لبئست هدايا القافلين أتيتم

​لبئست هدايا القافلين أتيتم​ المؤلف الفرزدق


لَبِئْسَتْ هَدَايَا القَافِلينَ أتَيْتُمُ
بهَا أهلَكُمْ يا شرّ جَيْشَينِ عُنصُرَا
رَجَعتُمْ عَلَيهمْ بالهَوَانِ فأصْبَحوا
على ظهرِ عُرْيانِ السّلائقِ أدْبَرَا
وَقد كانَ شِيمَ السّيفُ بعد استِلالِهِ
عَلَيهِمْ وَناءَ الغَيثُ فيهمْ فأمطَرَا
رَدَدْتُمْ عَلَينا الخيلَ وَالتُّرْكُ عندكُم
تَحَدّى طِعاناً بِالأسِنّةِ أحْمَرَا
إلى مَحِكٍ في الحَرْبِ يأبَى إذا التقتْ
أسِنّتُها بالمَوْتِ، حَتى يُخَيَّرَا
إذا عَجَمْتْهُ الحَرْبُ يَوْماً أمَرَّهَا
على قُتُرٍ مِنها عَنِ اللّينِ أعْسَرَا
ولَمّا رَأى الله الّذي قَدْ صَنَعْتُمُ،
وَأنّ ابنَ سَيْبُخْتَ اعتَدى وَتجبّرَا
وَقارَعْتُمُ في الحَقّ مَن كانَ أهْلُهُ
بِبَاطِلِ سَيْبُختَ الضّلالِ وَذَكّرَا
رَمَاكُمْ بِمَيْمُونِ النّقِيبَةِ حازِمٍ
إذا لمْ يُقَمْ بِالحَقّ لله نَكّرَا
أبيَّ المُنى لمْ تَنْتَقِضْ مِرّةٌ بِهِ،
ولَكِنْ إذا مَا أوْرَدَ الأمْرَ أصْدَرَا
أخَا غَمَرَاتٍ يَجْعَلُ الله كَعْبَهُ،
هُوَ الظَّفِرُ الأعْلى إذا البأسُ أصْحرَا
مُعَانٌ عَلى حَقٍ، وَطَالِبُ بَيْعَةٍ
لأفْضَلِ أحْيَاءِ العَشِيرَةِ مَعْشَرَا
لآلِ أبي العاصي تُرَاثُ مَشُورَةٍ،
لِسُلْطانهِمْ في الحَقّ ألاّ يُغَيَّرَا
عَجِبتُ لنَوْكَى من نِزَارٍ وَحَيْنِهمْ
رَبِيعَةَ وَالأحزَابِ مِمّنْ تمَضّرَا
وَمن حَينِ قَحطاني سجستانَ أصْبحوا
على سَيّءٍ من دينِهمْ قَدْ تَغَيّرَا
وَهُمْ مائَتا ألْفٍ وَلا عَقْلَ فيهِمِ
وَلا رَأيَ من ذي حِيلَةٍ لَوْ تَفَكّرَا
يَسُوقُونَ حَوّاكاً لِيَسْتَفْتِحُوا بِهِ
على أوْلِيَاءِ الله، مِمّنْ تَخَيّرَا
على عُصْبَةٍ عُثمانُ منهُمْ، وَمنهُمُ
إمَامٌ جَلا عَنّا الظّلامَ فَأسْفَرَا
خَليفَةُ مَرْوَانَ الذي اختارَهُ لَنَا
بِعِلْمٍ عَلَيْنا مَنْ أمَاتَ وَأنْشَرَا
بِهِ عَمَرَ الله المَسَاجِدَ، وَانْتَهَى
عَنِ النّاسِ شَيْطانُ النّفاقِ فأقصرَا
وَلوْ زَحَفُوا بابْنَيْ شَمامٍ كِلَيهِما
وَبالشُّمّ من سَلمَى إلى سَرْوِ حِميَرَا
على دينهِمْ وَالهِندُ تُزْجَى فُيُولهُمْ
وَبالرّومِ في أفدانها رُومِ قَيصَرَا
إلى بَيْعَةِ الله الّتي اخْتَارَ عَبْدَهُ
لهَا ابنَ أبي العاصِي الإمامَ المُؤمَّرَا
لَفَضّ الذي أعطى النبُوّةَ كَيدَهمْ
بِأكْيَدَ مِمّا كَايَدُوهُ وَأقْدَرَا
أتَاني بذي بَهْدى أحاديثُ رَاكِبٍ،
بهَا ضَاقَ مِنها صَدْرُهُ حِينَ خَبّرَا
وَقَائِعُ للحَجّاجِ تَرْمي نِسَاؤهَا
بِأوْلادِ ما قَد كانَ مِنهُنّ مُضْمَرَا
فَقُلتُ فِدىً أُمّي لَهُ حينَ صَاولَتْ
بهِ الحَرْبُ نَابَيْ رَأسِها حِينَ شمّرَا
سَقى قائِدَيْها السّمّ حتى تَخاذَلُوا
عَلَيها وَأرْوَى الزّاعِبيَّ المُؤمَّرَا
سَقَى ابنَ رِزَامٍ طَعْنَةً فَوّزَتْ بهِ
وَمَحْرُوشَهُمْ مَأمُومَةً فَتَقَطّرَا
وأفلت روّاضُ البغالِ ولم تَدَعْ
لهُ الخيلُ من اخراج زَوْجِيه معشرا
وَأفْلَتَ دَجّالُ النّفَاقِ، وَمَا نجَا
عَطِيّةُ إلاّ أنّهُ كَانَ أمْهَرَا
مِنَ الضّفْدَعِ الجارِي عَلى كلّ لُجّةٍ
خَفيفاً إذا لاقَى الأوَاذيَّ أبْتَرَا
ورَاحَ الرِّياحيّانِ إذْ شَرَعَ القَنَا
مُطَيْرٌ، وَبَرّادٌ، فِرَاراً عَذَوَّرَا
وَلَوْ لَقِيَا الحَجّاجَ في الخَيْلِ لاقَيا
حِسابَ يَهودِيّينِ مِنْ أهلِ كَسكَرَا
وَلَوْ لَقيَ الخَيْلَ ابنُ سَعْدٍ لَقَنّعُوا
عِمَامَتَهُ المَيْلاءَ عَضْباً مُذَكَّرَا
ولَوْ قَدّمَ الخيْلَ ابنُ مُوسَى أمامَهُ
لمَاتَ وَلَكِنّ ابنَ مُوسَى تَأخّرَا
رَأى طَبَقاً لا يَنْقُضُونَ عُهُودَهُمْ
لهُمْ قائِد قُدّامَهُمْ غَيرُ أعْوَرَا
وَهِمْيَانُ لَوْ لمْ يَقطَعِ البَحرَ هارِباً
أثارَتْ عَجاجاً حَوْلَهُ الخَيلُ عِثْيَرَا
وَزَهْرَانُ ألْقَى في دُجَيْلٍ بِنَفْسِهِ
مُنَافِقُهَا إذْ لمْ يَجِدْ مُتَعَبَّرَا
وَمَا تَرَكَتْ رَأساً لبَكرِ بنِ وَائِلٍ،
وَلا للُكَيزِيّينَ إلاّ مُكَوَّرَا
وَأفْلَتَ حَوّاكُ اليَمانِينَ بَعْدَمَا
رَأى الخيلَ تَرْدي من كُميتٍ وَأشقرَا
وَدِدْتُ بِحَنّابَاءَ إذْ أنْتَ مُوكِفٌ
حِمَارَكَ مَحلُوقٌ تَسوقُ بعَفْزَرَا
تُؤامِرُها في الهِنْدِ أنْ تُلحَقا بِهمْ،
وَبالصِّينِ صِينِ استانَ أوْ تُرْكِ بَغَبَرَا
رَأيْتُ ابنَ أيّوبٍ قَدِ استَرْعَفَتْ بهِ
لكَ الخَيلُ من خَمسِينَ ألفاً وَأكثَرَا
على صاعِدٍ أوْ مِثْلِهِ من رِبَاطِهِ،
إذا دارَكَ الرّكْضَ المُغِيرُونَ صَدّرَا
يُبَادِرُكَ الخَيْلَ الّتي مِنْ أمَامِهِ
ليَشْفيَ مِنْكَ المُؤمِنِينَ، وَيَثْأرَا
مَحارِمَ للإسلامِ كنتَ انْتَهَكْتَها،
وَمَعْصِيَةً كانَتْ مِنَ القَتلِ أكبَرَا
دَعَوْا وَدَعَا الحَجّاجُ وَالخيلُ بَينَها
مدى النّيلِ في سامي العَجاجةِ أكدَرَا
إلى باعِثِ المَوْتَى ليُنزِلَ نَصْرَهُ،
فَأنْزَلَ للحَجّاجِ نَصْراً مُؤزّرَا
مَلائِكَةً، مَنْ يَجعَلِ الله نَصرَهم
لَهُ يَكُ أعلى في القِتالِ وَأصْبَرَا
رَأَوْا جِبْرئيل فيهِمُ، إذْ لَقُوهُمُ،
وَأمْثَالَهُ مِنْ ذي جَناحَينِ أظْهَرَا
فَلَمّا رَأى أهْلُ النّفَاقِ سِلاحَهُمْ
وَسِيمَاهُمُ كَانُوا نَعاماً مُنَفَّرَا
كَأنّ صَفِيحَ الهِنْدِ فَوْقَ رُؤوسِهم
مَصَابيحُ لَيْلٍ لا يُبالِينَ مِغْفَرَا
بِأيْدي رِجَالٍ يَمْنَعُ الله دِينَهُمْ،
بِأصْدَقَ من أهْلِ العِرَاقِ وَأصْبَرَا
كَأنّ على دَيْرِ الجَماجِمِ مِنْهُمُ
حَصَائِدَ أوْ أعْجازَ نَخلٍ تَقَعَّرَا
تَعَرَّفُ هَمْدَانِيّةٌ سَبَئِيّةٌ،
وَتُكْرِهُ عَيْنَيْها على ما تَنَكّرَا
رَأتْهُ مع القَتْلى، وَغَيّرَ بَعْلَها
عَلَيْهَا تُرَابٌ في دَمٍ قَدْ تَعفّرَا
أرَاحُوهُ مِنْ رَأسٍ وَعَيْنَينِ كانَتَا
بَعِيدَينِ طَرْفاً بِالخِيَانَةِ أحْزَرَا
مِنَ النّاكِثِينَ العَهْدَ مِنْ سَبَئِيّةٍ
وَإمّا زُبَيْرِيٍّ مِنَ الذّئبِ أغْدَرَا
وَبالخَنْدَقِ البَصْرِيّ قَتْلى تَخالُها
عَلى جَانِبِ الفيْضِ الهَديَّ المُنَحَّرَا
لَقِيتُمْ مَعَ الحَجّاجِ قَوْماً أعِزّةً،
غِلاظاً على مَن كان في الدِّينِ أجوَرَا
بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ أيّدَ الله نَصْرَهُ،
وَسَوّى مِنَ القَتلى الرّكيَّ المُعَوَّرَا
جُنُوداً دَعَا الحَجّاجُ حِينَ أعَانَهُ
بِهِمْ، إذْ دَعا ربَّ العِبادِ ليَنْصُرَا
بشَهْبَاءَ لمْ تُشرَبْ نِفَاقاً قُلُوبُهُمْ،
شَآمِيَةٍ تَتْلُو الكِتَابَ المُنَشَّرَا
بسُفْيَانَ وَالمُسْتَبْصِرِينَ كَأنّهم
جِمَالٌ طَلاها بِالكُحَيْلِ وَقَيَّرَا
ولَوْ أنّهُمْ إذْ نَافَقُوا كانَ مِنْهُمُ
يَهُودِيُّهُمْ كَانُوا بِذَلِكَ أعذَرَا
وَلَكِنّمَا اقتَادُوا بحَوّاكِ قَرِيَةٍ،
لَئِيمٍ كَهَامٍ، أنْفُهُ قَد تَقَشّرَا
مُحَرَّقَةٌ للغَزْلِ أظْفَارُ كَفِّهِ
لِتَدْقِيقِهِ ذَا الطُّرّتَينِ المُحَبَّرَا
عَشِيّةَ يُلْقُونَ الدّرُوعَ كَأنّهُمْ
جَرَادٌ أطارَتْهُ الدَّبُورُ، فَطَيَّرَا
وَهمْ قد يرَوْنَ الموْتَ من بينِ مُقعَصٍ
وَمن وَائِبٍ في حَوْمَةِ المَوْتِ أكدرَا
رَأوْا أنّهُ مَنْ فَرّ من زَحْفِ مِثِلهمْ
يكُنْ حَطَباً للنّارِ فِيمَنْ تَكَبّرَا