لعمري لقد غاب الرضا فتطاولت

لعمري لقد غاب الرضا فتطاولتْ

​لعمري لقد غاب الرضا فتطاولتْ​ المؤلف ابن الرومي


لعمري لقد غاب الرضا فتطاولتْ
بغيبتِه البَلْوى فهَلْ هو قادمُ
تعرفتُ في أهلي وصحبي وخادمي
هواني عليهم مُذْ جفانيَ قاسم
جَفَوْني وعَقُّوني وملُّوا ثِوايتي
فكلٌ مُلِيمٌ ظالمٌ وهو لائم
فلو أبصرتني بينهم عينُ حاسدي
لأضحى وأمسى حاسدي وهو راحمُ
أقاسمُ قد جاوزت بي كلَّ غايةٍ
وليس وراء الحَيْفِ إلا المآثمُ
كأنكَ قد أُنسيتَ أنك سيدٌ
له الفضل أو أُنسيتَ أني خادم
أقصرتُ في فرضٍ فمثلي قصَّرتْ
به حالهُ عن كل ماهو لازمُ
هل العسرُ كلُّ العسرِ مُبْقٍ عزيمةً
ألا إنما حيث اليسارُ العزائم
حلفتُ بمن أرجو لعطفكَ لُطْفَهُ
إذا أنت هزَّتكَ السجايا الكرائم
لئن كنتُ في الإخلال بالفرض ظالماً
لهنَّكَ في رفضِ الإقالةِ ظالم
ولمْ لا وقد صُوِّرتَ من خير طينةٍ
وأنت بفضلِ الحلم والجودِ عالم
حنانيك لا تظلم بي المجدَ إنَّهُ
صديقٌ جليلٌ تتقيه المظالمُ
وهبني عبداً مُذْنباً أو مُعطلاً
سليباً من الآلاتِ أين المكارم
ألا فاضِلٌ يأوي لنُقْصانِ ناقصٍ
فَيُلْبِسَهُ من عفَوْه وهو ناقم
ألا غارمٌ صفحا ليغنم سُؤدداً
وحمداً وأجرا إنَّ ذا الغُنمِ غارم
إلا غانمٌ أحدوثَة الصدقِ في الورى
بغُرم الأيادي إن ذا الغُرمِ غانم
ترفَّعْ إلى الطَّولِ العَليِّ مكانُهُ
فما تُشْبِهُ النُّعْمَى عليك السخائم
ولا يُشْبهُ البدءَ الذي قد بدأتُهُ
من العُرْفِ أن تشكى عليه النقائم
وهبني جفاني الإذنُ منك عُقوبةً
على غيرِ جُرمٍ لمْ جَفَتْنِي الدَّراهم
أتبلغُ أقدارُ الدراهم أنْ تُرى
تُباريكَ في هجرِ الذين تُراغم
أبى ذاك أنَّ الله أعلاك فوقها
وأنك من آفاتِ ذي البخل سالمُ
ومثلك لا يحتجُّ والخصْمُ ساغِبٌ
ولكنّهُ يحتجُّ والخصم طاعم
فأشبِعْ وأوجِعْ بالبِعادِ مؤدّباً
فقد يُعْدم التقريبُ والبِرُّ دائم
وكَمْ سفُهَ الهجرانُ والحلمُ صامتٌ
وكم خَرُقَ الإقصار والجودُ كاظم
فقوِّمْ بما دون المجاعةِ إنَّها
سِهامٌ حِدادٌ بلْ سيوفٌ صوارم
وعاقِبْ بمحمودِ العقاب فإنَّهُ
سيكفيكَ مذمومَ العقابِ الألائم
وأحسن من حُسْنِ العِقابِ اطّراحُه
إذا قلّبَ الرأيَ الرجالُ الأكارم
وعزَّ على مولاكَ صَرْفُ اهتمامِه
إلى القُوتِ لكنْ أمرهُ مُتفاقم
له شاغلٌ عن أنْ يسامِيَ همُّهُ
رضاكَ وقد أعْيَتْهُ فيه المراوِم
على أنه لابد لي من طِلابهِ
وإنْ قيل مغرورٌ وإنْ قيل حالم
ألا فاستمعْ مني بأُذْن سميعةٍ
فذاك سميعٌ لؤْمُهُ مُتصامم
أمستأثرٌ بالحلم قيسُ بنُ عاصمٍ
عليك ولم يعشرك قيسٌ وعاصم
ومُنْفَردٌ بالجُود دونك حاتمٌ
وكعبٌ ولم يعشركَ كعبٌ وحاتم
معاذَ الذي أعطاكَ ما أنتَ أهلهُ
من الدين والدنيا وضدك راغمُ
تناومتَ عني بعد طول عناية
وقد نهستْ مني الخُطوبُ الأوازم
فيا ليتَ شعري لا عدمتَ سلامةً
ونُعمى لها ظلٌّ من العَيْشِ ناعمُ
متى تنظر الدنيا إليَّ بنظرةٍ
بعينك نحوي أيُّها المُتناوم
هنالك أغدو والسرور محالِفٌ
بُنَيَّات قلبي والزمانُ مُسالم
ويوميَ من إشراقِ وجهك شامسٌ
مضيءٌ ومن إغداق كفَّيْكَ غائم
ألا إنَّ ثلما في السماحِ عقوبتي
كأني نظيرٌ أو كَفيٌّ مُقاوم
أقِلْنِي عِثارَ الظنِّ منكَ فلم تزل
تُقيلُ التي فيها تُحزُّ الحلاقم
وما قِبَلي حقٌّ وهَبْه فهبْهُ لي
فإنّك للوهَّاب لا المُتعاظِم
وأنت الفتى كُلّ الفتى في فعَالِهِ
إذا ما وهبتَ الحقَّ والحقُّ قائم
وأكرمْ بخصْم باع بالطَّوْلِ حقَّه
وآثر حقَّ المجْدِ وهوْ مُخاصم
ولاسيَّما والخصمُ قاضٍ مُحَكَّمٌ
إليه القضايا والهباتُ الجسائم
متى يهبُ الخصمُ المُطالبُ حقَّهُ
إذا لم يَهَبْهُ الخَصْمُ والخصمُ حاكم
وأنَّى يكونُ المنكرُ الجُرْمَ عادلاً
إذا ما استوت أحكامُهُ والجرائمُ
أنا العبدُ ساقتْهُ إليك نوائبٌ
شِدادٌ وقادتهُ إليك الخزائم
يراه الورى ضيفاً ببابك صائماً
وهَلْ حسنٌ ضيفٌ ببابك صائم
أمنْ بعدما ابيضَّتْ أياديك عندهُ
تُريه التي تبيضُّ منها المقادم
بحقِّ الوزيرِ بنِ الوزيرِ وعَيْشِهِ
تأمَّلْ مليّاً هل على العَفْوِ نادم
وهَبْ لي على ماكان مني مكانتي
وحَظِّي فإني سيىءُ الحال واجمُ
ولا تَنْس أنَّ الله سمَّاك قاسماً
لأنك في النعمى شريكٌ مُقاسِم
تُقَسِّمُ في المعروفِ ما أنت مالكٌ
وتجْشَمُ فيه كُلَّ ما أنت جاشم
وحاشاك من تمويه ظنٍّ وشُبْهةٍ
يقولان إن المانعَ العفوَ حازم
فإنْ قلتَ لي دَعْ وَصْلَ من أنت واصلٌ
صدَدْتُ بطَرْفِ العينِ والقلبُ دائم
ولاحظتُهُ والخوفُ بيني وبينَهُ
كما تلحظُ الماءَ الظباءُ الحوائم
كذلك لا أشري ولاءك طائعا
بما ملكته عبد شمس وسيم
ولو سامني ذاك الوزيرُ أبيتُهُ
وأنكرتُهُ النُّكَرَ الذي هو صارم
أأنزع إحدى مُقْلتيّ لأختِها
كذا طائعاً إنِّي هناك لآثمُ
أحبكما حُباً مع القلبِ أصله
وأطرافُهُ حيثُ النجومُ النواجم
هو الخوفُ والتأميلُ والرأيُ والهوى
فيا ليت شعر النفسِ كيف تصارم
ولِمْ لا وقد أوضحتما لي طريقتي
فأضحى هُداها مُفصِحاً لا يكاتم
وقفتُ بنورِ الفرقدَيِنْ على الهُدى
فقلبي على هذا وهذاك هائم
ومن يُنكِرُ الحِرمانَ منكَ لواحدٍ
وربُّ الغِنى والفَقْرِ مُعطٍ وحارم
سيحميك أن تلقى لساني صارماً
تذكُّرُ قلبي أنَّ سيفك صارم
وإنِّي لأعفو عن رجالٍ وأتقي
رجالاً وأدري أيَّ قِرنٍ أصادمُ
فإنْ سدَّ بابَ العذر فيما نَقِمته
هواكَ فلي بالرأي فيه مخارم
أنا المرءُ لا يشقى الوفاءُ بغدرهِ
ولا شامَ مني ذلك البرقَ شائم
ولنْ أتعدَّى الحقَّ في كُلِّ حالةٍ
وإنْ سنَحَتْ فيه ومنْهُ الأشائم
تمسكتُ بالأمر الجميلِ مبرّءاً
من الغِشِّ إلا ما توهَّم واهم
وأُقسِمُ أني لم أُمِتْ لك نِعمةً
عليَّ ولا أحيَيْتُ ما أنتَ كاتم
ولا حارَبتْ نفسي عليك ولا اصطفتْ
عِداكَ ولا لاءمَتْ من لا تُلائم
وسائلْ بما أُخفيهِ عيْنِي فإنَّها
تُتَرجمُ عني والعيونُ تراجم
ألم تَرَها تسمو إليك كأنَّها
تُعانق في ألحاظها وتُلاثم
ستعلمُ ما قدْري إذا رقد الهوى
فإنَّ الهوى يقظانُ والرأيُ نائم
وللرأيِ هبات من النومِ يجتلي
أخو الرأي فيها ما تَغُمُّ الغمائم
ومازالت الأشباهُ وهي كثيرةُ
مجاهل فيها للبصير معالم
وما قُلتَ لي في ذاك قولاً مُصَرِّحاً
ولكنه قد يَرْجمُ الغيبَ راجم
وإني لسِكِّيتٌ وعندي معارفٌ
إذا ما استطال الجاهلُ المُتعالم
وليسَ بشريرٍ ضليعٌ بحُجَّةٍ
رمى باطلاً بالحقِّ حين يخاصم
ولا واسمٌ عِرْضَ امرىء كان نالهُ
بسوء وإنْ لامتْهُ فيه اللوائمُ
وما بي زُهدٌ في التفضُّلِ إنّه
لفضلٌ ولكن للرجال شكائم
ولكنما الشريرُ مَنْ عمَّ شرُّهُ
وسُولم بدءا فأتلى لا يسالم
وعاذ بإذعان له وتودُّدٍ
أخوه فلم تنفعه تلك التمائم
وكافأ إحساناً بسوءٍ ولم يَزَلْ
يُراجِمُ بالمكروه من لا يراجم
ولستُ بشتَّام الملوك وإن حموا
جداهم وهل لي في الملوكِ مشاتم
وكيف بِهَدْمي ما بنتْهُ سعادةٌ
وليس لما تبني السعادةُ هادم
عداني عن تلك العرامةِ أنَّني
عليمٌ بأنَّ السيفَ مثليَ عارم
وأنِّي شكورٌ للأيادي التي غدتْ
لها في رقابِ العالمين خواتم
أأشتمُ من لولاه لم يك للهُدى
صِراطٌ ولا للشَّمْلِ بالعدلِ ناظم
ومَنْ بعطاياه تَعيشُ نفوسُنا
وتقويمه الدنيا تموتُ الملاحم
وإن امرأً يُمسِي ويُصبِحُ سالماً
من الناسِ في دار البلاءِ لسالم
ومَنْ رام ثَلْمِي وانتقاصي فإنَّني
لمُنْتَقِصٌ ما اسطعتُ منه وثالم
أيوجِبُ أنِّي ذو سلاحٍ مَذَلَّتي
لأعْزِلَ تُثْنَى عنه فيَّ العظائم
علامَ إذاً يستوجبُ الشعرُ حمدَهُ
علامَ حبانيه وحَظِّي الهضائم
أراني سَتَرْمي بي أقاصيَ هِمّتي
قلوصي ورحلي والفجاجُ القواتم
ولله في حاوي يديه وأرضِهِ
مناديح تَرْضاها القِلاص الرواسم
وما جلجل الوجناءَ بين قتودِها
كغضبةِ حُرٍّ شيَّعتْها عزائم