ما قضى إلا على الصب العميد

ما قضى إلاّ على الصبّ العميد

​ما قضى إلاّ على الصبّ العميد​ المؤلف عبد الغفار الأخرس


ما قضى إلاّ على الصبّ العميد
وغدا يعثر في ذيل الصُّدود
رشأٌ يقتنص الأسدَ ومنْ
علَّم الظبي اقتناصاً للأسود؟
بأبي الشادن يرنو طرفه
بلحاظ الرّيم سود
ما ألاقي من سيوفٍ وقناً
ما ألاقي من عيون وقدود
ويحَ قلبٍ لعبَ الشوقُ به
من عيون بابليّات وجيد
ربَّ طيفٍ من زَرودٍ زارني
فسقى صوبُ الحيا عهدَ زرود
فتذكَّرتُ زماناً مرَّ بي
طرب النشوة مرعيَّ العهود
وبعيد الدار في ذاك الحمى
من فؤادي في الهوى غير بعيد
يا دموعي روّضي الخدَّ ويا
حرَّ نيرانِ الجوى هل من مزيد؟
أين أيّامُ الهوى من رامة
يا لياليها رعاك الله عودي
وبكاء المزن في أرجائها
إنَّما تغرف من بحر مديد
قذفتْ أنجمها -كأسَ الطلا
كلَّ شيطانِ من الهمِّ مريد
فأَدِرْها قهوةً عاديةً
عصرت في عهد عادٍ وثمود
أيها السّاقي وهبْ لي قبلةً
هبةً منكِ باحسان وجود
أنا لا أَشْرَبُها إلاّ على
أقحوانِ الثَّغر أو ورد الخدود
وبفيك المورد العذب الذي
أرتوي منه ومن لي بالورود
وبقلبي نار خَدَّيْك التي
لم تزل في مهجتي ذات الوقود
من معيد لي زماناً قد مضى
بمذاب التبر في الماء الجمود
دارتِ الأقداح فيها طرباً
من يدي أحوى ومن حسناءَ وردِ
وكأنَّ الكأسَ في توريدها
قطفتْ واعتصرتْ من خدّ خود
في رياض غرَّدت ورقاؤها
بفنون السجع منها والنشيد
وغصون البان في ريح الصبا
تنثني بين ركوع وسجود
فسقى تلك المغاني عارضٌ
مستطيرُ البَرقِ مِهدارُ الرعود
كانت الجنّة إلاّ أنَّها
لم تكن حينئذٍ دار الخلود
في ليالٍ أَشْبَهَتْ ظلماؤها
بدخانٍ كان من ندٍّ وعود
وكأنَّ الأنجمَ الزهر بها
أعينٌ من وجدها غير رقود
وكأنَّ البدرَ فيها ملكٌ
حُفَّ بالموكب منها والجنود
وكأنَّ الصُّبحَ في إثر الدجى
طائرٌ يركض في إثر طريد
رقّ فيه الجوُّ حتى خِلتَه
رقَّةَ القاضي بنا عبد الحميد
لطفتْ أخلاقه وابتهجتْ
كابتهاج الرَّوض يزهو بالورود
إنَّ من يأوي إلى أحكامه
إنَّما يأوي إلى ركن شديد
عادلٌ في الحكم يمضي حكمه
بقضاء الربّ ما بين العبيد
كلَّما كرَّرْتُ فيه نَظَراً
رمقتني منه ألحاظُ الورود
حجّتي فيه الأيادي والندى
وجميل الصنع بالخلق الحميد
وشهودي من مزاياه ولا
تثبت الحّجة إلاّ بالشهود
قمرٌ في المجد يكسوه السنا
شرف الآباء منه والجدود
أنا لولا صيِّبٌ من سَيْبِه
من منيل ومراد لمريد
عالم فيه لنا فائدة
فجزى الله مفيد المستفيد
ألمعيٌّ ناظرٌ في بصر
في خوافي غامضِ الأمر حديد
وبما في ذاته من هممٍ
كلُّما ترهفُ أزرتْ بالحدبد
شَرَحَتْ معنى معاليه لنا
فهي لا تخفى على غير البليد
وأرتنا منه في أقرانه
مفرداً يغني عن الجمع العديد
شرعةُ الدين ومنهاج الهدى
قائمٌ بالقسط مجريُّ الحدود
حاملٌ للحقّ سيفاً خاضعٌ
لمضاه كلُّ جبار عنيد
يُرتجى أو يُختشى في حدِّه
مُؤنِسُ الوعد وإيحاش الوعيد
وعدتني منه آمالي به
فَوَفَتْ لي بعد حَوْلٍ بالوعود
فحمدتُ الله لما أنْ بدا
طالعاً كالبدر في برج السعود
وبفضل الله يعلو مجده
فتعالى الله ذو العرش المجيد
يا عماد المجد في المجد ويا
دُرَّة التاج ويا بيت القصيد
دمتَ في العالم عطريَّ الشذا
دائمَ النعمة مكبوتَ الحسود
يا لك الله فتىً من مبدئٍ
بالندى والفضل فينا ومعيد
وقوافيّ الّتي أُنْشِدُها
نُظِمَتْ في مدحه نظم العقود
أَطلَقَتْ فيه لساني أنعُمٌ
قيَّدَتْني من عُلاه بقيود
أما لولا صيِّبٌ من سيبه
ما ارتوى غصني ولا أورقَ عودي