ما في المعالي علي منك يعتصم

ما في المعالي عليٌّ منكَ يعتصمُ

​ما في المعالي عليٌّ منكَ يعتصمُ​ المؤلف ابن حيوس


ما في المعالي عليٌّ منكَ يعتصمُ
مذْ ظافرتكَ عليها هذهِ الشِّيمُ
وَقَدْ سَعى کلنَّاسُ فِي ذَا النَّهْجِ فَالْتَمَسُوا
مَدَاكَ دَهْراً وَلكِنْ خَابَ سَعْيُهُمُ
فَلْيَيأَسُوا مِنْ مَعَالِيكَ الَّتِي بَهَرَتْ
هذا وَمَا بَلَغَتْ غَايَاتِهَا الهِمَمُ
وَكُلَّما ازْدَدْتَ بِالأَفْعَالِ مَنْزِلَةً
لاَ تُرْتَقى زَادَ فِي حُسَّادِكَ الأَلَمُ
قلَّدتهمْ منناً لا ينهضونَ بها
أَوَانَ أَوْضَحْتَ بِالإِعْجَازِ عُذْرَهُمُ
وَقَصَّرَ الْقَوْمُ عَمَّا نِلْتَهُ هِمَماً
فَأَقْلَعَتْ بَعْدَ تَبْرِيحٍ هُمُومُهُمُ
لقدْ بنيتَ غياثَ المسلمينَ لهمْ
بالجدِّ والجدِّ عزّاً ليسَ ينهدمُ
فكلُّ منزلةٍ حلُّوا بها حرمٌ
وَكُلُّ أَشْهُرِهِمْ مِنْ أَمْنِها حُرُمُ
وما خلاَ منْ جزيلِ العرفِ منتجعٌ
كلاَّ ولاَ منْ جميلِ الصَّفحِ مجترمُ
أمنٌ وعدلٌ وعفوٌ فالغنى حرصٌ
والذَّنبُ مغتفرٌ والجورُ منصرمُ
وَمُذْ عَزَزْتَ فَشَعْبُ الإِفْكِ مُنْصَدِعٌ
في كلِّ أرضٍ وشعبُ الحقِّ ملتئمُ
وكاتبتكَ ملوكُ الأرضِ راغبةً
فِيما لَدَيكَ وَأَقْصى سُؤْلِهَا السَّلَمُ
كُلٌّ إِلَيْكَ يُؤَدِّي جِزْيَةً رَهَباً
قَدْ يَبْذُلُ الْخَوْفُ مَا لاَ يَبْذُلُ الْكَرَمُ
خَافُوا سُطَاكَ فَمِنْ أَمْوَالِهِمْ تُحَفٌ
تأتي الإمامَ ومنْ أولادهمْ حشمُ
عَنْ هَيبَةٍ لَكَ لَوْ قَبْلَ الرَّسُولِ أَتَتْ
فؤادَ مكَّةَ لمْ يعبدْ لمْ بها صنمُ
خيِفَتْ فَمُذْ حَطَمَتْ صُمَّ الْقَنا خَطَمَتْ
منَ العدى كلَّ أنفٍ ليسَ ينخطمُ
فَصَارَ يَطْعُنُ فِي إِقْدَامِهِ قُبُلاً
منْ كانَ يطعنُ شزراً وهوَ منهزمُ
نَظَمْتَ مِنْ شَمْلِ هذَا الدِّينِ مَا نَثَرُوا
لمَّا نثرتَ منَ الطُّغيانِ ما نظموا
ولوْ أفادهمُ عمرو مكايدهُ
مَا فَكَّهُمْ مِنْ إِسَارِ الرُّعْبِ إِفْكُهُمُ
وما خصصتَ عدوّاً دونَ صاحبهِ
إلاَّ لينذرَ بعضُ القومِ بعضهمُ
مُكَافِحاً عَنْ حُقُوقٍ مَنْعُهَا شَرَفٌ
وصافحاً عنْ ذنوبٍ طيُّها كرمُ
عنْ رحمةٍ طالما أدنتْ عواطفها
منْ سيبكَ الغمرِ منْ لمْ تدنهِ رحمُ
لَمَّا عَتَوْا مَنَعَ الإِنْعَامَ وَاهِبُهُ
فَمُذْ عَنَوْا بَذَلَ الإِنْعَامَ مُنْتَقِمُ
عَزَائِمٌ ذُلُقٌ مَا قَبْلَهَا حَذَرٌ
وأنعمٌ غدقٌ ما بعدها ندمُ
وما مذلٌّ بنُ باديسٍ وأسرتهُ
إلاَّ بغاةُ محالٍ مانَ ظنُّهمُ
ما أبعدَ الصِّدقَ منْ ظنٍّ تكذِّبهُ
زرقُ الأسنَّةِ والهنديَّةُ الخذمُ
وَخَيَّبَ ابْنَ حَبِيبٍ خَادِعاً فَوَهى
جارُ الذَّليلِ على العلاّتِ معتضمُ
حتّى نحاكَ على كرهٍ يسيرُ بهِ
أقبُّ لمْ يدرِ ما الإعياءُ والسَّأمُ
تَسُوقُهُ الرِّيحُ حَثّاً وَهْوَ يَسْبِقُهَا
وَيُفْرَجُ الْمَوْجُ عَنْهُ وَهُوَ يَلْتَطِمُ
وما استجاشَ نصيراً نطقهُ كذبٌ
إلاْ ليمطى بعيراً خلقهُ عممُ
عَلى الْجُيُوشِ مُطِلاًّ لاَ لِتَكْرِمَةٍ
وما رأيتُ علوّاً قبلهُ يصمُ
يَرى وَيَسْمَعُ مَا خَيْرٌ لِنَاظِرِهِ
وسمعهِ منهما الإعماءُ والصَّممُ
وما أراكَ بما قدْ كانَ مقتنعاً
حتّى يبيدَ الهلاليُّونَ كلُّهمُ
فِعْلَ الصُّلَيْحِيِّ بِالجَيْشَانِ مُزْدَلِفاً
برايتيكَ فما زلَّتْ بهِ قدمُ
لمَّا سقى الأرضَ غيثاً منْ دمائهمُ
لا تدَّعي مثلهُ في سحِّها الدِّيمُ
يومَ اقتضتْ دينَ دينٍ أنتَ ناصرهُ
ظبىً مواردها الأعناقُ والقممُ
وَقَائِعٌ لَبِسَ الْحَقُّ الشَّبَابَ بِهَا
منْ بعدِ أنْ قيلَ قدْ أودى بهِ الهرمُ
وَلأبْنِ بَادِيسَ يَوْمٌ مِنْكَ تَرْقُبُهُ
بيضُ الصَّوارمِ إنْ لمْ يبرهِ السَّقمُ
يروقهُ صبرهُ فامتازَ معتصماً
لَوْ کنَّ صَبْرَةَ مِنْ ذَا کلْعَزْمِ مُعْتَصَمُ
وَأَمَّ مُرْسَلُهُ بَغْدَادَ مُنْتَجِعاً
حَمَّالَةَ الضَّيْمِ في سُلْطَانِهِ وَصَمُ
فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ مَا رَامَ صَاحِبُهُ
فَعَاضَهُ مِنَحاً وِجْدَانُهَا عَدَمُ
وعادَ تحتَ ظلامِ اللَّيلِ مستتراً
حتّى أذاعَ مليكُ الرُّومِ سرَّهمُ
يرجو الرِّضى منكَ في إخفارِ ذمَّتهِ
وفي رضاكَ لعمري تخفرُ الذِّممُ
لقدْ بغى نصرَ قاصٍ قصَّرتْ يدهُ
عنْ نصرِ منْ دارهُ منْ دارهِ أممُ
وَمَنْ أَبُوهُ عَلِيٌّ لاَ يُنَازِعُهُ
ميراثَ أحمدَ باغٍ عمُّهُ قثمُ
قدِ انطوى زمنٌ عزَّ الضَّلالُ بهِ
ففاتَ آلَ رسولِ اللهِ حقُّهمُ
وَلَوْ تَوَلَّيْتَ أُولى الدَّهْرِ أَمْرَهُمُ
لمْ يهتضمْ ولدَ الزَّهراءِ مهتضمُ
ولمْ تصلْ غيرُ الأيَّامِ عاديةً
فَالبُطْلُ مُدَّعَمٌ وَالحَقُّ مُدَّغَمُ
حوادثٌ ورَّثتْ مروانَ ظالمةً
خلافةً لمْ يخلِّفها لهُ الحكمُ
وَعَاوَدَتْ بِبَنِي العَبَّاسِ قَاهِرَةً
بَنِي أُمَيَّةَ حَتّى زَالَ مُلْكُهُمُ
حَتّى إِذَا أَقْلَعَتْ عَنْ جَوْرِهَا عَقَدَتْ
منْ ذي الأمانةِ عقداً ليسَ ينفصمُ
وأيَّدَ اللهُ بالميمونِ طائرهُ
هذَا الإِمَامَ فَقَدْ دَانَتْ لَهُ الأُمَمُ
بِمُدْرِكٍ وَهْوَ لِلْهَيجَاءِ مُعْتَزِلٌ
ما لمْ ينلهُ سواهُ وهوَ معتزمُ
يَقْظَانُ يُحْبَسُ مِنْ أَلْحاظِهِ النَّفَسُ الْ
جَارِي وَتُقْبَسُ مِنْ أَلْفاظِهِ الْحِكُمُ
لمَّا انتضاكَ لنصرِ الدِّينِ شارعهُ
كنتَ الحسامَ بهِ الأدواءُ تنحسمُ
خَيْلٌ مِنَ الرَّأْيِ فِي الآفاقِ جَارِيَةٌ
يَشُدُّهَا الْحَزْمُ يَوْمَ الرَّوْعِ لاَ الْحُزُمُ
تروعُ كلَّ عدوٍّ وهيَ صافنةٌ
فَمَا يُظَنُّ بِهَا إِنْ آنَ مُقْتَحَمُ
حميَّةٌ أفنتِ المرَّانَ تنصرها
تقيَّةٌ زالَ فيها الشَّكُّ والوهمُ
تعلو بها وزراءً أنتَ سيِّدهمْ
كما سما أصفياءٌ أنتَ تاجهمُ
هوَ البناءُ الَّذي طالتْ دعائمهُ
فما بنى مثلهُ عادٌ ولاَ إرمُ
والمكرماتُ الَّتي تهوى بهنَّ ندىً
مَا حَاتِمٌ مِنْهُ فِي شَيءٍ وَلاَ هَرِمُ
أربى على باذلِ الكومِ العشارِ قرىً
منْ جودهُ النِّعمُ المسناةُ لا النَّعمُ
إِنْ هَاشِمٌ خُزِلَتْ يَوْماً فَلاَ عَرَبٌ
تقاربُ الأزدَ في مجدٍ ولاَ عجمُ
همُ الألى نشرتْ أفعالهمْ لهمُ
مناقباً عجزتْ عنْ مثلها القدُمُ
وأنتَ والحقُّ بادٍ غيرُ مكتتمٍ
أَعْلى الْفُرُوعِ الَّتِي طَالَتْ بِها الجِذَمُ
مِنْ مَعْشَرٍ عُرِفُوا بِالبَذْلِ إِنْ سُئِلُوا
وَالْفَصْلِ إِنْ نَطَقُوا وَالعَدْلِ إِنْ حَكَمُوا
أَرْبَابُ أَرْدِيَةٍ لاَ ظُلْمَ يَصْحَبُها
يوماً وأرديةٍ تجلى بها الظُّلمُ
فَمِنْ طَيَالِسَ لَمْ تَعْلَقْ بِها تُهَمٌ
وَمِنْ صَوَارِمَ كَمْ رِيَعَتْ بِها بُهَمُ
قومٌ أفادوا بأيَّامِ الحياةِ علىً
تَضَاعَفَتْ بِكَ أَضْعَافاً وَهُمْ رِمَمُ
وابناكَ منْ بعدُ أوفى النَّاسِ كلِّهمُ
قِسْماً إِذَا ظَلَّتِ الْعَلْيَاءُ تُقْتَسَمُ
مَلَكْتُمُ الْفَخْرَ مُذْ كُنْتُمْ فَنَاشِئُكُمْ
يَحْتَلُّ أَعْلى ذُرَاهُ قَبْلَ يَحْتَلِمُ
تَبَارَكَ اللَّهُ رَبَّ الْخَلْقِ خَالِقُكُمْ
منْ جوهرٍ جلَّ أنْ تلفى لهُ قيمُ
سَعَيتُ لِلْمَجْدِ مِنْ طُرْقٍ ضَلَلْتُ بِها
وذاكَ والمجدُ غفلٌ مالهُ علمُ
وَ هَا أَنَا اليَوْمَ لاَ أَرْضى الْخُمُولَ وَلِي
هذَا الْمَقَامُ إِلى التَّنْوِيهِ بِي لَقَمُ
سَلْ عِلْمَكَ الْجَمَّ عَنِّي فَهْوَ يُخْبِرُنِي
يُخْبِرْكَ أَنِّي لِسَانٌ وَالزَّمَانُ فَمُ
وَكَيْفَ أُغْضِي لأَيَّامِي عَلَى دَخَلٍ
أَنّى وَأَنْتَ عَلَى الأَيَّامِ مُحْتَكِمُ
وما طلبتُ الغنى حتّى عممتَ بهِ
وكانَ مثلكَ هيناً عندهُ العدمُ
تَحَرَّزَ الْمَجْدُ حَتّى قَالَ طَالِبُهُ
أماتهُ الدَّهرُ أمْ أمَّاتهُ عقمُ
أُري التَّجمُّلَ أعدائي فأعينهمْ
تُسِيغُهُ ثُمَّ تَأْبَاهُ قُلُوبُهُمُ
كخاضبٍ واللَّيالي غيرُ أليةٍ
تُذِيعُ مِنْ شَيبِهِ مَا يَكْتُمُ الْكَتَمُ
سمني بميسمِ نعماكَ الَّتي غمرتَ
غَيْرِي فَمَا تُغفِلُ الأَيَّامُ مَنْ تَسِمُ
أَرُومُ تَرْكَ دِمَشْقٍ ثُمَّ يَجْذُبُنِي
حَرّى قُلُوبٍ بِهَا لاَ مَاؤُهَا الشَّبِمُ
وَحَيْثُ كُنْتُ فَإِنِّي نَاظِمٌ عُمُرِي
لذي المعالي عقوداً درُّها الكلمُ
أَنْأَى إِذَا ما انْقَضَتْ مَشْكُورَةً خِدَمِي
حيناً وأدنو إذا ما عنَّتِ الخدمُ
لِلّهِ عَصْرُكَ مَا أَوْفى مَحَاسِنَهُ
كمْ يقظةٍ فيهِ خلنا أنَّها حلمُ
بقيتَ ما كرَّتِ الأيَّامُ مغتنماً
شكرَ الورى ولديكَ الفوزُ مغتنمُ
وَلاَ خَلاَ مِنْكَ مَا جَلَّى کلدُّجَى فَلَقٌ
دَهْرٌ بِكَ انْكَشَفَتْ عَنْ أَهْلِهِ الغُمَمُ