ما نفضت الندى عن ذرى العشب فيها

ما نفضت الندى عن ذرى العشب فيها

​ما نفضت الندى عن ذرى العشب فيها​ المؤلف بدر شاكر السياب


ما نفضت الندى عن ذرى العشب فيها

ما لثمت الضباب الذي يحتويها

جئتها و الضّحى يزرع الشمس في كل حقل و سطح

مثل أعواد قمح

فر قلبي إليها كطير إلى عشّه في الغروب

هل تراه استعاد الذي مر من غمره كل جرح

و ابتسام؟

أبعد انطفاء اللهيب

يستطيع الرماد اتّقادا؟ و من؟أين؟ من أيّ جمرة؟

يا صباي الذي كان للكون عطرا و زهوا و تيها

كان يومي كعام تعد المسرّة

فيه نبضا لقلبي تفجّر منها على كلّ زهرة

كانت الأرض تلقى صباها لأوّل مرّة

كان قابيلها بذرة مستسرة

كان للأرض قلب أحسّ به في الدروب

في البساتين في كل نهر يروّي بنيها

آه جيكور جيكور

ما للضحى كالأصيل

يسحب النّور مثل الجناح الكليل؟

ما لأكواخك المقفرات الكئيبة

يحبس الظل فيها نحيبه؟

أين أين الصبايا يوسوسن بين النخيل

عن هوى كالتماع النجوم الغريبة

أو يجرّرن أذيالهن التي لونتهن أقمار صيف

أو شموس خريفيّة عند شط ظليل

و الشفاة ابتسامات حب و خوف

عجائز أو في القبور

عجائز يغزلن حول الصّلاء

و يروين عبر الكرى و الفتور

أقاصيص عن جنة في بيوت خواء

لأحفادهنّ اليتامى

و جيكور شابت وولى صباها

و أمسى هواها

رمادا إذا ما

تأوّهن هزّته ريح

أثارته حتى ارتمى في صداها

هباءا و ذرّا تضيق الصدور

به عن مداها

أين جيكور

جيكور ديوان شعري

موعد بي ألواح نعشي و قبري

كركرات المياه التي كسّر الشمس منها ارتجاف

و الأنين الذي منه كنا نخاف

صاعدا مثل مدّ تنز القبور

عنه و الشمس تمتصّ من كل نهر

و درابك في الأرض تنقرهنّ البذور

و هي تنشقّ في كل فجر

ذكريات كما يترك الصوت من ميّت

في خيال رنينه

مثل ناي تشظّى و أبقى أنينه

ايه جيكور عندي سؤال أما تسمعينه

هل ترى أنت في ذكرياتي دفينة

أم ترى أنت قبر لها؟ فابعثيها

و ابعثيني

وهيهات ما للصّبى من رجوع

إن ماضيّ قبري و إني قبر ماضي

موت يمدّ الحياة الحزينة

أم حياة تمدّ الرّدى بالدموع

ما نفضت الندى عن ذرى العشب فيها.