لا زلت تعلو وإن حسادك اكتأبوا

لاَ زِلْتَ تَعْلُو وَإِنْ حُسَّادُكَ اكْتَأَبُوا

​لاَ زِلْتَ تَعْلُو وَإِنْ حُسَّادُكَ اكْتَأَبُوا​ المؤلف ابن حيوس


لاَ زِلْتَ تَعْلُو وَإِنْ حُسَّادُكَ اكْتَأَبُوا
أوْ يبلغَ الحظ ما يقضي بهِ الحسبُ
وإنْ يكنْ ما بلغتَ اليومَ مذهلهمْ
فإنهُ دونَ ما ترجو وَ ترتقبُ
تُعْلِي الْمَنازِلُ قَوْماً قَبْلَهَا خَمَلُوا
وَأنتَ منْ لمْ تزلْ تعلو بهِ الرتبُ
إنْ لمْ تكنْ للنجومِ النيراتِ أخاً
فَأَنْتَ غَيْرَ مُنَاوىً جَارُهَا الْجُنُبُ
إنَّ الجلالةَ منْ أفعالكَ انتقلتْ
فَإِنْ خُصِصْتَ بِأَوْفَاهَا فَلاَ عَجَبُ
فليدرِ منْ ظلَّ مشغوفاً بها علقاً
أنَّ النباهةَ علقٌ ليسَ يغتصبُ
فإنَّ دونَ المعالي شقةً بعدتْ
بِهَا الْمَشَقَّةُ دُونَ الْفَوْزِ وَالشَّجَبُ
لَمَّا اصْطَفَاكَ لَهُ الَمَلِكُ الأَعَزُّ حِمَىً
حَبَاكَ مَايَصْطَفِي مِنْهَا وَيَنْتَخِبُ
حباءَ منْ يهبُ الدنيا بأجمعها
وَلاَ يُصَادَفُ مُعْتَدَّاً بِمَا يَهَب
وَمُذْ دَعَاكَ إِمَامُ الْعَصْرِ عُدَّتَهُ
عادتْ سراعاً على أعقابها النوبُ
وَقولهُ عدتي دونَ الورى صفةٌ
وَإنْ تظنى جهولٌ أنها لقبُ
وَهلْ تحلتْ رياضٌ غبَّ ماطرةٍ
بِمِثْلِ مَا حُلِّيَتْ مِنْ وَصْفِكَ الْكُتُبُ
أَعْظِمْ بِهَا كُتُباً جَاءَتْكَ حَائِزَةً
مناقباً كثرتْ ما حازتِ الكتبُ
وَسربلتكَ ثناءً جلَّ موقعهُ
عما كستكَ ثياباً عمها الذهبُ
هذي تعاودُ أسمالاً إذا ابتذلتْ
حيناً وَتلكَ على طولِ المدى قشبُ
لما تضايقَ بالجيشِ الفضاءُ ضحىً
بَثَثْتَ في الْجَوِّ جَيْشَاً مَالَهُ لَجَبُ
وَما رأينا سماءً قبلَ يومكَ ذا
في أفقها الطيرُ وَالآسادُ تصطحبُ
غَابٌ تَلُوحُ بِأَعْلاَهُ ضَرَاغِمُهُ
فَوَاغِراً أَبَداً لَمْ تَدْرِ مَا السَّغَبُ
مستعلياتٌ لها منْ فضةٍ قصبٌ
يُقِلُّهَا وَلَهَا مِنْ عَسْجَدٍ أُهُبُ
وَقدْ أظلتكَ لما سرتَ أربعةٌ
قلبُ الغزالةِ إعظاماً لها يجبُ
تعلو بأقربها عهداً بمنْ شرفتْ
بِذِكْرِهِ سُوَرُ الْقُرْآنِ وَالْخُطَبُ
سمتْ إلى حيثُ قوسُ المزنِ فاعتصمتْ
بِبَعْضِهِ وَلَهَا مِنْ بَعْضِهِ عَذَبُ
وَتَسْتَقِلُّ بِمَاءٍ مَالَهُ حَبَبٌ
وتَسْتَظِلُّ بِنارٍ مَالَهَا لَهَبُ
فإنْ بدتْ في سوادِ النقعِ طالعةً
وَأنتَ وَابناكَ قبلَ السبعةُ الشهبُ
كأنما التبرُ بحرٌ فاضَ فاعترفتْ
مِنْهُ الْكُسى وَالْعِتَاقُ الْقُبُّ وَالْقُبَبُ
وَكُلُّ مَاضِ تَدِينُ الْمُرْهَفَاتُ لَهُ
تجنى السلامةُ منْ حديهِ وَالعطبُ
إِذَا عَلاَهُ نَجِيعٌ فَوْقَ جَوْهَرِهِ
في مأزقٍ خيلَ خمراً فوقها حببُ
قلدتموها على علمٍ بأنكمُ
ذَوُو الْقُلُوبِ الَّتي مَا حَلَّهَا رُعُبُ
وَأنكمْ موردوها كلَّ يومِة غىً
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَرِدَ الْخَطِّيَةُ السُّلُبُ
وَإِنْ تَقَلَّدتُمُوهَا وَهْيَ نَاصِلَةٌ
فإنها منْ دمِ الأعداءِ تختضبُ
وَقدْ فرعتَ بهذا الدستِ منزلةً
نصيبُ شانيكَ منها الهمُّ وَالتعبُ
إِذَا الْمُلُوكُ إِلى لَذَّاتِهَا جَنَحَتْ
وَشَارَكَ الْجِدَّ في أَفْعَالِهَا اللَّعِبُ
فَلَنْ تَزَالَ بِحَسْمِ الظُّلْمِ في شُغُلٍ
عما دعاكَ إليهِ الظلمُ وَالشببُ
لئنْ غضبتَ لسومِ الخسفِ حينَ رضوا
لقدْ رضيتَ بحكمِ الجودِ إذْ غضبوا
في دولةٍ بكَ نالتْ فوقَ بغتيها
في منْ عصى فعصا أعدائها شعبُ
فأنتَ معتزها وَابناكَ منجبها
وَنَصْرُهَا وَلَكَ الْعَضْبُ الهُمَامُ أَبُ
لئنْ أفادا علواً في بعادهما
فالمسكُ يزدادُ قدراً حينَ يغتربُ
لاَ يطعمنَّ نبيهٌ في مكانهما
فَمَا الْمَجَرَّةُ مِمَّنْ رَامَهَا كَثَبُ
الْجَائِدَانِ إِذَا مَا ضَنَّتِ السُّحُبُ
وَالذائدانِ إذا ما كلتِ القضبُ
بَنِي أَبِي صَالِحٍ مَازَالَ عِنْدَكُمُ
مُذْ كُنْتُمُ الرَّغَبُ الْمَعرُوفُ وَالرَّهَبُ
أَلسْتُمُ مَعْشَراً يَنْأَى إِذَا بعُدُوا
حُسْنُ الْفِعَالِ وَيَدْنُو كُلَّمَا قَرُبُوا
إِذَا وُجُوهُهُمُ بِالْعِثْيَرِ أنْتَقَبَتْ
بَدَا الْمَضَاءُ الَّذي مَا دُونَهُ نُقُبُ
طِبْتُمْ فَطابُ حَديثٌ تُوصَفُونَ بِهِ
مُكَرَّراً ذِكْرُهُ ما كَرَّتِ الحُقُبُ
وَالمادحونَ على أبوابكمْ حزقاً
لِقَوْلِ حُسَّادِكُمْ لِلْمادِحِ السَّلَبُ
تَسْمُو الإِمَارَةُ إِذْ تُعْزى إِلَيْكَ كَما
تسمو تميمُ بنُ مرًّ حينَ تنتسبُ
وَبَعْدَ بَيْتِ رَسُولِ اللّهِ ما فَخَرَتْ
بِمِثْلِ بَيْتِكَ لاعُجْمٌ وَلا عَرَبُ
بيتٌ لهُ العزُّ أرضٌ وَالإباءُ سماً
وَالْبَاتِراتُ عِمادٌ وَالنَّدى طُنُبُ
حماهُ منْ دارمٍ في كلَّ معتركٍ
غُلْبٌ عَلَى الْمَجْدِ والْعَلْيَاءِ قَدْ غَلَبوا
لَمَّا أَبَوْا دَرَّ أَخْلافِ اللِّقَاحِ قِرىً
بَاتَتْ لَدَيْهِمْ مِنَ الأَوْدَاجِ تُحْتَلَبُ
وَإنْ غنيتَ بما أثلتَ منْ شرفٍ
عَنْ ذِكْرِ ما أَثَّلَتْ آبَاؤُكَ النُّجُبُ
فالمرءُ إنْ لمْ تقدمهُ مآثرهُ
لَمْ يُعْلِهِ نَسَبٌ زَاكٍ وَلا نَشَبُ
أَمّا دِمَشْقُ فَقَدْ أَسْلَفْتَ نُصْرَتَها
في سالفِ الدهرِ إذْ أنصارها غيبُ
غَابُوا بِأَسْرٍ وَقَتْلٍ وَانْتِجاعِ عِدىً
وَأنتَ وحدكَ فيها جحفلٌ لجبُ
حَامَيْتَ عَنْها مُحَامَاةَ الْمَليكِ لَها
فَهَلْ زَمَانَكَ هذا كُنْتَ تَرْتَقِبُ
فكنتَ أبعدَ خلقِ اللهِ منْ فرقٍ
إِذا تَفارَقَتِ الأَسْيافُ وَالقُرُبُ
كَمْ خُضْتَ مِنْ دُونِها ناراً مُضَرَّمَةً
مَا خَاضَها مِنْ لَهُ في نَفْسِهِ أَرَبُ
وَكمْ نطقتَ بفصلِ القولِ مرتجلاً
وَالبيضُ في قممِ الأبطالِ تصطحبُ
فمنْ بيانكَ ماءُ الفضلِ منهمرٌ
وَمنْ بنانكَ ماءُ الجودِ منسكبُ
والْمَجْدُ إِنْ كانَ في الأَقْوامِ مُكْتَسَباً
فإنهُ فيكَ مولودٌ وَمكتسبُ
سطوتَ فاستصغرَ الأنجادُ ما قهروا
وجدتَ فاستزرَ الأجوادُ ما وهبوا
مَكارِمٌ بَزَّتِ الرُّكْبَانَ رَأْفَتَهَا
باليعملاتِ فما تثنى لها ركبُ
وَصَيَّرَتْ قَصْرَكَ الْعَافُونَ مَوْطِنَهُمْ
إذا مضتْ عصبٌ منها أتتْ عصبُ
إِذا الْوَسَائِلُ عِيفَتْ عِنْدَ مَنْ قَصَدُوا
شربتَ ما صرفوا منها وَما قطبوا
وَإِنْ أَتَتْكَ كُؤُوسُ الْحَمْدِ مُتْرَعَةً
لَمْ تَأْتِهِمْ نُخَبٌ مِنْهَا وَلا نُغَبُ
شَرُفَتْ نَفْساً فَأَحْسَنْتَ الْخِيَارَ لَهَا
فالمالُ محتقرٌ وَالحمدُ محتقبُ
وَلَسْتَ تَذْخَرُ مِمّا أَنْتَ كَاسِبُهُ
إلاَّ كما ذخرتْ منْ مائها السحبُ
لقدْ أتاحَ غياثُ المسلمينَ لهمْ
منكَ الشفاءَ الذي ما بعدهُ وصبُ
فَدَامَ سُلْطَانُ تَاجِ الأَصْفِيَاءِ وَلاَ
زَالَتْ عَنِ الْخَلْقِ مَا خَافُوا وَمَا رَغِبُوا
يَدٌ لِمُعْتَزِّهَا مِنْ مَنْعِهَا حَرَمٌ
كَمَا لِمُعْتَرِّهَا مِنْ بَذْلِهَا نَشَبُ
نوالها كهتونِ الغيثِ منتجعٌ
وَمَا حَمَتْ كَعَرِينِ اللَّيْثِ مُجْتَنَبُ
فلا غدتْ نائباتُ الدهرِ رائعةً
رَعِيَّةً كُشِفَتْ عَنْهَا بِكَ الْكُرَبُ
وَلاَ ألمَّ بكَ المكروهُ في قمرٍ
زالتْ بمطلعهِ عنْ قلبكَ الريبُ
أَنّى وَأَوْبَتُهُ لِلصَّوْمِ مُوجِبَةٌ
وَوَجْهُهُ كَهِلاَلِ الْفِطْرِ مُرْتَقَبُ
وَمَا تَحَايَدَتُ عَنْ ظِلٍّ نَشَأْتُ بِهِ
وَلاَ انقطعتُ لأني عنكَ منجذبُ
بلْ شئتُ إعلامَ منْ تندى بمسألةٍ
يَدَاهُ أَنَّ نَدَاكَ الْغَمْرَ يَقْتَضِبُ
جودٌ هربتُ بآمالي فأدركها
فالحمدُ للهِ إذْ لمْ ينجني الهربُ
وَلوْ أفضتُ حياتي للثناءِ بهِ
لما نهضتُ بمعشارِ الذي يجبُ
فكلُّ ربَّ جميلٍ جرهُ سببٌ
فِدَاءُ بَادٍ بِنُعْمَى مَا لَهَا سَبَبُ
لِيَثْنِ عَنِّي صُرُوفَ الدَّهْرِ رَاغِمَةً
أني علقتُ بحبلٍ ليسَ ينقضبُ
وَقَدْ تَحَقَّقْتُ قِدْماً أَنَّ مَأْرُبَتِي
تقضي وَما عضَّ فيها غارباً قتبُ
فانظرْ لمنْ مالهُ في الحرصِ مضطربٌ
نَزَاهَةً وَلهُ في الأَرْضُ مُضْطَّرَبُ
لِمُصْعَبٍ يَطَّبِيهِ الْعِزُّ يُحْرِزُهُ
والْخَصْمُ يُعْجِزُهُ لاَ الْمَاءَ وَالْعُشُبُ
إني غذا شئتُ أنْ يرتاحَ ذو كرمٍ
أَدَرْتُ رَاحاً أَبُوهَا الْفِكْرُ لاَ الْعِنَبُ
وَلاَ اعتدادَ بما أهديتُ منْ مدحٍ
وَإنْ تخيرها حبيكَ وَالأدبُ
إنَّ الفعالَ الذي ما شابهُ كدرٌ
شادَ المقالَ الذي ما شابهُ كذبُ