لا الدهر مستنفد ولا عجبه

لا الدهر مستنفد ولا عجبه

​لا الدهر مستنفد ولا عجبه​ المؤلف البحتري


لا الدّهرُ مُستَنفَدٌ، وَلاَ عَجَبُهْ،
تَسُومُنَا الخَسْفَ كُلَّهُ نُوَبُهْ
نَالَ الرّضَا مادِحٌ وَمُمتَدَحٌ،
فَقُلْ لهَذا الأميرِ: ما غَضَبُهْ
مُكَثِّراً يَبتَغي تَهَضُّمَنَا
بذي اليَمينَينِ، كاذِباً لَقَبُهْ
وَذُو اليَمينَينِ غَيرُ ناصرِهِ،
من نُكَتِ الشِّعرِ أثَقبَتْ شُهُبُهْ
إذا أخَذْتَ العَصَا تُوَاكلُكَ الأنْـ
ـصَارُ، إلاّ ما قُمتَ تَقتَضِبُهْ
ونحنُ مَنْ لا تُطَالُ هَضْبَتُهُ،
وإنْ أنَافَتْ بفَاخرٍ رُتَبُهْ
لَوْ أعرَبَ النّجمُ عَن مَنَاقبهِ
لمْ يَتَجَاوَزْ أحسابَنا حَسَبُهْ
لَوْلا غَرَامي بالعَفْوِ قَد لقيَ الظّا
لمُ شَرّاً، وَسَاءَ مُنْقَلَبُهْ
إذا أراب الزّمَانُ، مُعْتَمِداً،
إنكَاسَ حَظّي سألتُ مَا أرَبُهْ
وَكَانَ حَقّاً عَلَيّ أفْعَلُهُ،
إذا تأبّى الصّديقُ أجْتَنِبُهْ
والنّصْفُ منّي متى سَمَحْتُ بهِ
معَ اقتدارِي تَطَوُّلاً أهَبُهْ
وَخِيرَتي عَقْلُ صَاحبي، فمَتى
سُقْتُ القَوَافي فخِيرَتِي أدَبُهْ
والعَقْلُ من صنعةٍ وَتَجْرِبَةٍ،
شكْلانِ مَوْلودُهُ، وَمُكْتَسَبُهْ
كَلّفْتُمُونا حُدودَ مَنْطقكُمْ
في الشّعرِ يُلغَى عن صِدقه كَذِبُهْ
وَلمْ يَكُنْ ذو القُرُوحِ يَلهَجُ بالمَنْـ
ـطقِ ما نَوْعُهُ، وَمَا سَبَبُهْ
والشّعرُ لَمْحٌ تَكفي إشَارَتُهُ،
وَلَيسَ بالهَذْرِ طُوّلَتْ خُطَبُهْ
لَوَ أنّ ذَاكَ الشّرِيفَ وازَنَ بينَ الـ
لّفْظِ، واختَارَ لمْ يُقَلْ شَجَبُهْ
واللّفْظُ حَليُ المَعنى وَلَيس يُرِيكَ الـ
ـصُّفْرُ حُسْناً يُرِيكَهُ ذَهَبُهْ
أجلى لُصُوصَ البلادِ يَطلُبُهُمْ،
وَبَاتَ لصُّ القَرِيضِ يَنتَهِبُهْ
قاتَلْتَنا بالسلاحِ تَمْلِكُهُ،
مُعْتَزِياً بالعَدِيدِ تَنْتَخبُهْ
أُرْدُدْ عَلَينا الذي استَعَرْتَ وَقُلْ
قَوْلَكَ يُعْرَفْ لغالبٍ غَلَبُهْ
أمّا ابنُ بِسطامكَ الذي ظِلتَ تُطْـ
ـرِيهِ، فغَيثٌ يغيثُنا حَلَبُهْ
أزْهَرُ يَتْلُو لسَانُهُ يَدَهُ،
سَوْمَ جُمَادَى يَحدُو بِهِ رَجَبُهْ
لا يَرْتَضِي البِشْرَ يَوْمَ سُؤدَدِهِ،
أوْ يَتَعَدّى إشْرَاقَهُ لَهَبُهْ
فإنْ تَعَلّيْتَ فالمُوفَّقُ بالـ
ـلّهِ مُرَادُ النّدَى، وَمُطّلَبُهْ
كالىءُ ثَغْرِ الإسْلاَمِ، يَرْفِدُهُ
جِدُّ امرِىءٍ لا يَشُوبُهُ لَعبُهْ
فَحَائنُ الزّنْجِ مجمِعٌ هَرَباً،
إنْ كَانَ يَنْجُو بحَائنٍ هَرَبُهْ
لا يَأمَنُ البَرَّ مُفْضِياً كَنَفٌ
منهُ، ولا البَحرَ طامياً حَدَبُهْ
ما اخْتَارَ أمْراً إلاّ تَوَهّمَهُ
رَداهُ أوْ ظَنّ أنّهُ عَطَبُهْ