كيف الضلال وصبح وجهك مشرق

كيفَ الضلالُ وصبحُ وجهكَ مشرقُ

​كيفَ الضلالُ وصبحُ وجهكَ مشرقُ​ المؤلف صفي الدين الحلي



كيفَ الضلالُ وصبحُ وجهكَ مشرقُ،
 
وشَذاكَ في الأكوانِ مِسكٌ يَعبَقُ
يا مَن إذا سَفَرتْ مَحاسنُ وجهِه،
 
ظلتْ به حدقُ الخلائقِ تحدقُ
أوضحتَ عذري في هواكَ بواضحٍ
 
ماءُ الحيا بأديمهِ يترقرقُ
فإذا العذولُ رأى جمالكَ قال لي:
 
عَجَباً لقَلبِكَ كيفَ لا يَتمَزّقُ
أغنَيتَني بالفِكرِ فيكَ عنِ الكَرَى،
 
يا آسري، فأنا الغنيُّ المملِقُ
يا آسراً قلبَ المحبّ، فدمعُهُ،
 
والنّومُ منهُ مُطلَقٌ ومُطَلَّقُ
لولاكَ ما نافَقتُ أهلَ مَوَدّتي،
 
وظللتُ فيك نفيس عُمري أنفقُ
وصَحِبتُ قَوماً لَستُ من نظرائِهِمْ،
 
فكأنني في الطرسِ سطرٌ ملحقُ
قولا لمن حملَ السلاحَ، وخصرُه
 
من قدّ ذابلهِ أدقُّ وأرشقُ
لا تُوهِ جِسمَكَ بالسّلاحِ وثِقلِه،
 
إنّي عليكَ من الغلالة ِ أشفقُ
حسَدَتْ أُهَيلُ ديارِ بَكرٍ مَنطِقي
 
نارٌ يَخُرُّ لها الكَليمُ ويُصعَقُ
تلقاهُ، وهوَ مزردٌ ومدرَّعٌ،
 
وتراهُ، وهوَ مقرطٌ ومقرطقُ
لم تتركِ الأتراكُ بعدَ جمالِها
 
حُسناً لمَخلوقٍ سِواها يُخلَقُ
إنْ نوزلوا كانوا أسودَ عريكة ٍ،
 
أو غوزلوا كانوا بدوراً تشرقُ
قومٌ، إذا ركبوا الجيادَ ظننتهمْ
 
أسداً بألحاظِ الجآذِرِ ترمقُ
قد خلقتْ بدمِ لقلوب خدودهم،
 
ودروعُهمْ بدَم الكُماة ِ تُخَلَّق
جذبوا القسيّ إلى قسيّ حواجبٍ،
 
مِن تَحتِها نَبلُ اللّواحِظِ تَرشُقُ
نشروا الشعورَ، فكلُّ قدٍّ منهمُ
 
لدنٌ، عليه من الذوائبِ سنجقُ
لي منهمث رشأٌ، إذا غازلتُهُ
 
كادَتْ لَواحظُهُ بسِحرٍ تَنطِقُ
إنْ شاءَ يَلقاني بخُلقٍ واسِعٍ،
 
عندَ السلامِ، نهاهُ طرفٌ ضيقُ
لم أنسَ ليلة َ زارني ورقيبهُ
 
يُبدي الرّضا، وهوَ المَغيظُ المُحنَقُ
وافَى، وقد أبدى الحياءُ بوجههِ
 
ماءً، لهُ في القَلبِ نارٌ تُحرِقُ
أمسى يعاطيني المدامَ، وبيننا
 
عتبٌ ألذُّ منَ المدامِ وأروقُ
حتى إذا عبثَ الكرى بجفونِه
 
كانَ الوِسادَة َ ساعِدي والمِرفَقُ
عانقتُهُ، وضممتُهُ، فكأنّهُ
 
منْ ساعديَّ مطوقٌ وممنطقُ
حتى بَدا فَلَقُ الصّباحِ، فَراعَهُ؛
 
إنّ الصباحض هوَ العدوُّ الأزرقُ
فهُناكَ أومَا للوَداعِ مُقَبِّلاً
 
كفّيّ، وهيَ بذَيلِهِ تَتَعَلّقُ
يا مَنْ يُقَبّلُ للوَداعِ أنامِلي!
 
إنّي إلى تَقبيلِ ثَغرِكَ أشوَقُ
 
للعاشقينَ غرابُ بينٍ ينعقُ
وغَفَرْتُ ذَنبَ الدّهرِ حينَ بدَتْ به
 
من طلعة ِ السلطانِ شمسٌ تشرقُ
المالكُ المنصورُ، والملكُ الذي
 
من خوفِهِ طرفُ النوائبِ مطرقُ
نجمٌ لهُ فلكُ السعادة ِ مطلعٌ،
 
بَدرٌ لهُ أُفقُ المَعالي مَشرِقُ
من معشرٍ حازوا الفخارَ بسعيهمْ،
 
وبَنَى لهُمْ فَلَكَ المَعالي أُرتُقُ
قومٌ همُ الدهرُ العبوسُ، إذا سطوا،
 
وإذا سخوا، فهمُ السحابُ المغدِقُ
وإذا استَغاثَ المُستَغيثُ تَسَرَعوا؛
 
وإذا استَجارَ المُستَجيرُ تَرَفّقُوا
ملكٌ تحفُّ بهِ الملوكُ، كأنّهُ
 
بَدرٌ بهِ زُهْرُ الكَواكِبِ تُحدِقُ
قَد، ظَلّلتَهُ سَحابَة ٌ من خَيرِهِ،
 
تَسري، وآيتُهُ السّماحُ المُطلَقُ
والقبة ُ العلياءُ، والطيرُ الذي
 
منْ حولهِ راياتُ نصرٍ تخفقُ
 
يُفلَى، بهِ فَودُ الفَلا والمَفرِقُ
فلوحشها أجنادُهُ وجيادُهُ،
 
ولطَيرِها بازِيهِ والزُّرَّقُ
مَلِكٌ يَجِلُّ عن العِيانِ، فنَغتدي
 
بقلوبنا، لا بالنواظرِ، نرمقُ
فإذا تَطَلّعَ قلتَ لَيثٌ ناظِرٌ؛
 
وإذا تفكرَ قلُ صلٌّ مطرقُ
كالشمسِ، إلاّ، أنّه لا يختفي،
 
والبَدرِ، إلاّ أنّهُ لا يُمحَقُ
والدّهرِ، إلاّ أنّهُ لا يَعتَدي،
 
والبَحرِ، إلاّ أنّهُ لا يَزهَقُ
ترجَى فوائدهُ، ويخشى بأسُهُ،
 
كالنّارِ تَمنَحُكَ الضّياءَ وتُحرِقُ
 
بالبِيضِ في يومِ الكريهَة ِ ألبَقُ
كفُّ لما حفظَ اليراعُ مضيعة ٌ،
 
ولِما تُجَمّعُهُ الصِّفاحُ تُفَرِّقُ
لا يحتوي الأموالَ، إلاّ مثلما
 
يحوي بأطرافِ البنانِ الزيبقُ
جرتِ الملوكُ لسبقِ غاياتِ العُلى،
 
فمشمرٌ في جريهِ ومحلقُ
حتى إذا نكصَ المكافحُ جاءَها
 
متهادياً في خطوهِ يترفقُ
يا مَنْ بهِ شرُفَتْ مَعاقِدُ تاجِهِ،
 
وبها يُشَرَّفُ مِن سِواهُ المَفرِقُ
أنِسَتْ بمَقدَمكَ العِراقُ وأهلُها،
 
واستَوحشتْ لك حَرزَمٌ والجَوسَقُ
أرضٌ تحلُّ بربعِها فلباسُنا
 
من سندسٍ وفراشُنا الإستبرقُ
فالنّاسُ تَستَسقي الغَمامَ ومَن بها
 
يدعو الإلهَ بأنّهُ لا يغرقُ
يا مَن يُقايسُ ماردينَ بجِلّقٍ
 
بعدَ القياسِ وأينَ منهُ جلقُ
لم يذكرِ الشهباءُ في سبقِ العُلى،
 
إلاّ كبتْ شقراؤها والأبلقُ
كم مارِدينَ لماردينَ تَواثَبُوا،
 
ومن المحالِ طلابُ ما لا يلحقُ
 
سورٌ لها، ودمُ الفوارسِ خندقُ
وتجمعوا حتى مددتَ لهم يداً،
 
في كلّ خافِقَة ٍ لِواءٌ يَخفُقُ
ما أنتَ يومَ السلمِ غلاّ واحدٌ
 
فردٌ، وفي يومِ الكريهة ِ فيلقُ
مَولايَ سَمعاً مِن وَلِيّكَ مَدحة ً
 
عن صِدقِ وُدّي في عُلاكم تَنطِقُ
أنا عَبدُ أنعُمِكَ القديمُ وَدادُه،
 
وسوايَ في أقوالِهِ يتملقُ
عَبدٌ مُقيمٌ بالعِراقِ ومَدحُهُ
 
فيكُمْ يُغَرِّبُ تارَة ً ويُشَرِّقُ
فلقد وقفتُ على علاكَ بدائعاً
 
يعيا بأيسرها النصيحُ المفلقُ
من كلّ هَيفاءِ الكَلامِ رَشيقَة ٍ
 
في طَيّها مَعنًى أدَقُّ وأرشَقُ
 
فيها، كما حسدَ الهزارَ اللقلقُ
أعيَتْ أكابرَهم أصاغرُ لَفظِها،
 
ولربّما أعيا الرخاخَ البيدقُ
جاؤوكَ باللّفظِ المُعادِ لأنّني
 
غَرّبتُ في طَلَبِ الغَريبِ وشرّقُوا
لَهُمُ بذاكَ جِبِلّة ٌ جَبَلِيّة ٌ،
 
ولنا عراقٌ والفصاحة ُ معرقُ
ما كنتُ أرضَى بالقَريضِ فضيلَة ً،
 
لكنْ رأيتُ الفضلَ عندكَ ينفقُ
قالوا: خلقتَ موفقاً لمديحهِ،
 
فأجَبتُهُمْ: إنّ السّعيدَ مُوَفَّقُ
إني ليقنعني القبولُ إجازة ً،
 
إنّ التّصَدّقَ بالوَدادِ تَصَدُّقُ
لا زالَ أمرُك بالسعادة ِ نافذاً
 
في الأرضِ تَمنَعُ مَن تَشاءُ وتَرزُقُ