحون في الحج تقطر رءوسهم

428 - وبه إلى مسلم : حدثنا محمد بن مثنى ، وابن بشار ، عن محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، قال : قال عبد الله بن شقيق : كان عثمان ينهى عن المتعة ، وكان ، علي يأمر بها ، فقال عثمان ، لعلي كلمة ، ثم قال علي : علمت أنا قد تمتعنا مع رسول الله ؟ فقال : أجل ، ولكنا كنا خائفين

429 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا عمرو بن علي ، عن يحيى بن سعيد ، حدثنا عبد الرحمن بن حرملة ، سمعت سعيد بن المسيب ، يقول : حج علي ، وعثمان فلما كنا ببعض الطريق نهى عثمان عن التمتع ، قال علي : إذا رأيتموه ارتحل فارتحلوا ، فلبى علي وأصحابه بالعمرة ، فلم ينههم عثمان ، فقال علي : ألم أخبر أنك تنهى عن التمتع ؟ قال : بلى ، قال علي : ألم تسمع رسول الله تمتع ؟ قال : بلى

430 - حدثنا حمام ، حدثنا الأصيلي ، حدثنا المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا قتيبة ، حدثنا حجاج بن محمد الأعور ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : اختلف علي ، وعثمان وهما بعسفان في المتعة ، فقال علي : ما تريد إلا أن تنهى عن أمر فعله رسول الله ، فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعا

431 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثني حجاج بن الشاعر ، حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد ، حدثنا إسماعيل بن مسلم ، هو بصري ، حدثنا محمد بن واسع ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن عمران بن حصين ، قال : تمتع نبي الله ، وتمتعنا معه

432 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرني إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، حدثنا عثمان بن عمر يعني ابن فارس ، حدثنا إسماعيل بن مسلم ، عن محمد بن واسع ، عن مطرف يعني ابن عبد الله الشخير ، قال : قال لي عمران بن الحصين : إن رسول الله قد تمتع ، وتمتعنا معه ، قال فيها قائل برأيه

433 - حدثنا أحمد بن محمد الجسوري ، حدثنا أحمد بن مطرف ، حدثنا عبيد الله بن يحيى بن يحيى ، حدثنا أبي ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، أنه حدثه أنه ، سمع سعد بن أبي وقاص ، والضحاك بن قيس ، يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج فقال سعد : قد صنعها رسول الله وصنعناها معه في حديث

434 - حدثني يونس بن عبد الله ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا أبو موسى محمد بن المثنى الزمن ، عن عبد الرحمن يعني ابن مهدي ، حدثنا سفيان يعني الثوري ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أبي موسى ، قال : قدمت على رسول الله وهو بالبطحاء فقال : « بم أهللت » ؟ قلت : بإهلال النبي ، فقال : « هل سقت من هدي » ؟ قلت : لا ، قال : « طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل »

435 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، أن معاوية ، قال له : أما علمت أني قصرت عن رسول الله بمشقص أعرابي على المروة لحجته

436 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا الحجاج بن المنهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن قيس بن سعد ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن معاوية بن أبي سفيان ، قال : قدم رسول الله لأربع خلون من ذي الحجة ، فطاف بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، فأخذت من أطراف شعره بمشقص معي ، قال عطاء : والناس ينكرون ذلك على معاوية

437 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا هناد بن السري ، عن عبدة يعني ابن سليمان ، عن ابن أبي عروبة ، عن مالك بن دينار ، قال : قال عطاء : قال سراقة : تمتع رسول الله وتمتعنا معه ، فقلنا : ألنا خاصة أم للأبد ؟ فقال : « بل للأبد »

ذكر الأحاديث المبينة أن رسول الله كان في حجة الوداع قارنا بين عمرة وحجة أهل بهما جميعا معا عدل

438 - حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن إبراهيم الأصيلي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، أن ابن عمر ، قال : تمتع رسول الله في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى وساق الهدي معه من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، فتمتع الناس مع النبي إلى الحج ، فكان في الناس من أهدى فساق الهدي ، ومنهم من لم يهد ، فلما قدم النبي مكة قال للناس : « من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت والصفا والمروة ويقصر ويحل ، ثم ليهلل بالحج فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله » ، فطاف حين قدم مكة واستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أطواف ، ومشى أربعة ، فركع حين فرغ طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ، ثم سلم فانصرف فأتى الصفا وطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ، ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ، ونحر هديه يوم النحر ، وأفاض فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه ، وفعل مثلما فعل رسول الله من أهدى أو ساق الهدي من الناس وعن عروة ، عن عائشة ، أخبرته عن رسول الله في تمتعه بالعمرة إلى الحج ، فتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني به سالم ، عن أبيه ، عن رسول الله

439 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد ، حدثني أبي ، عن جدي ، حدثني عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، أن عبد الله بن عمر ، قال : تمتع رسول الله في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى وساق معه الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله فبدأ بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، وتمتع الناس مع رسول الله بالعمرة إلى الحج ، وكان من الناس من أهدى فساق الهدي ، ومنهم من لم يهد ، فلما قدم رسول الله مكة قال للناس : « من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم عليه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج ، وليهد ، ومن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله » . وطاف رسول الله حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء ، ثم خب ثلاثة أطواف من السبع ، ومشى أربعة أطواف ، ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ، ثم سلم فانصرف ، فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أشواط ، ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ، ونحر هديه يوم النحر ، وأفاض ، فطاف بالبيت فحل من كل شيء حرم منه ، وفعل مثلما فعل رسول الله من أهدى فساق الهدي من الناس قال مسلم : وحدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث ، حدثني أبي ، عن جدي ، حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، أن عائشة ، زوج النبي أخبرته عن رسول الله في تمتعه بالعمرة إلى الحج : وتمتع الناس معه مثل الذي أخبرني سالم بن عبد الله ، عن عبد الله ، عن رسول الله

440 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا قتيبة ، عن الليث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه قرن الحج إلى العمرة ، وطاف لهما طوافا واحدا ، ثم قال : هكذا فعل رسول الله

441 - حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن محمد الباجي ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا عبيد بن محمد الكشوري ، حدثنا محمد بن يوسف الحذاقي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، أن ابن عمر ، قرن بين الحج والعمرة ، فطاف لهما بالبيت وبين الصفا والمروة طوافا واحدا ، وقال : هكذا صنع رسول الله

442 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن أبي بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا زهير هو ابن معاوية ، حدثنا أبو إسحاق ، عن مجاهد ، قال : سئل ابن عمر : كم اعتمر رسول الله ؟ فقال : مرتين ، فقالت عائشة : لقد علم ابن عمر أن رسول الله اعتمر ثلاثا سوى الذي قرن بحجة الوداع . قال أبو محمد رحمه الله : صدقت عائشة رضي الله عنها ، وصدق ابن عمر رضي الله عنه ؛ لأن رسول الله لم يعتمر مذ هاجر إلى المدينة عمرة كاملة مفردة إلا اثنتين كما قال ابن عمر رضي الله عنه ، وهما عمرة القضاء وعمرة الجعرانة عام حنين ، وعدت عائشة وأنس رضي الله عنهما إلى هاتين العمرتين عمرة الحديبية التي صد عليه السلام عنها فأحل بالحديبية ، ونحر الهدي ، والعمرة التي قرن مع حجة الوداع فتآلفت أقوالهم كلها ، وانتفى التعارض عنها ، وبالله تعالى التوفيق

443 - أخبرني عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي حدثنا عبد الله بن أبي زياد القطواني ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا سفيان الثوري ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله حج ثلاث حجج قبل أن يهاجر ، وحجة بعدما هاجر معها عمرة ، وساق ثلاثا وستين بدنة ، وجاء علي بتمامها من اليمن فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من فضة ، فنحرها رسول الله وأمر أن يؤخذ من كل بدنة بضعة فطبخت فشرب من مرقها

444 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، حدثنا مسلم القري ، سمع ابن عباس ، يقول : أهل رسول الله بعمرة ، وأهل أصحابه بحج ، فلم يحل النبي ولا من ساق الهدي من أصحابه ، وحل بقيتهم

445 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ، حدثنا محمد بن بكر البصري ، حدثنا سليمان بن الأشعث ، حدثنا النفيلي ، وقتيبة ، قالا : حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : اعتمر رسول الله أربع عمر : عمرة الحديبية ، والثانية حين تواطئوا على عمرة من قابل ، وثالثة من الجعرانة ، والرابعة التي قرن مع حجته

446 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا مسكين ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، سمعت ابن عباس ، يقول : أخبرني عمر بن الخطاب ، أنه سمع رسول الله يقول : « أتاني الليلة آت من عند ربي - قال : وهو بالعقيق - قال : صل في هذا الوادي ، وقل : عمرة في حجة »

447 - حدثنا أحمد بن عبد الله الطلمنكي ، حدثنا محمد بن أحمد بن مفرج ، حدثنا محمد بن أيوب الصموت ، حدثنا البزار ، حدثنا محمد بن مسكين ، حدثنا بشر بن بكر ، حدثنا الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، حدثني عكرمة ، حدثني ابن عباس ، حدثني عمر بن الخطاب ، قال : قال رسول الله  : « أتاني آت من ربي الليلة ، فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في حجة »

448 - حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ، حدثنا أبو إسحاق البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا الحميدي ، حدثنا الوليد ، وبشر بن بكر التنيسي ، قالا : حدثنا الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال البخاري : وحدثنا سعيد بن الربيع ، حدثنا علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، ثم اتفقوا ، قال يحيى : حدثني عكرمة ، أنه سمع ابن عباس ، أنه سمع عمر ، يقول : سمعت النبي بوادي العقيق يقول : « أتاني الليلة آت من ربي فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في حجة »

449 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه ، أخبرنا جرير يعني ابن عبد الحميد ، عن منصور ، هو ابن المعتمر ، عن أبي وائل هو شقيق بن سلمة ، قال : قال الصبي بن معبد : كنت أعرابيا نصرانيا فأسلمت ، فكنت حريصا على الجهاد ، فوجدت الحج والعمرة مكتوبتين علي ، فأتيت رجلا من عشيرتي يقال له : هريم بن عبد الله فسألته ، فقال اجمعها ثم اذبح ما استيسر من الهدي ، فأهللت بهما ، فلما أتينا العذيب لقيني سلمان بن ربيعة ، وزيد بن صوحان ، وأنا أهل بهما ، فقال أحدهما للآخر : ما هذا بأفقه من بعيره ، فأتيت عمر فقلت : يا أمير المؤمنين إني أسلمت وأنا حريص على الجهاد ، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبتين علي فأتيت هريم بن عبد الله ، فقلت : يا هناه إني وجدت الحج والعمرة مكتوبتين علي فقال : اجمعهما ثم اذبح ما استيسر من الهدي ، فأهللت بهما ، فلما أتيت العذيب لقيني سلمان بن ربيعة ، وزيد بن صوحان ، فقال أحدهما للآخر : ما هذا بأفقه من بعيره ، فقال عمر : هديت لسنة نبيك

450 - قال أحمد بن شعيب : أخبرني عمران بن زيد الدمشقي ، أخبرنا شعيب يعني ابن إسحاق ، أخبرنا ابن جريج ، أخبرني حسن بن مسلم ، عن مجاهد ، أن شقيقا وهو أبو وائل قال : فكنت أختلف أنا ومسروق بن الأجدع ، إلى الصبي بن معبد نستذكره يعني هذا الحديث فلقد اختلفنا إليه مرارا أنا ومسروق بن الأجدع ، وذكر أن الصبي هذا من بني تغلب

451 - حدثني يونس بن عبد الله القاضي ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرني عمران الدمشقي ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن علي بن الحسين ، عن مروان بن الحكم ، قال : كنت جالسا عند عثمان فسمع عليا ، يلبي بعمرة وحجة ، فقال : ألم تكن تنهى عن هذا ؟ قال : بلى ، ولكني سمعت رسول الله يلبي بهما جميعا ، فلم أدع قول رسول الله لقولك

452 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق القاضي ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا حجاج هو ابن محمد الأعور ، حدثنا يونس هو ابن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب ، قال : كنت مع علي حين أمره رسول الله على اليمن ، فذكر الحديث وفيه : أن عليا قال : أتيت النبي فقال لي رسول الله  : « كيف صنعت » ؟ قال : قلت : أهللت بإهلال النبي ، قال : « فإني قد سقت الهدي وقرنت »

453 - وحدثناه أيضا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرني أبو عبيد الله معاوية بن صالح الأشعري ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا حجاج بن محمد ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب ، فذكر الحديث وفي آخره : فقال - يعني رسول الله - لأصحابه : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما فعلتم ولكني سقت وقرنت »

454 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثني محمد بن مثنى ، وابن بشار ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن حميد بن هلال ، قال : سمعت مطرفا هو ابن عبد الله الشخير ، قال : قال عمران بن الحصين : أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به : إن رسول الله جمع بين حجة وعمرة ، ثم لم ينه عنه حتى مات ، ولم ينزل قرآن يحرمه

455 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن يحيى بن مفرج ، حدثنا سعيد بن السكن ، حدثنا محمد بن يوسف الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا إسماعيل ، وعبد الله بن يوسف ، قالا : حدثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة ، زوج النبي أنها قالت : يا رسول الله ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحل أنت من عمرتك ؟ قال : « إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي ، فلا أحل حتى أنحر »

456 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا محمد بن مثنى ، حدثنا يحيى بن سعيد ، هو القطان عن عبيد الله ، هو ابن عمر ، أخبرني نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة ، قالت : قلت للنبي  : ما شأن الناس حلوا ولم تحل من عمرتك ؟ قال : « إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي ، فلا أحل حتى أحل من الحج »

457 - حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ، حدثنا أبو الفيض المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب ، حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك ، قال : صلى النبي ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، فبات بها حتى إذا أصبح ركب حين استوت به راحلته على البيداء ، حمد الله وسبح ، ثم أهل بحج وعمرة ، وأهل الناس بهما ، فلما قدمنا أمر الناس فحلوا بعمرة حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج ، وذكر باقي الحديث

458 - حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن محمد الباجي ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا عبيد الله بن محمد الكشوري ، حدثنا محمد بن يوسف الحذاقي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، وحميد بن هلال ، عن أنس ، قال : كنت رديف أبي طلحة ، وهو يساير النبي فسمعته يهل بالحج والعمرة معا

459 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا سريج بن يونس ، حدثنا هشيم ، حدثنا حميد ، عن بكر ، هو ابن عبد الله المزني عن أنس وحدثني أحمد بن عمر العذري ، حدثنا عبد الله بن الحسين بن عقال القرينشي ، حدثنا عبيد الله بن محمد السقطي ، حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم الختلي ، حدثنا عمر بن محمد بن عيسى الجوهري السذابي ، حدثنا أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم ، حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حميد الطويل ، حدثنا بكر بن عبد الله المزني ، قال : سمعت أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله يلبي بالحج والعمرة جميعا قال بكر : فحدثت بذلك ابن عمر فقال : لبى بالحج وحده ، فلقيت أنسا ، فحدثته بقول ابن عمر فقال أنس : ما تعدوننا إلا صبيانا ، سمعت رسول الله يقول : « لبيك عمرة وحجة » . لفظ حديث أحمد : ما تعدونا ، واتفقا في سائر ذلك

460 - حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن إبراهيم الأصيلي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، أخبره قال : اعتمر رسول الله أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي كانت في حجته : عمرة من الحديبية في ذي القعدة ، وعمرة في العام المقبل في ذي القعدة ، وعمرة من الجعرانة حين قسم غنائم حنين في ذي القعدة ، وعمرة مع حجته

461 - حدثنا حمام ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا ابن أيمن ، حدثنا أبو يحيى بن مسرة ، حدثنا بشر بن الوليد الكندي ، حدثنا أبو يوسف القاضي ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن أنس ، قال : سمعت النبي يقول : « لبيك بحجة وعمرة معا »

462 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا يحيى ، أخبرنا هشيم ، عن يحيى بن أبي إسحاق ، وعبد العزيز بن صهيب ، وحميد ، أنهم سمعوا أنسا ، قال : سمعت رسول الله يقول : « لبيك عمرة وحجا » وقال حميد في روايته : « لبيك بعمرة وحج » .

قال أبو محمد رحمه الله : التلبية منه كانت مرارا يكررها في إهلاله ، قال هذه الألفاظ حق ، وحميد هذا هو الطويل

463 - كذلك حدثناه حمام بن أحمد ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق ، وعبد العزيز بن صهيب ، وحميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، أنهم سمعوه يقول : سمعت النبي يلبي بالعمرة والحج جميعا ، يقول : « لبيك عمرة وحجا »

464 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا هناد بن السري ، عن أبي الأحوص هو سلام بن سليم ، عن أبي إسحاق ، عن أبي أسماء ، عن أنس ، قال : سمعت رسول الله يلبي بهما

465 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا إسحاق بن راهويه ، أخبرنا النضر بن شميل ، حدثنا أشعث بن عبد الملك هو الحمراني ، عن الحسن بن أبي الحسن البصري ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الظهر بالبيداء ، ثم ركب وصعد جبل البيداء ، فأهل بالحج والعمرة حين صلى الظهر قال أبو محمد رحمه الله : وسماع الحسن من أنس قد صح كما حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد حدثنا ابن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا معبد بن هلال العنبري ، فذكر حديث الشفاعة ، أنهم حدثهم به ، أنس ، في آخر الحديث : أنهم دخلوا على الحسن - وهو مستخف - في منزل أبي خليفة ، فذكروا له ما حدثهم به أنس ، فقال لهم الحسن : إن أنسا حدثهم به مذ عشرين سنة ، وأنه سمع أنس بن مالك

466 - حدثنا أبو عمر الطلمنكي أحمد بن عبد الله ، حدثنا القاضي محمد بن أحمد بن مفرج ، حدثنا محمد بن أيوب الصموت الرقي ، حدثنا أبو بكر أحمد بن عمرو البزار ، حدثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي ، ومحمد بن مسكين ، قالا : حدثنا بشر بن بكر ، عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي ، عن زيد بن أسلم ، مولى عمر بن الخطاب ، عن أنس بن مالك ، أن النبي أهل بحج وعمرة

467 - حدثنا الطلمنكي ، حدثنا ابن مفرج ، حدثنا الصموت ، حدثنا البزار ، حدثنا يحيى بن عربي ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، سمعت أبي يحدث ، عن أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله يلبي بهما جميعا

468 - وبه إلى البزار حدثنا محمد بن شاهد السمان ، ومحمد بن منصور الطوسي ، قالا : حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا شعبة ، عن يونس بن عبيد ، عن أبي قدامة ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله لبى بالعمرة والحج جميعا

469 - حدثنا محمد بن سعيد النباتي ، حدثنا عبد الله بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، قال : حدثنا مصعب بن سليم ، قال : سمعت أنس بن مالك ، يقول : أهل رسول الله بحجة وعمرة

470 - وبهذا السند إلى وكيع ، حدثنا ابن أبي ليلى ، عن ثابت البناني ، عن أنس ، أن النبي قال : « لبيك بحجة وعمرة معا » قال أبو محمد رحمه الله : مصعب بن سليم ثقة ، خرج مسلم من طريقه ، وهو غير مصعب بن سلام ذلك ضعيف

471 - حدثنا محمد بن سعيد ، حدثنا أحمد بن عون الله ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن بشار بندار ، حدثنا محمد بن جعفر غندر ، حدثنا شعبة ، عن أبي قزعة ، عن أنس ، قال : كنت رديف أبي طلحة ، وكانت ركبة أبي طلحة تكاد أن تمس ركبة رسول الله ، فكان يهل بهما جميعا

472 - حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري ، حدثنا عبد الله بن حسين بن عقال القرينشي ، حدثنا إبراهيم بن أحمد الدينوري ، حدثنا محمد بن أحمد بن الجهم ، حدثنا إبراهيم بن حماد ، حدثنا أخي ، حدثنا أزهر بن جميل ، أخبرني يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، قال : إنما جمع رسول الله بين الحج والعمرة ؛ لأنه علم أنه لا يحج بعدها

473 - حدثني أحمد بن عمر ، أخبرنا الحسن بن إبراهيم بن فراس ، أخبرنا عمرو بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن عمرو بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي ، حدثنا علي بن عبد العزيز البغوي ، حدثنا إبراهيم بن زياد ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي خالد هو إسماعيل ، سمع عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، يقول : إنما جمع رسول الله بين الحج والعمرة ؛ لأنه علم أنه لا يحج بعدها فهؤلاء ستة عشر من الثقات كلهم متفقون عن أنس على أن لفظ النبي كان إهلالا بحجة وعمرة معا :

وهم : الحسن بن أبي الحسن البصري ، وأبو قلابة ، وحميد بن هلال ، وحميد بن عبد الرحمن الطويل ، وقتادة ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وثابت البناني ، وبكر بن عبد الله بن المزني ، وعبد العزيز بن صهيب ، وسليمان التيمي ، ويحيى بن أبي إسحاق ، وزيد بن أسلم ، ومصعب بن سليم ، وأبو أسماء ، وأبو قدامة ، وأبو قزعة وهو سويد بن حجير الباهلي روى عنه ابن جريج ، وشعبة قال أبو محمد رحمه الله : وأظن بأن أبا أسماء هو إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي ، وأن أبا قدامة هو عاصم بن حشر

474 - حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي ، حدثنا محمد بن أحمد بن مفرج ، حدثنا محمد بن أيوب الصموت ، حدثنا البزار ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد ، وطليق بن محمد الواسطي ، قالا : حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا يزيد بن عطاء ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن ابن أبي أوفى ، قال : إنما جمع رسول الله بين الحج والعمرة ؛ لأنه علم أنه لا يحج بعد عامه ذلك

قال أبو محمد رحمه الله : لم يخف عنا أن قد قيل : إن يزيد بن عطاء أخطأ في إسناده ، ولكن من ادعى الخطأ على الراوي فعليه الدليل ، وهؤلاء اثنا عشر من الصحابة بالأسانيد الصحاح كلهم يصف بغاية البيان أن رسول الله كان قارنا ، وهم : عائشة أم المؤمنين ، وعبد الله بن عمر ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وعبد الله بن العباس ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعمران بن الحصين ، والبراء بن عازب ، وحفصة أم المؤمنين ، وأنس بن مالك ، وأبو قتادة ، وابن أبي أوفى ، وقد روي أيضا أنه قرن بين حجة وعمرة في حجة الوداع عن سراقة ، وأبي طلحة ، والهرماس بن زياد الباهلي « وروي عن أم سلمة أم المؤمنين أنه أمر أهله بالقران .

قال أبو محمد رحمه الله : فظاهر الأمر أن الرواية مختلفة عن عائشة ، وجابر ، وابن عمر ، وابن عباس فإن هؤلاء عنهم كما ذكرنا ما يدل على الإفراد للحج ، وما يدل على التمتع وما يدل على القران حاشا جابرا فإنه إنما روي عنه القران والإفراد فقط ، وحاشا سراقة فإنه إنما روي عنه التمتع والقران فقط ، وكذلك أيضا عن عمر ، وعلي ، وعمران فإنه روي عنهم التمتع والقران .

وأما عثمان ، وسعد ، ومعاوية فلم يرو عنهم أن النبي كان إلا متمتعا فقط ، وكذلك الاستدلال من حديث أبي موسى أيضا إنما يدل على التمتع فقط ؛ لأنه أخبر النبي بأنه أهل إهلالا كإهلال رسول الله ، فأمره رسول الله بأن يحل بعمرة وحج من شهره ذلك . وأما حفصة ، والبراء بن عازب ، وأنس بن مالك ، وأبو قتادة ، وابن أبي أوفى فلم يرو عنهم من فعله عليه السلام شيء غير القران فقط . فأما عن صحة البحث وتحقيق النظر فليس شيء من ذلك مضطربا ، بل كله متفق ، والحمد لله رب العالمين على ما بينته إن شاء الله عز وجل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وأول ما نبدأ به بحول الله تعالى وقوته فبيان سقوط أشياء ظن قوم أنها علل في حديث أنس المذكور ، وبالله تعالى نستعين ،

فمن ذلك أن قائلا قال : إن إسماعيل ابن علية رواه عن أيوب فقال فيه : عن رجل ، عن أنس . قال أبو محمد رحمه الله : فيقال لمن قال هذا وبالله تعالى التوفيق : إن وهيبا ومعمرا قد روياه عن أيوب ، كما ذكرنا فسميا الرجل الذي لم يسمه إسماعيل وهو أبو قلابة العدل الإمام والجليل ، ومن علم أولى ممن جهل ، ومعمر وحده لو انفرد هو حجة على إسماعيل ابن علية ، لأنه أجل منه وأضبط وأحفظ وأرفع طبقة بلا خلاف من أحد من أهل النقل ، فكيف وقد وافق معمرا على ذلك وهيب ؟ وهو ثقة ليس بدون إسماعيل ابن علية ؟ فكيف وقد وافقهما على إسناد هذا الحديث إلى أنس الأئمة الأكابر الحفاظ كالحسن بن أبي الحسن البصري ، وقتادة ، وحميد بن هلال ، وحميد بن عبد الرحمن الطويل ، وبكر بن عبد الله المزني ، وثابت البناني ، ويحيى بن أبي إسحاق ، وعبد العزيز بن صهيب ؟ وكل واحد من هؤلاء لا يعدل به ابن علية لو انفرد ، فكيف إذا اجتمعوا ؟ وهذا لا يخفى على أحد له معرفة بالحديث ورواته . ومن ذلك أن قائلا قال : إن أبا خالد الأحمر روى عن مروان الأصفر ، عن أنس ، أن عليا قدم من اليمن فقال له رسول الله  : » بم أهللت « ؟ قال : أهللت بإهلال النبي ، قال : » لولا أن معي الهدي لأحللت « ، فقال هذا القائل : إن تسويغه لنفسه الإحلال يدل على أنه كان مفردا لا قارنا ؛ لأن القارن لا يحل أصلا كان معه هدي أو لم يكن . قال أبو محمد رحمه الله : فنقول إن هذا القائل أتى بما قال مدعيا دون أن يتعلق بشيء يشغب به ، ونحن نحتج له بما يتسع الاحتجاج به لمقالته فنذكر في ذلك

475 - ما حدثناه أحمد بن عمر العذري ، حدثنا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي ، أخبرنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة ، ببغداد ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، حدثنا مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام ، في شعبان سنة ثلاث وعشرين ومائتين ، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله قال : « من أحرم بالحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد ، ولا يحل حتى يقضي حجه ، ويحل منهما جميعا »

قال أبو محمد رحمه الله : وهذا حديث لو صح لم يكن فيه حجة أصلا ؛ لأنه كان يكون فيه حكم القران الذي يجوز له القران وهو الذي ساق الهدي مع نفسه قبل إحرامه ، فيكون حينئذ موافقا لجميع الأحاديث الصحاح ، وهكذا نقول : إن من قرن ممن معه الهدي فإنه لا طواف بحجه وعمرته إلا طوافا واحدا ، ولا يحل بينهما ، فكيف وهو حديث منكر شديد النكرة ؟ وهو ساقط ؛ لأن عبيد الله بن محمد بن إسحاق ، وعبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي مجهولان ، ومصعب بن عبد الله ليس مشهورا في الحديث ، ولا موصوفا بحفظه ، وإنما هو عالم بالأشعار والأخبار والأنساب فقط ، ويكفي من هذا جهل الرجلين المذكورين ، ولا يحتج عن النبي إلا بما رواه المعروفون الثقات .

فإذ قد بطل التعلق بهذا الحديث وخالفته الأحاديث الصحاح في أمره كل من لا هدي معه من قارن أو مفرد بالإحلال ، وكل من معه هدي بالقران .

فنقول وبالله تعالى التوفيق : إن هذا الاعتراض في غاية الفساد لوجوه ، منها : أن القائل ظن أن رسول الله يسوغ لنفسه المقدسة الإحلال بقوله عليه السلام : « لولا أن معي الهدي لأحللت » ، وليس هذا كما ظن هذا القائل ، بل هذا اللفظ منه عليه السلام موجب ؛ لأن الإحلال غير سائغ له بلا شك ، وما سوغ عليه السلام لنفسه قط الإحلال في حجة الوداع إلا بتمام عمل الحج كله ، كما قال عليه السلام لحفصة ، وعلي وغيرهما مما قد ذكرناه من كتاب الفسخ من هذا الكتاب بإسناده ، وقد أخبر عليه السلام في الأحاديث الصحاح التي أوردنا : أن الهدي الذي ساق مع نفسه هو مانعه من أن يحل كما أحل من لا هدي معه ، فهذا وجه .

والوجه الثاني : أنه لو كان ما ظن هذا القائل من أن القارن هو الذي لا يحل أصلا ، وأن المفرد هو الذي أمر بالإحلال كما ظن ، لكان حديث مروان الأصفر الذي تعلق به حجة عليه لا له ، ولكان فيه إثبات أنه كان قارنا ؛ لأنه لم يسوغ لنفسه الإحلال في نص الحديث المذكور ؛ لأن لولا في لغة العرب كلمة تدل على امتناع الشيء لوقوع غيره ، هذا ما لا يختلف فيه أحد من أهل اللغة ، ولا من يحسن الكلام بالعربية ، وإن لم يكن لغويا فإن طبيعة كل مميز تدله من لفظة : لولا على هذا المعنى ، وإن لم يحسن أن يعبر عنه بلسانه . فصح بذلك أن الإحلال منه كان ممتنعا لا سبيل إليه لوقوع سوق الهدي معه ، فكان على هذا الحديث يصح بلا شك قرانه ، فكيف وحديث مروان الأصفر ، عن أنس لا يدل على قران ؟ ولا على إفراد ، وإنما فيه : أنه لولا الهدي كان معه لأحل من إحرامه الذي هو ممكن أن يكون إما بإفراد ، وإما بقران كما حل أصحابه بعمرة من إحرامهم للقران والحج مفردا ، وهذا في من لم يكن منهم معه هدي .

وأيضا فحتى لو كان في حديث مروان الأصفر نص إبطال القران ما التفت إليه مع مخالفة يحيى بن سعيد ، وقتادة ، والحسن ، وثابت ، وبكر ، وحميد ، وأبي قلابة ، وكل واحد من هؤلاء لا يقرن إليه مروان الأصفر . فكيف ؟ ولقد ينبغي لكل من له أدنى فهم بالحديث أن يستحيي من معارضة هؤلاء الجبال العوال بمثل حديث الأحمر عن الأصفر ؟ فكيف وليس في حديث مروان الأصفر شيء يخالف القران أصلا ؟ ولا شيء يخالف سائر ما أوردنا عن هؤلاء الجلة من الروايات ، عن أنس ألبتة .

وأيضا فإن هذا القائل الذي حقق أن النبي سوغ لنفسه الإحلال ، واستدل بذلك على أنه عليه السلام كان مفردا للحج ، ولو كان قارنا ما سوغ لنفسه الإحلال ينقض على نفسه كلامه هذا بأقرب مأخذ ، وهو أن نقول : إن المفرد بالحج لا يحل من إحرامه إلا بتمام أعمال حجه كالقارن سواء بسواء ، فقد سوى بين الإفراد والقران ؛ لأنه لا يحل منهما ، وبطل ما تأول في الحديث المذكور من أن الإحلال سائغ للمفرد دون القارن ، ولا أعجب ممن يحتج بقول هو أول من يبطله ، ولا يثبته ، وبالله تعالى التوفيق .

وأيضا فإن الذي ظنه هذا القائل من أن القارن لا يحل بعمرة كان معه هدي أو لم يكن ، وإنه في ذلك بخلاف المفرد ظن فاسد ساقط ، لم يقل به أحد ، لأن الناس في هذا الفصل على ثلاثة أقوال . فقوم قالوا : لا يحل محرم بحج أو بحج وعمرة من إحرامه إلا بتمام ما أهل به من ذلك ، كان معهما هدي أو لم يكن ، وبهذا يقول أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وجمهور الناس ، وقوم قالوا : إن كل من لم يسق الهدي من محرم بحج مفرد أو قارن بين حج وعمرة معا ، فإنه يحل بعمرة ولا بد له من ذلك شاء أو أبى ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه ومن وافقه من أصحابه ، وهو قول عبيد الله بن الحسن القاضي ، وهو قولنا ، وقد ذكرنا قول ابن عباس في ذلك بإسناده فيما سلف من كتابنا هذا ، وقوم أباحوا للمحرم بالحج أو بالقران أن يفسخ إحرامه بعمرة ، ولم يوجبوه عليه ، وهو قول أحمد بن حنبل ، ومن وافقه

476 - حدثنا حمام ، حدثنا عباس بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : سمعت أبي وسئل ، عن القارن ؟ قال : يتمتع أحب إلي ، هو آخر الأمرين بالنبي ، وقال عليه السلام : « اجعلوا حجكم عمرة » فهذه أقوال الناس كلهم ، لا فرق عند أحد منهم من قارن ولا مفرد للحج في إيجاب الفسخ ، أو إباحته ، أو المنع فيه ، فقد خرج هذا الفرق بين القارن وبين المفرد للحج في حكم الفسخ عن إجماع الناس ، فقد جاءت الأحاديث الصحاح الثابتة بأن النبي أمر في حجة الوداع كل من لم يسق الهدي من قارن أو مفرد للحج بأن يحل بعمرة ، فارتفع ظن هذا القائل وبطل جملة والحمد لله رب العالمين .

فمنها الحديث الذي صدرنا به في باب الفسخ من كتابنا هذا من طريق سالم ، عن أبيه ، عن النبي ، ومن طريق عروة ، عن عائشة ، عن النبي أن النبي تمتع ، وتمتع الناس معه ، فبدأ رسول الله فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، وتمتع الناس معه بالعمرة إلى الحج ، وأنه عليه السلام أمر من لا هدي معه منهم أن يحل بعمرة والحل كله ، ثم يهل يوم التروية بالحج ، ففي هذا الحديث نص أنه عليه السلام أمر القارنين الذين لا هدي معهم بالإحلال بعمرة ، وفسخ إحرامهم

477 - ومنها ما حدثناه عبد الله بن يوسف ، أخبرنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان هو ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله ، فقال : « من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ، ومن أراد أن يهل بحج فليهل ، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل » قالت عائشة : أهل رسول الله بحج ، وأهل به ناس معه ، وأهل ناس بالعمرة والحج ، وأهل ناس بعمرة . قال أبو محمد رحمه الله : فهذه عائشة تخبر أنه كان في الناس قارنون حينئذ ، وقد صح أمره عليه السلام كل من لا هدي معه منهم بالإحلال ، فدخل في ذلك القارن والمفرد

478 - وحدثنا القاضي يونس بن عبد الله بن مغيث ، حدثنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله بن أبي عيسى ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي عمران ، قال : دخلت على أم سلمة أم المؤمنين ، فقالت : سمعت رسول الله يقول : « أهلوا يا آل محمد بعمرة وحج » قال أبو محمد رحمه الله : محال أن يأمرهم عليه السلام بأن يهلوا بعمرة وحج ، ويعصونه ، فقد صح أنه كان فيهم القارن والمفرد ، وقد حل بلا شك . ومنها حديث فاطمة ، وقد ذكرناه في باب الفسخ ، وفيه : فإن رسول الله أمر أصحابه فأحلوا ، ولم تخص مفردا من قارن ، وقد كان فيهم قارنون كما ذكرت عائشة . ومنها الحديث الذي ذكرناه هنالك من طريق أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس أن الناس أهلوا مع النبي بحج وعمرة معا ، وأنه عليه السلام أمرهم فحلوا بعمرة حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج . فهذا ينص على أن القارنين أمروا بالإحلال ، وبفسخ إحرامهم وقرانهم بعمرة فقط . ومنها حديث جابر ، وقد ذكرناه ، وفيه : فحل الناس كلهم إلا من كان معه الهدي ، وقد كان فيهم بلا شك قارنون ، ثم سائر الأحاديث منها التي أوردناها بأسانيدها ليس في شيء منها أن القارن لا يحل ، وإنما فيها : إن كان معه هدي لا يحل ، ومن لا هدي معه فليحل ، فليت شعري من أين وقع لهذا القائل أن المفردين بالحج هم كانوا المأمورين بالفسخ دون القارنين ؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل « وأيضا فلا فرق بين قول هذا القائل : إن رسول الله كان مفردا ، وإنه لو كان قارنا لما ساغ له الإحلال ، وبين آخر يقول أيضا ما ثاب إلى لسانه معارضا له فيقول : بل ما كان إلا قارنا ، وإنه لو كان مفردا لما ساغ له الإحلال »

قال أبو محمد رحمه الله : ما بين القولين فضل ، وكلاهما قول فاسد ، ودعوى ليس لصحتها دليل ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . واعترض أيضا بعض القائلين بأن قال : إن أنسا كان حينئذ صغير السن ، وأحال بهذا الاعتراض على عائشة ، وابن عمر رضي الله عن جميعهم ، وأن أحدهما قال : إن أنسا حينئذ كان يدخل على المخدرات ، وهذا الحديث عن عائشة

479 - حدثنا أحمد بن عمر بن أنس ، قال : حدثنا عبد الله بن حسين بن عقال القرينشي ، حدثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ، حدثنا محمد بن أحمد بن الجهم ، حدثنا عبد الله بن أحمد الدورقي ، حدثنا إبراهيم بن حمزة ، حدثنا الدراوردي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أنه ذكر لها أن أنسا ، يقول : قرن رسول الله ، قالت : كان أنس صغيرا ، أفرد رسول الله الحج ، ولم يعتمر قال أبو محمد رحمه الله : عبد الله بن أحمد الدورقي لا أعرفه ، وقد روى الأثبات أن ابن عمر ، وعائشة رضي الله عنهما قالا بقول أنس في ذلك ، وقد ذكرناه فيما خلا من هذا الكتاب قال أبو محمد رحمه الله : وهذا من أضعف ما شغبوا به وأشده افتضاحا ، وإن كل ما شغبوا به ضعيف ، والله متم نوره ، لا ندري كيف وقع هذا القائل على هذا القول عن عائشة ، وابن عمر ، ومعاذ الله أن يقولاه ؛ لأنه كذب وباطل وقد نزههما الله تعالى عن الكذب ، وكيف يجوز أن تقول عائشة هذا القول عن أنس وهي تعلم أن أنسا أسن منها بعامين ؟ وكيف يقوله ابن عمر ، وهو يعلم أنه لا يزيد على أنس إلا عاما واحدا فقط ؟ فلو عابا ما ذكره وحفظه بصغر السن لكانا بذلك عائبين أنفسهما ومعللين لذكرهما وحفظهما ؛ لأن السن كما ترى متقاربة ، نعيذ بالله تعالى عائشة وابن عمر من أن يقولا هذا المحال ، وقد أعاذهما الله تعالى من ذلك ، وهذا الذي قلناه منصوص في الآثار الصحيحة

480 - حدثنا حمام ، حدثنا عبد الله بن إبراهيم الأصيلي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، « أن النبي تزوجها وهي بنت ست سنين ، وأدخلت عليه وهي ابنة تسع ، ومكثت عنده تسعا »

481 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا يحيى بن يحيى ، وإسحاق بن إبراهيم ، قالا : أخبرنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : تزوجها رسول الله وهي بنت ست ، وبنى بها وهي بنت تسع ، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة

482 - حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ، حدثنا أبو إسحاق البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله هو ابن عمر ، أخبرني نافع ، عن ابن عمر ، أن النبي عرضه يوم أحد ، وهو ابن أربع عشرة فلم يجزه ، وعرضه يوم الخندق ، وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه ، فهذا سن عائشة منصوص لا تكلف فيه ، وهذا سن ابن عمر ولا خلاف بين أحد من أهل العلم في أن النبي صلى بالمدينة إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ، وقيل : سبعة عشر شهرا ، وقيل : ثمانية عشر شهرا ، ثم حولت القبلة قبل وقعة بدر ، وأن وقعة بدر كانت يوم عشرة من رمضان من العام الثاني من الهجرة ، وأن أحدا كانت بعد بدر بعام ، وهذا مذكور في الحديث الذي فيه : أن المسلمين قتل منهم في العام المقبل يوم أحد بعدد الأسرى من المشركين يوم بدر والخندق بعد أحد بعام ، كما ذكر ابن عمر آنفا ، فالخندق بلا شك بعد أربعة أعوام من الهجرة ، وكانت مدته بالمدينة عشر سنين كاملة ولا مزيد ، فالباقي من ذلك بعد عام الخندق ست سنين ، وكان ابن عمر يوم الخندق كما ذكر ابن خمس عشرة سنة ، فإذا أضفت إلى ذلك ستة أعوام الباقية من الهجرة كمل من ذلك إحدى وعشرين سنة ولا مزيد ، وكانت سن ابن عمر إذ مات النبي كما ترى إحدى وعشرين سنة ، وأما سن أنس فمنصوص أيضا

483 - كما حدثنا حمام ، حدثنا عبد الله بن إبراهيم الأصيلي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني أنس بن مالك ، أنه كان ابن عشر سنين ، فقدم النبي المدينة ، فكن أمهاتي يواظبنني على خدمة رسول الله ، فخدمته عشر سنين ، وتوفي النبي وأنا ابن عشرين سنة فكيف يجوز لأحد أن ينسب إلى ابن عمر أنه يعيب أيضا بصغر السن ؟ وليس بين ابن عمر وبين أنس إلا عام واحد ، أم كيف يحل أن ينسب ذلك إلى عائشة ، وأنس أسن منها بعامين ؟ أم كيف يسع ذا علم أن ينسب إلى ابن عمر ، وعائشة أن أحدهما قال : إن أنسا كان يدخل عام حجة الوداع على المخدرات ؟ وأنس أول من حجبه النبي قبل ذلك بأزيد من أربعة أعوام

484 - كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني ، حدثنا أبو إسحاق البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا يحيى بن سليمان ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، أخبرني أنس بن مالك ، أنه كان ابن عشر سنين ، فقدم النبي المدينة ، فخدمت النبي عشرا حياته ، وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل ، وقد كان أبي بن كعب يسألني عنه ، وكان أول ما أنزل في مبتنى رسول الله بزينب بنت جحش : أصبح رسول الله بها عروسا ، وذكر الحديث في إطعام القوم يوم عرسها ، وفي آخر الحديث : قال أنس : فأنزل آية الحجاب ، فضرب رسول الله بيني وبينه سترا

485 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا عاصم بن النضر ، ومحمد بن عبد الأعلى ، كل منهما عن معتمر بن سليمان ، قال : سمعت أبي ، قال : حدثنا أبو مجلز ، عن أنس بن مالك ، قال : لما تزوج رسول الله زينب بنت جحش ، فذكر الحديث ، وفيه : أن القوم الذين قعدوا بعد أكلهم قاموا ، قال أنس : فجئت فأخبرت النبي أنهم قد انطلقوا ، قال : فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقي الحجاب بيني وبينه ، قال : وأنزل الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ) الآية ، ولم يكن بين تجويز ابن عمر بعد أن لم يجوز وبين حجاب أنس المذكور إلا شهر واحد وستة أيام فيما ذكر أصحاب المغازي ، وكان نكاحه زينب قبل عام خيبر ، وقبل غزوة بني المصطلق

486 - كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ، حدثنا أبو إسحاق البلخي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس ، قال : أقام النبي بين خيبر والمدينة ثلاثا يبني عليه بصفية بنت حيي ، فذكر الحديث ، وفيه : فقال المسلمون : إحدى أمهات المؤمنين أو مما ملكت يمينه ، فقالوا : إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين ، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه ، فلما ارتحل وطى لها خلفه ومد الحجاب بينها وبين الناس .

فهذا نزول الحجاب كان أوله يوم نكاحه عليه السلام زينب ، وقد كان الحجاب كما ترى قبل خيبر في السنة السادسة بلا شك من الهجرة ، وهكذا ذكرت عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك ، فقالت عن صفوان : وكان يراني قبل الحجاب ، فسقط التعلل كله الذي شغب به في حديث أنس بلا شك أصلا ، وبالله تعالى التوفيق . ثم نرجع إلى تأليف الأخبار التي أوردنا في الإفراد والتمتع والقران ، وإلى بيان أنها لا تعارض فيها ، وأنها كلها متفقة لا اختلاف بينها أصلا ، والحمد لله رب العالمين كثيرا ، وبالله التوفيق . فنقول وبالله تعالى نستعين : إن الروايات قد جاءت كما أوردنا ، ولا عند أحد من أهل الرواية في أنها لم تكن إلا حجة واحدة فقط فعلمنا ضرورة أن إحدى الروايات الثلاث فيها الصواب بلا شك ، وسائرها إما وهم ، وإما فيها حذف بإثباته تتفق الروايات كلها .

فلزمنا أن نطلب الحق في ذلك لنعتقده إذ لا يخلو كل شيء مختلف فيه من الديانة التي أمرنا بها الله تعالى بطلب الحق فيها وإصابته من دليل بين واضح يرفع الإشكال ؛ لأنه تعالى قد بين علينا كل ما ألزمنا معرفته ، وكل ما أوجب علينا العمل به عند كل أحد من المتكلمين في العلم أحد أربعة أوجه لا خامس لها عليها اختلف المتكلمون في الفقه وهي : إما أن ينزل ما اختلف فيه ، ويعتمد على ما لم يختلف فيه . وإما أن يأخذ بزيادة من زاد منهم في روايته بيانا لم يأت به الآخرون وكلهم عدول ، وزيادة العدل مقبولة ؛ لأنها نذارة وشهادة ، فرض علينا الأخذ بها ، وعلم عند الذي زاده ذكره لم يكن عند الذي لم يذكره . وإما أن نطلب أقوى الروايات ببرهان واضح على أنه أقواها بيانا لا بدعوى عارية من البرهان ، إذ كل الرواة الذين ذكرنا عدول ، فليس بعضهم أولى بقبول روايته من سائرهم إلا ببرهان واضح . وإما أن نفعل ما أمرنا الله عز وجل إذ يقول ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )

قال أبو محمد رحمه الله : وهذا الوجه الذي ذكرنا آخرا هو الذي لا يجوز غيره ، ولا يحل أن يعتمد سواه ؛ لأن أمر الله تعالى لا يسع أحدا خلافه . فلما فعلنا ذلك صح لنا بلا مرية ولا شك أنه كان قارنا ، لا تحتمل الأحاديث غير ذلك بوجه من الوجوه ، ولا يسع خلافه أصلا ؛ لأن جميع هذه الوجوه الأربعة التي إليها فزع الناس عند اختلاف الروايات الواردة عليهم ، وهي التي ذكرنا آنفا كلها تثبت أنه كان قارنا ، وتبطل ما عداه . فأول ما نبدأ به وبالله تعالى التوفيق ، فهو الوجه الذي ذكرنا أخيرا ، وهو الذي أمرنا الله تعالى به ، ولا يحل لمسلم تعديه ، وهو رد ما تنازعنا فيه إلى الله وإلى رسوله ، فنقول وبه عز وجل نعتصم : لما اختلف الرواة عن الصحابة ، فقال بعضهم : أفرد رسول الله الحج ،

وقال بعضهم : تمتع عليه الصلاة والسلام ، وقال بعضهم : قرن عليه الصلاة والسلام بين حج وعمرة ، كان هذا تنازعا يجب رده إلى الله تعالى وإلى نبيه بنص القرآن ، فلما فعلنا ذلك وجدناه قد حكم بينهم ونص بكلامه الذي ليس موقوفا على غيره أنه كان قارنا كما ذكر عنه البراء بن عازب ، إذ قال عليه الصلاة والسلام : « لكني سقت الهدي وقرنت » ، وكما ذكر أنس أنه سمعه يقول : « لبيك عمرة وحجا ، لبيك عمرة وحجا » ، وكما ذكر علي بن أبي طالب أنه سمعه عليه الصلاة والسلام يلبي بهما معا ، وكما ذكرت حفصة أم المؤمنين أنها قررته عليه الصلاة والسلام على أنه معتمر بعمرة ، لم يحل منها ، فلم ينكر عليه الصلاة والسلام ذلك عليها ، بل صدقها وأجابها : أنه مع ذلك حاج ، وهو عليه الصلاة والسلام لا يصر على باطل يسمعه أصلا ، بل ينكره لا بد من ذلك ، فصح بما ذكرنا قرانه يقينا ، وليس في كل ما روي ما يتعلق به من ظن أنه عليه الصلاة والسلام يقول : « لبيك بحج مفرد » ولا أحد قال ، إنه عليه الصلاة والسلام أخبر عن نفسه فقال : أفردت الحج

ولا روي ذلك أيضا عنه عليه الصلاة والسلام ، أنه قال : لبيك بعمرة مفردة ، ولا أنه قال : إني تمتعت ، وهو بلا شك أعلم بنفسه ، فلما ذكر عليه الصلاة والسلام أنه قرن ، وسمع يلبي بحج وعمرة ، صح أنه قارن يقينا ، فهؤلاء أربعة عدول من أئمة الصحابة رضي الله عنهم ، يشهدون أنهم سمعوه عليه الصلاة والسلام يخبر عن نفسه بأنه قارن ، وكان هذا أولى عند كل ذي فهم من ذكاية صاحب لم ينسبها ، إلى أنه سمعه من فيه عليه الصلاة والسلام ، وقد يخبر المرء من ظنه الذي يقع له في الأغلب عنده أنه الحق ، كما يسلم من ثلاث ، وهو لا يشك عند نفسه أنها أربع ، وهذا أمر لم يعصم منه أحد من ولد آدم ، ولا سبيل لأحد أن يقول : سمعت أمرا كذا ، وشبث ، وهو لم يسمعه إلا أن يكون كاذبا ، وقد نزه الله تعالى حفصة وعليا والبراء وأنسا عن أن يقولوا : سمعنا ، فيما لم يسمعوه ، فإن قيل : إن ابن عمر ذكر أنه سمع النبي يقول : « لبيك بحجة » ، قيل له : نعم ، قد روينا ذلك ، وذكرناه ، وهذا لا حجة فيه ؛ لأنه لم يقل رضي الله عنه إنه سمعه يقول في ذي الحليفة ، ولعله سمعه عليه الصلاة والسلام يقول ذلك : إذ أتم عمرته ، ونهض إلى منى ، وقد يمكن أن يكون سمع ذكر الحج ولم يسمع ذكر العمرة ، ومن زاد ذكر العمرة أولى ؛ لأنه زاد علما ، اللهم إلا أن الحديث الذي أوردنا من طريق معاوية ، إذ قال : قصرت عن رسول الله على المروة بمشقص أعرابي ، هو حديث مشكل ، وهو حديث يتعلق به من يقول : إن رسول الله كان متمتعا ؛ لأن الصحيح الذي لا شك فيه ، والذي نقلته الكواف ، أنه لم يقصر من شعره شيئا ، ولا أحل من شيء من إحرامه ، إلا حتى حلق بمنى يوم النحر ، وأعطى شعره أبا طلحة على ما ذكرنا ، فيما خلا من كتابنا هذا ، ولعل معاوية عنى بقوله : « بحجته » عمرته عليه الصلاة والسلام من الجعرانة ؛ لأن معاوية قد كان أسلم بعد حينئذ

وهذا الظن لا يسوغ في رواية قيس بن سعد ، عن عطاء ، التي قد ذكرنا لأن فيه بيانا ، أنه كان في ذي الحجة ، أو لعله قصر عنه عليه الصلاة والسلام بقية شعر ، لم يكن استوفاه الحلاق بعد ، فقصره معاوية على المروة يوم النحر ، وقد قيل : إن الحسن بن علي أخطأ في هذا الحديث ، فجعله عن معمر ، عن ابن طاوس ، وإنما المحفوظ فيه ، أنه عن هشام بن حجير عن طاوس وهشام ضعيف ، فالله أعلم « إلا أن الإسناد في ذلك إلى معاوية جيد صحيح ، لا مطعن فيه ، إلا أن الذي لا شك فيه ، أنه عليه الصلاة والسلام لم يأخذ من شعره شيئا في حجة الوداع ، ولا أحل من إحرامه إلا يوم النحر بمنى إذ تطيب وحلق ، ثم أفاض إلى البيت ، وأما من قال بالإفراد للحج فلا متعلق لهم بهذا الحديث ولا في غيره ، وقد تأول بعض الناس في حديث حفصة رضي الله عنها تأويلا بين الحوالة ، وهو أن قال : إن معنى قولها رضي الله عنها للنبي  : ولم تحل أنت من عمرتك ، إنما معناه من العمرة التي أمرت الناس بها قال أبو محمد رحمه الله : وهذا تأويل فاسد ؛ لأنه لا يمكن أن يحل أحد من إحرام غيره ، ولا من عمرة اعتمرها سواه ، وهذا من المحال الممتنع ، وسؤال لا يعقل من لفظ حفصة رضي الله عنها ، ولولا أنه عليه والسلام كان مهلا بعمرة لم يهل منها لما أقر حفصة على ذلك السؤال ، وقال أيضا قائل : إن عبيد الله بن عمر لم يذكر هذه اللفظة في حديثه

قال أبو محمد رحمه الله : وهذا خطأ بل قد ذكرها عبيد الله بن عمر كما ذكرها مالك ، وقد ذكرنا حديث عبيد الله بن عمر ، الذي فيه ذكر لفظ العمرة فيما ذكرنا من أحاديث القران في هذا الباب ، ونقول : حتى ولو لم يذكرها عبيد الله ، لما كان لأحد في ذلك متعلق ؛ لأن مالكا ليس دون عبيد الله ، وهو الغاية في العدالة في روايته ، فزيادته مقبولة ، فسقط الاعتراض على حديث حفصة جملة ، فإن تعلق متعلق بحديثين قد ذكرناهما قبل ، ولا علينا أن نعيدهما لنستوفي متعلق الخصم ، ولا ندع له مقالا ، ثم نبين بحول الله تعالى بطلان شغبه في ذلك ، وهما

487 - ما حدثناه عبد الله بن ربيع ، قال : حدثنا عمر بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، ووهيب بن خالد ، كلاهما عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله موافين هلال ذي الحجة ، فلما كان بذي الحليفة ، قال : « من شاء أن يهل بحج فليهل ، ومن شاء أن يهل بعمرة فليهل » ، ثم انفرد حماد في حديثه بأنه قال عليه السلام : « وأما أنا فأهل بالحج ، فإن معي الهدي » ، وانفرد وهيب في حديثه بأن قال عنه عليه السلام : « فإني لولا أني أهديت لأهللت بعمرة »

وقال الآخر : « لولا أني أهديت لأهللت بعمرة » ، فصح أنه أهل بحج ، ولم يهل بعمرة ، وهذا هو الإفراد للحج بلا شك ، وهذا من بعض قوله عليه السلام قيل له وبالله تعالى التوفيق : ليس كما ظننت ؛ لأن معنى قوله عليه السلام : « لولا أني أهديت لأهللت بعمرة » ، إنما أراد : بعمرة مفردة لا حج معها ، هذا ما لا شك فيه ، لما قد بينا فيما خلا من حديث مالك ، ومعمر عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، أنه أمر من معه هدي بأن يهل بحج وعمرة معا ، فصح أن الهدي لم يمنع حينئذ من الجمع بين الحج والعمرة ، وإنما منع من الإهلال بعمرة مفردة ، أو بحج مفرد ، هذا اتفقت عليه الأحاديث كلها ، وأما قول حماد في حديثه : « فإني أهل بالحج »

فلم يقل عليه السلام بحج مفرد ، ولا خلاف في هذا الحديث على من قال : إنه عليه السلام أهل بحج وبعمرة مع الحج ، بل أحاديث هؤلاء زائدة على أحاديث حماد بن سلمة زيادة لا يحل تركها إلى شيء لا بيان فيه ، وهو مخالف لها ، بل موافق لها ، فصار هذان الحديثان حجة على من ادعى الإفراد في الحج ، وصح أنه عليه السلام لم يهل بعمرة مفردة قط ، لكن أهل بحج ، وذكره بعض الرواة ، وزاد آخرون ثقات عليهم فضل علم كان عندهم ، وهو أنه كان مع ذلك الحج عمرة مقرونة معه ، وهذا ما لا يحل لأحد خلافه ؛ لأنه حينئذ يصير متحكما بلا دليل ، واتفقت الأحاديث كلها وانتفى عنها التعارض ، وصدق بعضها بعضا ، لا كما يريد خصمنا من أن يكذب بعضها ببعض ، وهذا ما لا يحل لمسلم ، وبالله تعالى التوفيق . فهذا وجه الرد إلى الله تعالى وإلى رسوله قد لاح أنه عليه السلام كان قارنا ، وبالله تعالى التوفيق .

وهذا الوجه الذي ذكرنا من الرد ثم التنازع إلى القرآن والسنة هو الحكم الذي لا يجوز تعديه ، ولكن لثقتنا بوضوح الحق ؛ نري الخصم أنه لو استعمل سائر الوجوه التي قدمنا لشهدت كلها بأنه كان قارنا ، وذلك أننا نقول وبالله تعالى التوفيق : أما من ذهب إلى إسقاط المتعارض من الروايات والأخذ بما لم يتعارض منها ، فوجه علمه في هذا أن نقول : إن كل من روي عنه الإفراد قد اضطربت عنه الرواية ، وروي عن جميعهم القران ، وهم عائشة وجابر ، وابن عمر ، وابن عباس ، وقد ذكرنا الروايات عنهم بذلك في أول هذا الباب ، ووجدنا أيضا عمران بن الحصين ، وعلي بن أبي طالب قد روي عنهم التمتع ، وروي عنهم القران ، ووجدنا أم المؤمنين حفصة والبراء بن عازب وأنس بن مالك لم تضطرب الرواية عنهم ، ولا اختلفت عنهم في أنه عليه السلام كان قارنا ، فننزل رواية كل من اضطرب عنه ، ونرجع إلى رواية من لم يضطرب عنه ، وليست إلا رواية من روى القران خاصة ، كحفصة والبراء وأنس . هذا وجه العمل على قول من يرى إسقاط ما تعارض من الروايات والأخذ بما لم يتعارض منها ، فإن قال قائل : إن عثمان ، وسعدا لم يرو عنهما شيء ، غير أنه عليه السلام كان متمتعا ، قيل له وبالله تعالى التوفيق : إن عائشة أم المؤمنين وعليا ، وعمران وابن عمر قد ذكروا أنه عليه السلام كان متمتعا ، ثم لما فسروا ذلك التمتع ، ذكروا أنه كان جمعا بين الحج والعمرة ، وهذا هو القران ، فوجدناهم قد سموا القران تمتعا ، وقد ذكرنا عنهم في الأحاديث التي أوردنا آنفا في صدر هذا الباب ، فاحتمل أن يكون عثمان ، وسعد عنيا أيضا بالتمتع القران ، كما فعلت عائشة وعلي ، وابن عمر ، وعمران ، فكما احتمل ذلك

وكانت رواية حفصة والبراء وأنس في القران لا تحتمل تأويلا أصلا ، والتي هي الغاية في البيان ، وهكذا القول أيضا في حديث معاوية ؛ لأنه يحتمل وجوها قد ذكرناها ، وأما حديث أبي موسى فقد بينا وجهه في فصل مفرد له ، وكحديث علي إذ أمر عليه السلام عليا بالبقاء على إحرامه ، وأمر أبا موسى بفسخ إحرامه بعمرة ، وكلاهما أهل بما أهل به عليه السلام ، وذكرنا أن ذلك منصوص في الحديث نفسه ، وأن عليا كان ساق الهدي ، وأن أبا موسى ، وعثمان ، وسعدا لا متعلق فيها لمن ذهب إلى الإفراد أصلا ، وإنما يتعلق بها من ذهب إلى أنه عليه السلام كان متمتعا ، وقد سقط تعلل أصحاب الإفراد جملة ، والحمد لله رب العالمين .

وأما من ذهب إلى الأخذ بالزائد وهو وجه يجب استعماله إذا كانت الألفاظ كلها أو الأفعال كلها منسوبة إلى النبي ولم تكن موقوفة على غيره من دونه ولا تنازعا ممن سواه عليه السلام ، فوجه العمل في هذا أن نقول وبالله تعالى التوفيق : إنا وجدنا من روى الإفراد ، إنما اقتصر على ذكر الإهلال بالحج وحده دون عمرة معه ، ووجدنا من روى التمتع إنما اقتصر على ذكر الإهلال بعمرة وحدها دون حج معها ، ووجدنا من روى القران قد جمع الأمرين معا ، فزاد على ذكر الحج وحده عمرة وزاد على من ذكر العمرة وحدها حجا ، وكانت هذه زيادة علم لم يذكرها الآخرون ، وزيادة حفظ ونقل على كلتا الطائفتين المتقدمتين ، وزيادة العدل مقبولة وواجب الأخذ بها . فوجب بهذا أيضا أن يصدر إلى رواية من روى القران دون رواية من روى غير ذلك ، وأيضا فالذين رووا القران زادوا زيادة لا يحل لمسلم تركها ، وهي أنهم حكموا أنهم سمعوا ذلك من لفظه عليه السلام ، ولم يذكر ذلك غيرهم ، فوجب ألا يلتفت إلى لفظ أحد بعد لفظه عليه السلام ، وأما تأليف الأحاديث على حسب ما يمكن ، فإنا نقول وبالله تعالى التوفيق : إنه لم يرو لفظ الإفراد عن عائشة رضي الله عنها إلا عروة والقاسم وروى عنها القران عروة أيضا ومجاهد ، فعروة كما ترى مضطرب عنه ، يروي أبو الأسود عنه الإفراد ، ويروي الزهري عنه القران ، وليس مجاهد دون قاسم ، فلا بد من رد إحدى الروايتين إلى الأخرى ، فنظرنا في ذلك فوجدنا رواية من روى عنهما القران لا تحتمل تأويلا أصلا ؛ لأنها حكاية طويلة وعمل موصوف لا مساغ للتأويل فيه إلا تكذيب الراوي إذ ليس مثل ذلك الوصف مما يغلط فيه بشيء غير تعمد الكذب ، وليس من كذب عقيلا بأولى ممن كذب أبا الأسود ، ولا من كذب مجاهدا بأسهل ذنبا ممن كذب القاسم ، وكل ذلك لا يجوز ، بل هم كلهم الثقات المشاهير الفضلاء ، رحمة الله عليهم ، فلا بد من التأليف بين الروايتين ، وتصديق كليهما .

فإذ لم يكن بد من ذلك ، وكانت رواية من وصف عمل القران لا تحتمل تأويلا ، وكانت رواية من روى الإفراد تحتمل التأويل ، وهو أن يكون قولها رضي الله عنها أفرد الحج ، أي لم يحج بعد فرض الحج إلا حجة فردة لم يثنها بأخرى ، ويحتمل أن تكون رضي الله عنها سمعته عليه السلام يلبي بالحج ، فروته ولم تسمع ذكر العمرة ، فلم ترو ما لم تسمع ، ثم صح عندها بعد ذلك أنه عليه السلام قرن ، فذكرت ذلك كما روى عنها عروة ، ومجاهد ، وأما عمرة ، والأسود فلم يرويا عنها لفظ الإفراد ، وإنما رويا عنها : أهل عليه السلام بالحج ، وليس في روايتهما عنها أنه عليه السلام أهل بالحج ؛ شيء يمنع من أن يكون أيضا ، ولا فيه أيضا ذكر إهلال بعمرة أصلا ، فليس في رواية عمرة ، والأسود ما يوجب الإفراد ، ولا ما يخالف رواية من روى عنها القران ، وإنما فيه الاقتصار على ذكر بعض ما استوعبه بعض من روى عنها القران ، فإذا أضفت إلى رواية عمرة ، والأسود عنها رواية مجاهد عنها ، واجتمع الأمران صح القران يقينا ، وهكذا القول في ما روي عن أسماء ، مما ذكرناه عنها في باب فسخ الحج من كتابنا هذا من قولها : خرجنا مع رسول الله حجاجا ، وفي بعض الآثار عنها : مهلين بالحج ، فإنما عنت أصحابه ، لا إهلاله ، ولم تضف أيضا أنه قرن إلى الحج عمرة ، فقول من زاد أولى ، وهكذا القول في الرواية عن ابن عمر سواء سواء ، بل في الرواية عنه بيان يدل على رجوعه عن الإفراد

488 - كما أخبرني حمام بن أحمد ، حدثنا الباجي عبد الله بن محمد ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا عبيد بن محمد الكشوري ، حدثنا محمد بن يوسف الحذاقي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه تمتع وقرن بين الحج والعمرة في آخر زمانه ، وكان قبل ذلك يفرد الحج

489 - قال عبد الرزاق : حدثنا معمر حدثنا صدقة بن يسار ، قال : سمعت ابن عمر ، يقول : « القران بين الحج والعمرة أحب إلي من المتعة » وقد يتشكك الراوي في اللفظة ويعتني بما سمع ، وأما أن يأتي بحديث طويل كحديث عقيل يصف فيه ما وصف من ذلك الحديث من العمل الطويل ، وهو لم يسمعه ، فهذا وصف الكذب لا يحتمل غير ذلك ألبتة ، وليس هذا مكان سهو ولا غلط ، فبطل أن يكون الليث ، أو عقيل ، أو الزهري ، أو عروة ، أو سالم سهوا في ذلك الحديث ، وهؤلاء عند كل ناقل بعداء من الكذب المتعمد ، فصح ذلك الحديث على نصه ، فكيف وقد وافق ما فيه مجاهد ؟ وهو الفخم ثقة وأمانة ، واتفق سالم ، ونافع عن ابن عمر على القران ، وهما أوثق الناس فيه ، وقد وجدنا عائشة رضي الله عنها تغيب عنها السنة فترويها عن غيرها ، كما روت حديث الصوم في السفر عن حمزة بن عمرو الأسلمي ، عن النبي ، وأحالت بحديث المسح على علي ، وهذا ابن عمر يجهل حكم الصرف فيبيحه مدة ، ثم بلغه عن النبي فرجع إليه ، وجعل يحدث به ، وهكذا رجع عن الإفراد إلى القران إذ بلغه بلا شك ، وعلى هذا عمل اختلاف الرواية عن عائشة ، لا يجوز غير ذلك ، وبالله تعالى التوفيق ، وأما الرواية عن جابر ، فإنه لم يقل عنه : إن النبي أفرد الحج إلا الدراوردي وحده ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، وهذا يقينا مختصر من الحديث الطويل الذي قد ذكرناه مفرقا في كتابنا هذا ، أو ما شاء الله تعالى منه ، وسائر الناس عن جابر إنما قالوا : أهل بالحج ، أو أهل بالتوحيد ، حاشا من طريقين لا يعتد بهما وهما

490 - ما حدثنا أحمد بن عمر ، حدثنا عبد الله بن الحسين بن عقال ، حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا محمد بن الجهم ، حدثنا قيس بن أسلم ، حدثنا عباس بن محمد ، حدثنا مطرف بن مصعب ، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، « أن رسول الله أفرد الحج »

491 - وبه إلى ابن الجهم ، حدثنا إبراهيم بن حماد ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، حدثنا محمد بن مسلم ، عن عروة بن دينار ، عن جابر ، « أن رسول الله أفرد الحج » قال أبو محمد : مطرف بن مصعب مجهول ، ومحمد بن عبد الوهاب كذلك ، وأما محمد بن مسلم فإن كان الطائفي فهو ساقط ألبتة ، وإن كان غيره ، فلا أدري من هو ؟ وأما سائر الرواة الثقات ، فكما قدمنا ، وليس في قوله : أهل بالحج ما يمنع أن يكون عليه السلام أهل أيضا مع الحج بعمرة ، لكنه سكت في هذه الرواية عن ذكرها ، وليس على المرء أن يحدث في كل وقت بكل ما سمع ، وقد قال عليه السلام : « دخلت العمرة في الحج » ، فقول القائل : أهل بالحج ؛ يقتضي العمرة على هذا الحديث ، كما لم يقل الراوي : أفرد الحج ، أو أهل بالحج وحده ، ويسند هذا ما قد أوردناه من طريق جابر ، أنه عليه السلام قرن مع حجته عمرة ، والأظهر فيما روي عن جابر أنه عليه السلام أهل بالتوحيد ، أنه إنما أراد إهلاله بقوله : « لبيك اللهم لبيك لا شريك لك » ؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يزيدون ها هنا إلا شريكا : « هو لك تملكه ، ولا ملك » ، فأخبر جابر أنه عليه السلام أهل بالتوحيد المجرد ، ويبين صحة هذا القول قول جابر بعقب هذا اللفظ ، ولزم رسول الله تلبيته

492 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، عن جابر بن إسماعيل ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، فذكر حديث حجة الوداع ، وفيه : فأهل رسول الله بالتوحيد : « لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك » ، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، فلم يزد رسول الله شيئا منه ، ولزم تلبيته ، فصح بهذا أن معنى قوله : أهل بالتوحيد : « لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك » إنما هو اختصار منه وظن ، لا من قول جابر . وهكذا القول فيما روي عن ابن عباس من ذلك ، ولا فرق ، ويوضح هذا إيضاحا يرفع الإشكال جملة ، ويصحح ما قلناه ، أن ابن عباس في الحديث المذكور ذكر أنه عليه السلام أهل بعمرة ، ثم ذكر فيه ، أنه عليه السلام لم يحل منها ، وهذه هي صفة القران ، وهكذا معنى ما روي عن ابن عباس ، أنه عليه السلام أهل بحج ، وأنت إذا أضفت إلى قول ابن عباس في رواية أبي العالية ، وأبي حسان عنه ، أن النبي أهل بحج قول مسلم القري عن ابن عباس ، أنه عليه السلام أهل بعمرة صح القران يقينا ، واتفقت كلتا الروايتين ، ولا يصح غير هذا إلا بتكذيب إحدى الروايتين ، وذلك لا يجوز ، وليس من كذب إحداهما بأولى ممن كذب الأخرى ، ومعاذ الله من ذلك ، وبهذا تتآلف جميع الروايات ، ويصح تصديق جميعها وإضافة بعضها إلى بعض ، فوهت روايات الإفراد وسقطت كلها ، ثم عدنا إلى الروايات في التمتع فوجدنا عائشة وعمر ، وعليا وابن عمر ، وعمران وابن عباس رضي الله عنهم ، ذكروا أنه عليه السلام تمتع

قال بعضهم : أهل بالعمرة ثم لما فسروا قولهم ذلك ، أتوا بصفة القران ، وذكروا أنه عليه السلام لم يحل من عمرته حتى أتم جميع الحج ، وصدر من المزدلفة إلى منى ، فلما كان ذلك كما ذكرنا احتملت الرواية عن عثمان ، وسعد رضي الله عنهما في التمتع ، أنهما عنيا بذلك القران مع شهرة الرواية عنه من قوله المنقول نقل الكافة : أنه عليه السلام لو استقبل من أمره ما استدبر ما ساق الهدي ، ولجعلها عمرة ، ولأحل كما أمر الناس أن يحلوا ، وقد ذكرنا الروايات بذلك في باب فسخ الحج من كتابنا هذا ، وهذه الروايات الصحاح المشهورة تبطل قول من قال : إنه عليه السلام أهل بعمرة مفردة ، ثم أحل منها ، وأهل بالحج ، فصار متمتعا ، فلما وهت روايات التمتع وبطل الإفراد والتمتع لم يبق إلا روايات القران ، فوجب الأخذ بها ، وثبتت صحتها إذ من وصف صفة القران من الصحابة رضي الله عنهم لا يحتمل تأويلا ، ولا أن يقال : إنها وهم ، ومن اعترض فيها فإنه ينسب الكذب المجرد إلى الصحابة رضي الله عنهم ، ويصفهم بأنهم ذكروا أنهم سمعوا قولا لم يسمعوه ، وحدثوا بعمل طويل لم يكن كما حدثوا ، وهذا فظيع جدا لا يقدم عليه ذو ورع ، وبالله تعالى التوفيق ، وكان الرواة للقران اثني عشر من الصحابة كما ذكرنا ، منهم ستة مدنيون ، وواحد مكي ، واثنان بصريان ، وثلاثة كوفيون ، وبدون هذا النقل تصح الأخبار صحة ترفع الشك ، وتوجب العلم الضروري ، فصح بذلك أنه كان قارنا بيقين لا شك فيه ، وكانت سائر الروايات التي تعلق بها من ادعى الإفراد أو التمتع غير مخالفة لرواية الذين رووا القران ، ولا دامغة للقران على ما قد بينا ، والحمد لله رب العالمين ، وقد قال الشافعي رحمه الله : إن جابرا كان أحسن الصحابة اقتصاصا للحديث في حجة الوداع ، وجعل ذلك ترجيحا لروايته على رواية غيره من سائر الصحابة رضي الله عنهم ، فنقول وبالله تعالى التوفيق ، أن جابرا وإن كان وصف أكثر الحديث في تلك الحجة فقد وصف حال نفسه في ذلك الوقت

493 - كما حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا أحمد بن فتح ، حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ، حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا أحمد بن علي ، حدثنا مسلم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وإسحاق بن راهويه ، كلاهما عن حاتم بن إسماعيل هو المدني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، فذكر الحديث في حجة الوداع ، وفيه : فصلى رسول الله في المسجد ، يعني مسجد ذي الحليفة ، ثم ركب القصواء ، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى ما مد بصري من بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، وذكر باقي الحديث ، فهذا جابر يصف من كثرة الزحام ما تسمع ، وعائشة رضي الله عنها حينئذ بلا شك في هودجها في الثقل والحرم ومع النساء ، وكان أنس في ذلك اليوم كما وصف من حاله : أنه كان إلى جنب النبي ، وهو رديف أبي طلحة ، يرى أن رجله تمس غرز النبي ، وهو يسمع كلامه ، فمن أولى بحفظ كلام النبي ؟ من كان أقرب الناس إليه ولصيقه ، ليس بينه وبينه أحد ، أو من كان على بعد منه وفي زحام شديد ؟ ولسنا نقول هذا غضا من رواية عائشة وجابر ، وأعوذ بالله من ذلك ، وإنما قلناه إنكارا على من غض من رواية أنس بالصغر ، أو من أراد ترجيح رواية جابر على رواية أنس ، فأريناه أن رواية أنس أخص به عليه السلام في ذلك اليوم بلا شك ، وبالجملة فكل من زاد منهم على صاحبه معنى أو حكما وجب الأخذ به ، إذ كلهم الأئمة الثقات الذين بلغوا إلينا ديننا عن نبينا ، وكل امرئ منهم على ما سمع ، فمن زاد علما كان عنده ، وجب الأخذ به

494 - كما حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق بن السليم ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا محمد بن منصور ، حدثنا يعقوب يعني ابن إبراهيم ، عن محمد بن إسحاق ، حدثني خصيف بن عبد الرحمن الجزري ، عن سعيد بن جبير ، قال : قلت لعبد الله بن عباس : عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله في إهلال رسول الله حين أوجب ، فقال : إني لأعلم الناس بذلك ، إنها كانت من رسول الله حجة واحدة ، فمن هنالك اختلفوا ، خرج رسول الله حاجا ، فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجبه في مجلسه ، فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه ، فسمع ذلك أقوام فحفظوه عنه ، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل بالحج ، وأدرك ذلك منه أقوام ، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا ، فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل ، فقالوا : إنما أهل حين استقلت به ، ثم مضى رسول الله ، فلما علا شرف البيداء أهل ، وأدرك ذلك منه أقوام ، فقالوا : إنما أهل به على شرف البيداء

495 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا سليمان بن الأشعث ، حدثنا القعنبي ، ، عن مالك ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، أنه قال : بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله فيها ، ما أهل رسول الله إلا من عند المسجد ، يعني مسجد ذي الحليفة

496 - حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا أحمد بن الفضل الدينوري ، حدثنا محمد بن جرير الطبري ، حدثني محمد بن عبد الله بن سعيد الواسطي ، حدثنا يعقوب بن محمد ، حدثنا محمد بن موسى ، حدثنا إسحاق بن سعيد بن جبير ، عن جعفر بن حمزة بن أبي داود المازني ، عن أبيه ، عن أبي داود المازني ، وهو من أهل بدر ، قال : خرجنا مع رسول الله في الحج ، فلما كان بذي الحليفة صلى في المسجد أربع ركعات ، ثم لبى دبر الصلاة ، ثم خرج إلى باب المسجد ، فإذا راحلته قائمة ، فلما انبعثت به أهل ثم مضى ، فلما علا البيداء أهل ، فسمعه الذين في المسجد ، فقالوا : أهل ولبى من المسجد ، وسمعه الذين كانوا بالبيداء ، فقالوا : أهل من البيداء ، قال أبو محمد رحمه الله : أبو داود هذا هو عمير بن عامر بن مالك ابن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار ، أنصاري بدري أحدي

497 - حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي ، حدثنا أبو حفص الخولاني ، حدثنا محمد بن بكر البصري ، حدثنا أبو داود السجستاني ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، وغيره ، حدثنا حاتم بن إسماعيل ، حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، فذكر الحديث ، وفيه : خرج رسول الله وخرجنا معه ، حتى أتينا ذا الحليفة ، ثم قال : فصلى رسول الله في المسجد ثم ركب القصواء ، حتى استوت ناقته على البيداء ، ثم قال : ورسول الله بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن ، وهو يعلم تأويله ، فما عمل شيئا مما عملناه ، فأهل رسول الله بالتوحيد : « لبيك اللهم لبيك » وذكر باقي التلبية

498 - حدثنا محمد بن سعيد ، حدثنا أحمد بن عون الله ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن الحسن بن محمد هو ابن الحنيفية ، قال : كل قد فعل رسول الله ، أهل من البيداء ، وأهل على راحلته ، قال أبو محمد : وهكذا عرض حرفا حرفا فيما أهل به عليه السلام ، فمن سمعه في حال سيره ، فأدرك منه ذكر الحج ، قال : لبى عليه السلام بحج ، أو قال : أفرد الحج ، ومن أدرك منه في تلك الحال العمرة ، قال : أهل عليه السلام بعمرة ، أو قال : تمتع عليه السلام بحج وعمرة ، وكل صادق فيما حكى ، والجامع للأمرين معا أصح سماعا وأثبت رواية ، وبروايته تتآلف سائر الروايات ، وباجتماعها كلها يصح الحق ، لا بالاقتصار على بعضها دون بعض تحكما في دين الله تعالى بلا دليل ، وبالله تعالى التوفيق

قال أبو محمد : وقد شغب بعض من ذهب إلى الإفراد ، بأن قال : إجماع الناس على أن قالوا : حجة الوداع ، ولم يقولوا : قران الوداع ، ولا متعة الوداع ، يبين أنه كان عليه السلام مهلا بحج مفرد قال أبو محمد رحمه الله : وهذا ظن ساقط وقول كاذب ، وإنما قال الناس : حجة الوداع ، لأنه عليه السلام لم يحج منذ هاجر غيرها ، والقران لا شك فيه ، فقولنا : حجة ، يقتضي القران ، لا سيما مع قول رسول الله  : « دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة » فاكتفى الناس بذكر الحج عن ذكر العمرة ؛ لدخول العمرة في الحجة ، ولعمله عليه السلام لهما معا عملا واحدا ، ويدفع هذا الوسواس كله رواية من روى من الصحابة رضي الله عنهم ، أنه كان معتمرا مع حجته ، والعمرة أيضا هي الحج الأصغر

499 - حدثنا أحمد بن عمر بن أنس ، حدثنا عبد الله بن حسين بن عقال القرينشي ، حدثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ، حدثنا محمد بن الجهم ، حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي ، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا الفضل بن المصلى ، عن أشعث ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود ، : الحج الأكبر الحج ، والحج الأصغر المتعة ، فالعمرة حج ، فاسم الحج يقع على العمرة وعلى ما زاد من الأعمال في الحج على عملها ، وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد رحمه الله : والعجب ممن يعترض برواية عائشة على رواية أنس ، وهي موافقة له غير مخالفة على ما بينا ، والحمد لله رب العالمين وهو يرد رواية عائشة ، في أنها طيبت رسول الله حين إحرامه ، وبقي الطيب في رأسه ثلاثة أيام ، تراه فيه ، ولإحلاله قبل أن يفيض عليه السلام إلى البيت بأطيب الطيب ، وبالمسك ، وفي ذكر هذا ما يغني عن الرد عليه ، وقد ذكرنا الأحاديث بذلك فيما خلا من كتابنا هذا ، وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد رحمه الله : وقد ذكرنا آنفا قبل هذا بيسير اضطراب الرواية في موضع إهلال رسول الله ، وقول ابن عمر : إنه عليه السلام أهل من عند المسجد ، مسجد ذي الحليفة ، وقول جابر : أهل عليه السلام من البيداء ، وقد روينا عن أنس مثل قول جابر

500 - حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ، حدثنا إبراهيم بن أحمد البلخي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب ، حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك ، قال : صلى رسول الله ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، ثم بات بها حتى أصبح ، ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء ، حمد الله وسبح ، ثم أهل بحج وعمرة ، وأهل الناس بهما وذكر باقي الحديث ، وقد ذكرنا أيضا قول ابن عباس ، وأبي داود الأنصاري ، إنه أهل إثر ركوعه في مسجد ذي الحليفة ، فلما جاءت الآثار كما ذكرنا نظرنا فيها ، فوجدنا حديث ابن عمر وأنس أصح ما ورد في ذلك ، ولأن في حديث ابن عباس خصيفا وليس بالقوي ، وفي حديث أبي داود أيضا قوما ليسوا بالمشاهير ، فوجبت إعادة النظر في حديث ابن عمر وأنس وجابر لصحتها ، فوجدنا حديث ابن عمر زائدا على حديث جابر وأنس ، فوجب الأخذ بالزيادة ، فلهذا ملنا إلى حديث ابن عمر ؛ لأنه ذكر فضل علم كان عنده ، من أنه عليه السلام أهل من مسجد ذي الحليفة ولم يكن عند جابر ولا أنس ، وليس من غاب عنه علم ما ، حجة على من علمه ، بل من علم شيئا حجة على من لم يعلمه ، ولو صح حديث أبي داود ، وابن عباس لأخذنا به ؛ لأنه كان يكون زائدا على حديث ابن عمر ، ولكن لما لم يكن إسنادهما قويا وجب أن نعتمد على القوي ، ولم نوردهما احتجاجا بهما ، لكن أوردناهما لوجهين : أحدهما تعارضهما مع أحاديث جابر وأنس وابن عمر الذي ذكرنا . والآخر أن نذكر : أنه قد روي اختلاف نقل من الصحابة رضي الله عنهم ، أوجبه تفاضل علم كل واحد منهم في ذلك الوجه الذي رووا فيه ما رووا ، وبالله تعالى التوفيق

الباب السادس والعشرون عدل

شيء ادعاه المالكيون تعارضا في أمره الرجل والخثعمية بالحج عن أمه وعن أبيها قال أبو محمد رحمه الله : قد ذكرنا بعض الأحاديث الواردة في ذلك ، ونعيد منها ها هنا إن شاء الله تعالى أحاديث صحاحا متظاهرة متناصرة ، يبطل الله تعالى بها الباطل

501 - حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي ، حدثنا محمد بن معاوية ، أخبرنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا عمران بن موسى ، حدثنا عبد الوارث هو ابن سعيد التنوري ، حدثنا أبو التياح يزيد بن حميد البصري ، حدثنا موسى بن سلمة الهذلي ، أن ابن عباس ، قال : أمرت امرأة سنان الجهني أن يسأل رسول الله أن أمها ماتت ولم تحج ، أفيجزئ عن أمها أن تحج عنها ؟ قال : « نعم ، لو كان على أمها دين فقضته عنها ، ألم يكن يجزئ عنها ، فلتحج عن أمها »

502 - وأخبرنا يونس بن عبد الله القاضي ، حدثنا أبو بكر محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرني عثمان بن عبد الله بن خرزاذ أنطاكي ، حدثنا علي بن حكيم الأودي ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب السختياني ، عن الزهري ، عن سليمان بن يسار ، عن ابن عباس ، أن امرأة ، سألت رسول الله عن أبيها ، مات ولم يحج ، قال : « فحجي عن أبيك »

503 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه ، أخبرنا وكيع بن الجراح ، حدثنا شعبة ، عن النعمان بن سالم ، عن عمرو بن أوس ، عن أبي رزين العقيلي ، أنه قال : يا رسول الله ، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة والظعن ، قال : « حج عن أبيك واعتمر »

504 - وأخبرنا يونس بن عبد الله ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا أبو عاصم خشيش بن أصرم ، عن عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رجل : يا نبي الله ، إن أبي مات ولم يحج ، أفأحج عنه ؟ قال : « أرأيت لو كان على أبيك دين ، أكنت قاضيه ؟ » قال : نعم ، قال : « فدين الله أحق »

505 - أخبرني محمد بن سعيد النباتي ، حدثنا أحمد بن عون الله ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر هو جعفر بن أبي وحشية ، قال : سمعت سعيد بن جبير ، يحدث عن ابن عباس ، أن امرأة نذرت أن تحج فماتت ، فأتى أخوها النبي ، فسأله عن ذلك ، فقال : « أرأيت لو كان على أختك دين ، أكنت قاضيه ؟ » قال : نعم ، قال : « فاقضوا الله ؛ فهو أحق بالوفاء »

506 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه ، أخبرنا جرير هو ابن عبد الحميد ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن يوسف بن الزبير ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : جاء رجل من خثعم إلى رسول الله ، فقال : إن أبي شيخ كبير ، لا يستطيع الركوب ، وأدركته فريضة الله في الحج ، فهل يجزئ أن أحج عنه ؟ قال : « أنت أكبر ولده ؟ » قال : نعم ، قال : « أرأيت لو كان عليه دين ، أكنت تقضيه ؟ » قال : نعم ، قال : « فحج عنه »

507 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان الأسدي ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا حجاج بن المنهال ، حدثنا يزيد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن سيرين ، عن عبد الله بن العباس ، قال : كنت رديف النبي ، فأتاه رجل ، فقال : يا رسول الله ، إن أمي عجوز كبيرة إن حزمها خشي أن يقتلها ، وإن لم يحزمها لم تستمسك ، فأمره أن يحج عنها

508 - أخبرنا أحمد بن محمد الطلمنكي ، حدثنا أحمد بن عون الله ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا موسى بن معاوية ، حدثنا وكيع ، حدثنا يزيد بن إبراهيم ، عن ابن سيرين ، عن عبد الله بن عباس ، قال : كنت ردف النبي فأتاه رجل ، فقال : يا رسول الله ، إن أمي عجوز كبيرة ، إن حزمتها على الرحل خشيت عليها ، وإن حملتها لم تستمسك على الرحل ، قال : حج عن أمك

قال أبو محمد رحمه الله : يزيد بن إبراهيم هذا هو أبو سعيد التستري ، بصري ، كان ينزل بأهله عند مقبرة بني سهم ، مات سنة إحدى وستين ومائة ، وقيل : مات في المحرم سنة اثنتين وستين ومائة ، يروي عنه وكيع والحجاج وغيرهما ، ثقة ثبت ، وثقه أحمد بن صالح الكوفي ، وأبو حفص عمرو بن علي الصيرفي الفلاس ، ويحيى بن معين وأبو الوليد الطيالسي ، وأحمد بن حنبل ، وابن نمير ، والنسائي ، كلهم أطلق عليه اسم الثقة ، وكان يروي عن الحسن فيعرب ، ويروي عن ابن سيرين فيلحن ، وليس هو يزيد بن إبراهيم الذي يروي عن قتادة ، وذلك ليس بالقوي ، وغير منكر أن يردف النبي عبيد الله وغيره قال أبو محمد رحمه الله : فهذه آثار متظاهرة عن الفضل بن عباس ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وأبي رزين العقيلي ، وعبيد الله بن العباس رضي الله عنهم ، عن النبي أنه سأله جماعة في وجوه مختلفة ؛ فأفتاهم كلهم بتأدية الحج عن الذي لا يطيقه ، وعن الميت : امرأة عن أبيها ، لا يستطيع الحج ، وامرأة عن أمها ماتت ولم تحج حجا لزمها بنذر ، ولا يقدم أحد على أن يقول : إنها مسألة واحدة إلا كذاب يكذب الصحابة والأثبات الذين رووا ذلك كله عنهم الذين تقليده الذي يهلكه في أخراه ، فصارت هذه المسألة في حد نقل التواتر الذي يقطع العذر ، فأقدم قوم على خلافه

509 - كما حدثنا حمام بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا عبيد الله بن محمد الكشوري ، حدثنا محمد بن يوسف الحذاقي ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا سفيان الثوري ، عن سليمان الشيباني ، عن يزيد بن الأصم ، عن ابن عباس ، أن رجلا ، سأل النبي  : أحج عن أبي ؟ قال : « نعم إن لم تزده خيرا لم تزده شرا »

510 - وبما أخبرنيه أحمد بن عمر بن أنس العذري ، حدثنا عبد الله بن حسين بن عقال القرينشي ، حدثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ، حدثنا محمد بن الجهم ، حدثنا إبراهيم بن حماد ، حدثني ابن أبي أويس ، حدثنا محمد بن عبد الله بن كريم الأنصاري ، عن إبراهيم بن محمد بن يحيى العدوي ثم البخاري ، أن امرأة ، من العرب قالت : يا رسول الله إن أبي شيخ كبير ، فقال لها رسول الله  : « لتحجي عنه ، وليس لأحد بعده »

511 - وحدثني أحمد بن عمير ، حدثنا الحسين بن يعقوب ، حدثنا سعيد بن فحلون ، حدثنا يوسف بن يحيى بن يوسف المغامي ، حدثنا عبد الملك بن حبيب ، حدثني هارون بن صالح الطلحي ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن ربيعة عن محمد بن الحارث التيمي ، أن رسول الله قال : « لا يحج أحد عن أحد إلا ولد عن والد »

512 - وبه إلى ابن حبيب : حدثني مطرف ، عن محمد بن الكديد ، عن محمد بن حبان الأنصاري ، أن امرأة جاءت رسول الله فقالت : إن أبي شيخ كبير ، لا يقوى على الحج ، قال : « فلتحجي عنه ، وليس ذلك لأحد بعده » قال أبو محمد رحمه الله : هذا كل ما تعلقوا به . فأما الحديث الذي فيه : « وليس لأحد بعده » ، ففي غاية السقوط والوهي ؛ لأنه مرسل ، ومع ذلك فيه مجهولان لا يعرف من هما ، وهما : محمد بن عبد الله بن كريم ، وإبراهيم بن محمد بن يحيى وأحدهما من رواية عبد الملك بن حبيب ، عن مطرف ، عن مجهولين مرسل مع ذلك فهو لا شيء . ولو صح لكان حجة عليهم لا لهم ؛ لأنهم أول من يعصي هذا الحديث الذي احتج به من استجاز التمويه منهم ؛ لأنهم يرون الحج عن الميت إذا أوصى به ، ويقضون بذلك ، ويجبرون الورثة والأوصياء على إنفاذه ، فقد خالفوا ما رووا في هذا الحديث من أن الحج من المرء عن آخر ليس لأحد بعد أبي الخثعمية ، وليس في النقض أكثر من احتجاج المرء بشيء هو أول من يخالفه ، وبالله تعالى التوفيق .

وأما الذي فيه : « لا يحج أحد عن أحد إلا ولد عن والد » ، فهو من رواية عبد الملك بن حبيب ، وروايته مطرحة ساقطة ، وبلية من البلايا ، لو روي عن الثقات . فكيف عن الطلحي الذي لا يعرف من هو ؟ عن عبد الرحمن بن زيد ، وهو ساقط ومرسل مع ذلك ، وهم أيضا لا يقولون به مع ذلك . وأما الأول فلا حجة لهم أصلا على أنه قد قيل فيه : إنه معلول ، وإن سليمان الشيباني أخطأ فيه ، ولكنا لا نتعلق بذلك ، بل نقول : إنه صحيح ، ولكنه عليهم لا لهم ؛ لأنه ليس فيه : إن أباه لم يكن حج ، ولا أنه حي ، ولا أنه ميت ، ولا أنه عاجز عن الحج ، وإنما فيه : أنه سأل النبي بأن يحج عنه ، ولم يمنعه من ذلك ، فهذا عليهم لا لهم . وأما ما روي فيه من قوله  : « إن لم تزده خيرا لم تزده شرا » ، فصدق قائل هذا ، قاله رسول الله أو قاله غيره ، ولا شك في صحة هذا القول ؛ لأن من حج عن غيره لا يخلو من أن يقبل عمله فيزيد المجموع عنه خيرا بلا شك ، أو لا يقبل فليس يلحق الميت من ذلك شيء ، فأي حجة لهم في هذا لولا التعسف والعمى المهلك ؟ .

فإن قالوا : إن عمل المرء لا يلحق غيره واحتجوا بقول الله تعالى ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) ، قيل لهم : إن الذي أتانا بهذا عن الله عز وجل هو الذي أمرنا بأن نحج عمن لم يحج من عاجزي الأحياء ومن الموتى الذين لم يحجوا ، فمن صدقه في الواحدة صدقه في الثانية ، ومن كذبه في الواحدة أو عصاه فما ينتفع بدعواه تصديقه في الثانية . فإن قالوا : عمل الأبد أن لا يؤديه أحد عن أحد قياسا على الصلاة ، قيل لهم : القياس فاسد ، ولو كان حقا لكان ها هنا عليكم وهادما لمذهبكم ، وكان يقال لكم : الفرائض قسمان : قسم في الأموال ، وقسم على الأبدان ، وكلاهما مفترض ، وكلاهما محرم إلا بحقه ، فقيسوا أعمال الأبدان على أعمال الأموال ، فكما يؤدي المرء فرض المال عن غيره كذلك يؤدي عنه عمل البدن ، لا سيما مع قوله عليه السلام : « لو كان على أبيك دين » ، فجعل أداء الحج كأداء الدين ، ومن أعجب شيء احتجاجهم بهذا الحديث في إثبات القياس ، وهم عاصون له ، أفيكون أعجب ممن يحتج بحديث في غير ما قصده به رسول الله ، ويخالفه فيما قصده به ؟ وليس هذا القول من رسول الله من باب القياس في ورد ولا صدر ، وإنما هو تسوية بين وجوب الحكمين في أن كليهما دين فقط ، وإخبار منه عليه السلام بأن ديون الله تعالى أوكد من ديون الناس بخلاف ما يقول خصومنا ، وبالله تعالى التوفيق .

ومن العجب أنهم قالوا : إن أوصى بأن يحج عنه حج عنه حينئذ ؛ لأنه قد أمر به فدخل في سعيه الذي قال الله تعالى ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) ، فيقال لهم : ما تقولون إن أوصى أن يصام عنه ؟ فعن قولهم : لا يصام عنه ، فيقال لهم : قد نقضتم علتكم الفاسدة في قولكم : إنه دخل بوصيته به في جملة سعيه ، فقولوا أيضا : إنه قد دخل الصوم بوصيته به في جملة سعيه . فقال قائل منهم : إن الحج له تصرف في المال ، فلذلك جاز أن يؤدى عنه .

فيقال لهم وبالله تعالى التوفيق : هذه الحجة ، من أتاكم بها ؟ ومن أين أصلتم هذا الأصل الفاسد ؟ وقد أريناكم أنه فاسد بأنه دعوى مجردة بلا دليل ، وأن الدليل يفسدها ؟ وقد جاء النص في وجوب الصيام عن الميت ، كما جاء في الحج عنه ولا فرق ، وليس ما ادعوه من المنع من الصلاة على الميت إجماعا بل قد قال بإيجاب الصلاة عن الميت طائفة ، وهم أول من يقول بذلك فيجيزون الصلاة عند المقام في الحج عن الميت إذا أوصى بذلك ، وأن يرتب الصلاة بعرفة ومزدلفة رتبة ما على الميت ، وهذا ضد ما ادعوه إجماعا ، فقد قرروا على أنفسهم بمخالفتهم الإجماع . وأما نحن فلسنا نقول إلا بما صح عن النبي فقط ، فأمر عليه السلام بالحج عن الميت ، وعن العاجز ، وبالصيام عن الميت ، وبقضاء النذر عن الميت ، فنقول بذلك ، وكل ذلك عندنا من رأس المال ، ومقدم على ديون الناس ، وعلى الوصايا ، ولا شيء للديون إلا ما فضل عن ديون الله تعالى ، ولم يأت عن النبي أن يؤدى عن أحد الصلوات الخمس ، فلم نقل بذلك ، ولو جاء بذلك نص لقلنا به ، ولكنا نقول : من نذر صلاة فمات قبل أن يقضيها فواجب على وليه أن يقضيها عنه ؛ لأن النبي أمر بقضاء النذر عن الميت « فإن قالوا : إن ابن عمر ، والقاسم ، وإبراهيم ، وأيوب لم يروا الحج عن الميت ، قيل لهم : أنتم أول من خالفهم فأجزتم الحج عن الميت ، فكيف تحتجون بشيء تخالفونه ؟ وهذا من الجرأة ما هو » وحتى لو وافقتموهم وقلتم بالمنع من الحج عن الميت ، فقد خالف من ذكرنا غيرهم مثلهم إذ قد أوجبه قتادة ، وابن سيرين ، وسعيد بن المسيب ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، ومجاهد ، وسفيان الثوري ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، والأوزاعي ، والحسن بن حي ، قالوا : أوصى أو لم يوص ، والزهري قال ذلك في الزكاة ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأحمد بن حنبل ، وأصحاب الظاهر قالوا ذلك في الحج والزكاة وجميع ديون الله عز وجل ، ولا حجة في أحد مع رسول الله

الباب السابع والعشرون عدل

تعارض الوقوف بعرفة قال أبو محمد رحمه الله :

513 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا إسماعيل بن مسعود ، حدثنا خالد بن الحارث ، عن شعبة ، عن عبد الله بن أبي السفر ، قال : سمعت الشعبي ، يقول : حدثني عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لأم الطائي ، قال : أتيت النبي بجمع فقلت : هل لي من حج ؟ فقال عليه السلام : « من صلى هذه الصلاة معنا ، ووقف هذا الموقف حتى يفيض ، وأفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد تم حجه ، وقضى تفثه »

514 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق بن السليم ، حدثنا القاضي أبو سعيد بن الأعرابي ، حدثنا سليمان بن الأشعث ، حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى هو ابن سعيد القطان ، عن إسماعيل هو ابن أبي خالد ، حدثنا عامر هو الشعبي ، أخبرني عروة بن مضرس ، قال : أتيت رسول الله بالموقف يعني بجمع فقلت : يا رسول الله جئت من جبلي طيئ ، أكللت مطيتي ، وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله  : « من أدرك معنا هذه الصلاة ، وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه ، وقضى تفثه » فذهب إلى هذا الشافعي وأصحابه ، وأبو حنيفة وأصحابه ، وجمهور الناس ، فقالوا : من وقف بعرفات في يوم عرفة بعد صلاة الظهر ، ثم دفع منها نهارا فحجه تام ، إلا أن الشافعي وأبا حنيفة قالا : وعليه دم قال أصحابنا : لا دم عليه ، وحجه تام ، لا داخلة فيه ، وبه نأخذ ، وذهب مالك وأصحابه إلى أن حجه فاسد وتعلل بعضهم

515 - بما حدثناه أحمد بن عمر بن أنس ، حدثنا عبد الله بن حسين بن عقال ، حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا محمد بن الجهم ، حدثنا إبراهيم بن حماد ، حدثنا أبو عون بن عمرو بن عون ، حدثنا داود بن حنين ، حدثنا أبو هاشم رحمة بن مصعب الفراء الواسطي ، عن ابن أبي ليلى ، عن عطاء ، ونافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله قال : « من وقف بعرفات بليل فقد أدرك الحج ، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج » قال أبو محمد رحمه الله : لا يعارض الحديث المتقدم بمثل هذه البلية إلا جاهل فهو ملوم لتكلمه بما لا يدري ، أو معاند يدري سقوط هذا الحديث فذلك لأن أبا عون بن عمرو ، وداود بن حنين ، ورحمة بن مصعب الفراء لا يعرف من هو ، وابن أبي ليلى سيئ الحفظ ، فلا يسع مسلما أن يحتج بمثل هذا . وتعلل بعضهم بأن قال : معنى قوله عليه السلام في حديث : « عروة ليلا أو نهارا » ، كما قال تعالى ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) .

قال أبو محمد رحمه الله : وهذا أقبح وأسوأ ؛ لأن المحتج بهذا جمع الكذب على الله ، والكذب على رسوله ، والتناقض والحكم بلا دليل ، وأما الكذب على الله تعالى فإنه حكم على أن الله تعالى أراد بقوله ( آثما أو كفورا ) إنما عنى آثما وكفورا ، وهذا محال ؛ لأنه على قوله الفاسد : إن الله تعالى لم ينهه عن طاعة الإثم حتى يكون كفورا ، وهذا كفر مجرد ، فقاس هو على ذلك أن معنى : ليلا أو نهارا أن لا أحدهما دون الثاني . وأما الكذب على رسول الله فقطعه عليه أنه أراد ليلا ونهارا فأتى بلفظ ملبس على من سمعه تعالى الله وتنزه رسوله عن ذلك ، ومثل هذا من نقل الحروف اللغوية الموضوعة بمعان محدودة ، لا يحل لمسلم أن ينقلها عن موضوعها في اللغة إلا بدليل نص أو إجماع أو ضرورة حس . وأما تناقضه فإنهم يقولون : إن وقف بعرفة ليلا ولم يقف نهارا فقد تم حجه ، فبطل تأويلهم الفاسد في أن معنى مراده عز وجل ليلا أو نهارا معا ، وأقروا على أنفسهم بخلاف رسول الله على تأويلهم الكاذب ، وعلى كل حال .

وقال بعضهم : وقف رسول الله ليلا بها ، فلا يجوز لأحد مخالفة فعله عليه السلام ، قيل لهم : فأوجبوا الوقوف بها نهارا وإلا فلا حج ، فإنما كان وقوف النبي بها بيقين نهارا ، والأحاديث كلها - وقد ذكرناها فلا معنى لإعادتها - تنبئ بأن النبي دفع منها حين غاب القرص ، فأين الوقوف ليلا ؟ ما في شيء منها أنه وقف فيها بعد مغيب القرص أصلا ، لا ما قل ولا ما كثر ، وإنما صح أنه عليه السلام دفع منها عند مغيب قرص الشمس ، وليس الدفع وقوفا فما صح قط أنه عليه السلام وقف بها ليلا أصلا ، فمن قال ذلك فليتق القول بما لا علم به ، فهو عند الله عظيم « فإن قالوا : قد أجمعنا كلنا أن من وقف ليلا فقد أجزأه ، واختلفنا فيمن وقف نهارا فيجب أن لا نخرج مما اتفقنا على وجوبه إلا باتفاق على أدائه

وقيل لهم وبالله تعالى التوفيق : هذا تمويه زائف ، وينبغي لكم أن تلتزموا هذا في قولنا : إن من لم يدرك من الرجال صلاة الصبح بمزدلفة صبيحة يوم النحر ، ومن لم يقف بمزدلفة ليلة النحر من النساء فلا حج له ، فنقول : قد اتفقنا على أن من وقف بمزدلفة كما ذكرنا فقد تم حجه ، واختلفنا فيمن لم يقف كذلك فقلنا نحن : لا حج ، وقلتم أنتم : حجه تام فيلزمكم - على ما التزمتم - أن تقولوا بقولنا بذلك ، فلا مخرج مما اتفقنا على وجوبه إلا باتفاق آخر ، وهذا إذا التزمتموه أفسد عليكم جميع مذهبكم إلا القليل من مسائلكم جدا ، فصح بما ذكرناه ما قلناه ، وما نعلم من إيجاب من أوجب الدم على من وقف بعرفة نهارا ولم يقف ليلا معنى ولا دليلا بوجه ، وبالله تعالى التوفيق

516 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا وكيع ، حدثنا سفيان الثوري ، عن بكير بن عطاء ، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي ، قال : شهدت مع رسول الله بعرفة ، وأتاه ناس من أهل نجد فسألوه عن الحج فقال رسول الله  : « الحج عرفة فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه » قال أبو محمد رحمه الله : فشغب بهذا قوم في أن الوقوف بعرفة فرض ، وأن الوقوف بمزدلفة ليس بفرض . قال أبو محمد رحمه الله : ولا حجة لهم ؛ لأنهم يقولون : إنه بقي عليه من فروض حجه ما إن لم يأت به بطل حجه وهو طواف الإفاضة ، فيقال لهم : قد زدتم على هذا الحديث فرضا ليس فيه « فإن قالوا : زدناه بنص آخر ، قيل لهم : وكذلك نحن أيضا زدنا على ما فيه فرضا ، وجمرة العقبة بأخبار صحاح ، وقد ذكرنا فرض المزدلفة في صدر هذا الباب ، وذكرنا فرض الجمرة في خطبته عليه السلام بمنى ، وبالله تعالى التوفيق

الباب الثامن والعشرون عدل

في تعارض ورد في يوم الحج الأكبر قال أبو محمد رحمه الله : قد ذكرنا فيما خلا من كتابنا حديثا في أنه يوم النحر ، ولا علينا أن نعيده في معناه وهو

517 - ما حدثناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا القاضي ، محمد بن إسحاق بن السليم ، حدثناه أبو سعيد بن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا مؤمل بن الفضل ، حدثنا الوليد ، حدثنا هشام يعني ابن الغاز ، حدثنا نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال : « أي يوم هذا » ؟ فقالوا : يوم النحر ، فقال : « هذا يوم الحج الأكبر » فذهب إلى هذا جمهور الناس وبه نأخذ

518 - وقد حدثنا أيضا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ، حدثنا محمد بن بكر البصري ، حدثنا أبو داود ، حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ، أن الحكم بن نافع ، حدثهم : أخبرنا شعيب هو ابن أبي حمزة ، عن الزهري ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، أن أبا هريرة ، قال : بعثني أبو بكر في من يؤذن يوم النحر بمنى : ألا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ويوم الحج الأكبر يوم النحر ، وقد ورد أمر يخالف هذا وهو

519 - ما حدثناه أحمد بن عمر بن أنس ، حدثنا عبد الله بن حسين بن عقال ، حدثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ، حدثنا محمد بن الجهم ، حدثنا إبراهيم بن حماد ، حدثنا عباس ، حدثنا الأنصاري هو محمد بن عبد الله ، عن ابن جريج ، أخبرني رجل ، من بني هاشم كان أقعدهم من النبي عن محمد بن قيس بن مخرمة قال : خطب النبي عشية عرفة فقال : « أما بعد فإن هذا الحج يوم الحج الأكبر » قال أبو محمد رحمه الله : وهذا ليس بشيء ؛ لأنه رواية رجل مجهول لا ندري من هو على أنه قد روى هذا كثير عن الأئمة الأفاضل 520 - كما حدثنا أحمد بن عمر ، حدثنا عبد الله بن حسين ، حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا محمد بن الجهم ، حدثنا أبو إسماعيل ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا الفضل بن فضالة ، أخبرني أبو صخر ، أخبرني أبو معاوية البجلي ، عن أبي الصهباء ، أنه سأل علي بن أبي طالب عن يوم الحج الأكبر ؟ فقال : يوم عرفة . قال أبو محمد رحمه الله : وقد روينا قولا ثالثا عن كثير من التابعين

521 - حدثناه أيضا ، أحمد بن عمر ، عن عبد الله بن حسين ، عن الدينوري ، عن ابن الجهم ، حدثنا ابن إسحاق ، حدثنا إبراهيم بن حمود ، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن بكار بن يحيى ، عن يحيى بن يعلى ، قال : سألت سعيد بن المسيب عن يوم الحج الأكبر ، فقال : هو الغد من يوم النحر ، ألا ترى أن الإمام يخطب فيه ؟ قال أبو محمد رحمه الله : قد انتهينا من الكلام في حجة رسول الله ، والمسمى ذلك بحجة الوداع إلى حيث انتهى بنا عملنا الموهوب لنا من الله تعالى ، وإياه عز وجل نسأل التوفيق بمنه ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد عبده ورسوله وسلم تسليما كثيرا

الباب التاسع والعشرون عدل

مستدرك ورد في تعارض ورد في أمر رسول الله في قرانه وفي أمره من الهدي معه بالقران والمتعة

522 - حدثنا أحمد بن محمد الجسوري ، حدثنا أحمد بن سعيد بن حزم الصدفي ، حدثنا عبيد الله بن يحيى ، حدثنا أبي ، حدثنا مالك بن أنس ، حدثنا الزهري ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، أنها قالت : خرجنا مع رسول الله عام حجة الوداع ، فأهللنا بحجة ، ثم قال رسول الله  : « من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا » . وقد ذكرنا الأحاديث الواردة في هذا المعنى ، وعلى إباحة القران جمهور الناس ، وعلى اختياره جماعات ، وعلى إيجابه على من معه الهدي ابن عباس ، وقد ذكرناه بسنده ، وبه نأخذ ، وقد كان ذهب قوم من السلف إلى النهي عنه ، وقد ذكرنا ذلك ورجوع من رجع عن النهي إلى المتعة وتعلق في ذلك قوم

523 - بما حدثناه أحمد بن عمر بن أنس العذري ، حدثنا عبد الله بن حسين بن عقال القرينشي ، حدثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ، حدثنا محمد بن أحمد بن الجهم ، حدثنا يوسف بن الضحاك ، حدثنا أبو مسلم ، حدثنا قتادة ، عن أبي شيخ الهنائي ، أن معاوية ، قال لأصحاب النبي  : هل تعلمون أن رسول الله نهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة ؟ قالوا : أما هذه فلا ، قال معاوية : ولكنكم نسيتم قال أبو محمد رحمه الله : هذا حديث

524 - حدثناه عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن إسحاق بن السليم ، حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا موسى أبو سلمة ، حدثنا حماد ، عن قتادة ، عن أبي شيخ الهنائي خيوان بن خالد ممن قرأ على أبي موسى أن معاوية بن أبي سفيان ، قال لأصحاب رسول الله  : هل تعلمون أن رسول الله نهى عن ركوب جلود النمور ؟ قالوا : نعم ، قال : فهل تعلمون أنه نهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة ؟ قالوا : أما هذه فلا ، فقال : أما إنها معهن ولكنكم نسيتم . قال أبو محمد رحمه الله : هكذا في روايتي عن عبد الله : يفرق ، وهكذا في كتابه هو - والله أعلم - وهم ، والمحفوظ : يقرن في هذا الحديث

525 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا أبو بكر محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا شريك ، عن أبي فروة ، عن الحسن ، قال : خطب معاوية الناس فقال : إني محدثكم بحديث سمعته عن رسول الله فصدقوني : سمعت رسول الله يقول : « لا تلبسوا الذهب إلا مقطعا » ، قالوا : سمعنا ، قال : وسمعته ينهى عن المتعة ، قالوا : لم نسمع ، قال : بلى وإلا فصمتا

526 - حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا أبو حفص الخولاني ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا سليمان بن الأشعث ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرنا حيوة ، أخبرني أبو عيسى الخراساني ، عن عبد الله بن القاسم ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب ، أن رجلا من أصحاب النبي أتى عمر بن الخطاب فشهد أنه سمع رسول الله في مرضه الذي قبض فيه « ينهى عن العمرة قبل الحج » قال علي : أما حديث ابن المسيب ففي غاية الوهي والسقوط ؛ لأنه مرسل عمن لم يسم ، وفيه أيضا ثلاثة مجهولون « أبو عيسى الخراساني ، وعبد الله بن القاسم ، وأبوه ، ففيه خمسة عيوب ، ولو صح لما كان لهم فيه حجة أصلا ؛ لأنه ليس فيه نهي عن جمع بين الحج والعمرة ، وإنما فيه نهي عن أن يعتمر قبل الحج ، وهو ساقط لا يحتج به من له أدنى علم . وأما حديث معاوية فمعلول أيضا ؛ لأن أبا شيخ لم يسمعه من معاوية

527 - كما حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا محمد بن المثنى ، حدثنا يحيى بن كثير ، حدثنا علي بن المبارك ، عن يحيى هو ابن أبي كثير ، أخبرني أبو شيخ الهنائي ، عن أبي حمان ، أن معاوية ، عام حج جمع نفرا من أصحاب رسول الله في الكعبة فقال : أنشدكم الله هل نهى رسول الله عن صوف النمور ؟ قالوا : نعم ، قال : وأنا أشهد

528 - قال محمد بن المثنى : وحدثني عبد الصمد هو ابن عبد الوارث ، حدثنا حرب بن شداد ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، حدثني أبو شيخ ، عن أخيه ، حمان ، أن معاوية ، عام حج جمع نفرا من أصحاب رسول الله في الكعبة فقال : أنشدكم الله هل نهى رسول الله عن صوف النمور ؟ قالوا : نعم ، قال : وأنا أشهد

529 - وبه إلى أحمد بن شعيب : أخبرني شعيب بن شعيب بن إسحاق ، حدثنا عبد الوهاب بن سعيد ، حدثنا شعيب ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، حدثنا أبو شيخ ، حدثنا حمان ، قال : حج معاوية فدعا نفرا من الأنصار في الكعبة فقال : أنشدكم الله ألم تسمعوا أن رسول الله نهى عن صوف النمور ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : وأنا أشهد ، فصح أن أبا شيخ إنما أخذه عمن لا يدري . مرة يقول : أخبرنا حمان ، ومرة يقول : جمان ، ومرة يقول : جماز ، ومرة يقول : حمران ، وكل هؤلاء لا يعرف منهم أحد . فإن قيل بأن قتادة قد ذكر عن أبي شيخ سماعا من معاوية ، وعنده جمع من أصحاب محمد ، فقال : أتعلمون أن نبي الله نهى عن ركوب جلود النمور ؟ قالوا : اللهم نعم ، قيل لهم : ليس في هذا الحديث ذكر النهي عن القران ، ولا عن المتعة ، والحديث الذي فيه ذكر النهي عنها ليس فيه ذكر سماع أبي شيخ من معاوية ، وقد صح في بعضه أن أبا شيخ لم يأخذه إلا عن مجهول ، فسقط الاحتجاج به . والحديث الثاني فيه ذكر شريك ، وشريك لا يجوز الاحتجاج بحديثه لاشتهاره بتعمد التدليس في المنكرات ، وقد صح عن النبي ما يبطل هذا أيضا لا شك فيه ، وهو

530 - ما حدثناه أحمد بن محمد الجسوري ، حدثنا وهب بن مسرة ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن مسعر ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن طاوس ، عن سراقة بن جعشم ، قال : قام النبي خطيبا في الوادي فقال : إن العمرة دخلت في الحج إلى يوم القيامة قال علي رحمه الله : وقد ذكرنا في كتابنا هذا في باب مترجم بباب الأحاديث الواردة في أمر رسول الله بفسخ الحج بعمرة في حجة الوداع ، والأحاديث نظن بها أنها رواية جابر بن عبد الله عن النبي أن العمرة قد دخلت في الحج لأبد الأبد ، وإلى يوم القيامة . ورواية محمد بن علي بن الحسين ، وعطاء بن أبي رباح كذلك عن جابر ، ورواية طاوس ، ومجاهد كذلك عن ابن عباس ورواية الجماهير كذلك عمن ذكرنا . فصح بما ذكرنا صحة لا شك فيها أن لا سبيل إلى فسخ ذلك ؛ لأن قوله عليه السلام : « دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ولأبد الأبد » ، قطع بأن ذلك لا يفسخ فسقطت الأحاديث الواهية الواردة بخلاف ذلك مع ظهور العلل فيها ، وليس أبو شيخ ممن اشتهر بحفظ - لو صح سماعه - ما ذكر بحديث يعارض به الثقات ، فكيف ولم يسمعه ؟ وبالله تعالى التوفيق