ما لذات الوشاح جاءت تبختر

ما لِذاتِ الوِشاحِ جاءَت تَبَختَر

​ما لِذاتِ الوِشاحِ جاءَت تَبَختَر​ المؤلف شكيب أرسلان


ما لِذاتِ الوِشاحِ جاءَت تَبَختَر
وَالضَواحي بِرُدنِها تَتَعَطَّر
تَقتُلُ الصَبَّ بِالرُنُوِّ فَيُردي
وَتَلافيهِ بِالدُنُوِّ فَيَنشُر
غادَةً في خُدودِها جَنَّةٌ لِل
عينِ وَالثَغرِ لِلمَراشِفِ كَوثَر
تَخجَلُ البَدرَ طَلعَةً حينَ تَبدو
تَفضَحُ البَرقَ مَبسِمُها حينَ تَفتَر
جُرِّدَت مِن قَوامِها كُلَّ رُمحٍ
وَاِنتَضَت مِن لِحاظِها كُلَّ أَبتَر
كُلَّما أَسلَمَت لِحَديِهِ روحُ
صاحٍ يا مُسلِمونَ اللَهُ أَكبَر
ما اِنثَنَت أَو رَنَت لِعَمري إِلّا
حارَبَتنا بِأَبيَضٍ بَعدَ أَسمَر
دَمِيَّةُ بَيعَةَ النَفوسِ أَحَلَّت
ما رَآها الحَنيفُ إِلّا تَنصُر
تَتَجَلّى عَن جَبهَةٍ وَضحاها
فَلِهَذا مِنها سَنا الشَمسُ أَسفَر
ذاتُ وَجهْ إِذا تَلاها مُنيرٌ
ذاتَ ثَغرٍ عَن مِثلِهِ صِل وَاِنحَر
وَصَلَّت بَعدَ هِجرَةٍ فَأَقامَت
مِن هَوانا كَمُقلَةٍ مِن مَحجِر
آنَسَتنا حَتّى إِذا ما اِئتَلَفنا
فَتَكتُ فَتكَةَ الرَشيدِ بِجَعفَر
إِنَّما الحُبُّ مِثلَما قيلَ قُتِل
وارِدُالحُبِّ ما لَهُ مِن مَصدَر
ما لَنا نَعشَقُ الحِسانَ وَنَردى
أَنَّ حُمرَ الخُدودِ مَوتٌ أَحمَر
وَيحَ قَلبي يَهيمُ في كُلِّ وادٍ
وَهوَ يَسعى وَرا الضِباءِ النَفَر
تَستَبيهِ بِكُلِّ أَلعَسَ أَحةوى
أَفلَجَ تَحتَ كُلِّ أَدعَجٍ أَحوَر
ما لَكَ لِلقُلوبِ في دَولَةِ الحُبِّ
غَدا داعِياً لَهُ كُلَّ مِنبَر
هُوَ كِسرى المُلوكِ لَحظاً وَلَكِن
فَعَلَّهُ بِاِمرِئِ الهَوى فَعَلَ قَيصَر
لا أَزال الإِلَهُ دَولَتَهُ الغَر
را وَإِن كانَ قَد طَغى وَتَجَبَّر
إِنَّ في ظِلِّها رَعايا مَعانٍ
نَصَرتُها في الفَتكِ نَصراً مُؤَزَّر
جالِدُ الثَغرِ كُلَّ قَلبٍ إِلى أَن
فَتَقتَ ريحُ ذا الجَلادِ بِعَنبَر
وَرَمى الوَجدُ كُلَّ صَدرٍ بِنارٍ
وَغَزا الحُبُّ كُلَّ نَفسٍ بِعَسكَر
إِنَّ سَهمَ العُيونِ يَنفَذ في الصَد
رِ وَلَو أَلبَسَ الحَديدُ المُعَصفَر
مَوطِنٌ عِندَهُ يَهي كُلَّ عَزمٍ
وَيولي قَذالَهُ كُلَّ مَسعَر
يَنفَدُ الصَبرَ فيهِ مِن جَعبَةِ الصَد
رِ لَعَمري حاشاكَ بَل أَنتَ أَصبَر
يا عَجيبَ الذَكاءِ يا نادِرَ المِث
لِ الَّذي ظَلَّ لِلعَجائِبِ مَظهَر
أَنتَ وَاللَهُ مِن كُنوزِ اللَيالي
أَبرَزَتكَ الأَقدارُ كُلَّكَ جَوهَر
كَيفَ نَحكي عَلاكَ يا كامِلَ العُد
دَةِ إِذ نَحنُ في مَجالِكَ حَسَر
يَطرَبُ الشِعرُ مِنكَ أَحَسَنُ ما يُط
رِبُ صَوتَ الخُلخالِ في ساقٍ أَعفَر
يا لَكَ اللَهُ مِن أَديبٍ إِذا ما
عَدَّ يَوماً فَغَيرُهُ لَيسَ يُذكَر
بَينَهُ في الذكاءِ وَبَينَ سِواهُ
فَرَقَّ ما بَينَ أَميَلٍ وَمُكَفِّر
جاءَن مِنكَ يا خَليلي كِتابٌ
لا تَسَل كَم سَرى كُروبي وَكَم سَر
طالَما اِشتاقَهُ فُؤادي حَتّى
ضاعَ مِنهُ فَتيقُ مِسكٍ أَذفَر
ما كَفى يا فَريدَةَ العِقدِ حَتّى
أَصبَحَ اليَومَ أَكتَبُ القَومِ أَشعَر
ما تَرى في فَتاةٍ خِدرٍ سَبَتني
بِمَعانٍ بِها المَدارِكُ تَخدَر
بِطِرازٍ مِنَ الفَصاحَةِ أَزرى
صُنعَ صَنعاءَ وَهوَ وَشيٌ مُحَبَّر
أَنتَ يا مَعدِنَ اللآلي الغَوالي
مِثلَ ذا الدُرِّ مِنكَ لا يَستَكثِر
جِئتَ تَثني عَلى بَياني وَفَضلي
ذاكَ تَاللَهِ أَنتَ أَذكى وَأَمهَر
قَد كَفَتني مِنكَ الشَهادَةَ في إِث
باتِ مَن قالَ بِالخِلافِ وَأَنكَر
وَبِعَونِ الإِلَهِ يا صادِقَ الأَف
عالِ قَد رَدَّ شانِئي وَهوَ أَبتَر
قُل لِمَن رامَ سَترَ فَضلِيَ بُغضاً
لَم تَكُن شَمسَ ضَحوَةٍ لَتَسَتَّر
لي مِنَ الحَزمِ جُنَّةً وَدِلاص
وَمِنَ العَزمِ لِأُمَّةٍ وَسَنُوَّر
وَبِكَفّي مِنَ المَضاءِ حُسامٌ
وَعَلى هامَتي مِنَ العِزِّ مَغفَر
لا تَرى مَن يُريدُ بِيَ السوءَ إِلّا
واقِعاً تَحتَ ظَفرِ لَيثٍ مُظَفَّر
مُنذِرِيٌّ يَفي النُذورَ إِذا أَن
ذَرَ يَومَ اللِقا أَطاحَ وَأَندَر
قيلَ في أَسمى لَيثٍ صَبورَ لَعَمري
لا يَكونُ الصَبورُ إِلّا غَضَنفَر
لَستَ مِمَّن يَقولُ شَيئاً فَرِيّا
أَنتَ في كَنَهِ حالٍ خَلَّكَ أَبصَر
وَلَكُم كُنتَ لِلضَعيفِ مُعيناً
وَكَما قُلتَ لي مُجيراً لِمَعشَر
إِن يَكونوا بِيَ اِستَجاروا فَمِنّي
يَستَظِلّونَ تَحتَ لِبدَةِ قُسور
يا صَديقاً نَأى عَلى مَتنِ شَهبا
ءٍ سَبوحٍ مِنَ الجِيادِ الضَمُر
إِن أُرِم تَركَ ذِكرِهِ فَهوَ أَشهى
أَو أَرُم ذِكرَ فَضلِهِ فَهوَ أَشهَر
وَلَعَمري مَن كانَ بِالسَعيِ أَجدى
فَهوَ بِالذِكرِ وَالمَدائِحِ أَجدَر
إِن شَوقي إِلَيكَ جَمٌّ وَلَكِن
جَمُّ عَتبي عَلَيكِ أَوفى وَأَغزَر
أَينَ كُتبُ الأَصحابِ تَطلَعُ تَترى
مِثلَما يَحتَسي السَلافَ المُكَرَّر
هَل نَسيتَ العُهودَ هَيهاتَ ما كا
نَت عُهودٌ ما بَينَنا العُمرُ تَخفِر
يا رَعى اللَهُ عَيشَنا سابِقاً وَالدَه
رُ وَلّى بِذَيلِهِ يَتَعَثَّر
تِلكَ أَيّامَنا تَقَضَّت سَريعاً
كَخَيالِ المَنامِ لَيلاً إِذا مَر
كَم رَشَفنا كَأسَ السُرورِ دِهاقاً
وَهَصَرنا غُصنَ الصَبابَةِ أَخضَر
جَمَعَ اللَهُ لي بِكُم عَن قَريبٍ
خَيرَ شَملٍ بِجاهِ طَهَ الأَزهَر