لأمواه الشبيبة كيف غضنه

لأمواهُ الشّبيبَةِ كيفَ غِضنَهْ

​لأمواهُ الشّبيبَةِ كيفَ غِضنَهْ​ المؤلف أبوالعلاء المعري


لأمواهُ الشّبيبَةِ كيفَ غِضنَهْ،
وروضاتُ الصِّبا كاليَبسِ إضنَهْ
وآمالُ النّفوسِ مُعَلِّلاتٌ،
ولكنّ الحوادثَ يَعترِضنَه
فَلا الأيّامُ تَغرَضُ من أذاةٍ؛
ولا المُهَجاتُ، من عيشٍ، غرضنه
وأسبابُ المُنى أسبابُ شِعْرٍ،
كُفِفْنَ بعلمِ ربّكَ، أو قُبضنه
وما الظّبياتُ مني خائفاتٍ،
وردنَ على الأصائلِ، أو ربَضنَه
فلا تأخُذ ودائعَ ذاتِ ريشٍ،
فَما لكَ أيّها الإنسان بِضنَه
فراعِ اللَّهَ والْهَ عنِ الغَواني،
يَرُحنَ ليَمتَشطنَ ويَرتحضنَه
وطِئنَ السّابريَّ وخُضنَ بحرَ النّـ
ـعيمِ، وهُنّ، في ذهبٍ، يَخُضنه
وللسَّمُراتِ، في الأشجارِ، عيبٌ
إذا ما قالَ مُخبرُهنّ: حِضنَه
نجائبُ لامرىءِ القيسِ بنِ حُجرٍ،
وَقصْنَ أخا البَطالَةِ، إذْ يَرُضْنَه
وخَيلُ اللّهوِ جامِحَةٌ علَينا،
يُساقِطْنَ الفوارِسَ، إن رُكِضنه
فَيا غَضّاً من الفتيانِ، خَيرٌ
من اللّحَظاتِ أبصارٌ غُضِضنَه
فَفُضّ زكاةَ مالِكَ غَيرَ آبٍ،
فكلُّ جُموعِ مالِكَ يَنفَضِضْنَه
وأعجَزُ أهلِ هذي الأرضِ غاوٍ،
أبانَ العَجزَ عن خمسٍ فُرِضنَه
وصُمْ رمضانَ مُختاراً مُطيعاً،
إذِ الأقدامُ من قَيظٍ رَمِضنَه
عُيونُ العالمينَ إلى اغتِماضٍ،
وما خِلتُ الكواكبَ يَغتَمِضْنَه
وقدْ سرّ المَعاشرَ باقِياتٌ
من الأنباءِ، سِرْنَ ليَستِفضنَه
أرى الأزمانَ أوعيَةً لذكْرٍ،
إذا بُسْطُ الأوانِ لَهُ نُفِضْنَه
قد انقَرَضتْ ممالكُ آلِ كِسرى،
سِوى سِيَرٍ لهنّ سيَنقَرِضنَه
فطِرْ إن كنتَ يوماً ذا جَناحٍ،
فإنّ قَوادِمَ البازي يُهَضنَه
وكم طَيرٍ قُصِصنَ لغَيرِ ذَنبٍ،
وأُلزِمْنَ السّجونَ، فما نهَضْنَه
متى عَرَضَ الحِجَى للَّهِ ضاقَتْ
مذاهبُهُ عليهِ، وإنْ عَرُضْنَه
وقد كذَبَ الذي يَغدو بعَقْلٍ
لتَصحيحِ الشّروع، إذا مَرِضْنَه
هيّ الأشباحُ كالأسماءِ، يجري الـ
ـقَضاءُ، فيرتَفِعنَ ويَنخَفِضْنَه
وتلكَ غَمائمُ الدّنيا اللّواتي
يُسفّهنَ الحَليمَ، إذا ومَضْنَه
غدَتْ حُججُ الكلامِ حَجا غديرٍ،
وشيكاً يَنعَقِدْنَ ويَنتَقِضْنَه
لعَلّ الظّاعناتِ عن البرايا،
من الأرواحِ، فُزنَ بما استَعَضْنه
وللأشياءِ عِلاّتٌ، ولولا
خطوبٌ للجُسومِ لمَا رُفِضْنَه
وغارتْ، لانصرامِ حَياً، مياهٌ،
وكُنّ، على تَرادُفِهِ، يَفِضْنَه