مبسوط السرخسي - الجزء الثاني عشر2
[ 108 ]
في الرجوع ولانه لو رجع كان معيد اللعين الي ملك مولاه لا الي ملك نفسه وبالهبة لم يخرج من ملك ولاه وكذلك ان اعتق لايستطيع الرجوع فيها لان حق الرجوع قد بطل بتبدل نفسه كما قلنا والساقط من الحق يكون متلاشيا لا يتصور عوده. قال حربى وهب لحربي هبة ثم أسلم أهل الدار أو أسلما جميعا وخرجا إلى دار الاسلام فله أن يرجع في هبته لبفاء الملك المستفاد بالهبة فان بالاسلام يتأكد الملك الذى كان قبله ولا يتبدل وكذلك العين علي حالة في يد الموهوب له فان كان عوضه من هبته لم يكن له أن يرجع فيها لحصول ما هو المقصود له بالهبة وهو وصول العوض إليه ثم كتاب الهبة ولله الحمد والمنة والله أعلم قال رحمه الله انتهى شرح الصفار من الفروع من الاستحسان إلى البيوع. بالموثر من المعاني مع الخبر المسموع باملاء الملتمس لرفع الباطل الموضوع. المنفى لاجله المحصور الممنوع عن الاهل والولد والكتاب المجموع الطالب للفرج بالدعاء والخشوع في ظلم الليالي بالبكاء والدموع. مقرونا بالصلاة على سيد أهل الجموع. وعلى آله وأصحابه أهل التقى والخضوع كتاب البيوع قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله تعالي إملاء اعلم بان الله سبحانه وتعالى جعل المال سببا لاقامة مصالح العباد في الدنيا وشرع طريق التجارة لاكسابها لان ما يحتاج إليه كل أحد لا يوجد مباحا في كل موضع وفى الاخذ على سبيل التغالب فساد والله لا يحب الفساد والى ذلك أشار الله سبحانه وتعالى في قوله (يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) والتجارة نوعان حلال يسمى في الشرع بيعا وحرام يسمى ربا كل واحد منهما تجارة فان الله أخبر عن الكفرة انكارهم الفرق بين البيع والربا عقلا فقال عزوجل (ذلك بانهم قالوا انما البيع مثل الربا) ثم فرق بينهما في الحل والحرمة بقوله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) فعرفنا أن كل واحد منهما تجارة وان الحلال الجائز منها بيع شرعا بعث رسول الله ﷺ والناس يتعاملونه فأقر هم عليه وانعقاد هذا البيع بلفظين هما عبارة عن الماضي وهو بقوله بعث واشتريت في محلين كل واحد منهما مال
[ 109 ] متقوم على طريق الاكتساب حتى ان ما يدخله معنى التبرع كالهبة بشرط العوض لا يكون بيعا ابتداء ولو كان أحد اللفظين عبارة عن المستقبل بان يقول أحدهما بعنى فيقول الآخر بعت أو يقول اشترى سى فيقول الآخر اشتريت لا ينعقد البيع عندنا بخلاف النكاح والشافعي يسوى بينهما باعتبار ان كل واحد منهما عقد تمليك بعوض من الجانبين والفرق لنا من وجهين (أحدهما) أن النكاح يتقدمه خطبة عادة فقوله زوجيني نفسك في مجلس العقد لا يجعل خطبة لان الخطبة قد تقدمته فيجعل أحد شطرى العقد فأما البيع يقع بغتة من غير تقدم استيام فيجعل قوله بعنى استياما فلابد من لفظ العقد بعده (والثانى) ان قوله زوجيني نفسك تفويض للعقد إليها فيجعل قولها زوجت عقدا تاما لان كلام الواحد يصلح للعقد من الجانبين في النكاح إذا كان مأمورا به وفى البيع لا يتأتى مثل هذا لان كلام الواحد لا ينعقد به البيع من الجانبين إذا لم يكن احدهما موليا عليه من الآخر فأما الربا في اللغة هو الزيادة يقال أربى فلان على فلان أي زاد عليه ويسمى المكان المرتفع ربوة لزيادة فيه على سائر الامكنة وفى الشريعة الربا هو الفضل الخالى عن العوض المشروط في البيع لما بينا أن البيع الحلال مقابلة مال متقوم بمال متقوم فالفضل الخالى عن العوض ذا دخل في البيع كان ضد ما يقتضيه البيع فكان حراما شرعا واشتراطه في البيع مفسد للبيع كاشتراط الخمر وغيرها والدليل على حرمة الربا الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى (وحرم الربا) وقد ذكر الله تعالى لآكل الربا خمسا من العقوبات (أحدها) التخبط قال الله تعالى (لا يقومون الا كما يقوم الذى يتخطبه الشيطان من المس) قيل معناه ينتفخ بطنه يوم القيامة بحيث لا تحمله قدماه وكلما رام القيام يسقط فيكون بمنزله الذى أصابه مس من الشيطان فيصير كالمصروع الذى لا يقدر على أن يقوم وقد ورد بنحوه أثر عن رسول الله ﷺ أنه قال يملاء بطنه نارا بقدر ما أكل من الربا والمراد أن يفتضح على رؤس الاشهاد كما أشار إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديث آخر ان لواء ينتصب يوم القيامة لا كلة الربا فيجتمعون تحته ثم يساقون إلى النار (والثانى) المحق قال الله تعالى (يمحق الله الربا) والمراد الهلاك والاستيطال وقيل ذهاب البركة والاستمتاع حتى لا ينتفع هو به ولا ولده بعده (والثالث) الحرب قال الله تعالى (فاذنوا بحرب من الله ورسوله) والمعنى من القراءة بالمد أعلموا الناس أكلة الربا إنكم حرب الله ورسوله بمنزلة قطاع
[ 110 ] الطريق والقراءة بالقصر اعلموا ان أكلة الربا حرب الله ورسوله (والرابع) الكفر قال الله تعالى (وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين) وقال تعالى (والله لا يحب كل كفار أثيم) أي كفار باستحلال الربا أثيم فاجر بأكل الربا (والخامس) الخلود في النار قال الله تعالى (ومن عاد فاؤلئك أصحاب النار هم فيما خالدون) والسنة جاءت بتأييد ما قلنا ان النبي ﷺ قال أكل درهم واحد من الربا أشد من ثلاث وثلاثين زنية يزنيها الرجل من نبت لحمه من حرام فالنار أولى به والمقصود من هذا الكتاب بيان الحلال الذى هو بيع شرعا والحرام الذى هو ربا ولهذا قيل لمحمد لا تصف في الزهد شيئا قال قد صنفت كتاب البيوع ومراده بينت فيه ما يحل ويحرم وليس الزهد الا الاجتناب عن الحرام والرغبة في الحلال ولهذا بدأ الكتاب بحديث رواه عن أبى حنيفة عن عطية العوفى عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن رسول الله ﷺ قال الذهب بالذهب مثل بمثل يدا بيد والفضل ربا والفضة بالفضة مثل بمثل يدا بيد والفضل ربا والحنطة بالحنطة مثل بمثل يدا بيد والفضل ربا والملح بالملح مثل بمثل يدا بيد والفضل ربا والشعير بالشعير مثل بمثل يدا بيد والفضل ربا والتمر بالتمر مثل بمثل يدا بيد والفضل ربا وهذا حديث مشهور تلقته العلماء رحمهم الله تعالى بالقبول والعمل به ولشهرته بدأ محمد ببعضه كتاب البيوع وببعضه كتاب الاجارات وببعضه كتاب الصرف ومثله حجة في الاحكام تجوز به الزيادة على الكتاب عندنا ودار هذا الحديث على أربعة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين عمر بن الخطاب وعبادة بن الصامت وأبى سعيد الخدرى ومعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنهم مع اختلاف ألفاظهم ثم الحديث يشتمل على تفسير وحكم ومعنى يتعلق به الحكم في الفرع أما تفسير قوله ﷺ الذهب بالذهب أي بيع الذهب بالذهب أو بيعوا الذهب بالذهب لان الباء تصحب الاعواض والابدال فانه للالصاق فهو دليل فعل مضمر كقولنا بسم الله وقوله مثل بمثل روى بالرفع والنصب فمعنى الرواية بالرفع بيع الذهب بالذهب مثل بمثل ومعنى الرواية بالنصب بيعوا الذهب بالذهب مثل بمثل والمراد به المماثلة في القدر دون الصفة وان كان مطلق اسم المماثلة يتناولهما ولكنه ذكر هذا الحديث في أول كتاب الصرف وذكر مكان قوله مثل بمثل وزن بوزن فبذلك اللفظ يتبين أن المراد من هذا اللفظ المماثلة في الوزن وبهذا اللفظ يتبين أن المراد قوله وزن بوزن المماثلة قدرا لاوصف وكلام رسول الله ﷺ يفسر بعضه
[ 111 ] بعضا وفى حديث عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال تبره وعينه سواء فهذا تنصيص علي أن المراد المماثلة في الوزن دون الصفة لان التبر لا يساوي العين في الصفة وانما يساويه من حيث المقدار وقوله يدا بين يجوز أن يكون المراد به عين بعين لان التعيين يكون بالاشارة باليد ويجوز أن يكون المراد قبض بقبض لان القبض يكون باليد وزعم بعض أصحابنا رحمهم الله ان المراد به القبض هنا لبيانه في حديث عمر رضي الله تعالى عنه فانه قال في الصرف من يدك إلى يده وان استنظرك إلى خلف السارية فلا تنتظره وان وثب من السطح فثب معه ولكن الاصح ان المراد التعيين لانه لو كان المراد به القبض لقال من يد إلى يد لانه يقبض من يد غيره فعرفنا ان المراد التعيين الا أن التعيين في النقود لا يتم الا بالقبض لانها لا تتعين في العقود بالاشارة فكان اشتراط القبض لتحقيق التعيين المنصوص عليه واليه أشار في حديث عمر رضي الله تعالى عنه بقوله هاوها أي هذا بهذا وقوله والفضل ربا يحتمل الفضل في القدر ويحتمل الفضل في الحال بان يكون أحدهما نقدا والآخر نسيئة وكل واحد منهما مراد باللفظ وقوله ربا أي حرام أي فضل خال عن العوض والمقابلة اما متيقنا به عند فضل القدر أو موهوم الوجود عادة لتفاوت بين النقدين والنسبة في المالية وكذلك تفسير قوله الفضة بالفضة فأما قوله الحنطة بالحنطة مثل بمثل يحتمل المماثلة في الكيل ويحتمل المماثلة في الصفة ولكنه في كتاب الصرف الصرف ذكر مكان قوله مثلا بمثل كيلا بكيل فتبين به أن المراد المماثلة من حيث القدر وفى حديث عبادة بن الصامت رضى الله تعالى عنه قال جيدها ورديها سواء فهوا بيان أن المراد المماثلة في القدر وقوله يدا بيد معناه عندنا عين بعين ولهذا لا يشترط التقابض في بيع الحنطة بالحنطة لان التعيين فيها يتم بالاشارة وقوله والفضل ربا يحتمل الفضل في القدر ويحتمل الفضل في الحال وكل واحد منهما مراد وقد فسر ذلك في حديث عبادة بن الصامت رضى الله تعالى عنه فقال من زاد أو ازداد فقد أربى وكذلك الشعير والتمر والملح فأما الحكم ففى الحديث حكمان حرمة النساء في هذه الاموال عند المبايعة بجنسها وهو متفق عليه وحرمة التفاضل وهو قول الجمهور من الصحابة رضى الله تعالى عنهم الا البتى روي عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما انه كان يجوز التفاضل في هذه الاموال ولا معتبر بهذا القول فان الصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يسوغوا له هذا الاجتهاد على ماروى ان أبا سعيد الخدرى رضى الله (8 ثانى عشر مبسوط)
[ 112 ] تعالى عنه مشى إليه فقال يا ابن عباس إلى متى تؤكل الناس الربا أصحبت رسول الله ﷺ ما لم يصحب أسمعت منه ما لم يسمع فقال لا ولكن حدثنى أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه ان النبي ﷺ قال لا ربا الا في النسيئة فقال والله لا آوانى واياك ظل بيت مادمت على هذا القول وقال جابر بن زيد رضى الله تعالى عنه ما خرج بن عباس رضى الله تعالى عنه من الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف والمتعة فان لم يثبت رجوعه فاجماع التابعين رحمهم الله بعده يرفع قوله فهذا معنى قولنا لا يعتد بهذا القول وتأويل حديث أسامة بن زيد رضى الله تعالى عنه ان النبي ﷺ سئل عن مبادلة الحنطة بالشعير والذهب بالفضة فقال النبي ﷺ لا ربا الا في النسيئه فهذا بناء على ما تقدم من السؤال فكان الرواى سمع قول رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم يسمع ما تقدم من السؤال أو لم يشتغل بنقله وأما المعنى فنقول اتفق فقهاء الامصار رحمهم الله علي ان حكم الربا غير مقصود على الاشياء الستة وان فيها معنى يتعدى الحكم بذلك المعنى إلى غيرها من الاموال الا داود من التأخرين وعثمان البتى من المتقدمين فان داود يقول حكم الربا مقصور على هذا الاشياء الستة لانه لا يجوز قياس غير المنصوص علي المنصوص لاثبات الحكم وعند فقهاء الامصار رحمهم الله القياس حجة لتعدية الحكم الثابت بالنص والبتى يقول بأن القياس حجة ولكن من أصله ان لا يجوز القياس على الاصول الا أن يقوم دليل في كل أصل على جواز القياس عليه ولم يعم ذلك الدليل هنا وعند فقهأ الامصار رحمهم الله يجوز القياس علي الاصول الا أن يقوم دليل يمنع القياس على كل أصل ثم قد قام الدليل هنا علي جواز القياس فان مالك بن أنس واسحاق بن إبراهيم الحنظلي رحمهما الله رويا هذا الحديث وذكر في آخره وكذلك كل ما يكال ويوزن فهو تنصيص على تعدية الحكم إلى سائر الاموال وفى حديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي ﷺ قال لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين ولا الصاع بالصاعين فانى أخشي عليكم الربا أي الربا ولم يرد به عين الصاع وانما أراد به ما يدخل تحت الصاع كما يقال خذ هذا الصاع أي ما فيه ووهبت لفلان صاعا أي من الطعام وفى حديث عامل خيبر رضى الله تعالى عنه انه أهدي إلى رسول الله ﷺ تمرا جنيا فقال ﷺ أوكل تمر خيبر هكذا فقال لا ولكني دفعت صاعين من عجوة بصاع من هذا فقال صلي الله عليه وسلم أربيت هلا بعت تمرك
[ 113 ] بسعلة ثم اشتريت بسلعتك تمرا ثم قال ﷺ وكذلك الميزان يعنى ما يوزن بالميزان فتبين بهذا الاثار قيام الدليل على تعدية الحكم من الاشياء الستة لا غيرها وهذا بخلاف قوله ﷺ خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم ثم لم يجوز قياس ما سوى هذا الخمس على الخمس لان التعليل لتعدية حكم النص إلى غير المنصوص لابطال المنصوص وقد نص في ذلك الحديث على ان الفواسق خمس فلوا اشتغلنا بالتعليل كان أكثر من خمس فيكون ابطالا للمنصوص وهنا ليس في الحديث أن مال الربا ستة أشياء ولكن ذكر حكم الربا في الاشياء الستة فالاشتغال بالتعليل لا يؤدى إلى ابطال المنصوص عليه فلهذا جوزنا ذلك وفائدة تخصيص هذه الاشياء بالذكر أن عامة المعاملات يومئذ كان بها علي ما جاء في الحديث كنا نتبايع في الاسواق بالاوساق والمراد به ما يدخل تحت الوسق مما يكثر الحاجة إليه وهى الاشياء المذكورة ثم اختلفوا بعد ذلك في المعنى الذى يتعدى الحكم به إلى سائر الاموال قال علماؤنا رحمهم الله تعالي الجنسية والقدر عرفت الجنسية بقوله صلي الله عليه وسلم الذهب بالذهب والحنطة بالحنطة. والقدر بقوله ﷺ مثل بثمل ويعنى بالقدر الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن وظن بعض أصحابنا رحمهم الله تعالى ان العلة مع الجنس الفضل علي القدر وذلك محكى عن الكرخي ولكنه ليس بقوى فانه لا يجوز اسلام قفبز حنطة في قفيز شعير ولا تثبت حرمة النساء الا بوجود أحد الوصفين ولو كانت العلة هي الفضل لما حرم النساء هنا لانعدام الفضل فعرفنا ان العلة نفس القدر مع الجنس وقال مالك رضي الله عنه العلة الاقتيات والادخا مع الجنس وقال ابن سيرين تقارن المنفعة مع الجنس وقال الشافعي رضى الله تعالي عنه في القديم العلة في الاشياء والاربعة الكيل والطعم وقال في الجديد العلة هي الطعم وفى الذهب والفضة العلة الثمنية وهو انهما جوهر الاثمان والجنسية عنده شرط لاتعمل العلة الا عند وجودها ولهذا لا يجعل للجنسية أثرا في تحريم النساء فحاصل المسألة أن بيع كل مكيل أو موزون بجنسه لا يجوز عندنا الا بعد وجود المخلص وهو المماثلة في القدر وأن يكون عينا بعين وعنده بيع كل مطعوم بجنسه وكل ثمن بجنسه حرام الا عند وجود المخلص وهو المساواة في المعيار الشرعي وأن يكون قبضا بقبض في المجلس والحصال ان حرمة البيع في هذه الاموال أصل عنده والجوزا يعارض المساواة في المعيار مع القبض في المجلس وعندنا اباحة البيع في هذه الاموال أصل كما في سائر الاموال والفساد يعارض
[ 114 ] انعدام المماثلة بوجود الفضل الخالى عن العوض متيقنا به أو موهوما احتياطا والمقصود من التعليل عنده منع قياس غير المطعومات علي المطعومات وغير الثمن علي الثمن بناء علي أصله أن التعليل صحيح لاثبات حكم الاصل والمنع من الحاق غيره به وعندنا التعليل لتعدية حكم النص إلى غير المنصوص فالحكم في المنصوص ثابت بالنص لا بالعلة لان الثابت بالنص مقطوع به والمنع بظاهر النص ثابت فالاشتغال بالتعليل يكون لغوا عندنا وبيان هذا الاصل إذا باع تفاحة بتفاحتين عنده لا يجوز لان الحرمة هي الاصل في بيعها والحل يثبب بعارض بوجود المساواة في المعيار الشرعي ولم يوجد فلا يجوز وعندنا يجوز لانعدام الفضل علي القدر وهو المعيار الشرعي والحرام هو الفضل على القدر ولم يوجد فيجوز لان الجواز أصل في البيع والحرمة تثبت بعارض انعدام المماثلة في القدر وهو المعيار الشرعي وهذا لا معيار له فيجوز العقد ولو باع قفيز جبس بقفيزى جص عندنا لا يجوز لوجود الجنسية والقدر وعنده يجوز لعدم الطعم ولو باع حفنة بحفنتين عنده لا يجوز لكونه مطعوما وقد عدمت المساواة في المعيار الشرعي وعندنا يجوز لعدم الكيل مع الجنس ولو باع منا سكر بمنوى سكر عندنا لا يجوز لوجود الجنس مع القدر وعنده لا يجوز أيضا لوجود الطعم مع الجنس ولو باع مناقطن بمنوى قطن عندنا لا يجوز لوجود الجنسية والقدر وعنده يجوز لعدم الطعم وحجة الشافعي لاثبات أصله ماروى أن النبي ﷺ نهى عن بيع الطعام بالطعام الاسواء بسواء وفى رواية قال لا تبيعوا البر بالبر الا سواء بسواء ففى هذا بداية ببيان النهى والمنع لو اقتصر على قوله لا تبيعوا لم يجز بيع أحدهما بالآخر بحال. فبه تبين أن حرمة البيع أصل وان الجواز يعارض المساواة بين ذلك بقوله الاسواء بسواء والمراد المساواة في القدر ثم اسم الطعام يتناول القليل والكثير وما يكال من الاطعمة ومالا يكال فثبت حرمة البيع في جميع ذلك وتبين بهذا أن التعليل بالقدر يوجب تخصيص الاصل المعلل وذلك باطل وكذلك في الحديث المشهور قال الحنطة بالحنطة فهذا اللفظ يتناول القليل والكثير وقوله صلي الله عليه وسلم مثلا بمثل نصب على الحال أي انما يكون بيعا في حالة ما يكون مثلا بمثل والمراد المماثلة في القدر فتبين به أيضا أن الحرمة أصل فيها وأن الحل يعارض المماثلة في القدر وليس المراد بالربا الزيادة فقد قال عمر رضى الله عنه ان آية الربا آخر ما نزل وقبض رسول الله ﷺ قبل أيبين لنا شأنها وان من الربا أبوابا لا يكدن يخفين على أحد منها السلم في السن فتبين بهذا انه علم ان الاسم غير
[ 115 ] عما عليه مقتضى اللغة وانه ليس المراد من الربا الزيادة فانه ليس في السلم في السن زيادة خالية عن العوض وقد جعله من الربا الذى لا يكاد يخفى على أحد ولئن كان المراد الزيادة فانما أراد فضلا قائما في الذات لان المطعوم إذا قوبل بجنسه لا يتساويان في الطعم الا نادرا ولا ينبنى الحكم عن النادر فذلك الفضل القائم في الذات حرام وربا الا أنه سقط اعتباره شرعا بالمساواة في القدر تيسيرا على الناس فتبين بهذا أن الحرمة أصل أيضا وفى ذكر الطعام ما يدل على أن العلة هي الطعم لان الطعام اسم مشتق منه معنى والحكم إذا علق باسم مشتق من معنى فالمعنى الذى اشتق منه الاسم هو العلة للحكم كما في قوله تعالى (الزانية والزانى) وفى قوله تعالى (السارق والسارقة) ومن حيث الاستدلال وهو أن الشرع شرط لجواز البيع في هذه الاموال شرطين المساواة واليد باليد فعرفنا أن الموجب لهذين الشرطين معنى في المحل ينبئ عن زيادة شرطين الولى والشهود كان ذلك دليلا على أن الموجب للشرطين معنى في المحل ينبئ عن زيادة خطر وهو أن المستحق به مافى حكم النفوس ثم هنا المعنى ينبئ عن الخطر في الذهب والفضة الثمنية لانهما خلقا لذلك وبالثمنية حياة الاموال والمعنى ان الذى ينبئ عن زيادة الخطر في الاشياء الاربعة الطعم لان بالطعم حياة النفوس فعرفنا ان العلة الموجبة لهذين الشرطين الطعم والثمنية ولهذا جعلنا الجنسة شرطا لاعلة لان الحكم يدور مع الشرط وجودا وعدما كما يدور مع العلة والفرق بينهما بالتأثير فإذا لم يكن في الجنسية ما ينبئ عن زيادة الخطر ولا يثبت الحكم الا عند وجوده جعلنا شرطا لاعلة وبهذا تبين فساد التعليل بالقدر فانه لا ينبئ عن زيادة خطر في المحل لان الجص شئ هين يكال فلا يتعلق به حياة نفس ولا مال انما هو معد لتزين البناء ولان الشرع ذكر عند بيان حكم الربا جميع الاثمان وهى الذهب والفضة وذكر من المطعومات أنفس كل نوع فالحنطة أنفس مطعوم بنى آدم والشعير أنفس علف الدواب والتمر أنفس الفواكه والملح أنفس التوابل فلما أراد المبالغة في بيان حكم الربا ولم يمكنه ذكر جميع المطعومات نص من كل نوع على أعلاه ليبن بذلك أن العلة هي الطعم فاما إذا جعل العلة القدر يتمحض ذكر هذه الاشياء تكرارا لان صفة القدر لا تختلف في الاشياء الاربعة وحمل كلام صاحب الشرع على ما يفيد أولى ولهذا قال مالك العلة الاقتيات لانه خص بالذكر كل مقتات مدخر وقال ابن سيرين العلة تقارب المنفعة لوجود ذلك في الاشياء المذكورة فان الحنطة مع الشعير تتقارب في المنفعة
[ 116 ] فإذا ثبت ان العلة هي الطعم والثمنية امتنع قياس غير المطعوم على المطعومات وغير الائمان على الائمان لانعدام العلة فيها ولما جعل الشرع القدر معتبرا في الخلاص عن الربا لا يجوز اعتبار ذلك بعينه في الوقوع في الربا لاستحالة ان يتضمن الشئ حكمين متضادين بل القدر في المقدرات بمنزله العدد في المعدودات والزروع في المزروعات فكما لا يصلح جعل علة ذلك للربا فكذك القدر وحجتنا في المسألة ماروينا أن النبي ﷺ قال بعد ذكر الاشياء الستة بصفة الكيل والوزن فذلك دليل على ان العلة فيها الكيل والوزن وان لم تثبت هذه الزيادة فقوله الحنطة بالحنطة معناه بيع الحنطة بالحنطة والبيع لا يجرى باسم الحنطة فالاسم يتناول الحبة الواحدة ولا يبيعها أحد وانما يعرف ماليتها ولو باعها لم يجوز لانها ليست بمال متقوم فعلم ضرورة أن المراد الحنطة التى هي مال متقوم ولا يعلم ماليتها الا بالكيل فصارت صفة الكيل ثابتة بمقضتي النص وكذلك قوله الذهب بالذهب فالاسم قائم بالذرة ولا يبيعها أحد وانما تعرف ماليتها بالوزن كالشعيرة ونحو ذلك فصارت صفة الوزن ثابتة بمقتضى النص فكأنه قال الذهب الموزون بالذهب والحنطة المكيلة بالحنطة والصفة من اسم العلم يجرى مجرى العلة للحكم كقوله ﷺ في خمس من الابل السائمة شاة وما ثبت بمقضى النص فهو كالمنصوص ألا ترى انه لو قال غصبت من فلان شيئا يلزمه ان يبين مالا متقوما لثوبت صفة المالية بمقتضى الغصب وكذلك قوله ﷺ لا تبيعوا الطعام بالطعام ذكر الطعام عند ذكر البيع فلا يتناول الا الحنطة ودقيقها كمن وكل وكيلا بان يشترى له طعاما فاشترى فاكهة يصير مشتريا لنفسه وهذا لان سوق الطعام الذى يباع فيه الحنطة ودقيقها وبائع الطعام من يبيع الحنطة ودقيقها وهذا من أبواب الكتاب ليس من فقه الشريعة في شئ وأما الكلام في المسألة من حيث الاستدلال فينبنى على معرفة النص فنقول حكم نص الربا وجوب المماثلة في المعيار شرط لجواز العقد ثم ضرورة الفضل لعدم تلك المماثلة وربا لوجوب المماثلة لا كما قاله الخصم ان الحكم حرمة فضل في الذات ثم المماثلة شرط لازالة فضل حرام والدليل على ما قلنا ان النبي صلي الله عليه وسلم قال الحنطة بالحنطة مثل بمثل فقد أوجب المماثلة لجواز القعد ثم جعل الفضل بعد تلك المماثلة بقوله عليه الصلاة والسلام والفضل ربا وفى الحديث الآخر قال لا تبيعوا البر بالبر الا سواء بسواء وبالاجماع المساواة في الكيل فعرفنا ان المراد اشتراط المماثلة لجواز العقد لان الكلام المقيد بالاستثناء يصير عبارة عما وراء المستثنى فيكون
[ 117 ] المعنى فساد البيع عند عدم المماثلة التى هي واجبة وإذا ثبت ان الحكم وجوب المماثلة ولا يتصور ثبوت الحكم بدون محله عرفنا ان المحل الذى لا يقبل المماثلة لا يكون مال الربا أصلا والحفنة والتفاحة لا تقبل المماثلة بالاتفاق فلم يكن مال الربا والدليل عليه أن صاحب الشرع ﷺ ما نص على حكم الربا الا مقرونا بالمخلص فكل علة توحب الحكم في محل لا يقبل المخلص أصلا فهى علة باطلة والطعم بهذا الصفة فانها توجب الحكم في الرمان والسفرجل ولا يتصور فيه المخلص وكذلك قوله لا تبيعوا البر بالبر الاسواء بسواء كلام مقيد بالاستثناء والمستثنى من جنس المستثنى منه لان الاستثناء لاخراج ما لولاه لكان الكلام متناولاله وان كان المستثنى الكثير القابل للماثلة لا يتناوله الحديث أصلا فان قال هو استثناء مقطوع بمعنى لكن أي جعلتموه سواء بسواء فبيعوا أحدهما بالآخر قلنا هذا مجاز ولا يترك العمل بالحقيقة الا عند قيام الدليل وباعتبار الحقيقة يتبين أن حكم النص وجوب المماثلة فيما يختص بمحل قابل للمماثلة والدليل عليه أنه لو باع قفيز حنطة يملكه بقفيز حنطة ارخوة أو قد أكلها السوس يجوز وقد تيقنا بفضل في الذات ومع ذلك جاز العقد لوجود المماثلة في القدر فان قال سقط اعتبار الفضل القائم في الذات لوجود المساواة في القدر قلنا هذا جائز ولكن عند قيام الدليل فإذا أمكن أن يجعل الحكم في الذات وجوب المماثلة والفضل الذى هو ربا بعد تلك المماثلة فلا حاجة بنا إلى اسقاط ما هو موجود حقيقة خصوصا فيما إذا بنى أمره على الاحتياط وهو الربا والذى قال ان الاسم غير عما عليه مقتضي اللغة ممنوع فانه دعوى المجاز أيضا فلا يمكن اثباته أيضا الا بدليل فاما حديث عمر رضى الله عنه فله تأويلان (أحدهما) أن المرادا بقوله وان من الربا أبوابا لا يكدن يخفين على أحد. منها السلم في السن ما كانوا اعتادوا في الجاهلية أن الواحد منهما يسلم في ابنة مخاض فإذا حل الاجل زاده في السن وجعله ابنة لبون ليزيده في الاجل ثم يزيده إلى سن الحقة والجذعة وفي ذلك نزل قوله تعالى (ولا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) فتلك الزيادة خالية عن عوض هو مال ولهذا قال انه من الربا الذى لا يكاد يخفى على أحد (والثانى) أن المراد السلم في الحيوان والحيوان مما يتفاوت والمسلم فيه دين فانما يصير معلوما بذكر الوصف ورأس المال بمقابلة الاوصاف المذكورة عند العقد ثم عند القبض يتمكن التفاوت في المالية بين المقبوض والموصوف عند العقد لا محالة فتلك الزيادة كأنها خالية عن عوض هو مال ولهذا جعل
[ 118 ] من الربا الذى لا يكاد يخفى على أحد وان سلموا أن حكم النص وجوب المماثلة لا يبقى لهم شئ لان وجوب المماثلة لا تكون الا في محل قابل للمماثلة وان لم يسلموا فالدليل على اثبات هذه القاعدة أن الاموال أنواع ثلاثة متفاوتة في نفسه كالثياب والدواب فلا تجب المماثلة فيها للمبايعة وامثال متقاربة كالسهام ولا تجب الماثلة فيها أيضا للمبايعة وأمثال متساوية كالفلوس الرائجة وتجب المماثلة فيها حيت إذا باع فلسا بغير عينه بفلسين بغير أعيانهما لا يجوز للرسنة فان بيع فلس بفلس جائز بل لوجوب المماثلة فان إحدى الفلسين يبقى بغير شئ لما كانت أمثالا متساوية بصفة الرواج فيكون ذلك ربا وإذا كان كل واحد منهما بعينه فكأن المتعاقدين أعرضا عن الاصطلاح على كونها أمثالا متساوية ولهذا يتعين بالتعيين فتصير أمثلا متقاربة كالجوز والبيض إذا عرفنا هذا فنقول الشرع هنا نص على اشتراط المماثلة في هذه الاموال فسرفنا أنها أمثال متساوية وانما تكون أمثالا متساوية بالجنس والقدر لان كل حادث في الدنيا موجود بصورته ومعناه فانما بطلت المماثلة من هذين الوجهين والمماثلة صورة باعتبار القدر لان المعيار في هذا المقدار كالطول والعرض والمماثلة معنى باعتبار الجنسية ولكن هذه المماثلة لا تكون قطعا الا بشرط وهو سقوط قيمة الجودة منها لجواز أن يكون أحدهما أجود من الآخر وإذا سقطت قيمة الجودة منها صارت أمثالا متساوية قطعا فانما يقابل البعض بالبعض في البيع من حيث الذات فإذا كان في أحد الجانبين فضل كان ذلك الفضل خاليا عن المقابلة كالخيطين إذا تقابلا وأحدهما أطول فتلك الزيادة تكون خاليه عن المقابلة والفضل الخالى عن المقابلة ربا فإذا جعل شرطا في العقد فسد به العقد وهكذا في سائر الاموال الا ان الفضل الخالي عن المقابلة هناك انما يظهر بالشرط حتى لو باع ثوبا بثوب بشرط ان يسلم له مع ذلك ثوبا آخر لا يجوز لان هناك الفضل يظهر بالشرط وهنا يظهر شرعا لوجوب المماثلة فثبت بما قررنا ان العلة لهذا الحكم بالتأثر في ايجاب المماثلة وهو الجنس والقدر وان شرط عمل العلة سقوط قيمة الجودة منها وهذا شرط عرفناه بالنص وهو قوله ﷺ جيدها ورديها سواء وبدليل مجمع عليه وهو انه لو باع قفيز حنطة جيدة بقفيز حنطة ردية ودرهم لا يجوز وما كان مالا متقوما يجوز الاعتياض عنه كالبيع وانما يجوز الا عتياض عما فسد بتقومه شرعا كالخمر ونحو ذلك فلما لم يجز الاعتياض عن الجودة هنا عرفنا انه لا قيمة للجودة عند المقابلة بالجنس ثم اثبات الحكم بهذا الطريق يكون على موافقة الاصول وعلى
[ 119 ] ما يدعيه الخصم ان الحكم حرمة فضل في الذات يكون اثبات الحكم على مخالفة الاصول فالبيع ما شرع الا لطلب الربح والفضل فافضل الذي يقابله العوض حلال ككسبه بالبيع فكيف يستقيم ان يجعل حراما بالرأى وان أردت تحرير النكتة قلت التفاح والرمان مال لم يسقط قيمة الجودة منه عند المبايعة فجيوز بيع بعضه ببعض كيف ما كان كالثياب والدواب ثم تقريره من الوجه الذى ذكرنا وبهذا يعلل في القليل من الحنطة كالحفنة ونحوها فان قيل كيف يستقيم هذا ولو غصب من آخر حفنة من حنطة فنقصب عنده ليس للمغصوب منه ان يضمنه النقصان مع أخذ حنطته ولو كان للجودة منها قيمة لكان له ذلك كما في التفاح والرمان والثاب ونحوها قلنا الواجب على الغاصب ضمان القيمة لان الحفنة ليست من ذوات الامثال فان المماثلة بالمعيار وليس للحفنة معيار فعرفنا ان الواجب هو القيمة وقد بينا ان المالية والقيمة في الحنطة لاتعلم الا بالكيل فلابد من اظهار قيمة هذا المغصوب من اعتبار الكثير وهو القفيز وعند اعتبار ذلك لاقيمة للجودة فلا يمكن معرفة النقصان ليوجب ذلك على الغاصب ويمكن معرفة القيمة بالحرز فيوجب القيمة ويكون شرط الاستيفاء تسليم العين إلى الغاصب فإذا أراد استراداد العين لم يكن له أن يرجع بشئ كما لو قطع يد عبد عند انسان فأراد المولى امساك العبد لم يرجع بشئ على قول أبى حنيفة وعلى هذا الاصل قلنا لو باع حفنة بقفيز لا يجوز أيضا لان القفيز لا قيمة للجودة منه فتكون المقابلة باعتبار الذات فيظهر الفضل الخالى عن المقابلة بخلاف الحفنة بالحنفنتين فكل واحد منهما يقابل الآخر في البيع والشراء من غير اعتبار القفيز وبدون اعتباره للجودة قيمة فلا يظهر الفضل الخالى عن المقابلة ويتبين بما ذكرنا فساد علة الخصم بالطعم والثمنية فانها علة قاصرة لا تتعدى إلى الفروع ولانها تثبت الحكم على مخالفة الاصول ولان الطعم عبارة عن أعظم وجوه الانتفاع بالمال وكذلك الثمنية فانها تنبئ عن شدة الحاجة إليه وتأثير الحاجة في الاباحة لافي الحرمة كتناول الميتة تحل باعتبار الضرورة ولا معنى لما قال ان الشرع ما حرم البيع في هذه الاموال الا ما حرم في سائر الاموال وهو الفضل الخالى عن المقابلة وهذا لان هذه الاموال بذلة كسائر الاموال حتى يجوز تناولها بدون الملك بالاباحة وبالملك بغير عوض وهو الهبة بخلاف البضع فانه مصون عن الابتذال يلحق بالنفوس فيجوز ان يشترط في النكاح زيادة شرط لاظهار خطر المحل وبهذا تبين فسادما قال ان الاسم المشتق
[ 120 ] من فعل إذا علق به الحكم يصير ذلك الفعل علة لانه انما يكون ذلك الفعل علة إذا كان صالحا له كالزنا والسرقه وإذا كانت الثمنية والطعم ينبئان عن شدة الحاجة فلا يصلحان ان يكونا علة للحرمة والذى قال ان صاحب الشرع نص على الاشياء الاربعة قلنا قد نص على الاشياء الستة وعطف بعضهاعي البعض فينبغي ان تكون العلة في الكل واحدة وذلك الجنس والقدر ثم الكيل والوزن اختلاف عبارة في القدر كلصاع والقفيز ونحوه فاما إذا كانت العلة في النفود الثمنية وفى سائر الاشياء الاربعة الطعم لم يستقيم عطف بعضها على البعض إذ لا موافقة بين الثمنية والطعم والذى قال القدر علة للخلاص لا كذلك قد بينا أن جواز البيع في هذه الاموال أصل فحيث مفسد انما يفسد لوجود العلة المفسدة لذلك فاما جواز باعتبار الاصل لا باعتبار المخلص ولئن كان هذا مخلصا فهو مخلص في حالة التساوى وعلة الربا في حالة الفضل والشئ الواحد يتضمن حكمين في محلين كالنكاح يثبت المحل للمنكوحة والحرمة في أمها وانما جعلنا القدر مخلصا لان الخلاص عن الربا بالمساواة في القدر وذلك لايعرف الا بالكيل والوزن فكذلك الوقوع في الربا بالفضل علي القدر وذلك لايعرف الا بالكيل والوزن وربما يقول بعضهم ان الحفنة مقدرة الا أنه لا يمكن معرفة مقدارها الا بضم أمثالها إليها ولا تخرج به من أن تكون مقدارا كالصرة وهذا فاسد فان المقدر لا يمكن معرفة مقداره فإذا ضم إلى الحنفة أمثالها وكيلت يصير مقدار القفيز معلوما لا مقدار الحفنه بخلاف الصبرة فانها إذا فرقت جزاء وكيلت يصير مقدار الصبرة معلوما فأما علة ربا النساء أحد هذين الوصفين اما الجنس أو القدر ثبت ذلك بقوله ﷺ بعد الاشياء الستة وإذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئمتم بعد ان يكون يدا بيعد فقد الغي ربا النساء بعد انعدام الجنسية لبقاء أحد الوصفين والشافعي لا يخالفنا فيما هو العلة عنده أيضا وانما يخالفنا في الجنسيه بهاء علي أصله ان الجنسيه شرط لا علة وسنبين هذا الفضل في الفصل الثاني ان شاء الله تعالى وعن إبراهيم قال أسلم ما يكال فيما يوزن وأسلم ما يوزن فيما يكال ولا تسلم بالوزن فيما يوزن ولا ما يكال فيما يكال وإذا اختلف النوعان مما لا يكال ولا يوزن فلا بأس وبه واحدا باثنين يدا بيد ولا بأس به نسيئة وان كان من نوع واحد مما لا يكال ولا يوزن فلا بأس به اثنين بواحد يدا بيد ولا خير في نسيئته ونقول أما قوله أسلم ما يكال فيما يوزن غير مجري على ظاهره بل المراد إذا كان الموزون مما يصلح ان يكون مسلما فيه
[ 121 ] بان يكون مبيعا مضبوطا بالوصف حتى إذا أسلم الحنطة في الذهب والفضة لا يجوز عندنا وللشافعي قول في القديم ان ذلك يجوز بناء على مذهبه ان النقد يصلح أن يكون مبيعا حتى يتعين بالتعين فأما عند الذهب والفضة لا يصلح أن يكون مبيعا حتى يتعين بالتعيين والمسلم فيه مبيع فإذا لم يكن هذا اسلما. قال عيسى ابن إبان يكون هذا عقدا باطلا وكان أبو بكر الاعمش يقول انه بيع الحنطة بدراهم مؤجلة فيكون صحيحا لان تحصيل مقصود المتعاقدين بحسب الامكان واجب وقد قصدا مبادلة الحنطة بالدراهم مؤجلة وما ذكره عيسى أصح لان المعقود عليه في السلم المسلم فيه فانما يشتغل بتصحيح العقد في المحل الذى أو جبنا العقد فيه وذلك غير ممكن ولا وجه لتحصيحة في محل آخر لانهما لم يوجبا العقد فيه وقوله وأسلم ما يوزن فيما يكال مجرى على ظاهره فان إسلام المكيل في الموزون جائز على كل حال لانعدام الوصفين جميعا إذ لاتفاق بين البدلين في الجنس ولا في القدر والموزون غير المكيل وقوله ولاتسلم ما يوزن فيما يوزن غير مجرى على ظاهره أيضا بل المراد إذا كانا متفقين في المعنى بان كانا مثمنين كالزعفران مع القطن فاما إذا كان مختلفين في المعنى فذلك جائز كما لو أسلم النقود في الزعفران أو الحديد أو القطن فانه يجوز والعراقيون من مشايخنا رحمهم الله يقولون الجواز للحاجة لان رأس المال يكون من النقود عادة والحاجة تمس الي اسلامها في الموزونات والمكيلات جميعا ولكن هذا كلام من يجوز تخصيص العلل الشرعية ولسنا نقول به بل نقول اتفاقهما في الوزن صورة لا معنى وحكما فان الوزن في النقود ليس نظير الوزن في الزعفران فان الزعفران يوزن بالامناء ويكون مثمنا يتعين في العقود والنقد يوزن بالصنجات ويكون ثمنا لا يتعين في العقد ومن حيث الحكم صفة الوزن يلزم في الزعفران حتى لو اشترى زعفرانا بشرط الوزن ليس له أن يتصرف فيه قبل أن يزنه ولا يلزم في النقود حتى لو باع شيئا بدرهم بشرط الوزن كان له ان يتصرف فيه قبل أن يزنه فما كان هذا الا نظير الموزون مع المكيل فانهما استويا من حيث ان كل واحد منهما مقدر صورة ولكن لما اختلفا في المعنى والحكم جوز اسلام أحدهما في الآخر فكذلك النقود مع سائر الموزونات وقوله ولا ما يكال فيما يكال مجرى على ظاهره فان إسلام المكيل في المكيل لا يجوز بحال لا تفاقهما في قدر واحد وقوله وإذا اختلفا النوعان مما لا يكال ولا يوزن فلا بأس به واحدا باثنين يدا بيد هذا مجرى على ظاهره لانعدام
[ 122 ] العلة المحرمة للفضل وقوله ولا بأس به نسيئة هذا غير مجرى على ظاهره ولكن المراد إذا كان ما يجعل مسلما فيه يصير مضبوطا بالوصف على وجه يلتحق بذكر الوصف بذوات الامثال حتى لو أسلم ثوبا في جوهرة أو درة لا يجوز وكذلك في الحيوان عندنا وقوله وان كان من نوع واحد مما لا يكال ولا يوزن فلا بأس به اثنان بواحد يدا بيد هذا مجرى على ظاهره وهو متفق عليه لقوله ﷺ لا بأس ببيع النجيبة بالابل والفرس بالافراس يدا بيد وقوله لاخير فيه نسيئة هو قول علماؤنا رحمهم الله فان الجنس عندنا يحرم النساء بانفراده حتى لو أسلم ثوبا هروبا في ثوب هروى لا يجوز عندنا وعند الشافعي يجوز وكان مالك رحمه الله يقول إن اختلفا في الصفة يجوز فكأنه يجعل اختلاف الجنس باختلاف الصفة ولو أسلم هرويا في مروى جاز عندنا وعند ابن أبى ليلى لا يجوز فكأنه يجعل اختلاف الجنس باختلاف الاصل فاما إذا اتحد الاصل فالكل عنده جنس واحد أو باعتبار تفارب المنفعة يجعل الهروي والمروى جنسا واحدا وقد نقل ذلك عنه في الحنطة والشعير أيضا أنهما من جنس واحد لتقارب المنفعة لكن هذا بعيد فان النبي ﷺ عطف الشعير على الحنطة ثم. قال (وإذا اختلفا النوعان فكذلك بيان أنهما حنسان) وكذلك المصنوع من أصل لا يكون جنسا للاصل كالقطن مع الثوب فكيف يكون جنسا لمصنوع آخر على هيئة أخرى من ذلك الاصل فعرفنا أن باتحاد الاصل لا تثبت المجانسة وباختلاف الصفة لا تنعدم المجانسة أيضا كما في الاموال الربوية فالحنطة العفنة مع الحنطة الجيدة جنس واحد وكذلك السقى مع التجنبي والفارسي مع الدقل في التمر جنس واحد مع اختلاف الوصف فأما الشافعي فانما بنى مذهبه على ما قلنا أن الجنسية عنده شرط وقد بينا فساد ذلك وعلى سبيل الابتداء يحتج بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالي عنه أن الني ﷺ جهز جيشا ففرت الابل فأمرني أن اشترى بعيرا ببعيرين إلى أجل وعن على رضى الله تعالى عنه انه باع بعيرا يقال له عصفور بعشرين بعيرا إلى أجل وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما انه باع بعيرا بأربعة أبعرة الي أجل ولان هذا عقد جمع بين بدلين لو قوبل كل واحد منهما بجنسه عينا حل التفاضل بينهما فيجوز اسلام أحدهما في الاخر كالهروي مع المروى وتأثير هذا الكلام أن باعتبار التأجيل في أحد البدلين يظهر التفاوت في المالية حكما والتفاوت في المالية حقيقة أكثر تأثيرا من التفاوت في المالية حكما فإذا كان التفاوت في المالية في هذه
[ 123 ] الاموال حقيقة لا أثر له في المنع من جواز العقد فالتفاوت حكما أو إلى وهذا لان حكم الربا في خاص من الاموال وجعل الجنسية علة تؤدى إلى تعميم حكم الربا في كل مال فما من مال الا وله جنس فما كانت الجنسية الا نظير المالية ثم لا يجوز جعل المالية علة الربا فكذلك الجنسية وحجتنا في ذلك ماروى عن النبن ﷺ أنه نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ولا يحمل هذا علي النسيئة من الجانبين لان ذلك يستفاد بنهية ﷺ عن بيع الكالئ بالكالئ ولانه إذا قيل باع فلان بعده بالحيوان نسيئة فانما يفهم منه النسيئة في البدل خاصة ومطلق الكلام محمول على ما يتفاهمه الناس وتأويل مارووا من الاثار أنه كان قبل نزول آية الربا وكان ذلك في دار الحرب وعندنا لا يجوز الربا بين المسلم والحربي في دار الحرب فتجهيز الجيش وان كان في دار الاسلام تقل الالات كما لو كان في دار الحرب لعزتها في دار الاسلام يومئذ ولان النبي ﷺ سوى بين الجنسية والقدر في أول الحديث ثم. قال (وإذا اختلفا النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون بدا بيد فقد أبقى ربا النساء لبقاء ما هو قريبه وهو الجنس فكان ذلك تنصيصا على ثبوب ربا النساء عند وجود الجنسية) لا نهم متى ثبتت المساواة بين الشيئين بالنص ثم خص جنس أحدهما بحكم كان ذلك تنصيصا علي ذلك الحكم في الآخر كالرجل يقول اجعل زيدا وعمرا في العطية سواء ثم يقول اعط زيدا درهما يكون ذلك تنصيصا على أن يعطى عمرا أيضا درهما ولا يستقيم اعتبار ربا النساء بربا الفضل لاتفاقنا على ان ربا النساء أعم حتى يثبت في بيع الحنطة بالشعير وان كان لا يثبت ربا الفضل وليس الجنس كالمالية لان جعل المالية علة تؤدى إلى تعميم الربا في البيوع كلها لان البيع لا يجوز الا في مال متقوم والشرع فصل بين البيع والربا فعرفنا أن المالية ليست بعلة فيه وليس في جعل الجنسية علة تعميم الربا في العقود كلها والقياس على أصول تنعدم فيها الجنسية باطل لان انعدام الحكم عند عدم العلة دليل صحة العلة لا دليل فسادها ولان إسلام الشئ في جنسه يؤدى إلى اخلاء العقد عن الفائدة والى أن يكون الشئ الواحد عوضا ومعوضا والى فضل خال عن العوض مستحق بالبيع وذلك باطل بيانه أنه إذا أسلم ثوبا هرويا في ثوب هروى فانه يلزم تسليم رأس المال في الحال ثم إذا حل لاجل يرد ذلك الثوب بعينه والمقبوض بحكم السلم في حكم عين ما يتناوله العقد فلو جوزنا هذا العقد لم يكن مفيدا شيئا ويكون الثوب الواحد عوضا ومعوضا وإذا أسلم ثوبا هرويا في ثوبين هروبين لو جوزنا
[ 124 ] ذلك لكان إذا حل الاجل أخذ منه ذلك الثوب بعينه وثوبا آخر فالثوب الآخر يكون فضلا خاليا عن العوض مستحقا بالبيع وهو الربا بعينه قال (واذ أسلم الرجل في الطعام كيلا معلوما وأجلا معلوما وضربا من الطعام وسطا أورديا أو جيدا واشترط المكان الذى يوفيه فيه فهو جائز). قال رحمه الله تعالى (إعلم بان السلم أخذ عاجل بآجل وهو نوع بيع لمبادلة المال بالمال اختص باسم) لاختصاصه بحكم بدل الاسم عليه وهو تعجيل أحد البدلين وتأخير الآخر كالصرف وقيل السلم والسلف بمعنى واحد وانما سمى هذا العقد به لكونه معجلا علي وقته فان أوان البيع ما بعد وجود المعقود عليه في ملك العاقد وانما يقبل السلم في العادة فيما ليس بموجود في ملكه فلكون العقد معجلا على وقته سمى سلما وسلفا والقياس يأبى جوازه لانه بيع المعدوم وبيع ما هو موجود غير مملوك للعاقد باطل فبيع المعدوم أولى بالبطلان ولكنا تركنا القياس بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) وقال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أشهد ان السلم المؤجل في كتاب الله تعالى أنزل فيه أطول آية وتلى هذه الآية والسنة ماروى أن النبي ﷺ نهى عن بيع ما ليس عند الاسنان ورخص في السلم ففى هذا دليل أنه جوزه للحاجة مع قيام السبب المعجز له عن التسليم وهو عد وجوده في ملكه ولكن بطريق اقامة الاجل مقام الموجود في ملكه رخصة لان بالوجود في ملكه يقدر على التسليم وبالاجل كذلك فانه يقدر على التسليم إما بالتكسب في المدة أو مجئ أو ان الحصاد في الطعام وفى الحديث عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه أن النبي ﷺ دخل المدينة فوجدهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال صلواة الله تعالى عليه من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم فقد قررهم علي أصل العقد وبين شرائطه فذلك دليل جواز العقد ثم الشرائط التى يحتاج إلى ذكرها في السلم عند أبى حنيفة سبعة (اعلام) الجنس في المسلم فيه (واعلام النوع) (واعلا القدر) و (اعلام الصفة) و (اعلام الاجل) و (اعلام المكان) الذى يوفيه فيه فيما له حمل ومؤنة واعلام قدر رأس المال فيما يتعلق العقد علي قدره والاصل في هذه الشرائط الحديث الذى روينا فان رسول الله ﷺ أمر باعلام القدر بأن ترك إعلامه يفضي إلى المنازعة التى تمنع البائع عن التسليم والتسلم فدل ذلك عن ان كل جهالة تفضى إلى المنازعة المانعة عن التسليم والتسلم يجب ازالتها بالاعلام وجهالة الجنس تفضى إلى ذلك لانه إذا أسلم في شئ
[ 125 ] فرب السلم يطالبه باعلا الاشياء والمسلم إليه لا يعطى إلا أدنى الاشياء ويحتج كل واحد منهما على صاحبة بمطلق الاسم فلابد من اعلام الجنس لقطع هذه المنازعة وذلك اعلام النوع فانه إذا أسلم إليه في تمر فالمسلم إليه يعطيه الدقل ورب السلم يطالبه بالفارسي ويحتج كل واحد منهما على صاحبه بمطلق الاسم فلابد من اعلام النوع لقطع هذه المنازعة وكذلك اعلام الصفة لانه إذا أسلم إليه في الحنطة فرب السلم يطالبه بحنطة جيدة والمسلم إليه لا يسلم الا الردئ ويحتج كل واحد منهما باسم الحنطة فلابد من بيان الصفة لقطع هذه الخصومة واعلام القدر منصوص عليه في الحديث وجهالته تفضى إلى المنازعة ولان المقصود بهذا العقد الاسترباح ولا يعرف ذلك الا بمعرفه مقدار الماليه والمالية تختلف باختلاف الجنس والنوع والصفة والقدر فلابد من اعلام ذلك كله ليصير ما هو المقصود لكل واحد منهما معلوما له فأما الاجل فهو من شرائط السلم عندنا وقال الشافعي الاجل يثبت ترفيها لا شرطا حتى يجوز السلم عندنا حالا في الموجود فأما في المعدوم لا يجوز السلم الا مؤجلا واحتج في ذلك بالحديث ورخص في السلم فاثبت في السلم رخصة مطلقة واشتراط التأجيل فيه لا يكون زيادة على النص والمعنى فيه أنه صار معاوضة مال بمال فيكون الاجل فيه ترفيها لا شرطا كالبيع والاجارة وهذا لان المسلم فيه دين وشرط جواز العقد القدرة على التسليم وتسليم الدين بالمثل الموجود في العالم والظاهر من حال العاقل انه لا يقدم علي التزام تسليم مالا يقدر علي تسليمه فإذا قيل السلم فيما هو موجود في العالم فالظاهر انه قادر علي تسليمه وذلك يكفى لجواز العقد وان لم يكن قادرا علي التسليم فيما يدخل في ملكه من رأس المال يقدر علي التحصيل والتسليم ولهذا أوجبنا تسليم رأس المال علي رب السلم أولا قبل قبض المسلم فيه وبهذا فارق الكتابة الحالة. قال (فانى لاأجوز الكتابة الحالة فان العبد يخرج من يد مولاه غير مالك لشئ) فلا يكون قادرا على تسليم البدل وربما يدخل في ملكه بالعقد لا يقدر على التحصيل الا بمدة فلهذا لاأجوزه الا مؤجلا فأما المسلم إليه حر من أهل الملك قبل العقد فالظاهر قدرته على التسليم الا ان يكون معدما في العالم فحينذ لا يقدر علي التسليم الا بوجوده في أوانه فلا يجوز السلم فيه الامؤجلا وحجتنا في ذلك قوله ﷺ من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم فقد شرط لجواز السلم اعلام الاجل كما شرط اعلام القدر والمراد بيان أن الاجل من شرائط السلم كالرجل يقول من أراد الصلاة فليتوضأ
[ 126 ] الا أن يكون المراد به إذا أسلم مؤجلا ينبغى أن يكون الاجل معلوما وفي قوله صلي الله عليه وسلم رخص في السلم ما يدل علي الاجل أيضا لان الرخصة في الشئ تيسير مع قيام المانع والمانع هو العجز عن التسليم فعرفنا أنه رخص فيه مع قيام العجز عن التسليم باقامة الاجل مقامه لان به يقدر علي التسليم اما بالتكسب أو بمجئ زمان الحصاد وهو كالرخصة في المسح على الخفين فان اقامة المسح مقام الغسل للتيسير وهو المعنى في قوله في المسألة فانا نقول باع مالا يقدر على تسليمه عند وجوب التسليم فلا يجوز العقد كما لو قيل السلم في المعدوم حالا وبيان ذلك أن عقد السلم من عقود المفاليس فانه يكون بدون ثمن المثل ولو كان موجودا في ملكه لكان يبيعه بأوفي الاثمان ولا يقبل السلم فيه بدون القيمة ولا يقال انه انما يقبل السلم فيه لاسقاط مؤنة الاحضار والاراءة للمشترى فيه لان صاحب الشرع استثنى السلم من بيع ما ليس عند الانسان وبالاجماع المراد بيع ما ليس في ملكه فان مافى ملكه وان لم يكن حاضرا يجوز بيعه إذا كان المشترى رآه قبل ذلك وما ليس في ملكه وان كن حاضرا لا يجوز بيعه فعرفنا أن المراد قبول السلم فيما لا يقدر على تسليمه وبالعقد لا يصير قادرا علي التسليم لان العقد سبب للوجوب عليه لاله فلا تثبت به قدرته على التسليم وانما تكون قدرته بالا كتساب ويحتاج ذلك إلى مدة فإذا كان مؤجلا لا يظهر المانع وهو عجزه عن التسليم وإذا كان حالا يظهر المانع والدليل عليه أن بالاتفاق يحب تسليم رأس المال أولا فلو جاز أن يكون المسلم فيه حالا لم يجب تسليم رأس المال أولا لان قيضة المعاوضة التسوية بين المتعاقدين في التمليك والتسليم ويتضح هذا فيما إذا كان رأس المال عينا فان أول التسلمين في البدل الذى هو دين كالثمن في بيع العين والدليل عليه ان السلم اختص بالدين مع مشاركة العين الدين فيما هو المقصود فما كان ذلك الا لاختصاصه بحكم يختص به الدين وليس ذلك الا الاجل وبه يبطل قولهم ان السلم الحال أبعد عن الغرر من المؤجل لان السلم في العين أبعد عن الغرر من السلم في الدين ومع ذلك اختص السلم بالدين وهذا بخلاف الكتابة عندنا فان البدل في الكتابة معقود به لا معقود عليه والقدرة علي تسليم المعقود به ليس بشرط لجواز العقد كالثمن في المبيع فاما المسلم فيه معقود عليه والقدرة علي تسليم المعقود عليه شرط لجواز العقد كما في بيع العين لان الكتابة عقد ارفاق فالظاهر ان المولى لا يضيق عليه في المطالبة بالبدل وأما السلم عقد تجارة وهو مبنى على الضيق فالظاهر انه يطالبه بالتسليم عقيب العقد وهو عاجز عن ذلك فلهذا لم يجوزه
[ 127 ] الا مؤجلا ولم يبين في الكتاب أدنى الاجل في السلم وذكر أحمد بن أبى عمران من أصحابنا رحمهم الله تعالى أن أدنى الاجل فيه ثلاثة أيام اعتبار للاجل بالخيار الذى ورد الشرع فيه بالتقدير بثلاثة أيام وكان أبو بكر الرازي يقول أدنى الاجل فيه أن يكون أكثر من نصف يوم لان المعجل ما كان مقبوضا في المجلس والمؤجل ما يتأخر قبضه عن المجلس ولا يبقى المجلس بينهما في العادة أكثر من نصف يوم ومن مشايخنا رحمهم الله تعالى من قال أدنى الاجل شهرا استدلالا بسمئلة كتاب الايمان إذا حلف المدين ليقضين دينه عاجلا فقضاه قبل تمام الشهر برفى يمينه فإذا كان ما دون الشهر في حكم العاجل كان الشهر فما فوقه في حكم الآجل فاما تعجيل رأس المال فنقول إذا كان رأس المال دراهم أو دنانير يكون التعجيل فيه شرطا قياسا واستحسانا لان الدارهم والدنانير لا يتعينان في العقود فيكون هذا بيع الدين الدين وذلك لا يجوز لنهى رسول الله ﷺ عن بيع الكالئ بالكالئ يعنى النسيئة بالنسيئة فاما إذا كان رأس المال عروضا هل يكون التعجيل شرطا القياس أن لا يكون شرطا وفى الاستحسان يكون شرطا وجه القياس ان العروض سلعة تتعين في العقود بخلاف الدراهم فلو لم يشترط التعجيل لا يؤدي إلى بيع الدين بالدين وجه الاستحسان ان السلم أخذ عاجل بآجل والمسلم فيه آجل فوجب أن يكون رأس المال عاجلا ليكون حكمه ثابتا على ما يقتضه الاسم لغة كالصرف والحوالة والكفالة فان هذه العقود تثبت أحكامها بمقتضيات أساميها لغة ومن علماؤنا رحمهم الله تعالي من عبر وقال شرط جواز السلم اعلام قدر رأس المال وتعجيله واعلام المسلم فيه وتأجيله وبعضهم عبر بعبارة أخرى شرط جواز السلم أن يكون المسلم فيه مضبوط الوصف معلوم القدر موجودا من وقت العقد إلى وقت التسليم فاما بيان ما كان الايفاء فيما له حمل ومونة من شرائط جواز السلم في قول أبى حنيفة الآخر وكان يقول أولا ليس بشرط ولكن ان بين مكانا ان تعين ذلك المكان للايفاء وان لم يبين يتعين موضع العقد للايفاء وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وحجتهما في ذلك ان موضع العقد موضع الالتزام فيتعين لايفاء ما التزمه في ذمته كموضع الاستقراض والاستهلاك وهذا لان المسلم فيه دين ومحله الذمة فانما يصير مملوكا لرب السلم في ذلك المكان والتسليم انما يجب في الموضع الذى ثبت الملك له فيه ألا ترى أن من باع حنطة بعينها بالسواد يجب تسليمها موضع الحنطة لانه ملكها في ذلك الموضع ولان أحد البدلين وهو رأس المال يجب (9 ثانى عشر مبسوط)
[ 128 ] تسليمه في موضع العقد فكذلك البدل الآخر لان العقد في حكم مكان التسليم مطلق فيقتضى المساواة بين البدلين وبأن جاز تعبيره بالشرط فذلك لا يدل على أنه غير ثابت بمطلق العقد ويجوز تعبره باشتراط الاجل والمطلق بمطلق البيع ثبت عقيب العقد ويجوز تعبيره بشرط الخيار وتوجه المطالبة بتسليم المثن ثابت بمطلق العقد عقيبه ثم يجوز تعبيره باشتراط بالاجل وأبو حنيفة يقول مكان الايفاء مجهول وجهالته تفضى إلى المنازعة فيجب التحرز عن ذلك باعلامه كزمان التسليم وانما قلنا ذلك لان موضع الالزام انما يتعين للتسليم بسبب يستحق به التسليم بنفس الالتزام كالقرض والغصب والاستهلاك والسلم لا يجوز الا مؤجلا فعرفنا انه لا يستحق التسليم عقيب العقد فيه بحالى وانما استحقاق التسليم عند حلول الاجل وعند ذلك لا ندري أنه في أي مكان يكون ثم. قال (أرأيت لو عقد اعقد السلم في السفينة في لجة البحر أكان يتعين موضع العقد للتسليم عند حلول الاجل) هذا مالا يقوله عاقل والدليل عليه أن مكان العقد لو تعين لتسليم المسلم فيه لم يجز تعبيره بالشرط كمكان البيع في بيع العين فانه لو باع حنطة في السواد على أن يسلمها في المصر لا يجوز العقد ولما أجاز هنا بيان مكان الايفاء عرفنا ان موضع العقد غير متعين له وهذا بخلاف رأس المال فانه لما تعين مجلس العقد بتسليمه لم يجز تعبيره بالشرط ثم هناك موضع العقد غير متعين ولكن الشرط تسليم رأس المال قبل الافتراق حتى لو مشيافر سخال ثم سلم إليه رأس المال قبل أن يفارقه كان صحيحا فأما فيمالا حمل له ولا مؤنة فلا خلاف أن بيان مكان الايفاء ليس بشرط ولكن عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله في أظهر الروايتين يجب تسليمه في موضع العقد لانه موضع الالتزام وفى رواية أخرى عنهما يسلم إليه حيث مالفيه وهو قول أبى حنيفة سواء بينا المكان أو لم نبين لان الشرط الذى ليس بمفيد لا يكون معتبرا والمالية فيما لاحمل له ولا مؤنه لا تختلف باختلاف الامكنة انما تختلف لعزة الوجود وكثرة الوجود فاما فيما له حمل ومؤنة تختلف ماليته باختلاف المكان فان الحنطة والحطب موجود في المصر والسواد جميعا ثم يشترى في المصر باكثر مما يشترى به في السواد وما كان ذلك الا لاختلاف المكان وقد عينا أن ما يختلف مالية المسلم فيه باختلافه فاعلامه شرط لجواز العقد وهذا الخلاف في فصول أربعة (أحدها) السلم (والثانى) إذا باع عبدا بحنطة موصوفة في الذمة الي اجل يشترط بيان مكان الايفاء لجواز العقد عند أبى حنيفة وعندهما لا يشترط بيان مكان الايفاء (والثالث) إذا استأجر
[ 129 ] دارا بماله حمل ومؤنة دينا في ذمته عند أبى حنيفة رحمه الله يشترط بيان مكان الايفاء عندهما يتعين موضع الدار للاستيفاء لا موضع العقد (والرابع) إذا اقتسما دارا وشرط أحدهما علي صاحبه شيئا له حمل ومؤنة فهو على هذا الخلاف ويأتى بيان ذلك في الاجارات والقسمة ان شاء الله تعالى فاما اعلام قدر رأس المال فيما يتعلق العقد على قدره كالمكيل والموزون فشرط السلم عند ابى حنيفه وعندهما ليس بشرط والاشارة إلى عينه تكفى وكذلك إذا كان رأس المال عدديا متقاربا كالفلوس والجوز والبيض وجه قولهما ان المصود من اعلام القدر القدرة على التسليم وانقطاع المنازعة وذلك حاصل بالاشارة إلى العين فيغنى ذلك عن اعلام القدر كما في الثمن والاجرة وكما في المضاربة لو دفع إليه دراهم غير معلومة المقدار مضاربة بالنصف كان جائزا والدليل عليه أن رأس المال لو كان ثوبا لا يشترط إعلام ذرعانه والذرع في المذروعات للاعلام بمنزلة القدر في المقدرات الا ترى أن في المسلم فيه كما يشترط اعلام القدر يشترط اعلام الذراع إذا كان ثوبا ثم في رأس المال لا يشترط اعلام الذرع في المذروعات لكونه عينا فكذلك لا يشترط اعلام القدر في المقدرات ومذهب أبى حنيفة مروى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ذكره في كتاب الصلح وقول الفقيه من الصحابة رضى الله تعالى عنهما مقدم على القياس والمعنى فيه أن هذا مقدر يتناوله عقد السلم فلابد من اعلام قدره كالسلم فيه وتحققه أن جهالة قدر رأس المال تؤدى إلى جهالة المسلم فيه لان المسلم إليه ينفق رأس المال شيئا فشيئا وربما يجد بعد ذلك زيوفا فيرده ولا يستند له في مجلس الرد فيبطل العقد بقدر ماردوا لا لم يكن مقدار رأس المال معلوما لا يعلم في كم انتقض السلم وفى كم بقى وإذا كان مقدار رأس المال معلوما يوزن المردود فيعلم انه في كم انتقض العقد وما يؤدى إلى جهالة المسلم فيه يجب الاحتراز عنه وان كان ذلك موهوما ألا ترى انه لو أسلم في مكيل بمكيال رجل بعينه لا يجوز العقد لانه يتوهم هلاك ذلك المكيال وهو مخالف لغيره من المكاييل فإذا هلك صار مقدار المسلم فيه مجهولا فكذلك هنا يجب التحرز عن الجهالة بأعلام مقدار رأس المال بخلاف مااذا كان رأس المال ثوبا لان الذرعان في الثوب المعين صفة ولهذا لو اشترى ثوبا على انه عشرة أذرع فوجده أحد عشر ذراعا تسلم له الزيادة ولو وجده تسعة أذرع لا يحط عنه شيئا من الثمن فالمسلم فيه لا ينقسم على عدد الذرعان فيشترط فيه اعلامه ثم لا يتصور استحاق ذرع بعينه من الثوب وانما يتصور استحقاق
[ 130 ] النصف أو الثلث وذلك لا يؤدى إلى جهالة المسلم فيه وان لم يكن معلوم الذرع بخلاف المقدار علي مابينا وانما لم يذكر في جملة الشرائط تعجيل رأس المال في المجلس لانا عددنا الشرائط التى يحتاج إلى ذكرها في العقد وتعجيل رأس المال ليس من ذلك في شئ لان فلك شرط بقاء العقد لاشرط انعقاده صحيحا فان العقد بينهما لازم قبل تعجيل رأس المال مادما في المجلس فلهذا لم يذكره من جملة الشرائط. قال (وإذا شرط طعام قربة بضيها أو أرض خاصة لا يبقى طعامها في أيدى الناس فالسلم فاسد) لما روى أن زيد بن شعبة أسلم إلى رسول الله ﷺ في التمر فقال أسلمت اليك في تمر حائط فلان فقال صلي الله عليه وسلم أما حائط فلان فلا أسلم إلى في تمر جيد وفى مثله قال ﷺ أرأيت لو أذهب الله ثمرته بم يستحل أحدكم مال أخيه لا تسلفوا في الثمار حتى يبدو صلاحها وفى هذا إشارة إلى المعنى وهو ان قدرة العاقد على التسليم عند وجوب التسليم شرط لجواز العقد ولا يعلم قردته على التسليم عند حلول الاجل الا بوجود الثمار في تلك النخلة أو الحائط الذى عينه ووجود ذلك موهوم وبالموهوم لا تثبت القدرة على التسليم وكذلك إذا عين أرضا لا يبقى طعامها في أيدى الناس فقدرته على التسليم عند وجوب التسليم موهوم. قال (ولا بأس بان يأخذ بعض رأس ماله وبعض ما أسلم فيه إذا حل الاجل عندنا) وهو قول ابن عباس رضى الله عنهما وكان عبد الله بن عمر رضى الله عنهما لا يجوز ذلك وبه أخذ ابن أبى ليلى. قال (وإذا أخذ بعض رأس ماله فسد العقد ويسترد ما بقى من رأس المال) لقوله ﷺ لا تأخذ الا سلمك أو رأس مالك فإذا أخذ بعض كل واحد منهما فلم يأخذ لا هذا ولا ذاك فلا يتمكن منه شرعا ولانه حين أخذ بعض رأس المال فقد اختار فسخ العقد فينفسخ في الكل وحجتنا في ذلك ان أخذ رأس المال إقالة ولو أقاله في الكل جاز فلذلك إذا أقاله البعض يجوز أيضا كما في بيع العين وتأويل الحديث أن النهى عن أخذ شئ آخر سوى رأس المال والمسلم فيه وأنه في هذا الموضع ما أخذ غير رأس المال وغيره المسلم فيه وانما يكون ذلك عند الاستبدال وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال ذلك المعروف الحسن الجميل وكان يكفيه أن يقول جائز وانما ذكر هذا اللفظ لان السلم بدون ثمن المثل يكون عادة والمسلم إليه بندم عند محل الاجل وقال ﷺ من أقال نادما بيعته أقال الله عثراته يوم القيامة إلا أنه لو أقاله في الكل فات مقصود رب السلم وهو
[ 131 ] الربح فأقاله في البعض انتدابا إلى ماندب إليه واستوفى بعض المسلم فيه ليحصلا مقصوده في الربح ففيه النظر لهما وهو المعروف الحسن الجميل. قال (والسلم جائز فيما يكال أو يوزن مما لا ينقطع من أيدى الناس) والاصل فيه ان كل ماكان مضبوطا بوصفه معلوما بقدره موجودا من وقت عقده إلى حين أجله يجوز السلم فيه ومالا فلا وقيل كل ما يمكن أن يؤتى على حصر متقاربة ويكون مقدور التسليم يجوز السلم فيه وقيل كل ما يمكن معرفة كميته اجتهادا وكيفيته ضرورة يجوز السلم فيه والمكيلات والموزونات بهذه الصفة. قال (ولا خير في السلم في الرطبة ولا في الحطب حزما ولا جرزا وأوقارا لان هذا مجهول لايعرف طوله وعرضه وغلظه فان الاوقار تختلف وبسبب هذه الجهالة تتمكن المنازعة بينهما وقد بينا أن كل جهالة تفضي إلى المنازعة فهى مفسده للعقد وان عرف ذلك فهو جائز) معناه إذا بين طول ما تشد به الحزمة أنه ذراع أو شبر فان كان ذلك على وجه لا يتفاوت فحينئذ يجوز السلم لكون المسلم فيه معلوما مقدور التسليم. قال (ولا خير في السلم في جلود الابل والبقر والغنم عندنا) وقال مالك بانه يجوز لانه مقدور التسليم معلوم المقدار بالوزن والصفة بالذكر ولكنا نقول الجلود لا توزن عادة ولكنها تباع عددا وهى عددية متفاوتة فيها الصنير والكبير فلا يجوز السلم فيها وفي الحاصل هذا مبنى على السلم في الحيوان فقد قامت الدلالة لنا على أن السلم في الحيوان لا يجوز فكذلك في أبعاض اليحوان ولهذا لا يجوز السلم في الاكارع والرؤس وكذلك لا يجوز السلم في الادم والورق لانه مجهول فيه الصغير والكبير الا أن يشترط من الورق والصحف والادم ضربا معلوم الطول والعرض والجودة فحينئذ يجوز السلم فيه كالثياب وكذلك الادم إذا كان يباع وزنا فانه يجوز السلم فيه بذكر الوزن إذا كن على وجه لا تتمكن المتنازعة بينهما في التسليم والتسلم. قال (ولا خير في السلم في شئ من الحيوان عندنا) وعند الشافعي يجوز إذا بين الجنس والنوع والصفة وللسن واحتج في ذلك بما روينا من الاثار أن النبي ﷺ استقرض بكرا وقضاه رباعيا وقال خيركم أحسنكم قضاء والسلم أقرب إلى الجواز من الاستقراض فإذا ثبت جواز استقراض الحيوان بهذا الحديث ثبت جواز السلم فيه بطريق الاولى والمعنى فيه أنه مبيع معلوم مقدور التسليم فيجوز السلم فيه كالثياب والمكيلات والموزونات وبيان الوصف انه يجوز بيعه عينا والدليل على انه معلوم فانه إذا سمى الابل صار الجنس معلوما وإذا قال حيوان
[ 132 ] صار النوع معلوما وإذا قال جذع أوثنى يصير السن معلوما وإذا قال ثمين تصير الصفة معلومة واعلام الشئ من الاعيان بهذا الاشياء وشرط جواز العقد اعلام العين ولا يعتبر بعد ذلك جواز نفع في المالية كما في الذبائح والثياب الفاخرة والدليل عليه أن بنى إسرائيل استوصفوا البقرة فوصفها الله تعالى لهم وادركوها بتلك الصفة حيث قالوا الآن جئت بالحق وقال ﷺ لا يصف الرجل الرجل بين يدى امرأته حتى كأنها تنظر إليه فقد جعل الموصوف من الحيوان كالمرئي والدليل عليه انه يثبت في الذمة مهرا وان الدعوى والشهادة في الحيوان تسمع بذكر الصفة فدل أنها تصير معلومة بذكر الوصف بخلاف اللآلئ والجواهر فالسلم في الصغار من اللالئ يجوز وزنا أما الكبار منها فلا يمكن إعلامها لكون المقصود التدوير والصفا والماء وليس لذلك حد معلوم يوقف عليه فإذا بالغ في بيانه يصير بذلك عديم النظير وفي مثله لا يجوز السلم ولهذا لا يثبت مهرا في الذمة وحجتنا في ذلك حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن السلم في الحيوان وفى الكتاب. قال (بلغنا عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه) وانما فسر هذا الحديث في أول كتاب المضاربة أن ابن مسعود رضى الله تعالي عنه دفع مالا مضاربة إلى زيد بن خليدة فأسلمها زيد الي عتويس بن عرقوب في قلانص معلومة فقال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه اردد مالنا لا نسلم أموالنا في الحيوان وقد روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه انه قال ان من الربا أبوابا لا يكدن يخفين على أحد منها السلم في السن وقد بينا تأويل آثارهم وما روى انه استقرض بكرا فالمراد استعجل في الصدقة ثم لم تجب الزكاة على صاحبها فردها رباعيا أو استقرض لبيت المال وكما يجوز أن يثبت لبيت المال حق مجهول يجوز أن يثبت ذلك علي بيت المال أيضا والمعنى فيه انه أسلم في مجهول فلا يجوز كما لو أسلم في الحلقات أو الجواهر وهذا لان المسلم فيه مبيع وشرط جواز العقد القدرة على التسليم ولا يوجد ذلك إذا كان المسلم فيه مجهولا وبيان الوصف ان بعد ذكر الاوصاف التى يشترطها الخصم يبقى تفاوت عظيم في المالية فانك تجد فرسين مستويين في السن والصفة ثم تشترى أحدهما بأضعاف ما تشترى به الآخر لتفاوت بينهما في المعاني الباطنة كالهملجة وشدة العدو وكذلك في البعيرين وهذا في بنى آدم لا يخفى فان العبدين والامتين يتساويان في السن والصفة ويختلفان في المالية لتفاوتهما في الذهن
[ 133 ] والكياسة وفيه يقول القائل رب واحد يعدل الفا زائدا * وألوف تراهم لا يساوون واحدا وكما أن العين مقصود فالمالية أيضا مقصودة بل أكثر لان المقصود هو الاسترباح وذلك بالمالية يكون فإذا كان الحيوان بذكر الاوصاف لا يلتحق بذوات الامثال في معنى المالية قلنا لا يجوز السلم فيها بخلاف الثياب فانها مصنوع بنى آدم فما لم يكن معلوما لهم لا يتمكنون من اتخاذها والثياب إذا نسجت في منوال واحد على هيئة واحدة لا تتفاوت في المالية الا يسيرا ولا معتبر بذلك القدر كالتفاوت بين الجيد والردى في الحنطة في المالية فأما الحيوان مصنوع الله تعالى وذلك يكون على ما يريده فقد يكون علي وجه لا نظير له ولو بالغ فاستقصى في بيان وصفه يصير عديم النظير وذلك لا يجوز السلم فيه بالاتفاق ويوضحه ان أقرب الحيوانات الي الثياب الغنم وما هو المقصود من الغنم غير مرئى بل هو تحت الجلد ويقع فيه تفاوت عظيم وما هو المقصود في الثياب ظاهر مرئى وقد ذكر عمرو بن أبى عمرو عن محمد رحمهما الله تعالى قال قلت له انمالا يجوز السلم في الحيوان لانه غير مضبوط بالوصف. قال (لافانا نجوز السلم في الذبائح ولا نجوز في العصافير) ولعل ضبط العصا فير بالوصف أهون من ضبط الذبائح ولكنه للسنة وانما ذكر الله تعالى لبنى إسرائيل الاوصاف الظاهرة وذلك يمكن أعلامه عندنا ثم كان المقصود التشديد عليهم لما استقصوا في الاستيصاف هكذا قاله ابن عباس رضي الله عنه وانما نهى رسول الله ﷺ عن الاستيصاف لخوف الفتنة وذلك يقع بالاوصاف الظاهرة وكذلك سماع الدعوى والشهادة لان الاوصاف الظاهرة منها تصير معلومة وثبوتة في الذمة مهر الكون النكاح مبنيا على التوسع فان المقصود به شئ آخر سوى المالية بخلاف السلم ولهذا يجوز من غير بيان الوصف هناك. قال (ولا بأس السلم في الثياب كلها بعد ان يشترط ضربا معلوما وطولا وعرضا بذارع معلوم واجلا وصفة معلومة) لان مقدار المالية بذكر هذه الاوصاف يصير معلوما عادة والتفاوت الذى يقع بعد هذا يسير واليسير من التفاوت غير معتبر لانه لا يتمكن بسببه منازعة مانعة من التسليم والتسلم ولا يشترط الوزن بخلاف الحرير فانه إذا أسلم في الحرير ينبغى أن يشترط الوزن لان قيمة الحرير تختلف باختلاف الوزن وينبغى ان يشترط الطول والعرض مع الوزن لان المسلم إليه ربما يأتي وقت حلول الاجل يقطع الحرير بذلك الوزن ونحن نعلم يقينا انه
[ 134 ] لم يرد به قطع الحرير. قال (وكل شئ ينقطع من أيدى الناس فلا خير في السلم فيه) وهذه المسألة على أربعة أوجه (أحدها) أن يكون المسلم فيه موجودا عند العقد منقطعا عن أيدى الناس عند حلول الاجل فلهذا لا يجوز بالاتفاق لان السلم إليه بالعقد يلتزم التسليم عند حلول الاجل فإذا لم يكن مقدور التسليم عند ذلك لا يجوز العقد (الثاني) ان يكون منقطعا وقت العقد موجودا في أيدى الناس عند حلول الاجل فهذا لا يجوز عندنا ويجوز عند الشافعي (الثالث) أن يكون موجودا عند العقد وعند حلول الاجل ولكنه ينقطع عن أيدى الناس فيما بين ذلك فهذا لا يجوز عندنا وعلى قول مالك والشافعي رحمهما الله (الرابع) أن يكون موجودا من وقت العقد إلى وقت المحل على وجه لا ينقطع فيما بين ذلك فيكون العقد صحيحا بالاتفاق وحجتهم في ذلك حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم دخل المدينة فوجدهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين وربما قال ثلاث سنين فقال من اسلم منكم فليسلم في كيل معلوم ومعلوم أن الثمار الرطبة لا تبقى إلى هذه المدة الطويلة ومع هذا قرهم علي السلم فيها والمعنى فيه وهو ان المسلم فيه معلوم مقدور التسلم عند وجوب التسليم فيجوز العقد كما لو كان موجودا من وقت العقد إلى وقت المحل وبيان الوصف أن وجوب التسليم بحكم العقد عند حلول الاجل وعند ذلك هو موجود في العالم والقدرة على تسليم الدين بوجود جنسه في العالم ولا معنى لقول من يقول من الجائز أن يموت المسلم إليه عقيب العقد فيحل الاجل لان هذا موهوم ولا يبنى العقد على الموهومات الا ترى أن اعتبار هذا الموهوم يؤدى إلى الحلول أو جهالة الاجل وذلك مبطل لعقد السلم وان كان موجودا في الحال فدل أنه لا يعتبر ذلك وكذلك ان كان ينقطع فيما وراء ذلك المحل يجوز العقد وان كان يتوهم أن يتأخر التسليم إلى ان ينقطع وليس هذا نظير مالو عين مكيالا أو قيما تخالف مابين الناس لان بطلان العقد ليس باعتبار هلاك ما عينه بل باعتبار جهالة قدر المسلم فيه كتعيين المسلم فيه لا لانه يتوهم أو يصيب ثمار تلك النخلة آفة والدليل أن وجود السلم فيه في مكان العقد ليس بشرط بجواز العقد فكذلك في زمان العقد لا التسليم لا يتأتى الا بمكان أو زمان فكل يسقط اعتبار وجوده في مكان العقد فكذلك في زمان العقد وحجتنا في ذلك قوله صلي الله عليه وسلم لا تسلفوا في الثمار حتى يبدو صلاحها وفى الحديث المعروف أن النبي ﷺ نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ولم يرد به النهى عن بيعها سلما والمعنى فيه أن قدرة العاقد
[ 135 ] على تسليم المعقود عليه شرط لجواز العقد كما في بيع العين وهذا لان الملتزم للتسليم هو العاقد فيشترط قدرتة على التسليم ولا يوجد ذلك إذا كان المسلم فيه معدوما في الحال لان العاقد لا يقدر على تسليمه الا بايصال حياته وأن ذلك الشئ وايصال حياته بأوان الوجود موهوم وبالموهوم لا تثبت القدرة على التسليم فان قيل حياته معلومة في الحال والاصل بقاؤه حيا إلى ذلك الوقت وانما الموت موهوم قبله قلنا نعم ولكن بقاؤه حيا إلى ذلك الوقت باستصحاب الحال فيكون معتبرا في ابقاء ماله على ملكه لافى توريثه من مورثه فبهذا الطريق لا تثبت قدرته على التسليم الا أن يكون موجودا في الحال حتى تكون حياته متصلة بأوان ذلك الشئ ثم عجزه بالموت أو بآخر التسليم إلى ان ينقطع موهوم فلا يعتبر ذلك في افساد العقد يقرره ان ما بعد العقد بمنزلة حالة المحل لان زمان المحل وقت وجوب التسليم بشرط بقائه حيا إلى ذلك الوقت وذلك موهوم وما بعد العقد وقت وجوب التسليم بشترط موته وذلك موهوم أيضا فاستويا من هذا الوجه ثم يشترط الوجود وقت المحل بالاتفاق فلذلك يشترط الوجود من وقت العقد إلى وقت المحل بخلاف ما وراء المحل لان ذلك ليس بزمان وجوب التسليم ابتداء وانما هو زمان بقاء ما وجب من التسليم ولا يعتبر في حالة البقاء ما يعتبر في حالة الابتداء كخلو المحل عن الردة والعدة في النكاح والشهود تعتبر عند ابتداء العقد لا عند البقاء واعتبار الزمان بالمكان ساقط لانه يتحقق نقله من مكان إلى مكان فبانعدامه في مكان العقد لا تنعدم القدرة على التسليم ولا يتحقق نقله من زمان الي زمان فتنعدم القدرة على التسليم لعدم الوجود في زمان العقد الا ترى انه لا يشترط وجوده في المكان الذى جعلاه محل التسليم ويشترط وجوده في زمان المحل وما افترقا الا لما قلنا وإذا كان المسلم فيه موجودا من وقت العقد الي وقت المحل ثم لم يأخذه بعد محل الاجل حتى انقطع فرب السلم بالخيار ان شاء أخذ رأس المال وان شاء صبر حتى يجيئ حينه فيأخذ ما أسلم فيه عند علمائنا الثلاثة رحمهم الله تعالى وقال زفر يبطل العقد ويسترد رأس المال لان الانقطاع من أيدى الناس في العجز عن تسليم الدين بمنزلة هلاك العين في العجز عن التسليم ولو هلك المبيع في بيع العين قبل التسليم بطل به البيع فكذلك إذا انقطعت من أيدى الناس وقاس بما لو اشترى بفلوس شيئا فكسدت قبل القبض يبطل العقد لهذا المعنى فكذلك إذا انقطع المسلم فيه من أيدى الناس وحجتنا في ذلك انه يعذر بتسليم المعقود عليه بعارض على شرف الزوال فيتخير فيه
[ 136 ] العاقد كما لو أبق العبد المبيع قبل القبض وهذا لان المعقود عليه دين وبقاء الدين ببقاء محله ومحل الدين انما هو الذمة فكان المعقود عليه باقيا ببقاء الذمة ولكن تأخر تسليمه إلى أوان وجوده وفيه يعتبر شرط العقد فيثبت للعاقد الخيار بين أن يفسخ العقد ويسترد رأس المال وبين أن يصبر حتى يأتي أوانه فيأخذ المسلم فيه وبه فارق هلاك العين فالمعقود عليه هناك يفوت أصلا وكذلك الفلوس إذا كسدت فان العقد انما تناول فلوسا هي ثمن فبعد الكساد لا يبقى ثمنا أصلا يوضحه أن ما يكسد من الفلوس لا يروج بعد ذلك أو لا يدرى متى يروج فلم يكن للقدرة فيه على التسليم أو ان معلوم فلهذا يبطل العقد هنا لادراك الثمار للقدرة على التسليم أو ان معلوم فيخير رب السلم ان شاء رضى بالتأخير وان شاء فسخ العقد وأخذ رأس ماله. قال ولا خير في السلم في الرمان والسفرجل والبطيخ والقثا والخيار وما أشبه ذلك مما لا يكال ولا يوزن) لانه يختلف فيه الصغير والكبير فلا يمكن أن يؤتى على حصر متقاربة وأصل هذا الجنس مروى عن أبى يوسف. قال (ما يتفاوت آحاده في القيمة فهو عددي متفاوت لا يجوز السلم فيه عددا) ومالا يتفاوت آحاده في القيمة وان ما يتفاوت أنواعه فهو عددي متفاوت لا يجوز السلم فيه عددا والرمان والبطيخ تتفاوت في المالية آحاده والبادنجان وما أشبه ذلك لا يتفاوت آحاده في المالية وعلى هذا الاصل يجوز السلم في البيض والجوز عددا لان آحاده في المالية لا تتفاوت فانك لا ترى جوزة بفلس وجوزة بفلسين وانما تتفاوت أنواعه في المالية وذلك التفاوت يزول بذكر العد في العدديات كالقدر في المقدرات وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى انه لا يجوز السلم في بيض النعام لانه تتفاوت آحاده في المالية وعلى قول زفر لا يجوز السلم في البيض والجوز عددا لان فيه الصغير والكبير وتجرى فيه المنازعة بينهما في التسليم والتسلم وانما يجوز السلم في البيض وزنا وفى الجوز كيلا بعد أن يكون بمكيال معروف له ونحن نجوز السلم فيه كيلا أيضا لانه يكال تارة ويعد أخرى فتنقطع فيه المنازعة بينهما بذكر الكيل كما ينقطع بذكر العدد. قال (ولا بأس بالسلم في الفلوس عددا لانه عددي متقارب أو هي أمثال متساوية قطعا مادامت متساوية رائجة لسقوط قيمة الجودة منها باصطلاح الناس وذكر أبو الليث الخوازم عن محمد انه لا يجوز السلم في الفلوس لانها ثمن مادامت رائجة والمسلم فيه مبيع فما هو ثمن لا يجوز ان يكون مسلما فيه كالذهب والفضة وبعد الكساد هي قطع صغار موزنة فلا يجوز السلم فيها عددا ولكن ما ذكره في الكتاب
[ 137 ] أصح لان صفة الثمنية في الفلوس عارضة باصطلاح الناس والمتعاقدان أعرض عن هذا الاصطلاح حين عقد السلم وما أعرض على الاصطلاح على كونه عدديا ولكن ليس من ضرورة خروجه في حقهما من أن يكون ثمنا خروجه من أن يكون عدديا كالجوز والبيض فاما الذهب والفضة ثمن باصل الحقه فلا ينعدم ذلك بجعلهما اياه مبيعا ألا ترى أن الفلوس تروج تارة وتكسد أخرى وتروج في ثمن الخسيس من الاشياء دون النفيس بخلاف النقود ولا خير في السلم في اللحم لانه مختلف في قول أبى حنيفة ولا بأس به في قول ابن أبى ليل وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إذا أسلم في موضع منه معلوم وسمى صفة معلومة فهو جائز وقيل لا خلاف بينهما وبين أبى حنيفة بل جواب أبى حنيفة فيما إذا أطلق السلم في اللحم وهما لا يجوز ان ذلك وجوابهما فيما إذا بين منه موضعا معلوما وأبو حنيفة يجوز ذلك والاصح ان الخلاف ثابت وان عند أبى حنيفة لا يجوز السلم فيه وان بين منه موضعا معلوما وجه قولهما انه موزون معلوم فيجوز السلم فيه كسائر الموزونات وبيان الوصف أن الناس اعتادوا بيعه وزنا ويجوز استقراضه وزنا ويحرى فيه الربا بعلة الوزن ثم الموزون المثمن معتبر بالمكيل المثمن ويجوز السلم فيه وان اشتمل على ما هو مقصود وعلى ما ليس بمقصود كالتمر فيما فيه من النوى غير مقصود ولا يمنع ذلك جواز السلم فكذلك ما في اللحم من العظم لان كل واحد منهما ثابت باصل الخلقه والدليل عليه جواز السلم في الالية مع ما فيها من العظم وكذلك يجوز السلم في الشحم لانه موزون فكذلك في اللحم ولابي حنيفة طريقان (أحدهما) ان اللحم يشتمل على ما هو المقصود وعلى ما ليس بمقصود وهو العظم فيتفاوت ما هو المقصود بتفاوت ما ليس بمقصود منه ألا ترى أنه تجرى المماكسة بين البائع والمشترى في ذلك فالمشترى يطالبه بالنزع والبائع يدسه فيه وهذا نوع من الجهالة والمنازعة بينهما لا ترتفع ببيان الموضع وذكر الوزن بخلاف النوى الذى في التمر فالمنازعة لا تجرى في نزع ذلك وكذلك العظم الذى في الالية وعلى هذا الطريق إذا أسلم في لحم منزوع العظم يجوز عند أبى حنيفة وهو اختيار ابن شجاع والطريق الآخر أن اللحم يشتمل علي السمن والهزال ومقاصد الناس في ذلك مختلفة وذلك يختلف باختلاف فصول السنة وبقلة الكلاء وبكثرة الكلاء والسلم لا يكون الا مؤجلا فلا يدرى ان عند حلول الحول على أي صفة تكون وهذه الجهالة لا ترتفع بذكر الوصف فكان السلم في اللحم بمنزلة السلم في الحيوان وبه فارق الاستقراض فالقرض لا يكون الا حالا وفى الحال
[ 138 ] صفة السمن والهزال معلومة وبخلاف الشحم والالية فالتفاوت فيهما من حيث القلة والكثرة وبذكر الوزن يزول ذلك وعلى هذا الطريق منزوع العظم سواء وهو الاصح. قال (ولاخير في السلم في السمك الطرى في غير حينه) لانه ينقطع عن أيدي الناس ولانه مختلف فالنكتة الاولى تدل علي أنه إذا أسلم في حينة يجوز والنكتة الثانية تمنع من ذلك وحاصل الجواب أن السلم فيه في غير حينه لا يجوز وزنا ولا عددا وفى حينه يجوز وزنا ولا يجوز عددا لان فيه الصغير والكبير الا أن الناس اعتادوا بيعه وزنا والتفاوت في المالية ينعدم بذكر الوزن وأبو حنيفة يفرق بين هذا وبين السلم في اللحم لما بينا أن العظم ليس بمقصود من اللحم حتى يجرى المماكسة في نزعه فانه يشتمل على السمن والهزال وذلك لا يوجد في السمك وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله ان الكبار من السمك الذى يقطع لا يجوز السلم فيها وزنا بمنزلة السلم في اللحم فانه إذا كان يقطع تجرى المماكسة في نزع العظم منه وتختلف رغائب الناس باختلاف الموضع منه فاما السمك المالح فلا بأس بالسلم فيه وزنا معلوما ولا خير فيه عددا أما الصغار منه فانه يباع وزنا ولا سمن له وهو مما لا ينقطع عن أيدى الناس فيجوز السلم فيه وزنا وفي الكبار لا يجوز السلم عددا للتفاوت ويجوز وزنا وعن أبى يوسف أنه لا يجوز ذلك بخلاف اللحم فهناك يتمكن من اعلام موضع الخبث أو الطهر ولا يتأتى ذلك في السمك فلا يجوز السلم فيه وزنا. قال (وإذا أسلم في الجذوع ضربا معلوما وسمى طوله وغلظه وأجله والمكان الذى يوفيه فيه فهو جائز) لانه مذروع معلوم كالثياب وكذلك الساج وصنوف العيدان والخشب والقصب واعلام الغلظ في القصب باعلام ما يسد به الظن بشبر أو ذراع أو نحو ذلك فعند ذلك لا تجرى المنازعة بينهما. قال (وإذا استصنع الرجل عند الرجل خفين أو قلنسوة أو طستا أو كوزا أو آنية من أواني النحاس فالقياس ان لا يجوز ذلك) لان المستصنع فيه مبيع وهو معدوم وبيع المعدوم لا يجوز لنهية ﷺ عن بيع ما ليس عند الانسان ثم هذا في حكم بيع العين ولو كان موجودا غير مملوك للعاقد لم يجز بيعه فكذلك إذا كان معدوما بل أولى ولكنا نقول نحن تركنا القياس لتعامل الناس في ذلك فانهم تعاملوه من لدن رسول الله ﷺ إلى يومنا هذا من غير نكير منكر وتعامل الناس من غير نكير أصل من الاصول كبير لقوله صلي الله عليه وسلم ما رأه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وقال ﷺ لا تجتمع أمتى علي ضلالة
[ 139 ] وهو نظير دخول الحمام بأجر فانه جائز لتعامل الناس وان كان مقدار المكث فيه وما يصب من الماء مجهولا وكذلك شرب الماء من السقا بفلس والحجامة بأجر جائز لتعامل الناس وان لم يكن له مقدار فما يشترط أن يصنع من الكنة على ظهره غير معلوم وفي الحديث أن النبي صلي الله عليه وسلم استصنع خاتما واستصنع المنبر فإذا ثبت هذا يترك كل قياس في مقابلته وكان الحاكم الشهيد يقول الاستصناع مواعدة وانما ينعقد العقد بالتعاطي إذا جاء به مفروغا عنه ولهذا ثبت فيه الخيار لكل واحد منهما والاصح انه معاقدة فانه أجرى فيه القياس والاستحسان والمواعيد تجوز قياسا واستحسانا ثم كان أبو سعيد البردعى يقول المعقود عليه هو العمل لان الاستصناع اشتغال من الصنع وهو العمل فتسمية العقد به دليل على أنه هو المعقود عليه والاديم والصرم فيه بمنزلة الآلة للعمل والاصح أن المعقود عليه المستصنع فيه وذكر الصنعة لبيان الوصف فان المعقود هو المستصنع فيه ألا ترى انه لو جاء به مفروغا عنه لامن صنعته أو من صنعته قبل العقد فأخذه كان جائزا والدليل عليه أن محمدا قال إذا جاء به مفروغا عنه فللمستصنع الخيار لانه اشترى شيئا لم يره وخيار الرؤية انما يثبت في بيع العين فعرفنا أن البيع هو المستصنع فيه. قال (وإذا عمله الصانع فقبل أن يراه المستصنع باعه يجوز بيعه من غيره) لان العقد لم يتعين في هذا بعد ولكن إذا أحضره ورآه المستصنع فهو بالخيار لانه اشترى ما لم يره وقال ﷺ من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه وعن أبى يوسف قال إذا جاء به كما وصفه له فلا خيار للمستصنع استحسانا لدفع الضرر عن الصانع في افساد أديمه وآلاته فربما لا يرغب غيره في شرائه على تلك الصفة فلدفع الضرر عنه قلنا بانه لا يثبت له الخيار وفرق في ظاهر الرواية بين هذا والسلم. وقال لا فائدة في اثبات الخيار في السلم لان المسلم فيه دين في الذمة وإذا رد المقبوض عاد دينا كما كان وهنا اثبات الخيار مقيد لانه مبيع عين فبرده ينفسخ العقد ويعود إليه رأس ماله ويوضح الفرق أن اعلام الدين بذكر الصفة إذ لا يتصور فيه المعاينة فقام ذكر الوصف في المسلم فيه مقام الرؤية في بيع العين فاما إعلام العين فتمامه بالرؤية والمستصنع فيه مبيع عين فلهذا يثبت فيه خيار الرؤية. قال (فان ضرب لذلك أجلا وكانت تلك الصناعة معروفة فهو سلم) في قول ابى حنيفة تعتبر فيه شرائط السلم من قبض رأس المال في المجلس ولا خيار فيه لرب السلم إذا أحضره المسلم إليه وهو عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى استصناع علي حاله لانه بدون ذكر الا حل عقد
[ 140 ] جائز غير لازم فبذكر الاجل فيه لا يصير لازما لعقد الشركة والمضاربة وهذا لان ذكر الاجل تيسر فيه وتأخير المطالبة فلا يتغير به العقد من جنس إلى جنس آخر ولو كان الاستصناع بذكر الاجل فيه يصير سلما لصار السلم بحذف الاجل منه استصناعا ولو كان هذا سلما لكان سلما فاسدا لانه شرط فيه صنعة صانع بعينه وذلك مفسد للسلم وأبو حنيفة يقول هذا مبيع دين والمبيع الدين لا يكون الا سلما كما لو ذكر لفظة السلم وبيانه ما ذكرنا ان المستصنع فيه مبيع والاجل لا يثبت الا في الديون فلما ثبت فيه الاجل هنا عرفنا أنه مبيع دين فتأثيره ان المتعبر ما هو المقصود وبه يختلف العقد لا باعتبار اللفظ الا ترى انه لو قال ملكتك هذا العين بعشرة دراهم كان بيعا ولو قال بسكنى هذا الدار شهرا كانت إجارة فعرفنا أن المعتبر ما هو المقصود ثم السلم أقرب الي الجواز من الاستصناع فان كل واحد منهما مستحسن ولكن الآثار في السلم مشهورة وهو جائز فيما للناس فيه تعامل وفيما لا تعامل فيه فكان الاصل فيما قصداه السلم إلا إذا تعذر جعله سلما بان لم يذكرا فيه أجلا فحينئذ جعل استصناعا فاما إذا أمكن جعله سلما بأن ذكر الاجل يجعل سلما ولان الاجل مؤخر للمطالبة ولا يكون ذلك الا بعد لزوم العقد واللزوم في السلم دون الاستصناع فثبوت الاجل فيه دليل علي انه سلم وذكر الصنعة لبيان وصف المسلم فيه ولهذا لو جاء به مفروغا عنه لامن صنعته يجبر على القبول وبهذا تبين فساد قولهم انه سلم شرط فيه صنعة صانع بعينه وما قالا بأن السلم بحذف الاجل لا يصير استصناعا يشكل بالمتعة فانه لا يصير نكاحا بحذف المدة عنه ثم النكاح بذكر المدة فيه يصير متعة وهو إذا تزوج امرأة شهرا وهذا إذا كان ذكر المدة علي سبيل الاستمهال أما إذا كان علي سبيل الاستعجال بأن قال على أن يفرغ منه غدا أو بعد غدا فهذا لا يكون سلما لان ذكر المدة للفراغ من العمل لا لتأخير المطالبة بالتسليم ألا ترى أنه ذكر أدنى مدة يمكنه الفراغ فيها من العمل ويحكى عن الهندوانى. قال ان كان ذكر المدة من قبل المستصنع فهو للاستعجال ولا يصير به سلما وان كان الصانع هو الذي ذكر المدة فهو سلم لانه يذكر علي سبيل الاستمهال وقيل ان ذكر أدنى مدة يتمكن فيها من الفراغ من العمل فهو استصناع وان كان أكثر من ذلك فهو سلم لان ذلك يختلف باختلاف الاعمال فلا يمكن تقديره بشئ معلوم. قال (ولا بأس بالسلم في اللبن في جبنه وزنا أو كيلا معلوما) لانه يكال تارة ويوزن أخرى فيصير معلوما بذكر كل واحد
[ 141 ] منهما علي وجه لا يبقى فيه منازعة في التسليم. قال (في الكتاب وهذا قبل انقطاعه وهذا في عرف ديارهم) لان اللبن ينقطع عن أيدى الناس في بعض الاوقات فأما في ديارنا لا ينقطع وان كانت تزاد قيمته في بعض الاوقات ولكن لا يعد ذلك انقطاعا فيجوز السلم فيه في كل وقت قال (ولا بأس بالسلم في اللبن والآجر إذا شرط فيه شيئا معلوما) لانه عددي متقارب فان آحاده لا تختلف في المالية وانما تختلف أنواعه وانما يكون معلوما بذكر الملبن فملبن كل نوع منه معلوم عند أهل الصنعة وان كان لايعرف ذلك فلا خير فيه. قال (ولا بأس بالسلم في التبن كيلا معلوما وكيمانا معلومة) لانه مكيل مقدور التسليم وكيله الغرارة إذا كان معلوما وان كان لا يعرف ذلك فلا خير فيه. قال (ولا خير في السلم في رؤس الغنم والا كارع) لانها عددية متفاوتة ألا ترى ان المشترى ينازع البائع فيقول أريد هذا ولا أريد هذا والمقصود ما عليها من اللحم وهى تختلف ثم هذا على قول أبى حنيفة غير مشكل لانها أبعاض الحيوان كاللحم وهما يقولان اللحم موزون أما الرؤس والا كارع فغير موزونة عادة وبذكر الوزن لا يصير المقصود منها معلوما فلا يجوز السلم فيها. قال (ولا خير في السلم في كل شئ مما يكال أو يوزن إذا شرط بمكيال غير معورف أو بأناء بعينه غير معروف أو بوزن حجر غير معروف) لان مقدار السلم فيه لابد من أن يكون معلوما عند العقد وبما ذكر لا يصير مقدراه بالمكيال المعروف والميزان المعروف معلوما فكان هذا سلما في المجهول ولان القدرة على التسليم وقت وجوب التسليم شرط وذلك لا يتحقق الا ببقاء ما عينه من المكيال الي وقت حلول الاجل وبقاؤه موهوم فربما يهلك قبل ذلك وإن اشترى بذلك الاناء يدا بيد فلا بأس به لان في العين يجوز البيع مجازفة فمكيال غير معروف أولى وهذا لان التسليم عقيب العقد والقدرة علي التسليم للحال ثابتة وهذا لان التسليم عقيب العقد لا بقيام المكيال الذى عينه وعن أبى حنيفة في غير الاصول أنه لا يجوز لان البيع في المكيلات والموزونات اما أن تكن مجازفة أو يذكر القدر ففى المجازفة والمعقود عليه ما يشار إليه وعند ذكر القدر المعقود عليه ما سمى من القدر ولم يوجد واحد منهما هنا فانه ليس بمجازفة ولا يشترط فيه الكيل إذا لم يكن المكيال معلوما وعن أبى يوسف قال في بيع العين ان عين مكيالا لا ينكبس بالكبس فيه كالزنبيل ونحوه لا يجوز العقد فيه فانه تتمكن المنازعة بينهما في الكيل وان كان شيئا لا ينقبض ولا يبسط كالقصمة ونحوها يجوز. قال (ولا بأس
[ 142 ] بالسلم في العصير في حينه وزنا أو كيلا) لانه يوزن أو يكال كاللبن وكذلك الخل لا بأس بالسلم فيه كيلا معلوما أو وزنا معلوما لانه يكال ويوزن واعلام المقدار بذكر كل واحد منهما محصل والاصل ان ما عرف كونه مكيلا على عهد رسول الله ﷺ فهو مكيل أبدا وان اعتاد الناس بيعه وزنا وما عرف كونه موزونا في ذلك الوقت فهو موزون أبدا وما لم يعلم كيف كان يعتبر فيه عرف الناس في كل موضع ان تعارفوا فيه الكيل والوزن جميعا فهو مكيل وموزون وعن أبى يوسف ان المعتبر في جميع الاشياء العرف لانه نما كان مكيلا في ذلك الوقت أو موزونا في ذلك الوقت باعتبار العرف لا بنص فيه من رسول الله صلي الله عليه وسلم ولكنا نقول تقرير رسول الله ﷺ إياهم علي ما تعارفوه في ذلك الشئ بمنزلة النص منه فلا يتغير بالعرف لان العرف لا يعارض النص قال (وان أسلم في تمر ولم يسم فارسيا ولاد قلا لم يجز) لان التمر أنواع فبدون ذكر النوع لا تنقطع المنازعة فان اشترط فارسيا فلا بد من أن يشترط جيدا أو وسطا أو رديا لان كل نوع من التمر يشتمل على هذه الاوصاف الثلاثة والمالية تختلف بجنسها. قال (ولا خير في السلم في شئ من الطيور ولا في لحومها) لان آحادها تختلف في المالية فكانت عددية متفاوتة وهما فرقا بين هذا وبين السلم في اللحم لان هناك يمكن اعلام المسلم فيه بذكر الموضع ولا يتأنى ذلك في لحوم الطير وعن أبى يوسف قال ما لا تتفاوت آحاده في المالية كالعصافير ونحوها يجوز السلم في لحومها. قال (ولا خير في السلم في شئ من الجواهر واللؤلؤ أما الصغار من اللآلئ التى تباع وزنا وتجعل في الادوية يجوز السلم فيها وزنا واما الكبار منها تتفاوت آحادها في المالية وهى عددية متفاوتة لا يمكن اعلام ما هو المقصود منها فلا يجوز السلم فيها. قال (ولا بأس بالسلم في الجص والنورة كيلا) لانه كيل معلوم وهو مقدور التسليم في كل وقت. قال (ولا خير في السلم في الزجاج الا أن يكون مكسورا فيشترط وزنا معلوما وكذلك جوهر الزجاج فانه موزون معلوم على وجه لا تفاوت فيه اما الاواني المتخذة من الزجاج فهى عددية متفاوتة فلا يجوز السلم فيها بذكر العدد ولا بذكر الوزن) لان ذلك لا يوزن ولا تعلم ماليته بوزنه الا أن يكون شيئا معروفا يعلم انه لا يتفاوت في المالية كالمكاحل والمطابق فان آحاد ذلك لا تختلف في المالية إنما تختلف أنواعه وكل نوع منه معلوم عند اهل الصنعة فيجوز السلم فيه بذكر العدد. قال (وإذا أسلم الرجل إلى رجل ألف درهم في طعام خمسمائة من ذلك كانت دينا عليه وخمسمائة
[ 143 ] نقدها اياه جازت حصة العين من ذلك وبطلت حصة الدين وعن زفر ان العقد في الكل باطل أما في حصة الدين فلنهى النبي صلي الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ يعنى الدين بالدين وهذا فساد قوى يمكن في البعض فيفسد به الكل باعتبار أنه جعل قبول العقد في حصة الدين شرطا للقبول في حصة العين وهذا شرط فاسد ومذهبنا مروى عن ابن عباس رضى الله عنهما تم يعتبر البعض بالكل في الدين والمعنى جميعا وحقيقة المعنى ان العقد انعقد صحيحا في الكل حتي لو نقد جميع الالف في المجلس كان العقد صحيحا وهذا لانه لا يتعلق العقد بالدين المضاف إليه وانما يتعلق بجنسه ومثله ولو اشترى بالدين شيئا عليه الدين ثم تصادقا على أن لادين بقى الشراء صحيحا وانما فسد العقد هنا بمقدار الخمسمائة بترك القبض في المجلس وهذا فساد طارئ فيقتصر على ما وجدت فيه علته كما لو هلك بعض المعقود عليه قبل التسليم قال (وإذا أسلم الرجل مائة درهم في كرحنطة وكر شعير ولم يبين رأس مال كل واحد منهما فلا خير فيه عند أبى حنيفة) بلغنا ذلك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهذا بناء على ما بينا ان اعلام قدر رأس المال فيما يتعلق العقد على شرطه شرط عنده وهنا المائة التى تنقسم انقسمت على الحنطة والشعير باعتبار القيمة وطريق معرفته الحرز فلا يكون مقدار رأس المال لكل واحد منهما معلوما لو تتاركا السلم في أحدهما لم يعلم يقينا مقدار ما يرده فلا يجوز العقد وعندهما الاشارة إلى العين تكفى لجواز العقد وقد وجد. قال (ولا يجوز السلم إذا كان فيه شرط خيار) لان خيار الشرط يعدم الملك ويجعل العقد في حق الحكم كالمتعلق بشرط سقوط الخيار فكان تأثيره أكثر من تأثير عدم القبض وعدم قبض رأس المال في المجلس مبطل للسلم فاشتراط الخيار فيه أولى وهذا لان للقبض حكم العقد وقد صار بشرط الخيار في حق الحكم كالمتعلق بالشرط والمتعلق بالشرط معدوم قبله وبهذا تبين ان القبض لايتم والافتراق قبل تمام القبض مبطل للعقد الا أن يبطل صاحب الخيار خياره قبل أن يتفرقا فيحنئذ ينقلب العقد صحيحا عندنا خلافا لزفر فان من أصله ان تصحيح العقد الفاسد في استقباله فقط وعندنا المفسد متى زال قبل تقرره جعل كان لم يكن وتقرر الفساد هنا بالافتراق قبل تمام القبض وقد انعدم ذلك متى أسقطا الخيار قبل أن يتفرقا ولا حالة المجلس كحالة العقد ولهذا جعل قبض رأس المال في المجلس كالمقترن بالعقد فكذلك لزوم العقد باسقاط الخيار في المجلس يجعل كالمقترن بالعقد وهذا إذا كان رأس المال قائما في يد المسلم إليه عند اسقاط الخيار وان كان قد أنفقه (10 ثانى عشر مبسوط)
[ 144 ] حتى صار دينا عليه لم يصح العقد باسقاط الخيار ذكره في الجامع لان ابتداء العقد برأس مال هو دين لا يجوز فكذلك إتمامه باسقاط الخيار. قال (وإذا أسلم إليه عشرة دراهم أو ثوبا أو عبدا في طعام ثم افترقا قبل قبض رأس المال لم يجز السلم) وقال مالك يجوز وان لم يقبض رأس المال يوما أو يومين بعد أن لا يكون جلا بمنزلة الثمن في البيع فانه لا يشترط قبضه في المجلس الا ان هنا الشرط أن يكون حالا لان ما يقابله مؤجل والنسيئة بالنسيئة حرام ولا تنعدم صفة الحلول بترك القبض فيه يوما أو يومين ولكنا نقول السلم أخذ عاجل بآجل فيشترط كون أحد البدلين فيه معجلا كما يشترط أن يكون الآخر مؤجلا ليتوفر على هذا العقد مقتضاه والتعجيل إنما بحصل بالقبض في المجلس فكان ينبغى أن يشترط اقتران القبض بالعقد فانه أتم ما يكون من التعجيل ولكن الشرع جعل ساعات المجلس كحالة العقد تيسيرا كما في عقد الصرف ثم ان كان رأس المال دينا فالعقد يبطل بالافتراق قبل قبض رأس المال قياسا واستحسانا لانه دين بدين وان كان رأس المال عينا ففى القياس لا يبطل العقد لانهما افترقا عن عين بدين وذلك جائز كبيع العين بثمن مؤجل ولكنه استحسن لمراعات اسم هذا العقد ولان جواز عقد السلم لحاجة المسلم إليه وانما يتوفر عليه حاجته إذا وصل رأس المال إليه فيشترط وصوله إلى يده مقرونا بالعقد ثم حالة المجلس جعلت كحالة العقد فلهذا يفسد بترك قبض رأس المال في المجلس وان كان عينا وان قبض الدارهم ثم افترقا فوجدها زيوفا فانه يردها وينتقض السلم اما إذا تجوز بها جاز العقد لان الزيوف من جنس الدراهم ولكن فيه عيب ووجود العيب في الشئ لا يجعله في حكم جنس آخر ثم الزيوف مازيفه بيت المال ولكن يروج فيما بين التجار ولتبهرجة ما تبهرجه التجار وربما تسامح فيه بعضهم وربما يأباه بعضهم لغش فيه وبهذا لا يخرج من ان يكون من جنس الدراهم فقابضه يكون مستوفيا لحقه فإذا تجوز به تجوز بخلاف ماذا وجد المقبوض ستوقه أو رصاصا فان ذلك ليس من جنس الدراهم فان الستوقة فلس مموه بالفضة ومعناه من طاقه و الرصاص ليس من جنس الدراهم فلا يصير بقبضه مستوفيا لرأس المال فإذا تجوز بها كان مستبدلا لامستوفيا والاستبدال برأس المال قبل القبض لا يجوز فاما إذا رده في القياس ينتقص السلم سواء استبدل في مجلس الرد أو لم يستدل وصار الكل زيوفا أو البعض وهو قول زفر لان الرد بعيب الزيافة ينقض القبض من الاصل بدليل أنه يرجع بموجب العقد وهو الجياد والعقد لا يوجب القبض
[ 145 ] مرتين فلو لم ينتقص القبض الاول من الاصل لما كان له أن يرجع بموجب العقد وبدليل أنه لو لم يستبدل في مجلس الرد بطل العقد وبقاء القبض ليس بشرط لبقاء العقد وإذا ثبت انتقاض القبض من الاصل صار كأن لم يوجد فيبطل العقد بقدر المردود كما لو وجده مستحقا ولان رأس المال دين والدين يختلف باختلاف الوصف وانما يكون الزيوف رأس المال باعتبار إسقاط حقه عن الجودة إذا تجوز به فإذا أتى ذلك بالرد تبين أنه فارقه قبل قبض حقه فبطل العقد كما لو وجد المقبوض ستوقا أو رصاصا واستحسن أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى فقالا إذا استبدل في مجلس الرد بقى العقد صحيحا سواء وجد الكل زيوفا أو البعض لانهما افترقا عن قبض صحيح حتي لو تجوز به جاز فانما انتقض ذلك القبض بالرد وصار العقد عند الرد موجبا قبض الجياد وهما مجتمعان في مجلس الرد فيجعل اجتماعهما في مجلس الرد كاجتماعهما في مجلس العقد فإذا افتراقا بعد قبض موجب القعد وهى الجياد بقى العقد صحيحا كما لو زاد في رأس المال وافترقا عن مجلس الزيادة قبل القبض وهذا بخلاف الاستحقاق فقبض المشترى موقوف على إجازة صاحبه ألا ترى ان المسلم إليه لو أراد أن يرضى به لا يتمكن من ذلك والموقوف إذا بطل صار كانه لم يكن فإذا نفذ باجازة المستحق التحق بما لو كان نافذا في الابتداء كالمبيع الموقوف فلهذا إذا أجاز المستحق بقى العقد صحيحا وإذا أتى وأخذ دراهمه كان العقد باطلا وأبو حنيفة أخذ بالقياس إذا وجد الكل زيوفا أو كانت الزيوف أكثر وأخذ بالاستحسان إذا قل المردود بعيب الزيافة لان في القليل بلوى وضرورة فدراهم الناس لا تخلو عن قليل زيف فيذهب على الناقد وان كان بصيرا واقامة مجلس الرد مقام مجلس العقد لدفع الحرج فان الموجود في هذا المجلس شرط بوجه المطالب بموجب العقد وهو الرد لاسببه واقامة الشرط مقام السبب لدفع الحرج وذلك يتحقق فيما تتحقق فيه البلوى وهو القليل دون مالا بلوى فيه وهو الكثير بل الكثير كالمستحق قل أو كثر لان دراهم الناس لا تخلو عن المستحق عادة وهذا بخلاف الزيادة لان أصل العقد ما كان موجبا لهذه الزيادة وانما صار الآن موجبا فكان هذا المجلس في حق الزيادة مجلس السبب بمنزلة مجلس العقد في حق رأس المال وإذا وجد القبض في مجلس الزيادة لم يضرهما الافتراق بعد ذلك ثم اختلفت الرواياة عن أبى حنيفة في الفرق بين القليل والكثير ففى كتاب البيوع يقول ما دون النصف قليل والنصف فما فوقه كثير وفى كتاب الصرف يقول النصف فما دونه قليل وفى رواية عن
[ 146 ] أبى حنيفة الثلث كثير فان النبي ﷺ قال لسعد رضى الله تعالى عنه والثلث كثير فإذا وجد الثلث زيوفا فرده يبطل العقد بقدره ووجه هذه الرواية ان قلة الشئ وكثرته تتبين بالمقابلة فان العشرة بمقابلة الدرهم كثيرة وبمقابلة المائة قليلة فإذا كانت الزيوف دون النصف قلنا إذا قوبلت الزيوف بالجياد فالزيوف قليلة وان كانت أكثر من النصف فهى كثيرة عند المقابلة بالجياد فإذا كان النصف سواء ففى رواية كتاب البيوع قال هذا كثير لا يقابله ما هو أكثر منه لتتبين قلته بالمقابلة وفى كتاب الصرف قال الشرط كثرة المردود ولا تتبين كثرته إذا لم يكن ما يقابله أقل منه وقد كان العقد صحيحا في الكل فلا تنتقض بالشك وكذلك حكم الصرف في جميع ما ذكرنا. قال (رجل أسلم الي رجل في طعام وأخذ منه كفيلا بالمسلم فيه ثم صالح الكفيل علي رأس ماله وذلك دين) فالصلح موقوف علي اجازة المسلم إليه في قول ابى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى فان اختار رد رأس المال جاز وان رد الصلح بطل واسترد الكفيل دراهمه وطالب رب السلم بطعام السلم أيهما شاء وعند أبى يوسف الصلح جائز بين الكفيل ورب السلم ويرجع الكفيل على المسلم إليه بطعام السلم وهذا إذا كان رأس المال دراهم أو دنانير فان كان رأس المال عروضا لا يجوز الصلح بالاتفاق لانه إذا كان رأس المال ثوبا فاما ان يصح الصلح عن ذلك الثوب بعينه وهو باطل لانه ملك المسلم إليه فلا يكون الكفيل قادرا علي تسليمه واما أن يصح علي ثوب غيره وهو باطل أيضا لانه يكون استبدالا برأس المال وكذلك الصلح على قيمة ذلك الثوب يكون استبدالا فلا يجوز فاما إذا كان رأس المال دراهم أو دنانير فالخلاف فيه يتحقق وجه قول ابى يوسف وهو أن صلح الكفيل عن المسلم فيه على رأس المال كالصلح عن سائر الديون على أي بدل كان بدليل جواز ذلك من الاصل ثم الكفيل في سائر الديون لو صالح على بدل جاز صلحه ورجع علي المكفول عنه بما كفل عنه فكذلك الكفيل بالسلم ادا صالح على رأس المال وهذا لان الكفيل مطلوب بالمسلم فيه كالاصيل إذا كان قادرا علي تسليم رأس المال إليه وبهذا فارق مالو كان رأس المال عينا في يد المسلم إليه لان الكفيل لا يقدر على تسليمه ولو صالح علي قيمته كان مستبدلا لامسترد الرأس المال ولا يقال في هذا الصلح تمليك طعام السلم من الكفيل لان تمليك الدين من غير من عليه الدين في سائر الديون لا يجوز الصلح أيضا ثم جاز الصلح مع الكفيل في سائر الديون عرفنا انه ليس بتمليك الدين ولكن يعقد الكفالة كما وجب للطالب على الكفيل
[ 147 ] وجب للكفيل على الاصيل الا أنه مؤخر إلى أن يسقط مطالبة عن الاصيل وقد سقط ذلك بصلحه على رأس المال كما يسقط بايفائه فلهذا كان له أن يرجع على المسلم إليه بطعام السلم وجه قولهما أن الصلح عن المسلم فيه على رأس المال فسخ للعقد بدليل أنه يختص برأس المال وأنه يصح بلفظ المتاركة والاقالة فانه لو لم يكن فسخا كان هذا استبدالا لبقاء العقد الموجب لطعام السلم والاستبدال بالمسلم فيه قبل القبض لا يجوز والكفيل أجنبي من العقد فلا يملك الفسخ كسائر الاجانب والكفيل بالثمن في البيع وهذا لان الفسخ تصرف في العقد فلا يجوز من العاقد أو ممن قام مقام العاقد أو ممن كان وقع العقد له والكفيل بهذه الصفة وانما التزم ما التزمه من الكفالة فلا يصير به في حكم العاقد للسلم بخلاف المسلم إليه فانه عاقد فيجوز صلحه بطريق الفسخ والدليل على الفرق ان رب السلم إذا زاد للمسلم إليه درهما جاز ولو زاد الكفيل في رأس المال درهما كان باطالا وبه فارق سائر الديون فاصلح هناك ليس بتصرف في السبب الموجب للفسخ وانما هو تصرف في الدين الواجب ولهذا جاز بأى بدل كان والكفيل مطلوب بالدين كالاصيل ولهذا جاز الصلح معه. قال (وإذا أسلم الرجلان إلى رجل في طعام فصالحه احدهما على رأس ماله فالصلح موقوف) عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله فان أجازه الآخر جاز وكان المقبوض من رأس المال مشتركا بينهما وما بقى ما طعام السلم مشتركا بينهما وان لم يجزه فالصلح باطل وعند أبى يوسف الصلح جائز بين المصالح والمسلم إليه لما قلنا في المسألة الاولى ان الصلح عن المسلم فيه على رأس المال كالصلح عن سائر الديون علي أي بدل كان عنده ثم أخذ رب الدين إذا صالح عن نصيبه مع المديون على بدل جاز الصلح ويخير الآخر بين أن يشاركه في المقبوض وبين أن يرجع على المديون بنصيبه من الدين كذلك هنا إذا صالح على رأس المال ولان أكثر ما فيه ان هذا فسخ العقد ولكل واحد من المتعاقدين حق التفرد بالفسخ في نصيب نفسه كما في بيع العين لو اشترى رجلان عينا ثم أقال أحدهما البيع في نصيبه مع البائع جاز بدون رضي الآخر فهذا مثله وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قال في هذا الصلح قسمه الدين قبل القبض وذلك لا يجوز بيانه أنه ان كان صلحه عن نفسه خاصة فلا يتحقق ذلك الا بأن يتميز نصيبه عن نصيب صاحبه وهذا هو القسمة وان كان صالحه عن النصف من النصيبين جميعا فلا يمكن تصحيحه بدون اجازة الآخر لتناوله نصيبه وفقه هذا الكلام أن وجوب المسلم فيه بعقدهما
[ 148 ] إذا هو لم يمكن موجودا قبل العقد والعقد منهما واحد فكل منهما في التصرف فيه كشطر العلة وبشطر العلة وبشطر العلة لا يثبت شئ من الحكم ما لم يتم ذلك باجازة الآخر كالمعتقة بين رجلين زوجها احدهما وبه فارق بيع العين فقد كانت العين هناك موجودة قبل العقد محلا لتصرف كل واحد منهما الا أن يكون ثبوت ولاية التصرف فيه لكل واحد منهما بالعقد فلهذا كان الفسخ من كل واحد منهما في نصيبه كأنه كان منفردا به وهناك المسلم فيه لم يكن موجودا قبل العقد وجواز التصرف باعتبار وجوبه بالعقد فكان كل واحد منهما فيه كشطر العلة ولانه لو جاز الصلح من احدهما هنا يؤدى إلى ان يسقط حق رب السلم عن المسلم فيه ويتقرر في رأس المال ثم يعود في المسلم فيه وذلك لا يجوز كما لو تقايلا السلم ثم أراد فسخ الاقالة لم يجز ذلك بخلاف بيع العين وبيان الوصف أن الآخر إذا اختار المشاركة في المقبوض مع المصالح كان ما بقى من طعام السلم مشتركا بينهما وقد سقط بالصلح حق المصالح عن المسلم فيه وتقرر في رأس المال فلا يجوز أن يعود حقه بعد ذلك في المسلم فيه وبه فارق سائر الديون الا ان أبا يوسف يقول انما أن يعود حقه فيما كان ساقطا لان الساقط مثلا شئ كما في فصل الاقالة وهنا انما يعود بحقه فيما هو قائم وهو النصف الباقي من طعام السلم وأما بيان قول أبى يوسف فانه يقول للآخر الخيار فان شاء شارك القابض في المقبوض لان أصل رأس المال كان مشتركا بينهما فلا يسلم لاحدهما منه شئ الا بتسليم الآخر وإذا شاركه في المقبوض كان الباقي في ذمة المسلم إليه مشتركا بينهما وان شاء سلم المقبوض للقابض ويرجع على المسلم إليه بطعام السلم فإذا فعل ذلك ثم أراد الرجوع عن شريكه لم يكن له ذلك لانه كان مخيرا بين شيئين فإذا اختار أحدهما تعين ذلك عليه كالغاصب مع غاصب الغاصب إذا اختار المغصوب منه تضمين أحدهما فليس له أن يرجع فيضمن للآخر بعد ذلك فان نوى ما على المسلم إليه كان له أن يرجع على شريكه بنصف المقبوض لانه انما سلم له المقبوض بشرط أن يسلم له ما في ذمة المسلم إليه فإذا نوى بطل تسليمه كالمحتال عليه إذا مات مفلسا عاد الدين إلى ذمة المحيل. قال (وهذا بمنزلة رجلين لهما على رجل مائة درهم فصالحه أحدهما من حصته على ثوب وسلم له الآخر واختار اتباع المديون فنوى ما عليه) كان له ان يرجع علي صاحب الثوب في الثوب فيأخذ منه نصفه الا ان يرضى صاحب الثوب أن يرد عليه خمسة وعشرين درهما ولا يعطيه شيئا من الثوب كان له ذلك حينئذ والخيار فيه إلى صاحب الثوب كما في
[ 149 ] الابتداء لو اختار المشاركة معه كان صاحب الثوب بالخيار بين أن يعطيه خمسة وعشرين درهما وبين أن يعطيه نصف الثوب لان من حجته أن يقول مبنى الصلح علي التجوز بدون الحق انما توصلت إلى نصيبي لانى رضيت بدون حقى بخلاف مااذا اشترى بنصيبه ثوبا وهذا فرق معروف في كتاب الصلح وكذلك لو كان بالسلم كفيل فصالح أحد صاحب السلم مع الكفيل علي رأس ماله فهو كالصلح مع الاصيل على الخلاف الذى بينا. قال (وإذا أسلم الرجل إلى رجل دراهم في طعام ثم صالحه على رأس ماله ثم أراد أن يشترى برأس ماله شيئا قبل أن يقبضه) في القياس له ذلك وهو قول زفر لان عقد السلم ارتفع بالفسخ بقى رأس المال في ذمته بحكم القبض لا بحكم العقد وهو دين لا يستحق قبضه في المجلس فيجوز الاستبدال به كسائر الديون الا ترى أن السلم لو كان فاسدا كان له أن يستبدل برأس المال قبل الاسترداد لهذا المعنى واستحسن علماؤنا رحمهم الله فقالوا لا يجوز ذلك لحديث أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال إذا أسلمت في شئ فلا تصرفه في غيره فلو جوزنا هذا كان صرافا حقه من طعام السلم إلى شئ آخر بهذا الطريق وفي الحديث المعروف لا تأخذ الاسلمك أو رأس مالك وبهذا الطريق نأخذ شيئا آخر غير رأس المال وغير المسلم فيه وذلك غير جائز ثم حال رب السلم مع المسلم إليه بعد الفسخ كحال المسلم إليه مع رب السلم حال قيام العقد قبل قبض رأس المال فكما لا يجوز الاستبدال هناك فكذلك لا يجوز هنا وبه فارق السلم الفاسد من الاصيل لانه ماكان موجبا تسليم رأس المال ليعتبر الانتهاء بالابتداء وهنا العقد كان موجبا تسليم رأس المال فاعتبرنا حال الفسخ بحال العقد في المنع من الاستبدال. قال (وإذا أسلم دراهم ودنانير في طعام وقد علم وزن أحدهما ولم يعلم وزن الآخر فلا خير فيه) عند أبى حنيفة وجائز عندهما لان اعلام قدر رأس المال عندهما ليس بشرط والاشارة إلى العين تكفى وعند أبى حنيفة اعلام القدر فيما يتعلق العقد على قدره شرط فإذا لم يعلم وزن احدهما بطل العقد في حصته لانعدام شرط الجواز فيبطل في حصة الآخر أيضا لاتحاد الصفقة أو لجهالة حصة الآخر والسلم في المجهول لا يصح ابتداء. قال (وإذا أسلم عشرة دراهم في ثوبين أحدهما هروى والآخر مروى فما لم تتبين حصة كل واحد منهما من رأس المال لا يجوز العقد) عند أبى حنيفة كما في الحنطة والشعير لان الانقسام باعتبار القيمة وطريق معرفته الحرز فلا يتيقن بحصة كل واحد من الثوبين الا بالقسمة وان كانا موصوفين بصفة واحدة ففى القياس كذلك لان الثياب
[ 150 ] ليست من ذوات الامثال والانقسام على الثوبين باعتبار القيمة كما لو اشتراهما عينا وفي الاستحسان يجوز لان الموصوفين بصفة واحدة لا يتفاوتان في الظاهر في المالية ماداما في الذمة والانقسام حال كونهما في الذمة فحصة كل واحد منهما نصف رأس المال بيقين فيجوز العقد من غير اعلام حصة كل واحد منهما كما لو أسلم عشرة في كرين من حنطة بخلاف مالو اشتراهما عينا فانهما يتفاوتان في المالية إذا كانا عينين فلهذا كان انقسام الثمن عليهما باعتبار القيمة فان قبض الثوبين في السلم ثم أراد ان يبيع احدهما مرابحة علي خمسة دراهم فليس له ذلك عند أبى حنيفة الا أن يبين وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لا بأس بذلك لان حصة كل واحد منهما من رأس المال معلومة بيقين فبيعه مرابحة على ذلك كالكرين وبيانه ما ذكرنا ان الثمن بمقابلة ما تناوله العقد ولا تفاوت في ذلك ولهذا جاز العقد جاز العقد عند أبى حنيفة والدليل عليه أنهما لو تقايلا السلم في أحدهما يرد من رأس المال خمسة ولو وجد باحدهما عيبا فرده يرده بخمسة فعرفنا ان حصة كل واحد منهما خمسة بيقين فكأنه سمى ذلك في العقد وأبو حنيفة يقول اشترى الثوبين بثمن واحد فلا يبيع احدهما مرابحة كما لو اشتراهما عينا بخلاف الكرين فان هناك لو اشتراهما عينا كان له ان يبيع احدهما مرابحة وبيان الوصف أن رب السلم مشترى والمسليم فيه مبيع فإذا قبض المسلم فيه كان المقبوض عين ما تناوله العقد لاغيره لانه ان جعل غيره كان استبدالا بالمسلم فيه وذلك لا يجوز فمن هذا الوجه جعل كأنه عين ما تناله العقد فاما في الحقيقة هو غيره لان العقد يتناول دينا في الذمة والعين غير الدين فباعتبار هذه الحقيقة لم يكن المقبوض عين ما تناوله العقد فلا بد من طريق يجعل بذلك الطريق كانه عين المعقود عليه وذلك الطريق ن يجعل عند القبض كأنهما جددا ذلك العقد على المقبوض وهو معنى قول المتقدمين رحمهم الله للقبض في باب السلم حكم عقد جديد والدليل عليه ماقاله في الزيادات لو أسلم إلى رجل مائة درهم في كر حنطة ثم اشترى المسلم اليمن رب السلم كرحنطة بمائتي درهم إلى سنة وقبضه فلما حل الطعام في السلم أعطاه ذلك الكر لم يجز لانه اشترى ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن وانما يكون ذلك إذا جعلا عند القبض كأنهما جددا العقد عليه وإذا تقر هذا فهو وما لو اشتراهما عينا بثمن واحد سواء وقال في السير الكبير لو أحرز المشركون كرا لرجل من المسلمين بدراهم فدخل إليهم مسلم وأسلم إليهم مائة درهم في كرحنطة فاعطوه ذلك الكر فاخرجه فلا سبيل للمالك القديم عليه لانه أخذه عوضا عن الكر الذي له في ذمتهم فلو
[ 151 ] أخذه المالك القديم أخذه بمثله وذلك غير مفيد وفي السلم عند القبض يصير كالمجدد للعقد علي ذلك الكر بالمائة فيأخذه المالك القديم بذلك ثم أكثر ما في الباب أن يثبت شبهة تجديد العقد بينهما وان لم يثبت الحقيقة والشبهة في بيع المرابحة بمنزلة الحقيقة ألا ترى أنه لو أشترى شيئا بثمن مؤجل لابيعه مرابحة من غير بيان لشبهة الزيادة بسبب الاجل ولو أخذ عينا صلحا من دين له علي انسان لا يبيعه مرابحة على ذلك لشبهة الحط بسبب الصلح والذى يوضح كلام أبى حنيفة أن الثوبين الموصوفين لا يتفاوتان في الذمة ويتفاوتان بعد التعيين ألا ترى أنه لو قبضهما وباع أحدهما من إنسان ثم استهلك ذلك الثوب علي المشترى لا يجب عليه تسليم الثوب الآخر وانما يجب قيمة المستهلك فدل أنهما لا يتماثلان عينا فجاز العقد في الابتداء في الدين وكذلك الاقالة في أحدهما وأما بيع المرابحة لا يكون الا بعد التعيين فيعتبر التفاوت في حكم بيع المرابحة فلا يبيع أحدهما مرابحة من غير بيان ولا بأس بأن يبيعهما مرابحة علي غيره لان ثمنهما مسمى معلوم كما لو اشتراهما عينا. قال (ولا بأس بالسلم في المسوح والاكسية والعبا والجواليق والكرابيس بصفة معلومة عرضا وطولا ورفعة) لما بينا ان اعلامه علي وجه لا يبقى فيه تفاوت في المالية ولا يبقي بينهما منازعة في التسليم تمكن. قال (ولا بأس بالرهن والكفيل في السلم أما برأس المال يجوز أخذ الكفيل والرهن عندنا ولايجوز عند زفر وله في السلم روايتان لان الرهن والكفيل مما يتأخر قبضه وقبض رأس المال مستحق في المجلس فأخذ الكفيل والرهن به لا يفيد ولكنا نقول رأس المال دين واجب على رب السلم فالكفيل يلتزم المطالبة بما هو مضمون علي الاصيل وهو شرط صحة الكفالة والرهن للاستيفاء ورأس مال السلم دين يستوفى فان هلك الرهن في المجلس وفى قيمته وفاء برأس المال صار مستوفيا به رأس المال فان افترقا قبل هلاك الرهن بطل السلم لان الاستيفاء لايتم الا بهلاك الرهن والافتراق قبل تمام القبض يبطل السلم وكذا ان نقد الكفيل رأس المال قبل أن يتفرق المتعاقدان ثم العقد وان افترقا قبل أن ينقد الكفيل بطل العقد ولا معتبر بذهاب الكفيل لانه ليس بعاقد حتى لو ذهب وجاء رأس المال قبل افتراق المتعاقدين فادى تم العقد وهذه ثلاثة فصول الوكالة والكفالة والحوالة والجواب في الكل واحد ان قبض رأس المال من الوكيل أو المحتال عليه قبل افتراق المتعاقدين تم عقد السلم ولا معتبر بذهاب الوكيل والمحتال عليه وأما أخذ الرهن والكفيل يجوز بالمسلم فيه وهكذا ذكر ابن شجاع عن زفر رحمهما الله تعالى
[ 152 ] وذكر الحسن عن زفر رحمهما الله تعالى انه لا يجوز فعلى رواية ابن شجاع قال كل دين لا يجوز قبضه في المجلس ويجوز التأجيل فيه فأخذ الرهن والكفيل به صحيح للتوثيق والمسلم فيه بهذه الصفة بخلاف رأس المال وبدل الصرف وعلى الرواية الاخرى قال كل دين لا يجوز الاستبدال به قبل القبض فأخذ الرهن والكفيل به لا يجوز لان في الكفالة اقامة ذمة الكفيل مقام ذمة الاصيل فيكون في معنى الاستبدال من حيث المحل والحوالة كذلك وفي الرهن يصير مستوفيا بالهلاك والرهن ليس من جنس الدين فكان هذا استبدالا فعلى هذا لا يجوز الرهن بالمسلم فيه ورأس المال وبدل الصرف وحجتنا في ذلك ما روى عن رسول الله ﷺ انه اشترى من يهودى طعاما نسيئة ورهنه درعه وشراء الطعام نسيئة يكون سلما وقد روى عن ابن عباس رضي الله تعالي عنهما أنه جوز الرهن بالسلم واستدل فيه بقوله تعالى (يا أيها الذى آمنوا إذا تداينتم بدين إلى قوله تعالى فرهان مقبوضة) والمعنى فيه أن عند هلاك الرهن يصير مستوفيا عين حقه لا مستبدلا فان عين الرهن لا تكون مملوكة للمرتهن ولهذا لو كان الرهن عبدا فمات كان كفنه علي الراهن وانما يصير مستوفيا دينه من ماليته والاعيان باعتبار صفة المالية جنس واحد ولهذا لو ارتهن أحد الشريكين بنصيبه من الدين فهلك الرهن يرجع شريكه عليه بنصف نصيبه من الدين وإذا ثبت انه استيفاء لااستبدال جاز الرهن بكل دين يجب استيفاؤه وفى الحوالة والكفالة لاشك فان المستوفي من الكفيل والمحتال عليه كالمستوفي من الاصيل في انه عين حق الطالب لا بدله. قال (وإذا أسلم في شئ من الثياب واشترط طوله وعرضه بذراع رجل معروف لم يجز كما في المكيل إذا عين المكيال) وهذا لان مقدار المسلم فيه بالذراع المعروف وربما يموت ذلك الرجل فيتعذر تسليم المسلم فيه إذا حل الاجل وإذا اشترط كذا وكذا ذراعا فهو جائز وله ذراع وسط لان مطلق التسمية تنصرف الي المتعارف كمطلق تسمية الدراهم في الشراء تنصرف الي نقد البلد والمتعارف الذراع الوسط ويسمى المكسرة وسمى لذلك لانه كسره من ذراع قبضة الملك وان الذراع الوسط سبع قبضات وهى تسع مسببات ومعرفة هذا في كتاب العشر والخراج. قال (وإذا أسلم في الحرير وزنا ولم يشترط الطول والعرض لم يجز) لان المالية لا تصير معلومة الا ببيان الطول والعرض في الثياب ولانه لو جاز هذا لكان يأتيه بقطاع الحرير بذلك الوزن الذى سمى فيجبر على أخذه ونحن نعلم انه لم يقصد ذلك فلهذا لا يجوز ما لم يبين
[ 153 ] الطول والعرض ولابد من بيان الوزن أيضا فيما تختلف ماليته بالثقل والخفة كالحرير والوذارى وما أشبه ذلك وان اشترط الطول والعرض بقيمان غير الذراع فان كان قيمانا معروفا من قيامين التجار فهو جائز لان المقدار يصير معلوما بذلك وهو المقصود وكذلك القدرة على التسليم تحصل بتسمية ذلك. قال (وان اشترط الرجل في سلمه ثوبا جيدا ثم جاء به المسلم إليه فقال رب السلم ليس هذا بجيد وقال المسلم إليه جيد فان الحاكم يريه رجلين من أهل تلك الصناعة) لانه لا علم عنده فيما إذا اختلفا فيه فيرجع إلى من له فيه علم كما لو احتاج إلى معرفة قية المستهلك والاصل فيه قوله تعالى فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون فإذا اجتمعا علي أنه جيد مما يقع عليه اسم الجودة وإن كان ليس بهاية في الجودة أجبر رب السلم علي أخذه لان المسلم إليه وفي بما شرط له فالمستحق بالتسمية أدنى ما يتناوله الاسم إذ لا نهاية للاعلى فانه مامن جيد الا وفوقه أجود منه ألا ترى أنه لو اشترط في العبد أنه كاتب أو خباز فانه يستحق به أدنى ما يتناوله الاسم وانما شرط المثنى لانه يحتاج إلى فصل الخصومة بينهما وانما يمكنه ذلك بحجة تامة وهو قول المثنى. قال (وان كان اشترط وسطا فأتاه المسلم إليه بجيد أجبر رب السلم على قبوله) وعلى قول زفر لا يجبر لان الجيد غير الوسط وهو متبرع عليه بصفة الجودة ولو تبرع عليه بزيادة قدر كان له أن لا يقبل تبرعه فكذلك إذا تبرع بالجودة ولكنا نقول أوفاه حقه بكماله وأحسن في قضاء الدين قال صلي الله عليه وسلم خيركم أحسنكم قضاء للدين وقال للوزان زن وأرجح فانا معاشر الانبياء هكذا نزن. قال (فان أتاه بالثوب الجيد والمشروط عليه ثوب وسط وقال خذ هذا وزدنى درهما فلا بأس بذلك ان فعل) وهذه في الحاصل ثمانية فصول أربعة في الثياب واربعة في المقدارت أما في الثياب ان أتاه بأزيد وصفا أو بأدون وصفا أو بأزيد قدرا أو بالنقص قدرا أما في الثياب ان أتاه بأزيد وصفا أو ذرعا بان أتاه باحد عشر ذراعا وقد كان المسلم فيه عشرة أذرع فقال خذ هذا وزدنى درهما يجوز وتكون تلك الزيادة بمقابلة صفة الجودة أو الذراع الزائد وذلك مستقيم ألا ترى أنه لو باعه ثوبا جيد بثوب وسط ودرهم يجوز ولو باعه أحد عشر ذراعا بعشرة أذرع ودرهم يجوز فكذلك القبض بحكم السلم ولو أتاه بأنقص وصفا بان تاه بثوب ردى فقال خذ هذا وأرد عليك درهما لا يجوز لان هذا منهما إقالة للعقد في الصفة وحصة الصفة من رأس المال غير معلومة فلا تجوز الاقالة فيه وكذلك لو أتاه بتسمة أذرع فقال خذ هذا
[ 154 ] وأرد عليك درهما لان الذرع في الثوب صفة ولا رأس المال لا ينقسم علي ذرعان الثوب باعتبار الاجزاء فلم تكن حصة الذرع معلومة من رأس المال فلا تجوز الاقالة فيه أما في المقدارت لو أسلم عشرة درالاهم في عشرة أقفزة حنطة وسط فأتاه بطعام جيد وقال خذ هذا وزدنى درهما فانه لا يجوز لان الدرهم الزائد بمقابلة الجودة ولاقيمة للجودة في الاموال الربوية ألا ترى انه لو باع قفيز حنطة جيدة بقفيز وسط ودرهم لا يجوز وهذا في معنى ذلك فانه يأخذ هذا القفيز الجيد عوضا عن الوسط الذى له في ذمته وعن الدرهم الزائد ولو أتاه باحد عشر قفيزا وقال خذ هذا وزدنى درهما جاز لان الدرهم الزائد بمقابلة القفيز الزائد وهو جائز ولو أتاه بعشرة أقفزة رديئة فقال خذ هذا وأرد عليك درهما لا يجوز لانه لاقيمة للصفة فكيف تستقيم الاقالة على القيمة فيه ولو أتاه بتسعة أقفزة وقال خذ هذا وأرد عليك درهما يجوز بخلاف الثوب لان رأس المال ينقسم على القفيزين باعتبار الاجزاء فحصة القفيز من رأس المال معلومة بخلاف ذرعان الثوب وعن أبى يوسف أنه يجوز في الفصول كلها ذكر قوله في كتاب الصلح لان رب السلم يزيد في رأس المال فتلحق الزيادة باصل العقد أو المسلم إليه يحط شيئا من رأس المال والحط أيضا يلتحق بأصل العقد لا أن يكون بمقابلة الصفة أو يكون فيه اقالة العقد في شئ ثم المسلم إليه أجنبي في قضاء الدين إذا أتى بالاجود ورب السلم أحسن إليه حين تجوز بالرديئ فإذا أمكن تحصيل مقصود هما بهذا الطريق وجب حمل تصرفهما عليه عملا بقوله تعالى (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) ولكنا نقول هذا إذا لم ينصا على النص والمقابلة أما إذا نصا على ذلك لا يمكن حمل فعلهما على التبرع كما لو باع درهما بدرهمين لا يجوز ولا يجعل أحد الدرهمين هبة وذكر أبو سليمان عن أبى يوسف رحمهما الله أن أبا حنيفة جوز ذلك في الثياب ولم يجوزه في الطعام وهذه الرواية تخالف رواية محمد في الثوب إذا أتاه بأردئ مما شرط أو بأنقص مما شرط والاعتماد على رواية محمد. قال (وإذا اختلفا في السلم فقال الطالب شرطت لى جيدا وقال المطلوب شرطت لك وسطا أو قال الطالب أسلمت اليك في حنطة وقال المطلوب أسلمت إلى في شعير تحالفا وترادا) وحكم التحالف ثابت بالسنة بخلاف القياس فان النبي ﷺ قال إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا وفى حديث آخر قال إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها فالقول ما يقوله البائع أو يترادان وسنقرر هذا في باب التحالف ان شاء الله تعالى فنقول الان إذا اختلفا
[ 155 ] في جنس المعقود عليه فتعلق العقد بالمعقود عليه أكثر من تعلقه بالثمن ثم لو اختلفا في جنس الثمن تحالفا ففى جنس المعقود عليه أولى وكذلك إذا اختلفا في الصفة لان المسلم فيه دين وانما يعرف الدين بصفته فالجيد منه غير الوسط ألا ترى أنهما لو أحضرا كانا غيرين والاختلاف في الصفة فيما هو دين يكون اختلافا في المعقود عليه فيجرى التحالف بينهما بخلاف ما إذا اختلفا في الصفة في بيع العين فان العين لا تختلف باختلاف صفته فلا يكون ذلك اختلافا بينهما في المعقود عليه. قال (والذى يبدأ به في اليمين المطلوب في قول أبى يوسف الاول) لانه بمنزلة البائع وصاحب الشرع عليه الصلاة والسلام قال فالقول ما يقوله البائع فظاهر هذا يقتضى أن يكتفى بيمنه وقد قام الدليل علي انه لا يكتفي بذلك فيبقى هذا الظاهر معتبرا في البداية بيمينه ولانه أشبه بالمنكرين فانه ينكر ما ادعاه الطالب من الجنس والصفة لنفسه واليمين على المنكر ثم رجع وقال يبدأ بيمين الطالب وهو قول محمد لان أول التسليمين في عقد السلم على الطالب وهو رأس المال فلذلك أول اليمينين عليه ولانه بنكوله يثبت ما ادعاه المطلوب منه ويقع الاستغناء عن يمينه وبعض مشايخنا رحمهم الله يقول القاضى يقرع بينهما ويبدأ بيمين من خرجت قرعته نفيا لتهمة الميل عن نفسه وقيل الرأى في ذلك إلى القاضى وقيل ينظر أيهما سبق بالدعوة يبدأ بيمين خصمه وأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه لان نكوله قائم مقام اقراره وان قامت لهما جميعا بينة أخذت بينة الطالب لان في بينته زيادة اثبات ولانه يقيم البينة على حق نفسه فالمطلوب انما يقيم البينة علي حق الطالب وبينة الانسان على حق نفسه أولى بالقبول وهذا قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وعن محمد ان كان افترقا عن مجلس العقد فكذلك الجواب وان لم يفترقا عن مجلس العقد يقضي بسلمين عشرة في كر حنطة ببينة رب السلم وعشرة في كر شعير بينة المسلم إليه ومحمد رحمه الله يقول البينات حجج فمهما أمكن العلم بها لا يجوز ابطال شئ منها وهنا العمل بالبينتين يمكن إذ لا منافاة بين العقدين فيجب العمل بهما كحجج الشرع بخلاف ما بعد الافتراق فانه ما قبض في المجلس الا عشرة واحدة فلا يمكن القضاء بالعقدين فلهذا رجحنا بينة الطالب وقاس هذا ببيع العين فانه لو قال بعت منك هذه الجارية بألف درهم وقال المشترى بعتني العبد بألف درهم وأقاما جميعا البينة يقضى بالعقد فيهما جميعا بالاتفاق فكذلك في السلم وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله يقولان مع اختلافهما اتفقا على أنه لم يكن بينهما الا عقد واحد فالقضاء بالعقدين قضاء بما لم
[ 156 ] يطلبا وليس للقاضى ذلك يقرره انه لا مقصود للمطلوب في هذه البينة اثباتا لان حقه في رأس المال وهو سالم له ولا مؤنة عليه في مافى ذمته حنطة كان أو شعيرا فانما مقصوده نفى بينة الطالب فرجحنا بينة الطالب للاثبات بخلاف بيع العين فالبائع هناك ببينته يثبت ازالة العين عن ملكه ليسقط مؤنته عن نفسه بالتسليم إلى المشترى فكان هو مثبتا كالمشترى فلهذا قضينا بالعقدين ثم نص على الخلاف فيما إذا اختلفا في جنس المسلم فيه ولم يذكر ذلك فيما إذا اختلفا في صفته ومن أصحابنا رحمهم الله تعالى من قال هو على الخلاف أيضا ومنهم من فرق لمحمد بينهما فقال باختلافهما في الصفة لا يتحقق الخلاف في العقد ألا ترى أنه قد يسلم في الجيد ويأخذ مكانه رديئا ويجوز أن يسلم في الرديئ فيعطيه مكانه جيدا فعرفنا أن باختلاف الصفة لا يختلف العقد فلا يمكن القضاء هناك بالعقدين بخلاف الجنس فان بالسلم بالحنطة لا يجوز أخذ الشعير فكان الاختلاف في ذلك اختلافا في العقد وقد أثبت كل واحد منهما ما ادعي من العقد بالبينة فيقضى بالعقدين فان لم يكن لهما بينة وتحالفا فسخ القاضي العقد بينهما إذا طلب ذلك احدهما قطعا للمنازعة لما في امتدادها من الفساد ودفع الضرر عن كل واحد منهما باعادة رأس ماله إليه وقد بينا في باب اللعان انه يفرق بينهما بعد التلاعن من غير طلبهما لان حرمة الاجتماع بين المتلاعنين ما داما مصرين حق الشرع فلا يتوقف التفريق علي طلبهما أو طلب أحدهما وهنا فسخ العقد حقهما فيتوقف على طلبهما أوطلب أحدهما. قال (فان لم يختلفا في المسلم فيه ولكن اختلفا في مكان الايفاء) فقال الطالب شرطت لى مكان كذا وكذا وقال المطلوب بل مكان كذا وكذا فان أقام البينة فالبينة بينة الطالب وان لم يكن لهما بينة فالقول قول المطلوب مع يمينه وهذا قول أبى حنيفة رضي الله عنه وان لم ينص عليه في الكتاب وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يتحالفان ويتردان السلم وقيل هذا الاختلاف علي القلب فان من مذهب أبى حنيفة ان بيان مكان الايفاء شرط كالصفة فلا بد من ذكره فالاختلاف فيه يوجب التحالف عنده وعندهما ليس بمنزلة الصفة بل هو زائد لا يحتاج إلى ذكره والاصح أن الخلاف في موضعه فان عندهما متعين مكان الايفاء موجب العقد ولهذا لا يحتاج إلى ذكره بل يتعين موضع العقد للايفاء والاختلاف في موجب العقد يوجب التحالف وعند أبى حنيفة هو موجب بالشرط كالاجل والاختلاف فيه لا يوجب التحالف ثم وجه قولهما أن المالية فيما له حمل ومؤنة تختلف باختلاف الامكنة فالاختلاف فيه كالاختلاف في
[ 157 ] الصفة وهذا لان المقصود بالعقد المالية وأبو حنيفة يقول القياس يمنع التحالف تركنا ذلك بالسنة وانما جاءت السنة بالتحالف عند الاختلاف فيما هو من صلب العقد وهو البدل فاما المكان ليس من صلب العقد فالاختلاف فيه كالاختلاف في الاجل وهذا لان المعقود عليه لا يختلف باختلاف مكان تسليمه بخلاف الصفة فالمعقود عليه إذا كان دينا يختلف باختلاف صفته فلهذا فرق بينهما في حكم التحالف. قال (وان اختلفا في الاجل فهو على ثلاثة أوجه اما أن يختلفا في مقدار الاجل أو في مضي الاجل أو في أصل الاجل فان اختلف في مقدار الاجل فقال الطالب كان الاجل شهرا وقال المطلوب شهرين فالقول قول الطالب مع يمينه) لان الاجل حق المطلوب قبل الطالب فان باعتباره تتأخر مطالبته عنه فالمطلوب يدعى زيادة في حقه والطالب ينكر والقول قول المنكر مع يمينه فان أقاما البينة فالبينة بينة المطلوب لاثباته الزيادة في حقه وان اختلفا في مضيه فقال الطالب كان الاجل شهرا وقد مضى وقال المطلوب انما عقدنا العقد اليوم والاجل شهر فالقول قول المطلوب إما لان الطالب يدعى تاريخا سابقا في العقد والمطلوب منكر لذلك أو لانهما تصادقا على ثبوت الاجل حقا للمطلوب ثم الطالب يدعى ايفاء حقه والمطلوب ينكر فالقول قول المنكر وان أقام البينة فالبينة بينة المطلوب أيضا لان المقصود اثبات الاجل وذلك ببينة المطلوب لانه يثبت قيام الاجل في الحال والطاب ينفى ذلك ببينته فكان القول قول من وجه والبينة بينة من وجه كالمودع إذا ادعى رد الوديعة فالقول قوله لانكاره الضمان وان أقام البينة فالبينة بينته أيضا لاثباته الرد فان اختلفا في شرط الاجل ففى القياس القول قول من ينكر شرط الاجل والعقد فاسد لان عقد السلم لا يصح الا باشتراط الاجل فمن ينكر الاجل فهو منكر للعقد في المعنى فالقول قوله ولان الاجل شرط زائد فإذا اختلفا فيه كان القول قول من ينكره كالخيار في البيع استحسن أبو حنيفة فقال القول قول من يدعى الاجل أيهما كان وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى إذا كان الطالب يدعى الاجل فكذلك وان كان المطلوب هو الذى يدعي الاجل فالقول قول الطالب لانكاره قياسا لان الاجل حق المطلوب قبل الطالب فإذا ادعاه المطلوب وأنكر الطالب فكلاهما خرج مخرج الدعوى والانكار فكان القول قول المنكر وذا ادعى الطالب الاجل فكلام المطلوب في الانكار تعنت لان الطالب أقر له بحقه وهو أنكر ذلك ليفسد العقد ولا يلتفت إلى قول المتعنت فهو كما لو اختلفا المضارب ورب المال فقال رب المال شرطت لك
[ 158 ] نصف الربح الا عشرة وقال المضارب بل شرطت لى نصف الربح فالقول قول رب المال لانكاره الزيادة ولو قال رب المال شرطت لك نصف الربح وقال المضارب الا عشرة فالقول قول رب المال لان المضارب متعنت في انكاره بعض ما أقربه ليفسد العقد وأبو حنيفة يقول الاجل من شرائط السلم فاتفاقهما على عقد السلم يكون اتفاقا علي شرائطه فكان المنكر منهما للاجل راجعا عما أقربه والرجوع عن الاقرار باطل ألا ترى ان الاختلاف لو وقع بين الزوجين في النكاح أنه كان بشهود أو بغير شهود يجعل القول قول من يدعى أن النكاح بشهود لهذا المعنى وهذا لان شرط الشئ تبع له وثبوت البتع بثبوت الاصل ألا ترى ان من نذر صلاة تلزمه الطهارة فاتفاقهما علي أصل العقد يكون اتفاقا على ما هو من شرائطه فان أقام البينة فالبينه بينة من يثبت الاجل لانه يثبت ببينتة شرط صحة العقد إذا الاجل شرط زائد كالخيار فمن يثبته بالبينة كانت بينته أولى بالقبول. قال (وإذا تتاركا السلم بعد قبض رأس المال ثم اختلفا في رأس المال فالقول قول المطلوب مع يمينه والبينة بينة الطالب) لانه يثبت الزيادة ببينته والمطلوب ينكر تلك الزيادة فالقول قوله مع يمينه ولا يتحالفان بخلاف بيع العين فانهما إذا اختلفا هناك في الثمن بعد الاقالة تحالفا وهذا لان المقصود بالتحالف الفسخ والاقالة كالبيع في احتمال الفسخ ألا ترى أنه لو هلك المبيع بعد الا قالة قبل الرد تنفسخ الاقالة ولو وجد به عيبا فان حدث عند المشترى يرده بذلك واقالة السلم لا تحتمل الفسخ حتى لو كان رأس المال عينا لم تنفسخ الاقالة بالهلاك في يد المسلم إليه ولا بالرد بالعيب وهذا لان المسلم فيه دين وبالاقالة يسقط والساقط متلاشى فلا يتصور فسخ السبب فيه وانما كان وجوبه بالعقد فلا يبقى بعد انفساخ العقد وبدون بقاء ما تتناوله الاقالة لا يتصور فسخ الاقالة وهناك العقد تناول العين وهو باقى بعد الاقالة. قال (وإذا أسلم الرجل عشرة دراهم إلى رجل في طعام فوجد فيها دراهما زايفا بعد ما افترقا فانكر رب السلم أن يكون ذلك من دراهمه فالقول قول المسلم إليه مع يمينه) لانه ينكر استيفاء حقه لان حقه في الجياد وهذا بخلاف بيع العين فان هناك المشترى إذا طعن بعيب وانكر البائع ان يكون ما أحضره هو المبيع فالقول قول البائع لان العقد تناول العين وقد تصادقا على قبض المشترى لما هو المعقود عليه ثم المشترى يدعى عليه لنفسه حق الرد والبائع منكر لذلك وهنا حق المسلم إليه يثبت في الجياد دينا وهو منكر لقبض الحياد فالقول قوله وهذا إذا لم يسبق منه اقرار باستيفاء الجياد أو باستيفاء حقه أو باستيفاء رأس المال بان
[ 159 ] كان ساكتا أو أقر بقبض الدراهم فاسم الدراهم يتناول الجياد والزيوف فأما إذا أقر بشئ مما ذكرنا كان هو في دعوى الزيافة بعد ذلك مناقضا فلا يقبل قوله. قال (وإذا أسلم إليه مائة درهم في طعام وأعطاه بعضها وأحاله على رجل ببعضها وبقى عنده بعضها ثم تفرقا فله من السلم بحساب مانقده وقد بطل ما سوى ذلك) لافتراقهما قبل قبض رأس المال فانه بالحوالة لا يصير قابضا بل حقه في ذمة المحال عليه كهو في ذمة المحيل وقد بطلت الحوالة لانها كانت برأس مال السلم وقد بطل حق المسلم إليه عن ذلك حين افترقا قبل القبض فتبطل الحوالة لذلك ويرجع رب السلم بالدراهم التى أحاله بها على المحتال عليه يريد به ان ذلك كان دينا للمحيل علي المحتال عليه فيرجع عليه بدينه كما كان. قال (ويجوز أن يسلم الحيوان ولا مالا يكال ولا يوزن فيما يكال ويوزن) لان رأس المال معجل في هذا العقد يجوز تعينه فكل ما يصلح مبيعا عينا يصلح أن يكون رأس المال وانما يجوز السلم عند انعدام وصفى علة ربا الفضل الجنسية والقدر وقد وجد ذلك قال (ويسلم الثوب الفوهى في الثوب الهروي والمروى وما أشبه ذلك من الثياب المختلفة باختلاف البلد ان والصنعة يسلم بعضها في بعض وكذلك الزطي في الهروي والكسا في الطيلسان والطيلسان في الكسا والثوب من الكتان في الثوب من القطن إما لاختلاف الاصول أو لاختلاف الصنعة على وجه يوجب تبديل الاسم والمقصود والوذارى يراد به مالا يراد به البلدى والزند يجى كذلك وان كان أصل الكل واحدا وهو القطن وهو كالسعلا طوى مع الخمار الاسود جنسان وان اتحد الاصل وهو الابريسم واليعفورى مع الكسا جنسان وان اتحد الاصل وعند اختلاف الجنس فيما لا يكال ولا يوزن يجوز اسلام البعض في البعض. قال (ولا بأس بالسلم في الكتان والقطن والقزو الابريسم لانه موزون معلوم مقدور التسليم وان اشترط أن يوفيه السلم في مدينة كذا وفى مصر كذا فحيث ما دفعه إليه من ذلك المصر أو من تلك المدينة فله ذلك وليس لرب السلم أن يكلفه تسليمه إليه في موضع آخر منه لان المستحق بالشرط أدنى ما يتناوله الاسم كما بينا في شرط الجيد فحيث ما دفعه إليه في ذلك المصر فقد وفى بالشرط ولان نواحى المصر في المصر كمكان واحد بدليل جواز عقد السلم فإذا لم يعين موضعا من المصر كان له أن يسلم في أي موضع شاء منه فان (قيل) أليس أنه إذا استأجر دابة إلى مصر كذا فدخلها كان له ان يتبلغ عليها إلى منزله في المصر (قلنا) هذا مستحسن للعرف والعادة فان الانسان إذا استأجر دابة إلى مصر من الامصار أنه لا يستأجر دابة أخرى بعد دخول ذلك المصر (11 ثانى عشر مبسوط)
[ 160 ] ليتبلغ عليها إلى منزله فالمستحسن من القياس بالعرف لايرد نقضا علي القياس ولا يعد والموضع الذى فيه الغرف. قال (ولاخيار في السلم في المسابق والفرا لانها تختلف منها الصغيرة والكبيرة والمسبق ماله كمان طويلان كما يكون للاكراد وبعض العرب والفرو مالا كم له. قال (الا أن يشترط من ذلك شيئا معروف الطول والعرض والتقطيع والصفة فحينئذ يجوز لانه معلوم مقدور التسليم. قال (ولاخير في السلم في كل شئ اشترط فيه الاوقار والاحمال) لان ذلك يختلف فبعضها يكون أثقل من بعض وهذه الجهلة تفضى إلى المنازعة بينهما. قال (وان اشترط على المسلم إليه ان يحمل السلم إلى منزل صاحب السلم بعد ما يوفيه اياه في المكان الذى شرطه فلا خير فيه على هذا الشرط) لان العقد ينتهى بالايفاء في المكان المشروط ثم قد شرط لنفسه منفعة بعد انتهاء العقد وهو الحمل وذلك مفسد للعقد كما لو شرط أن يطحنه وان اشترط أن يوفيه إياه في منزله فلا بأس به استحسانا والقياس فيه مثل الاول من أصحابنا رحمهم الله تعالى من يقول موضع هذا القياس والاستحسان إذا اشترط ان يوفيه في منزله بعد ما يوفيه في مكان كذا ليكون الفصل الثاني على وزان الفصل الاول وفى القياس لا يجوز لاشتراطه منفعة لنفسه بعد ما انتهى العقد نهايته إذ لا يتأتى ايفاؤه في منزله بعد الايفاء في المكان المشروط الا بالحمل فلفظ الحمل والايفاء فيه علي السواء وفى الاستحسان. قال (ان اشترط بلفظة الايفاء فالثاني مثل الاول من جنسه فينفسخ به الشرط الاول ويصير كانه اشترط ابتداء هذا فأما الحمل ليس من جنس الايفاء فلا ينفسخ به الشرط الاول وهو نظير مالو باعه بألف ثم باعه بالفين انفسخ به العقد الاول ولو وهبه لم ينفسخ به العقد الاول وبيان المجانسة ان العقد يقتضي الايفاء لا محالة ولا يقتضي الحمل ألا ترى أن رب السلم قد يأتي إلى المسلم إليه ليوفيه في منزله فلا يحتاج إلى الحمل فعرفنا أن الحمل ليس من جنس الايفاء من حيث أن العقد قد يخلو منه وقيل بان القياس والاستحسان فيما إذا اشترط ابتداء أن يوفيه في منزله في القياس لا يجوز لانه لم يعين منزله وانما المراد منزله عند حلول الاجل وذلك غير معلوم وقد يكون في هذا المصر وقد يكون في مصر آخر ولكنه استحسن فقال العادة لم تجر باستبدال المنزل بالمنزل في كل وقت أو الانتقال من المصر إلى المصر للتوطن ومنزله للحال معلوم فباعتبار الظاهر يكون هذا منزله عند حلول الاجل والتعين بالعرف كالتعيين بالنص وقيل بل موضع القياس والاستحسان ما إذا شرط أن يوفيه في منزله ولا يعلم المسلم إليه منزله في المصر
[ 161 ] في أي محلة هو ففى القياس لا يجوز للجهالة وفي الاستحسان يجوز لان نواحى المصر كمكان واحد ولكن في هذين الوجهين لافرق بين ان يكون بلفظ الحمل أو بلفظ الايفاء وفى الكتاب قال نأخذ بالحمل في القياس وفى هذا بالاستحسان فعرفنا أن مراده الوجه الاول. قال (ولا بأس بالسلم بالجبن والمصل) لانه موزون معلوم وبعض المتأخرين رحمهم الله يقولون هذا في مصل ديار خوارزم فانه لا يخالطه الدقيق فانا في مصل ديارنا ينبغى أن لا يجوز لانه يخالطه دقيق الشعير وقد نقل ذلك وقد يكثر وبجنسه تختلف المالية فكان قياس السلم في الناطف الممون والاصح أنه ان كان معلوما عند أهل الصنعة علي وجه لا يتفاوت فالسلم صحيح. قال (وإذا اختلفا فقال رب السلم أسلمت اليك في ثوب يهودى وقال المسلم إليه بل هو في زطى يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه) لاختلافهما في جنس المعقود عليه وأيهما أقام البينة وجب قبول بينته وان أقا ما البينة فالبينة بينة الطالب في قول أبى يوسف وفى قول محمد يقضى بسلمين إذا كانا في المجلس وقد بينا هذا وإذا اتفقا على انه يهودى غير أن الطالب قال هو ستة أذرع في ثلاثة أذرع وقال المطلوب خمسة أذرع في ثلاثة أذرع في القياس يتحالفان ويترادان وبالقياس نأخذو في الاستحسان القول قول المطلوب لان المسلم فيه مبيع ولو كان مبيعا عينا واختلفا في طوله وعرضه لا يتحالفان بل القول قول من ينكر الزيادة فكذلك في السلم وهذا لان زيادة الطول والعرض لا تستحق الا بالشرط فكان بمنزلة الاجل وقد بينا أنهما إذا اختلفا في الاجل لم يتحالفا فهذا مثله وفى القياس المسلم فيه دين والذرعان لا علامة في المذروعات بمتزلة العقد في المقدورات ولو اختلفا في مقدار المسلم فيه تحالفا ثم أكثر ما في الباب ان الذرعان صفة ولكن المسلم فيه دين فيختلف باختلاف الصفة وقد بينا هذا في الجيد والردى انهما إذا اختلفا فيه تحالف فكذلك في الذرعان ونأخذ بالقياس لقوة جانب القياس والاسحسان قياسان فأيهما كان أثره أقوى يؤخذ به ولم يذكر هذا القياس والاستحسان عند الاختلاف في صفه الجودة والرداءة لتحقق المغايرة بينهما والجيد غير الردى إذا كان دينا ولا يتحقق مثل تلك المغايرة هنا فالطويل من الثوب قد يصير قصرا بقطع بعضه والقصير قد يزاد فيه فيصير طويلا فلهذا ذكر القياس والاستحسان هنا ولم يذكر ثمنه. قال (وإذا اختلفا في السلم أو في رأس المال ولم يقبضه ولم يتفرقا) فالحاصل ان هذه ثلاثة فصول (أحدها) أن يكون الاختلاف في رأس المال وهو على وجهين أما أن يكون عينا
[ 162 ] أو دينا فان كان عينا فقال الطالب أسلمت اليك هذا الثوب في كر حنطة وقال المطلوب بل هذا الثوب الآخر وأقاما البينة فانه يقضى بالسلمين بالاتفاق لان كل واحد منهما ببينته يثبت حقه فالطالب يثبت ازالة الثوب بالذى عينه عن ملكه بكر حنطة والمطلوب يثبت ملكه في الثوب الآخر فلا بد من القضاء بالعقدين وان قال الطالب أسلمت اليك هذا الثوب وقال المطلوب مع هذا الثوب الآخر وأقاما البينة فالبينة بينة المطلوب بالاتفاق لان القضاء بالعقدين غير ممكن فالثوب الواحد لا يكون جميع رأس المال في عقد وبعض رأس المال في عقد آخر والمطلوب يثبت الزيادة في حقه ببينته فلهذا قضينا ببينته باسلام الثوبين في كر حنطة وان كان رأس المال ددينا فان اختلفا في جنسه فقال رب السلم عشرة دراهم في كر حنطة وقال المسلم إليه دينار في كر حنطة وأقاما البينة فلا اشكال على قول محمد أنه يقضى بالعقدين وقيل هكذا ينبغي في القياس على قول أبى يوسف اعتبارا للدين بالعين والدنانير غير الدراهم ولكنه استحسن فقال يقض بعقد واحد وتكون البينة بينة المطلوب لان الطالب لما لم يثبت لنفسه شيئا إذ لامؤنة عليه فيما في ذمته وحقه في الكر ثابت باتفاقهما والمطلوب يثبت حقه ببينته فكانت بينته أولى وان اختلفا في قدر رأس المال فقال الطالب عشرة دراهم وقال المطلوب عشرون وأقاما البينة فهو علي هذا الخلاف وكذلك لو كان الا ختلاف في المسلم فيه في الجنس والقدر وقد بينا الاختلاف وان كان الا ختلاف فيهما جميعا بأن قال رب السلم عشرة دراهم في كرى حنطة وقال المسلم عشرون درهما في كرحنطة فعند أبى يوسف تقبل بينة كل واحد منهما علي ما يدعى من الزيادة في حقة ويقضى بعقد واحد وهو اسلام عشرين درهما في كرى حنطة وعند محمد يقضى بعقدين كما شهد به كل فريق فالحاصل أن عند محمد يقضى بعقدين ما أمكن الا إذا تعذر فحينئذ يشتغل بالترجيح للضرورة وعند أبى يوسف يقضى بعقد واحد الا إذا تعذر فحينئذ يقضى بعقدين للضرورة وقول أبى حنيفة كقول أبى يوسف رحمهما الله. قال (ولو أسلم عبدا أو ثوبا في حنطة أو شعير ولم يسم رأس مال كل واحد منهما فهو جائز) لما بينا أن الثوب والعبد ليس بمقدر فلا يضر ترك تسمية رأس مال كل واحد منهما ولكن ينقسم عليهما با عتبار القيمة كما لو اشترى كر حنطة وكر شعير عينا بثوب واحد أو عبد بعينه فانه ينقسم باعتبار القيمة للتعارض بينهما وليس أحدها في تخصيصه بشئ بأولى من الآخر قال (وإذا باع جارية بألف مثقال ذهب وفضة أو دراهم ودنانير كان
[ 163 ] له من كل واحد منهما النصف لان الواو للعطف ومطلق العطف يوجب الاشتراك على المساواة بين المعطوف والمعطوف عليه الا أنه إذا كان قال الف مثقال فعليه خمسمائة مثقال ذهب وخمسمائة مثقال فضة لانه فسر المثاقيل بالذهب والفضة وان قال ألف من الدراهم والدنانير فعليه خمسمائة دينار بالمثاقيل وخمسمائة درهم وزن سبعة لانه هو المتعارف في وزن الدراهم فينصرف إليه وكل ما يصلح أن يكون عوضا في البيع يصلح ذلك في الاجارة أيضا لان المنافع في حكم الاموال أو بالعقد يثبت لها حكم المالية حتى لا يثبت الحيوان دينا فيه في الذمة لاحالا ولا مؤجلا كما في البيع ويثبت المكيل والموزون حالا ومؤجلا والثياب المرصوفة فيه تثبت مؤجلة لاحالة لان استقراض الثياب لا يجوز والسلم فيها صحيح والقرض لا يكون الا حالا والسلم لا يكون الا مؤجلا فعرفنا أنها تثبت في الذمة مؤجلة لاحالة لان استقراض الثياب لا يجوز عوضا عما هو مال واما الحيوان لا يجوز استقراضه ولا السلم فيه فعرفنا أنه لا يثبت في الذمة مؤجلا ولا حالا بدلا عما هو مال قال (وإذا أسلم إليه عشرة دراهم في عشرين مختوم شعير أو عشرة مخاتيم حنطة بالشك أنه يعطيه أيهما شاء فلا خير فيه) لان المسلم فيه مبيع وهو مجهول حين ادخل حرف أوبين الحنطة والشعير ومثل هذه الجهالة في بيع العين يمتنع جواز العقد فغى السلم أولى وكذلك لو قال ان اعطيتني إلى شهر فكذا أو ان أعطيتني الي شهرين فكذا فهو فاسد لجهالة المعقود عليه عند لزوم العقد أما جنسا وإما قدرا لان النبي صلي الله عليه وسلم نهي عن صفقتين في صفقة وعن شرطين في بيع وتفسير ذلك هذا ونحوه قال (ولا يستطيع رب السلم أن بييع ما أسلم فيه قبل القبض) لان المسلم فيه مبيع وبيع المبيع قبل القبض لا يجوز لحديث عمر وابن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ نهى عن بيع ما لم بقبض ولما بعث رسول الله ﷺ غياث بن أسد رضي الله عنه قاضيا وأميرا قال انهم عن أربعة عن بيع ما لم بقبضوا وعن ربح ما لم يضمنوا وعن شرطين في بيع وعن بيع وسلف ولان العين أقبل للتصرف من الدين ثم المبيع العين إذا كان منقولا لا يجوز التصرف فيه قبل القبض لبقاء الغرر في الملك المطلق للتصرف فإذا كان دينا أولى وذلك الغرر هنا قائم فان الدين ينوي بفوات محله يعنى إذا مات المديون مفلسا ولهذا تبطل الحوالة فكما لا بيع المسلم فيه قبل القبض لا يشرك فيه شريكا ولا يوليه أحدا لان التولية تمليك ما يملك بمثل ما ملك به والا شراك تمليك مثل ما ملكه بمثل
[ 164 ] نصف ما ملك به فكما لا يجوز هذا التصرف منه في الكل لا يجوز منه في البعض. قال (رجل قال لرجل اسلمت إلى عشرة دراهم في كرحنطة ثم قال بعد ما سكت ولكني لم أقبض الدراهم منك وقال رب السلم بل قبضتها فالقول قول رب السلم استحسنا وفى القياس القول قول المسلم إليه) وكذلك لو كان رأس المال ثوبا وجه القياس ان السلم اسم للعقد واقراره لا يكون إقرارا بالقبض كالبيع فانه إذا قال ابتعت منك كذا ثم قال لم أقبض كان القول قوله في ذلك لانه منكر للقبض والآخر يدعى عليه التسليم فجعل القول قول المنكر فكذا في السلم ألا ترى أنه لو قال ذلك موصولا بكلامه كان القول قوله ولو صار بالاقرار بالسلم مقرا بالقبض لكان هذا رجوعا والرجوع لا يعمل موصولا كان أو مفصولا ولكنه استحسن فقال السلم أخذ عاجل بآجل فمطلقه يقتضى الاقرار بالعقد والقبض جميعا فكان قوله لم أقبضه بيانا فيه تغيير لمقتضى مطلق كلامه والبيان المغير للفظه صحيح موصولا بكلامه لا مفصولا وهذا تخصيص للفظه العلم والتخصيص ممن لا يملك الابطال صحيح موصولا لا مفصولا بمنزلة الاستثناء قال في الاصل وهذا مثل قوله فد أعطيتني عشرة دراهم في كر حنطة أو أسلفتني أو أقرضتني عشرة دراهم برؤوسها ثم قال لم أقبض والقياس والاستحسان في الكل ولكن من عادته الاستشهاد بالاوضح وكذلك لو قال على ألف درهم من ثمن جارية بعتنيها ثم قال لم أقبضها وقال الآخر قد قبضت فهو غير مصدق في قوله لم أقبضها وصل أم قطع في قول أبى حنيفة وكان أبو يوسف يقول أولا ان وصل يصدق وان فصل لم يصدق وان فصل لم يصدق ثم رجع وقال إذا فصل يسأل المقر له عن جهة المال فان أقر بجهة البيع وقال قد قبضتها فالقول قول المقرانى لم أقبضها وان قال المال عليه من جهة أخرى فالقول قوله والمال لازم على المقر وهو قول محمد وهذا في الحقيقة ليس برجوع بل تفسير لما أبهمه في الابتداء وجه قولهما انهما تصادقا على البيع فالبائع يدعي تسليم المعقود عليه والمشترى منكر فالقول قول المنكر كما لو قال ابتعت منك جارية بألف درهم ثم قال لم أقبضها أو قال لك علي ألف درهم ثمن هذه الجارية التى بعتها منى ولم أقبضها فالقول قوله في ذلك فان لم يصدقه المقر له في الجهة فقد أقر بوجوب المال له عليه ثم ادعى ما يسقط فلا يصدق إذا كان مفصولا لما بينا ان قوله لم أقبضها بيان مغير لموجب اقراره فيصح موصولا لا مفصولا كالاستثناء إذا قال لفلان على ألف درهم الا مائة أوقال الاوزن خمسة وأبو حنيفة يقول أقر بالقبض ثم رجع والرجوع باطل موصولا كان أو
[ 165 ] مفصولا ومعنى هذا انه أقر بكون المال دينا في ذمته بقوله له على ألف درهم ثمن جارية غير معينة وثمن الجارية التى هي غير معينة لا يكون واجبا الا بالقبض لان التى هي غير معينة في حكم المستهلكة وثمن الجارية المستهلكة لا يكون واجبا الابعد القبض فعرفنا أنه أقر بالقبض ثم رجع بخلاف قوله ابتعت فهنالك ما أقر بان المال واجب في ذمته انما أقر بالابتياع وذلك لا يكون اقرارا بالقبض وبخلاف قوله ثمن هذه الجارية لانه انما أقر بوجوب المال عليه بمقابلة جارية معينة وثمن الجارية المعينة يكون واجبا قبل القبض يوضحه انه أقر بالمال وادعي لنفسه أجلا غير متناه فان المشترى لا يلزمه تسليم الثمن الا بعد احضار البائع المبيع وما من جارية يحضرها البائع الا وللمشترى أن يقول المبيعة غيرها ولو ادعى لنفسه أجلا معلوما كشهر أو سنة لم يقبل قوله في ذلك وصل أو فصل فهنا أولي بخلاف الجارية المعينة فان هناك ما ادعى لنفسه أجلا لأنها حاضرة وانما أقر علي نفسه بالمال بشرط أن يسلم له تلك الجارية ألا ترى أن المقر له لو قال الجارية جاريتك ما بعتها ولى عليك ألف درهم يلزمه المال ولو قال الجارية جاريتي ولي عليك المال لم يلزمه شئ لانه لم يسلم له شرطه. قال (وإذا أسلم الرجل إلى رجل في كرحنطة فأعطاه كرابغير كيل فليس له ان يبيعه ولا يأكله حتى يكتاله لان المسلم فيه مبيع وانما اشتراه رب السلم بذكر الكر فلا يتصرف فيه حتى يكتاله والاصل فيه ماروى أن النبي ﷺ نهى عن بيع الطعام حتى يجرى فيه صاعان صاع البائع وصاع المشترى يعنى إذا اشتراه بشرط الكيل فليس له ان يكتفى بكيل البائع ولا يتصرف فيه بعد القبض حتى يكيله وهذا لانه انما بملك المعقود عليه والمعقود عليه القدر المسمى ولا يعلم ذلك الا بالكيل ألا ترى أنه لو كاله فوجده أزيد يلزمه رد الزيادة وتصرفه من حيث الاكل والبيع بحكم الملك فما لم يتعين ملكه بمعرفة المقدار لم يكن له ان يتصرف فيه وان هلك عنده وهو مقر بأنه كرواف فهو مستوف لانه قبضه على وجه التملك بعقد السلم فيصير مضمونا عليه بالقبض وقد هلك عنده فيلزمه مثله وقد أقر أنه كان كرا فيصير مستوفيا بطريق المقاصة لان ما في المقاصة آخر الدينين قضاء عن أولهما وآخره دين المسلم إليه فيصير رب السلم مقتضيا طعام السلم به ولان القبض تلاقى العين واستيفاء الدين لا يكون الا من العين فإذا أقر أنه كان كرا فقد علمنا انه بقبضه صار مستوفيا لحقه وهذا الحكم في كل مكيل وموزون فأما في المذروعات له أن يتصرف قبل الذرع لان الذرع
[ 166 ] صفة حتى لو وجدوه أزيد يسلم له الزيادة ولو وجده أنقص لا يحط شيئا من الثمن فعرفنا ان الملك بالعقد انما يثبت له في العين وقدتم قبضه في العين وفي العدديات المتقاربة أظهر الروايتين عن أبى حنيفة أنه لا يتصرف قبل العد في العدديات مقدار كالكيل والوزن حتى لو وجده زائدا لا يسلم له الزيادة ولو وجده أنقص يحط حصة النقصان من الثمن وقد روى عنه انه جوز التصرف فيه قبل العد وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لان بصفة العدد لا يصير مال الربا فهو بمنزلة الذرع في المذروعات والزيادة والنقصان لا يتحققان فيه الا بغلط في العدد بخلاف الكيل والوزن والزيادة والنقصان هناك يظهران باجتهاد من الكيال والوزان من غير ان يتيقن بالخطأ فيه وهنا الزيادة والنقصان لا يظهر ان الا بغلط في العد فكان العقد متنا ولا للعين فيجوز التصرف فيه قبل العد كما في المذروعات وجه قول أبى حنيفة رضى الله عنه أن المقصود عليه في العدديات العدد لانه مقدار كالكيل والوزن ألا ترى أنه لو وجده أزيد لا يسلم له الزيادة ولو وجده أنقص يحط بحصة النقصان من الثمن فصار المعقود عليه القدر والقدر لا يصير معلوما الا بالعد الا أنه لا يجرى فيه الربا لانه صار عدديا باصطلاح الناس لا بجعل الشرع أمثال متساوية فإذا باع جوزة بجوزتين فقد أعرضا عن ذلك الاصطلاح وما ثبت باصطلاح الناس يبطل باصطلاحهم أيضا بخلاف المكيل والموزون. قال (وان اشترى المسلم إليه من رجل كراثم قال لرب السلم اقبضه قبل أن يكتاله من المشترى فليس ينبغى لرب السلم أن يقبضه حتى يكتا له المشترى) لان في هذا القبض وكيل المسلم إليه فكما أن المسلم إليه لو قبض بنفسه كان عليه أن يكيله فكذلك إذا قبضه وكيله كان عليه أن يكتاله للمسلم إليه بحكم الشراء ثم يكيله ثانيا للقبض بنفسه بحكم السلم وليس له أن يأخذ بكيله ذلك لانه في ذلك نائب عن المسلم إليه فكأن المسلم إليه فعله بنفسه ثم سلمه إليه فعليه ان يكتاله لنفسه بحكم السلم وهو المراد من قوله صلي الله عليه وسلم حتى يجرى فيه الصاعان أي إذا اتلقاه البائع من غيره بشرط الكيل ولقاه غيره بشرط الكيل واختلف مشايخنا رحمهم الله في فصل وهو ما إذا اشترى طعاما مكايلة فكاله البائع بمحضر من المشترى ثم سلمه إليه فمم؟ نه من من يقول ليس للمشترى ان يكتفى بذلك الكيل ولكنه يكيله مرة أخرى استدلالا بهذه المسألة وكيل البائع بحضرته لا يكون أقوى من كيله بنفسه والاصح له أن يكتفى بذلك الكيل لان استحقاق الكيل بحكم عقده ففعل
[ 167 ] البائع بحضرته كفلعه بنفسه وفى مسألة السلم استحقاق الاول بالكيل كان بالشراء فلا ينوب ذلك عن الكيل المستحق بالسلم فلهذ يلزمه الكيل مرة أخرى فان دفع المسلم إليه الي رب السلم دراهم فقال اشترى لى بها طعاما فاقبضه لي بكيل ثم كله لنفسك بكيل مستقبل كان جائزا لانه وكيل المسلم إليه في الشراء له وفعل الوكيل كفعل الموكل فكأنه اشتراه بنفسه ثم أمر رب السلم بقبضه وهى المسألة الاولى ولو قال رب السلم للمسلم إليه كل مالى عليك من الطعام فأعز له في بيتك أوفي غرائرك ففعل ذلك لم يكن رب السلم قابضا بمنزلة قوله اقبضه لى بيسارك من يمينك وهذا لان المسلم فيه دين على المسلم إليه والمديون لا يصلح أن يكون نائبا عن صاحب الدين في قبض الدين من نفسه ولو وكل رب السلم بقبض ذلك غلام المسلم إليه أو ابنه فهو جائز لانه يصلح نائبا عن رب السلم في قبض حقه وهو في ذلك كأجنبي آخر والانسان يصير قابضا حقه بيد نائبه كما يصير قابضا بيد نفسه. قال (ولو دفع إليه غرائره فقال كل مالى عليك اجعله في غرائري ففعل ذلك ورب السلم ليس بحاضر لم يكن ذلك قبضا) وفرق بين هذا وبين ما إذا اشترى منه طعاما بعينه على انه كر ثم دفع إليه غرائره وأمره أن يكيله فيها ففعل فانه يصير قابضا والفرق بينهما ان القبض في باب السلم موجب بملك العين وغرائره لا تصلح نائبة عنه في تملك العين وفى باب الشراء قد ملك العين بالعقد وانما القبض للاحراز والغرائر تصلح نائبة عنه في الاحراز والثانى أن أمره بالكيل في غرائره غير معتبر بنفسه في السلم لان المسلم إليه انما يكيل ملك نفسه وله في ملك نفسه ولاية الكيل من غيره اذنه فأما في الشراء اذنه معتبر في الكيل لانه انما يكيل ملك المشترى وله في ملك نفسه اذن معتبر فكان كيله في غرائره ككيل المشترى بنفسه ألا ترى انه لو أمر المسلم إليه بان يطحن ما عليه من طعام السلم ففعل ذلك كان الدقيق له ولايكون لرب السلم ان يقبضه لانه يصير به مستبدلا وفى الشراء لو أمره ان يطحنه ففعل جاز وكان الدقيق للمشترى وكذلك في الشراء لو أمره أن يلقيه في البحر ففعل جاز وكان الثمن مقررا عليه ولو أمره بذلك في السلم لم يجز ثم. قال (في الشراء وله ان يبيعه إذا كان له البائع في غرائر المشترى بأمره قبل هذا غلط) لان الغرائر نائبة عنه في الاحراز لافى معرفة القدر فكأنه قبضه بنفسه فلا يتصرف فيه حتى يكيله ولكن ما ذكره في الكتاب أصح لما بينا أن أمره إياه بالكيل معتبر لمصادفته ملكه فكان البائع في الكيل كالنائب عنه والغرائر في القبض
[ 168 ] والاحراز تنوب عنه وفعل نائبه كفعله بنفسه وفي السلم ان كان في الغرائر طعام لرب السلم فكاله فيه بأمره فقد قيل لا يصير قابضا لما ذكرنا ان أمره غير معتبر في ملك الغير قال رضى الله عنه والاصح عندي أنه يصير قابضا هنا لانه أمره بخلط طعام السلم بطعامه على وجه لا يمكن التميز معتبر فيصير بهذا الخلط قابضا وهو مثل ما ذكر في كتاب الصرف لو دفع الي صائغ نصف درهم فضة وقال زد من عندك نصف درهم وصغ لى منهما خاتما ففعل ذلك جاز وصار بالخلط قابضا له. قال (وإذا اسلم الرجل في كر حنطة ثم اسلم المسلم إليه إلى رب السلم في كر حنطة وأجلهما واحد وصفتهما واحدة أو مختلفة لم يكن احدهما قصاصا بالآخر إذا حلا وان تقاصا) لان المسلم فيه مبيع فيستحق قبضه بحكم العقد ولايجوز ان يقضي به دين آخر لان المستحق بعقد السلم قبض بكيل بعد عقد السلم ولا يحصل ذلك بقضاء دين آخر به فإذا تقاصا منا فلابد من ان يكون أحدهما قابضا المسلم فيه ويكون دينا عليه وذلك غير جائز. قال (فان كان أولهما مسلما والآخر قضاء لا يصير احدهما قصاصا في الحال من قبل ان القصاص عباره عن المساواة ولا مساواة بينهما لان أحدهما معجل والآخر مؤجل والمعجل خير من المؤجل الا إذا حل الاجل في السلم فحينئذ يكون احدهما قصاصا بالآخر ولا بأس بأن يكون قصاصا إذا كان سواء تقاصا أو لم يتقاصا لوجود القبض بكيل بعد عقد السلم وهو قبض المستقرض ألا ترى ان رب السلم لو غصب من المسلم إليه كرا بعد ما حل طعام السلم كان مستوفيا حقه بطريق المقاصة فكذلك إذا استقرض وهذا لان في باب المقاصة آخر الدينين قضاء من أولهما ولا يكون أول الدينين قضاء عن آخرهما لان القضاء يتلو الوجوب ولا يسبقه ولهذا في الدين المشترك لو وجب للمدين على أحد الشريكين دين بقدر حصة وصار قصاصا كان للشريك الآخر أن يرجع عليه بنصفه لانه صار مستوفيا حصته ولو كان دين المديون عليه سابقا علي دينهما فصار قصاصا لم يكن لشريكه أن يرجع عليه بشئ لانه صار بنصيبه قاضيا دينا عليه لا مقتضيا إذا ثبت هذا فنقول إذا كان آخر الدينين قرضا فالمسلم إليه بما أوجب له من القرض يصير قاضيا طعام السلم ورب السلم يكون مستوفيا وإذا كان القرض أولا لم يكن قصاصا وان تقاصا به لان رب السلم يصير قاضيا بطعام السلم ما عليه من القرض ودين السلم يجب قبضه ولا يجوز قضاء دين آخر به فان كان للمسلم إليه كر حنطة دينا على رجل أو استقرض من
[ 169 ] رجل كرا فقال لصاحب السلم كله فاكتاله رب السلم كيلا واحدا جاز ويصير قابضا لان القرض لا يشترط فيه الكيل ألا ترى أن المقرض لو استرد ما أقرض ولم يكله كان له أن يتصرف فيه والمستقرض لو قبض ولم يكل كان له أن تتصرف فيه ورب السلم في القبض من المقرض أو المستقرض نائب عن المسلم إليه فكما قبضه تم فيه ملك المسلم إليه قبل ان يكيله ثم انما يكيله بعد ذلك لنفسه بحكم السلم فلهذا يكفيه كيل واحد بخلاف ما سبق من الشراء فان المسلم إليه لما اشتراه بشرط الكيل لا يتعين ملكه الا بالكيل فكان الكيل الاول من رب السلم كتعبين ملك المسلم إليه فلا بد من ان يكيله لنفسه بعد ذلك كيلا مستقبلا. قال (وان تتاركا السلم ورأس المال ثوب فهلك عند المسلم إليه فعليه قيمته) وكذلك لو تتاركا بعد هلاكه وهذه أربعة فصول (أحدها) ان يشترى عينا بدراهم فتقابضا ثم تقايلا ثم هلك المبيع قبل الرد بطلت الاقالة سواء كان الثمن قائما أو هالكا لان الاقالة رفع العقد وانما يرفع الشئ من المحل الوارد عليه ومحل العقد المعقود عليه والمعقود عليه المبيع دون الثمن فان الثمن معقود به ولهذا شرط قيام الملك في المبيع عند العقد دون الثمن فان كان المبيع هالكا عند الاقالة فالاقالة باطلة لفوات محلها وكذلك إذا هلك بعد الاقالة قبل الرد لان العارض من هلاك المحل بعد الاقالة قبل الرد كالمقترن بالاقالة ألا ترى ان هلاك المعقود عليه بعد العقد قبل القبض يبطل العقد ويجعل كالمقترن بالعقد (والثانى) لو تبايعا عبدا بجارية وتقابضا ثم تقايلا ثم هلك أحدهما بقيت الاقالة لان ابتداء الاقالة بعد هلاك أحد العوضين صحيح فان كل واحد منهما معقود عليه بدليل انه يشترط قيام الملك في العوضين جميعا للمتعاقدين بخلاف الثمن ألا ترى ان بعد هلاك أحدهما يمكن فسخ العقد برد الآخر بالعيب فكذلك بالاقالة وإذا جاز ابتداء الاقالة بعد هلاك أحدهما فكذلك تبقى الاقالة في القائم وعليه رد قيمة الهالك لانه تعذر رد العين مع بقاء السبب الموجب للرد فترد القيمة إذا القيمة سميت قيمة لقيامها مقام العين ولو هلكا جميعا بعد الاقالة قبل التراد بطلت الاقالة لان ابتداء الاقالة بعد هلاكهما باطل إذا لم يبق شئ من المحل الذي تناوله العقد فكذلك لا تبقى الاقالة بعد هلاكهما (والثالث) السلم إذا تقايلا ورأس المال عين فهلكت بعد الاقالة لم تبطل الاقالة لان ابتداء الاقالة بعد هلاك رأس المال صحيح فان السلم بمنزلة بيع المقابضة لان المسلم فيه مبيع معقود عليه فجازت الاقالة بعد هلاك ما يقابله وإذا بقيت الاقالة فعليه رد قيمة
[ 170 ] رأس المال لتعذر رد العين مع بقاء السبب الموجب له والقول قول المطلوب في مقدار القيمة إذا اختلفا لان الطالب يدعى عليه زيادة وهو منكر لتلك الزيادة (والرابع) الصرف فانهما لو تصارفا دينارا بعشرة دراهم وتقابضا وهلك البد لان جميعا ثم تقايلا ثم هلك البد لان قبل التراد جازت الاقالة لان المعقود عليه ما استوجب كل واحد منهما في ذمة صاحبه ألا ترى ان بعد الاقالة لا يلزمه رد المقبوض بعينه ولكن ان شاء رده وان شاء رد مثله فلا يكون هلاك المقبوض مانعا من الاقالة هذا هو الصحيح في تخريج هذه المسائل وقع في الاصل تشويش وتقديم وتأخير وألفاظ مختلفة وذلك كله غلط من الكاتب وقد تكلف لتصحيحه بعض مشايخنا رحمهم الله فانه قال بعد مسألة القرض ألا ترى انه لو اشتريا جارية بعبد وتقابضا فمات احدهما في يديه ثم تناقضا انه جائز ومعنى هذا الاستشهاد ان القرض وان كان في معنى البيع من حيث انه تمليك الطعام بمثله فليس ببيع حقيقة فلا يشترط فيه من الكيل ما يشترط في المبيع كما ان الاقالة في حكم البيع ولكن ليس ببيع علي الحقيقة فيجوز بعد هلاك أحد العوضين وان كان لا يجوز ابتداء البيع فانه لو اشترى عبدا بقيمة جارية هالكة لا يجوز واليه أشار بقوله وليس هذا بمنزلة شراء الحى قبل أن يموت يعنى شراء الحى بقيمة الميت أو شراء الحى بالحى إذا مات أحدهما قبل القبض ولكن هذا تكلف ولا يليق هذا اللفظ بفصاحة محمد رحمه الله فان شراء الحى يعلم انه يكون قبل ان يموت فعرفنا انه غلط من الكاتب ثم قال وكذلك السلم لان السلم بيع يعنى أن الاقالة بعد هلاك رأس المال يجوز كما يجوز في بيع المقابضة الاقالة بعد هلاك أحدهما ثم قال ولا يشبه هذا الاثمان الدنانير بالدراهم يعنى ان في عقد الصرف تجوز الاقالة بعد هلاكهما بخلاف بيع المقابضة وفى بعض النسخ قال الدنانير والدراهم يعنى إذا اشتريا عينا بنقد ثم تقايلا فهلك المعقود عليه بطلت الاقالة فان كان الثمن قائما وقد قررنا هذا الفرق. قال (وإذا أسلم الرجل إلى رجل دراهم في كر حنطة فوجد فيها دراهم ستوقة فجاء يردها فقال المسلم إليه هذا من نصف رأس المال وقد بطل نصف السلم وقال رب السلم بل هو ثلث رأس المال فالقول قول المسلم إليه) لان السوقة ليست من جنس الدراهم فقد علمنا ان السلم لم يتم في جميع الكر وحاصل الاختلاف بينهما في قبض المسلم إليه مقدار حقه من رأس المال فرب السلم يدعى عليه أنه قبض ثلثى حقه والمسلم إليه ينكر القبض فيما زاد على النصف فكان القول قول المنكر مع يمينه وعلي المدعى أن يثبت ما يدعيه
[ 171 ] بالبينة وإذا أسلم عشرة دراهم في كر حنطة فأقام رب السلم البينة أنهما تفرقا قبل قبض المسلم إليه رأس المال وأقام المسلم إليه البينة أنه قبض رأس المال قبل أن يفترقا فالسلم جائز ويؤخذ بينة المسلم إليه لانها تثبت القبض في المجلس وبينة رب السلم تنفى ذلك والبينات تترجح بالاثبات ولم يذكر في الكتاب أنه لو لم يكن لهما بينة فالقول قول من يكون وأورد هذا في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله وقال على قول زفر القول قول من يدعى القبض منهما لان العقد لايتم الا بقبض رأس المال فكان اتفاقهما على العقد اتفاقا منهما على قبض رأس المال والذى ينكر القبض في حكم الراجع عن الاقرار وقد قررنا هذا المعنى في الاجل فكذلك في قبض رأس المال وعند أبى يوسف رحمه الله القول قول الذى في يده رأس المال لان الآخر يدعى تملك ما في يده عليه وهو منكر والقول قول المنكر فان كان رأس المال في يد رب السلم فظاهر لان المسلم إليه يدعى أنه يملك مافى يده بالقبض وانه غصبه منه بعد ذلك وان كان في يد المسلم إليه فرب السلم يدعى أنه غصبه منه والمسلم إليه منكر لذلك فكان القول قول المنكر لذلك فلو كانت الدراهم في يد رب السلم باعيانها فقال المسلم إليه أو دعتها اياه أو غصبها بعد قبضي لها وقد قامت البينة بالقبض فكان القول قوله ويقضي له بالدراهم لانه لما أثبت قبضه بالبينة فقد تم ملكه فيها ثم ظهرت في يد غيره بعد ذلك فيؤمر بردها عليه سواء زعم أن وصولها إلى يده بالوديعة أو بالغصب ولو أسلم فلوسا في طعام يجوز لان هذا عددي متقارب يصلح أو يكون ثمنا في باب البيع فيصلح أن يكون رأس المال في باب السلم ولايجوز في الصفر رجل باع عبدا أو ثوبا بشئ مما يكال أو يوزن ثم تفرقا قبل أن يقبض المشترى ما اشترى فالبيع جائز لانهما تفرقا عن عين بدين وذلك جائز في البيع كما لو اشترى شيئا بثمن موجل وقبض المشترى وتفرقا أو تفرقا قبل قبض المشترى وقد بينا أن القياس في السلم هكذا ولكنا تركنا القياس هناك لمقتضي اسم السلم واليه أشار في الفرق فقال لو باعه ثوبا بحنطة وسمى الكيل ولم يجعل له أجلا كان جائز أو لو أسلم هذا الثوب في كر حنطة موصوفة ولم يجعل له أجلا كان فاسدا ومعنى هذا الاستشهاد ان التأجيل في السلم في المسلم فيه جعل شرطا لتحقق معنى الاسم فكذلك التعجيل في رأس المال مقتضي الاسم بخلاف البيع وقد بينا أن جواز أخذ الرهن بالمسلم فيه وان بهلاك الرهن يصير المرتهن مستوفيا حقه من مالية الراهن إذا كان فيه وفاء بحقه فسقط حق رب السلم عن المطالبة
[ 172 ] بعد هلاك الرهن في يده وقد بينا أيضا جواز التوكيل بدفع رأس المال وان القبض من الوكيل في مجلس العقد بمنزلة القبض من الموكل ويستوى ان كان الوكيل شريكا لرب السلم أو أجنبيا لان أداءه قام مقام اداء الموكل بحكم الوكالة إذا قبض المسلم إليه حتى لو تبرع أجنبي باداء رأس المال وقبضه المسلم إليه قبل أن يفارق رب السلم كان جائزا وان كان بالمسلم كفيل فاستوفي الكفيل السلم من المسلم إليه على وجه الاقتضاء ثم باعه وربح فيه فذلك حلال له إذا قضي رب السلم طعاما مثله لان عقد الكفالة كما يوجب لرب السلم علي الكفيل يوجب للكفيل على المسلم إليه الا أن مال الكفيل على المسلم إليه مؤجل إلى وقت ادائه الطعام الي رب السلم فإذا استوفي قبل الاجل فقد استعجل دينا له مؤجلا والمقبوض بهذا السبب يملك ملكا صحيحا فانما تصرف وربح في ملك حلال له فلهذا طاب له الربح ولا خلاف في هذا إذا تقرر ملكه باداء طعام السلم وانما الخلاف فيما إذا كان المسلم إليه هو الذى قضى رب السلم طعام السلم فانه يرجع على الكفيل بطعام مثل ما دفع إليه لانه انما أعطاه في ذلك ليسقط دين رب السلم عنه بادائه ولم يفعل ذلك فكان له أن يرجع عليه بما أدى ثم قال في هذا الكتاب فما ربح يطيب للكفيل وهو قول أبى يوسف ومحمد رحهما الله كما حكاه عنهما في الجامع الصغير وذكر عن أبى حنيفة انه قال أحب إلى ان يرده علي الذى قضاه ولا أجبره عليه في القضاء وفي كتاب الكفالة قال له أن يتصدق بالفضل ووجه تلك الرواية ان المسلم إليه انما رضي بقبضه ويملكه بشرط أن يؤدى عنه طعام السلم فإذا لم يفعل لم يتم رضاه وصار هذا كالمقبوض بغير اذنه فانما حصل له الربح فيه بسبب خبيث شرعا والسبيل في الكسب الخبيث التصدق ووجه رواية الجامع الصغيران معنى الخبث ليس في معنى السبب بل لخلل في رضي المسلم إليه فإذا رده عليه مع الربح انعدم الخبث فكان هذا أولى الوجهين ولكن لا يجوز عليه في القضاء لان المتصرف انما ربح على ملك نصيبه ووجه رواية هذا الكتاب ان المقبوض كان مملوكا له صحيحا وكان التصرف فيه مطلقا له شرعا فالربح الحاصل به يكون حلالا ألا ترى انه لو أدى طعام السلم كان الربح طيبا له فإذا لم يؤد فانما يثبت حق الرجوع للمسلم إليه على الكفيل يكن في ذمته وبان لحقه دين لا يتمكن فيه خبث فيما حصل له من الكسب كما إذا وجب عليه دين آخر بسبب آخر هذا إذا قبضه الكفيل على وجه الاقتضاء فاما إذا قبضه على وجه الرسالة بأن يسلم إليه المسلم إليه طعام السلم ليكون رسوله في تبليغه إلى رب السلم فتصرف فيه وربح فالربح لا يطيب له في قول أبى حنيفة
[ 173 ] ومحمد رحمهما الله ويطيب له في قول أبى يوسف لانه أمين فيما قبضه علي وجه الرسالة كالمودع وقد بينا الخلاف في المودع إذا تصرف في الوديعة وربح في كتاب الوديعة وان قضي الكفيل السلم من مال قبل ان يقبضه من المكفول عنه ثم صالح المكفول عنه علي دراهم أو غير ذلك مما يكال أو يوزن أو على عروض أو حيوان فهو جائز ولا يكون استبدالا لان الكفيل هنا مقرض معناه أن ما يرجع به الكفيل علي المسلم إليه لا يكون مسلما فيه لان المسلم فيه ما يجب بعقد السلم ووجوب هذا بعقد الكفالة ثم الكفالة توجب طعام السلم على الكفيل لا للكفيل فعرفنا أنه دين آخر بمنزلة سائر الديون فلم يكن استبدالا ولانه يصير كالمقرض لما أدى من المسلم إليه وان لم يكن قرضا على الحقيقة حتى لو أجل المكفول عنه فيه لزمه الاجل والاجل في بدل القرض لا يلزم فعرفنا أن مراده أنه دين آخر سوى السلم فيجوز الاستبدال به قبل القبض وان أكفل رجل لرب السلم برأس ماله قبل أن يترادا فالكفالة باطلة لان الكفالة بما هو واجب في ذمة الاصيل وقيل الاقالة الواجب في ذمة الاصيل لرب السلم المسلم فيه لا رأس المال وانما كفل بما ليس بواجب له ولم يضف الكفالة إلى سبب الوجوب فكان باطلا بخلاف مالو قال إذا تقا يلتما العقد فأنا كفيل برأس المال لك ولان رأس المال قبل الاقالة حق المسلم إليه فانما كفل عنه بما هو حقه وذلك ليس من موضوع الكفالة في شئ. قال (وإذا أسلم الرجل في بعض الادهان المربى بالبنفسج والزئبق والحنا وغيره يجوز لانه موزون مضبوط بالوصف مقدور التسليم من أصحابنا رحمهم الله من قال هذا يجوز في الدهن الصافى أما المربى بالبنفسج وغيره فلا لان المربى يختلف باختلاف ما يرى به من الادوية والرياحين والصحيح أنه يجوز لانه يمكن اعلامه باعلام قدر ما يؤدى به. قال (وكل شئ وقع عليه كيل الرطل فهو موزون يريد به الادهان ونحوها لان الرطل انما يعدل بالوزن الا أنه يشق عليهم وزن الدهن بالامناء والسنجات في كل وقت لانه لا يتمسك الا في وعاء وفي وزن كل وعاء نوع حرج فاتخذ الرطل لذلك تيسيرا فعرفنا أن ما يقع عليه كيل الرطل فهو موزون فيجوز السلم فيه بذكر الوزن وإذا أسلم النصراني إلى النصراني في خمر بكيل معلوم فهو جائز وهذا عندنا بناء علي الاصل الذى بينا في كتاب الغصب أن الخمر مال متقوم في حقهم بمنزلة الخل والعصير في حقنا فيجوز السلم فيما بينهم بذكر الكيل والوزن وان أسلم أحدهما قبل قبض خمر السلم بطل السلم ورد المسلم إليه رأس المال لان الاسلام
[ 174 ] وجد الخمر مملوكة بالعقد غير مقبوضة فيجعل وجود اسلام أحدهما عند القبض كوجوده عند العقد وهذا لان قبض المسلم فيه قبض تملك فانه بعقد السلم ملك المسلم فيه دينا وانما يتعين ملكه بالقبض فان كان رجل رب السلم هو الذى أسلم فالمسلم لا يملك الخمر بحكم عقده فان كان المسلم إليه هو الذى أسلم فليس له أن يملك الخمر من غيره بعقد فعلمنا أنه تحقق فوات قبض المسلم فيه وذلك مبطل للعقد فان المسلم فيه مبيع ومتى تحقق فوات قبض المبيع بطل البيع كما إذا تحقق ذلك بالهلاك في بيع العين وان كان قبض بعضه بطل ما بقى وجاز ما قبض لان ملكه تم في المقبوض فباسلامه بعد ذلك لا يبطل ولكن اسلامه يمنع من قبض ما بقى العقد فيه لفوات القبض وهذا لان السبب الطارئ يلاقى المنتهى بالعفو عنه والقائم بالرد قال الله تعالى (وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين) فبنزول حكم الربا انما لزمهم ترك ما لم يقبضوا لا رد ما قبضوا منه فهذا مثله ثم النصراني والمسلم في حكم السلم سواء ماخلى الخمر حتى لا يجوز السلم بينهم في المنقطع لان فساد ذلك فيما بين المسلمين لعجز العاقد عن تسليم المعقود عليه وهم في ذلك كالمسلمين والسلم بينهم في الخنزير لا يجوز بمنزلة السلم في الشاة بين المسلمين لان امتناع جواز السلم في الحيوان لمعنى الجهالة وهم يستوون في ذلك بالمسلمين وإذا أسلم في طعام جيد من طعام العراق أو الشام فهو جائز بخلاف مالو أسلم في طعام قرية أو قراح بعينه لان ذلك يتوهم انقطاعه بآفة فاما طعام ولاية كالعراق والشام لا يتوهم انقطاعه عرفا بافة فانما أسلم فيما هو مقدور التسليم وقت وجوب التسليم ولا بأس بالسلم في الصوف وزنا لانه موزون معلوم في نفسه وان اشترى كذا جزة بغير وزن لم يجز للجهالة لان مقدار الصوف في كل جزة غير معلوم وذلك يتفاوت على وجه يفضى إلى المنازعة بينهما وان أسلم في صوف غنم يعينها لم يجز لان ذلك يتوهم انقطاعه بالهلاك ولان تعين محل المسلم فيه كتعين المسلم فيه ولانه لو باع الصوف الذى على ظهر الشاة بعينه لا يجوز فكذلك إذا أسلم فيه وكذلك ألبانها وسمونها لما بينا ولان هذه الاعيان مادامت متصلة بالحيوان فهى وصف للحيوان ولا تثبت فيها المالية مقصودا الا بعد الانفصال فلا تكون قابلة للعقد مقصودا وكذلك ان أسلم في سمن حديث أو زيت حديث في غير حينه وجعل أجله في حينه فلا خير فيه لانه منقطع في الحال من أيدى الناس وكذلك لا خير في السلم في الحنطة الحديثة لانها اليوم منقطعة عن أيد الناس ولا يدرى أيكون في تلك السنة أم
[ 175 ] لافلا يكون مقدور التسليم له وبدون قدرة التسليم لا يجوز العقد. قال (وإذا أسلم في حنطة من حنطة هراة خاصة وهى تنقطع من أيدى الناس فلا خير فيه) كما لو أسلم في طعام قراح بعينه قيل لم يرد بهذا هراة خراسان وانما مراده قرية من العراق تسمى هراة وتلك القرية يتوهم أن يصيبها آفة فاما هراة خراسان لا يتوهم انقطاع طعامها فهو والسلم في طعام العراق سواء ثم. قال (وان أسلم في ثوب هروى فلا بأس به) من أصحابنا رحمهم الله من يقول لان الثوب الهروي لا يتوهم انقطاعه بخلاف الطعام فالمراد قد يستاصل طعام هراة ولا يستأصل حركة هراة وهذا ضعيف قالوا قد يستأصل حركة هراة أيضا ولكن المعنى الصحيح في الفرق أن نسبة الثوب إلى هراة لبيان جنس المسلم فيه لا لتعين المكان فان الثوب الهروي ما ينسج على صفة معلومة فسواء نسج على تلك الصفة بهراة أو بغير هراة يسمى هرويا بمنزلة الزند يجي والودارى والي هذا أشار في الكتاب فقال الثوب الهروي من الثياب بمنزلة الحنطة من الحبوب يعنى بهذا بيان الجنس بخلاف الحنطة فان حنطة هراة ما تنبت بأرض هراة حتى أن النابت في موضع آخر لا ينسب إلى هراة وان كان بتلك الصفة فكان هذا تعينا منه للمكان ولذلك يتوهم انقطاعه وقال مشائخنا رحمهم الله وان نسب الطعام إلى موضع يعلم أن مراده بذلك بيان الصفة فذلك لا يفسد السلم كالحمراني سحارى فانه يذكر ذلك لبيان صفة جودة الحنطة فلا يختص به ما يثبت في تلك القرية فكأنه قال في حنطة جيدة ووقع في الاصل والثوب الهروي لا يصنع بغير تلك البلاد وهو غلط بل الصحيح أن الثوب الهروي يصنع في غير تلك البلاد وعلى ما بينا أنه اسم للمنسوج بصفة فيسمى به وان نسج في غير هراة. قال (ولا بأس بالسلم في البوارى والحصير إذا وصف الطول والعرض والصفة) لانه مذروع معلوم كالثياب فالحصير ما يتخذ من البردى والحشيش والبوريا ما يتخذ من القصب ولا بأس بالسلم في نصل السيف إذا كان معلوما الطول والعرض والصفة لان ذلك لا يتفاوت في المالية بعد بيان نوع الحديد الاشياء يسيرا وذلك غير معتبر كما في الثياب والجيد من الطعام ولاخير في السلم في الطلع وهو اسم لاول ما يبدو من النخيل قيل هو شئ أحمر مثل لسان البقر يبدو من النخل ثم يخرج التمر منه وقد يقطع ذلك فيؤكل كما هو أو يطبخ منه المرقة لحموضة فيه وهو عددي متفاوت يختلف فيه الصغير والكبير وتتفاوت آحاده في المالية فلا يجوز السلم فيه كذلك. قال (ولا يجوز للشريكين قسمة السلم وغيره من الديون قبل القبض لان القسمة للحيازة وذلك (12 ثانى عشر مبسوط)
[ 176 ] بأن يجعل كل واحد منهما نصيبه في حيزه وفى الدين لا يتحقق ذلك ثم القسمة لتوفير المنفعة على كل واحد منهما في نصيبه وقطع الانتفاع عن نصيبه وذلك لا يتحقق في الدين قبل القبض فإذا كان الشرط في عقد السلم أن يوفيه في مكان كذا فقال المسلم إليه خذه في مكانه آخر وخذ منى الكرا إلى ذلك المكان فقبضه كان قبضه جائزا لانه أخذ حقه ولايجوز أخذ الكرا الانه يملك المقبوض بقبضه وانما يحمل ملك نفسه والانسان في حمل ملك نفسه لا يستوجب الاجر على الغير وانما يستوجب الاجر على الغير بعمل يعمل للغير لا لنفسه فعليه رد ما أخذ من الكرا وهو بالخيار ان شاء رضي بقبضه وان شاء يرده حتى يوفيه في المكان الذى شرط لانه انما رضى بقضبه في غير ذلك المكان بشرط أن يسلم له الكرا فإذا لم يسلم لا يكون راضيا به وبدون رضاه لا يسقط ماكان مستحقا له وهو المطالبة بالايفاء في المكان المشروط فان هلك المقبوض في يده فلا شئ له لانه تم قبضه للمسلم فيه وانما كان الباقي له مجرد خيار وقد سقط ذلك بهلاك المقبوض في يده والخيار ليس بمال فلا يستوجب حق الرجوع بشئ عند سقوط خياره. قال (ولا خير في أن يسلم العروض في تراب المعدن ولا في تراب الصواغين) لان عين التراب غير مقصود بل ما فيه من الذهب والفضه وقد بينا أن السلم في الذهب والفضه لا يجوز ولان بذكر وزن التراب لا يصير ما هو المقصود معلوما وقد يخلو بعض التراب منه وقد يقل فيه وقد يكثر فعرفنا أنما هو المقصود مجهول جهالة لاتقبل الاعلام فكان العقد باطلا لذلك ولا بأس بأن يسلم الحنطه وما أشبهها فيما بوزن أو يكال بالرطل لما بينا أن ما يكال بالرطل فهو موزون واسلام المكيل في موزون هو مبيع جائز لانه لا يجتمع في البدلين أحد الوصفين وهو الجنيسة والقدر الواحد وإذا اختلف النوعان مما يكال فلا بأس به اثنان بواحد يدا بيد ولا خير فيه نسيئة وكذلك الموزونات وقد بينا هذه الفصول في أول الكتاب ولا بأس بالبنفسج بالحنا والزئبق والورد رطلين برطل فان الادهان أجناس مختلفة عندنا وعند الشافعي رضى الله عنه ما اتحد أصله منها جنس واحد وفيما اختلف أصله له قولان لان الاسم والهبة واحد وانما اختلف فيها الرائجة وباختلاف الرائجة لا يختلف الجنس كالمنتن من اللحم مع غير المنتن ولكنا نقول بما حل بكل واحد منهما من الصفة اختلف الاصل والمقصود ومنع عود كل واحد منهما إلى مثل حال صاحبه فيختلف الجنس كالثياب والودارى مع الزند يجى جنسان مع اتحاد الاصل لاختلاف المقصود وعلى
[ 177 ] هذا الزبد مع السمن وكذلك الزيت المطبوخ مع غير المطبوخ والدهن المربى بالبنفسج مع غير المربى يجوز بيع رطل من المطبوخ والمربى برطلين من غير المطبوخ وغير المربى لان تلك الرائجة بمنزلة زياة في عينها فكأنه باع رطلا من زيت وبقله برطلين من زيت فيكون المثل بالمثل والباقى بازاء الزيادة وعن أبى يوسف رحمه الله قال هذا إذا كان المطبوخ ينتقص إذا ذهبت تلك الرائجة منه فان كان لا ينتقص فقد عرفنا أنه ليس بزيادة في العين فلا يجوز بيعه بغير المطبوخ الارطلا برطل بخلارف المربى بالبنفسج مع المربى بالياسمين فهناك كل واحد منهما لا يصير مثل صاحبه بحال وهنا غير المطبوخ من الزيت يطبخ فيكون مثل المطبوخ فتعتبر المماثلة باعتبار المال وعلى هذا الالبان فانها أجناس عندنا وعند الشافعي رضي الله عنه الكل جنس واحد لبن الابل والبقر والغنم لاتفاق الاسم والهيئه وتقارب المقصود ولكنا نقول أصولها أجناس واللبن يتولد من العين كالولد فكان اختلاف جنس الاصل دليلا على اختلاف أجناسها ولا تقارب في المقصود أيضا فان مقصود المسلى يحصل بلبن البقر دون لبن الابل حتى أن ما يكون أصله جنسا واحدا كالبقر مع الجواميس والعراب مع البخاتى والمعز مع الضأن فلبنهما جنس واحد ودليل اتحاد جنس الاصل تكميل نصاب البعض بالبعض في باب الزكاة وكذلك اللحوم أجناس مختلفة عندنا وللشافعي قولان في أحد القولين يقول كذلك لاختلاف الهيئة هنا ألا ترى أنه يمكن تمييز البعض عن البعض برؤية الاعيان بخلاف الادهان والالبنان وفى القول الآخر يقول الكل جنس واحد لاتفاق اسم العين وهو اللحم وتقارب المقصود منها فان كلها يصلح لما هو المقصود وهو اتخاذ المرقة منها وعندنا هي أجناس لان أصولها أجناس حتى لا يضم البعض إلى البعض في حكم الزكاة وكذلك الاسامي مختلفة لاختلاف الاضافة كدقيق الحنطة مع دقيق الشعير و الثوب الهروي مع المروى وكذا لحم البقر والغنم والمقصود مختلف أيضا فبعض الناس يرغب في بعض اللحوم دون البعض فربما ينفعه البعض ويضره البعض ولا تفاوت في المقصود أبلغ من هذا ولكن مع اختلاف الجنس هي موزونة كلها فكذلك لا يجوز بيع البعض بالبعض نسيئة ويجوز متفاضلا يدا بيدا لانعدام أحد الوصفين. قال (ولا خير في الحنطة بالدقيق متساويا ولا متفاضلا) لان من الحنطة والدقيق شبهة المجانسة فان عمل الطحن في الصورة هو تفريق الاجزاء وان كان في الحكم الدقيق غير الحنطه ويجعل الدقيق حاصلا الطحن ولهذا كان للغاصب إذا
[ 178 ] طحن الحنطة الا ان الربا مبنى علي الاحتياط فالشبهة فيه تعمل على الحقيقة وعند وجود حقيقة المجانسه لا يجوز بيع البعض بالبعض الا متساويا فكذلك إذا وجبت شبهة المجانسة ولا يعرف التساوى في الكيل بين الدقيق والحنطة فالدقيق لا يصير حنطة قط ولكن الحنطة تطحن ولا يدرى أن بعد الطحن يتساويان في المكيال أم لا فإذا كان بالتساوى في المعيار في الحال لا يعلم التساوى بينهما بعد الطحن لا يجوز بيع احدهما بالآخر وكذلك بيع الحنطة بالنخالة والنخالة أجزاء الحنطة كالدقيق الا أنه جزء خشن والدقيق جزء لين فاما بيع الدقيق بالدقيق عندنا كيلا بكيل يجوز وعند الشافعي لا يجوز لان الدقيق لا يعتدل في الدخول في الكيل فانه ينكبس بالكبس والكيل عنده لا يكون معيارا شرعا الا فيما يعتدل في الكيل ولهذا قال ولا يجوز بيع الباقلاء والرطب بالرطب والمطعوم بالمطعوم إذا قوبل بجنسه فشرط جواز البيع عنده التساوى في المعيار الشرعي وذلك لا يوجد فيما لا يعتدل بالكيل ولكنا نقول الكيل فيما هو مكيل معيار شرعى والدقيق مكيل ومعرفة كونه مكيلا بالرجوع إلى عرف الناس وهم يكيلون الدقيق كالحنطة ويجوز السلم في الدقيق كيلا كما يجوز في الحنطه فكان الكيل فيه معيارا شرعيا وما يتوهم فيه من التفاوت عند التكلف في كيل الدقيق يتوهم في الحنطة أيضا ثم يسقط اعتباره ووجب بناء الحكم على الوسط من ذلك فكذلك الدقيق ولا يجوز بيع السويق بالدقيق في قول أبى حينفة متساويا ولا متفاضلا وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يجوز البيع تساويا أو تفاضلا بعد أن يكون يدا بيد لانهما جنسان مختلفان فان الاسم مختلف والمقصود مختلف لانه يقصد بالدقيق اتحاد الخبز والعصايد والاطولة منه ولا يحصل شئ من ذلك بالسويق انما يلت بالسمن والعسل فيؤكل كذلك أو يضرب بالماء فيشرب فكان التفاوت بينهما في المقصود أظهر من التفاوت في الهروي والمروى من الثياب وكذلك كل واحد منهما لا يصير مثل صاحبه بحال فالسويق لا يصير دقيقا والدقيق لا يصير سويقا بحال واختلاف الجنس يعرف بهذا ثم اتحاد الاصل لايمنع اختلاف الجنس باعتبار هذه المعاني كالادهان وعن أبى يوسف انه يجوز البيع متساويا لا متفاضلا لان التدقيق قد يصير سويقا بأن يرش عليه الماء ثم يقلي فيصير سويقا وببغداد يتخذ السويق بهذه الصفة فتعتبر المساواة بينهما لجواز العقد باعتبار المال ولابي حنيفة طريقان (أحدهما) أن السويق أجزاء الحنطة المقلية والدقيق أجزاء حنطة غير مقلية وبيع الحنطة المقلية بغير المقلية لا يجوز بحال فكذلك
[ 179 ] بيع السويق بالدقيق وتحقيق هذا أنهما انما جعلا جنسا واحدا قبل الطحن فعرفنا أنهما جنس واحد بعد الطحن لان الطحن فيهما عمل بصفة واحدة فلا يوجب اختلاف الجنس وإذا كان جنسا واحدا تعتبر المماثلة على الوجه الذى صار مال الربا وهو قبل القلى والطحن وبتساويهما كيلا في الحال لا تظهر تلك المماثلة فلا يجوز العقد والطريق الآخران بيع الحنطة بالسويق لا يجوز بالاتفاق وربا الفضل لا يثبت الاباعتبار المجانسة ولا مجانسة بين الحنطة والسويق صورة فعرفنا أن المجانسة باعتبار مافى الضمن والذى في ضمن الحنطة دقيق فتثبت المجانسة بين السويق والدقيق بعد الطحن كما تثبت المجانسة بين السويق والحنطة باعتبار مافى الضمن قبل الطحن يوضحه أن بيع الحنطة بالدقيق ربا وبيع الحنطة بالسويق ربا ومن ضرورة كون كل واحد منهما جنسا للحنطة أن يكون أحدهما جنسا للآخر وانما اختلف الاسم للصنعة لااسم العين فكل واحد منهما أجزاء متفرقة فيما كان له لت الحنطة قبل التفريق وليس فيه أكثر من انه فات بعض المقاصد في السويق وبه لا يختلف الجنس كالحنطة المقلوة بغير المقلوة والعلكة مع الرخوة والتى أكلها السوس فانها لا تصلح للزراعة واتخاذ الهريسة والكشك منها ولا يوجب ذلك اختلاف الجنس فكذلك الدقيق مع السويق ولاخير في الزيت بالزيتون الا أن يعلم ان ما في الزيتون أقل فحينئذ يجوز والاصل في جنس هذه المسائل ان المجانسة بين الشيئين تكون باعتبار العين تارة وباعتبار مافى الضمن أخرى ففيما وجدت المجانسة عينا لا تعتبر في الضمن حتى يجوز بيع قفيز حنطة علكة بقفيز حنطة أكلها السوس ولا يعتبر ما في الضمن وفى الحنطة بالدقيق تعتبر المجانسة بما في الضمن حقيقة وان كان ذلك شيئا آخر حكما ثم لا مجاسنة بين الزيت والزيتون صورة فانما تعتبر المجانسة بما في الضمن وهو الزيت الذى في الزيتون وبيع أحدهما بالآخر على أربعة أوجه إن علم أما ما في الزيتون من الزيت أكثر من المنفصل فقد يتحقق الفضل الخالى عن العوض فلا يجوز البيع وكذلك ان علم أنه مثله لان تفل الزيتون يكون فضلا خاليا عن العوض وان كان لا يعلم كيف هو لا يجوز العقد عندنا وقال زفر يجوز لان الاصل في مقابلة مال بمال مقتوم جواز العقد وانما الفساد بوجود الفضل الخالى عن العوض فما لم يعلم به لا يفسد البيع وعندنا الفضل الذى هو يتوهم الوجود كالمتحقق في باب الربا احتياطا لما روى أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن الربا والربية والربية شبهة الربا وقال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة
[ 180 ] الحرام فإذا لم تعلم المساواة جعل ذلك لتحقق الفضل احتياطا فيفسد العقد وان علم ان ما في الزيتون من الزيت أقل من المفصل فالبيع جائز لان المثل يصير بازاء المثل والباقى من الزيت بازاء التفل فلا يظهر الفضل الخالى عن المقابلة بهذا الطريق وكذلك دهن السمسم بالسمسم والعصير بالعنب واللبن بالسمن والرطب بالدبس ولاخير في شئ من ذلك نسيئة لوجود الجنسية بينهما باعتبار مافى الضمن ولا بأس بخل الخمر بخل السكر متفاضلا يدا بيد لانهما جنسان فانا أصلهما جنسان لان السكر ماء التمر والخمر بالعنب وكما أن العنب مع التمر جنسان فكذلك الخل المتخذ منهما فيجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا ولا خير في ذلك نسيئة لانه جميعهما قدر واحد وهو الكيل والوزن وان اشترى شاة بصوف وعلى ظهرها صوف أو شاة في ضرعها لبن بلبن فان ذلك لا يجوز الا بطريق الاعتبار وهو ان يعلم ان اللبن المنفصل أكثر مما في الضرع وان الصوف المجزوز أكثر مما على ظهر الشاة وذكر الطحاوي ان هذا على الخلاف وجعله نظير بيع لحم الشاه بالشاة فان عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يجوز بيع لحم الشاة بالشاة الحية علي كل حال وعند محمد لا يجوز الا بطريق الاعتبار وهو أن يعلم ان اللحم المنفصل أكثر من اللحم الذى في الشاة فيكون المثل بالمثل والباقى بازاء المسقط وهو القياس لان المجانسة بين الشاة واللحم ثابتة باعتبار ما في الضمن فلا يجوز البيع الا بطريق الاعتبار كما في الفصول المقتدمة وبيان ذلك أن اللحم موجود في الشاة وهو المقصود وبه تختلف المالية ألا ترى أن الشاة في الغنيمة من جملة الطعام يباح لكل واحد من الغانمين تناوله وذلك باعتبار ما فيه من اللحم بل وجود اللحم في الشاة أبين أظهر من وجود الدهن في السمسم فان ذلك حادث بالعصير حكما ولهذا كان ملكا للغاصب واللحم لا يحدث بالذبح ولهذا لو غصب شاة فذبحها لم يكن اللحم له والذبح نقصان محض بمنزلة القطع في الثوب فلا يحدث به اللحم وهو ازهاق الحياة فيفوت به معنى النسل بمنزلة القلى في الحنطة يفوت ما كانت الحنطة باعتباره مثبتة وإذا ثبت أن اللحم موجود قبل الذبح لا يجوز البيع الا بطريق الاعتبار وجه قولهما أنه باع عدديا متفاوتا بوزنى فيجوز كيف ما كان كما لو باع الثوب بالقطن وبيان الوصف ان الحيوان عددي متفاوت ولهذا لا يجوز السلم فيها ويجوز بيع الشاة بالشاتين وتأثيره أن المجانسة باعتبار مافى الضمن انما تطلب إذا كان كل واحد من البدلين مقدرا فاما إذا لم يكن أحدهما مقدرا لا يشتغل بطلب المجانسة
[ 181 ] بينهما وبهذا يقع الفرق بين هذا وبين ما تقدم من الفصول ولكن بهذا التقرير لا يتضح الفرق في جميع الفصول فان بيع دهن الجوز بالجوز لا يجوز الا بطريق الاعتبار والجوز ليس بمقدر ولهذا يجوز بيع جوزة بجوزتين ولكن نقول اللحم في شراء الحيوان غير مقصود وانما المقصود منه الدر والنسل والاسامة ليزداد عينها بالسمن فأما اللحم آخر المقاصد من الحيوان وانما تعتبر المجانسة بما في الضمن إذا كان مقصودا والدليل عليه أن المالية في الحيوان لا تختلف باختلاف اللحم فقد نرى فرسين أو نجبين يتساويان في اللحم و يتفاوتان في القيمة تفاوتا فاحشا والبيع مبادلة مال بمال فإذا كانت مالية الحيوان لا تعرف بمقدار اللحم لا يعتبر ذلك في البيع قبل الذبح بخلاف جميع ما تقدم فالمالية هنا تخلف باختلاف مقدار الدقيق في الحنطة والدهن في السمسم والجوز ونحو ذلك نوضحه ان اللحم في الحيوان وان كان موجودا حقيقة فهو كالمعدوم حكما حتي لو أخذ بضعة من لحم الحيوان لا يباح تناولها عرفنا أن مقصود اللحم حاصل الذبح حكما فلا يعتبر قبله وعلى هذا الحرف نقول في مسألة الصوف واللبن الجواب قولهم جميعا فانه مال موجود قبل الفصل ألا ترى انه مفصل من الحيوان فيجوز الانتفاع به وهذا لانه لاحياة في الصوف واللبن فكان الحال فيهما قبل الذبح وبعد الذبح سواء وعلي الطريق الاول هو على الخلاف كما ذكره الطحاوي لان مالية الشاة لا تعرف بما على ظهرها من الصوف ولا بما في ضرعها من اللبن كما لا تعرف ماليه الحيوان بمقدار اللحم فان باع لحم شاة بالبقر والابل جاز عندنا وعلى قول زفر والشافعي رحمهما الله لا يجوز بيع اللحم بالحيوان أصلا لحديث سعيد بن المسيب رضى الله عنه أن النبي ﷺ نهى عن بيع اللحم بالحيوان وروى أن جزورا نحر على عهد أبى بكر رضى الله تعالى عنه فجاء رجل بعناق وقال اعطوني بهذا العنان قطعة من هذا اللحم فقال أبو بكر رضى الله عنه هذا لا يصلح ولكنا نقول هما جنسان مختلفان فيجوز بيع أحدهما بالآخر كيف ماكان يدا بيد كما يجوز بيع الشاة بالبقر والاصل فيه قوله ﷺ وإذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد والمراد بالنهي عن بيع الحيوان إذا كان أحدهما نسيئة فقد ذكر ذلك في بعض الروايات وبه نقول فان السلم في كل واحد منهما لا يجوز عند أبى حنيفة وتأويل حديث أبى بكر رضى الله عنه أن ذلك البعير كان من ابل الصدقة فكره أبو بكر رضى الله عنه بيع لحمه لانه انما نحر ليتصدق به على الفقراء فلهذا قال
[ 182 ] لا يصلح وإذا أسلم الرجل حنطة في شعير وزيت كان باطلا في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يجوز في حصة الزيت لان الفساد بوجود العلة المفسدة وذلك في الشعير خاصة فان صحه الكيل لما جمع البدلين حرم النساء وفي حصة الزيت لم يوجد ذلك فان اسلام المكيل في الموزون صحيح وثبوت الحكم بحسب العلة وليس من ضرورة فساد العقد في أحدهما فساد العقد في الآخر كما لو باع عبدا ومدبرا وكما لو باع عبدين فهلك أحدهما قبل القبض لا يفسد العقد في الآخر وأبو حنيفة يقول العلة المفسدة للعقد وجدت في الكل أما في حصة الشعير فظاهر وفى حصة الزيت فقد جعل قبول العقد في الشعير شرطا في قبول العقد في الزيت لان من جمع بين الشيئين في العقد الواحد فانه يكون شارطا عليه قبول العقد في كل واحد منهما ولهذا لو قبل العقد في أحدهما دون الآخر لا يجوز وهذا شرط فاسد والسلم يفسد بالشرط الفاسد يوضحه أن فساد العقد في الشعير لاشتراط الاجل واشتراط الاجل في العقد والعقد واحد فإذا تمكن فيه الشرط الفاسد فسد العقد كله بخلاف بيع القن والمدبر فالعقد في المدبر ليس بفاسد ولهذا لو أجاز القاضي بيعه جاز ولكنه غير نافذ لحق المدبر وذلك لمعنى فيه لافى العقد فلهذا لا يتعدى إلى الاخر وكذلك لو هلك أحد العبدين فالمفسد فوت القبض وذلك لمعنى في الهالك لافى العقد ونظائر هذه المسألة تذكر في باب البيوع الفاسد ان شاء الله تعالي وكذلك ان أسلم فوهبه في فوهية ومروية لان الجنس يحرم النساء كالكيل وبهذا يتبين ان الطريق ما قلنا دون ما يقوله بعض مشايخنا رحمهم الله لابي حنيفة إذا كان الفساد قويا مجمعا عليه ويمكن في البعض تعدى الي ما بقى فان فساد العقد بسبب الجنسية غير مجمع عليه وقد سوى بين الفصلين فعرفنا ان الطريق ما قلنا. قال (ولا بأس بأن يسلم الفلوس فيما يوزن لان الفلوس عددية متقاربة فيجوز اسلامها في كل مكيل أو موزون الا الصفر خاصة فانه لا يجوز اسلام الفلوس فيه للجنسية فالفلوس صفر فان قيل إذا كانت الفلوس صفر أو الصفر موزون فينبغي أن لا يجوز اسلام الفلوس في الموزونات قلت الصفر موزون في العرف لا بالنص ولا عرف فيه في الفلوس الرائحة ألا ترى أنها لاتنفاوت في المالية بتفاوت الوزن وكذلك لو أسلم سيفا في شئ مما يوزن كان جائزا لان السيف خرج من أن يكون موزونا عادة الا في الحديد فانه لا يجوز اسلام السيف في الحديد للمجانسة وكذلك كل إناء خرج بالصنعة من الوزن فلا بأس بأن يسلمه في الموزونات الا في نوعه ولا
[ 183 ] بأس بأن يبيع إناء مصوغا بأناء مضوغ من نوعه يدا بيد وان كان أكثر منه في الوزن إذا كان ذلك الا ناء لا يباع وزنا لانه عددي متفاوت كالثياب وهذا بخلاف أواني الفضة والذهب فانه يجرى فيها ربا الفضل وان كانت لاتباع وزنا في العادة لان صفه الوزن في الذهب والفصة منصوص عليها فلا يتغير ذلك بالصنعة ولا يخرج من أن يكون موزونا بالعادة والعادة لا تعارض النص فأما في الحديد والشبه وما أشبه ذلك صفة الوزن ثابتة في العرف فيخرج من أن يكون موزونا بالصنعة وبالعرف وبتعارف الناس بيع المصوغ منه عددا فاما بيع فلس بغير عينه بفلسين بغير أعيانهما لا يجوز لان الفلوس الرائجة أمثال متساوية قطعا لاصطلاح الناس على سقوط قيمة الجودة فيها ليكون أحد الفلسين فضلا خاليا عن العوض مشروطا في البيع وذلك هو الربا بعينه وان باع فلسا بعينه بفلس بغير أعيانهما لم يجز أيضا لانه لو أجاز أمسك الفلس المعين وطالبه بفلسين آخر أو أسلم إليه الفلس المعين ثم قبض ذلك منه بعينه مع فلس آخر لاستحقاقه فلسين في ذمته فيكون الفلس الآخر فضلا خاليا عن العوض وكذلك لو باع فلسين باعيانهما بفلس بغير عينه لا يجوز لانه لو جاز بقبض المشترى الفلسين ثم دفع إليه أحدهما فكان ما استوجب في ذمته فيبقى الآخر له بغير عوض فأما إذا باع فلسا بعينه بفسلين باعيانهما يجوز في قول أبى يوسف وهو قول أبى حنيفة رحمهما الله ولا يجوز في قول محمد رضى الله عنه وهذا ينبنى علي أن الفلوس لاتتعين بالتعيين مادامت رائجة عند محمد وعلى قولهما تتعين بالعتين إذا قوبلت بجنسها حتى لو هلك أحدهما قبل القبض بطل العقد عندهما ومحمد رحمه الله يقول الفلوس الرائجة ثمن والاثمان لاتتعين في العقود بالتعيين كالدراهم والدنانير ألا ترى أنها لو قوبلت بخلاف جنسها لم تتعين حتى لو اشترى بفلوس معينة شيئا فهلكت قبل التسليم لا يبطل العقد ولو اشترى بها جاز فكذلك إذا قوبلت بجنسها لان ما يتعين بالتعيين فالجنس وغير الجنس فيه سواء كالمكيلات والموزونات ومالا تتعين فالجنس وغير الجنس فيه سواء كالذهب والفضه وهما يقولان الفلوس عددي والعددي يعتين بالتعيين فيجوز بيع الواحد منه بالثمنى كما لو باع جوزة بجوزتين باعيانهما وتحقيقه أن صفه الثمنية في الفلوس ليست بصفة لازمة ولا هو ثابت باصل الخلقة بل بعارض اصطلاح الناس والعاقد ان قصد تصحيح العقد ولا وجه لتصحيح العقد الا بأن تتعين الفلوس وتخرج من أن تكون رائجة ثمنا في حقهما فيجعل كأنهما أعرضا عن ذلك الاصطلاح
[ 184 ] والدليل علي أن معنى الثمنية في الفلوس بالاصطلاح أنه يصلح ثمن الخسيس من الاشياء دون النفيس وأنه يروج بعض الاشياء دون البعض ويروج في بعض المواضع دون البعض بخلاف الذهب والفضة فان قيل تحت هذا الكلام فساد فانه إذا خرج في حقهما من أيكون ثمنا كان هذا بيع قطعة صفر بقطعتين من صفر وذلك لا يجوز قلنا الاصطلاح في الفلوس على صفة الثمنية والعدد فيهما في هذه المبايعة اعراضا عن اعتبار صفة الثمنية فيها وما أعرض عن اعتبار صفة العدد فيها وليس من ضرورة خروجها من أن تكون ثمنا في حقهما خروجها من أن تكون عددية كالجوز والبيض فهو عددي وليس بثمن فهذا باتفاقهما يصير بهذه الصفة. قال (ولا بأس بأن يشترى شقة خزبشقة خز هي أكثر منها وزنا) لانها لا توزن وانما تذرع كسائر الثياب وبيع ما ليس بمكيل أو موزون بجنسه يدا بيد يجوز كيف ما كان. قال (ولا بأس بالتمر بالرطب مثلا بمثل وان كان الرطب ينقص إذا جف) وهذه مسائل (أحدها) بيع الرطب بالرطب كيلا بكيل جائز عندنا وعند الشافعي رضى الله عنه لا يجوز وكذلك الباقلا وعلل في كتابه فقال لان بين الباقلتين فضاء ومتسعا معناه أنه لا يعتدل في الدخول في الكيل حتى لا ينضم بعضه إلى بعض بل يتجافي ويتفاوت مقدار التجافي فيه فلا يكون الكيل فيه معيارا شرعيا والمخلص عن الربا يكون بالتساوى في المعيار الشرعي وقاس بيع الحنطة المقلية بغير المقلية فان المقلية لا تعتدل في الدخول في الكيل لا نتفاخ يحدث فيها بالقلى أو صخور فانها إذا قليت رطبة انتفخت وإذا قليت يابس ضمرت وحجتنا في ذلك قوله صلى اله عليه وسلم التمر بالتمر كيل بكيل والتمر اسم للثمرة الخارجة من النخل من حين ينعقد عليها صورتها إلى أن تدرك فكان الرطب تمرا والدليل عليه قول القائل وما العيش الانومة وشرق * وتمر على رؤس النخيل وماء والمراد الرطب والمعنى فيه ان الرطب أمثال متساوية بدليل ثبوت حكم الربا فيها وقد بينا أن حكم الربا لا يثبت في المال ما لم يصر أمثالا متساوية وانما صارت أمثالا مستاوية بصفة الكيل فكان الكيل فيها عيارا شرعيا والاصل أنه يراعى وجود المساواة بين المثلين على الوجه الذى صار مال الربا كما في الحنطة وغيرها وبه فارق المقلوة فان الحنطة لاتخلق كذلك بل تكون في الاصل غير مقلوة وتصير مال الربا بتلك الصفة فتراعى تلك المماثلة وبعد القلى لا تعرف تلك المماثلة وان تساويا في الكيل فلهذا لا يجوز بيع المقلية بغير المقلية ولا بالمقلية فان قيل
[ 185 ] هذا فساد فقد جوزتم بيع الحنطة الرطبة بالحنطة الرطبة كيلا بكيل والرطوبة صفة حادثة بصنع العباد كالقلي (قلنا) الحنطة في الاصل تخلق رطبة ويكون مال الربا على هذه الصفة فإذا بلت بالماء عادت إلى تلك الصفة فإذا وجدت المماثلة علي الوجه الذى صارت مال الربا جاز العقد وهى لاتخلق في الاصل مقلوة حتى يكون هذا إعادة الي تلك الصفة فيها فأما بيع الرطب بالتمر كيلا بكيل يجوز في قول أبى حينفة ولايجوز في قول أبى يوسف ومحمد والشافعي رحهما الله لحديث سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال ﷺ أينقص إذا جف قالوا نعم فقال عليه الصلاه والسلام فلا إذا وفي حديث ابن عمر رضى الله عنه ان النبي عليه السلام نهى عن بيع الرطب بالتمر كيلا وعن بيع العنب بالزبيب كيلا ثم في قوله عليه السلام أينقص إذا جف إشارة إلى أنه يشترط لجواز العقد المماثلة في أعدل الاحوال وهو ما بعد الجفاف ولا يعرف ذلك بالمساواة في الكيل في الحال فهذا الحديث دليل الشافعي رضى الله عنه أيضا في المسألة الاولى من هذا الوجه واعتبار المماثلة في أعدل الاحوال صحيح كما في بيع الحنطة بالدقيق فانه لا يجوز لتفاوت بينهما بعد الطحن ولان العقد جمع بين البدلين أحدهما على هيئة الادخار والآخر ليس علي هيئة الادخار ولا يتماثلان عند التساوى في الصفة فلا يجوز بيع المقلية بغير المقلية وهذا بخلاف الجودة والرداءة فالرداءة من نوع العيب والرطوبة في الرطب ليس بعيب فان العيب ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة فأما مالا يخلو عن أصل الفطرة السليمة لا يكون عيبا كالصغير في الآدمى وانعدام العقل بسببه وهذا بخلاف الحديث مع العتق وكل واحد من البدلين هناك علي هيئة الادخار ثم الحديث إذا عتق لا يظهر فيه التفاوت الاشئ يسير لا يمكن التحرز عنه وذلك عفو كالتراب في الحنطة ودخل أبو حنيفة بغداد فسئل عن هذه المسألة كانوا أشد يدا عليه لمخالفته الخبر فقال الرطب لا يخلو إما أن يكون تمرا أو ليس بتمر فان كان تمرا جاز العقد عليه لقوله ﷺ التمر بالتمر وان لم يكن تمرا جاز لقوله ﷺ وإذا اختلف النوعان فبيوا كيف شئتم فاورد عليه حديث سعد رضي الله تعالى عنه فقال مدار هذا الحديث على زيد بن أبى عياش وزيد بن أبى عياش لا يقبل حديثه واستحسن منه أهل الحديث هذا الطعن حتى قال ابن المبارك كيف يقال أبو حنيفة لايعرف الحديث وهو يقول زيد بن أبى عياش ممن لا يقبل حديثه وهذا الكلام في المناظرة يحسن لدفع شغب
[ 186 ] الخصم ولكن الحجة لا تتم بهذا لجواز أن يكون هنا قسما ثالثا كما في المقلية بغير المقلية ولكن الحجة لابي حنيفة الاستدلال بقوله ﷺ التمر بالتمر مثل بمثل يد بيد كيل بكيل وقد بينا أن التمر اسم للثمره الخارجة من النخيل حين تنعقد صورتها إلى أن تدرك وما يتردد عليها من الاوصاف باعتبار الاحوال لا يوجب تبدل اسم العين كالآدمي يكون صيبا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا فإذا ثبت ان الكل تمر يراعى وجود المماثلة حالة العقد علي الصفة التى دخلت في العقد لان اعتبار المماثلة سبب المقابلة وذلك يكون عند العقد وما كان اعتبار السماواة الا نظير الاجود فكما لا يعتبر التفاوت في ذلك فكذلك في هذا وقد تحققت المساواة بينهما في الكيل في الحال لان الرطوبة التى في الرطب مقصودة وهى شاغلة للكيل فلا يظهر التفاوت الابعد ذهابها بالجفاف فلا يتبين به أن التفاوت كان موجودا وقت العقد بخلاف الحنطة بالدقيق فان بالطحن تتفرق الاجزاء ولا يفوت جزء شاغل للكيل فتبين بالتفاوت بينهما بعد الطحن أنهما لم يكونا متساويين عند العقد وكذا المقلية بغير المقلية فان بالقلى لا يفوت جزء شاغل للكيل انما تنعدم اللطافة التى كانت بها الحنطة منبتة ولما ظهر التفاوت بعد القلي عرفنا أن هذا التفاوت كان موجودا عند العقد ثم صاحب الشرع أسقط اعتبار التفاوت في الجودة بقوله ﷺ جيدها ورديئها سواء واعتبر التفاوت بين النقد والنسيئة حتى شرط اليد باليد وصفة الجودة لا تكون حادثة يصنع العباد والنقاوة بين النقد والنسيئة حادث بصنع العباد وهو اشتراط الاجل فصار هذا أصلا ان كل تفاوت ينبنى علي صنع العباد فذلك مفسد للعقد وفى المقلوة بغير المقلوة والحنطة بالدقيق بهذه الصفة وكل تفاوت ينبنى على ما هو ثابت بأصل الخلقة من غير صنع العباد فهو ساقط الاعتبار والتفاوت بين الرطب والتمر بهذه الصفه فلا يكون معتبرا كالتفاوت بين الجيد والردنى. قال (وبيع العنب بالزبيب كبيع الرطب بالتمر) فاما بيع الحنطة المبلولة باليابسة أو الرطبة باليابسة يجوز في قول أبى حينفة وفي قول محمد لا يجوز وذكر في نسخ أبى حفص قول أبى يوسف كقول أبى حنيفة رحمهما الله تعالي وهو قوله الآخر فاما قوله الاول كقول محمد فأبو حنيفة مر علي أصله وهو اعتبار المساواة في الكيل عند العقد ومحمد مر على أصله وهو اعتبار المماثلة في أعدل الاحوال كما أشار إليه رسول الله ﷺ في حديث سعد رضى الله تعالي عنه وذلك لا يوجد في الحنطة الرطبه والمبلولة بعد الجفوف وأبو يوسف يقول القياس ماقاله أبو حنيفة ولكن تركت القياس في الرطب بالتمر للحديث والمخصوص
[ 187 ] من القياس بالاثرلا يلحق به الا ما كان في معناه من كل وجه والحنطة الرطبة ليست في معنى الرطب من كل وجه الرطوبة في الرطب مقصودة وفى الحنطة غير مقصودة بل هو عيب فلهذا أخذت فيه بالقياس وأبو حنيفة يقول تأويل الحديث ان صح ان النبي ﷺ سئل عن بيع الرطب بالتمر نسيئة وقد نقل ذلك في بعض الروايات وفائدة قوله ﷺ أينقص إذا جف أن الرطب إذا جف ينقص الا أن يحل الاجل فلا يكون هذا التصرف مفيدا وكان السائل وصيا ليتيم فلم ير رسول الله ﷺ في ذلك التصرف منفعة لليتيم باعتبار النقصان عند الجفوف فمنع الوصي منه علي طريق الاشفاق لا على وجه بيان فساد العقد فاما الحنطة المبلولة بالمبلولة تجوز عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالي لما قلنا ولا يجوز عند محمد وكذلك الزبيب المنقع بالمنقع والتمر المنقع بالمنقع ومحمد يفرق بين هذه الفصول وبين بيع الرطب بالرطب فيقول هناك التفاوت يظهر بعد خروج البدلين عن الاسم الذى عقد به العقد فلا يكون ذلك تفاوتا في المعقود عليه وهذه الفصول تظهر التفاوت بعد الجفوف مع بقاء البدلين على الاسم الذى عقد به العقد فبهذا الحرف يتضح مذهبه في هذه الفصول ثم ذكر بيع الحنطة المقلية بغير المقلية وقد بينا الحكم فيه وأهل الادب طعنوا عليه في هذا اللفظ فقالوا انما يقال حنطة مقلوة فاما المقلية المبعضة يقال قلاه يقلية إذا أبغضه ولكنا نقول محمد كان فصيحا في اللغة الا انه رآى استعمال العوام هذا اللفظ في الحنطة ومقصود بيان الاحكام لهم فاستعمل فيه اللغة التى هي معروفة عندهم وما كان يخفى عليه هذا الفرق ولا يجوز الحنطة بالسويق متساويا ولا متفاضلا الا أن تكون الحنطة أكثر ومع السويق فضة أو ذهب فيكون ما معه بفضل الحنطة لان الصحة مقصود المتعاقدين ومتى أمكن تحصيل مقصودهما بطريق جائز شرعا يحمل مطلق كلامهما عليه ويجعل كأنهما صرحا بذلك كما لو باع نصف عبد مشترك بينه وبين غيره يجوز البيع وينصرف تسمية النصف مطلقا إلى نصيبة خاصة وكذا لو قال لرجل أوصيت لك بثلثي يجوز ويحمل على ايجاب ثلث المال لانه عرف أنه مقصوده فهذا مثله والاصل فيه قوله تعالى فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وقال النبي ﷺ لاتظنن بكلمة خرجت من فم أخيك المسلم سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا ولو أسلم ثوبا فوهيا في ثوب مروى ويجعل من المسلم إليه فضل دراهم أو متاع جاز لان ما بخص الدراهم أو المتاع من الثوب الفوهى يكون مبيعا وما
[ 188 ] يخص الثوب الهروي منه يكون رأس المال واسلام الفوهى في المروى جائز وكذلك لو أعطاه ثوبا في حنطة وشعير فجعل بعضه عاجلا وبعضه إلى أجل فهو جائز لان ما يخص العاجل منه ان كان بعينه فهو متقابضة وان كان بغير عينه وكان موصوفا فهو ثمن وما يخص الاجل فهو بيع الثوب بثمن مؤجل وهذا لان الثوب مبيع والمكيل إذا كان بعينه يكون مبيعا وإذا كان بغير عينه وما يقابله مبيع فهو ثمن والبيع بثمن مؤجل صحيح إذا كان معلوم الوصف ولو أعطاه ثوبا فوهيا في ثوب فوهى بنسيئة فهو مردود لانه لاوجه لتصحيحه بيعا مقابضه فان أحد البدلين ليس بمعين ولا وجه لتصحيحه سلما لان البدلين من جنس واحد ولاوجه لتصحيحه قرضا فان استقراض الثوب لا يجوز فان زاد فيه درهما مع الثوب الذى عجل أو زاده الآخر مع ثوبه درهما عاجلا كان ذلك كله أو آجلا كان ذلك فاسدا لان الزيادة بيع يقصد بها اخرج العين من العقد وادخال الرخص فيه وقد تعذر تصحيح الاصل هنا فلا يمكن تصحيح البيع لان ثبوت البيع بثبوت الاصل وإذا أثبتنا الحكم في البيع بدون االاصل لم يكن بيعا وكذا لو كانت الزيادة دنانير أو ثوبا يهوديا أو كر حنطة أو غير ذلك لانه بيع للاصل حين أوجبه باسم الزيادة عينا كان أو دينا وان أسم طعاما في شئ مما يوزن وزاد مع ذلك دراهم أو دنانير أو ثوبا عاجلا فهو جائز لان العقد في الاصل المؤاجله بمقابلة بعضه يكون دينا بدين وان كانت الزيادة صحيحة هنا فيثبت حكمه في الزيادة أيضا وان جعله مؤجلا لم يجز لان المسلم فيه دين فالزيادة من الذى عليه السلام دراهم أو دنانير أو ثوبا أو شيئا مما يوزن عاجلا فهو جائز وان جعله مؤجلا فهو جائز أيضا إذا كان معلوما في نفسه لان رأس المال عين فلا يخص المسلم فيه من رأس المال يكون عقد السلم فيه صحيحا وما يخص الزيادة يكون بيعا بثمن إلى أجل معلوم وذلك جائز أيضا فأما إذا أسلم عشرة دراهم في كر حنطة ثم ان المسلم إليه زاد كرا آخر أو نصف كر لا تجوز الزيادة لانه لا يمكن جعل الزيادة ثمنا وجعل الدراهم مبيعا فلا بد من أن يجعل زيادة في المسلم فيه والزياده في المسلم فيه من المسلم إليه على سبيل الالتحاق بأصل العقد لا يجوز لان عقد السلم جوز بخلاف القياس لحاجة الناس إليه ولا حاجة له إلى الزيادة بل حاجته إلى زيادة رأس المال فلا جرم الزيادة في رأس المال على سبيل الالتحاق باصل العقد جائزه في المجلس. قال (وان أسلم طعاما في ثياب مختلفة أو في أشياء من الوزنيات مختلفة ولم يسم رأس مال كل صنف منها فهو فاسد) في قول أبى حنيفة رحمه الله بناء على أصله في اشتراط اعلام قدر رأس المال فيما
[ 189 ] يتعلق العقد على قدره قد سبق بيانه ولا بأس بأن يشسترى الرجل الشاة الحية بالشاة المذبوحة يدا بيد لانه بيع عددي فهورى فالشاة الحية لا توزن ولا خير فيه نسيئة لان النسيئه ان كانت في الشاه الحية فهو سلم في الحيوان وان كانت في البدل الاخر فهو سلم في اللحم ولو كانتا شاتين مذبوحتين قد سلختا اشتراهما رجل بشاة مذبوحة لم تسلخ كان ذلك جائزا أيضا لان الثمل من لحم الشاة بمقابلته من الشاتين والباقى من لحم الشاتين بازاء الجلد والسقط فيجوز ذلك ويحمل مطلق كلامهما عليه لتحصيل مقوصدهما ولو كانت الشاة ليس معها جلد كان ذلك فاسدا لان العقد اشتمل على اللحم فقط من الجانبين واللحم موزون فإذا وجدت الجنسية والوزن حرم التفاضل. قال (ولا بأس بكر حنطة وكر شعير بثلاثة أكرار حنطة وكر شعير يدا بيد) فيتكون حنطة هذا بشعير هذا وشعير هذا بحنطه هذا عندنا استحسانا والقياس أن لا يجوز وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله وكذلك لو باع مد عجوة وزبيب بمدى عجوة وزبيب أو باع دينارا ودرهما بدرهمين ودينارين فأما إذا باع درهما جيدا ودرهما زيفا بدرهمين جيدين يجوز عند أصحابنا رحمهم الله وعند الشافعي لا يجوز وكذلك لو باع دينارا نيسابوريا أو دينارا هرويا بدينارين نسابوريين أو هرويين وهذا بناء على الاصل الذى تقدم فان عند الشافعي رحمه الله للجودة قيمه في الاموال الربوية عند المقابلة بجنسها فانما ينقسم الدرهمان الجيد ان على الجيد والزيف باعتبار القيمه فيصيب الجيد أكثر من وزنه والزيف أقل من وزنة وذلك ربا وعندنا لاقيمة للجودة في الاموال الربوية عندا لمقابلة بجنسها فالمقابلة باعتبار الاجزاء ويجوز العقد لوجود المساواة في الوزن عملا بقوله ﷺ الذهب بالذهب مثل بمثل والفضه بالفضة مثل بمثل يد بيد وبقوله ﷺ جيدها ورديئها سواء وأما الكلام في الفصل الثاني فوجه القياسن فيه ان العقد متى اشتمل على أعواض من أجناس مختلفه ينقسم البعض على البعض باعتبار القيمه كما لو باع عبدا أو ثوبا بجارية وحمار وهذا لان الانقسام يكون على وجه يعتدل فيه النظر من الجانبين حال بقاء العقد وحال انفساخه في البعض يعارض وانما يكون ذلك في الانقسام باعتبار القيمه وأما في صرف الجنس إلى خلاف الجنس يتضرر أحدهما عند انفساخ العقد في اللبعض بعارض والدليل عليه انه لو باع قفيز تمر بقفيرى تمر لا يجوز ولا يجعل التمر من كل جانب بمقابلة القوى من الجانب الآخر ولو باع منامن لحم بنوى لحكم لا يجوز ولا يجعل اللحم من كل جانب بمقابلة العظم من الجانب الآخر حتى يجوز ولو اشترى عبدا بالف
[ 190 ] درهم نسيئه ثم باعه من البائع مع عبد آخر بالف وخمسمائه لا يجوز العقد فيما اشتراه لانه اشترى ما باع باقل مما باع وتصحيح العقد هنا يمكن بان يجعل بمقابلة العبد الاول من الثمن الثاني مثل الثمن الاول والباقى بازاء الآخر ومع ذلك اعتبر الانقسام بالقيمة فهذا مثله يدل عليه ان في الاموال الربوية يصرف الجنس إلى الجنس لا إلى خلاف الجنس فانه إذا باع ثوبا وعشرة بثوب وعشرة بشرط قبض الدراهم في المجلس لانه يجعل صرفا في حق الدراهم ووجه الاستحسان الاستدلال بقوله ﷺ فإذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد ان يكون يدا بيد وقد اشتمل العقد هنا على نوعين مختلفين فينبغي أن يجوز العقد كيف شاء المتعاقدان والمعنى فيه ما بينا ان تحصيل مقصود المتعاقدين ممكن بطريق شرعى وهو صرف الجنس إلى خلاف الجنس فيجب المصير إليه ويجعل ذلك كالمصرح به وهذا لان الانقسام في سائر المعاوضات باعتبار القيمة ليس بمقتضى العقد بل للمعاوضة والمساوات إذا ليس صرف البعض أولى من البعض فيصير الانقسام والوزيع باعتبار القيمة للمعاوضة وذلك غير موجود هنا لانه لو صرف الجنس الي الجنس فسد العقد ولو صرف الجنس الي خلاف الجنس صح العقد ولا معاوضة بين الجائز والفاسد فالجائز مشروع باصله ووصفه والفاسد مشروع بأصله حرام بوصفه فإذا لم تتحقق المعاوضة على وجه المساوات لا يصار إلى الانقسام باعتبار القيمة ولكن يترجح ما هو مشروع من كل وجه عل ما هو مشروع من وجه دون وجه بخلاف النوى مع التمر فالتمر والنوى كله مكيل من جنس واحد ولو صرح بصرف التمر إلى النوى لم يجز العقد وكذلك العظم مع اللحم لانه مركب فيه خلقه كالنوى في التمر فإذا كان عند التصحيح لا يصح العقد فعند الاطلاق لا يحمل عليه أيضا فاما مسألة العبدين (قلنا) فصل المعاوضة يتحقق هناك لان جهات الجواز اتكثر فانه ان جعل بمقابلته مثل الثمن الاول يجوز وكذلك ان جعل بمقابلته أكثر من الثمن الاول فلكثر جهات الجواز يتحقق معنى المعاوضة ويجب المصير إلى الانقسام باعتبار القيمة وهنا لاوجه للجواز الا واحد وهو صرف الجنس إلى خلاف الجنس يوضحه ان شرط الجواز هناك ان لا يكون الثمن الثاني أقل من الثمن الاول فكأنهما ولو صرحا بهذا لم يصر مقدار الثمن معلوما فلا يجوز العقد فان قيل المعاوضة هنا تتحقق أيضا فانه إذا جعل الدراهم بمقابلة الدينارين يجوز وان جعل نصف درهم والنصف الباقي بمقابلة الدينار ونصف ونصف دينار بمقابلة نصف الدينار والباقي بمقابلة درهم ونصف يجوز أيضا (قلنا) نعم
[ 191 ] ولكن هذا بطريق صرف الجنس إلى خلاف الجنس ونحن ادعينا انه لاوجه للجواز هنا الا هذا الطريق فكيف ما يشتغل به لا يخرج به الطريق من أن يكون عينا وإذا اشترى ثوبا وعشرة بثوب وعشرة (قلنا) هناك العقد صحيح من غير أن يصرف الجنس إلى خلاف الجنس فان اللقبض في مجلس شرط بقاء العقد صحيحا لاشرط الانعقاد صحيحا ونحن انما صححنا هذا التصحيح العقد لا للبقاء صحيحا فلا يلزم. قال (وان اشترى قفيز حنطة بنصف قفيز هو أجود منه فلا خير فيه) لانه لاقيمة للجودة فنصف القفيز بمقابلة نصف قفيز والنصف الآخر خال عن العوض وبهذه المسألة يتبين أن أدنى ما يكون مال الربا من الحنطة نصف قفيز لما بينا انها انما تصير مال الربا لكونها مكيلا والمكيل ما يعرف مقداره بالكيل وذلك يوجد في نصف قفيز ولا يوجد فيما دونه ولا بأس بان يشترى الكفرى بما يناسب من التمريدا بيد لان الكفرى ليس يتمر ولا يكال أيضا ولاخير فيه إذا كان الكفرى نسيئة لانه مجهول فيه الصغير والكبير وهو عددي متفات فان آحاده تتفاوت في الماليه. قال (ولا خير في التمر بالبسر اثنان بواحد وان كان البسرلم يحمر ولم يصفر لان البسر تمر علي ما بينا ان التمراسم لتمرة خارجة من النخل من حين تنعقد صورتها إلى ان تدرك فاما في الكفرى قبل انعقاد صورة التمر فلا يكون تمرا وكذلك في كل صنف من صنوف التمر فلا خير في بعضه ببعض الامثلا بمثل يدا بيد ولا خير في ان يبتاع حنطة مجازفة بحنطة مجازفة وكذلك كل مكيل أو موزون لان المساواة في القدر شرط لجواز العقد إذا صارت الاموال أمثالا متساوية وعند البيع مجازفة لا تظهر المساوات في القدر فلا يجوز العقد. قال (فان تبايع صبرة بصبرة مجازفة ثم كلنا بعد ذلك فكانتا مستاويين لم يجز العقد عندنا) وقال زفر يجوز لان ما هو شرط الجواز وهى المماثلة قد تبين انه كان موجودا وان لم يكن معلوما للمتعاقدين فجاز العقد كما لو زوجت امرأة نفسها من رجل وهناك شاهدان يسمعان كلامهما والمتعاقدان لا يعلمان ذلك كان النكاح جائزا وحجتنا في ذلك ان المعتبر لجواز العقد العلم بالمساواة عند العقد لانه اذالم يعلم ذلك كان الفضل معدوما موهوما وما هو موهوم الوجود يجعل كالمتحقق فيما بنى أمره على الاحتياط كما في العقوبات التى تندرئ بالشبهات ولان باب الربامبنى على الاحتياط فالفضل الموهوم فيه كالمتحقق وكذلك لو باع الحنطة بالحنطة وزنا بوزن لا يجوز لان الحنطة مكليلة فشرط الجواز فيها المماثلة الكيل وبالمساوة في الوزن لاتعلم المماثلة في الكيل وهذا بخلاف مالو أسلم في الحنطة وزنا فانه يجوز على ما ذكره الطحاوي (13 ثانى عشر مبسوط)
[ 192 ] لان في المسلم فيه لا تعتبر المماثلة وانما يعتبر الاعلام على وجه لا يبقى بينهما منازعة في التسليم وذلك يحصل بذكر الوزن كما يحصل بذكر الكيل وبهذه المسألة يتبين الجواب عن الاشكال الذى ذكرنا في مسألة علة الربا على من علل في مسألة بيع الحفنة بالحفنتين انه انما جاز لان للجودة من الحفنة فيما عند مقابلتها بجنسها لان سقوط قيمة الجودة باعتبار كون المال من ذوات الامثال والمماثلة بالمعيار ولا معيار للحفنة بخلاف القفيز فزد على هذا الكلام مسألة الغصب وهو أن يقال لا قيمة للجودة من الحفة أيضا حتى إذا غصب حفنة من حنطة وذهبت جوتها عنده فاستردها صاحبها لم يكن له أن يضمن الغاصب النقصان لانا نقول لاقيمة للجودة منها لانها موزونة لا لانها مكيلة وكما ان اعتبار بالكيل يسقط قيمة الجودة فكذالك باعتبار الوزون الا ان الشرع أسقط اعتبار الوزن في الحنطة في حكم الربا حيث نص علي المماثلة فيه كيلا بقوله صلي الله عليه وسلم الحنطة بالحنطة كيل بكيل فلذا جوزنا بيع الحفنة بالحفنتين ولم يجعل للجودة من الحفنة قيمة في الغصب لانها موزونة كما جوزنا السلم في الحنطة بذكر الوزون. قال (ولا خير في شراء التمر علي رؤس النخل بالتمر كيلا أو مجازفة عندنا) وقال الشافعي يجوز شراء التمر علي رؤس النخل بتمر مجذوذ على الارض خرصا فيما دون خمسة أوسق ولا يجوز فيما زاد على خمسة أوسق وله في مقدار خمسة أوسق قولان وحجته في ذلك حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم نهي عن المزابنة ورخص في العرايا وهى أن تباع بخرصها فيما دون خمسة أوسق والدليل على ان المراد بالعراية التى رخص فيها رسول الله ﷺ ما قلنا قول زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه فانه لما سئل ما عرايا كم هذه قال ان الرطب ليأتينا ولم يكن في أيدينا بعد نبتاعه به وعندنا فضالات من التمر فرخص لنا رسول الله ﷺ أن يتباع بخرصها تمرا فنأكل مع اليابس الرطب ولان ما علي رؤس النخل لا يتأتى فيها الكيل فأقام الشرع الخرص فيها مقام الكيل للحاجة تيسيرا بخلاف ما إذا كانا موضوعين على الارض وهذه الحاجة في القليل دون الكثير والتفاوت مع الخوص ينعدم أو يقل في القليل ويكثر في الكثير والفرق بين التفاوت الكثير واليسير في التبرع أصل حتى أن الزيادة تدخل في الكيلين يجعل عفوا بخلاف ما زاد علي ذلك وحجتنا في ذلك قوله ﷺ التمر بالتمر كيل بكيل وما علي رؤس النخل تمر فلا يجوز بيعه بالتمر الاكيلا بكيل وهذا الحديث عام متفق على قبوله فيترجح على الخاص المختلف
[ 193 ] في قبوله والعمل به ونهى رسول الله صلي الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة فالمحاقلة بيع الحنطة في سنبلها بحنطة والمزابنة بيع التمر على رؤس النخل بالتمر خرصا وأما العرية التى فيها الرخصة بقوله ورخص في العرايا هي العطية دون البيع قال صلي الله عليه وسلم للخراصين حققوا في الخرص فان في المال العرية والوصية والمخروص له لا يستحق التخفيف بسبب البيع بل بسبب العطا وقال القائل شاعر الأنصار ليست بسيبها ولا رحبيه * ولكن عرايا في السنين الحوائج والافتخار بالعطاء دون البيع وتفسير العرية أن يهب الرجل ثم نخله من بستانه لرجل ثم يشق على المعرى دخول المعرى له في بستانه كل يوم لكون أهله في البستان ولا يرضي من نفسه خلف الوعد والرجوع في الهبة فيعطية مكان ذلك تمرا محدودا بالخرص ليدفع الضرر عن نفسه ولا يكون مخلفا للوعد وهذا عندنا جائز لان الموهوب لم يصر ملكا للمرهوب له مادام متصلا بملك الواهب فما يعطيه من التمر لا يكون عوضا عنه بل هبة مبتدأة وانما سمى ذلك بيعا مجازا لانه في الصورة عوض يعطيه للتحرز عن خلف الوعد واتفق ان ذلك كان فيما دون خمسة أوسق فظن الراوى ان الرخصة مقصورة على هذ فنقل كما وقع عنده والقياس معنى في المسألة لانه باع مكيلا بمكيل من جنسه فلا يجوز لطريق الخرص كما لو كانا موضوعين على الارض أو كانا على رؤس النخيل وكما في سائر المكيلات من الحنطة والشعير فانه لو باع الشعير المتحصل بشعير مثله بطريق الخرص لم يجز وكذلك الحنطة والشافعي لا يجوز ذلك في الحنطة لمعنيين (أحدهما) ان شراء الحنطة في سنبلها بالدراهم عنده لا يجوز لانه شراء ما لم يره بخلاف الشعير فانه ظاهر مرئى (والثانى) أنه بيع مطعوم بمطعوم من جنسه لم يعرف التساوى بينهما في المعيار الشرعي. قال (ولا بأس بشراء فضل الحنطة بحنطة مجازفة أو كيلا بعد أن يكون بعينه لان الفضل ليس بمكيل ولا موزون انما هو علف الدواب بمنزلة الحشيش ثم بيع الزرع النابت قبل أن يصير منتفعا به لا يجوز سواء باعه بالنقد أو بغيره لان البيع يختص بعين مال متقوم والزرع في أول ما يبدو قبل أن يصير متنفعا به لا يكون مالا متقوما اما بعد ما صار منتفعا به بحيث يعمل فيه المناجل ومشافر الدواب يجوز بيعه لانه مال متقوم منتفع به فان باعه بشرط القطع أو مطلقا جاز لان مقتضى مطلق البيع تسليم المعقود عليه عقببه فهو وشرط القطع سواء وان باعه بشرط الترك في أرضه حتى
[ 194 ] يدرك فلا خير فيه لانه ان كان بمقابلة منفعة الترك بعض البدل فهو اجارة مشروطة في البيع وان لم يكن بمقابلتها شئ من البدل فهو اعارة مشروطة في العقد وكل واحد منهما مفسد للعقد وان اشتراه مطلقا ثم تركه إلى وقت الادراك فان كان الترك باذن البائع فالفضل طيب للشمترى لانه تبرع عليه بمنافع أرضه وان كان الترك بغير اذن البائع فعليه أن يتصدق بالفضل لانه حصل له بكسب خبيث فانه غاصب للارض ولزيادة انما حصلت بقوة الارض فكان بمنزلة من غصب أرضا وزرعها فعليه أن يتصدق بالفضل. قال (وان استأجر الارض مدة معلومة بأجر معلوم ليترك الفضل فيها فذلك جائز) لان استئجار الارض صحيح إذا كان المستأجر يتمكن من استيفاء منفعتها والتمكن هنا موجود لاشتغالها بزرعه بمعنى أنه وصلت منفعة الارض الي زرعه فصار كأن زرعه استوفي منفعة الارض وان استأجرها الي وقت الادراك فهو فاسد لجهالة المعقود عليه وقد يتقدم الادراك إذا تجعل الحر وقد يتأخر إذا طال البرد ويلزمه أجر المثل لانه استوفى في المنفعة بحكم عقد فاسد ولا يجاوز به ما سمى لانعدام المقوم في الزيادة ثم يرفع من الغلة ما غرم فيه ويتصدق بالفضل لانه حصل بحكم عقد فاسد فتمكن فيه نوع خبيث. قال (ولا بأس بأن يبتاع زرع الحنطة بعد ما أدرك بغير الحنطة عندنا) وعند الشافعي لا يجوز في أحد القولين لانه اشترى ما لم يره وبيانه يأتي في موضعه ان شاء الله تعالى. قال (وإذا كان الشئ مما يكال أو يوزن بين رجلين وهما نوعان فافتسماه مجازفة فأخذ أحدهما أحد النوعين والآخر النوع الاخر بغير كيل وأخذ كل واحد منهما نصف نوع مجازفة فهو جائز إذا اصطلحا عليه) لانهما جنسان مختلفان والمعاوضة عند اختلاف الجنس يدا بيد يجوز كيف ماكان وكيل واحد منهما يأخذ نصف النوع الذى أخذه بتقديم ملكه والنصف الآخر عوضا عما تركه لصاحبه من نصيبه في النوع الآخر وبيع الحنطة بالشعير مجازفة يجوز. قال (ولا يجوز شراء اللبن في الضرع كيلا ولا مجازفة بدراهم أو غير ذلك انهى النبي صلي الله عليه وسلم عن الغرر والغرر ما يكون مستور العاقبة ولا يدرى أن مافى الضرع ريح أو دم أو لبن ولان البيع يختص بعين مال متقوم بنفسه واللبن في الضرع بمنزلة الصفة في الحيوان ولا يكون مالا متقوما بنفسه قبل الحلب وأوصاف الحيوان لاتقبل البيع كاليد والرجل ولان اللبن يزداد ساعة فساعة وتلك الزيادة لا يتناولها البيع واختلاط المبيع بما ليس بمبيع من ملك البائع على وجه يتعذر تمييزه مبطل للبيع ثم تمكن المنازعة بينهما في التسليم
[ 195 ] لان المشترى يستعصى في الحلب والبائع يطالبه بترك داعية اللبن وكذلك بيع أولادها في بطونها لا يجوز لمعنى الغرور وانعدام المالية والتقوم فيه مقصودا قبل الانفصال وعجز البائع عن تسليمه واستدل بنهي رسول الله ﷺ عن بيع حبل الحبلة منهم من يروى بالكسر الحبلة فيتناول بيع الحمل ومنهم من يروى بالنصب الحبلة فيكون المراد بيع ما يحمل هذا الحمل بأذن ولدت الناقة ثم حبلت ولدها فالمراد بيع حمل ولدها وقد كانوا في الجاهلية يعتادون ذلك فأبطل ذلك كله رسول الله ﷺ بنهيه عن بيع المضامين والملاقيح وعن بيع حبل الحبلة قيل المضامين ما تتضمنه الاصلاب والملاقيح ما تتضمنه الارحام وقيل على عكس هذا المضامين ما تضمه الارحام والملاقيح ما تضمه الاصلاب وكذلك شراء أصوافها علي ظهورها لان الصوف قبل الجزاز وصف للحيوان وليس بمال متقوم في نفسه ولان المنازعة بينهما يتمكن في التسليم فان المشترى يستعصى في الجزاز والبائع يمنعه من ذلك وعن أبى يوسف رحمه الله أنه جوز ذلك لان الصوف عين مال ظاهر وقاسه ببيع قوائم الخلاف وذلك جائز والفرق بينهما على ظاهر الرواية ان النمو في أغصان الشجرة يكون من رأسهالا من أصلها فلا يختلط ملك البائع بملك المشترى وأما النمو في الصوف يكون من أصله وذلك يتبين فيما إذا حصب الصوف على ظهر الشاة ثم تركه حتى نما فالحصوب يكون على رأسه لافي أصله فيختلط ملك البائع بملك المشترى مع أن ما يكون متصلا بحيوان فهو وصف محض بخلاف ما يكون متصلا بالشجرة فهو عين مال مقصود من وجه فيجوز بيعه لذلك. قال (وكل شئ اشتراه من الثمار على رأس الشجر بصنف من غيره يدا بيد فلا بأس به وشراء الثمار قبل أن تصير منتفعا بها لا يجوز) لانه إذا كان بحيث لا يصلح لتناول بنى آدم أو علف الدواب فهو ليس بمال متقوم فان صار منتفعا به ولكن لم يبد صلاحه بعد بأن كان لا يأمن العاهة والفساد عليه فاشتراه بشرط القطع يجوز وان اشتراة بشرط الترك لا يجوز وان اشتراه مطلقا يجوز عندنا لان مطلق العقد يقتضى تسليم المعقود عليه في الحال فهو وشرط القطع سواء وعند الشافعي لا يجوز هذا العقد انهى النبي ﷺ عن بيع الثمار حتى يبد وصلاحها أو قال حتى يرهى أو قال حتى تؤمن العاهة وتأويله عندنا في البيع بشرط الترك بدليل قوله أرأيت لو أذهب الله تعالى الثمرة بما يستحل أحدكم مال أخيه المسلم وانما يتوهم هذا إذا اشتري بشرط الترك الي أن يبدو صلاحها أما إذا اشتراها بعد ما بد اصلاحها الا أنها لم تدرك بعد شرط القطع
[ 196 ] يجوز وكذلك مطلقا ويؤمر بأن يقطعها في الحال مقتضي مطلق العقد وعند الشافعي رمه الله يتركها إلى وقت الادراك لانه هو المتعارف بين الناس ولو اشتراها بشرط الترك فالعقد فاسد عندنا جائز عند الشافعي رحمه الله لانه متعارف بين الناس ومن الشرائط في العقود ما يجوز العرف كما إذا اشترى نعلا وشراكين بشرط أن يحذوها البائع ولكنا نقول ان كان بمقابلة منفعة الترك شئ من البدل فهذه اجارة مشروطة في البيع وان لم يكن فهى اعارة مشروطة في البيع وقد ورد الشرع بالنهي عن ذلك حيث نهى رسول الله ﷺ عن صفقتين في صفقة وعن بيع وشرط وعن بيع وسلف وكل عرف ورد النص بخلافه فهو غير معتبر ثم ان الثمار على رؤس الاشجار تزداد وهذه الزيادة تحدث من ملك البائع بعد البيع فكأنه ضم المعدوم إلى الموجود واشتراهما فكان باطلا وفصل النعل مستحسن من القياس ولا يتمكن في ذلك الشرط شراء المعدوم فاما إذا تناهى عظم الثمار وصار بحيث لا يزداد ذلك ولكن لم ينضج فان اشتراه بشرط القطع أو مطلقا يجوز وان اشتراه بشرط الترك ففى القياس العقد فاسد وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله لما قلنا وجوز محمد العقد في هذا الفصل استحسانا لانه شرط متعارف ومدة الترك يسيره وقد يتحمل اليسير فيما لا يتحمل فيه الكثير مع أنه لا يؤخذ للزيادة من ملك البائع بعد هذا ولكن الشمس تنضجه بتقدير الله ويأخذ اللون من القمر بتقدير الله والطعم من الكواكب بتقدير الله فلم يبق فيه الاعمل لشمس والقمر والكواكب فلهذا قال محمد أستحسن أن أجوزه بخلارف ما قبل ان يتناهى عظمه فان اشتراه مطلق ثم تركه إلى وقت الادراك فهو على قياس ما قدمنا من التفصيل في الفصل الافى فصلين (أحدهما) ان هناك لو استأجر الارض مدة معلومة يجوز وهنا لو استأجر الاشجار مدة معلومة لا يجوز بحال لان استئجار الارض بالدراهم صحيح واستئجار الاشجار لا يجوز بحال (والثانى) ان هناك لو استأجر الارض إلى وقت الادراك يلزمه أجر المثل ولا يطيب له الفضل وهنا لا يلزمه شئ من الاجرو يطيب له الفضل لان استئجار الاشجار لا يجوز له بحال فلا ينعقد العقد عليهما فاسدا أيضا وبدون انعقاد العقد لا يجب الاجر وإذا صار العقد لغوا بقى مجرد الاذن والترك متى كان بأذن البائع فالفضل يطيب له ولم يذكر فصلا آخر في الكتاب وهو مااذا صار بعض الثمار منتفعا به ولم يخرج البعض بعد أو لم يصر منتفعا به ولم يخرج البعض أو لم يصر منتفعابه
[ 197 ] كالتين ونحوه فاشترى الكل فظاهر المذهب ان هذا العقد لا يجوز عندنا خلافا لمالك فانه يقول وجود صفة المالية والتقوم في شئ مما هو المقصود يجعل كوجوده في الكل للحاجة إلى ذلك كما ان في باب الاجارة يجعل وجود جزء من المنفعة كوجود الكل في حق جواز العقد أو يجعل ما خرج أصلا وما لم يخرج منه جعل تبعا له في حق جواز العقد لتعامل الناس ولكنا نقول جمع في العقد بين المعدوم والموجود والمعدوم لا يقبل البيع وحصة الموجود من البدل غير معلوم فلا يجوز العقد وجعل المعدوم حقيقة موجودا حكما للضرورة وذلك فيما لا يقبل العقد بعد الوجود حقيقة فأما الثمار تقبل العقد بعد الوجود قال رضى الله عنه وكان شيخنا الامام شمس الائمة يفتى يجواز هذا البيع في الثمار والباذنجان والبطيخ وغير ذلك وهكذا حكى عن الشيخ الامام أبى بكر محمد بن الفضل قال أجعل الموجود أصلال في العقد وما يحدث بعد ذلك تبعا قال أستحسن فيه لتعامل الناس فانهم تعاملوا بيع ثمار الكرم بهذه الصفة ولهم في ذلك عادة ظاهرة وفي نزع الناس عن عادتهم حرج بين. قال وقد رأيت رواية في هذا عن محمد وهو في بيع الورد على الاشجار فان الورد مثلا حق ثم جوز البيع في الكل مطلقا بهذا الطريق قال الشيخ الامام ولكن الاول عندي أصح لان المصير إلى هذا الطريق عند تحقق الضرورة ولا ضرورة في الباذنجان والبطيخ فانه يمكنه ان يبع أصولها حتى يكون ما يحدث من ملك المشترى له وفي الثمار كذلك فانه يمكنه ان يشترى الموجود المنتفع به ببعض الثمن ثم يؤخر العقد فيما بقى إلى ان يصير منتفعا به أو يشترى الموجود بجميع الثمن ويحل للبائع ان ينتفع بما يحدث فيحصل مقصودهما بهذا الطريق. (قال وان اشترى طعاما بطعام مثله فجعله له وترك الذى اشترى ولم يقبض حتى افترقا فلا بأس به عندنا) وقال الشافعي يبطل البيع والتقابض في المجلس في بيع الطعام بالطام من جنسه أو من خلاف جنسه ليس بشرط عندنا وقال الشافعي هو شرط عندي واستدلوا بقوله ﷺ في الاشياء الاربعة يدا بيد والمراد به الفبض ألا ترى ان هذا اللفظ في الذهب والفضة أفادشرط القبض ثم قال في آخر الحديث وإذا اختلفا النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد وهذا ينصرف إلى جميع ما سبق ثم فهم منه في بيع الذهب والفضة شرط القبض في المجلس فكذلك في الاشياء الاربعة ولان العقد جمع بين بدلين لو قوبل كل واحد منهما بجنسه عينا يحرم التفاضل بينهما فيشترط القبض فيه في المجلس كبيع الذهب والفضة وهذا
[ 198 ] لان بالاتفاق يحرم النساء هنا مع اختلاف الجنس وليس ذلك للتفاوت في المالية لان حقيقة التفاضل عند اختلاف الجنس يجوز فعرفنا ان حرمة النساء لوجوب القبض في المجلس ولنا في المسألة طريقان (أحدهما) ان القبض حكم للعقد فلا يشترط اقترانه بالعقد كالملك فانه يجوز ان يتأخر عن حالة العقد بخيار شرط أو نحوه وهذا لان حكم الشئ يعقبه ولا يقترن به وانم يقترن بالشئ شرطه والقبض في كل بيع انما يستحق العقد فيكون حكم العقد لاشرطه وساعات المجلس انما تجعل كحالة العقد فيما هو شرط العقد فأما في الحكم مجلس العقد وما بعده سواء وهذا بخلاف الصرف فالقبض الذى هو حكم العقد لا يشترط هناك عندنا وانما يشترط التعيين لان التعين شرط العقد بدليل نهى النبي ﷺ عن الكالئ بالكالئ والنقود لا تتعين في العقود فكان اشتراط القبض للتعيين وليس أحد البدلين في الصرف بأولى من الآخر بهذا شرطنا القبض فيهما للتعين وفى باب السلم شرطنا القبض في رأس المال للتعيين حتى لا يكون دينا بدين ولكن ما يقابله وهو السلم فيه مؤجل فلا يشترط التعيين فيه بمقتضي العقد ثم قد يرد عقد الصرف والسلم علي ما يتعين بالعتيين الا أنه يشق على كل تاجر معرفة ما يتعين ومعرفة مالا يتعين فأقام الشرع اسم الصرف والسلم مقام عدم التعيين في البدلين تيسيرا علي الناس والطريقة (الثانية) ما علل في الكتاب وقال لانه حاضر ليس له أجل ومعنى هذا أن الحرمة باعتبار فضل في المالية حقيقة أو حكما باشتراط الاجل وذلك لا يوجد هنا فالتجار لا يفصلون في المالية بين المقبوض في المجلس وبين غير المقبوض بعد أن يكون حالا وإذا لم يتمكن فضل خالي عن المقابلة كان العقد جائزا كما في بيع العبيد والدواب بجنسه أو بغير جنسه وأما الصرف والسلم فقد اختصا باسم شرعا واختصاصهما باسم لاختصاصهما بحكم يقتضيه ذلك الاسم وهو صرف ما في يدكل واحد منهما إلى يد صاحبه بالقبض في المجلس ولهذا شرطنا ذلك مع اختلاف الجنس والسلم أخذ عاجل بآجل فشرطنا التعجيل في أحد البدلين بمقتضي الاسم وقد يوخذ حكم العقد من اسمه كالكفالة والحوالة والنكاح فاما هذا البيع كسائر البيوع في الاسم وكل واحد من العوضين فيه يتعين بالتعيين فيكون حكم العقد فيه استحقاق التسليم لا وجوب القبض في المجلس كما في سائر البيوع وقد بينا في أول الكتاب ان المراد من قوله ﷺ يدا بيد أي عين بعين لان التعيين بالاشاره باليد كما أن القبض يكون باليد فيصلح ذكر اليد كناية عنهما ولكن لو كان مراده القبض لقال من يد إلى
[ 199 ] يد فلما قال يدا بيد عرفنا انه بمنزلة قوله عين بعين وأما بيع العبد بالعبدين والثوب بالثوبين فجائز بدون القبض في المجلس لانهما يفترقان عن عين بعين وكذلك بيع العبد والثوب بالنقد لانهما يفترقان عن عين بدين وذلك جائز ولو شرط فيه أجل يوم في العين كان فاسدا لان العين لا تقبل الاجل فالمقصود بالاجل أن يحصل في المدة فيسلمه وذلك في العين لا يتحقق ولانه منفعة في اشتراط الاجل في العين لايدا بيد لا يسقط فيه بالتعرف بعد أن كان مملوكا لغيره بالعقد لان الاجل لايمنع الملك ولكن فيه ضرر على المشترى من حيث قصور يده عن العين إلى مضى الاجل وجواز الشرط في العقد الانتفاع به لا لضرر بغيره. قال (وإذا اشترى طعاما بطعام مثله واشترط أحدهما على صاحبه أن يوفيه طعامه في منزله لم يجز) لان شرط المساواة عند اتحاد الجنس ثابت بالنص وبهذا الشرط متمكن في أحد الجانبين فضل وهو منفعة الحمل إلى منزله ليوفيه فيه فتنعدم به المساوة وان كان اشتراه بغير جنسه بأن اشتراه خارجا من المصر وشرط أن يوفيه في منزله في المصر فالعقد فاسد أيضا لان وجوب التسليم بالعقد في الموضع الذى فيه المعقود عليه فالمشترى يملك بنفس العقد وهو عين فإذا اشترط لنفسه منعفة الحمل علي البائع فسد به العقد كما لو شرط أن يطحنه وان كان اشتراه في المصر وشرط أن يحمله إلى منزله فالعقد فاسد فان شرط ان يوفيه في منزله ففى القياس العقد فاسد وهو قول محمد وفى الاستحسان هو جائز وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وجه القياس مابينا ان بنفس العقد صار المبيع مملوكا للمشترى في الموضع الذى فيه المعقود عليه ففى اشتراط تسليمه في مكان آخر شرطه منفعة لا يقبضه العقد فان كان بمقابلتها شئ من البدل فهى اجارة مشروطة في البيع والا فهي اعارة مشروطة في البيع وذلك مفسد للبيع كما لو اشتراها خارج المصر أو كان الشرط بلفظ الحمل وانما استحسن أبو حنيفة وأبو يوسف للعرف فان الانسان يشترى الحطب في المصر ولا يكترى دابة أخرى لتحمله إلى منزله ولكن البائع هو الذى يتكلف لذلك وما كان متعارفا وليس في عينه نص يبطله فالقول بجوازه واجب لما في النزع عن العادة من حرج بين ومثل هذه العادة لا توجد خارج المصر بل إذا اشترى الحنطة أو الحطب خارج المصر فالمشترى هو الذى يتكلف الحمل ذلك يوضحه أن نواحي المصر كناحية واحدة حتى ان قيمة ماله حمل ومؤنة لا يختلف في نواحى المصر بخلاف المصر مع القرية فقيمتها في المصر أكثر من قيمتها خارج المصر وما كان ذلك الا لان
[ 200 ] المشترى هو الذي يتكلف بالنقل ثم هذا الاستحسان عند بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى في لفظ الحمل والايفاء سواء وقالوا لا فرق خصوصا في لسان الفارسية بين أن يقول يسار نجاته من أو بيادنخانه من أو يردادبخانه من والاصح هو الفرق من قبل أن الايفاء من مقضيات العقد فالعقد يوجب ايفاء المعقود عليه لا محالة فكان شرط الايفاء ملائما لمقتضي العقد فاما الحمل ليس من مقتضات العقد ألا ترى أن العقد قد يخلو عنه بأن يسلمه إلى المشترى في ذلك المكان وشرط الحمل لا يلائم مقتضى العقد فلهذا أخذنا فيه بالقياس. قال (وان اشترى شعيرا بصوف متفاضلا فلا بأس به) لانهما جنسان لاختلاف الاسم والهيئة والمقصود وأصلهما ان كان نوعا واحدا ولكن باختلاف هذه المعاني يختلف الجنس مع اتحاد الاصل كالثياب المتخذة من القطن وكذلك القطن بالكتان والمشاقة بالكتان لا بأس به متفاضلا لانهما جنسان مختلفان الا في رواية عن أبى يوسف قال المشافة والكتان جنس واحد فلا يجوز بيع أحدهما بالاخر الا وزنا بوزن بمنزلة أنواع التمر والحديد والنحاس كذلك جنسان لا بأس ببيع أحدهما بالآخر متفاضلا ولا خير في أن يسلم هذا في شئ من الموزونات لان الكل موزون بثمن وكذلك الاواني والمتخذة من الصفر والنحاس إذا كان يباع وزنا لا يجوز اسلامهما في الموزونات أما أواني الذهب والفضة فيجوز اسلامهما في الموزونات من الزعفران والكسر وغيرهما كما يجوز اسلام الدراهم في هذه الاشياء لان صفه الثمينه لها ثابتة بأصل الخلقة فلا تتغير بالصفة وعند زفر لا يجوز لانه موزون مثمن حتى يتعين بالعقد في التعيين فهذا كالمتخذ من الصفر والحديد وإذا كان شرط المسلم طعاما وسطا فأعطاه أجود أو أردأ فرضى به جاز لانه ان أعطاه أجود فقد أحسن في قضاء الدين وان أعطاه أرادأ فقد أحسن الآخر إلى أسيره حين رضى منه به وأبرأه من صفة الجودة حين تجوز بدون حقه فجاز ذلك وذكر الطحاوي انه لو أسلم إليه دراهم في حنطة فقبضها رب السلم فوجد بها عيبا وقد تعيب عنده فان رضى المسلم إليه أن يقبلها مع العيب الحادث رد المقبوض وطالبه رب السلم بحقه وان أبى أن يرضى لم يرجع رب السلم عليه بشئ في قول أبى حينفة لان الفائت وصف ولا قيمة للصفة في الامول الربوية منفردة عن الاصل وعند محمد رجع بحصة نقصان العيب من رأس المال لان بقدر ما يرجع يخرج من أن يكون رأس المال بمنزلة مالو حط بعضه فلا يؤدى إلى الربا إذا رجع بحصة العيب بهذا الطريق وقال أبو يوسف ان أبى المسلم إليه أن يقبل المعيب غرم
[ 201 ] رب السلم طعاما قبل المقبوض ورجع بحقه وهو مستقيم على أصله في رد المثل عند تعذر رد العين لصاحب الدين إذا وجد المقبوض زيوفا وقنا هلك في يده وفي اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله. قال (لو قال لآخر اشتريت منك كر حنطة وسط إلى أجل كذا بهذه العشرة دراهم على أن تؤديها إلى في مكان كذا فهو سلم جائز عندنا) وقال زفر لا يجوز لانه بيع ما ليس عند الانسان وهو منهى عنه شرعا وانما الرخصة في السلم خاصة فإذا ذكر لفظ السلم جاز بطريق الرخصة والا فهو فاسد ولا كنا نقول قد أتينا بمعنى السلم وذكر شرائطه والعبرة للمعنى دون الالفاظ ألا ترى أنه لو قال ملكتك هذه العين بعشرة دراهم وقبل الاخر كان بيعا وان لم يذكر الفظ البيع وهذا على أصل زفر أظهر فانه يجعل الهبة بشرط العوض بيعا ابتداءا ثم ختم الباب بفصل من فصول التحالف وهو ما إذا اشترى عبدين وقبضهما وهلك أحدهما عنده ثم اختلفا في الثمن فعلى قول أبى حينفة القول قول المشترى ولا يتحالفان لافى القائم ولا في الهالك الا أن يشاء البائع ان يأخذ الحى ولا يأخذ من ثمن الميت شيئا وعند أبى يوسف القول قول الشمترى في حصة الهالك ويتحالفان ويترادان في الحى وعند محمد يتحالفان ويترادان الفائم وقيمة الهالك وهذا بناء على مااذا اختلفا في الثمن بعد هلاك السلعة فان عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله هلاك السلعة يمنع جريان التحالف بينهما وعند محمد لايمنع وبيان هذا الفصل يأتي في بابه ان شاء الله فلما كان من أصل محمد أن هلاك جميع السلعة لا يمنع جريان التحالف فكذلك هلاك البعض ثم بعد التحالف فسخ العقد في القائم منهما على العين ممكن فرد العين وفى الهالك رد العين متعذر فيقوم رد القيمة مقام رد العين كما لو كان الكل هالكا عنده والقول في قيمة الهالك قول المشترى مع يمينه لانكاره الزيادة بمنزلة الغاصب مع المغصوب منه إذا اختلفا في قيمة المغصوب وعند أبى يوسف لو كانا قائمين فسخ العقد فيما بينهما بالتحالف ولو كانا هالكين لم يجز التحالف بينهما فإذا مات أحدهما يعتبر كل واحد منهما في نفسه كما في الفسخ بسبب الرد بالعيب ثم تفسير قوله أن المشترى يحلف بالله ما اشتراهما بالفين ثم يحلف البائع بالله ما باعهما بألف كما يدعيه المشترى ولا يفضل احدهما عن الآخر في اليمين لانه إذا فضل أحدهما عن الآخر في التحالف يفوت مقصود اليمين فكل واحد منهما يكون بارا في يمينه وان كان الحال كما يدعيه خصمه فلهذا يجمع بينهما في التحالف فإذا تحالفا ترد العين منهما ثم يحلف المشترى في حصة الهالك بالله ما عليه من ثمنه الا خمسمائة إذا كانت قيمتهما سواء وإن
[ 202 ] اختلفا في قيمة الهالك فينبعي أن يكون القول في قيمته قول البائع مع يمينه وان اختلفا في قيمة الحى لتوزيع الثمن عليهما تحكم قيمته في الحال فان كانت مثل ما يقوله البائع أو أقل فالقول قول البائع مع يمينه وان كانت مثل ما يقوله المشترى أو أكثر منه فالقول قول المشترى مع يمينه وان كانت فيما بين ذلك يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه فإذا حلفا اعتبرت قيمته في الحال لتوزيع الثمن عليهما وأما بيان قول أبى حينفة فانه يقول الصفقة صفقة واحدة والمقصود بالتحالف هو الفسخ فإذا تعذر ذلك بهلاك بعض المعقود عليه يجعل بمنزلة ما لو تعذر بهلاك الكل ألا ترى أنهما لو كانا قائمين لم يستقم ثبوت حكم التحالف والفسخ في أحدهما دون الآخر فكذلك بعد هلاك أحدهما بخلاف الرد العيب لان العيب مما لايمنع تمام الصفقة فإذا هلك أحدهما في يده ووجد بالآخر عيبا فرده يكون هذا تفريقا للصفقة قبل التمام وذلك لم يجز بخلاف ما نحن فيه فان جهالة الثمن تمنع تمام الصفقة فلو قلنا فانه يجوز رده يكون القول في الثمن قول المشترى الا أن شاء البائع أن يأخذ الحى ولا يأخذ من ثمن الهالك شيئا فحينئذ يصير الهالك كأن لم يتناوله العقد وكأنه ما اشترى الا القائم ثم عند ذلك يحلف المشترى بالله ما اشتراهما بألفين ثم يحلف البائع بالله ما باعهما بألف لان من اشترى شيئين بألفين ثم حلف ما اشترى أحدهما بالف كان صادقا وكذلك من باع شيئين بالف ثم حلف ما باع أحدهما بخسمائة كان صادقا فلهذا يجمع بينهما في التحالف فإذا تحالفا رد العين ولا شئ للبائع على المشترى في الهالك من ثمن ولا قيمة لانه قد أبرأه من ذلك حين رضى بأن يأخذ الحى فقط والله أعلم (باب الوكالة في السلم) قال (وإذا وكل الرجل الرجل أن يسلم له عشرة دراهم في كرحنطة فاسلمها الوكيل بشروط السلم ودفع الدراهم من عنده فهو جائز) لان السلم عقد تمليك الآمر بمباشرته بنفسه فيجوز منه توكيل غيره به كبيع العين لان الوكيل يقوم مقام الموكل في تحصيل مقصوده وهذا عقد يملك المأمور مباشرته لنفسه فيصح منه مباشرته لغيره بأمره كالبيع لان العاقد باشر العقد بأهليته وولايته الاصلية سواء باشر لنفسه أو لغيره والاصل فيه قوله تعالى (فابعثوا أحدكم
[ 203 ] بورقكم هذه إلى المدينة) الآية ومن دفع إلى آخر دراهم ليشترى بها شيئا فان المدفوع إليه يكون وكيلا من جهة الدافع ورى عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه دفع إلى حكيم ابن حزام أو إلى عروة البارقى رضى الله عنهما دينارا ليشترى له به أضحية فدل أن التوكيل جائز في البيع فكذلك في السلم لان السلم نوع بيع على ما عرف وكذلك الناس تعاملوامن لدن رسول الله ﷺ إلى يومنا هذا التوكيل في البيع والسلم جميعا فإذا عرفنا هذا فنقول الوكيل في السلم كالعاقد لنفسه في حقوق العقد حتى تتوجه عليه المطالبة بتسليم رأس المال دون الموكل وكذلك حق قبض المسلم فيه عند حلول الاجل يكون للوكيل دون الموكل وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله ذلك للموكل كله وعليه وأصل المسألة في البيع فان حقوق العقد في البيع والشراء تتعلق بالوكيل عندنا وعند الشافعي رحمه الله بالموكل. قال (لان الوكيل سفير ومعبر عنه بمنزلة الرسول فإذا عقد العقد خرج من السوط وصار في الحكم كأن الموكل عقد بنفسه) ألا ترى أن ما هو حكم العقد وهو الملك يثبت للموكل دون الوكيل فكذلك في سائر أحكامه وشبه هذا بالوكيل بالنكاح فانه لا يتوجه عليه المطالبة بالصداق ولا يكون له حق قبض المعقود عليه بل ذلك كله للموكل والجامع بينهما أن كل واحد منها عقد معاوضة فتتعلق أحكامه بمن قصد تحصيله لنفسه دون من عبر عنه ولنا أن العاقد هو الوكيل وسبب تعلق حقوق العقد بالمرء مباشرته العقد وثبوت الحكم باعتبار السبب فإذا كان هو العاقد حيقيقة وحكما تتعلق حقوق العقد به كما لو باشر العقد لنفسه وهذا لان ولايته مباشرة العقد باعتبر أهليته وباعتبار كون ما هو ركن العقد وهو الكلام من خالص حقه وذلك لا يختلف بماشرته لنفسه أو لغيره ونفوذه شرعا باعتبار ولايته الاصلية لا أن يثبت له بأمر الموكل اياه ولاية لم تكن ثابتة من قبل هذا لبيان أنه عاقد حقيقة وشرعا ومن حيث الحكم فلانه مستغن عن اضافة العقد إلى الموكل ولو كان معبرا عنه لم يستغن عن ذكره عند العقد فثبت أنه عاقد حكما مباشر للعقد بخلاف لرسول فانه عبارة عن مبلغ الامر إلى من أرسل إليه ولا يستغنى عن الاضافة إليه وكذلك الوكيل بالنكاح فانه لا يستغنى عن اضافة العقد إلى الموكل حتى لو قال تزوجتك كان النكاح له دون الموكل فاما حكم العقد وهو الملك ففيه طريقان (أحدهما) أنه يثبت للوكيل ثم ينتقل منه إلى الموكل من ساعته كما اتفقا عليه بالتوكيل السابق ومباشرته السبب تستدعي ثبوت الحكم الا أنه يستقر له فيثبت أو لاله
[ 204 ] ثم ينتقل منه إلى غيره ولهذا لو كان قريبه لا يعتق عليه ولو كانت زوجته لا يفسد النكاح لان ذلك يستدعى ملكا مستقرا ولا يثبت ذلك للوكيل وعلى الطريق الآخر وهو الاصح لسبب انعقد حكمه موجبا للوكيل الا أن الموكل قام مقامه في ثبوت الملك له بالتوكيل السابق فيثبت للموكل على وجه الخلافة عن الوكيل كالعبد يقبل الهبة والصدقة ويصطاد فيقع الملك فيه لمولاه على وجه الخلافة وإذا ثبت أن الوكيل كالعاقد لنفسه كان هو المطالب بتسليم رأس المال فإذا نقده من عنده رجع بمثله على الامر لانه نقد مال نفسه في عقد حصل مقصود ذلك العقد للآمر فأمره اياه بالعقد يكون أمرا باداء رأس المال من عنده علي أن يرجع عليه بمثله وكذلك الوكيل هو الذي يقبض الطعام إذا حل الاجل مبنزلة العاقد لنفسه والغنم بمقابلة الغرم فإذا كان هو المطالب بتسليم رأس المال كان حق قبض الطعام إليه أيضا فإذا قبضه كان له حبسه حتى يستوفى الدراهم من الموكل عندنا خلافا لزفر كذلك الوكيل بالشراء إذا نقد الثمن من مال نفسه وقبض السلعة كان له أن يحبسه أما إذا هلك في يده قبل أن يحبسه فانما يهلك من مال الموكل وللوكيل أن يرجع عليه بما أدى من الدراهم لانه في أصل القبض عامل له حتى يتعين به ملك الموكل في السلم ويتم ملكه به في المشترى فيكون هلاكه في يد الوكيل كهلاكه في يد الموكل فان لم يهلك وأراد الوكيل حبسه بالثمن فله ذلك عندنا وقال زفر ليس له ذلك لان الموكل صار قابضا بقبض الوكيل بدليل أن هلاكه في يد الوكيل كهلاكه في يد الموكل فكأنه قبض حقيقة ثم دفعه إلى الوكيل وهذا لمعنيين (أحدهما) أن المقوض أمانة في يد الوكيل والثمن دين له على صاحبه وليس للامين أن يحبس الامانة بدينه على صاحبها والثانى) أن الوكيل لما قبضه مع علمه أن الموكل يصير به قابضا فقد رضى بقبض الموكل فكان بمنزلة مالو سلمه إليه ثم أراد أن يسترده منه أو بمنزلة بائع سلم السلعة إلى المشترى ثم أراد أن يستردها للحبس بالثمن ولنا أن الموكل ملك المشترى بعقد باشره الوكيل ببدل استوجبه الوكيل عليه حالا والا فكان له أن يحبس العين به كالبائع مع المشترى وهذا لان الوكيل مع الموكل بمنزلة البائع مع المشترى إما لان الموكل يتلقي الملك فيه من الوكيل بعوض ولهذا لو اختلف الوكيل والموكل في الثمن تحالفا ولو وجد به الموكل عيبا رده على الوكيل قوله بأن الموكل صادر قابضا بقبض الوكيل ففيه طريقان (أحدها) أن قبض الوكيل متردد لجواز أن يكون لضم مقصود الوكيل ويجوز أن يكون لاحياء
[ 205 ] حق نفسه وانما يتبين أحدهما عن الآخر بحبسه فكان الامر فيه موهوما في الابتداء ان لم يحبسه عنه عرفنا انه كان عاملا للموكل وان حبسه عنه عرفنا انه كان عاملا لنفسه وان الموكل لم يصر قابضا بقبضه (والثانى) ان هذا قبض لا يمكن التحرز عنه لان الوكيل لا يتوصل إلى الحبس ما لم يقبض ولا يمكنه أن يقبض على وجه لا يصير الموكل به قابضا وما لا يمكن التحرز عنه فهو عفو فلا يسقط به حقه في الحبس لان سقوط حقه باعتبار رضاه بتسليمه ولا يتحقق منه الرضا فيما لا طريق له الا التحرز عنه فإذا حبسه الوكيل وهلك في يده فعلي قول زفر هو غاصب فعليه ضمان مثله وفى قول أبى يوسف يهلك في يده هلاك الرهن مضمونا بالاقل من قيمته ومن الثمن وعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى يهلك هلاك المبيع مضمونا بالثمن قل أو كثر وهذا الخلاف ذكره في كتاب الوكالة فأبو يوسف يقول انما كان مضمونا عليه بالحبس بحقه بعد أن لا يكون مضمونا فيكون في معنى المرهون بخلاف المبيع فانه مضمون بنفس العقد حبسه أو لم يحبسه يوضحه أنه يحبسه ليستوفي ما أدى عنه من الدين والحبس للاستيفاء حكم الرهن ولان بهلاكه لا ينفسخ أصل البيع بخلاف المبيع إذا هلك في يد البائع وسقوط الثمن هناك لانفساخ البيع وهما يقولان الوكيل مع الموكل كالبائع مع المشترى بدليل ما بينا فكما أن المبيع إذا هلك في يد البائع سقط الثمن قل أو كثر فكذلك هنا ولا نقول العقد لا ينفسخ هنا بل انفسخ فيما بين الموكل والوكيل وان لم ينفسخ في حق البائع وهو كما لو وجد الموكل بالمشترى عيبا فرده ورضي به الوكيل فانه يلزم الوكيل وينفسخ العقد فيما بينه وبين الموكل والدليل على أن هذا ليس نظير الرهن أن هذا الحبس ثبت في النصف الشائع فيما يحتمل القسمة والحبس بحكم الرهن لا يثبت في الجزء الشائع فيما يحتمل القسمة وانما يثبت ذلك بحكم البيع فعرفنا أنه كالمبيع. قال (وان كان الوكيل دفع رأس المال من مال الموكل وأخذ بالسلم كفيلا أو رهنا فهو جائز) لان موجب الرهن بثوت يد الاستيفاء والوكيل يملك الاستيفاء حقيقة فيملك أخذ الرهن به والكفالة للتوثيق والوكيل هو المطلب بالمسلم فيه فكان له أن يتوثق بأخذ الكفيل به لانه ملك المطالبة فملك التوثق بالمطالبة قال (فان حل السلم فأخره الوكيل مدة معلومة فهو جائز في قول أبى حينفة ومحمد رحمهما الله ويضمن طعام السلم للموكل) وعلى قول أبى يوسف لا يصح تأخيره وكذلك ان أبرأ المسلم إليه عن طعام السلم وأصل هذا أن طعام السلم أصل يقبل
[ 206 ] الابراء قبل القبض وأصل هذا فيما إذا عقد لنفسه ثم أبرأه عن طعام السلم صح ابراؤه في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبى حنيفة أنه لا يصح ما لم يقبل المسلم إليه فإذا قبل كان فسخا لعقد السلم لانه المسلم فيه مبيع وتمليك المبيع من البائع قبل القبض لا يجوز ما لم يقبل فإذا قبل انفسح العقد كالمشترى إذا وهب المبيع من البائع قبل القبض ووجه ظاهر الرواية أن المسلم فيه دين لا يستحق قبضه في المجلس فيصح الابراء عنه كالثمن في البيع بخلاف بدل الصرف أو رأس مال السلم فان قبضه في المجلس مستحق وهذا لان استحقاق القبض في المجلس للتعيين الذى هو شرط العقد والابراء مفوت لذلك وأما الدين الذى لا يستحق قبضه في المجلس فتعيينه ليس شرطا لجواز اسقاط القبض فيه بالابراء يوضحه أن السلم فيه من حيث أنه دين يجب بالعقد كان بمنزلة الثمن ومن حيث ان العقد يضاف إليه ويورد عليه كان بمنزلة المبيع فتوفر حظه عليهما فنقول لشبهه بالبيع لا يجوز الاستبدال به قبل القبض ولشبهه بالثمن يجوز اسقاط القبض فيه بالابراء إذا ثبت هذا فيما إذا كان عقد السلم فنقول لنفسه فكذلك الجواب إذا كان وكيلا يصح ابراؤه ويضمن مثله للموكل في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ولا يصح ابراؤه في قول أبى يوسف وكذلك الخلاف في المتاركه إذا تارك الوكيل السلم مع المسلم إليه وكذلك الخلاف في الوكيل بالبيع إذا أبرأ المشترى عن الثمن أو وهب له أو أجله فيه صح ذلك وضمنه للموكل في قول أبى حينفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف لا يصح شئ من ذلك أستحسن ذلك وأدع القياس فيه قال محمد بن مقاتل وهذا عجب من أبى يوسف يقول أستحسن والقياس ما قاله لان الثمن والمسلم فيه ملك الموكل فانه بدل ملكه وانما يملك البدل بملك الاصل ألا ترى أن بقبضه يتعين ملك الموكل وانما يتعين بالقبض ملك من كان مالكا قبله فالوكيل تصرف في ملك الغير بخلاف ما أمره به فلا ينقذ تصرفه كما لو قبضه فوهبه منه ودليل أن تصرفه بخلاف ما أمره به فلا ينفذ تصرفه كما لو قبضه فوهبه منه ودليل أن تصرفه ما أمره به ان الوكيل ضامن عندكم ولا يضمن الا بالخلاف والدليل علي انه ملك الموكل ان الموكل لو كان هو الذى ابرأه عنه صح ولو قبضه جاز قبضه وكذلك لو اشترى به شيئا أو صالح منه على عين بالثمن صح ولو كان للمشترى على المكول دين فاشترى من الوكيل شيئا حتى وجب للموكل على المشترى دين أيضا يصير قصاصا بدينه فبه يتبين أن الثمن الذى يجب بعقد الوكيل ملك الموكل
[ 207 ] وان الزكاة في هذا المال تجب علي الموكل فعرفنا ان الملك له وجه قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله أن الوكيل تصرف في خالص حقه فينفذ تصرفه كما لو كان عاقدا لنفسه وبيان الوصف في التأجيل ظاهر لانه يؤخر المطالبة ولا يسقط أصل الثمن والمطالبة حق الوكيل حتى ينفرد به عل وجه لا يملك أحد عزله عنه وليس لاحد أن يطالب الا بأمره وكذلك الابراء فانه اسقاط حق القبض والقبض خالص حقه لانه حكم العقد وهو في حكم العقد بمنزلة العاقد لنفسه بدليل أنه لا يعزله أحد عنه وأن المشترى لا يجبر على التسليم الا إليه وانما يخلفه الموكل في ملك المال بمقابلة ملكه والمال هو المقبوض دون الدين والدين ليس بمال حتى أن من حلف ان لامال له وله ديون على الناس لا يحنث فعرفنا أن القبض خالص حقه فيصح اسقاطه بالابراء ثم يتعدى هذا التصرف إلى ابطال حق الموكل في المال باعتبار المال لانه لو قبض كان المقبوض ملكه وقد فات ذلك باسقاطه فيكون ضامنا له كالراهن إذا أعتق المرهون ينفذ تصرفه لمصادفة حقه ويضمن قيمة المالية للمرتهن لانه تلفه بتصرفه ملك المالية وكذلك أحد الشريكين إذا أعتق وهو موسرأ وهو مسقط للقبض على وجه يتضمن تلميك الدين ممن عليه فمن حيث أنه اسقاط صح منه وبرئ المشترى ومن حيث أنه تمليك الثمن الذى هو حق الموكل من المشترى صار ضامنا له كالوكيل بالشراء إذا رضي بالعيب والى الموكل أن يرضى به فان رضي الوكيل يعتبر بانقطاع منازعته مع البائع غير معتبر في الزام الموكل فيختص هو بضرره وهذا لان الاسقاط أصل في الابراء ومعنى التمليك بيع ولهذا صح بدون القبول وان كان يرتد بالرد واما قبض الثمن فالمقبوض عين ملك الموكل فهبته بعد ذلك تصرف في حق الغير وأما فصل المقاصة فهو على ثلاثة أوجه ان كان دين المشترى على الوكيل وهو مثل الثمن يصير قصاصا بدينه عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ويضمن للموكل مثله وان كان دين المشترى على الموكل يصير قصاصا بالاتفاق لان باعتبار المال الحق للموكل ولهذا لو أسلم إليه المشترى جاز قبضه فيصير قصاصا بدينه عند أبى حينفة ومحمد رحمهما الله ويضمن الموكل مثله وان كان دين المشترى على الموكل يصير قصاصا بالاتفاق لان باعتبار المال الحق للموكل فيصير قصاصا بدينه وان كان الدين له على كل واحد منهما صار قصاصا بدين الوكيل لانه لو جعل قصاصا بدين الوكيل كان ضامنا للموكل مثله ثم يحتاج إلى قضاء دينه به وإذا جعل قصاصا بدين الموكل لم يضمن أحد شيئا فرجحنا هذا الجانب لهذا والاب والوصى (14 ثانى عشر مبسوط)
[ 208 ] يصح ابراؤهما وتأجيلهما فيما وجب للصبي بعقدهما عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وكانا ضامنين له فأما فيما وجب لا بعقد هما لا يصح لانهما ثابتان أمرا بالتصرف في ماله على وجه الاحسن وذلك لا يحصل بالابراء. قال (والتأجيل و المتاركة من الوكيل بالثمن صحيح في حق المسلم إليه بخلاف الوكيل بالشراء فان إقالته لا تصح) لان هناك عين المشترى مملوك للموكل فالا قالة تصرف منه في محل هو حق الغير وهنا المسلم فيه دين والثابت به حق القبض مادام في الذمة وهو حق الوكيل وان احتال بالمسلم فيه على ملي أو غير ملي جاز عليه خاصة ويضمن للام طعامه لانه تصرف في خالص حقه بالتحويل من محل إلى محل فهو على الخلاف الذى بينا في الابراء ويستوفى في حكم الضمان أن يكون المحتال عليه أعلا أو أسفل بخلاف الاب والوصى فانهما لو قبلا الحوالة على من هو أعلا لم يضمنا شيئا لانه تصرف منهما في حق الصبي علي وجه الاحسن وهما يملكان المبادلة في حقه بصفة النظر فإذا بادلا ذمة بذمة على وجه النظر لم يضمنا والوكيل لا يملك مثله في حق الموكل فلهذا ضمنه. قال (وان اقتضى الطعام أدون من شرطه فهو جائز) لانه أبرأه عن صفة الجودة ولو أبرأه عن أصله جاز وضمن للموكل مثل طعامه عندهما فكذلك إذا رضى بدون حقه وإذا عقد الوكيل السلم ثم أمر الموكل باداء رأس المال وذهب الوكيل بطل السلم لان وجوب قبض رأس المال قبل الافتراق من حقوق العقد فيتعلق بالعاقد وهو الوكيل والموكل فيه كاجنبي آخر فلا معتبر ببقائه في المجلس بعد ذهاب العاقد ولا بذهابه إذا بقى المتاقدان في المجلس فإذا وكله أن يسلم له عشرة دراهم في كر حنطة فاسلمها في فقيز حنطة فهو جائز على الوكيل دون الموكل لانه وكيل بالشراء فالسلم فيه مبيع ورب السلم مشترى والوكيل بالشراء لا يملك الشراء في حق الموكل بالغبن الفاحش لما فيه من التهمة أنه باشر التصرف لنفسه ثم لما علم بالغبن أراد أن يلزمه الموكل فإذا نفذ العقد عليه ضمن للموكل كل دراهمه لانه قضى بدراهمه دين نفسه فان أسلمها في حنطة يكون نقصانها عن رأس المال مما يتغابن الناس في مثله جاز على الموكل لان هنا العذر لا يستطاع الامتناع عنه الابحرج فكان عفوا في تصرفه لغيره شراء كان أو بيعا. قال (واذ وكله أن يسلم له عشره دراهم في طعام فالطعام الدقيق والحنطة عندنا استحسانا وفى القياس هذا التوكيل باطل) لان اسم الطعام حقيقة لكل مطعوم بدليل مالو حلف أن لا يأكل طعاما وما لو أوصى للانسان بطعامه والمطعومات أجناس مختلفة وجهالة الجنس تمنع صحة الوكالة ولكنه
[ 209 ] استحسن فقال السلم بيع والطعام إذا أطلق عند ذكر البيع والشراء يراد به الحنطة ودقيقها فان سوق الطعام الموضع الذى يباع فيه الحنطة ودقيقها وبائع الطعام من بيع الحنطة ودقيقها دون من يبيع الفواكه وهذا لان الشراء لايتم الا بالبائع فكل ما يسمى بائمه بائع الطعام يصير هو به مشتريا للطعام بخلاف الاكل فانه يتم بالآكل والوصية تتم بالموصى فاعتبرنا فيهما حقيقة الاسم قالوا وهذا إذا كانت الدراهم كثيرة فأما إذا كانت قليلة فانما يتصرف إلى الخبز فأما الدقيق ففيه روايتان وفى رواية هو بمنزلة الحنطة لانه يذكر كما تذكر الحنطة وفي رواية هو بمنزلة الخبز وهذا القياس والاستحسان ثابت في الوكيل بالشراء وإذا ثبت أن اسم الطعام يتناول الحنطة ودقيقها فالتوكيل صحيح لانه ان كثرت الدراهم عرفنا ان مراده الحنطة فإذا قلت عرفنا أن مراده الدقيق والمعلوم دلاله كالمعلوم نصا فنقول إذا وكله بأن يسلم له دراهم في طعام فأسلم في شعير أو غيره فهو مخالف وللموكل أن يضمن الوكيل دراهمه لان عقده نفذ على نفسه ثم قضي بدراهم الآمردين نفسه وان شاء الآمر أخذها من المسلم إليه لان المقبوض من الدراهم عين ملكه فهو أحق به فان أخذها من المسلم إليه يبطل السلم فيما بينه وبين الوكيل وان كان قد فارقه لان رأس المال استحق انتقض القبض فيه من الاصل وان لم يكن فارقه حتى أعطاه مثلها كان السلم صحيحا بينهما لان المقبوض لما استحق فكأنه لم يقبض إلى آخر المجلس وعقد السلم ما تعلق بعين تلك الدراهم بل تعلق بمثلها في ذمته وان أخذها من الوكيل يبقى عقد السلم بينهما صحيحا لانه يملك رأس المال بالضمان وإذا وكله بأن يأخذه دراهم في طعام مسمى فأخذها الوكيل ثم دفعها إلى الموكل فالطعام على الوكيل وللوكيل علي الموكل دراهم قرض لان أصل التوكيل باطل فان السلم إليه أمره ببيع الطعام في ذمته ولو أمره أن يبيع عين ماله علي أن يكون الثمن للآمر كان باطلا فكذلك إذا أمره أن يبيع طعاما في ذمته وهذا لانه إنما يعتبر أمره فيما لا يملك المأمور بدون أمره وهو في قبول السلم في الطعام مستغنى عن أمر الغير وقبول السلم من صنيع المفاليس فالتوكيل به باطل كالتكدى فالحاصل ان التوكيل من المسلم إليه بقبول عقد السلم باطل والتوكيل من رب السلم بأعطاء الدراهم في طعام السلم جائز وإذا بطل التوكيل كان الوكيل عاقدا لنفسه فيجب الطعام في ذمته ورأس المال مملوك فإذا سلمه الي الآمر على وجه التمليك منه كان قرضا له عليه. قال (وإذا دفع إليه عشرة دراهم وأمره أن يسلمها في ثوب لم تصح الوكالة حتى يتبين الجنس) لان الثياب أجناس مختلفة ومع جهالة الجنس
[ 210 ] لا يقدر الوكيل على تحصيل مقصود الموكل فيبطل التوكيل فان الوكيل كان عاقدا لنفسه وروى عن أبى يوسف أنه قال ينظر الوكيل إلى لباس الموكل فإذا اشترى الوكيل من جنس لباس الموكل يجوز ويلزم الموكل لان الظاهر أن الانسان انما يأمر غيره بشراء الثوب ليلبسه فيعتبر بثيابه فان سمى الموكل ثوبا يهوديا أو غيره جاز لان الجنس صار معلوما وانما بقيت الجهالة في الصفة ولا تأثير لجهالة الصفة في القعود المبينة على التوسع والوكالة بهذه الصفة فان خالفه الوكيل فأسلم في غيره أو إلى غير الاجل الذى سماه كان عاقدا لنفسه وللموكل أن يضمنه دراهمه فان ضمنه إياها جاز السلم وان ضمنها المسلم إليه بطل السلم لانتقاض قبضه في رأس المال بعد الانتقاص من الاصل. قال (وإذا دفع الوكيل الدراهم سلمها علي ما أمره به الآمر ولم يشهد على المسلم إليه بالاستيفاء ثم جاء المسلم إليه بدراهم زيوف يردها عليه فقال وجدتها فيها فهو مصدق) لانه ينكر استيفاء حقه فالقول قوله مع يمينه ويقضى له علي الوكيل ببدله ويرجع به الوكيل على الموكل لانه في تصرفه عامل له فيرجع عليه بما يلحقه بالعهدة وان كان أشهد عليه بالاستيفاء لم يصدق بعد ذلك علي ادعائه أنه زيف معناه إذا أقر المسلم إليه باستيفاء الجياد أو باستيفاء حقه أو باستيفاء رأس المال فهو مناقض بعد ذلك في دعواه أنه زيوف فلا يسمع بعد ذلك منه ولا تقبل بينته عليه ولا يتوجه اليمين على خصمه فأما إذا أقر باستيفاء الدراهم فاسم الدراهم يتناول الزيوف والجياد فلا يكون منا قضا في قوله وجدتها زيوفا. قال (واذ وكله بأن يسلم له عشرة دراهم من الدين الذى له عليه في حنطة فأسلمها له فهو عاقد لنفسه حتي يقبض الطعام فيرده إلى الآمر مكان دينه) فحينئذ يسلم للآمر إذا تراضيا عليه في قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله هو جائز علي الآمر وكذلك لو أمره أن يصرفها له بدنانير أو يشترى له بها شيئا سماه وجه قولهما أن الدين في ذمة المديون ملك صاحب الدين بدليل أن يطالبه بالتسليم وينفرد باستيفاء جنسه من ماله ويشترى منها شيئا فيجوز فانما أضاف التوكيل إلى ملكه وذلك صحيح كما لو كانت الدراهم وديعة له في يده أو غصبا فوكله أن يشترى له بها والدليل عليه انه لو عين المسلم إليه بقوله أسلمها في طعام الي فلان أو عين البائع أو المبيع بقوله اشترى لى بها عبد فلان فانه يصح فكذلك إذا أطلق لان تسمية من يعامله الوكيل ليس بشرط لصحة الوكالة يوضحه أنه لو قال تصدق بمالى عليك علي المساكين يجوز بمنزلة مالو قال تصدق به على فلان فكذلك إذا أمره بالشراء به ولابي حنيفة حرفان (أحدهما) أنه
[ 211 ] أمره بصرف في الدين إلى من يختاره المديون بنفسه وذلك باطل كما لو قال ادفع مالى عليك من الدين إلى من يثبت أو ألقه في البحر كان صحيحا والمعنى في الفرق أن المديون انما يقضى الدين بملك نفسه وهو في تصرفه في ملك نفسه بالدفع إلى الغير لا يحتاج إلى اذن الآمر فكان وجود أمره كعدمه فأما في العين تصرفه في ملك الغير ولا يملك ذلك الا باذن من له الحق وهذا بخلاف ما إذا عين المسلم إليه أو البائع لان من أمره بالصرف إليه هناك معلوم فكان أمره معتبرا في توكيله ذلك الرجل بالقبض له أولا ثم لنفسه وكذلك إذا عين المتاع لان بتعينه يتعين المالك فالانسان في العادة يشترى الشئ من مالكه وهنا لا يمكن اعتبار أمره في توكيل القابض بقبضه لانه توكيل المجهول وذلك باطل وهذا بخلاف قوله تصدق بمالى عليك لان المتصدق يجعل المال لله تعالي ثم يصرفه إلى الفقير ليكون كفاية له من الله تعالى فلا جهالة فيمن أمره أن يجعل ذلك له فهو بمنزلة مالو أمره بالدفع إلى آدمى عينه (والثانى) أن بعقد السلم يجب رأس المال على الوكيل ثم يجب له مثله على الموكل فأما أن يكون هو مقرضا له في ذمته ليقضى به دينا عليه وذلك لا يجوز أو أمره له بان يقبض من نفسه ثم يقضى به دينا عليه وذلك لا يجوز يوضحه أن يقيم الوكيل مقام نفسه فيما يأمره به من التصرف وهو بنفسه له أسلم الدين الذى له على زيد إلى عمرو في طعام لا يجوز فكذلك إذا وكل المديون بان يفعل له ذلك وبه يظهر الفرق بين الدين والعين ولكن الاعتماد على الحرف الاول قال (وإذا وكل الرجل الرجلين ان يسلما له عشرة دراهم في طعام فأسلمها أحدهما لم يجز) لان عقد السلم يحتاج فيه إلى الرأى والتدبير كبيع العين وهو انما رضى برأى المثنى ورأى الواحد لا يكون كرأى المثنى فان أسلماها ثم تارك أحدهما مع المسلم إليه السلم لم يجز عندهم جميعا أما عند أبى يوسف لان الويكل بالسلم لا يملك المشاركة ولو تاركا لم يجز فكذلك إذا تارك أحدهما وعند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله لان الوكيلين لو عقدا لانفسهما ثم تارك أحدهما لم يجز بغير رضى الآخر فإذا كان وكيلين أولى قال (وإذا عقد الوكيل السلم ثم اقتضى الآمر الطعام فهو جائز استحسانا وفى القياس لا يجوز) لان القبض من حكم العقد والموكل منه كسائر الاجانب ألا ترى أن الايقاء لم يجب على المسلم إليه بطلبه فكذلك لا يبرأ بالتسليم إليه وجه الاستحسان أن يقبض الوكيل بتعين ملك الموكل فكان الموكل في هذا القبض عاملا لنفسه في تعيين ملكه فهو يكفى
[ 212 ] الوكيل مؤونة القبض والتسليم إليه ولا يلحق به ضرر في تصرفه يوضحه أنا لو نقضنا قبضه احتجنا إلى اعادته بعينه في الحال لانه يرده علي المسلم إليه فيقبضه الوكيل منه ثم يسلمه إلى الموكل وهذا اشتغال بما لا يفيد والقاضى لا يشتغل بمالا لا يفيد ولا ينقص شيئا ليعيد وان تارك السلم إليه مع الموكل جاز لانه قائم مقام العاقد في ملك المعقود عليه فتصح منه المتاركة كما تصح من وارث رب السلم بعد الموت وان لم يتاركه فأراد قبض الطعام منه فللمسلم إليه أن يمتنع من دفعه إليه لان المطالبة بالتسليم تتوجه بالعقد والموكل من العقد أجنبي فمطالبته لا تلزم المسلم إليه الدفع إليه. قال (وإذا دفع إلى رجل عشرة دراهم ليسلمها في طعام فناول الوكيل رجلا فبايعه فان أضاف العقد إلى دراهم الآمر كان العقد للآمر وان اضافه إلى دراهم نفسه كان عاقدا لنفسه) لان الظاهر يدل على ذلك ولان فعله محمول على ما يحمل وفيما يعقد لنفسه لا يحل له اضافة العقد الي دراهم غيره وان عقد السلم بعشره مطلقة ثم نواها للآمر فالعقد له وان لم تحضره نية فان دفع دراهم نفسه فالعقد له وان دفع دراهم الآمر فهو للآمر في قول أبى يوسف وقال محمد هو عاقد لنفسه ما لم ينو عند العقد أنه للآمر وان تكاذبا في النية فقال الآمر نويته لى وقال المأمور نويته لنفسي فالطعام للذى نقد دراهمه بالاتفاق فمحمد يقول الاصل ان كل أحد يعمل لنفسه الا أن يقترن بعمله دليل يدل على انه يعمل لغيره وذلك باضافة العقد إلى دراهم الغير أو النية للغير فإذا انعدم ذلك كان عاملا لنفسه ولا يمكن أن يجعل نقد الدراهم دليلا على ذلك لان نقد الدراهم لا يقترن بالعقد بل يكون بعده وبعد ما أوقع العقد له لا يتحول إلى غيره وان نقد دراهم الغير وبه فارق التكاذب لان النقد موجود عند التكاذب فيمكن أن يجعل دليلا من حيث شهادة الظاهر لاحدهما لان الظاهر أنه فيما عقد لنفسه لا ينقد دراهم الغير فإذا كان المنقود دراهم الآمر فالظاهر يشهد له فكان القول قوله يوضحه أن بقبول الوكالة من الغير لا يحيل ولايته علي نفسه وقبل قبول الوكالة كان مطلق عقده لنفسه فكذلك بعد قبول الوكالة لان تلك الولاية باقية بعد قبول الوكالة كما كانت قبله ولان موجب العقد وقوع الملك له في الطعام للعاقد الا أنه إذا نوى للموكل فالموكل يخلفه في ذلك الملك والمصير إلى الخلف عند فوات ما هو الاصل وعند اطلاق العقد ما هو الاصل ممكن الاعتبار فلا يضاف إلى الخلف وأبو يوسف يقول العقد والنقد كشئ واحد حكما لان النقدوان كان بعد العقد صورة فهو كالمقترن بالعقد إذا لو لم
[ 213 ] يجعل كذلك كان دينا بدين وذلك لا يجوز والدليل عليه أن بعدما نقد الدراهم لو أراد ان يستردها ليعطى غيرها لم يملك كما لو اقترن التعيين بالعقد بأن أضاف العقد إلى دراهم الآمر ثم أراد أن يدفع غيرها ويجعل العقد لنفسه لم يملك ذلك فإذا صار كشئ واحد فهو دليل ظاهر على من وقع العقد له فيجب تحكمه كما في حالة التكاذب يوضحه أنه بعد قبول الوكالة يعقد للموكل بولايته الاصلية كما يعقد لنفسه ولهذا تعلق به حقوق العقد في الوجهين فإذا استوى الجانبان يصار إلى ترجيح أحدهما بالنقد كما يصار إليه عند التكاذب وفرق أبو يوسف بين هذا وبين المأمور بالحج عن الغير إذا أطلق النية عند الاحرام فانه يكون عاقدا لنفسه فان الحج عبادة والعبادات لاتتأدى الا بالنية فكان مأمورا بأن ينوى عن المحجوج عنه ولم يفعل فصار مخالفا بترك ما هو الركن وأما في المعاملات فالنيه ليست بركن فلا يصير بترك النية عن الآمر مخالفا فيبقي حكم عقده موقوفا على النقد. قال (وان وكله بثوب يبيعه بدراهم فأسلمه في طعام إلى أجل فهو عاقد لنفسه) لانه خالف ما أمره به نصا وان أمره ببيعه ولم يسم له الثمن فأسلمه في طعام جاز على الآمر في قول أبى حنيفة ولم يجز في قولهما وهذه فصول (أحدها) أن الوكيل في البيع مطلقا يبيع بالنقد والنسيئة عندنا وقال الشافعي لا يبيع الا بالنقد لان مطلق التوكيل بالبيع معتبر بمطلق ايجاب البيع ومطلق ايجاب البيع ينصرف إلى الثمن الحال دون النسيئة فكذلك مطلق التوكيل وهذا لان الاجل شرط زائد على ما يتم به العقد فلا يثبت الاذن فيه الا بالتنصيص ولكنا نقول أمره ببيع مطلق فلا يجوز اثبات التقييد فيه من غير دليل والتقييد بالثمن الحال بعدم صفة الاطلاق ولا دلالة عليه في كلامه نصا ولاعرفا فالبيع بالنسيئة معتاد بين التجار كالبيع بالنقد وربما يكون البيع بالنسيئة أقرب إلى تحصيل مقصودهما وهو الربح والدليل عليه ان المضارب والاب والوصى يملكون البيع بالنسيئة وأما مطلق ايجاب البيع فانما يحمله على النقد لتعذر اعتبار الاطلاق فان البيع يستدعى صفة معينة في الثمن ألا ترى انه لو قال بعته منك بالنقد والنسيئة لا يجوز وفى التوكيل لا يوجد مثل هذا فالتوكيل صحيح بدون تعيين أحد الوصفين حتى لو قال بعته بالنقد أو بالنسيئة يجوز ثم فيل علي قول أبى حنيفة يجوز بيعه بثمن مؤجل طالت المدة أو قصرت وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله يجوز بأجل متعارف ولو أجله مدة غير متعارفة في مثل تلك السلعة لا يجوز بمنزلة البيع بالغبن الفاحش عندهما وعند أبى يوسف. قال (ان أمره بالبيع على وجه التجارة فله
[ 214 ] أن يبيعه بالنسيئة أما إذا أمره بالبيع لحاجته إلى النفقة أو إلى قضاء دينه فليس له أن يبيعه بالنسيئة ولو باعه بغبن جاز عند أبى حنيفة سواء كان الغبن يسيرا أو فاحشا وعندهما لا يجوز بيعه بغبن فاحش لان دليل العرف يفيد مطلق التوكيل حتى يتقيد التوكيل بشراء الاضحية بأيام النحر والتوكيل بشراء الفحم زمان الشتاء والحمد بزمان الصيف فانه إذا وكله ان يشترى له حمدا في الشتاء يكون مشتريا لنفسه وان كان التوكيل مطلقا فصح ما ذكرنا والبيع بغبن فاحش ليس بمتعارف فالظاهر انما يستعين بغيره فيما يعجز عن مباشرته بنفسه وهو لا يعجز عن بيع ما يساوى مائة درهم بعشرة دراهم وقاسا بالوكيل بالشراء فان شراءه بالغبن الفاحش لا ينفذ على الآمر كذلك الوكيل بالبيع لان كل واحد منهما أمر بما هو من صنيع التجار وكذلك الاب والوصى لا يملكان بيع مال اليتيم بغبن فاحش لهذا المعنى ولان المحاباة الفاحشة كالهبة حتى إذا حصلت من المريض تعتبر من الثلث والوكيل بالبيع لا يملك الهبة وأبو حنيفة يقول أمره بمطلق البيع وقد أتى به لان البيع مبادلة مال بمال شرطا وقد وجد ذلك فما من جزء من المبيع الا ويقابله جزء من الثمن ألا ترى أن المبيع لو كان دارا يجب لشفيع الشفعة في جميعه وبه يتبين أنه بيع وليس بهبة وبان اعتبر من الثلث في حق المريض هذا لا يدل على أنه ليس بيع مطلق وان الوكيل لا يملكه كالبيع بغبن يسير والدليل عليه أن من حلف لا يبيع فباع بغبن فاحش يحنث ولا يحنث الا بكمال الشرط فعرفنا أنه بيع مطلق فيصير الوكيل به ممتثلا للآمر فانا لو قيدنا بالبيع بمثل القيمة أبطلنا حكم الاطلاق من كلامه وذلك لا يجوز من غير دليل فأما العرف الذى قال قلنا هذا مشترك فالانسان قد يبيع الشئ تبريا منه ولا يبالى عند ذلك بقلة الثمن وكثرته وقد يبيعه لطلب الربح فعند ذلك لا يبيعه بالغين عادة وبالمشترك لا يبطل حكم الاطلاق ثم البيع بالغبن متعارف فالمقصود من البيع الربح وذلك لا يحصل الا وأن يصير أحدهما مغبونا والانسان يرغب في شراء ما يساوى عشرة بدرهم ولكن لا يجد ذلك فأما أن لا يكون متعارفا فلا ثم العرف لا يعارض النص والاطلاق ثابت بالنص فلا يبطل بالعرف كما في اليمين فان العرف كما يعتبر في الوكالة يعتبر في اليمين وما ذكر من مسألة الا ضحية وغيرها فهى مروية عن أبى يوسف فأما عند أبى حنيفة يعتبر الاطلاق في جميع ذلك ودليل التقييد التهمة في الموضع الذى يثبت التقييد فيه ولهذا قال أبو حنيفة الوكيل بالبيع لا يبيع من أبيه وابنه للتهمة ولا تهمة
[ 215 ] في بيعه من الاجنبيي بقليل القيمة لان ما يستوفى من الثمن يسلمه إلى الآمر قل أو كثر وبه فارق الوكيل بالشراء فهناك التهمة متمكنة فربما اشتراه لنفسه فلما علم بالغبن أراد أن يلزمه الآمر ولان الوكيل بالشراء كما يستوجب الثمن في ذمة نفسه يوجب لنفسه مثله في ذمة الآمر والانسان متهم في حق نفسه فلا يملك أن يلزم ذمة الآمر الثمن ما لم يدخل في ملكه بازائه ما يعدله ولهذا لو قال اشتريت وقبضت الثمن وهلك في يدى فهات الثمن فانه لا يقبل قوله بخلاف الوكيل بالبيع فانه لو قال بعت وقبضت الثمن وهلك عندي كان القول قوله ولان أمره بالشراء يلاقى ملك الغير وليس للانسان ولاية مطلقة في ملك الغير فلا يعتبر اطلاق أمره فيه بخلاف البيع فان أمره يلاقى ملك نفسه وله في ملك نفسه ولايه مطلقة ولان اعتبار العموم والاطلاق في الوكيل بالشراء غير ممكن لانه لو اعتبر ذلك اشترى ذلك المتاع بجميع ما يملكه الموكل وبما لا يملكه من المال ونحن نعلم انه لم يقصد ذلك فجملناه على أخص الخصوص وهو الشراء بالنقد بالغبن اليسير وفى جانب البيع اعتبار العموم والاطلاق ممكن لانه لا يتسلط به علي شئ من ماله سوي المبيع الذى رضى بزوال ملكه وهذا بخلاف الاب والوصي لان ولايتهما مقيدة بالانظر والاصلح ولا يوجد في البيع بالغبن الفاحش وعلى هذا الخلاف لو باعه الوكيل بعرض يجوز عند أبي حنيفة لاطلاق الآمر ولا يجوز عندهما لان البيع بعرض شراء من وجه فكل واحد منهما في بدل صاحبه مشترى وانما أمره بالبيع فلا يملك به ما هو متردد بين البيع والشراء وأبو حنيفة يقول فعله فيما يتناوله الآمر بيع من كل وجه لانه يزيله عن ملكه بعرض هو مال والبيع ليس الا هذا ثم جانب البيع يترجح علي جانب الشراء في البيع ألا ترى أن أحد المضاربين إذا اشترى بغير اذن صاحبه كان مشتريا لنفسه ولو باع بغير ان صاحبه شيئا من مال المضاربة يتوقف على اجازة صاحبه فان باعه بعرض يتوقف أيضا فان أجاز صاحبه كان تصرفه على المضاربة فعرفنا أن جانب البيع يترجح فيه وعلى هذا لو باعه الوكيل بمكيل أو موزون فعند أبى حنيفة يجوز على الآمر وعندهما لا يجوز الا أن يبعه بالنقد إذا عرفنا هذا فنقول إذا أسلم الثوب في طعام إلى أجل فقد أزال الثوب عن ملكه بالطعام وذلك جائز علي الآمر عند أبى حنيفة وعندهما لا يجوز لانه لم يبعه بالنقد والتوكيل الصرف إليه خاصة. قال (وإذا وكله بالسلم فادخل الوكيل في العقد شرطا أفسده لم يضمنه الوكيل لانه لم يخالف وانما يضمن الوكيل بالخلاف لا بالافساد)
[ 216 ] وهذا لانا لو ضمناه بافساد العقد تحرز الناس عن قبول الوكالات فكل أحد لا يكون كأبى حنيفة في العلم باحكام والاسباب المقيدة للعقد. قال (وأكره توكيل الذمي يعقد له السلم وان فعله يجوز لان الذمي لايتحرز عن الربا وعن مباشرة العقد الفاسد إما لجهله بذلك أو لاعتقاده أو قصده أن يوكل المسلم الحرام فلهذا يكره له أن يأتمنه على ذلك ويجوز له ان فعله) لان عقد السلم من المعاملات وهم في ذلك يستوون بالمسليمن. قال (وليس للوكيل بالسلم أن يوكل غيره به) لان هذا عقد يحتاج فيه إلى الرأى والتدبير والموكل رضي برأيه دون رأى غيره بخلاف المضارب يوكل بالسلم فيجوز لان رب المال قد رضي برأيه ومتوكيله حنى فوض إليه الاسترباح عاما وذلك بتجارة حاضرة وغائبة وإذا اشتغل باحدهما بنفسه فلا يجد بدا من أن يستعين فيه بالآخر بخلاف الوكيل الا أن يكون الآمر قال له ما صنعت فيه من شئ فهو جائز فيجوز حينئذ لانه أجاز صنيعه عاما والتوكيل من صنعه فيدخل في عموم اجازته ولا يجوز للمسلم عقد بيع ولا يسلم لنفسه على الخمر ولا للكافر لان الخمر ليس بمال متقوم في حق المسلم وهو العاقد عليها سواء عقده عل ذلك لنفسه أو لكافر بخلاف المسلم يتوكل عن المجوسى في أن يزوجه مجوسية فيجوز ذلك لان الوكيل في النكاح معبر لا يستغنى عن اضافة العقد إلى الموكل فيعتبر جانب الموكل وفى البيع والسلم هو عاقد لنفسه ليستغني عن الاضافة في العقد إلى غيره فيعتبر جابنه. قال (وان وكل المسلم الذمي بأن يشترى له خمرا أو يسلم له فيها ففعل ذلك مع ذمى جاز علي الآمر في قول أبى حنيفة وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هو مشترى لنفسه) لان المسلم لا يملك هذا العقد لنفسه بنفسه فلا يصح توكيل غيره به كما لو وكل المسلم مجوسيا بان يزوجه مجوسية وهذا لانه لو نفد عقده علي الآمر ملك المسلم الخمر بالعقد ولا يجوز أن يملك المسلم الخمر بعقد التجارة وهذا منهما نوع استحسان فكأنهما يقولان في البيع والشراء طرفان طرف العقد وطرف الملك فكما ان الكافر إذا وكل به المسلم لا يجوز لاعتبار طرف العقد فكذلك المسلم إذا وكل الكافر به لا يجوز لاعتبار طرف الملك بل أولى لان العقد سبب الملك والثابت به الملك في المحل وهو المقصود فإذا وجبت مراعاة جانب العقد فلان تجب مراعاة جانب الملك أولى وأبو حنيفة يقول الذى ولى الصفقة هو الوكيل والخمر مال متقوم في حقه يملك أن يشتريها لنفسه فيمك أن يشتريها لغيره وهذا لان الممتنع ههنا بسبب الاسلام هو العقد علي الخمر لا الملك فالمسلم من أهل أن يملك الخمر ألا ترى
[ 217 ] أنه ذا تخمر عصير المسلم يبقي مملوكا له وإذا مات قريبه عن خمر يملكها بالارث وهنا ان اعتبرنا جانب العقد فالعاقد من أهله وهو في حقوق العقد كالعاقد لنفسه وان اعتبرنا جانب الملك فللمسلم من أهل ملك الخمر فيصح التوكيل ألا ترى أن في جانب العقد افساد التوكيل إذا كان الوكيل مسلما يعتبر جانب العقد دون الملك فكذلك في جانب تصيح الوكالة وبه فارق النكاح فالوكيل في باب النكاح سفير ومعبر فكان العاقد هو الموكل وقوله بأن الموكل يملك الخمر بالعقد فليس كذلك بل العقد يوجب الملك للعاقد ثم الموكل يخلفه في ذلك على ما قررنا والمسلم من أهل ان يملك الخمر بهذا الطريق كما إذا أذن لعبده الكافر في التجارة فاشترى العبد خمرا فان المولى يملكها على سبيل الخلافة عنه وكذلك المكاتب إذا كان كافرا واشترى خمرا ثم عجز فمولاه المسلم يملكها بطريق الخلافة عنه وفرقهما أن العبد والمكاتب يتصرفان لانفسهما ولهذا لا يرجعان على المولى بعهدة تصرفهما فلهذا اعتبرنا حالهما فأما الوكيل فيتصرف للموكل حتى يرجع عليه بما يلحقه من العهدة ويكون الموكل في قرار العهدة عليه كانه باشر التصرف بنفسه فكذلك في عقد الوكيل له على الخمر فإذا تعذر تنفيذ العقد على الآمر نفذ العقد على الوكيل. قال (وإذا وكل الرجل الرجل بدراهم يسلمها له في طعام فصر فها الوكيل بدراهم غيرها فقد خالف في العقد فكان مباشرا العقد لنفسه ضامنا لما صرفه من دراهم الآمر بعد ذلك) وكذلك لو كان المدفوع دينارا فصرفه بدراهم ثم أسلمها في طعام فهو للوكيل لانه خالف في العقد والبدل ثم أسلم بدراهم نفسه في الطعام فكان الطعام له وهو ضامن للدنانير. قال (وإذا وكله رجلان أن يسلم لهما في طعام واحد ولكن من غير خلط جاز لانه حصل مقصود كل واحد منهما بكماله) فلا فرق بين أن يفعل ذلك في عقدة أو عقدتين وإذا خلط الدراهم ثم أسلمها في الطعام كان مخالفا ضامنا لان دراهم كل واحد منهما في يده أمانة فيصير بالخلط ضامنا متملكا كما هو أصل أبى حنيفة ثم أضاف عقد السلم الي دراهم نفسه فكان الطعام له بخلاف الاول فلم يوجد هناك خلط موجب للضمان وانما حصل الاختلاط في المسلم فيه حكما لاتحاد العقد حكما وبمثله لا يصير الامين ضامنا وان أسلم دراهم كل واحد منهما عن حدة إلى رجل واحد ثم اقتضى شيئا فادعى كل واحد منهما أي الامرين أنه من حقه فالقول قول المسلم إليه لانه هو الملك لما يوفي من الطعام فرجع في بيان ما يتملك إليه فان كان هو غائبا فالقول قول الوكيل لانه أحد المتعاقدين ولان
[ 218 ] كل واحد منهما انما يتملك بعقد باشره الوكيل فعند الاشتباه يرجع في البيان إليه فإذا قدم المسلم إليه وكذب الوكيل فالقول قول المسلم إليه لانه هو الاصل في هذا البيان وسقط اعتبار الخلف عند ظهور الاصل وان أسلم الوكيل إلى نفسه فهو باطل لان الواحد في عقد التجارة لا يصلح أن يكون مباشرا للعقد من الجانبين لما فيه من تضاد الاحكام فانه يكون مملكا متملكا مسلما متسلما مخاصما متخاصما وذلك لا يجوز ولانه متهم في حق نفسه وقد بينا أن التهمة تخصص الامر المطلق * وكذلك * لو أسلم الي شريك له مفاوض لانهما بعقد المفاوضة صار كشخص واحد في عقود التجارة فكل واحد منهما مطالب بما يجب علي صاحبه فهو وما أسلم إلى نفسه سواء * وكذلك * ان أسلم الي عبده لان كسب العبد لمولاه فهو متهم في ذلك * وكذلك * إلى مكاتبه لان له حق الملك في كسب المكاتب وينقلب ذلك صحيحا حقيقة ملك يعجزه فان أسلم إلى شريك له عنان جاز إذا لم يكن من تجارتهما لان كل واحد منهما من صاحبه كسائر الاجانب فيما ليس من تجارتهما حق تجوز شهادة كل واحد منهما لصاحبه فيما ليس من تجارتهما فان أسلمها إلى ابنه أو إلى أحد أبويه أو زوجته ممن لاتقبل شهادته له لم يجز عند أبى حنيفة وهو جائز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لاثه ليس لواحد منهما في مال صاحبه ملك ولا حق ملك فكان بمنزلة مالو أسلم إلى أخيه انه يجوز وهذا بخلاف الشهادة لان ذلك خير ممثل بين الصدق والكذب فلا يترجح جانب الصدق فيها مع تمكن تهمة الميل وأبو حنيفة يقول مطلق الوكالة تتقيد بالتهمة وكل واحد منهما متهم في حق صاحبه بدليل أنه لا تقبل شهادته له فكان اسلامه إليه كاسلامه إلى عبده ومكاتبه وهذا لان تصرف الوكيل انما يكون في حق الغير والظاهر من حال المرء إيثار ولده وزوجته علي الاجنبي وسوي هذا في المسألة كلام وخلاف في معاملة الوكيل مع هؤلاء بمثل القيمة أو بالغبن اليسير وقد أملينا تمام ذلك في كتاب الوكالة وإذا وكل الوكيل بالسلم رجلا بقبض المسلم فيه ممن عليه فقبضه يرئ المسلم إليه منه لان الوكيل في حق القبض كالعاقد لنفسه حتى يختص بالمطالبة به ولو كان عاقدا لنفسه كان قبض وكيله في براءة المسلم كقبضه بنفسه فان كان الوكيل الثاني عبدا للوكيل الاول أو ابنه في عياله أو أجير له فهو جائز على الآمر حتى لو هلك في يده هلك من مال الآمر والمراد الاجير الخاص الذى استأجره مشاهرة أو مسانهة لان يد هؤلاء في الحفظ كيده ألا ترى أنه لو قبض بنفسه ثم سلم الي
[ 219 ]
عدلواحد من هؤلاء ثم هلك لا يجب الضمان على واحد وان كان الوكيل الثاني أجنبيا فالوكيل الاول ضامن للطعام إن ضاع في يدو كيله لان قبض وكيله كقبضه بنفسه ولو قبضه بنفسه ثم دفعه إلى أجنبي كان ضامنا فكذلك هنا وان لم يذكر ان الوكيل الثاني هل يكون ضامنا في حق رب المسلم فعلى قول أبى حنيفة رضي الله عنه لا يكون ضامنا بمنزلة مودع المودع وقد بينا وهذا بخلاف الشهادة لان ذلك خير ممثل بين الصدق والكذب فلا يترجح جانب الصدق فيها مع تمكن تهمة الميل وأبو حنيفة يقول مطلق الوكالة تتقيد بالتهمة وكل واحد منهما متهم في حق صاحبه بدليل أنه لا تقبل شهادته له فكان اسلامه إليه كاسلامه إلى عبده ومكاتبه وهذا لان تصرف الوكيل انما يكون في حق الغير والظاهر من حال المرء إيثار ولده وزوجته علي الاجنبي وسوي هذا في المسألة كلام وخلاف في معاملة الوكيل مع هؤلاء بمثل القيمة أو بالغبن اليسير وقد أملينا تمام ذلك في كتاب الوكالة وإذا وكل الوكيل بالسلم رجلا بقبض المسلم فيه ممن عليه فقبضه يرئ المسلم إليه منه لان الوكيل في حق القبض كالعاقد لنفسه حتى يختص بالمطالبة به ولو كان عاقدا لنفسه كان قبض وكيله في براءة المسلم كقبضه بنفسه فان كان الوكيل الثاني عبدا للوكيل الاول أو ابنه في عياله أو أجير له فهو جائز على الآمر حتى لو هلك في يده هلك من مال الآمر والمراد الاجير الخاص الذى استأجره مشاهرة أو مسانهة لان يد هؤلاء في الحفظ كيده ألا ترى أنه لو قبض بنفسه ثم سلم الي واحد من هؤلاء ثم هلك لا يجب الضمان على واحد وان كان الوكيل الثاني أجنبيا فالوكيل الاول ضامن للطعام إن ضاع في يدو كيله لان قبض وكيله كقبضه بنفسه ولو قبضه بنفسه ثم دفعه إلى أجنبي كان ضامنا فكذلك هنا وان لم يذكر ان الوكيل الثاني هل يكون ضامنا في حق رب المسلم فعلى قول أبى حنيفة رضي الله عنه لا يكون ضامنا بمنزلة مودع المودع وقد بينا الخلاف فيه وفي الوديعة وان وصل إلى الوكيل الاول برئ هو ووكيله عن ضمانه كما لو قبض الوكيل الاول بنفسه اذلا فرق بين أن يصل إلى يده من يد المسلم إليه أو من يد وكيله فلهذا لا ضمان فيه على أحد فإذا أسلم الوكيل الدراهم إلى امرأة جاز * وكذلك * لو كان الموكل أو الوكيل امرأة يجوز لان هذا من باب المعاملات فيستوى فيه الرجال النساء والله تعالى أعلم (تم الجزء الثاني عشر من كتاب المبسوط ويليه الجزء الثالث عشر) (وأوله باب البيوع الفاسدة)