مبسوط السرخسي - الجزء الحادي عشر2

[ 122 ] إذا هلكت وهذا بناء على أصلنا فان للمودع أن يسافر بالوديعة عند اطلاق العقد. وعند الشافعي ليس له ذلك لان فيه تعريض المال للهلاك قال المسافر ومتاعه وماله على قلت الا ما وقى الله تعالى وليس للمودع تعريض الوديعة للتلف وهذا بخلاف الاب والوصى والمضارب فانهم يسافرون للتجارة وطلب الريح. ألا ترى أن هم أن يسافروا بالمال من طريق البحر وليس للمودع حق التصرف والاسترباح في الوديعة ولهذا لا يسافر من طريق البحر. يوضحه ان مقصود المودع أن يكون ماله في المصر محفوظا يتمكن منه متى شاء ويفوت عليه هذا المقصود إذا سافر المودع به. وحجتنا في ذلك أن الامر مطلق فلا يتقيد بمكان دون مكان كما لا يتقيد بزمان وهذا لان من يراعى أمره في شئ يراعى اطلاق أمره كأوامر الشرع والامكنة كلها في صفة الامر سواء إنما الخوف من الناس دون المكان فإذا كان الطريق أمنا كان الحفظ فيه كالحفظ في جوف المصر ومراد رسول الله بيان الحالة في ذلك الوقت فان المسلمين كانوا لا يأمنون خارج المدينة لغلبة الكفار ألا ترى أنه فيما أخبر من الامر بعده قال يوشك أن تخرج الظعينة من القادسية إلى مكة لا تخاف الا الله تعالى والذئب على غنمها ولا يجوز أن يتقيد مطلق أمره بالعرف والمقصود لان النص مقدم على ذلك والمقصود مشترك فقد يكون قصده أن يحمل المال إليه خصوصا إذا سافر إلى البلد الذى فيه صاحب المال ولان المودع لا يتعذر عليه الخروج وللسفر في حاجتة بسبب قبول الوديعة وإذا خرج فاما أن يدفع الوديعة إلى غيره فيكون تاركا للنص لانه أمره أن يحفظ بنفسه واما أن يحمل مع نفسه فيكون مخالفا لمقصوده ولا شك ان مراعاة النص أولى من مراعاة المقصود ولهذا قال أبو حنيفة ماله حمل ومؤنة ومالا حمل له ولا مؤنة في ذلك سواء بعدت المسافة أو قربت لمراعاة النص وهو القياس. واستحسن أبو يوسف رحمه الله فقال إذا كان حمل ومؤنة فليس له أن يسافر به لانه يلزم صاحبها مؤنة الرد ولا ولاية له عليه في الزام المؤنة اياه. واستحسن محمد رحمه الله فقال إذا قربت المسافة فله أن يسافر بها وإذا بعدت المسافة فليس له ذلك لانه يعظم الضرر والمؤنة على صاحبها عند بعد المسافة إذا أراد ردها * ولو أودعه وديعة فقال لا تدفعها إلى امرأتك أو عبدك أو ولدك أو أجيرك فانى اتهمهم عليها فدفعها إلى الذى نهاه عنه فهلكت فان كان يجد بدا من الدفع إليه بأن كان سواه أهل وخدم فهو ضامن وان كان لا يجد بدا من ذلك لم يضمن لان شرطه هذا مفيد وقد

[ 123 ] يأتمن الانسان الرجل على ماله ولا يأتمن زوجته الا أنه انما يلزمه مراعاة شرطه بحسب الامكان فإذا كان يجد بدا من الدفع إلى من نهاه عنه فهو متمكن من حفظها على الوجه المأمور به فيصير ضامنا بحفظها على الوجه المنهى عنه وإذا كان لا يجد بدا من ذلك فهو حافظ لها بحسب الامكان وليس عليه أكثر من ذلك فلا يضمنها * وإذا استعمل المودع الوديعة وأقر بذلك ثم قال رددتها إلى مكانها فهلكت لم يصدق الا ببينة لان السبب الموجب للضمان عليه وهو الاستعمال معلوم ثم ادعى ما يسقط الضمان عنه وهو ترك الخلاف قبل الهلاك فلا يصدق إلا بحجة فان أقام البينة أنه رده إلى موضعه صحيحا ثم هلك كان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم فلا يضمن شيئا عندنا * وان كانت الوديعة أمة فوطئها المودع فولدت فالولد مملوك لصاحب الاصل وعلي المودع الحد ولا يثبت نسب الولد منه لان فعله زنا محض وكونها وديعة عنده لا يمكن في شبهة المحل الا أن يدعى شبهة نكاح أو شراء فحينئذ يسقط الحد عنه ويغرم العقر للشبهة (وإذا) استودع رجلان رجلا وديعة من دراهم أو دنانير أو ثياب أو دواب أو عبيد ثم حضر أحدهما وطلب حقه منه لم يكن له ذلك حتى يجتمعا ولو خاصمه إلى القاضى لم يأمره بدفع نصيبه إليه في قوله أبى حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يأمره بأن يقسم ذلك ويدفع نصيبه إليه ولا تكون قسمته جائزة على الغائب. وعن محمد في الامالي قال قول أبى حنيفة أقيس وقول أبى يوسف رحمه الله أوسع. وجه قولهما ان كل واحد من المودعين مالك لنصيبه حقيقة فلا يتعذر عليه قبض نصيبه في غيبة الآخر كالشريكين في الدين إذا حضر أحدهما كان له أن يطالب المديون بنصبيه وهذا لانه يجب دفع الضرر عن الحاضر كما يجب دفع الضرر عن الغائب وانما يندفع الضرر عنهما فيما قلنا بأن يقسم فيدفع إلى الحاضر نصيبه ليندفع الضرر عنه ثم لا تنفذ قسمته على الغائب حتى إذا هلك الباقي في يده ثم حضر الغائب كان له أن يشارك الحاضر فيما قبض دفعا للضرر عنه هذا في المكيل والموزون واضح فان الحاضر له أن ينفرد بأخذ نصيبه منهما مع غيبة الآخر فكذلك للمودع أن يدفع نصيبه إليه وقد بينا نظيره في مال المفقود ومذهب أبى حنيفة مروي عن على رضى الله تعالى عنه والمعنى فيه انه لو دفع شيئا إلى الحاضر فاما أن يكون المدفوع من نصيبهما جميعا أو نصيب الحاضر خاصة ولا يمكن أن يجعل ذلك من نصيب الحاضر خاصة لان ذلك لا يكون الا بعد قسمة معتبرة وليس للمودع ولاية على الغائب في القسمة فلم يبق الا أن يكون المدفوع من النصيبين

[ 124 ] ودفع مال الغير إلى الغير يكون جناية فلا يكون للمودع أن يباشر ذلك ولا يأمره القاضى به والحاضر وان كان يتضرر بهذا فقد رضى بالتزام هذا الضرر حين ساعد شريكه على الايداع قبل القسمة وان كان يتمكن هو من أخذه فكذلك لا يدل على أنه يكون للمودع أن يدفع إليه. ألا ترى أن صاحب الدين إذا طالب المودع بقضاء دينه من الوديعة لم يؤمر المودع بذلك ولو ظفر به وهو من جنس حقه كان له أن يأخذه وهذا بخلاف الدين لان المديون انما يقضى بالدين من ملك نفسه فدفعه نصيب الآخر إليه تصرف في ملكه وليس فيه قسمة على الغائب فلهذا يؤمر بخلاف ما نحن فيه (رجل) أودع رجل دراهم فجاء رجل فقال أرسلني اليك صاحب الوديعة لتدفعها إلى فصدقه ودفعها إليه فهلكت عنده ثم حضر صاحبها وأنكر الرسالة فانه يضمنها له لانه دفع ماله إلى غيره وبتصادقهما لا يثبت الامر في حق المالك إذا أنكر فكان ضامنا ولا يرجع بها على الرسول إذا كانت الوديعة هلكت في يده أو زعم أنه أو صلها إلى صاحبها لانه قد صدقه فانه رسول أمين وان المالك ظالم في تضمينه إياه ومن ظلم فليس له أن يظلم غيره الا أن يكون المقبوض قائما بعينه في يده فيأخذه لانه قد تملكه بأداء بدله وان كان كذبه في دعوى الرسالة أولم يصدقه ولم يكذبه ودفع المال إليه ثم جاء المالك فضمنه فله أن يرجع على الرسول لانه لم يقر بأنه كان أمينا ولكن دفع المال إليه بناء على قوله انه رسول المالك وانه لا يلحقه غرم بسبب الدفع إليه فإذا لحقه غرم كان له أن يرجع عليه به ولو صدقه في دعوى الرسالة ودفعه إليه وضمنه يعنى ان الرسول قال له ان لحقك فيه غرم فأنا ضامن لك ثم حضر المالك وضمنه فله أن يرجع على الرسول لانه قد ضمن له ذلك وهذه كفالة مضافة إلى سبب وجوب المال فانهما يتصادقان أن المالك ظالم وأن ما يقبضه دين عليه للمودع والرسول ضمن له ذلك مضافا إلى سبب الوجوب فلهذا طالبه به (وإذا) كان عند رجل وديعة أو عارية أو بضاعة فغصبها منه رجل فهو خصمه فيها عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا خصومة بينهما حتى يحضر المالك ولان المال ملك صاحبه فانما يخاصم في الاسترداد هو أو وكيله والمودع ليس بوكيل عنه في الخصومة فلا يخاصم في الاسترداد كاجنبي آخر. ولكنا نقول للمودع يد معتبرة في الوديعة وقد أزالها الغاصب فكان له أن يخاصم عن نفسه لاعادة اليد التى أزالها بالغصب ولانه مأمور بالحفظ من جهة المودع ولا يتأتى له الحفظ الا باسترداد عينه من الغاصب أو استرداد

[ 125 ] قيمته بعد هلاك العين ليحفظ ماليته عليه فكان كالمأمور به دلالة وفى اثبات حق الخصومة له تحقيق معنى الحفظ لان الغاصب إذا علم أن المودع لا يخاصمه في حال غيبة المودع تجاسر على أخذه فلهذا كان المودع فيه خصما * وان كانت الوديعة عند رجلين من ثياب أو غيرها فاقتسماها وجعل كل واحد منهما نصفها في بيته فهلك أحد النصفين أو كلاهما فلا ضمان عليهما. وهكذا أمر الناس لانهما لا يستطيعان أن يجتمعا على حفظها في مكان واحد لما بينا أن المودع انما يلتزم الحفظ بحسب امكانه ومعلوم أنهما لا يقدران على أن يتركا جميع أشغالهما ويجتمعا في مكان واحد لحفظ الوديعة والمالك لما أودعهما مع علمه بذلك فقد صار راضيا بقسمتها وحفظ كل واحد منهما للنصف دلالة والثابت بالدلالة كالثابت بالنص. وان ابيا القسمة وأو دعاه عند رجل فهلك ضمناه لتركهما ما التزماه من الحفظ. والمستبضعان والوصيان والعدلان في الرهن قياس المودعين في ذلك. فان تركها احدهما عند صاحبه وان كان ذلك شيئا لا يحتمل القسمة فلا ضمان على واحد منهما إذا هلك لان المالك لما أودعهما مع علمه أنهما لا يجتمعان على حفظه آناء الليل والنهار فقد صار راضيا بحفظ كل واحد منهما لجميعه * ألا ترى انهما يتهايآن في الحفظ وفي مدة المهايأة يتركه كل واحد منهما عند صاحبه في نوبته * فان كان شيئا يحتمل القسمة فتركه احدهما عند صاحبه فلا ضمان على الذى هلك في يده لانه مقبل على حفظه وهو في نصيب صاحبه مودع المودع ومودع المودع عند أبى حنيفة لا يضمن فأما الدافع عند أبى حنيفة رحمه الله فانه ضامن للنصف لانه ترك الحفظ الذى التزمه مع الامكان فانهما يتمكنان من القسمة ليحفظ كل واحد منهما نصفه. وعندهما لا يضمن شيئا لانه لما ائتمنهما فقد صار راضيا بحفظ كل واحد منهما له كما لا يحتمل القسمة وقول أبى حنيفة أقيس لان رضاه بأمانة اثنين لا يكون رضا بأمانة واحد فإذا كان الحفظ منهما يتأتى عادة لا يصير راضيا بحفظ احدهما للكل وحده (وإذا) احترق بيت المودع وأخرج الوديعة مع متاعه وضعه في بيت جاره فهلك فهو ضامن في القياس لانه ترك الحفظ الذى التزمه بالتسليم إلى غيره وعذره يسقط المأثم عنه ولكن لا يبطل حق المالك في الضمان. وفي الاستحسان لا ضمان عليه لانه لا يجد بدا من هذا في مثل هذه الحالة ولان وضعه في بيت جاره في مثل هذه الحالة من الحفظ لانه يقصد به دفع الحرق عن الوديعة ألا ترى أنه انما يحفظ الوديعة علي الوجه الذى يحفظ مال نفسه وانما يحفظ مال نفسه في هذه

[ 126 ] الحالة بهذا الطريق. أرأيت لو كان في سفينة فغرفت فناول الوديعة انسانا علي الجلد يمسكها أكان صامنا (وإذا) كانت الوديعة إبلا أو بقرا أو غنما وصاحبها غائب فان أنفق عليها المستودع من ماله بغير أمر القاضي فهو متطوع لانه متبرع بالانفاق على ملك الغير بغير أمره وان دفعها إلى القاضى يسأله البينة لانه يدعى ثبوت ولاية الامر بالانفاق للقاضى فيه فلا يصدقه الا ببينة فان أقام البينة انها وديعة عنده لفلان أمره ان ينفق عليها من ماله على قدر ما يرى القاضى لانه مأمور بالنظر والحيوان لا يبقى بدون النفقة والمودع لا ينفق بغير أمره لانه لا يرضى بالتبرع به فيأمره بذلك نظرا منه للغائب ويكون ذلك دينا على رب الوديعة لان أمر القاضي في حال قيام ولايته كأمره بنفسه ولو أمره بأن ينفق كان ما ينفقه دينا له على المالك فكذا إذا أمره القاضي به فإذا جاء أجبره على رد نفقته عليه. وان رأى القاضى أن يأمره ببيعها فعل ذلك وإذا باعها جاز بيعه لان في الامر بالانفاق تلف بعض المالية على المالك وفي البيع يتوفر عليه حفظ جيمع المالية فلهذا نفذ بيعه بأمر القاضى * وان لم يكن رفعها إلى القاضى واجتمع عنده من ألبانها شئ كثير يخاف فساده أو كان ذلك ثمرة أرض فباع بغير أمر القاضى فهو ضامن لها ان كان في مصر يتمكن من استطلاع رأي القاضي وان باعها بأمر القاضي لم يضمن لان القاضي نائب الغائب فيما يرجع إلى النظر له. ولو تمكن من استطلاع رأى المالك فباعه بغير أمره لم ينفذ بيعه وكان ضامنا فكذلك إذا تمكن من استطلاع رأي القاضي فلم يفعل فأما إذا كان في موضع لا يتوصل إلى القاضي قبل ان يفسد ذلك الشئ لم يضمن استحسانا لان بيعه الآن من الحفظ وليس في وسعه الا ما أتى به (وحكى) ان أصحاب محمد رحمهم الله مات رفيق لهم في طريق الحج فباعوا متاعه وجهزوه به ثم رجعوا إلى محمد رحمه الله فسألوا عن ذلك فقال لو لم تفعلوا لم تكونوا فقهاء والله يعلم المفسد من المصلح * وان حمل عليها المستودع فنتجت ولم يكن صاحبها أمر بذلك فأولادها لصاحبها لان الولد خير متولد من الاصل يملك بملك الاصل وان هلكت الامهات بذلك فالمستودع ضامن لها لانه مخالف حين أتى بغير ما أمر به فيضمن ما هلك بسببه (ولو) أكرى الابل إلى مكة وأخذ الكراء كان الكراء له لانه وجب بعقده وليست الغلة كالولد ولا كالصوف واللبن فان ذاك يتولد من الاصل فيملك بملك الاصل وهذا غير متولد من الاصل بل هو واجب بالعقد فيكون للعاقد. وقد بينا نظيره

[ 127 ] في العضب (وان) ادعى المستودع أنه أنفق الوديعة على عيال المودع بأمر وصدقه عياله في ذلك وقال رب الوديعة لم آمرك بذلك فالقول قول رب الوديعة مع يمينه لان المودع باشر سبب الضمان في الوديعة وهو الانفاق وادعى ما يسقط الضمان عنه وهو اذن المالك فلا يصدق على ذلك الا ببينة وإذا لم تكن له بينة فالقول قول رب الوديعة مع يمينه لا نكاره وكذلك لو ادعى انه أمره بأن يتصدق بها على المساكين أو يهبها لفلان. فان كانت الوديعة جارية فزوجها المستودع من رجل وأخذ عقرها فولدت ونقصتها الولادة ثم جاء سيدها له أن يأخذها وولدها وله أن يفسد النكاح لان المودع باشره بغير رضاه فكان موقوفا علي اجازته وإذا فسد النكاح أخذ عقرها لان المستوفى بالوطئ في حكم جزء من العين والعقر كالارش فيكون بمنزلة المتولد من العين بخلاف الاجر * ويضمن المستودع نقصان الولادة ان كانت الولادة نقصتها ولم يكن في الولد وفاء بها وان كان في الولد وفاء بها انجبر النقصان بالولد لان المودع صار كالغاصب فيما صنع وقد بينا هذا الحكم في حق الغاصب وان كان نقصانها من غير الولادة من شئ أحدثه الزوج من جماعها فالمستودع ضامن لذلك لانه سلط الزوج على ذلك وصار غاصبا بما صنع وانما ينجبر بالولد نقضان الولادة لاتحاد سبب النقصان والزيادة وذلك لا يوجد في نقصان حدث بسبب آخر * وان كان المستودع استهلك الولد ضمن قيمة الولد لان الولد كان أمانة عنده كولد الغصب عند الغاصب فيضمن قيمته بالاستهلاك (ثم) رد قيمة الولد كرد عينه في انجبار نقصان الولادة به (رجل) استودع رجلين جارية فباع احدهما نصفها الذى في يده فوقع عليها المشترى فولدت له ثم جاء سيدها (قال) يأخذها وعقرها وقيمة الولد لان المستولد مغرور فان قيام الملك له في نصفها كقيام الملك له في جميعها في صحة الاستيلاد ولو كان الملك له في جميعها ظاهرا كان يتحقق الغرور فكذلك في نصفها وولد المغرور حر بالقيمة. ثم رد قيمة الولد كرد عين الولد في جبر نقصان الولادة به فان لم يكن في قيمة الولد وفاء بالنقصان أخذ تمام ذلك من المشترى لان المشترى كان غاصبا لها في حق مالكها فيكون ضامنا لما حدث من النقصان في يده ثم يرجع المشترى علي البائع بالثمن وبنصف قيمة الولد لان البائع انما ملكه نصفها ولو ملكه كلها رجع عليه بجميع قيمة الولد إذا ظهر الاستحقاق فالجزء معتبر بالكل وأما الرجوع بالثمن فلانفساخ البيع بسبب الاستحقاق وان شاء رب الجارية ضمن (9 مبسوط حادى عشر)

[ 128 ] البائع نصف النقصان لانه كان أمينا في نصفها وقد تعدى بالبيع والتسليم ألا ترى انها لو هلكت كان له أن يضمن البائع نصف قيمتها فكذلك إذا فات جزء منها بالولادة فان لم يعلم ان الجارية لهذا الذى حضر الا بقول المستودعين لم تقبل شهادتهما في ذلك لان البائع منهما مناقض في كلامه والآخر قد تملك عليه المستولد نصيبه أيضا بالضمان فلا تقبل شهادتهما على ابطال ملك ثابت للمستولد عليهما ولكن الجارية أم ولد للمشترى باعتبار الظاهر ويضمن لشريكه نصف قيمتها ونصف عقرها فيدفعه إلى شريكه فيها كما هو الحكم في جارية مشتركة بين شريكين يستولدها أحدهما (فان قيل) كيف يغرم للشريك هنا وهو يأبى ذلك ويزعم انها مملوكة لغيره (قلنا) نعم ولكنه صار مكذبا في زعمه شرعا حين كانت الجارية أم ولد للمشترى فلهذا سقط اعتبار زعمه (وإذا) جحد المستودع ما عنده من الوديعة ثم أودع من ماله عند المودع مثل ذلك وسعه امساكه قصاصا بما ذهب به من وديعته لان المال صار دينا له على المستودع بجحوده وصاحب الحق متى ظفر بجنس حقه من مال المديون يكون له أن يأخذه والاصل فيه قول رسول الله صلى الله لهند خذى من مال أبى سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف (وقيل) في تأويل قوله لصاحب الحق اليد وللسان ان المراد أخذ جنس حقه إذا ظفر به * وكذلك ان كان المال دينا عليه وأنكره ثم أودعه مثله. فأما إذا أودعه شيئا من غير جنس حقه لم يسعه امساكه عنه لان هذا بيع عند اختلاف الجنس فلا ينفرد هوبه والاول استيفاء وصاحب الحق ينفرد بالاستيفاء وحكى عن ابن أبى ليلي رحمه الله التسوية بينهما للمجانسة من حيث المالية ولكنه بعيد فالوديعة عين لا يكون له أن يحبسها باعتبار صفة المالية إذا لم يثبت له حق تملك العين ولا يدخل عليه المرهون لان هناك المرتهن يحبس المرهون بايجاب الراهن ملك اليد له في العين وان كان عند الهلاك يصير مستوفيا دينه باعتبار المالية. ثم عند المجانسة إذا طلب الثاني يمين المودع الاول كان له أن يحلف بالله لا يلزمنى تسليم شئ اليك. فان قال للقاضى حلفه بالله ما استودعته كذا فله ذلك الا أن يؤدى المدعى عليه فيقول قد يودع الرجل غيره شيئا ثم لا يلزمه تسليم شئ إليه فان أدى بهذه الصفة فقد طلب من القاضى أن ينظر له فيجيبه الي ذلك فأما إذا لم يذكر هذا فان القاضي يحلفه كما طلب الخصم بالله ما أودعه ما يدعى ثم لا ينبغى له ان يحلف على ذلك لانه يكون كاذبا في يمينه ولا رخصة في اليمين الكاذبة فطريق التخلص له أن

[ 129 ] يعرض للقاضى بما ذكرنا أو يحلف ما استودعتني شيئا الا كذا وكذا يستثنى ذلك بكلامه يخفيه من خصمه ومن القاضي ويسعه ذلك لانه مظلوم دافع الضرر عن نفسه غير قاصد إلى الاضرار بغيره إلا ان مجرد نيته لا تكفى لذلك لانه يحتاج إلى اخراجه من جملة ما يتناوله كلامه لولا الاستثناء وذلك يحصل بالنية لان الاستثناء بيان أن كلامه عبارة عما وراء المستثنى فلا يحصل ذلك الا بما يصلح ان يكون ناسخا أو معارضا ومجدر النية لا تصلح لذلك فلهذا شرط التكلم بالاستثناء. وجه ذلك ما لو قرب انسان اذنه من فمه سمع ذلك وفهمه * وأما إذا غاب رب الوديعة ولا يدرى أحى هو أو ميت فعليه ان يمسكها حتى يعلم بموته لانه التزم حفظها له فعليه الوفاء بما التزم كما كان رسول الله يقول في العهود وفاء لا غدر فيه بخلاف اللقطة فان مالكها غير معلوم عنده فبعد التعريف التصدق بها طريق لا يصالها إليه وهنا مالكها معلوم فطريق ايصالها الحفط إلى ان يحضر المالك أو يتبين موته فيطلب وارثه ويدفعها إليه * وان مات الرجل وعليه دين وعنده وديعة ومضاربة وبضاعة. فان عرفت بأعيانها فأربابها أحق بها من الغرماء لان حق الغرماء بعد موت المديون يتعلق بماله دون مال سائر الناس وكما كانوا أحق بها في حياة المديون فكذلك بعد موته. وان لم تعرف بأعيانها قسم المال بينهم بالحصص وأصحاب الوديعة والمضاربة والبضاعة بمنزلة الغرماء عندنا * وعلى قول ابن أبى ليلى الغرماء أحق بجميع التركة وأصل المسألة أن الامين إذا مات بجهلا للامانة فالامانة تصير دينا في تركته عندنا لانه بالتجهيل صار متملكا لها فان اليد المجهولة عند الموت تنقلب يد ملك ولهذا لو شهد الشهود بها كان ذلك بمنزلة الشهادة بالملك حتى يقضى القاضى للوارث والمودع بالتمليك فيصير ضامنا ولانه بالتجهيل يصير مسلطا غرماءه وورثته علي أخذها والمودع بمثل هذا التسليط يصير ضامنا كما لو دل سارقا على سرقتها ولانه التزم أداء الامانة ومن أداء الامانة بيانها عند موته وردها على المالك إذا طلب فكما يضمن بترك الرد بعد الطلب يضمن أياضا بترك البيان عند الموت. وابن أبى ليلي يقول هذا كله إذا علم قيامها عند الموت ولا يعرف ذلك ولكنا نقول قد علمنا بقاءها والتمسك بها هو المعلوم واجب ما لم يتبين خلافه * وربما يقول حق الغرماء كان في ذمته ويتحول بالموت إلى ماله وحق أصحاب الامانة لم يكن في ذمته في حياته فكيف يزاحمون الغرماء في ماله بعد موته. ولكنا نقول صار حقهم أيضا دينا قبل

[ 130 ] موته حين وقع اليأس عن بيانه. ثم حق أصحاب الامانة من وجه أقوى لعلمنا انه كان في عين المال الذى في يده ومن له حق العين فهو مقدم على سائر الغرماء كالمرتهن في الرهن فان كان لا يستحق صاحب الامانة الترجيح فلا أقل من ان يزاحم الغرماء (وإذا) رد المستودع الوديعة إلى المودع ثم أقام رجل البينة أنها له وحضروا عند القاضي فلا ضمان على المستودع لان فعله في القبض قد انتسخ بالرد إلى من أخذ منه فلا يبقى له حكم بعد ذلك وبيان الانتساخ من حيث الحس ظاهر ومن حيث الحكم فلانه مأمور بالرد شرعا على من أخذها منه قبل حضور المالك. ألا ترى أن الاول لو كان غاصبا معروفا فطالب المودع بالرد عليه قبل ان يحضر المالك ألزمه القاضى ذلك * وكذلك لو كانت سرقة أو غصبا فالمودع بالرد على من أخذه منه يكون ناسخا حكم فعله فيبقى للمالك قبله حق وهذا لان وجوب الضمان عليه باعتبار التفويت فان بأخذه فات على المالك التمكن من الاخذ من الاول وقد زال ذلك بالاعادة إلى يده * وكذلك ان كان المودع صبيا أو عبدا محجورا عليه. وكذلك ان كان رب الوديعة صبيا أو عبدا لان المسقط للضمان في حق المودع رده الي من أخذه منه وذلك متحقق منه (وان) كان المودع دفعها إلى انسان بأمر المودع أو باع أو وهب وسلم بأمره ثم ظهر الاستحقاق كان للمستحق ان يضمن المستودع لانه ما نسخ فعله بالرد إلى من أخذه منه انما سلمه إلى غيره وذلك سبب موجب للضمان عليه بدون أمر المودع وقد ظهر بالاستحقاق ان أمره لم يكن معتبرا فكان المستودع ضامنا بخلاف الاول فقد رد هناك إلى المودع الذى أخذه منه وذلك ناسخ لفعله (عبد) استودع رجلا وديعة ثم غاب لم يكن لمولاه ان يأخذ الوديعة تاجرا كان العبد أو محجورا لان المودع ما قبض منه شيئا. ولان تمكنه من أخذ هذا المال بشرطين (احدهما) قيام ملكه في رقبة الدافع في الحال (والثانى) فراغ ذمة الدافع عن دين العبد لان دين العبد في كسبه مقدم على حق المولى والمودع ليس بخصم في اثبات هذين الشرطين عليه ولانه انما يتمكن من أخذه إذا علم ان الوديعة كسب العبد وذلك غير معلوم فلعلها كانت وديعة في يده لغيره وانما أورد هذا لايضاح ما سبق أن المودع رد الوديعة إلى من أخذها منه وليس عليه طلب المالك ليردها عليه فان في هذا الموضع يلزمه ردها إلى العبد إذا حضر ولا يلزمه ردها على مالكها (وإذا) مات رب الوديعة فالوارث خصم في طلب الوديعة لانه خليفة

[ 131 ] المورث قائم مقامه بعد موته * فان كان على الميت دين وله وصى فينبغي للمستودع أن يدفع الوديعة إلى الوصي لانه قائم مقام الوصي بعد موته فأما الوارث فانما يخلف المورث بشرط فراغ التركة عن حق الغرماء لان حق الغرماء مقدم على حق الوارث فلهذا كان له أن يدفعها إلى الوصي لبييعها فيقضى الدين ثم يدفع ما بقى إلى الوارث (وان) كانت الوديعة عبدا أو دابة أو ثوبا واحدا عند رجلين فانهما يتهايآن على حفظة فيمسكه كل واحد منهما شهر الان اجتماعهما على الحفط آناء الليل والنهار لا يتصور ولانهما يحفظان ما لا يحتمل القسمة من ملكهما بهذه الصفة فكذلك من الوديعة لانهما يحفظان الوديعة على الوجه الذى يحفظان مالهما (وان) وضعه أحدهما عند صاحبه فهلك لم يضمنا شيئا اعتبارا بما لو هلك في يد احدهما في زمان المهايأة وقد بينا هذا (وإذا) قال رب الوديعة أودعتك عبدا وأمة وقال المستودع ما أو دعتني إلا الامة وقد هلكت فأقام رب الوديعة البينة على ما ادعى ضمن المستودع قيمة العبد لانه جحد الوديعة في العبد فصار ضامنا قيمته ولا ضمان عليه في الامة لانه مقر بالوديعة فيها وقد زعم انها هلكت فالقول قوله مع يمينه (رجلان) ادعى كل واحد منهما أمة في يد رجل أنه أو دعها اياه وقال المستودع ما أدرى لا يكما هي غير أنى أعلم أنها لاحد كما (قال) يحلف لكل واحد منهما لان كل واحد منهما يدعى عليه أنه أودعه الامة بعيها وهو منكر لذلك انما أقر بايداع أحدهما بغير عينه من والمنكر غير المعين فلهذا يحلف لكل واحد منهما وتمام بيان المسألة في كتاب الاقرار وانما أورد المسألة هنا لبيان خلاف ابن أبى ليلي في فصل وهو انه إذا أبى أن يحلف لهما فانه يدفع الامة اليهما ويغرم قيمتها بينهما نصفين. وعند ابن أبى ليلى يردها عليهما ولا شئ عليه سوى ذلك وهو بناء على ما بينا ان التجهيل غاير موجب للضمان على المودع وعندنا التجهيل موجب للضمان عليه وقد صار مجهلا في حق كل واحد منهما فيصير ضامنا ثم بنكوله صار مقرا لكل واحد منهما انه أخذ جميعها منه وانما رد على كل واحد منهما نصفها فيصير ضامنا لكل واحد منهما ما بقى من حقه وذلك بأن يغرم قيمته بينهما ألا ترى انه لو قال هذا استودعنيها ثم قال أخطأت بل هو هذا كان عليه أن يدفعها الي الاول لان اقراره له بها صحيح ورجوعه بعد ذلك باطل ويضمن للآخر قيمتها لا قراره انها للثاني وانه صار مستهلكا على الثاني باقراره بها للاول فيكون ضامنا له قيمتها وهذا إذا دفعها إلى الاول بغير قضاء

[ 132 ] القاضى وكذلك ان كان دفعها بقضاء القاضى في قول محمد. وفى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لا يكون ضامنا لان بمجرد اقراره لم يفت على الثاني شئ وانما الفوات بالدفع إلى الاول وقد كان بقضاء القاضى ولكن محمد رحمه الله يقول هو الذى سلط القاضى على القضاء بها للاول باقراره قد أقر أنه مودع فيها من الثاني والمودع إذا سلط الغير على اخذ الوديعة يصير ضامنا للمودع (رجل) استودع رجلا وديعة فأودعها المستودع غيره من غير عياله فهلكت فالاول ضامن لها لانه متعد بالتسليم إلى غير من أمر بحفظها منه ولا ضمان على مودع المودع في قول أبى حنيفة رحمه الله وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هو ضامن لها أيضا ولصاحب المال الخيار يضمن أيهما شاء. وعند ابن أبى ليلى لا ضمان على واحد منهما بناء على أصله ان للمودع أن يودع غيره وقد بينا هذا. فأما هما فيقولان الاول متعد في التسليم بغير اذن المالك والثانى متعد في القبض بغير اذن المالك فكان للمالك أن يضمن أيهما شاء كالغاصب مع غاصب الغاصب فان ضمن الاول لم يرجع على الثاني لانه بالضمان ملك فتبين أنه أودع ملك نفسه وقد هلكت في يد المودع وان ضمن الثاني رجع على الاول لانه مغرور من جهته فانه أودعه على انه ملكه وانه لا يلحقه الضمان فهلك في يده فإذا لحقه الضمان رجع عليه ولانه في القبض والحفظ كان عاملا له فيرجع عليه بما يضمن بسببه وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الاول يصير ضامنا بالتسليم إلى الثاني بدليل أنه لو سلمها إليه ليحفظها بحضرته فهلكت لم يضمن واحد منهما وانما يصير الاول ضامنا بترك الحفظ حين غاب بعد ما سلمها إلى الثاني فاما الثاني لم يترك الحفظ بل هو مقبل على الحفظ حين هلكت فلا يضمن شيئا. يوضحه ان اصل قبض الثاني لم يكن موجبا للضمان عليه حتى لو هلك قبل غيبة الاول لم يضمن ولم يوجد من جهته صنع بعد ذلك فيصير به ضامنا والضمان لا يجب بدون الصنع انما وجد الصنع من الاول وهو الذهاب وترك الحفظ ولما لم يصر الثاني ضامنا بالقبض كان هذا في حقه كثوب هبت به الريح وألقته في حجره فإذا هلكت من غير صنعه لم يضمن. يقرره أن الاول لما لم يضمن بمجرد التسليم وانما ضمن بتركها في يد الثاني بعد غيبته فقد صارت يده يدا معتبرة في ايجاب الضمان علي الاول ولا يمكن اعتبار تلك اليد بعينها في ايجاب الضمان على الثاني كاجير القصار إذا دق الثوب وتخرق لما وجب الضمان على الاستاذ بسبب فعل الاجير ولم يجب على الاجير شئ من

[ 133 ] الضمان لانه لو ضمن انما يضمن بذلك الفعل الواحد لا يكون موجبا للضمان على الشخصين فهذا مثله. بخلاف الغاصب مع غاصب الغاصب فان كل واحد منهما انما يصير ضامنا بفعله وهو غصبه وغصب أحدهما غير غصب الثاني ولهذا يعتبر في كل حق واحد منهما قيمته حين غصبه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. (كتاب العارية) (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله تعالى إملاء * العارية تمليك المنفعة بغير عوض سميت عارية لتعريها عن العوض فانها مع العرية اشتقت من شئ واحد والعرية العطية في الثمار بالتمليك من غير عوض والعارية في المنفعة كذلك ولهذا اختصت بما يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها أو ما يجوز تمليك منافعها بالعوض بعقد الاجارة. وقيل هي مشتقة من التعاور وهو التناوب فكأنه يجعل للغير نوبة في الانتفاع بملك على أن تعود النوبة إليه بالاسترداد متى شاء ولهذا كانت الاعارة في المكيل والموزون قرضا لانه لا ينتفع بها الا باستهلاك العين فلا تعود النوبة إليه في تلك العين لتكون عارية حقيقة وانما تعود النوبة إليه في مثلها وما يلمك الانسان الانتفاع به علي أن يكون مثله مضمونا عليه يكون قرضا (وكان) الكرخي رحمه الله يقول موجب هذا العقد اباحة الانتفاع بملك العين لا بملك المنفعة بدليل انه لا يشترط إعلام مقدار المنغعة فيه ببيان المدة والجهالة تمنع صحة التمليك أما لا تمنع صحة الاباحة وبدليل أن المستعير ليس له أن يؤاجر ومن تملك شيئا بغير عوض جاز له أن يملكه من غيره بعوض كالموهوب له. والصحيح أن موجب هذا العقد ملك المنفعة للمستعير لان المنفعة تحتمل التمليك بعوض فتحتمل التمليك بغير عوض أيضا كالعين والدليل عليه أن للمستعير أن يعير فيما لا يتفاوت الناس بالانتفاع به والمباح له لا يملك أن يبيح لغيره (والعارية) تنعقد بلفظ التمليك بأن يقول ملكتك منفعة دارى هذه شهرا أو جعلت لك سكنى دارى هذه شهرا إلا أنه لا يؤاجره لما فيه من الحاق الضرر بالمعير فانه ملكه علي وجه يتمكن من الاسترداد فهو نظير مالو استأجر دابة أو ثوبا ليس له أن يؤاجر من غيره وان ملك منفعة اللبس والركوب ولكن لما كان الناس يتفاوتون في ذلك ففى الاجارة من غيره

[ 134 ] اضرار بالآخر (فان قيل) كان ينبغى أن يملك المستعير الاجارة ولا ينقطع حق المعير في الاسترداد بل يصير قيام حق المعير في الاسترداد عذرا في نقض الاجارة (قلنا) لو ملك المستعير الاجارة كان ذلك من مقتضيات عقد المعير وكان صحة العقد بتسليطه فلا يتمكن من نقضه بعد ذلك * وانما لا يشترط إعلام المدة أو المكان في الاعارة لان اشتراط ذلك في المعاوضات لقطع المنازعة وذلك لا يوجد في العارية لانه لا يتمكن بينهما منازعة إذا أراد المعير الاسترداد. ولان المعاوضات يتعلق بها صفة اللزوم وذلك لا يتحقق في غير المعلوم فأما العارية لا يتعلق بها صفة اللزوم فلهذا لا يشترط إعلام المكان ولا إعلام المدة ولا اعلام ما يحمل على الدابة وعند اطلاق العقد للمستعير ان ينتفع بالدابة من حيث الحمل والركوب كما ينتفع بدابة نفسه في قليل المدة وكثيرها ما لم يطالبه المالك بالرد لانه لا يؤاجرها فان آجرها صار غاصبا وكان الاجر له يتصدق به وقد بيناه في كتاب الغصب. وان هلكت بعد ما آجرها كان ضامنا لها فإذا لم يؤاجرها ولكنها هلكت في يده لم يضمن في أقوال علمائنا رحمهم الله سواء هلكت من استعماله أولا وهو قول عمر وعلى وابن مسعود رضوان الله عليهم وقال الشافعي رحمه الله ان هلكت من الاستعمال المعتاد لم يضمن وان هلكت لامن الاستعمال ضمن قيمتها للمالك وهو قول ابن عباس وأبى هريرة رضي الله عنهما. واحتج في ذلك بقول رسول الله العارية مضمونة فقد جعل الضمان صفة للعارية فيقتضي ان يكون صفة لازمة لها كما ان الله تعالى لما جعل القبض صفة للرهن بقوله عز وجل فرهان مقبوضة اقتضى ان يكون ذلك صفة لازمة للرهن. واستعار رسول الله من صفوان دروعا في حرب هوازن فقال له أغصبا يا محمد قال لابل عارية مضمونة مؤداة. وكتب في عهد بنى نجران وما تعار رسلي فهلكت على أيديهم فضمانها على رسلي. وقال على اليد ما أخذت حتى ترد والاخذ انما يطلق في موضع يأخذ المرء لمنفعة نفسه وذلك موجود في العارية وهو المعنى الفقهى أنه لما قبض مال الغير لنفسه لا عن استحقاق تقدم فكان مضمونا عليه كالمغصوب والمقبوض على سوم الشراء والمستقرض. وهذا لانه لما لم يثبت بهذا العقد استحقاق تسليم العين عرفنا انه مقصور علي المنفعة لا يتعدى إلى العين فصار في حق العين كأنه قبضه بغير اذنه بخلاف الاجارة فقد تعدى العقد هناك إلى العين حتى تعلق به استحقاق تسليم العين. وبخلاف

[ 135 ] الوديعة فان المودع لا يقبض الوديعة لمنفعة نفسه انما يقبضها لمنفعة المالك ولهذا لم يكن عليه مؤنة الرد وهو المعتمد لهم فان قبض العارية يوجب ضمان الرد حال قيام العين فيوجب ضمان القيمة حال هلاك العين كالقبض بطريق الغصب. يقرره أن ضمان الرد انما يلزمه لانه يسقط بالرد ضمان العين عن نفسه ولما لزمه ضمان الرد فعليه أداء ما لزمه ولا يتحقق أداء ذلك الا برد العين عند قيامه ورد القيمة عند هلاك العين ليصير به مؤديا ما لزمه من ضمان الرد وهذا بخلاف ما لو تلف في الاستعمال لان فعله في الاستعمال منقول إلى المالك فانه يستعمل بتسليط المالك فيحصل به الرد معنى * ويجوز ان يكون العين مضمونا عليه ثم يبرأ عن ضمانه بفعل يباشره بتسليط المالك كما لو غصب من غيره شاة فقال له المغصوب منه ضح بها فان هلكت قبل ان يضحي بها ضمنها وان ضحى بها لم يضمن شيئا. ولا يقال قبضه بتسليط المالك أيضا لانه يقبض من يد المالك لنفسه فلا يمكن أن يجعل فعله في القبض كفعل المالك. والدليل عليه أنه لو ضمن للمستحق لم يرجع على المعير ولو كان يد المستعير في العين كيد المعير لرجع عليه بالمودع. وحجتنا في ذلك قول رسول الله ليس على المستعير غير المغل ضمان ولا على المستودع غير المغل ضمان والمغل هو الخائن فقد نفى الضمان عن المستعير عند عدم الخيانة والمعنى فيه أنه قبض العين للانتفاع به باذن صحيح فلا يكون مضمونا عليه كالمستأجر. وتأثيره أن وجوب الضمان يكون للجبران وذلك لا يتحقق الابعد تفويت شئ على المالك وبالاذن الصحيح ينعدم التفوت. ألا ترى ان القبض في كونه موجبا للضمان لا يكون فوق الاتلاف ثم الاتلاف بالاذن لا يكون موجبا للضمان فالقبض أولى ولا يجوز أن يجب الضمان هناك باعتبار العقد لان العقد عقد تبرع فلا يكون عقد ضمان كالهبة. والدليل عليه ان ما تناوله العقد وهو المنفعة لا يصير مضمونا بهذا العقد فما لم يتناوله العقد أولى. ولان العقد على المنفعة إذا كان بعوض وهو الاجارة لا يوجب ضمان العين وتأثير العوض في تقدير حكم ضمان العقد فإذا كان العقد على المنفعة مقرونا بالعوض لا يوجب الضمان فالمتعرى عن العوض كيف يوجب الضمان. والدليل عليه أنه لو تلف في الاستعمال لم يضمن ولا يجوز ان يجعل فعله كفعل المالك لانه استعمل لمنفعة نفسه ولكن انما لا يضمن لوجود الاذن من المالك في الاستعمال فكذلك للقبض * وان قال بحكم الاذن من المالك في الاستعمال جعل استعماله

[ 136 ] كاستعمال المالك فبحكم الاذن في القبض والاعطاء ينبغى أن يجعل قبضه كقبض المالك أيضا ووجوب ضمان الرد على المستعير ليس لما قال بل لان منفعة النقل حصلت له والرد فسخ لذلك النقل فكانت المؤنة على من حصلت له منفعة النقل ولهذا توجب مؤنة الرد على الموصى له بالخدمة أيضا فأما ضمان العين انما يجب علي من فوت شيئا على المالك. بقبضه كالغاصب ولم يوجد ذلك إذا كان القبض باذنه والمقبوض على سوم الشراء انما كان مضمونا ضمان العقد والاذن يقرر ضمان العقد ولان المالك هناك ما رضى بقبضه الا بجهة العقد ففيما وراء العقد كان المقبوض بغير اذنه. والمستقرض كذلك انما كان مضمونا بالعقد والاذن يقرر ضمان العقد وانما لا يرجع المستعير بضمان الاستحقاق لان الرجوع عند الاستحقاق بسبب الغرور أو بسبب العيب وذلك يختص بعقد المعاوضة فانه يقتضى السلامة عن العيب فأما عقد التبرع لا يقتضي ذلك ولهذا لا يرجع الموهوب له بضمان الغرور عندنا (وقوله) بأنه قبض العين لاعن استحقاق تقدم (قلنا) نعم ولكنه قبض العين بحق والموجب للضمان القبض بغير حق لما فيه من التفويت على المالك وكما أن القبض موجب للضمان فالاتلاف كذلك ثم الاتلاف انما يوجب الضمان إذا حصل بغير حق لااذا حصل بغير استحقاق تقدم فالقبض مثله * والمراد من قوله العارية مضمونة ضمان الرد ولانه جعل الضمان صفة للعين وحقيقة ذلك في ضمان الرد لانه يبقى ببقاء الرد وحديث صفوان فقد قيل انه أخذ تلك الدروع بغير رضاه وقد دل عليه قوله أغصبا يا محمد الا أنه إذا كان محتاجا إلى السلاح كان الاخذ له حلالا ثمة شرعا ولكن بشرط الضمان كمن اصابته مخمصة له أن يتناول مال الغير بشرط الضمان (وقيل) كانت الدروع أمانة لا هل مكة عند صفوان فاستعارها رسول الله لحاجته إليها فكان مستعيرا من المودع وهو ضامن عندنا (وقيل) المراد ضمان الرد (وقوله) مؤداة تفسير لذلك كما يقال فلان عالم فقيه يعلم باللفط الثاني أن المراد بالاول علم الفقه (وقيل) كان هذا من رسول الله اشتراط الضمان علي نفسه والمستعير وان كان لا يضمن ولكن يضمن بالشرط كالمودع على ما ذكره في المنتقى ولكن صفوان كان يومئذ حربيا ويجوز بين المسلم والحربي من الشرائط ما لا يجوز بين المسلمين (وقيل) انما قال ذلك تطبيبا لقلب صفوان على ماروى انه هلك بعض تلك الدروع فقال ان شئت غرمناها لك فقال لا فانى اليوم

[ 137 ] أرغب في الاسلام مما كنت يومئذ ولو كان الضمان واجبا لامره بالاستيفاء أو الابراء (وقوله ) وما يعار رسلي فهلك علي أيديهم أي استهلكوه لانه يقال هلك في يده إذا كان بغير صنعه وهلك على يده إذا استهلكه (وقوله ) على اليد ما أخذت حتى ترد يقتضى وجوب رد العين ولا كلام فيه انما الكلام في وجوب ضمان القيمة بعد هلاك العين * قال (وان استعار الدابة يوما الي الليل ولم يسم ما يحمل عليها لم يضمن إذا هلكت) لانه قبضها باذن صحيح ولكن ان أمسكها بعد مضي اليوم فهو ضامن لها لانه لما وقت فقد بين انه غير راض بقبضه اياها فيما وراء المدة فإذا أمسكها بعد مضى المدة كان ممسكا لها بغير رضا صاحبها فيضمنها كما في المودع إذا طولب بالرد فلم يرد حتى هلكت. وهذا بخلاف المستأجر فانه بعد مضى المدة إذا أمسكها لا يضمنها ما لم يطالبه صاحبها بالرد لان مؤنة الرد هناك ليست على المستأجر ولكنها على المالك فإذا لم يحضر المالك ليأخذها لم يوجد من المستأجر منع يصير به ضامنا. وهنا مؤنة الرد على المستعير فإذا أمسكها بعد مضى المدة فقد وجد منه الامتناع من الرد المتسحق عليه وذلك موجب ضمان المستعار عليه (وإذا لم يؤقت المالك ولكنه أعارها ليحمل عليها الحنطة فجعل ينقل عليها الحنطة أياما فلا ضمان عليه) لان الاذن من المالك مطلق فلا ينعدم حكمه الا بالنهي والمطالبة بالرد ولم يوجد * وان حمل عليها الآجر أو اللبن أو الحجارة فعطبت فهو ضامن لانه خالف ما أمره به نصا فصار غاصبا متسعملا بغير إذنه * وهذا المسألة على أربعة أوجه (أحدها) أن يحمل علها غير ما عينه المالك ولكنه مثل ماعينه في الضرر علي الدابة من جنسه بأن استعارها ليحمل عليها عشرة مخاتيم (3) من هذه الحنطة فحمل عليها عشرة مخاتيم من حنطة أخرى أو ليحمل عليها حنطة نفسه فحمل عليها حنصة غيره فلا ضمان عليه لان التقييد انما يعتبر إذا كان مفيدا وهذا التقييد والتعيين لا يفيد شيئا فان حنطته وحنطة غيره في الضرر عليها سواء (والثانى) أن يخالف في الجنس بأن استعارها ليحمل عليها عشرة أقفزة حنطة فحمل عليها عشرة أقفزة شعير. في القياس يكون ضامنا لانه مخالف فانه عند اختلاف الجنس لا تعتبر المنفعة والضرر. ألا ترى ان الوكيل بالبيع بألف درهم إذا باع بالف دينار لم ينفذ بيعه وفى الاستحسان لا يكون ضامنا لانه لا فائدة للمالك في تعيين الحنطة فان مقصوده دفع زيادة

(3) (مخاتيم) جمع مختوم وهذا الصاع كما في القاموس اه‍ مصححه

[ 138 ] الضرر عن دابته ومثل كيل الحنطة من الشعير يكون أخف على الدالة وقد بينا انه انما يعتبر من تقييده ما يكون مفيدا دون مالا يفيده شيئا حتى قيل لو سمى مقدارا من الحنطة وزنا فحمل مثل ذلك الوزن من الشعير يضمن لانه يأخذ من ظهر الدابة أكثر مما يأخذ من الحنطة فهو كما لو استعارها ليحمل عليها حنطة فحمل عليها حطبا أو تبنا فأما مثل ذلك كيلا من الشعير لا يأخذ من ظهرها أكثر مما يأخذ من الحنطة (والثالث) أن يخالف إلى ما هو أضر على الدابة بأن استعارها ليحمل عليها حنطة فحمل عليها حديدا أو آجرا مثل وزن الحنطة فهو ضامن لها لان هذا يجتمع في موضع واحد فيدق ظهر الدابة فكان أضر عليها من حمل الحنطة وتقييد المالك معتبر إذا كان مفيدا له. وكذلك لو حمل عليها مثل وزن الحنطة قطنا لانه يأخذ من ظهر الدابة فوق ما تأخذ الحنطة فكان أضر عليها من وجه كما لو حمل عليها حطبا أو تبنا (والرابع) أن يخالف في المقادر بأن استعارها ليحمل عليها عشرة مخاتيم حنطة فحل عليها خمسة عشر مختوما فهلكت فهو ضامن ثلث قيمتها لانه في مقدار عشرة مخاتيم موافق لانه حامل باذن المالك وفيما زاد على ذلك حامل بغير اذنه فيعتبر الجزء بالكل ويتوزع الضمان على ذلك وهذا إذا كان مثل تلك الدابة تطيق حمل خمسة عشر مختوما فان كان يعلم انها لا تطيق ذلك فهو ضامن لجميع قيمتها لانه متلف لها بهذا الحمل والمالك ما أذن له في اتلافها * وللشافعي ثلاثة أقاويل في هذه المسألة. قول مثل قولنا. وقول آخر انه يضمن جميع قيمتها لانه خالف إلى ما هو أضر علي الدابة فهو كما لو خالف في الجنس. وقول آخر أنه يضمن نصف قيمتها لانها تلفت من حملين أحدهما باذن صاحبه والآخر بغير اذنه فيضمن نصف قيمتها كما لو أمره أن يضرب عبده عشرة أسواط فضربه أحد عشر سوطا فمات من ذلك يضمن نصف قيمته. ولكن الفرق بينهما ظاهر لان ذاك ضمان قتل وفي باب القتل المعتبر عدد الجناة لا عدد الجنايات فقد نقوي الطبيعة على دفع ألم عشر جراحات في موضع ولا تقوى على دفع ألم جراحة واحدة في موضع فلهذا اعتبرنا عدد الجناة وجعلنا الضمان نصفين. وهنا تلف الدابة باعتبار ثقل المحمول وثقل عشرة مخاتيم فوق ثقل خمسة مخاتيم في الضرر على الدابة فلابد من أن يتوزع الضمان علي قدر ثقل المحمول وهذا بخلاف ما لو استعار ثورا ليطحن به عشرة مخاتيم حنطة فطحن أحد عشر مختوما فهلك فانه يضمن جميع قيمته لان الطحن يكون شيئا فشيئا فلما طحن عشرة مخاتيم انتهى اذن المالك فبعد ذلك هو في الطحن مخالف في جميع الدابة

[ 139 ] مستعمل لها بغير اذن مالكها فيضمن جميع قيمتها. فأما الحمل يكون جملة واحدة فهو في البعض مستعمل لها باذن المالك وفى البعض مخالف فيتوزع الضمان علي ذلك * وإذا جاوز المكان الذى سمى له وأخذ إلى مكان غير ذلك فعطبت فهو ضامن لها لانه استعملها بغير اذن صاحبها فالتقييد من صاحبها هنا مفيد لان الضرر على الدابة يختلف بقرب الطريق وبعده والسهولة والوعورة * وان استعارها ليحمل كذا وكذا ثوبا هرويا فحمل عليها مثل ذلك مرويا أو فوهيا أو نرمقا لم يضمن لان التقييد بالهروي غير مفيد فان سائر أجناس الثياب كالهروي في الضرر على الدابة * وكذلك في الوزنيات من الادهان وغيرها كل تقييد يكون مفيدا فهو معتبر وإذا خالف ذلك كان ضامنا ومالا يكون مفيدا لا يعتبر (وان) استعارها ليركبها هو فركبها هو وحمل معه عليها رجلا ضمن نصف قيمتها لانه في نصفها موافق وفى النصف مخالف والجزء معتبر بالكل (فان قيل) أليس أنه لو لم يركبها وحمل عليها غيره فهلكت ضمن جميع قيمتها فإذا ركبها معه أولى لان الضرر على الدابة أكثر (قلنا) أذا حمل عليها غيره فهو مخالف في الكل وإذا ركبها فهو موافق فيما شغله بنفسه مخالف فيما شغله بغيره. ألا ترى أنه لو كان استأجرها لركوبه لم يجب الاجر إذا حمل عليها غيره ووجب الاجر إذا ركبها وحمل مع نفسه غيره وهذا إذا كانت الدابة بحيث تطيق حمل رجلين فان كان يعلم أنها لا تطيق ذلك فهو متلف لها ضامن لجميع قيمتها ثم لم يعتبر هنا الثقل والخفة بأن يكون الذى حمله مع نفسه أخف منه أو أثقل منه. بخلاف مسألة الحنطة وهذا لانه استقبح وزن الرجال في مثل هذا (فقال) أرأيت لو كان يوزن كل واحد منهما أيوزن قبل الطعام أو بعده قبل الخلاء أو بعده لان الضرر في حق الراكبين على الدابة لا يكون باعتبار الثقل والخفة فرب ثقيل يروض الدابة إذا ركبها لهدايته في ذلك ورب خفيف يعقرها لخرقه في ذلك فلهذا اعتبرنا المناصفة * فان قضى حاجته من الدابة ثم ردها مع عبده أو بعض من هو في عياله فلا ضمان عليه ان عطبت لان يد من في عياله في الرد كيده كما أن يد من في عياله في الحفظ كيده والعرف الظاهر ان المستعير يرد المستعار بيد من في عياله ولهذا يعولهم فكان مأذونا فيه من جهة صاحبها دلالة * وكذلك ان ردها إلى عبد صاحب الدابة وهو الذى يقوم عليها فهو برئ استحسانا. والقياس ان لا يبرأ ما لم تصل إلى صاحبها كالمودع إذا رد الوديعة لا يبرأ عن الضمان ما لم تصل إلى يد

[ 140 ] صاحبها ووجه الاستحسان ان صاحبها انما يحفظ بيد هذا السائس ولو دفعها إليه لكان يدفعها إلى السائس أيضا فكذلك إذا ردها علي السائس والعرف الظاهر أن صاحب الدابة يأمر السائس بدفعها إلى المستعير وباستردادها منه إذا فرغت فيصير مأذونا في دفعها إليه دلالة ولم يوجد مثل هذا العرف في الوديعة فان صاحبها هو الذى يتولى استردادها عادة وانما أودعها لانه لم يرض بكونها في يد عياله حتى قالوا في المستعار لو كان عقد لؤلؤ فرده المستعير على عبد هو سائس دواب المعير لا يبرأ لانه في مثل هذا لا يرضى باسترداد مثله عادة * وان استعار ثوبا ليلبسه هو فأعطاه غيره فلبس فهو ضامن لان الناس يتفاتون في لبس الثوب ولبس القصاب والدباغ لا يكون كلبس البزاز والعطار فكان هذا تقييدا مفيدا في حق صاحب الثوب فإذا ألبسه المستعير غيره صار مخالفا. وكذلك الدابة إذا استعارها ليركبها هو لان الناس يتفاوتون في الركوب فرب راكب يروض الدابة وآخر يقتلها. فأما إذا استعاره ولم يسم من يلبسه فأعاره غيره لم يضمن لان صاحب الثوب رضى باستيفاء منفعة اللبس من ثوبه مطلقا فسواء لبسه المستعير أو غيره لم يكن مخالفا لما نص عليه المستعير وكذلك ان كان المستعار مما لا تفاوت الناس في الانتفاع به كسكنى الدار وخدمة العبد لان تقييده هنا بنفسه غير مفيد فيكون وجوده كعدمه وهو بناء على أصلنا أن للمستعير أن يعير وعند الشافعي رحمه الله تعالى ليس للمستعير ان يعير لانه منتفع بملك الغير باذنه فلا يكون له أن يأذن لغيره في ذلك كالمباح له الطعام لا يبيح لغيره وهذا لانه يسوى غيره بنفسه فيما هو من حق الغير وانما له هذه الولاية في حق نفسه لا في حق الغير * ألا ترى أن الوكيل بالتصرف لا يوكل غيره به. وحجتنا في ذلك ان المستعير مالك للانتفاع بهذا العين فيملك أن يعيره من غيره كالمستأجر والموصى له بالخدمة وهذا لما بينا ان المستعير يملك المنفعة بالعارية واليه أشار بعد هذا فقال (من أعارك شيئا فقد جعل لك منفعة ذلك) والدليل عليه انه لو قال ملكتك منفعة هذه العين كانت عارية صحيحة فإذا ثبت انه مالك للمنفعة فهو بالتمليك من الغير يتصرف في ملك نفسه ويستوى غيره بنفسه في حق نفسه وذلك صحيح بخلاف المباح له الطعام فانه لا يملك الطعام وانما يتناوله على ملك المبيح الا ان العين بقى على ملك صاحبه ففيما يتفاوت الناس في الانتفاع به لا يعيره من غيره وان كان تصرفه في ملك نفسه لدفع الضرر وذلك صحيح كما أن أحد الشريكين في العبد إذا كاتبه كان للآخر

[ 141 ] ان يفسخ لدفع الضرر عن نفسه. والمشترى إذا تصرف في الشقص المشفوع فهو متصرف في ملكه ثم ينقض تصرفه لدفع الضرر علي الشفيع قال * (رجل استعار من رجل أرضا على ان يبنى فيها أو على أن يغرس فيها نخلا فأذن له صاحبها في ذلك ثم بداله ان يخرجه فله ذلك عندنا) وقال مالك رحمه الله تعالى ليس له ذلك لانه غير متعد في البناء والغرس فلا يهدم عليه ذلك وصاحب الارض وان كان يتضرر بذلك فقد رضي بالتزام هذا الضرر. فأما صاحب البناء لم يرض بهدم بنائه وغرسه فلا يكون لصاحب الارض أن يأخذها ما لم يفرغ ولكنا نقول الارض بقيت على ملك صاحبها والعارية لا يتعلق بها اللزوم فلا يمتنع بسببه عليه اثبات اليد على ملكه والانتفاع به متى شاء وصاحب البناء والغرس لما بنى على بقعة هي مملوكة لغيره من غير حق لازم له فقد صار راضيا بان يهدم عليه بناؤه وغرسه لانه ملكه وقد شغل أرض الغير به فيؤمر بتفريغه ولا ضمان له على صاحب الارض عندنا (وقال) ابن أبى ليلى البناء للمعير ويضمن قيمتها مبنية لصاحبها لان دفع الضرر من الجانبين واجب وانما يندفع الضرر بهذا. وشبه هذا بثوب إنسان إذا انصبغ بصبغ غيره فأراد صاحب الثوب أن يأخذه فانه يضمن للصباغ قيمة صبغه ولكنا نقول صاحب الارض غير راض بالتزام قيمة البناء ففى الزام ذلك عليه من غير رضاه اضرار به ولا يجوز المصير إليه بدون تحقق الضرورة ولا ضرورة هنا لان رفع البناء وتمييز ملك احدهما من ملك الآخر ممكن بخلاف مسألة الصبغ فان تمييز ملك احدهما من ملك الآخر هناك غير ممكن ثم هناك لا يلزمه قيمة الصبغ بدون رضاه أيضا حتى يكون له أن يأبى التزام القيمة ليصار إلى بيع الثوب فكذلك هنا ينبغى أن لا يلزم قيمة البناء بغير رضاه * فان كان وقت له وقتا عشرين سنة أو نحو ذلك ثم أخرجه قبل الوقت فهو ضامن للمستعير قيمة بنائه وغرسه عندنا. وعلى قول زفر رحمه الله لا يضمن ذلك لان التوقيت في العارية غير ملزم اياه شيئا كاصل العقد فكما لا يكون له أن يضمنه قيمة البناء والغرس باعتبار مطلق الاعارة فكذلك بالتوقيت منها وبيان التوقيت غير ملزم اياه أنه يتمكن من اخراحه قبل مضي ذلك الوقت وحجتنا في ذلك ان المعير بالتوقيت يصير غارا للمستعير لانه نص على ترك الارض في يده واقرار بنائه فيها في المدة التى سمى فإذا لم يف بذلك صار غارا له وللمغرور أن يدفع الضرر عن نفسه بالرجوع على الغار بخلاف ما إذا أطلق فهلك المعير لم يصر غارا له ولكن المستعير

[ 142 ] مغتر بنفسه حتى ظن انه بمطلق العقد يتركها في يده مدة طويله. ولكن قد بينا فيما سبق أن الغرور بمباشره عقد الضمان يكون سببا للرجوع وذلك لا يوجد هنا فان المعير لم يباشر عقد ضمان. وان وقت فالوجه أن يقول كلام العاقل محمول على الفائدة ما أمكن ولا حاجة إلى التوقيت في تصحيح العارية فلابد من أن يكون لذكر الوقت فائدة أخرى وليس ذلك الا التزام قيمة البناء والغرس إذا أراد اخراجه قبله وصار تقدير كلامه كانه قال ابن لى في هذه الارض لنفسك على أن أتركها في يدك إلى كذا من المدة فان لم أتركها فأنا ضامن لك ما تنفق في بنائك ويكون بناؤك لي فإذا بداله في الاخراج ضمن قيمة بنائه وغرسه ويكون كأنه بنى له بأمره الا أن يشاء المستعير أن يرفعها ولا يضمنه قيمتها فيكون له ذلك لان البناء والغرس ملكه وانما أوجبنا الضمان على المعير لدفع الضرر عن المستعير فإذا رضي بالتزام هذا الضرر كان هو أحق بملكه يرفعه بتفريغ ملك الغير (وقيل) هذا إذا لم يكن في قلع الاشجار ضرر عظيم بالارض فأما إذا كان فيه ضرر عظيم فليس للمستعير أن يرفعها بغير رضا المعير لما فيه من الاضرار به ولكن للمعير أن يتملكها عليه بالقيمة * وان كان اعاره الارض ليزرعها ووقت لذلك وقتا أولم يوقت وقتا فلما تقارب حصاده أراد أن يخرجه ففى القياس له ذلك كما في البناء والغرس وهذا لان الزارع زرع الارض من غير حق لازم له فيها فلصاحبها أن يأخذها متى شاء كالغاصب للارض إذا زرعها. ولكن في الاستحسان لا يأخذها صاحبها إلى أن يحصد المستعير زرعها لانه ما كان متعديا في الزارعة بجهة العارية ولا دراك الزرع نهاية معلومة فلو تمكن المعير من قلع زرعه كان فيه اضرار بالمستعير في ابطال ملكه ولو تركت في يد المستعير كان فيه اضرار بالمعير من حيث تأخير حقه وضرر الابطال فوق ضرر التأخير فإذا لم يكن بد من الاضرار باحدهما ترجح أهون الضررين. بخلاف البناء والغرس فانه ليس له نهاية معلومة فيكون الضرر من الجانبين ضرر ابطال الحق فترجح جانب صاحب الاصل على جانب صاحب التبع وبخلاف الغصب لان الغاصب متعد في الزراعة في الابتداء فلا يستحق بفعل التعدي ابقاء زرعه ولم يبين في الكتاب ان الارض تترك في يد المستعير إلى وقت ادراك الزرع بأجر أو بغير أجر * قالوا وينبغى أن يترك بأجر المثل كما لو انتهت مدة الاجارة والزرع نقل بعده وهذا لان ابطال حق صاحب الارض عن منفعة ملكه مجانا لا يجوز بغير رضاه وانما يعتدل النظر من الجانبين إذا

[ 143 ] ترك الزرع إلى وقت الادراك باجر المثل (فان) رد المستعير الدابة مع غلامه فعقرها الغلام فهو ضامن لقيمتها يباع في ذلك أو يؤدى عنه مولاه لانه استهلكها والعبد المحجور عليه يؤاخذ بضمان الاستهلاك في الحال (وإذا اختلف رب الدابة والمستعير فميا أعارها له وقد عقرها الركوب أو الحمولة فالقول قول رب الدابة عندنا) وعند ابن أبى ليلى رحمه الله القول قول المستعير لان رب الدابة يدعى عليه سبب الضمان وهو الخلاف وهو منكر لذلك فالقول قوله ولكنا نقول الاذن يستفاد من جهة صاحب الدابة ولو أنكر اصل الاذن كان القول قوله فكذلك إذا أنكر الاذن على الوجه الذى انتفع به المستعير وهذا لان سبب وجوب الضمان قد ظهر وهو استعمال دابة الغير والمستعمل يدعى ما يسقط الضمان عنه وهو الاذن وصاحبها منكر لذلك فإذا حلف فقد انتفى المسقط ويبقى هو ضامنا بالسبب الظاهر * وان اعاره الارض على ان يبنى فيها أو يسكن ما بداله فإذا خرج فالبناء لصاحب الارض فهذا الشرط فاسد لان البناء ملك البانى شرط رب الارض ذلك عليه لنفسه بازاء منفعة الارض فيكون هذا اجارة لا اعارة وهى اجارة فاسدة لجهالة المعقود عليه حين لم يذكر مدة معلومة وبجهالة الاجر حين لم يكن مقدار ما يبنى معلوما لهما وقت العقد وعلي الساكن أجر مثل الارض فيما سكن لانه استوفى منفعتها بحكم عقد فاسد (وينقض الساكن بناءه إذا طالبه صاحبها برد الارض) لان البناء ملكه (فان قيل) لماذا لا يتملك البناء صاحب الارض بحكم الاجارة الفاسدة لانه صار قابضا له باتصاله بالارض (قلنا) كان الشرط بينهما ان يبنى الساكن لفنسه ثم البناء كان معدوما عند العقد والعقد على المعدوم لا ينعقد أصلا وانما يملك بالقبض ما يتناوله العقد الفاسد وإذا مات المعير والمستعير انقطعت العارية. أما إذا مات المعير فلان العين انتقلت الي وارثه والمنفعة بعد هذا تحدث علي ملكه وانما جعل المعير للمستعير ملك نفسه لا ملك غيره. وأما إذا مات المستعير فلان المنفعة لا تورث لان الوارثة خلافة وذلك فيما كان للميت فيخلفه فيه وارثه وإذا كانت المنافع لا تبقى وقتين لا يتصور فيها هذه الخلافة ولان الدلالة قامت لنا على ان العقد على المنفعة بعوض يبطل بموت أحد المتعاقدين وهو الاجارة فما كان منها بغير عوض أولى * وكذلك ان كان قال له هذه الدار لك سكنى لان معناه سكناه لك فان قوله لك يحتمل تمليك العين ويحتمل تمليك المنفعة وقوله سكنى يكون تفسيرا لذلك المحتمل وكذلك إذا قال عمرى سكنى كان قوله سكنى تفسيرا لقوله عمرى فانما تثبت العارية (10 مبسوط حادى عشر)

[ 144 ] بهذا اللفظ تنقطع بموته (وإذا جاء رجل إلى المستعير وقال انى استعرت من فلان هذا الذى عندك وأمرني ان أقبضه منك فصدقه ودفعه إليه فهلكت عنده ثم أنكر المعير أن يكون أمره بذلك فالمستعير ضامن له) لانه يدعى على المعير الامر بالدفع إليه وهو منكر فالقول قوله مع يمينه وإذا حلف يتبين ان المستعير دفعه إلى غير المالك بغير اذنه وذلك موجب للضمان عليه (فان قيل) لما ذا لم تجعل هذه اعارة من المستعير حيت لا يكون موجبا للضمان عليه (قلنا) المستعير إذا أعاره من غيره فانه يقيمه مقام نفسه في الانتفاع وامساك العين فيكون يد الثاني كيد الاول ولهذا كان له أن يسترده متى شاء وهنا تسليمه الي الثاني لم يكن بهذا الطريق بل بطريق أنه أحق بالعين منه ولهذا لا يملك الاسترداد منه فلا يمكن أن يجعل كالمعير منه ثم إذا ضمن المستعير لا يرجع به على الذى قبضه منه لانه صدقه فيما ادعى ففى زعمه أنه مستعير من المالك وانه لا ضمان على واحد منهما الا أن المالك ظلمه حين ضمنه ومن ظلم فليس له أن يظلم غير ظالمه * وان كان الذى جاء فقبض العارية منه خادم المعير وانكر مولاه أن يكون أمره بذلك فلا ضمان على المستعير لما بينا ان الرد على خادم المعير كالرد علي المعير فلا يكون سببا لوجوب الضمان على المستعير * وإذا رد المستعير الدابة فلم يجد صاحبها ولا خادمه فربطها في دار صاحبها على معلفها فضاعت فهو ضامن لها في القياس لانه ضيعها حين أخرجها من يده ولم يسلمها الي أحد يحفظها. ألا ترى أن الغاصب لو فعل ذلك كان مضيعا ضامنا فكذلك المستعير وفي الاستحسان لا ضمان عليه لانه ربطها في موضعها المعروف ولو ردها علي صاحبها لكان يربطها في هذا الموضع فكذلك إذا ربطها بنفسه وهذا للعادة الظاهرة ان المستعير يأخذ الدابة من مربطها ويردها إلى مربطها فيثبت الاذن له من جهة صاحبها في ذلك بهذا الطريق دلالة. وهذا بخلاف الغاصب لانه ضامن محتاج إلى اسقاط الضمان عن نفسه بنسخ فعله وذلك لا يتم بردها إلى مربطها بعد ما أخذها من صاحبها فأما المستعير فهو أمين فانما الحاجة إلى دفع سبب الضمان عنه وهو التضييع وقد اندفع باعتبار العادة لان المربط في يد صاحب الدابة فاعادتها إلى المربط بمنزلة الاعادة إلى يد صاحبها حكما (ولو جحد المستعير العارية ثم زعم انها هلكت فهو ضامن لها) لان العين كانت أمانة في يده فيصير ضامنا بالجحود كالمودع وان لم يجحد ولكن قال قد رددته أو ضاع منى فهو مصدق مع يمينه في كل ما يصدق فيه المودع لانه أمين ينكر وجوب الضمان عليه (وعارية الدراهم

[ 145 ] والدنانير والفلوس قرض) لان الاعارة اذن في الانتفاع ولا يتأتى الانتفاع بالنقود الا باستهلاك عينها فيصير مأذونا في ذلك * وفيه طريقان اما الهبة أو القرض فيثبت الاقل لكونه متيقنا به ولان المستعير يلتزم رد العين بعد الانتفاع ويتعذر هنا رد العين فيقام رد المثل مقام رد العين والقبض الذى يمكنه من استهلاك المقبوض ويوجب عليه ضمان المثل القبض بجهة القرض * وكذلك كل ما يكال أو يوزن أو يعد مثل الجوز والبيض. قال في الاصل ارأيت لو استعار دراهم يشترى بها طعاما أو جارية أما كان له أن يأكل الطعام أو يطأ الجارية له ذلك والمال قرض عليه * وان استعار آنية يتجمل بها في منزله أو سكينا محلى أو سيفا أو منطقة مفضضة أو خاتما لم يكن شئ من هذا قرضا لان الانتفاع بهذه الاعيان مع بقائها ممكن ولهذا تجوز اجارتها (قالوا) ولو ان صيرفيا استعار دراهم أو دنانير ليتجمل بها في حانوته أو ليعبر بها صنجاته فانه لا يكون قرضا لا نهما لما صرحا به علمنا أو مقصودهما الانتفاع مع بقاء العين دون الاذن في استهلاك العين * وإذا استعار دابة ليركبها إلى مكان معلوم فأخذ بها في طريق آخر الي ذلك المكان فعطبت لم يضمن لانه مأذون في الوصول عليها الي ذلك المكان ولم يقيد له طريق فلا يكون مخالفا في أي طريق ذهب بعد أن يكون طريقا يسلكه الناس الي ذلك المكان فان كان طريقا لا يسلكه الناس الي ذلك المكان فهو ضامن لان مطلق الاذن ينصرف إلى المتعارف * وان استعارها إلى حمام أعبر فجاوز بها حمام أعبر ثم جاء بها إلى حمام أعين أو إلى الكوفة فعطبت الدابة فهو ضامن لها حتى يردها إلى صاحبها (قيل) هذا إذا استعارها ذاهبا لا راجعا فأما إذا استعارها ذاهبا وجائيا فلا ضمان عليه وهكذا ذكر في النوادر لانه في الاول لما وصل إلى حمام أعين انتهى العقد فإذا جاوز كان غاصبا فلا يبرأ الا بالرد علي المالك وفى الثاني انما يضمن بالخلاف وهو استعمالها وردء المكان المشروط فإذا رجع إلى حمام أعين فقد ارتفع الخلاف والعقد قائم بينهما فكيون أمينا (وقيل) الجواب في الفصلين سواء لان يد المستعير يد نفسه * وفى الوديعة إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق إنما أبرأناه عن الضمان لان يده يد المالك فيجعل في الحكم كما لورده على المالك وهذا لا يوجد هنا فبقى ضامنا كما كان وان عاد إلى مكان العقد ما لم يوصله إلى المالك والاجارة في هذا كالعارية لان يد المستأجر يد نفسه أيضا فانه يقبض لمنفعة نفسه ورجوعه بضمان الاستحقاق لاجل الغرور الثابت بعقد ضمان لالان يده يد المالك * يوضح الفرق ان

[ 146 ] المستعير والمستأجر يضمنان بالامساك فانه لو استعار أو استأجر دابة ليركبها إلى مكان كذا فأمسكها في المصر أياما كان ضامنا فكذلك إذا جاوز المكان المشروط فانما ضمناه بامساكها في غير الموضع الذى تناوله الاذن ولا ينعدم الامساك إلا بالرد. فأما المودع يصير ضامنا بالاستعمال لا بالامساك وقد انعدام الاستعمال حين عاد إلى الوفاق. يقول فان أقام صاحبها البينة أنها نفقت تحته في دير عبد الرحمن من ركوبه وأقام المستعير شاهدين أنه قد ردها الي صاحبها أخذت بينة رب الدابة لانها تثبت سبب تقرر الضمان على الراكب وبينة المستعير تنفى ذلك والبينات للاثبات * وإذا نفقت الدابة تحت المستعير ثم أقام رجل البينة انها دابته يقضي القاضي له بالملك لاثباته ذلك بالحجة ولا يسأله البينة أنه لم يبع ولم يهب لان ذلك لا يدعيه أحد والقاضى نصب لفصل لخصومات لا لانشائها فان ادعى ذلك الذى أراد أن يضمنه أوقال أذن لى في عاريتها يحلف على ذلك لانه ادعى عليه ما لو أقربه لزمه فإذا أنكر يستحلفه فان نكل كان نكوله كاقراره فلا يضمن المستحق أحدا وان حلف كان له أن يضمن أيهما شاء لان كل واحد منهما متعد في حقه المعير بالتسليم والمستعير بالقبض والاستعمال فان ضمن المعير لم يرجع على المستعير لانه ملكها من حين وجب عليه الضمان فيتبين انه أعار ملك نفسه وان ضمن المستعير لم يرجع على المعير أيضا لانه ضمن بفعل باشره لنفسهه بخلاف المودع ولانه لم يصر مغرورا من جهة المعير حين لم يشترط المعير لنفسه عوضا بخلاف المستأجر فقد صار مغرورا من جهة الاجر بمباشرته عقد الضمان واشتراط العوض لنفسه. ثم على المستأجر الاجر إلى الموضع الذى نفقت فيه الدابة لانه استوفى المعقود عليه وذلك للاجر دون الملك لان تقوم المنفعة كان بعقده وبه وجب الاجر * ولا بأس بأن يعير العبد التاجر والعبد الذى يؤدى الغلة الدابة. وفى القياس ليس لهما ذلك لانه تبرع والمملوك ليس من أهله فان تبرعه يكون بملك الغير ولانه صار منفك الحجر عنه في التجارة والاعارة ليست من التجارة في شئ * ووجه الاستحسان ان هذا من توابع التجارة فان التاجر لا يجد منه بدالانه إذا أراد الانسان أن يعامله فلابد أن يجلسه في حانوته أو يضع وسادة له وهو اعارة لذلك الموضع منه وقد يستعار منه الميزان أو صنجات الميزان فإذا لم يعر لان يعار منه عند حاجته أيضا * وما يكون من توابع التجارة يملكه المأذون كاتخاذ الضيافة اليسيرة والاهداء إلى المجاهدين بشئ. والاصل فيه ماروى أن النبي كان يجيب

[ 147 ] دعوة المملوك وحديث أبى سعيد مولى أبى أسيد رضى الله تعالى عنه قال عرست وأنا عبد فدعوت رهطا من الصحابة رضى الله تعالى عنهم فيهم أبو ذر فأجابوني. فدل أن للعبد اتخاذ للدعوة حتى أجابه أبو ذر رضى الله تعالى عنه مع زهده * والعبد الذى أمره المولى بأداء الغلة مأذون له في التجارة لانه لا يتمكن من الاداء إلا بالاكتساب فأمر المولي إياه باداء الغلة يكون إذناله في الاكتساب (عبد مأذون له) أجر دابته من رجل فنفقت تحته فاستحقها رجل وضمن الراكب قيمتها يرجع بها على العبد المأذون كما يرجع على الحر لانه صار مغرورا من جهته باشتراطه العوض لنفسه والمأذون يؤاخذ بضمان الغرور كالحر ولهذا تبين خطأ بعض المتأخرين من مشايخنا رحمهم الله تعالى أن ضمان الغرور كضمان الكفالة وان الغار يصير كالقائل للمغرور ان ضمنك أحد بسبب ركوب هذه الدابة أو استيلاد هذه الجارية في البيع فأنا ضامن لك ذلك لانه لو كان هذا بطريق الكفالة لم يؤاخذ به المأذون فان العبد المأذون لا يؤاخذ بضمان الكفالة ولكن الطريق أن من باشر عقد المعاوضة فهو ملتزم سلامة المعقود عليه عن العيب ولا عيب فوق الاستحقاق والرجوع عليه لهذا. ولهذا لا رجوع على المعير الواهب لانه لا يلتزم صفة السلامة بعقد التبرع * ثم العبد في التزام صفة السلامة بعقد المعاوضة وهو التجارة كالحر * وإذا أعار عبد محجور عليه عبدا مثله دابة فركبها فهلكت تحته ثم استحقها رجل فله ان يضمن أيهما شاء لان أحدهما غاصب لملكه بالتسليم إلى الاخر والآخر مستهلك باستعماله فان ضمن الراكب لم يرجع على المعير لانعدام الغرور منه ولان المعير كان محجورا عليه فلا يؤاخذ بضمان الاقوال وان ضمن المعير رجع به مولاه في رقبة الراكب لان الدابة صارت كسب المعير حين تقرر عليه ضمانها وكسب العبد لمولاه. فتبين ان الراكب أتلف ملكه بغير رضاه. وكذلك ان كانت الدابة لمولى المعير فله أن يضمن الراكب لان اذن العبد المحجور عليه غير معتبر في اسقاط حق المولى فبقى الراكب مستعملا دابته بغير رضاه فكان غاصبا ضامنا * وان استعار الرجل دابة نتوجا فألقت من غير أن يعنف عليها فلا ضمان عليه لانها لو هلكت من الركوب المعتاد لم يضمن فإذا هلك ما في بطنها أولى وان ضربها ففقأ عينها أو كبحها باللجام فهلكت فهو ضامن لها لانه متلف بما صنع وانما أذن له المالك في الركوب دون الضرب * ولو استعار من رجل سلاحا ليقاتل به فضرب بالسيف فانقطع نصفين أو طعن بالرمح فانكسر فلا ضمان عليه لانه مأذون في الاستعمال والاستعمال يكون الا هكذا

[ 148 ] وان ضرب به حجرا فهو ضامن لان المعير انما أذن له في المقاتلة بالسلاح والمقاتلة مع الخصم لامع الحجر والضرب بالسيف الحجر غير معتاد أيضا فكان به ضامنا قال (وإذا قال المستعير في صحته أو مرضه قد هلكت منى العارية فالقول قوله مع يمينه) لانه أمين فيه كالمودع ولا يتغير حكم أمانته بمرضه (وإذا) كان على دابة باعارة أو اجارة فنزل عنهما في السكة ودخل المسجد ليصلى فخلى عنها فهلكت فهو ضامن لها وكذلك ان أدخل الحمل في بيته وخلى عنها في السكة لانه ضيعها حين تركها في غير حرز لا حافظ معها من أصحابنا رحمهم الله من قال هذا إذا لم يربطها بشئ فان ربطها لم يضمن لانه متعارف لا يجد المستعير من ذلك بدا. والاصح أنه يضمن إذا غيبها عن بصره. ألا ترى أنه قال وان كان في صحراء فنزل ليصلي وأمسكها فانفلتت منه فلا ضمان عليه. فبهذا تبين ان المعتبر أن لا يغيبها عن بصره ليكون حافظا لها فأما بعد ما غيبها عن بصره لا يكون هو حافظا لها وان ربطها بشئ بل يكون مضيعا لها بترك الحفظ فيكون ضامنا * وإذا استعارها ليركبها في حاجته إلى ناحية مسماة من النواحى في الكوفة فأخرجها إلى الفرات ليسقيها والناحية التى استعارها إليها من غير ذلك المكان فهلكت فهو ضامن لها لا مساكه إياها في غير الموضع المأذون فيه أو ركوبه إياها إلى موضع السقى (ولا يقال) انما فعل هذا المنفعة الدابة لانه لا ولاية له على ملك الغير في ذلك إلا أن يأذن صاحبها وهو لم يأذن له في سقيها ولانه يمكنه ان يسقيها في خروجه إلى الناحية التى استعارها إليها لان الماء موجود في كل موضع (وإذا) وجد المعير دابته مع رجل يزعم انها له فهو خصم له فيها لانها في يده وهو يدعى رقبتها وذو اليد في مثل هذا خصم للمستحق * وان قال الذى هي في يديه أو دعنيها فلان الذي أعرتها اياه فلا خصومة بينهما لانهما تصادقا على أن الوصول إليه من ذلك الرجل وذلك الرجل ليس بخصم للمدعى لو كان حاضرا لانه مستعير منه فكذلك من قامت يده فيها مقام يده لا يكون خصما ولانهما تصادقا أنه مودع حافظ لها فلا يكون خصما. وان كان ذلك المستعير باعها من رجل أو باعها وصيه بعد موته فأخذها صاحبها وأقام البينة انها له قضى بها له ورجع المشترى بالثمن على بائعه لان بالاستحقاق يتبين بطلان البيع * وإذا طلب المعير ثوبه فأبى المستعير أن يدفعه فهلك عنده فهو ضامن لقيمته لانه بالمنع بعد الطلب صار غاصبا وان لم يمنعه ولكنه قال دعه عندي إلى غد فرضى به صاحبه فلا ضمان عليه لانه بهذا الرضا صار كالمجدد للاعارة منه فلا

[ 149 ] يكون في امساكه إلى الغد متعديا (رجل) أرسل رسولا يستعير له دابة من فلان إلى الحيرة فجاء الرسول إلى صاحبها وقال ان فلانا يقول لك أعرني دابتك إلى المدينة فدفعها إليه فجاء بها الرسول فدفعها إلى الذى أرسله ثم بدا للذى أرسله أن يركبها إلى المدينة وهو لا يشعر بما كان من قول الرسول فركبها فهلكت تحته فلا ضمان عليه لانه استعملها باذن مالكها. وان ركبها إلى الحيرة فهلكت تحته فهو ضامن لها لانه جاوز المكان الذى أذن فيه المالك فصار مستعملا لها بغير اذنه وهذا لان ظنه غير معتبر انما المعتبر اذن المالك وقد كان إلى الموضع الذى طلب الرسول. ثم لا يرجع المرسل على الرسول بشئ لانه لم يوجد منه عقد ضمان انما أخبره بخبر أو لم يخبره بشئ ولكنه لم يبلغ رسالته كما أمره به وذلك غير موجب للضمان عليه والكراء في هذا قياس العارية * وان قال أعرتنى دابتك فنفقت وقال رب الدابة ما أعرتكها ولكن غصبتها فلا ضمان عليه ان لم يركبها لانه أقر بفعل المالك في ملكه وذلك غير موجب للضمان عليه والمالك يدعى عليه سبب الضمان وهو الغصب فيكون القول قول المنكر. وان كان قد ركبها فهو ضامن لها لان السبب الموجب للضمان عليه قد ظهر وهو استعمال دابة الغير بغير اذنه والاذن المسقط للضمان لا يثبت بدعواه. و ان قال رب الدابة أجرتكها فالقول قول الراكب مع يمينه لا نهما تصادقا على ان الركوب حصل بالاذن ثم رب الدابة يدعى عليه الاجر والراكب منكر فالقول قوله لانكار ذلك. وهذا بخلاف العين فانه إذا هلك مال الغير في يده فقال وهبتها لى وقال المالك بل بعتها منك فانه يكون ضامنا لان العين مال متقوم بنفسه فلا يسقط حق المالك عن ماليته إلا باسقاطه فأما المنفعة انما تأخذ حكم المالية والتقوم بعقد الاجارة ورب الدابة يدعي ذلك والراكب منكر فلهذا لا يضمن شيئا * وان أقام رجل البينة على أرض ونخل أنها له وقد أصاب ذو اليد من غلتها وثمرتها فهو ضامن لما أصاب من ذلك (وقال) ابن أبى ليلي لا ضمان عليه لان الثمرة منفعة الاشجار والمنفعة لا تكون مضمونة بغير عقد ضمان كمنفعة الدابة ولكنا نقول الثمرة عين مال متقوم بدليل جواز بيعها وهى مملوكة لصاحب الشجرة لتولدها من ملكه فيكون المصيب ضامنا لماله بالاتلاف كولد الجارية والحمل في الشاة إذا أتلفها * وإذا غصب الرجل الارض وزرعها فالزرع له لانه حصل بعمله من بذره وهذا بخلاف ما إذا غصب جارية فأحبلها فان الولد هناك يكون لصاحبها لان حصول الولد بحضانتها في رحمها لا بفعل الواطئ فان ماء الفحل

[ 150 ] يصير مستهلكها بالاختلاط بمائها ولان الولد في حكم جزء من عينها وهى بجميع أجزائها مملوكة للمغصوب منه فأما الزرع ليس بجزء من الارض. ألا ترى أنه من جنس البذر وانه حاصل بعمل الزارع كما قررناه في الغصب ثم الزارع ضامن لما نقص الارض عندنا وعلى قول ابن أبى ليلى رحمه الله لا ضمان عليه لان العقار لا يكون مضمونا بالغصب والنقصان لم يحصل بفعله ولان النقصان في الارض من حيث تقليل المنفعة والريع والمنفعة لا تكون مضمونة على الغاصب. ولكنا نقول قد انتقص مالية العين بفعله وهو الزراعة فكان متلفا بقدر النقصان والعقار يضمن بالاتلاف كما لو هدم الابنية أو قلع الاشجار. ثم يرفع من الزرع مقدار بذره وما أنفق فيه وما غرم من نقصان الارض ويتصدق بالفضل في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله لانه بكسب خبيث، وفى قول أبى يوسف وابن أبى ليلي رحمهما الله لا يتصدق بشئ لانه حصل له بزراعته وهو سبب مشروع للاكتساب وقد بينا هذا في الغصب * وإذا استأجر أرضا سنة فزرعها سنتين فعليه الاجر للسنة الاولى لانه استوفي المعقود عليه بحكم عقد صحيح وعليه نقصان الارض بالزراعة في السنة الثانية لانه غاصب فيما صنع ويتصدق بالفضل عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله كما في الفضل الاول. وعند ابن أبى ليلى عليه أجر مثلها في السنة الثانية لا عتبار فكأنه زرعها في السنة الثانية بناء على العقد في السنة الاولى وانما لم يتعرض له صاحبها لهذا والعقد ينعقد بالدلالة كما ينعقد بالتصريح فيلزمه أجر مثلها (ثم) ختم الكتاب بمسألة ذكرها في كتاب الزكاة أن من وجد كنزا في دار رجل ففيه الخمس وأربعة أخماسه لصاحب الخلطة في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله. وفى قول أبى يوسف وابن أبى ليلى رحمهما الله للواحد وانما ذكر أبو يوسف رحمه الله هذه المسألة المختلفة بين أبى حنيفة وابن أبى ليلى رحمهما الله في آخر هذا الكتاب وآخر الوديعة لان كل واحد منهما كان استاذه فانه كان في الابتداء يختلف إلى ابن أبى ليلى تسع سنين ثم تحول منه إلى أبى حنيفة واختلف عنده أيضا تسع سنين فاحب أن يذكر بعض الفصول عن استاذيه جميعا فلهذا ذكر هذه الفصول والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. واليه المرجع والمآب. وصلي على سيدنا محمد النبي الامي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

[ 151 ] بسم الله الرحمن الرحيم (كتاب الشركة) (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله تعالى إملاء * الاصل في جواز الشركة ما روى أن السائب بن شريك جاء إلى رسول الله فقال أتعرفني فقال صلوات الله وسلامه عليه وكيف لا أعرفك وكنت شريكي وكنت خير شريك لا تدارى ولا تمارى أي لا تداجي ولا تخاصم وبعث رسول الله والناس يفعلون ذلك فأقرهم عليه وقد تعامله الناس من بعد رسول الله الي يومنا هذا من غير نكير منكر (ثم) الشركة نوعان ؟ شركة الملك. وشركة العقد (فشركة الملك) أن يشترك رجلان في ملك مال وذلك نوعان. ثابت بغير فعلهما كالميراث. وثابت بفعلها وذلك بقبول الشراء أو الصدقة أو الوصية والحكم واحد وهو أن ما يتولد من الزيادة يكون مشتركا بينهما بقدر الملك وكل واحد منهما بمنزلة الاجنبي في التصرف في نصيب صاحبه (وأما شركة العقد) فالجائز منها أربعة أقسام المفاوضة والعنان وشركة الوجوه وشركة التقبل ويسمى هذا شركة الابدان وشركة الصنائع (فأما العنان) فهو مشتق من قول القائل عن لى كذا أي عرض قال امرؤ القيس فعن لنا سرب كان نعاجه * عذارى دوارفي ملاء مذبل أي عرض. وزعم بعض أهل الكوفة ان هذا شئ أحدثه أهل الكوفة ولم يتكلم به العرب وليس كذلك فقد قال النابغة الجعدى وشاركنا قريشا في نقاها * وفي احسابها شرك العنان (وقيل) هو مأخوذ من عنان الدابة على معنى ان راكب الدابة يمسك العنان باحدى يديه ويعمل بالاخرى وكل واحد من الشريكين يجعل عنان التصرف في بعض المال إلى صاحبه دون البعض أو علي معنى ان للدابة عنانين أحدهما أطول والآخر أقصر فيجوز في

[ 152 ] هذه الشركة أن يتساويا في رأس المال والربح أو يتفاوتا فسميت عنانا (وأما المفاوضة) فقد قيل اشتقاقها من التفويض فان كل واحد منهما يفوض التصرف إلى صاحبه في جميع مال التجارة (وقيل) اشتقاقها من معنى الانتشار يقال فاض الماء إذا انتشر و استفاض الخير يستفيض إذا شاع فلما كان هذه العقد مبنيا على الانتشار والظهور في جميع التصرفات سمى مفاوضة (وقيل) اشتقاقها من المساواة قال القائل لا تصلح الناس فوضى لا سراة لهم * ولا سراة إذا جهالهم سادوا يعنى متساوين فلما كان هذا العقد مبنيا علي المساواة المال والربح سمى مفاوضة (وأما شركة الوجوه) تسمى شركة المفاليس وهو ان يشترك الرجلان بغير رأس مال على ان يشتريا بالنسيئة ويبيعا سميت بهذا الاسم على معنى ان رأس مالهما وجههما فانه انما يباع في النسيئة ممن له في الناس وجه * وشركة التقبل أن يشترك صانعان في تقبل الاعمال كالخياطة والقصارة ونحو ذلك وتسمى شركة الابدان لانهما يعملان بابدانها وشركة الصنائع لان رأس مالهما صنعتهما (وأما شركة العنان) فهو ان يشترك الرجلان برأس مال يحضره كل واحد منهما ولابد من ذلك اما عند العقد أو عند الشراء حتى ان الشركة لا تجوز برأس مال غائب أو دين. ولا يشترط لجواز هذه الشركة خلط المالين عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يشترط وهي رواية عن زفر. والاصل عنده ان شركة الملك أصل ثم شركة العقد تنبنى عليه قال لان الشركة عبارة عن الاختلاط وذلك انما يتحقق في الملك والمعتبر في كل عقد ما هو قضيه اسم ذلك العقد كالحوالة والكفالة والصرف. فإذا خلطا المالين على وجه لا يمكن تمييز احدهما عن الآخر فقد ثبتت الشركة في الملك فينبنى عليه شركة العقد فأما قبل الخلط فالشركة في الملك لم تثبت حتى إذا هلك رأس ما احدهما كان هالكا عليه خاصة فلا تثبت شركة العقد لان معنى الاختلاط فيه لا يتحقق مقصودا. وعندنا موجب شركة العقد الوكالة على معنى ان كل واحد منهما يكون وكيل صاحبه في الشراء بالمال الذى عينه ولهذا شرطنا تعيين المال عند العقد أو عند الشراء لان الوكالة بالشراء بماله لا تصح الا به فان بدون تعيين المال يكون الوكيل مشتريا بما في ذمته وهذا التوكيل صحيح بدون خلط المالين ومعنى الاختلاط الذى تقتضيه الشركة في المشترى بالمال والربح لا في رأس المال وذلك ثابت بدون خلط وعلى هذا الاصل لو كان رأس مال أحدهما دراهم والآخر دنانير تنعقد الشركة بينهما

[ 153 ] صحيحة عندنا خلافا لزفر والشافعي رحمهما الله * وكذلك ان كان رأس مال أحدهما بيضا الآخر سودا لان الشركة في الملك لا تثبت هنا حين كانا لا يختلطان وعلى الرواية التى شرط زفر الخلط جواب هذه الفصل ظاهر على مذهبه وأما على الرواية التى لا يشترط ذلك نقول في هذين الفصلين ربما يظهر الربح لاحدهما دون الآخر بتغيير سعر أحد النقدين وذلك تقتضيه الشركة وعندنا موجب هذا العقد الوكالة وذلك صحيح مع اختلاف النقدين فانهما لو صرحا بالوكالة بأن يشترى أحدهما بهذه الدراهم على ان يكون المشترى بينهما ويشترى الآخر بهذه الدنانير على أن يكون المشترى بينهما كان صحيحا * فكذلك تصح الشركة بهذه الصفة (فأما شركة المفاوضة) فهي جائزة عندنا وقال مالك رحمه الله تعالى لا أعرف ما المفاوضة وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه ان كان في الدنيا عقد فاسد فهو المفاوضة وربما قال انه نوع من القمار فأما مالك رحمه الله فان كان لا يعرفها لغة فقد ببنا اشتقاقها وان كان لا يعرفها شرعا فقد قال رسول الله تفاضوا فانه أعظم للبركة وقال عليه الصلاة والسلام إذا فاوضتم فأحسنوا المفاوضة * وأما الشافعي رحمه الله فانه ينبنى على مذهبه ان الاصل شركة الملك وما هو موجب المفاوضة قط لا يثبت باعتبار شركة الملك فلهذا أفسدها وقال لانها تتضمن الكفالة بالمجهول للمجهول فان كل واحد منهما يكون كفيلا عن صاحبه فيما يلزمه بجهة التجارة والكفالة للمجهول بالمعلوم باطل فبالمجهول أولى * والذى يقول انه ضرب من القمار فانما يدخل ذلك على مذهب الثوري لانه يقول إذا ورث أحدهما مالا يكون ذلك مشتركا بينهما ولسنا نقول بذلك فلا يدخل ذلك على مذهبنا * وحجتنا في ذلك ان هذه الشركة تتضمن الكفالة والوكالة وكل واحد منهما صحيح مقصودا فكذلك في ضمن الشركة فأما الجهالة بعينها لا تبطل الكفالة ولكن تمكن المنازعة سببا وذلك منعدم هنا لان كل واحد منهما انما يصير ضامنا عن صاحبه ما لزمه بتجارته وعند اللزوم المضمون له والمضمون به معلوم ومثل هذا لا يوجد في شركة العنان فان التوكيل بشراء مجهول الجنس لا يصح مقصودا. ثم صحت شركة العنان وان تضمنت ذلك لان ما يشتريه كل واحد منهما غير مسمى في العقد فكذلك المفاوضة. ومن شروط هذه العقد ان يتساويا في رأس المال ولا يختص أحدهما بملك مال يصلح ان يكون رأس ماله في الشركة من النقود وأن يتساويا في الربح فلا يشترط لاحدهما زيادة على صاحبه لما بينا أن قضية اللفظ المساواة ثم في ظاهر هذه الرواية تصح هذه الشركة

[ 154 ] من غير خلط المالين والمالان لا يختلطان كالدراهم والدنانير والسود والبيض وزفر رحمه الله لا يجوز هذه الشركة بدون خلط المالين برواية واحدة (قال) لانه لو جاز لكان كل واحد منهما مختصا بملك مال بعد عقد الشركة وذلك لا يجوز في هذه العقد (وقد) روى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله ان هذه الشركة لا تجوز بمالين لا يختلطان لان المساواة شرط في هذا العقد والمساواة بين الدراهم والدنانير في المالية انما تكون بالتقويم وطريق ذلك الحزر والمساواة شرعا لا تثبت بهذا الطريق كالمساواة التى تشترط في مبادلة الاموال الربوية بجنسها وان كان رأس مال أحدهما بيضا ورأس مال الآخر سودا وبينهما تفاوت في الصرف لا يجوز هذا العقد في ظاهر الرواية لعدم المساواة (وذكر) إسماعيل بن حماد عن أبى يوسف رحمهم الله انه يجوز لانه لا قيمة للجودة في الاموال الربوية إذا قوبلت بجنسها وانما تعتبر المساواة في الوزن قال جيدها ورديئها سواء * وروى الحسن عن أبى حنيفة ان المفاوضة لا تنعقد الا بلقظ المفاوضة حتى إذا لم يذكر لفظة المفاوضة كان عنانا عاما * والعنان قد يكون عاما وقد يكون خاصا. وتأويل هذا أن أكثر الناس لا يعرفون جميع أحكام المفاوضة فلا يتحقق منهما الرضا بحكم المفاوضة قبل علمهما به ويجعل تصريحهما بالمفاوضة قائما مقام ذلك كله فان كان المتعاقدان يعرفان أحكام المفاوضة صح العقد بينهما إذا ذكرا معنى المفاوضة وان لم يصرحا بلفظها لان المعتبر المعنى دون اللفظ (فأما شركة الوجوه) فهى صحيحة عندنا وباطلة عند الشافعي بناء علي أصله أن الاصل شركة الملك وذلك لا يوجد في شركة الوجوه. وعندنا شركة العقد تصح باعتبار الوكالة وتوكيل كل واحد منهما صاحبه بالشراء على أن يكون المشترى بينهما نصفين أو ثلاثا صحيح فكذلك الشركة التى تتضمن ذلك الا أن في هذا العقد لا يصلح التفاضل في اشتراط الربح بعد التساوى في ملك المشترى لان الذى يشترط له الزيادة ليس له في نصيب صاحبه رأس مال ولا عمل ولا ضمان فاشتراط جزء من ذلك الربح له يكون ربح ما لم يضمن ونهى رسول الله عن ذلك فان أراد التفاوت في الربح فينبغي أن يشترط التفاوت في ملك المشترى بأن يكون لاحدهما الثلث وللآخر الثلثان حتى يكون لكل واحد منهما الربح بقدر ملكه * وهذه الشركة عندنا تجوز عنانا ومفاوضة الا ان المفاوضة لا تكون الا باعتبار المساواة في المشترى والربح جميعا (فأما شركة التقبل) فهى صحيحة عندنا ولا تصح عند الشافعي رحمه الله بناء على أصله ان شركة الملك أصل ولا يوجد

[ 155 ] ذلك في هذه الشركة فان الخلط في العمل لا يتحقق. ولكنا نقول جواز الشركة باعتبار الوكالة وتوكيل كل واحد منهما صاحبه بتقبل العمل صحيح فكذلك الشركة والناس تعاملوا بهذه الشركة وشركة الوجوه من لدن رسول الله إلى يومنا هذا من غير نكير وهو الاصل في جواز الشركة. ثم استحقاق الربح في طريق الشركة يكون بالمال تارة وبالعمل أخرى بدليل المضاربة فان رب المال يستحق نصيبه من الربح بماله والمضارب بعمله وذلك العقد شركة الاجارة بدليل انها لا تلزم وانه لا يحتاج فيها إلى بيان المدة فإذا صح عقد الشركة بين اثنين بالمال فكذلك يصح باعتبار العمل لان كل واحد منهما يستحق به الربح وسواء اتفقت الاعمال أو اختلفت عندنا. وقال زفر رحمه الله ان اتفقت الاعمال كالقصارين والصباغين إذا اشتركا يجوز وإذا اختلفت بان يشترك قصار وصباغ لا تجوز الشركة لان كل واحد منهما عاجز عن العمل الذى يتقبله صاحبه فان ذلك ليس من صنعته فلا يتحقق ما هو مقصود الشركة عند اختلاف الاعمال ولكنا نقول جواز هذه الشركة باعتبار الوكالة والتوكيل بتقبل العمل صحيح ممن يحسن مباشرة ذلك العمل وممن لا يحسن لانه لا يتعين على المتقبل اقامة العمل بيده بل له أن يقيم بأعوانه وأجرائه وكل واحد منهما غير عاجز عن ذلك فكان العقد صحيحا (وهذا) النوع من الشركة قد يكون عنانا وقد يكون مفاوضة عند استجماع شرائط المفاوضة ومعنى هذا أنه متى كان مفاوضة فان كل واحد منهما مطالب بما يلتزمه صاحبه بحكم الكفالة ومتى كان عنانا فانما يطالب به من باشر السبب دون صاحبه كما هو حكم الوكالة (إذا) عرفنا هذا فنقول. بدأ الكتاب ببيان شركة العنان وانهما كيف يكتبان كتاب هذه الشركة بينهما والشركة عقد يمتد فيستحب الكتاب في مثله ليكون حكما بينهما فيما يجرى من المنازعة قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) ثم المقصود بالكتاب التوثق والاحتياط فينبغي أن يكتب على أوثق الوجوه ويتحرز فيه من طعن كل طاعن ثم بدأ فقال (هذا ما اشترك عليه فلان وفلان) وبعض أصحاب الشروط عابوا عليه في هذا اللفظ فقال هذا إشارة إلى الصك فالاحوط أن يكتب هذا كتاب فيه ذكر ما اشترك فلان وفلان ولكن محمدا رحمه الله اتبع الكتاب والسنة فيما اختار قال الله تعالى (هذا ما توعدون) وهو إشارة إلى ما هو المقصود من الوعد للابرار والوعيد للفجار ولما اشترى رسول الله عبدا أمر أن

[ 156 ] يكتب هذا ما اشترى محمد رسول الله من الغد بن خالد بن هوذة اليهودي (ولما) أمر بكتاب الصلح يوم الحديبية كتب على رضى الله تعالى عنه بأمر رسول الله هذا ما اصطلح محمد بن عبد الله وسهل بن عمر وعلي أهل مكة * ثم قال (اشتركا على تقوى الله وأداء الامانة) فان هذا العقد عقد أمانة والمقصود تحصيل الربح و ذلك بالتقوى وأداء الامانة يحصل (ثم يبين مقدار رأس مال كل واحد منهما) لان عند القسمة لابد من تحصيل رأس مال كل واحد منهما ليظهر الربح فلابد من إعلام ذلك في كتاب الشركة ليرجعا إليه عند المنازعة * ثم قال (وذلك كله في أيديهما) وهذه إشارة إلى أن رأس المال ليس بغائب ولا دين بل هو عين في أيديهما * ومن الناس من شرط الخلط ومنهم من شرط أن يكون المال في أيديهما جميعا فللتوثق يذكر ذلك ويذكر أنهما يشتريان به ويبيعان جميعا في شئ ويعمل كل واحد منهما فيه برأيه ويبيع بالنقد والنسيئة * وعندنا هذا يملكه كل واحد منهما بمطلق عقد الشركة الا أن من العلماء من يقول لا يملك كل واحد منهما ذلك ما لم يصرحا به في عقد الشركة فللتحرز عن قول هذه القائل يكتب هذا (ثم يذكر فما كان فيه من ربح فهو بينهما على قدر رؤس أموالهما وما كان من وضيعة أو تبعة فكذلك) ولا خلاف ان اشتراط الوضيعة بخلاف مقدار رأس المال باطل واشتراط الربح صحيح عندنا خلافا للشافعي رضي الله تعالى عنه علي ما نبينه وأما مكاتبة علي بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه قال الربح على ما اشترطا والوضيعة على المال وانما يذكر هذا ليكون أبعد عن الاختلاف. ولكن انما يكتب هذا إذا كان الشرط بينهما هكذا ثم قال (اشتركا على ذلك في شهر كذا من سنة كذا) وانما بتبيين التاريخ تنقطع المنازعة حتى لا يدعى احدهما لنفسه حقا فيما اشتراه قبل هذا التاريخ (وكتب) التاريخ في زمن عمر رضى الله تعالي عنه فانه شاور الصحابة رضوان الله عليهم في التاريخ من أي وقت يعتبرونه فمنهم من قال من مولد رسول الله ومنهم من قال من وقت مبعثه ومنهم من قال من وقت موته ثم اتفقوا على التاريخ من وقت الهجرة وهو المعروف الذى يتعامل عليه الناس إلى يومنا هذا قال (ولا يجوز أن يفضل احدهما صاحبه في الربح لا في المال العين أو العمل بأيديهما أو في الذى ليس فيه شراء شئ بتأخير فأما في المال العين إذا تساويا في رأس المال واشترطا ان يكون الربح بينهما أثلاثا أو تفاوتا في رأس المال فكان لاحدهما الف وللآخر ألفان واشترطا أن يكون الربح بينهما نصفين يجوز عندنا وعلى قول زفر

[ 157 ] والشافعي رحمهما الله تعالى لا يجوز. أما عند الشافعي رحمه الله تعالى فلان شركة الملك على مذهبه أصل وفى شركة الملك لا يجوز أن يستحق أحدهما شيئا من برح ملك صاحبه فكذلك في شركة العقد * واعتبر الربح بالوضيعة فهى بينهما على قدر رؤس أموالهما واشتراطهما خلاف ذلك باطل فكذلك الربح ولكنا نقول استحقاق الربح بالشرط فانما يستحق كل واحد منهما بقدر ما شرط له لقوله المسلمون عند شروطهم * ثم جواز هذا العقد لحاجة الناس إليه والحاجة ماسة إلى هذا الشرط فقد يكون أحدهما أحذق من الآخر في وجوه التجارة فلا يرضى بأن يساويه صاحبه في استحقاق الربح مع حذاقته وخرق صاحبه * ثم الربح يستحق بالعمل بدون المال وهو في المضاربة فبالعمل مع المال أولي (ثم) الوضيعة هلاك جزء من المال. وكل واحد منهما أمين فيما في يده من مال صاحبه واشتراط الضمان على الامين باطل ألا ترى ان في المضاربة لا يجوز اشتراط شئ من الوضيعة علي المضارب ولهذا يقول زفر رحمه الله ان التساوي في الربح مع التفاضل في رأس المال لا يجوز هنا لانه لو جاز انما يجوز بالقياس علي المضاربة علي معنى ان صاحب الالفين يشترط جزأ من الربح للآخر بعمله فيه ومثل هذا في المضاربة لا يجوز لان المال في أيديهما هنا والعمل مشروط عليهما وفي المضاربة لو شرط العمل على رب المال أو كون المال في يده لا يجوز ولكنا نقول موجب المضاربة التخلية بين المضارب وبين رأس المال فيكون أمينا عاملا فيه وذلك ينعدم بهذا الشرط فأما موجب الشركة ليس هو التخلية بين احدهما والمال فهذا الشرط لا يؤدى إلى ابطال موجب الشركة ليس (ثم) حكم المضاربة هنا ثبت تعبا للشركة وقد يثبت الشئ حكما على وجه لا يجوز اثباته قصدا كالكفالة الثابتة في ضمن المفاوضة * وكذلك في العمل بأيديهما يجوز شرط التفاضل في الربح عندنا للحاجة إلى ذلك فقد يكون أحدهما أحذق في العمل من الآخر * فأما قوله أو في الذى ليس فيه شراء شئ بتأخير فهو إشارة إلى شركة الوجود فان التفاضل في الربح هناك لا يجوز عند اشتراط التساوى في ملك المشترى لان ذلك ربح ما لم يضمن وقد بينا ذلك * وقال (والشريكان في العمل إذا غاب أحدهما أو مرض أو لم يعمل وعمل الآخر فالربح بينهما على ما اشترطا) لما روى ان رجلا جاء إلى رسول الله فقال أنا أعمل في السوق ولي شريك يصلى في المسجد فقال رسول الله لعلك بركتك منه. والمعنى ان استحقاق الاجر بتقبل العمل دون مباشرته والتقبل كان

[ 158 ] منهما وان باشر العمل أحدهما. ألا ترى ان المضارب إذا استعان برب المال في بعض العمل كان الربح بينهما على الشرط. أولا ترى أن الشريكين في العمل يستويان في الربح وهما لا يستطيعان ان يعملا على وجه يكونان فيه سواء وربما يشترط لاحدهما زيادة ربح لحذاقته وان كان الآخر أكثر عملا منه فكذلك يكون الربح بينهما على الشرط ما بقى العقد بينهما وان كان المباشر للعمل احدهما ويستوى ان امتنع الاخر من العمل بعذر أو بغير عذر لان العقد لا يرتفع بمجرد امتناعه من العمل واستحقاق الربح بالشرط في العقد * قال (وان جاء أحدهما بألف درهم والآخر بألفى درهم فاشتركا على أن الربح والوضيعة نصفان فهذه شركة فاسدة) ومراده ان شرط الوضيعة نصفين فاسد لان الوضيعة هلاك جزء من المال فكأن صاحب الالفين شرط ضمان شئ مما يهلك من ماله على صاحبه وشرط الضمان على الالفين فاسد ولكن لا يبطل بهذا أصل العقد لان جواز الشركة باعتبار الوكالة والوكالة لا تبطل بالشروط الفاسدة وانما تفسد الشروط وتبقى الوكالة فكذا هذا فان عملا على هذا فوضعا فالوضيعة على قدر رؤس أموالهما لان الشرط بخلافه كان باطلا وان ربحا فالربح على ما اشترطا لان أصل العقد كان صحيحا واستحقاق الربح بالشرط في العقد فكان بينهما على ما اشترطا * وان اشترطا الربح والوضيعة على قدر رأس المال والعمل من احدهما بعينه كان ذلك جائزا لان العامل منهما معين لصاحبه في العمل له في ماله حين لم يشترط لنفسه شيئا من بربح مال صاحبه فهو كالمستبضع في مال صاحبه (وان) اشترطا الربح نصفين والوضيعة على رأس المال والعمل عليهما جاز ذلك لان صاحب الالف شرط لنفسه جزأ من ربح مال صاحبه وهو السدس بعمله فيه فيكون في معنى المضارب له الا أن معنى المضاربة تبع لمعنى الشركة والمعتبر موجب الاصل دون التبع فلهذا لا يضرهما اشتراط العمل عليهما * فان عملاه أو عمل احدهما فالربح على ما اشترطا لان الاستحقاق بعد صحة العقد بالشرط لا بنفس العمل وقد كان العمل مشروطا عليهما فلا يضرهما تفرد أحدهما باقامة العمل * وكذلك ان اشترطا العمل على صاحب الالف ووجه الجواز هنا أبين لان صاحب الالفين دفع إليه ماله ليعمل فيه بسدس الربح فان المشروط له نصف الربح ثلث الربح حصة رأس ماله وسدسه إلى تمام النصف يستحق من مال صاحبه بعمله فيه واشتراط العمل على المضارب يصحح المضاربة ولا يبطلها (فان قيل) إذا كان يعمل هو في شئ شريك فكيف يستوجب عوض

[ 159 ] عمله على شريكه (قلنا) استحقاق الربح بطريق الشركة لا بطريق الاجارة ولهذا لا يشترط فيه تسمية مقدار العمل ولا بيان المدة والعامل فيما هو شريك فيه لا يستوجب الاجر لان استحقاق الاجر بنفس العمل فإذا العامل فيما هو شريك فيه يستحق الربح بالشرط في عقد صحيح * وان اشترطا العمل على صاحب الالفين لم تجز الشركة لان العامل شرط لصاحبه جزأ من ربح ماله من غير أن يكون له فيه رأس مال أو عمل وذلك باطل فان استحقاق الربح باعتبار العمل والمال أو العمل أو الضمان ولم يوجد شئ من ذلك لصاحب الالف في مال صاحب الالفين فكان اشتراطه جزأ من الربح له باطلا والربح بينهما على قدر رؤس أموالهما لان العامل لم يطمع في شئ من ربح مال صاحب الالفين حين لم يشترط شيئا من ذلك لنفسه * قال (وإذا أقعد الصانع معه رجلا في دكانه يطرح عليه العمل بالنصف فهو فاسد في القياس) لان رأس مال صاحب الدكان منفعة المنافع لا تصلح أن تجعل رأس مال في الشركة ولان المتقبل للعمل ان كان صاحب الدكان فالعامل أجيره بالنصف وهو مجهول والجهالة تفسد عقد الاجارة وان ان المتقبل هو العامل فهو مستأجر لموضع جلوسه من دكانة بنصف ما يعمل وذلك مجهول الا انه استحسن فاجاز هذا لكونه متعاملا بين الناس من غير نكير منكر وفي نزع الناس عما تعاملوا به نوع حرج فلدفع هذا الحرج يجوز هذا العقد إذ ليس فيه نص يبطله ولان بالناس حاجة إلى هذا العقد فالعامل قد يدخل بلدة لا يعرفه أهلها ولا يأمنونه على متاعهم وانما يأمنون على متاعهم صاحب الدكان الذى يعرفونه وصاحب الدكان لا يتبرع بمثل هذا على العامل في العادة ففى تصحيح هذا العقد تحصيل مقصود كل واحد منهما لان العامل يصل إلى عوض عمله والناس يصلون إلى منفعة عمله وصاحب الدكان يصل إلى عوض منفعة دكانه فيجوز العقد ويطيب الفضل لرب الدكان لانه أقعده في دكانه واعانه بمتاعه وربما يقيم بعض العمل أيضا كالخياط يتقبل المتاع ويلى قطعه ثم يدفعه الي آخر بالنصف فلهذا يطيب له الفضل وجواز هذه العقد كجواز عقد السلم فان الشرع رخص فيه لحاجة الناس إليه * قال (ولا تصح الشركة بالعروض) واعلم بأن الشركة بالنقود من الدراهم والدنانير جائزة ولا تجوز الشركة بالتبر في ظاهر المذهب وقد ذكر في كتاب الصرف أن من اشتري بتبر بعينه شيئا فهلك قبل القبض لا يبطل العقد فقد جعل التبر كالنقود حتى قال لا يتعين بالتعيين فالحاصل أن هذا يختلف باختلاف العرف في كل (11 مبسوط حادى عشر)

[ 160 ] موضع فان كانت المبايعات بين الناس في بلدة بالتبر فهو كالنقود لا يتعين بالتعيين ويجوز الشركة به وان لم يكن في ذلك عرف ظاهر فهو كالعروض لا تجوز الشركة به فان كان التعيين مفيدا فيه فهو معتبر وان لم يكن مفيدا لا يعتبر كتعين الصنجان والقيمات (فأما الشركة بالفلوس) ان كانت نافعة لا تجوز في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وتجوز في قول محمد رحمه الله (وذكر) الكرخي في كتابه أن قول أبى يوسف كقول محمد رحمهما الله والاصح ما قلنا وهو بناء على مسألة كتاب البيوع إذا باع قلنا تعيينه بفلسين باعيانها يجوز عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمها الله وتعين الفلوس بالتعيين بمنزلة الجوز والبيض وعند محمد رحمه الله لا يجوز ولا تتعين الفلوس الرائجة بالتعيين كالنقود. فكذلك في حكم الشركة محمد رحمه الله يقول هي بمنزلة النقود ما دامت رائجة وهما يقولان الرواج في الفلوس عارض في اصطلاح الناس وذلك يتبدل ساعة فساعة فلو جوزنا الشركة بها أدى إلى جهالة رأس المال عند قسمة الربح إذا كسدت الفلوس وأخذ الناس غيرها لان رأس المال عند قسمة الربح يحصل باعتبار المالية لا باعتبار العدد ومالية الفلوس تختلف بالرواج والكساد (وروى) الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله ان المضاربة بالفلوس الرائجة تصح وقال أبو يوسف رحمه الله لا تصح الشركة بها ولا تصح المضاربة وفرق بينهما فقال في المضاربة يحصل رأس المال أولا ليظهر الربح والفلوس ربما تكسد فلا تعرف ماليتها بعد الكساد إلا بالحزر والظن ولا وجه لاعتبار العدد لما فيه من الاضرار بصاحب المال فأما في الشركة إذا كسدت الفلوس يمكن تحصيل رأس مال كل واحد منهما باعتبار العدد لان حالهما فيه سواء فلا يختص أحدهما بالضرر دون الآخر (فأما) الشركة بالعروض من الدواب والثياب والعبيد لا تصح عندنا وعلى قول ابن أبى ليلى ومالك رحمها الله هي صحيحة للتعامل وحاجة الناس إلى ذلك ولاعتبار شركة العقد بشركة الملك. وفى الكتاب علل للفساد فقال لان رأس المال مجهول يريد به أن العروض ليست من ذوات الامثال وعند القسمة لابد من تحصيل رأس مال كل واحد منهما ليظهر الربح فإذا كان رأس مالهما من العروض فتحصيله عند القسمة يكون باعتبار القيمة وطريق معرفة القيمة الحزر والظن ولا يثبت التيقن به. ثم الشركة مختصة برأس مال يكون أول التصرف به بعد العقد شراء لا بيعا وفى العروض أول التصرف يكون بيعا وكل واحد منهما يصير موكلا لصاحبه ببيع متاعه على أن يكون له بعض

[ 161 ] ربحه وذلك لا يجوز وقد بينا ان صحة الشركة باعتبار الوكالة ففى كل موضع لا تجوز الوكالة بتلك الصفة فكذلك الشركة ومعنى هذا أن الوكيل بالبيع يكون أمينا فإذا شرط له جزء من الربح كان هذا ربح ما لم يضمن والوكيل بالشراء يكون ضامنا للثمن في ذمته فإذا شرط له نصف الربح كان ذلك ربح ما قد ضمن ولان في الشركة بالعروض ربما يظهر الربح في ملك أحدهما من غير تصرف بتغير السعر فلو جاز استحق الآخر حصة من ذلك الربح من غير ضمان له فيه وربما يخسر أحدهما بتراجع سعر عروضه ويربح الآخر فلهذه المعاني بطلت الشركة بالعروض * فان باعا العروض بثمن واحد قسما الثمن على قيمة متاع كل واحد منهما يوم باعه لان كل واحد منهما تابع لملكه والمسمى من الثمن بمقابلة جميع ما دخل في العقد من العروض فيقسم عليهما باعتبار القيمة ولكل واحد منهما حصة عرضه لان الشركة لما فسدت كأنها لم تكن (وكذلك) لا يصح أن يكون رأس مال أحدهما دراهم وراس مال الآخر عروضا في مفاوضة ولا عنان لجهالة رأس المال في نصيب صاحب العروض علي ما بينا * قال (وان اشتركا في مكيل أو موزون أو معدود متفق في المقدار والصفة فان لم يخلطاه فليسا بشريكين ولكل واحد منهما متاعه له ربحه وعليه وضيعته) لان هذه الاشياء بمنزلة العروض وتستحق أعيانها بالعقد وأول التصرف فيها بعد الشركة يكون بيعا لا شراء فكانت كالعروض لا تجوز الشركة بها وان خلطاه فهو بينهما وما ربحا فيه فلهما وما وضعا فيه فعليهما وهذا ظاهر لان الخلط حصل بفعلهما فالمخلوط يكون مشرتكا بينهما على قدر ملكهما وقد كان ملكهما سواء فالربح والوضعية بعد البيع يكون بينهما على ذلك ولم يذكر في الكتاب ان الشركة بينهما بعل الخلط تكون شركة ملك أو شركة عقد. وذكر في النوادر أن على قول أبى يوسف رحمه الله الشركة بينهما شركة ملك وعند محمد رحمه الله تكون شركة عقد وفائدة هذا الخلاف فيهما أنهما إذا اشترطا من الربح لا حدهما زيادة على نصيبه عند أبى يوسف رحمه الله لا يستحق ذلك بل لكل واحد منهما من الربح بقدر ملكه وعند محمد الربح بينهما علي ما اشترطا * محمد يقول المكيل والموزون عرض من وجه ثمن من وجه. ألا ترى ان الشراء بهما دينا في الذمة صحيح فكان ثمنا وان بيع عينهما صحيح فكانت مبيعة وما تردد بين الاصلين يوفر حظه عليهما فلشبههما بالعروض قلنا لا تجوز الشركة بهما قبل الخلط ولشبههما بالاثمان قلنا تجوز الشركة بهما بعد الخلط وهذا لان باعتبار الشبهين تضعف

[ 162 ] اضافة عقد الشركة اليهما فيتوقف ثبوتها علي ما يقويها وهو الخلط لان بالخلط تثبت شركة الملك لا محالة فيتأ كد به شركة العقد لا محالة وأبو يوسف رحمه الله يقول ما يلصح أن يكون رأس مال في الشركة لا يختلف الحكم فيه بالخلط وعدم الخلط كالنقود فكذلك ما لا يصلح أن يكون رأس مال في الشركة لا يختلف الحكم فيه بالخلط وعدم الخلط وهذا لان قبل الخلط انما يجوز شركة العقد بها لانها متعينة فتعين رأس المال لابد منه في عقد الشركة واعيانها مبيعة وأول التصرف بها يكون بيعا وهذا المعنى موجود بعد الخلط بل يزداد تقررا بالخلط لان الخلط لا يتقرر الا في معين والمخلوط المشترك لا يكون الا معينا فتقرر المعنى المفسد لا يكون مصححا للعقد * والذى يقال لمحمد ان تحصيل رأس المال عند القسمة هنا ممكن لانها من ذوات الامثال يشكل بما قبل الخلط فان هذا المعنى موجود فيه ومع ذلك لا يثبت بينهما شركة العقد وكذلك يشكل بما إذا كان رأس مال أحدهما حنطة ورأس مال الآخر شعيرا فالشركة لا تصح هنا بينهما خلطاه أو لم يخلطاه ورأس مال كل واحد منهما من ذوات الامثال يمكن تحصيلة عند قسمة الربح ولكن محمد رحمه الله يفرق ويقول عقد الشركة انما يثبت بعد الخلط باعتبار المخلوط فعند اختلاف الجنس المخلوط ليس من ذوات الامثال ألا ترى ان من أتلف هذا المخلوط كان عليه قيمته وان لم يكن من ذوات الامثال كان بمنزلة العروض وأما إذا كان الجنس واحدا فالمخلوط من ذوات الامثال حتى أن من أتلفه يضمن مثله فيمكن تحصيل رأس مال كل واحد منهما وقت القسمة باعتبار المثل (ثم) عند اختلاف الجنس إذا باعا المخلوط فالمثن بينهما على قدر قيمة متاع كل واحد منهما يوم خلطاه مخلوطا لان الثمن بدل المبيع فيقسم على قيمة ملك كل واحد منهما وملك كل واحد منهما كان معلوم القيمة وقت الخلط فتعتبر تلك القيمة ولكن مخلوطا لانه دخل في البيع بهذه الصفة واستحقاق الثمن بالبيع فتعتبر صفة ملك كل واحد منهما حين دخل في البيع فان كان أحدهما يزيده الخلط خيرا فانه يضرب بقيمته يوم يقتسمون غير مخلوط ومعنى هذا ان قيمة الشعير تزداد إذا خلطاه بالحنطة وقيمة الحنطة تنتقص فصاحب الشعير يضرب بقيمة شعيره غير مخلوط لان تلك الزيادة ظهرت في ملكه من مال صاحبه فلا يستحق الضرب به معه وصاحب الحنطة يضرب بقيمة حنطته مخلوطة بالشعير لان النقصان حصل بعمل هو راض به وهو الخلط وقيمة ملكه عند البيع ناقص فلا يضرب الا بذلك القدر * وقد طعن عيسي في الفصلين

[ 163 ] جميعا فقال قوله في الفصل الاول انه يعتبر قيمة متاع كل واحد منهما يوم خلطاه وفي الفصل الثاني يوم يقتسمون غلط بل الصحيح انه يقسم الثمن على قيمة متاع كل واحد منهما يوم وقع البيع لان استحقاق الثمن بالبيع وانما يقسم الثمن على القيمة وقت البيع. ألا ترى انهما لو لم يخلطا ولكن باعا الكل جملة فقسمة الثمن تكون على القيمة وقت البيع فكذلك بعد الخلط الا أن يكون تأويل المسألة أن تكون قيمته وقت الخلط والقسمة واليع سواء (قال) الشيخ الامام الاجل رحمه الله تعالى وعندي أن ما ذكره صحيح لان معرفة قيمة الشئ بالرجوع إلى قيمة مثله مما يباع في الاسواق وليس للمخلوط مثل يباع في الاسواق حتى يمكن اعتبار قيمة ملك كل واحد منهما وقت البيع فإذا تعذر هذا وجب المصير إلى التقويم في وقت يمكن معرفة قيمة كل واحد منهما كما في جارية مشتركة بين اثنين أعتق أحدهما ما في بطنها فهو ضامن لنصيب شريكه معتبرا بوقت الولادة لتعذر امكان معرفة القيمة وقت العتق لكونه مختبئا في البطن فيصار إلى تقويمه في أول الحال الذى يمكن معرفة القيمة فيه وهو بعد الولادة فكذلك هنا يصار إلى معرفة قيمة ملك كل واحد منهما في أول أوقات الامكان وهو عند الخلط الا أنه إذا علم ان الخلط يزيد في مال أحدهما وينقص من مال الآخر فقد تعذر قسمة الثمن على قيمة ملكهما وقت الخلط لتيقننا يزيادة ملك أحدهما ونقصان ملك الآخر فتعتبر القيمة وقت القسمة باعتبار أن عند الخلط ملك كل واحد منهما من ذوات الامثال فيجعل حق كل واحد منهما بعد الخلط كالباقي في المثل إلى وقت القسمة فيقسم الثمن على ما هو حق كل واحد منهما بخلاف ما إذا لم يخلطه لان تقويم ملك كل واحد منهما وقت البيع (قال) فان كان لاحدهما ألف درهم وللآخر مائة دينار فخلطا أولم يخلطا فهما سواء لانهما لا يختلطان وقد بينا أن خلط المالين في النقود ليس بشرط لصحة عقد الشركة فايهما هلك هلك من مال صاحبه لانه بقى على ملكه بعد عقد الشركة وكل واحد منهما أمين في رأس مال صاحبه سواء هلك في يده أو في يد صاحبه يكون هلاكه عليه ثم الشركة تبطل بهلاك أحد المالين لان المقصود بالشركة التصرف بها لا عينها فإذا اعترض بعد العقد قبل حصول المقصود ما لو اقترن بالعقد كان مانعا من العقد فكذلك إذا اعترض يكون مبطلا كالتخمر في العصير المشترى قبل القبض والكساد في الفلوس وانعدام رأس المال لاحدهما لو اقترن بالعقد كان مانعا فكذا إذا اعترض والمشترى بالمال الباقي بعد ذلك يكون لصاحبه خاصة هكذا يقول في

[ 164 ] بعض المواضع وفى بعض المواضع يقول إذا اشترى الآخر بماله بعد ذلك يكون المشترى بينهما نصفين ويرجع المشترى على صاحبه بنصف ما نقد من الثمن. وانما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فحيث قال يكون الباقي مشتريا لنفسه خاصة وضع المسالة فيما إذا أطلقا الشركة فيكون المشترى بمال أحدهما مشتركا بينهما عند الاطلاق من قضية عقد الشركة وقد بطلت بهلاك مال أحدهما فيكون الآخر مشتريا لنفسه وحيث قال المشترى بمال آخر لا بينهما وضع المسألة فيما إذا صرحا عند عقد الشركة على أن ما اشتراه كل واحد منهما بماله هذا يكون مشتركا بينهما وعند هذا التصريح الشركة في المشترى من قضية الوكالة لان كل واحد منهما قد وكل صاحبه بالشراء بماله نصا علي ان يكون نصف المشترى له والشركة وان بطلت بهلاك أحد المالين فالوكالة باقية فلهذا كان المشترى بينهما نصفين ويرجع المشترى على صاحبه بنصف الثمن لانه اشترى له النصف بحكم الوكالة ونقد الثمن من مال نفسه فيرجع به عليه. وإذا تأملت موضوع المسألة في كل موضع يتبين لك صحة الجواب من غير حاجة إلى الفرق ومن غير تناقض في الجواب قال (فان اشتريا متاعا على المال فنقدا الثمن من الدراهم ثم هلكت الدنانير فانها تهلك من مال صاحبها خاصة) لبقائها على ملكه بعد الشراء بالدراهم والمشترى بالدراهم بينهما على قدر رؤس أموالهما لان الشركة كانت قائمة بينهما حين اشتريا بالدراهم وصار المشترى مشتركا بينهما فلا يتغير ذلك بهلاك الدنانير بعد ذلك ولكن يرجع صاحب الدراهم علي صاحب الدنانير من ثمن المتاع بقدر حصته من المتاع لانه اشترى ذلك القدر له بوكالته ونقد الثمن من مال نفسه وانما رضي بذلك على أن يشترى الآخر بالدنانير لهما وبنقد الثمن من مال نفسه فإذا فات ذلك رجع بما نقد من ثمن حصته من دراهمه (ثم) لم يذكر ان شركتهما في المتاع المشترى شركة عقد أو شركة ملك وفيه اختلاف بين محمد والحسن رحمهما الله تعالى فعند محمد هي شركة عقد حتى إذا باعه أحدهما نفذ بيعه في الكل وعند الحسن رحمه الله هي شركة ملك حتى لا ينفذ بيع أحدهما الا في حصته لان شركة العقد قد بطلت بهلاك الدنانير كما لو هلكت قبل الشراء بالدراهم وانما بقي ما هو حكم الشراء وهو الملك فكانت شركتهما في المتاع شركة ملك. وجه قول محمد رحمه الله ان هلاك الدنانير كان بعد حصول ما هو المقصود بالدراهم وهو الشراء بها فلا يكون مبطلا شركة العقد بينهما في ذلك كما لو كان الهلاك بعد الشراء بالمالين جميعا. قال (فان اشتريا

[ 165 ] بالدراهم والدنانير جميعا متاعا فالمتاع بينهما على قدر رؤس أموالهما) والحاصل ان في شرط الربح ليعتبر قيمة رأس مال كل واحد منهما وقت عقد الشركة وفي وقوع الملك للمشترى يعتبر قيمة رأس مال كل واحد منهما وقت الشراء وفى ظهور الربح في نصيبهما أو في نصيب أحدهما يعتبر قيمة رأس المال وقت القسمة لانه ما لم يحصل رأس المال لا يظهر الربح وقد بينا هذا فيما أمليناه من شرح الجامع. قال (وان اشتريا بالالف متاعا ثم اشتريا بعد ذلك بالدنانير متاعا فوضعا في أحد المتاعين وربحا في الآخر فذلك بينهما على قدر رؤس أموالهما) لان الوضيعة هلاك جزء من المال والربح كالمال فيكون على قدر رأس المال ما لم يغير ذلك بشرط صحيح (وكذلك) رجلان اشتريا متاعا بألف درهم وكر حنطة على ان لاحدهما من المتاع بحصة الالف وللآخر بحصة الكر ودفعا الثمن فهذا الشرط معتبر لمقتضى مطلق السبب لان كل واحد منهما في الشراء يكون عاملا لنفسه وانما يملك من المبدل بقدر ما نقده من البدل (وكذلك) لو اشتريا متاعا بكر حنطة وكر شعير فكال أحدهما كر حنطة علي ان له من المتاع بحصته وكال الآخر الشعير على ان له من المتاع بحصته ثم باعا ذلك بدراهم فانهما يقتسمان الثمن على قيمة الحنطة والشعير يوم يقتسمان * وكذلك كل ما يكال أو يوزن. قال عيسى رحمه الله هذا غلط والصواب ان يقتسما ذلك علي القيمة يوم الشراء لما بينا ان في وقوع الملك في المشترى يعتبر قيمة مال كل واحد منهما يوم الشراء فانما يملك كل واحد منهما من المتاع المشترى بقدر رأس ماله عند الشراء ثم إذا باع ذلك فثمن حصة كل واحد منهما يكون له كما في العروض لو اشتريا متاعا بعرضين أحضراهما لكل واحد منهما عرض ثم باعا ذلك المتاع بدراهم اقتسما الثمن علي قيمة عرض كل واحد منهما وقت الشراء بها الا أن يكون تأويل المسالة انهما باعا المتاع مرابحة فحينئذ الثمن في بيع المرابحة مبنى على الثمن الاول على قدر الملك فيقسم الثمن بينهما على قدر قيمة رأس مالهما وقت القسمه بخلاف العروض فان المشترى بالعروض لا يجوز بيعه مرابحة انما يجوز بيع المرابحة في المشترى بماله مثل من جنسه فكانت القسمة على قدر قيمة العروض وقت الشراء بها. ولكن هذا التأويل بعيد فانه قال ثم باعا ذلك بدارهم. وقد نص على حكم بيع المرابحة بعد هذا فقال (إذا اشتريا بالمكيل والموزون وباعاه مرابحة استوفى كل واحد منهما رأس ماله الذى كاله أو وزنه ثم اقتسما الربح على قيمة رأس مال كل واحد منهما ان باعاه مرابحة بمال مسمى وان باعاه بربح

[ 166 ] عشرة أحد عشر كان لكل واحد منهما رأس ماله وحصته من الربح على ما باعا لانهما إذا باعا بربح عشرة أحد عشر فالربح من جنس أصل رأس المال بصفته وإذا باعاه مرابحة بمال مسمى فلربح مبنى على الثمن الاول فيقسم على قيمة رأس مال كل واحد منهما بيان هذا فيما قال في كتاب المضاربة لو اشترى شيئا بالف درهم نقد بيت المال ثم باعه مرابحة بربح مائة درهم فالربح الغلة ولو باعه بربح عشرة أحد عشر فالربح من نقد بيت المال كاصل الثمن وبهذا الفصل يتبين ضعف التأويل الذى قلنا في مسألة الطعن فانه قال هناك يقتسمان الثمن على قيمة الحنطة والشعير يوم يقتسمان فاعتبر في جميع ذلك الثمن دون الربح * قال الشيخ الامام رحمه الله والذى تخايل لى بعد التأمل في تصحيح جواب الكتاب انه بنى على قول محمد رحمه الله ان شركة العقد بالمكيل والموزون ثبتت عند خلط المال وقد بينا هذا الا ان الخلط إذا كان في أصل رأس المال يختلف الجواب باتحاد الجنس وخلاف الجنس لان تمام الاختلاط عند اتحاد الجنس فاما الخلط هنا باعتبار المشتري والمشترى مختلط بينهما سواء اتفق جنس رأس المال أو اختلف فكان المشترى مشتركا بينهما شركة عقد ورأس مال كل واحد منهما ما أداه وهو من ذوات الامثال فيجب تحصيله عند القسمة فلهذا قال يقسم الثمن على قيمة الحنطة والشعير يوم يقتسمان بخلاف العروض فان شركة العقد لا تثبت بالعروض بحال ولا يكون حق كل واحد منهما في مثل عرضه لانه لا مثل له فكان المعتبر قيمة عرض كل واحد منهما وقت الشراء. قال (ولو أن رجلا أعطى رجلا دنانير مضاربة فعمل بها ثم أرادا القسمة كان لرب المال أن يستوفي دنانيره أو يأخذ من المال بقيمتها يوم يقتسمون) لان المضارب شريك في الربح ولا يظهر الربح الا بعد وصول كمال رأس المال إلى رب المال اما باعتبار العين أو باعتبار القيمة وقد بينا في اظهار الربح ان المعتبر قيمة رأس المال في وقت القسمة. وانما أورد فصل المضاربة لا يضاح ما أشار إليه في الشركة قال (وينبغى لمن خالف ذلك أن يقول أخذ قيمتها يوم أعطاه ولم يبين من المخالف قبل المخالف) زفر رحمه الله قال لا يجوز شركة العقد بالدراهم والدنانير لاختلاف جنس رأس المال وانما يكون لكل واحد من ملك المشترى بقدر ما أعطى من ماله فلهذا يعتبر قيمة كل واحد منهما وقت الاعطاء * وفى النوادر لو دفع إلى رجل ألف درهم على أن يعمل بها على ان له ربحها وعليه الوضيعة فهلكت قبل الشراء فالقابض ضامن لها لان المعطى مقرض المال منه حين شرط

[ 167 ] ان الربح كله له والوضيعة عليه فهو إشارة الا انه يعمل بها لنفسه وذلك لا يكون الا بعد الاقراض والقبض بحكم القرض قبض ضمان. ولو قال اعمل بها على ان الربح بيننا والوضيعة بيننا فهلكت قبل أن يعمل بها فلا ضمان عليه في قول أبى يوسف لانه أمره بالعمل بها علي وجه الشركة والمال أمانة في يد الشريك وثبوت حكم القرض في النصف هنا بمقتضى الشراء لانه في النصف يصير مشتريا لنفسه فما ينقد فيه المثن يكون قرضا عليه فلا يثبت ذلك قبل الشراء وعند محمد رحمه الله هذا والاول سواء فإذا هلكت قبل الشراء بها فعليه ضمان نصفها للمعطى اعتبارا للجزء بالكل وهذا لانه شرط الوضيعة عليه في النصف وذلك لا يكون الا بطريق الاقراض فان المضارب ليس عليه من الوضيعة شئ فجعلناه مقرضا نصف المال منه وضمان القرض يثبت بالقبض. قال (وإذا جاء كل واحد منهما بالف درهم فاشتركا بها وخلطاها كان ما هلك منها هالكا منهما وما بقي فهو بينهما) لان المخلوط مشترك بينهما وما يهلك من المال المشترك يهلك علي الشركة إذ ليس صرف الهالك إلى نصيب أحدهما بأولى من صرفه إلى نصيب الآخر الا أن يعرف شئ من الهالك أو الباقي من مال أحدهما بعينه فيكون ذلك له وعليه لان الاختلاط في ذلك القدر لم يتحقق. وانما يعرف ذلك بان يكون مال أحدهما صحاحا والآخر مكسورا فما كان باقيا من الصحاح يعلم انه ملك صاحبها والحال في هذا قبل الاختلاط وبعده سواء فأما إذا لم يعرف فانه يجعل الهالك والقائم بينهما علي قدر ما اختلط من رؤس أموالهما ليتحقق الاختلاط في ذلك. قال (وإذا اشتركا بغير رأس مال علي ان ما اشتريا من الرقيق بينهما فهذا جائز) وهذا يفسد شركة الوجوه في الرقيق خاصة وقد بينا أن شركة الوجوه تكون مفاوضة تارة وعنانا أخرى والعنان منها يكون عاما وخاصا كالعنان في الشركة بالمال وهذا لان جوازها باعتبار الوكالة والتوكيل بشراء نوع خاص صحيح * وكذلك لو قالا في هذا الشهر لانه توقيت في التوكيل والوكالة تقبل التخصيص في الوقت والعمل جميعا قال (فان قال أحدهما قد اشتريت متاعا فهلك منى وطالب شريكه بنصف ثمنه لم يصدق علي شريكه بذلك القدر) لان كل واحد منهما وكيل صاحبه بالشراء والوكيل بالشراء إذا لم يكن الثمن مدفوعا إليه فقال اشتريته وهلك في يدى لا يصدق في الزام الثمن في ذمة الموكل بخلاف ما إذا كان الثمن مدفوعا إليه لان الوكيل أمين فيقبل قوله في براءته عن الضمان ولا يقبل قوله في الزام الدين لنفسه في ذمة الموكل لانه

[ 168 ] في ذلك غير أمين ولكن إذا دخل في ملكه ظاهرا مثل ما لزمه صح الزامه اياه وذلك بمباشرة الشراء لا باقراره فكذلك هنا كل واحد منهما في مباشرة الشراء يلزم ذمة صاحبه مثل ما يدخله في ملكه ظاهرا فاما في الاقرار لا يدخل شيئا في ملك شريكه ظاهرا فلا يصدق في الزام شئ في ذمته والقول قول الشريك لانكاره بعد أن يحلف وانما يحلف على العلم لانه استحلاف علي فعل الغير وهو شراء المدعى والحلف على فعل الغير يكون على العلم كما أشار إليه رسول الله في حديث القسامة يحلف لكم اليهود خمسين يمينا بالله ما قتلوه ولا علموا له قاتلا. قال (وان أقام البينة على الشراء والقبض ثم ادعى هلاك المتاع فالقول قوله مع يمينه على الهلاك) لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ثم هو أمين في المقبوض من نصيب صاحبه فيكون القول قوله في الهلاك مع يمينه ويتبع شريكه في نصف الثمن لان هلاك المشترى في يد الوكيل إذا لم يمنعه من الموكل كهلاكه في يد الموكل * وكذلك إذا اشتريا متاعا وقبضاه ثم قبضه أحدهما ليبيعه وقال قد هلك فهو مصدق مع يمينه لانه وكيل بالبيع في نصف صاحبه والوكيل بالبيع أمين فيما في يده فالقول في هلاكه قوله مع يمينه. قال (وإذا اشتركا بغير مال على ان ما اشترياه من شئ فهو بينهما نصفين ولاحدهما بعينة ثلثا الربح وللآخر الثلث فالشركة جائزة والشرط باطل) لان أحدهما شرط لنفسه جزأ من ربح ملك صاحبه وهو غير ضامن لشئ من نصيب صاحبه وقد نهى رسول الله عن ربح ما لم يضمن ولكن أصل الشركة لا تبطل بالشرط الفاسد فيجوز بيع كل واحد منهما فيما اشترى والربح بينهما نصفين على قدر ملكهما في المشترى. قال (وإذا اشتركا شركة عنان بأموالهما أو بوجوههما فاشترى أحدهما متاعا فقال الشريك الذى لم يشتره هو من شركتنا وقال المشترى هو لى خاصة وانما اشتريته بمالى لنفسي قبل الشركة فالقول قول المشترى) لان الظاهر شاهد له والاصل أن يكون كل أحد عاملا لنفسه ما لم يقم دليل على عمله لغيره ولان سبب الملك له في المشترى ظاهر والآخر يدعى استحقاق بعض ما في يده عليه فكان القول قول المنكر مع يمينه بالله ما هو من شركتنا (فان قيل) قيام عقد الشركة بينهما في هذا النوع دليل ظاهر علي ان المشترى بينهما فهو في قوله اشتريته قبل عقد الشركة يدعى لنفسه تاريخا سابقا في الشراء ومثل هذا التاريخ لا يثبت الا بحجة (قلنا) نعم هذا نوع ظاهر يشهد للآخر ولكن الظاهر

[ 169 ] حجه لدفع الاستحقاق فلا يثبت الاستحقاق بها وحاجة الآخر إلى اثبات الاستحقاق فلا يكفيه الظاهر لذلك فأما حاجة المشترى إلى دفع الاستحقاق للآخر عما في يده فالظاهر يكفيه لذلك. قال (رجل أمر رجلا أن يشترى عبدا بعينه بينه وبينه فقال المأمور نعم ثم ذهب فاشتراه وأشهد أنه يشتريه لنفسه خاصة فالعبد بينهما على الشركة) لانه وكيل من جهة الآخر في شراء نصف العبد له والوكيل لا يعزل نفسه بغير محضر من الموكل كما ان الموكل لا يعزل وكيله بغير علم منه لما في فعل كل واحد منهما من الالزام في حق صاحبه وذلك لا يثبت بدون علمه كخطاب الشرع لا يلزم المخاطب ما لم يعلم به ولانه قصد عزل نفسه هنا في امتثال أمر الآمر فانما عزله في مخالفته أمره لكيلا ينفذ تصرفه عليه فأما في امتثال أمره لا يمكنه أن يعزل نفسه. وعلى هذا إذا اشتركا على ان ما اشترى كل واحد منهما اليوم فهو بينهما لم يستطع أحدهما الخروج عن الشركة الا بمحضر من صاحبه لان كل واحد منهما وكيل لصاحبه * ولو أشهد الموكل على اخراج الوكيل عما وكله به وهو غير حاضر لم يجز ذلك حتى إذا تصرف قبل أن يعلم بالعزل نفذ تصرفه علي الآمر فكذلك في الشركة. قال (رجل أمر رجلا أن يشترى له عبدا بعينه بينه وبين المأمور فقال نعم ثم لقيه آخر فقال اشتر هذا العبد بينى وبينك فقال المأمور نعم ثم ذهب المأمور فاشترى العبد فالعبد بين الآمرين نصفين ولا شئ للمشترى فيه) لان الآمر الاول وكله بشراء نصفه له وقد تمت الوكالة بقبوله وصار بحال لا يملك شراء ذلك النصف لنفسه فكذلك لا يملك شراءه لانسان آخر لانه انما يملك الشراء لغيره باذنه فيما يملك شراءه لنفسه ولما أمره الثاني بأن يشترى العبد بينه وبينه فقد أمره بشراء نصفه له فينصرف هذا النصف إلى النصف الآخر غير النصف الذى قبل الوكالة فيه من الاول وهذا لانه وان ذكر كل النصف مطلقا ولكن مقصودهما تصحيح هذا التصرف ولا يمكن تصحيه إلا أن يتعين في الوكالة من الثاني النصف الآخر وهو نظير عبد بين شريكين باع أحدهما نصفه مطلقا ينصرف بيعه الي حصته خاصة فهنا أيضا ينصرف توكيل الثاني إلى النصف الآخر خاصة فلهذا يجعل مشتريا نصفه لكل واحد منهما بوكالته وخرج من البين. قال (رجل اشترى عبدا وقبضه فطلب إليه رجل آخر الشركة فاشركه فيه فله نصفه) لان الاشراك تمليك نصف ما ملك بمثل الثمن الذي ملكه به ولو ملكه منع جميع ما ملك بعد ما قبضه بأن ولاه البيع كان صحيحا فكذلك إذا ملكه نصفه. وبيان

[ 170 ] هذا ان مطلق عقد الشركة يقتضى التسوية قال الله تعالي في ميراث أولاد الام (فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) اقتضي التسوية بين الذكور والاناث فلما قال هنا أشركتك فيه فمعناه سويتك بنفسي وذلك تمليك للنصف منه وكذلك لو اشرك رجلين فيه صفقة واحدة كان العبد بينهم أثلاثا لانه سواهما بنفسه وانما تتحقق التسوية إذا كان العبد بينهم أثلاثا. قال (ولو اشتري رجلان عبدا فأشركا فيه رجلا فالقياس أن يكون للرجل نصفه ولكل واحد من المشتريين ربعه) لان الاشتراك تمليك بطريق التسوية بين المشتري وبين من أشرك على ما روى ان أبا بكر رضي الله تعالى عنه لما اشترى بلالا رضى الله عنه أخبر رسول الله صلي الله عليه وسلم بذلك فقال صلوات الله وسلامه عليه أشركني فيه فقال قد أعتقته. فعرفنا بهذا أن الاشراك تمليك حتى امتنع منه بالاعتاق ومقتضى لفظ الاشراك التسوية فكل واحد منهما صار مملكا نصف نصيبه منه حين سواه بنفسه في نصيبه فيجمع له نصف العبد ويبقى لكل واحد منهما ربعه. وفى الاستحسان يكون له ثلثه لانهما حين أشركاه فقد سوياه بأنفسهما فيقتضى هذا اللفظ أن يسوى بينهما في ملك العبد وانما يتحقق ذلك إذا صار له ثلث العبد من جهة كل واحد منهما السدس ويبقى لكل واحد منهما ثلثه. يوضحه أنهما حين أشركاه فقد جعلاه كالمشترى للعبد معهما ولو اشتراه معهما كان له ثلث العبد. قال (ولو أشركه أحد الرجلين في نصيبه ونصيب صاحبه فأجاز شريكه ذلك كان للرجل نصفه وللشريكين نصفه) لان اشراكه في نصيبه نفذ في الحال وفى نصيب شريكه توقف على اجازة الشريك وعند الاجازة يصير الشريك مشركا له في نصيبه فكأن كل واحد منهما اشركه في نصيبه بعقد على حدة (وروى) ابن سماعة عن أبى يوسف رحمهما الله أن أحد المشتريين إذا قال لرجل أشركتك في هذا العبد فأجاز شريكه كان العبد بينهم اثلاثا لان الاجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء ولو أشركه باذن شريكه كان بينهم اثلاثا هذا لان المجيز صار راضيا بالسبب لا مباشرا له والحكم الثابت عند الاجازة يسند إلى وقت العقد فيصير كأنهما أشركاه معا فيكون بينهم اثلاثا. قال (وكذلك ان أشركه أحدهما في نصيبه ولم يسم في كم أشركه ثم أشركه الآخر أيضا في نصيبه) لان كل واحد منهما سواه بنفسه في نصيبه في عقد على حدة فيصير مملكا نصف نصيبه منه. وذكر ابن سماعة عن ابن يوسف رحمهما الله أن أحد المشتريين لو قال لرجل أشركتك في نصف هذا العبد كان مملكا جميع نصيبه منه

[ 171 ] بمنزلة قوله قد أشركتك بنصف هذا ألا ترى أن المشتري لو كان واحدا فقال لرجل قد أشركتك في نصفه كان له نصف العبد بمنزلة قوله أشركتك بنصفه بخلاف ما لو قال أشركتك في نصيبي فانه لا يمكن أن يجعل بهذا اللفظ مملكا جميع نصيبه باقامة حرف في مقام حرف الباء فانه لو قال اشركتك بنصيبي كان باطلا فلهذا كان له نصف نصيبه. قال (رجل اشترى عبدا ولم يقبضه حتى أشرك فيه رجلا لم يجز) لانه بيع ما لم يقبض وذلك منهى عنه ألا ترى انه لو ملكه الكل قبل القبض بطريق التولية لم يجز فكذلك إذا ملكه البعض بالاشراك فان أشركه بعد القبض فهلك قبل أن يسلمه إليه لم يكن عليه ثمن ما أشركه فيه بمنزلة ما لو ولاه وهذا لانه في حقه بائع وهلاك المبيع في يد البائع قبل التسليم مبطل للبيع. ولم يذكر في الكتاب لو قبض نصف العبد ثم أشرك فيه غيره (والجواب) أنه يصح اشراكه في نصف العبد اعتبار للبعض بالكل (فان قيل) كانو ينبغى أن ينصرف اشراكه إلى النصف الذى قبضه خاصة تصحيحا لتصرفه بمنزلة عبد بين شريكين باع أحدهما نصفه مطلقا ينصرف البيع إلى نصيبه خاصة (قلنا) الاشراك يقتضي التسوية وانما يتحقق إذا انصرف اشاركه إلى الكل ثم يصح في المقبوض لوجود شرطه ولا يصح في غير المقبوض لانعدام شرطه فأما إذا انصرف الي تمليك المقبوض خاصة لا يكون تسوية بينهما وتصحيح التصرف يجوز على وجه لا يخالف الملفوظ ففى تعيين المقبوض هنا مخالفة الملفوظ بخلاف ما إذا باع أحد الشريكين نصف المقبوض فليس في تعيين نصيبه هناك لتصحيح العقد مخالفة الملفوظ. قال (وإذا اشترك الرجلان في عبد قبل أن يشترياه فقال كل واحد منهما لصاحبه أينا اشترى هذا العبد فقد أشرك فيه صاحبه أوقال فصاحبه فيه شريك له فهو جائز) لان كل واحد منهما يصير موكلا لصاحبه بأن يشترى نصف العبد له فأيهما اشتراه كان مشتريا نصفه لنفسه ونصفه لصاحبه بوكالته فإذا قبضه فذلك كقبضهما جميعا لان القبض من حقوق العقد وذلك إلى العاقد. ثم يد الوكيل كيد الموكل ما لم يمنعه منه حتى إذا مات كان من مالهما جميعا (فان اشترياه معا أو اشترى أحدهما نصفه قبل صاحبه ثم اشترى صاحبه النصف الباقي كان بينهما) لانهما ان اشترياه معا فقد صار كل واحد منهما مشتريا نصفه لنفسه وان اشترى أحدهما نصفه فقد صار مشتريا نصف هذا العبد لنفسه

[ 172 ] ونصفه لصاحبه وكان العبد بينهما فان نقد أحدهما الثمن بأمر صاحبه أو بغير أمره وقد كانا اشتركا فيه قبل الشراء على ما وصفت لك فانه يرجع بنصف الثمن على شريكه لان بالعقد السابق بينهما صار كل واحد منهما وكيل صاحبه في نقد الثمن من ماله ألا ترى أنه لو اشتراه أحدهما ونقد الثمن رجع على شريكه بنصفه بحكم تلك الوكالة فكذلك إذا اشترياه وأدى الثمن أحدهما فانما أدى النصف عن نفسه والنصف عن شريكه بوكالته فيرجع به عليه. (قال فان أذن كل واحد منهما لصاحبه في بيعه ثم باعه أحدهما على ان له نصفه كان بائعا لنصف شريكه بنصف الثمن فان باعه الا نصفه كان جميع الثمن ونصف العبد بينه وبين شريكه نصفين) في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله. وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله البيع على نصف المأمور خاصة فيحتاج في تخريج هذه المسألة إلى معرفة فصلين (أحدهما) أن عند أبى حنيفة الوكيل ببيع العبد يملك بيع نصفه والوكيل ببيع نصف العبد يملك بيع نصف ذلك النصف وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لا يملك وقد بينا هذا في كتاب الوكالة (والثانى) أن العبد إذا كان لواحد فقال لرجل بعته منك الا نصفه بألف درهم كان بائعا للنصف بألف درهم. ولو قال بعته منك بألف درهم على ان لى نصفه كان بائعا للنصف بخمسمائة لان الاستثناء والكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء المستثنى فكأنه قال بعت منك نصفه بألف درهم فأما قوله على أن لي نصفه ليس باستثناء بل هو عامل على سبيل المعارضة للاول فكان الايجاب الاول متناولا لجميعه وبالمعارضة تبين انه جعل الايجاب في نصفه للمخاطب وفى نصفه لنفسه وذلك صحيح منه إذا كان مقيدا ألا ترى أن رب المال يشترى مال المضاربة من المضارب فيكون صحيحا وان كان ذلك مملوكا له لكونه مقيدا فهنا أيضا ضم نفسه إلى المخاطب في شراء العبد مقيد في حق التقسيم فلهذا كان بائعا نصفه من المخاطب بخمسمائة. إذا عرفنا هذا فنقول البائع منهما هنا بائع نصفه بحكم الملك وفى النصف وكيل عن صاحبه فإذا قال بعنه منك على ان لى نصفه كان ايجابه متناولا للكل. ثم قوله على ان لى نصفه معارض فيكون ذلك معتبرا في تقسيم الثمن وفي ابقاء نصيبه على ملكه ويبقى موجبا للمشترى نصيب شريكه بنصف الثمن * وإذا قال بعته الا نصفه فهذا بمنزلة قوله بعت نصفه بكذا فعند أبى حنيفة ينصرف إلى النصف من النصيبين جميعا لان تعين نصيبه قبل الوكالة لتصحيح تصرفه وبعد الوكالة تصرفه صحيح وان لم يتعين له نصيبه لان من أصله أن الوكيل

[ 173 ] ببيع نصف العبد يملك بيع نصف ذلك النصف فلهذا كان جميع الثمن ونصف العبد بينه وبين شريكه نصفين وعندهما لا يمكن تصحيح تصرفه في النصيبين لان الوكيل ببيع نصف العبد لا يبيع نصف ذلك النصف فينصرف بيعه إلى نصيب نفسه لتصحيح تصرفه. قال (رجل اشترى عبدا وقبضه ثم قال لرجل آخر قد اشركتك في هذا العبد على أن تنقد الثمن عنى ففعل كانت هذه الشركة فاسدة) لانه ملكه نصف العبد بيعا بنصف الثمن وشرط فيه أن ينقد جميع الثمن عنه ونهى رسول الله عن بيع وشرط فيبطل هذا البيع بينهما لمكان الشرط وان نقد عنه الرجل رجع عليه بما نقد عنه لانه قضى دينه بأمره ولا شئ له في العبد لان الاشراك كان فاسداو البيع الفاسد بدون القبض لا يوجب شيئا. قال (رجل اشترى نصف عبد بمائة درهم واشترى رجل آخر نصف ذلك العبد الباقي بمائتي درهم ثم باعاه مساومة بثلثمائة درهم أو بمائتي درهم فالثمن بينهما نصفين ولو باعاه مرابحة بربح مائة درهم أو قال بالعشرة أحد عشر كان الثمن بينهما أثلاثا) وكذلك لو ولياه رجلا برأس المال أو باعاه بوضيعة كذا فالثمن بينهما أثلاثا لان الثمن في بيع المساومة بمقابلة الملك حتى يعتبر الملك هو في المحل دون الثمن الاول حتى لو كان موهوبا أو كان مشترى بعرض لا مثل له يجوز بيعه مساومة فعرفنا ان الثمن بمقابلة الملك وهما يستويان في ملك العبد فيستويان في ثمنه. وأما بيع المرابحة والتولية والوضيعة باعتبار الثمن الاول ألا ترى انه لا تستقيم هذا البيوع في الموهوب والموروث وفى المشتري بعرض لا مثل له والثمن الاول كان أثلاثا بينهما فكذلك الثاني. يوضح الفرق أن في بيع المرابحة لو اعتبرنا الملك في قيمة الثمن دون الثمن الاول كان البيع مرابحة في حق أحدهما وضيعة في حق الآخر وقد نصا على بيع المرابحة في نصيبهما فلابد من اعتبار الثمن الاول كذلك بخلاف بيع المساومة. قال (وإذا اشترك الرجلان شركه عنان في تجارة علي أن يشتريا وبيبعا بالنقد والنسيئة فاشترى أحدهما شيئا من غير تلك التجارة فهو له خاصة لان كل واحد منهما بحكم الشركة يصير وكيل صاحبه والوكالة تقبل التخصيص فإذا خصا نوعا كان كل واحد منهما في شراء ما سوى ذلك كالأجنبي عن صاحبه فيكون مشتريا لنفسه خاصة فأما في ذلك النوع فبيع كل واحد منهما وشراؤه بالنقد والنسيئة ينفذ علي صاحبه لانهما صرحا بذلك وهكذا لو لم يصرحا فان بمطلق التوكيل يملك الوكيل البيع والشراء بالنقد والنسيئة على الموكل فكذلك بمطلق الشركة الا أنه إذا اشترى أحدهما بالنسيئة

[ 174 ] بالنقود أو المكيل أو الموزون فان كان في يده من مال الشركة من ذلك الجنس جاز شراؤه على الشركة وان لم يكن كان مشتريا لنفسه لانه لو نفذ شراؤه على الشركة كان مستدينا على المالك وليس للشريك شركة عنان ولا للمضارب ولاية الاستدانة بمطلق العقد لمعين وهو انه لو صح استدانتهما زاد مال الشركة والمضاربة وما رضى كل واحد من الشريكين بتصرف صاحبه الا في مقدار ما جعلاه رأس المال فلهذا كان شراؤه بالنسيئة في هذه الحالة على نفسه خاصة. قال (وان كان مال الشركة في يده دراهم فاشترى بالنسيئة بالدنانير عندنا يصير مشتريا على الشركة استحسانا) وفي القياس وهو قول زفر رحمه الله يصير مشتريا لنفسه بناء على أصل معروف وهو ان الدراهم والدنانير في القياس جنسان وفى الاستحسان كجنس واحد في ضم أحدهما إلى الآخر وفى تكميل النصاب وغيره. ثم قد بينا ان عند زفر رحمه الله في حكم الشركة هما جنسان حتى لا تصح الشركة إذا كان رأس مال أحدهما دراهم ورأس مال الآخر دنانير فكذلك في حكم الشراء بالنسيئة وعندنا هما كجنس واحد في صحة الشركة بهما فكذلك في الشراء بالنسيئة على شريكه. قال (فان أقر أحدهما بدين في تجارتهما وأنكره الآخر لزم المقر جميع الدين ان كان هو الذى وليه) لان حقوق العقد تتعلق بالعاقد وكيلا كان أو مباشرا لنفسه وان أقر أنهما ولياه لزمه نصفه لانه في النصف مقر على نفسه وفي النصف على صاحبه وبعقد الشركة لا يثبت له ولاية الزام الدين في ذمة صاحبه باقراره فبطل اقراره. وان أقر أن صاحبه وليه لم يلزمه منه شئ لانه أقر على غيره ولا ولاية له في الزام الدين على غيره باقراره وهذا بخلاف شركة المفاوضة فانها تتضمن الكفالة والوكاله جميعا فيكون كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه بما يلزمه فإذا أقر أحدهما كان كل واحد منهما مطالبا بجميع ذلك المال بحكم الفالة. فأما شركة العنان تتضمن الوكالة دون الكفالة وبحكم الوكالة لا يصير كل واحد منهما مطالبا بما علي صاحبه. قال (فان كان لشريكي العنان علي رجل دين فأخره أحدهما لم يجز على صاحبه) بخلاف شريكي المفاوضة لان المتفاوضين فيما هو من صنيع التجار كشخص واحد والتأجيل من صنيع التجار فمباشرة أحد هما فيه كمباشرتهما وبشركة العنان ما صارا كشخص واحد ولان في شركة المفاوضة لكل واحد منهما حق المطالبة بما وجب لصاحبة بمباشرته فكان له أن يؤجل فيه وليس لشريك العنان حق المطالبة بما وجب بمباشرة صاحبه فلا يكون له أن يؤجل في نصيب صاحبه وفي نصيب نفسه اختلاف بين

[ 175 ] أبى حنيفة وبين صاحبيه رحمهم الله في صحة التأجيل موضع بيانه في كتاب الصلح. قال (وان اشترى أحدهما شيئا من تجارتهما فوجد به عيبا لم يكن للآخر أن يرده) لان الرد بالعيب من حقوق العقد وذلك يتعلق بالعاقد ولان الآخر في النصف أجنبي وفى النصف موكل وليس للموكل أن يخاصم في العيب مع البائع فيما اشتراه وكيله وكذلك لو أخذ أحدهما مالا مضاربة فربح فيه كان الربح له خاصة لان مال المضاربة ليس من شركتهما في شئ فعمله فيه يكون لنفسه خاصة دون شريكه واستحقاق المضارب الربح بعمله * وكل وضيعة لحقت أحدهما من غير شركتهما فهى عليه خاصة لان قيما ليس من شركتهما كل واحد منهما من صاحبه بمنزلة الأجنبي. وعلى هذا لو شهد أحدهما لصاحبه بشهادة من غير شركتهما فهو جائز لانه عدل لاتهمة في شهادته بخلاف ما هو من شركتهما فانه متهم في شهادته لماله من النصيب في الشهود به وقال أبو حنيفة لشريك العنان أن يضح وأن يدفع المال مضاربة وان لم يأذن له شريكه في ذلك ويجوز له أن يعمل في المال الذى ليس من شركتهما كل شئ يجوز للمضارب أن يعمله وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالي * وهذه المسألة تشتمل على فصول (أحدها) ان لاحد الشريكين أن يوكل بالتصرف وهو استحسان وفى القياس ليس له ذلك لان كل واحد منهما وكيل صاحبه وليس للوكيل أن يوكل غيره وان الموكل انما رضى برأيه ولم يرض برأى غيره. وفي الاستحسان التوكيل من عادة التجار وكل واحد منهما لا يجد بدامنه لان الربح لا يحصل الا بالتجارة الحاضرة والغائبة وكل واحد منهما عاجز عن مباشرة النوعين لنفسه ولا يجد بدا من أن يوكل غيره بأحذ النوعين ليحصل مقصودهما وهو الربح فيصير كل واحد منهما كالاذن لصاحبه في ذلك دلالة ولان الوكالة التى تتضمنها الشركة بمنزلة الوكالة العامة ولهذا صحت من غير بيان جنس المشترى وصفته وفى الوكالة العامة للوكيل أن يوكل غيره فانه لو قال لوكيله عمل برأيك كان له أن يوكل غيره (وكذلك) لاحد الشريكين ان يضع لان ذلك من عادة التجار ولانه لو استأجر من يتصرف في مال الشركة لجاز ذلك منه على شريكه فإذا وجد من يتصرف بغير أجر كان له أن يضعه بطريق الاولى (وكذلك) له أن يودع من مال الشركة لان له أن يستأجر من يحفظ مال الشركة فلان يكون له أن يودع ليحفظ المودع بغير أجر أولى * وله أن يدفع من مال الشركة مضاربة لان له أن يستأجر من يتصرف في مال الشركة بأجر مضمون في الذمة (12 مبسوط حادى عشر)

[ 176 ] فلان يكون له أن يستأجر من يتصرف ببعض ما يحصل من عمله من غير أن يكون ذلك مضمونا في الذمة أو لى لان هذا أنفع لهما (وروى) الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه ليس له أن يدفع المال مضاربة لانه ايجاب الشركة للمضارب في الربح فيكون بمنزلة عقد الشركة وليس لاحد الشريكين أن يشارك مع غيره بمال الشركة فكذلك لا يدفعه مضاربة وما ذكره في الكتاب أصح. ووجه الفرق بين الشركة والمضاربة ان ما يستفاد بعقد فهو من توابع ذلك العقد وانما يتبع الشئ ما هو دونه لا ما هو مثله أو فوقه والمضاربة دون الشركة. ألا ترى انه ليس على المضارب شئ من الوضيعة وان المضاربة لو فسدت لم يكن للمضارب شئ من الربح فيمكن جعل المضاربة مستفاد بعقد الشركة لانه دونه فأما الاشتراك مع الغير مثل الاول فلا يمكن ان يجعل من توابعه مستفادا به فهو نظير ما يقول ان للمضارب ان يوكل لان الوكالة دون المضاربة وليس له أن يدفع المال مضاربة لان الثاني مثل الاول فلا يكون مستفادا به ولهذا لم يكن للوكيل أن يوكل بمطلق التوكيل لان الثاني مثل الاول فلا يكون مستفادا به ولهذا لم يكن للوكيل أن يوكل بمطلق التوكيل لان الثاني مثل الاول ولكن هذا كله في حق الغير فأما في حق نفسه فيجوز أن يوجب لغيره مثل ماله ولهذا كان للمكاتب أن يكاتب وللمأذون أن يأذن لعبده لانه متصرف لنفسه بفك الحجر عنه والله سبحانه وتعالى أعلم باب شركة المفاوضة (روى) عن أبى سيرين رحمه الله تعالى قال لا تجوز شركة بعروض ولا بمال غائب وفى هذا دليل على انه لا بد من احضار رأس المال ولكن ان وجد الاحضار عند الشراء بها فهو والاحضار عند العقد سواء حتى إذا دفع إلى رجل ألف درهم على أن يشترى بها وبألف من ماله وعقدا عقد الشركة بينهما بهذه الصفة فأحضر الرجل المال عند الشراء جازت الشركة لان المقصود هو التصرف لانفس الشركة فإذا وجد احضار المال عند المقصود كان ذلك بمنزلة الاحضار عند العقد (وعن) الشعبي رحمه الله قال الربح على ما اصطلحا عليه والوضيعة على المال فكذلك في الشركة وهو مروى وعن علي رضى الله تعالى عنه وبه نأخذ. وتعتبر الشركة بالمضاربة فكما ان الربح في المضاربة على الشرط والوضيعة على المال فكذلك في الشركة (وعن) على رضى الله تعالى عنه قال ليس على من قاسم الربح ضمان

[ 177 ] وتفسير هذا أن الوضيعة علي المال في المضاربة والشركة لان الوضيعة هلاك جزء من المال والمضارب والشريك أمين فيما في يده من المال وهلاك المال في يده الامين كهلا كه في يد صاحبه * قال (وإذا اشترك الرجلان شركة مفاوضة فكتبنا بينهما كتابا بينا فيه انهما اشتركا فيه في كل قليل أو كثير شركه مفاوضة وان رأس مالهما كذا وكذا بينهما نصفين يعمل كل واحد منهما برأيه فإذا اشتركا على هذا فهما متفاوضان) وهذا لما بينا ان اعتبار المساواة ركن المفاوضة فلابد من أن تذكر التسوية بينهما في رأس المال والرابح وان الشركة بينهما في كل قليل أو كثير لانه إذا اختص أحدهما بملك مال يصلح أن يكون رأس مال في الشركة لا يكون العقد بينهما مفاوضة لانعدام المساواة ولكن ان اختص أحدهما بملك عرض أو دين على انسان فالشركة بينهما مفاوضة لان العرض لا يصلح أن يكون رأس مال الشركة والدين كذلك وهو نظير الاختصاص بالزوجة أو الولد وذلك لانعدام المساواة المعتبرة في المفاوضة ونص في الكتاب على لفظة المفاوضة. وقد بينا ان هذا لابد منه وان كانا لا يعرفان جميع أحكام المفاوضة وبعد ما صارا متفاوضين فما اشترى أحدهما فهو جائز عليه وعلي صاحبه يؤخذ به كله لان المفاوضة تتضمن الوكالة والكفالة فبحكم الوكالة يجعل شراء أحدهما كشرائهما وبحكم الكفالة يجعل كل واحد منهما مطالبا بما يجب على صاحبه بسبب التجارة. قال (وان كان رأس مال كل واحد منهما ألف درهم فاشتركا ولم يخلطا المال فالشركة جائزة) وفى النوادر قال في القياس لا تكون الشركة مفاوضه بينهما قبل خلط المالين لان كل واحد منهما مختص بملك مال يصلح أن يكون رأس مال في الشركة وذلك ينفى المفاوضة وفى الاستحسان يجوز لان المساواة موجودة بينهما وان لم يخلطا المال واختصاص أحدهما بملك مال غير صاف للمفاوضة بعينه بل بانعدام المساواة فإذا كانت المساواة موجودة كان الخلط وعدم الخلط سواء فان هلك أحد المالين يهلك من مال صاحبه على ما بينا في شركة العنان وتبطل الشركة بينهما * وان اشتريا بأحد المالين في القياس تبطل المفاوضة أيضا لان المشترى صار بينهما نصفين والآخر مختص بملك رأس ماله فتنعدم المساواة وفى الاستحسان لا يبطل العقد. وللاستحسان وجهان (أحدهما) ان المساواة قائمة معنى لان الآخر وان ملك نصف المشترى فقد صار نصف الثمن مستحقا عليه لصاحبه ونصف ماله مستحق به لصاحبه (والثانى) أن مالا يمكن التحرز عنه يجعل عفوا ولا يمكن

[ 178 ] التحرز عن هذا التفاوت عادة فقلما يجدان شيئا واحدا يشتريانه بمالهما. ولابد من أن يكون الشراء بأحد المالين قبل الآخر فيجعل هذا عفوا لعدم امكان التحرز عنه * قال (فان كانت دراهم أحدهما بيضا ودراهم الآخر سودا فهو كذلك) لان السود والبيض كل واحد منهما يصلح أن يكون رأس مال في الشركة وبتفاوت الوصف ينعدم الاختلاط وقد بينا ان الخلط ليس بشرط الا أن يكون لاحدهما على الآخر فضل في الصرف فلا تجوز شركة المفاوضة لانعدام التساوى بينهما الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله وقد بينا هذا ثم تكون الشركة بينهما عنانا لان تحصيل مقصود المتعاقدين بقدر الامكان واجب والعنان قد يكون عاما وقد يكون خاصا وهذا عنان عاما وان لقباه بالمفاوضة فهو لقب فاسد لانعدام شرط المفاوضة ولكن لا يبطل به أصل الشركة فان كان شراء يوم وقعت الشركة ثم صار في أحدهما فضل قبل أن يشتريا شيئا فسدت المفاوضة أيضا لانه اعترض بعد العقد قبل حصول المقصود به ما يمنع ابتداء العقد وهو التفاوت في ملك المال فيكون مبطلا للعقد كما لو ورث أحدهما مالا يصلح أن يكون رأس مال في الشركة تفسد به المفاوضة وان كان ذلك بعد الشراء بالمالين جميعا فالشركة جائزة لان المقصود قد حصل حين اشتريا بالمالين فلا معتبر بما يظهر من التفاوت في العرف بعد ذلك (فان قيل) أليس أنه لو ورث أحدهما مالا بعد الشراء بالمالين أو وهب له مالا فسدت المفاوضة (قلنا) لان المساواة في ملك المال منعدم هناك بما اختص به أحدهما وهنا لا ينعدم لان ملكهما تحول من الدراهم إلى المشترى والمشترى بينهما نصفان (فان قيل) لا كذلك بل لكل واحد منهما علي صاحبه نصف رأس ماله دينا عليه حتى لو هلك المشترى يرجع كل واحد منهما على صاحبه بنصف رأس ماله فينعدم المساواة أيضا بظهور الفصل في النصف (قلنا) نعم ولكن ما استوجبه كل واحد بينهما علي صاحبه دين عليه والدين لا يصلح أن يكون رأس مال في الشركة فالتفاوت بينهما في ذلك لا يمنع بقاء المفاوضة كما لو ورث أحدهما دينا أو عرضا وكذلك لو كان رأس مال أحدهما ألف درهم ورأس مال الآخر مائة دينار فان كانت قيمتها مثل الالف فالشركة بينهما مفاوضة وهذا في التفريع كالسود والبيض وان كانت قيمة الدنانير أكثر من ألف درهم لم تجز المفاوضة لانعدام المساواة وكانت الشركة بينهما عنانا حتى لا يطالب كل واحد منهما بما يجب علي صاحبه لان ذلك من حكم من الكفالة الثابتة

[ 179 ] بالمفاوضة. قال (وإذا اقتسما ضرب كل واحد منهما برأس ماله أو بقيمته يوم يقتسمون) لما بينا ان المعتبر قيمة رأس المال وقت القسمة لاظهار الربح فانه لما لم يصل إلى كل واحد منهما جميع رأس ماله لا يظهر الربح ليقتسماه بينهما * قال (ولو قال أحدهما لصاحبه بعتك نصف مالى هذا بنصف مالك هذا فرضى بذلك وتقابضا كانا شريكين فيهما بمنزلة المال المختلط) لان العقد الذى جرى بينهما عقد صرف وقدتم بالتقابض فصار كل واحد من المالين مشتركما بينهما نصفين فان كان رأس مال أحدهما دراهم ورأس مال الآخر عروضا فباعه نصف العروض بنصف الدراهم و تقابضا ثم اشتركا شركة مفاوضة أو شركة عنان جاز ذلك لان الدراهم بهذا العقد صارت نصفين بينهما فيكون ذلك رأس مالهما ثم يثبت في الشركة حكم العروض وهو بينهما نصفان بيعا * وقد يدخل في العقد بيعا ما لا يجوز ايراد العقد عليه قصدا كالشرب والطريق في البيع والمنقولات في الوقف يثبت فيها حكم الوقف تبعا إذا وقف قرية بما فيها من الدواب والمماليك وآلات الحراثة وان كان لا يثبت حكم الوقف في المنقولات قصدا فهذا مثله وقد بينا ان الشراء والحل بمنزلة العروض في انه لا يصلح أن يكون رأس مال في الشركة. قال (وان اشتركا شركة مفاوضة بغير مال على أن يشتريا بوجوههما فهو جائز) كما بيناه في شركة العنان الا أن تكون المفاوضة عامة ومثله في الوكالة لا يجوز فان من قال لغيره اشتر بينى وبينك لا يكون ذلك صحيحا ما لم يعين المشترى أو يخص بذكر الوقت أو بتسمية الجنس في العروض والقدر في المكيل والموزون أو بتسميته الثمن وتفويض الامر إلى رأيه على العموم وفي شركة الوجوه يجوز ذلك بدون التخصيص لانها تشتمل علي البيع والشعراء ومقصودهما الربح لا عين المشترى ومثله في الوكالة يجوز أيضا لو قال كل واحد منهما لصاحبه ما اشترينا من شئ فهو بيننا نصفان علي أن يبيعه ويقسم ربحه نصفين وكان ذلك تفسيرا للشركة فأما في الوكالة الخاصة المقصود عين المشترى فلابد من اعتبار معنى الخصوص فيه لتصحيح الوكالة. قال (وكذلك ان اشترك خياطان في الخياطة مفاوضة أو خياط وقصار أو شبه ذلك من الاعمال المختلفة أو المتفقة حتى إذا تقبل أحدهما عملا أخذ الآخر به وان كان عمله غير ذلك العمل) لان بشركة المفاوضة صار كل واحد منهما وكيل صاحبه في تقبل العمل له وكفيلا عن صاحبه فيما يجب عليه فكان كل واحد منهما مأخوذا بما يقبله الآخر ولا يمتنع صحة التقبل باعتبار أن ذلك ليس من عمله لانه لا يتعين عليه

[ 180 ] اقامة ما يقبل ببدنه ولكن له أن يقمه بأعوانه واحزابه وهو يقدر له على ابقاء ما التزمه بهذا الطريق فلهذا كان مطالبا بحكم الكفالة والله سبحانه وتعالى أعلم باب بضاعة المفاوض قال (ولاحد المتفاوضين أن يبيع بضاعة مع رجل وأن يدفع مضاربة وان يودع) وقد بينا ان شريك العنان يملك هذا فالمفاوض أولي لانه أعم تصرفنا منه. قال (وليس له أن يقرض لان الاقراض تبرع) وكل واحد من المتفاوضين انما قام مقام صاحبه في التجارة في مال الشركة دون التبرع ألا ترى انه لا يملك الهبة ولا الصدقة في نصيب صاحبه فالاقتراض في كونه تبرعا كالصدقة أو فوقه قال الصدقة بعشرة أمثالها والقرض بثمانية عشر. وقيل انما جعل الثواب في القرض أكثر لان ملتمس القرض لا يأتيك الا محتاجا والسائل للصدقه قد يكون محتاجا وقد يكون وغير محتاج (وذكر) الحسن ان على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالي لاحد المتفاوضين أن يقرض مال المفاوضة من رجل ويأخذ منه ما نتحققه به وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى ليس له ذلك وجعل هذا بمنزلة الكفالة من يحث انه متبرع في الاداء ولكن يرجع بمثله كما ان الكفيل متبرع في الالتزام ولكن يرجع بمثل ما يؤدى. ثم من أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان أحد المتفاوضين إذا كفل بمال يلزم شريكه ويجعل معنى المفاوضة في ذلك راجحا لذلك الاقرار وعندهما كفالة أحد المتفاوضين لا يلزم شريكه وجعلا معنى التبرع فيه راجحا لذلك في الاقرار. قال (فان أقر ض أحدهما فهو ضامن نصف ما أقرض لشريكه) لانه متعد في نصيب شريكه بتصرفه في المال علي غير ما هو مقتضى الشركة ولكن لا يفسد ذلك المفاوضة لان المضمون له انما اختص بملك دين وذلك غير مفسد للمفاوضة ما لم يقبضه ولان المقترض مستوجب مثل ذلك عن المستقرض فكانت المساواة بينهما قائمة. قال (وليس له أن يعير دابة بغير رأيه من شركتهما في القياس) لان الاعارة تبرع بالمنفعة بغير بدل فهو كالتبرع بالعين بغير بدل كالهبة وذلك خلاف ما تقتضيه المفاوضة قال (فإذا فعل فعطبت الدابة تحت المستعير كان المعير ضامنا نصف قيمة الدابة لشريكه في القياس) لانه متعد في نصيبه بالتسليم إلى المستعير ولكن استحسن فقال له أن يعير ولا ضمان عليه لان الاعارة من توابع التجارة فان التاجر لا يجد بدامنه

[ 181 ] لانه إذا أتاه من يعامله فلابد أن يعيره ثوبا ليلبس أو وسادة يجلس عليها ولا يجد بدا من اعارة الميزان وصنجاته من بعض الجيران فان من لا يعير لا يعار عند حاجته وكل واحد منهما مالك للتجارة في هذا المال فيملك ما هو من توابع التجارة ألا ترى ان المأذون يعير والمفاوض أعم تصرفا من المأذون حتى ان المفاوض يكاتب والمأذون لا يكاتب. وعلل في بعض النوادر فقال التاجر في المال وان لم يكن مالكا لشئ منه فله أن يعير وانما أراد به المأذون فالتاجر الذى يملك النصف يكون شريكا في الربح لا تملك الاعارة أولى. قال (ولو أبضع أحدهما بضاعة مع رجل لم يفرق المتفاوضان ثم اشترى المستبضع بالبضاعة شيئا وهو لا يعلم توفرهما فشراؤه جائز على الآمر وعلى شريكه) لان الابضاع توكيل ومباشرة أحدهما فيه حال قيام المفاوضة كمباشرتهما ثم افتراقهما عزل منهما اياه عن لتصرف قصدا وحكم العزل لا يثبت قصدا في حق الوكيل ما لم يعلم به فلهذا نفذ شراؤه عليهما ولو كان أمره بالشراء ولم يدفع إليه ما لا كان ما اشترى للآمر خاصة لان عمل أحدهما فيما هو من شركتهما كعملهما. وإذا دفع إليه مالا من شركتهما وأمره أن يشترى بها فانما وجد عمل أحدهما فيما هو من شركتهما فإذا لم يكن دفع إليه مالا فانما عمل أحدهما بالتوكيل والابانة فيما ليس من شركتهما الا ان المفاوضة إذا بقيت بينهما حتى اشترى الوكيل جعل شراؤه كشراء الموكل وكان المشترى بينهما نصفين بهذا الطريق وذلك لا يوجد إذا افترقا قبل شراء الوكيل لان عند شراء الوكيل لو اشتراه الموكل كان مشتريا لنفسه وكذلك الوكيل يكون مشتريا للآمر خاصة. يوضحه ان دفع الضرر عن الوكيل واجب وإذا كان المال مدفوعا إليه لو جعلناه مشتريا للآمر خاصة كان ضامنا للآخر نصيبه من المال فلدفع هذا الضرر جعلناه مشتريا بينهما إذا لم يعرف افتراقهما وذلك غير موجود فيما إذا لم يكن المال مدفوعا إليه لانه لا يضمن للشريك شيئا وان صار مشتريا للآمر ولكن يجب الشراء بالثمن في ذمته ويرجع به على الامر وقد رضى بذلك حين قبل الوكالة. قال (الا ترى انه لو مات الذى لم يبضع ثم اشترى المستبضع المتاع لزم الحى خاصة) الا أن في فضل الموت إذا كان المال مدفوعا إلى المستبضع فورثه الميت بالخيار ان شاؤا وضمنوا المستبضع وان شاؤا ضمنوا الآمر وهذا لان الموت يوجب عزل الوكيل حكما بطريق انه ينقل الملك إلى الورثة ولم يوجد من واحد منهم الرضا بتصرف الوكيل والعزل الحكمى يثبت في حق الوكيل وان لم يعلم به بخلاف افتراقهما

[ 182 ] فان ذلك من الذى لم يبضع عزل الوكيل في نصيبه قصدا فلا يثبت حكمه في حقه ما لم يعلم به * وان كان للورثة حق تضمين المستبضع لانه جان في نصيبهم من المال بالدفع إلى البائع من غير رضاهم ثم فلهم أن يضمنوه ان شاؤا وان شاؤا الآمر لان دفعه كان باذن الآمر فيكون كدفع الآمر بنفسه فان ضمنوا المستبضع رجع به على الآمر لانه غرم لحقه في عمل باشره له بأمره ولان جميع المتاع صار للآمر فيكون عليه جميع الثمن وقد نقد نصف الثمن من ماله ونصفه من مال غيره وقد استحق يرجع عليه بمثله قال (وإذا وكل أحد المتفاوضين رجلا بشراء جارية بعينها أو بغير عينها بثمن مسمى ثم ان الآخر نهاه عن ذلك فنهيه جائز) لان عزل الوكيل من صنيع التجارة كالتوكيل فكما جعل فعل أحدهما في التوكيل كفعلهما فكذلك يجعل نهى أحدهما اياه كنهيهما وان اشتراه الوكيل فهو مشتر لنفسه فان الوكالة قد بطلت بعزل أحدهما اياه فان لم ينهه حتي اشتراها كان مشتريا لهما جميعا فيرجع بالثمن على أيها شاء لان كل واحد يطالب بما وجب على صاحبه بحكم الكفالة وقد كان توكيل أحدهما كتوكيلهما جميعا فيستوجب الوكيل الرجوع عليها بالثمن فله أن يأخذ أيهما شاء بجميعه لانه في النصف أصيل وفى النصف كفيل عن صاحبه * وكذا ان اشترى أحدهما شيئا وقبضه كان للبائع أن يأخذ شريكه بالثمن لانه كفيل عن المشترى بما يلزمه بطريق التجارة * وان كان بالمتاع عيب كان للشريك ان يرده على البائع بعينه لان الرد بالعيب من حقوق التجارة وكل واحد منهما قائم مقام صاحبه فيما يجب بالتجارة له وعليه وكذلك ان باع أحدهما متاع فوجد المشترى به عيبا كان له أن يرده على الذى لم يبع لانه قائم مقام صاحبه فيما يلزمه بالتجارة والخصومة في العيب انا لزمته بالتجارة فكان الآخر قائما مقام البائع في ذلك فرد عليه. قال (أرأيت لو كانا قصارين متفاوضين فأسلم رجل إلى أحدهما ثوبا أما كان له أن يأخذ الآخر بعمله ذلك له ذلك) وللآخر أن يأخذه بالاجر إذا فرغ من العمل فحكم الرد بالعيب كذلك قال (وإذا أبضع أحد المتفاوضين بضاعة له ولشريك له شاركه شركة عنان فابضع ألف درهم بينهما نصفين مع رجل يشترى له بها متاعا فرضى الشريك فمات الدافع ثم اشترى المستبضع بذلك متاعا فالمتاع للمشترى أولا) يقول فيما ذكرنا بيان ان لاحد المتفاوضين ان يشارك مع رجل شركة عنان وفى رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمها الله ليس له ذلك لانه يجاب إلى الشركة للغير في المال المشترك ولهذا لم يكن لشريك العنان ان يشارك

[ 183 ] غيره فكذلك في المفاوض. وجه ظاهر الرواية ان العنان دون المفاوضة فيمكن أن يجعل من توابع المفاوضة مستفادا بها كالمضاربة وشركة العنان. قال (وان شارك أحد المتفاوضين رجلا شركة مفاوضة لم يجز ذلك علي شريكه) في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لان الثاني مثل الاول فلا يكون من توابع الاول مستفادا به كما انه ليس لشريك العنان أن يشارك غيره فكذلك وعلى قول محمد رحمه الله تعالى يجوز ذلك منه لانه المتفاوضين كل واحد منهما قائم مقام صاحبه فيما هو من صنيع التجار فيكون كل واحد منهما كفعلهما إذا عرفنا هذا فنقول المستبضع وكيل للدافع فيعذل بموت الدافع علم به أولم يعلم لان هذا عزل من طريق الحكم فإذا اشترى المتاع بعد ذلك كان مشتريا لنفسه فإذا نقد الثمن بالمال المدفوع إليه فقد قضى بمال الغير دينا عليه فيكون ضامنا مثل ذلك لصاحب المال ونصف هذا المال لشريك العنان فيضمن له ذلك والنصف الآخر للمفاوض الحي ولورثة الميت فيضمن لهما ذلك وانما قلنا انه ينعزل بموت الدافع أما في حقه لا يشكل وفي حق الشريكين الآخرين لان الشركة قد انقطعت من الدافع وببن كل واحد منهما بموته واعتبار أمره في حقهما كان بعقد الشركة فلا يبقى بعد انتقاضها ولو كان الدافع حيا ومات شريك العنان ثم اشترى المستبضع المتاع كان المتاع كله للمتفاوضين لان شركة الدافع مع شريك العنان قد انتقضت بموته وانقطعت الوكالة التى كانت بينهما فلا يثبت له الملك في المتاع بشراء الوكيل لان شراء الوكيل كشراء الموكل بنفسه والدافع لو اشترى المتاع بنفسه كان المتاع كله للمتفاوضين فكذلك وكيله ويرجع ورثة الميت بحصته من المال ان شاؤا على المستبضع لانه دفع ما صار ميراثا لهم إلى البائع بغير رضاهم ثم يرجع المستبضع به على أي المتفاوضين شاؤا لان كل واحد منهما ضامن عن صاحبه ما يلزمه بحكم قيام المفاوضة بينهما وقد صار الدافع ضامنا لذلك لان اداء وكيله بأمره كادائه بنفسه فان لم يمت هذا ولكن المتفاوض الآخر مات ثم اشترى المستبضع المتاع فنصف المتاع لشريك العنان لقيام الشركة بين الدافع وبين شريك العنان ولان شراء وكيله له كشرائه بنفسه ونصف المتاع للآمر لا شئ له منه لورثة الميت لان المفاوضة قد انتقضت بين الدافع وبين الميت * ولو اشترى بنفسه في هذه الحالة لم يكن شئ من المشترى لورثة الميت فكذلك إذا اشترى وكيله * ولورثة الميت الخيار ان شاؤا ضمنوا نصيبهم من المال المفاوض الحى لان اداء وكيله كادائه بنفسه وان شاؤا ضمنوه المستبضع لانه دفع مالهم إلى البائع

[ 184 ] بغير رضاهم ثم يرجع المستبضع به على الآمر لانه عامل له فيما أدى بأمره فيرجع عليه بما يلحق من العهدة ولا يرجع بها على شريكه الآخر لان الشركة بينهما عنان فلا يكون كل واحد منهما مطالبا بما يجب على الآخر. (قال وان أخذ أحد المتفاوضين من رجل مالا على بيع فاسد فاشترى به وباع كان البيع لهما والضمان عليهما) لان ما حصل انما يحصل بطريق التجارة وما وجب بطريق التجارة وهذا لان الفاسد من البيع معتبر بالجائز في الاحكام وفعل كل واحد منهما في التجارة كفعلها فيما يجب به عليهما وفيما يحصل به لهما. (قال وإذا أمر أحد المتفاوضين رجلين بأن يشتريا عبدا لهما وسمى جنسه وثمنه فاشترياه وافترقا عن الشركة فقال الآمر اشترياه بعد التفريق فهولى خاصة وقال الآخر اشترياه قبل الفرقة فهو بيننا فالقول قول الامر مع يمينه) لان الشراء حادث فيحال حدوثه إلى أقرب الا وفات * ومن ادعى فيه تاريخا سابقا فعليه اثباته بالبينة وان لم يكن له بينة فالقول قول من يجحد التاريخ مع يمينه ولان سبب الملك في المشترى أظهر للآمر فان فعل وكيله كفعله بنفسه والآخر يدعى استحقاق المشترى عليه وهو ينكر فالقول قوله مع يمينه وعلى الآخر البينة فان أقاما البينة فالبينة بينة الآخر لان فيه اثبات التاريخ فاثبات الاستحقاق له والبينات للاثبات فتترجح بزيادة الاثبات ولا تقبل فيه شهادة الوكيلين لانهما خصمان في ذلك يشهدان على فعل أنفسهما فان قال الشريكان لا ندري متى اشترياه فهو للامر أيضا لانه انما يحال بالشراء على أقرب الاوقات لما يعلم فيه تاريخ سابق. وإذا قال الآمر اشترياه قبل الفرقة وقال الآخر اشترياه بعد الفرقه فالقول قول الذى لم يأمر لانكاره التاريخ وانكاره وقوع الملك له ووجوب شئ من الثمن عليه والبينة بينة الآمر وكذلك هذا في شركة العنان بعد الفرقة باب خصومة المفاوضين فيما بينهما قال (وإذا ادعى رجل على رجل انه شاركه شركة مفاوضة وجحد المدعى عليه والمال في يد الجاحد فالقول قول الجاحد مع يمينه وعلى المدعى البينة) لانه يدعى العقد واستحقاق نصف ما في يده وذو اليد منكر فعلى المدعي البينة وعلى المنكر اليمين. وان أقام المدعى البينة فشهد الشهود انه مفاوضة أو زادوا على هذا فقالوا المال الذى في يده من شركتهما أو قالوا هو بينهما نصفين فانه يقضي للمدعى بنصفه لان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم. ولانهما ان قالا المال الذى في

[ 185 ] يده بينهما نصفان أو هو من شركتهما فقد صرحا بالشهادة للمدعى بملك نصف ما في يد ذى اليد وان قالا هو مفاوضة فمقتضى المفاوضة هذا وهو أن يكونا مستويين في ملك المال شريكين فيه فإذا قضى القاضى بذلك ثم ادعى ذو اليد عينا مما في يده انه ميراث له وأقام البينة على ذلك لم تقبل بينته في قول أبى يوسف رحمه الله. وقال محمد رحمه الله ان كان شهود المدعى شهدوا بأنه مفاوضة فبينة ذى اليد مقبولة وان شهدوا ان المال الذى في يده من شركتهما أو هو بينهما فلا تقبل بينة ذى اليد بعد ذلك * واحتج في ذلك فقال القاضى يقضي بما شهد به الشهود فإذا شهدوا بمطلق المفاوضة قضى القاضي بذلك أيضا ومطلق المفاوضة لا ينفى احتمال كون بعض ما في يده ميراثا له. ألا ترى ان العقد لو كان ظاهرا بينهما وورث أحدهما ما لا يصلح أن يكون رأس مال في الشركة كان ذلك له خاصة وتبقى المفاوضة بينهما الا أنا إنما نجعل جميع ما في يده بينهما نصفين لاعتبار مقتضى المفاوضة وهذا ظاهر نعتبره والظاهر يسقط اعتباره إذا قام الدليل بخلافه فإذا أقام البينه على عين انه ميراث له فقد ظهر الدليل المانع من اعتبار الظاهر في هذا العين فيجب العمل بذلك الدليل بخلاف ما إذا شهدوا بالشركة فيما في يده لان القاضى قضي بالشركة بدليل موجب لذلك فاقامة البينة بعد ذلك على عين انه ميراث يتضمن ابطال حكم الحاكم وبينة المقضى عليه على ابطال القضاء لا تكون مقبولة والدليل على الفرق بين حالة الاطلاق والبيان ان شاهدين لو شهدا بدار في يد رجل لانسان وقضى القاضي بذلك ثم زعم المدعى ان البناء كان ملك المقضى عليه فانه لا يبطل قضاء القاضي بالارض له ولو كان الشهود شهدوا له بالبناء والارض مفسرا ثم أقر المدعى ان البناء للمدعى عليه يكون ذلك إكذابا منه لشهوده ويبطل به قضاء القاضى له والفرق ما بينا ان البناء تبع فاستحقاقه في الفصل الاول باعتبار الظاهر إلى استحقاقه الاصل وعند التفسير والبيان استحقاقه البناء بالحجة فإذا أكذب شهوده في ذلك بطلت شهادتهم له. وجه قول أبى يوسف رحمه الله ان ذا اليد صار مقضيا عليه بنصف ما في يده لصاحبه وبينة المقضى عليه في اثبات الملك لا تقبل الا أن يدعى تلقى الملك من جهة المقضى له كما لو كانت الشهادة مفسرة وهذا لان الاسباب غير مطلوبة لاعيانها بل لاحكامها والمفاوضة سبب وحكمها الشركة في المال. ألا ترى ان دعوى المفاوضة لا تصح بدون دعوى الشركة في المال فكذا في الشهادة عليها انما تقبل باعتبار الحكم ولا فرق بين أن يصرح الشاهد بالحكم

[ 186 ] وبين أن يذكر السبب في ان القاضي يقضى بالحكم والسبب جميعا بالشهادة كما لو شهدوا بالشراء أو بالشراء والملك جميعا للمشترى ثم عند التفسير لم تقبل بينة ذى اليد يعتبرون به مقضيا عليه فكذلك عند الابهام. قال (فان ادعى ذو اليد عينا في يده انه له خاصة وهبه شريكه منه حصته فيه وأقام البينة على الهبة والقبض قبل ذلك منه) ومحمد رحمه الله يستدل بهذا على أبى يوسف رحمه الله ولا حجة له فيه على أبى يوسف رحمه الله لان هنا بينته مقبولة سواء فسر شهود المدعى بشهادتهم أولم يفسروا ثم الفرق انه ليس في قبول هذه البينة ابطال القضاء الاول في هذا العين بل فيها تقرير القضاء الاول لان القضاء الاول بالملك للمدعى وانما تصح الهبة باعتبار ملكه بخلاف الاول مع قبول البينة هناك ابطال القضاء الاول فيما تناوله القضاء قال ألا ترى انهم لو شهدا ان هذا العبد الذى في يده مشترك بينهما وقضى القاضي بذلك ثم أقام ذو اليد البينة ان المدعى وهبه له أو تصدق به عليه قبلت بينته. ولو أقام البينة انه ورثه عن أبيه وهو يملكه أو ان رجلا آخر وهبه منه لم تقبل بينته على ذلك والفرق ما بينا فكذلك في المفاوضة وان ادعى انه شريكه شركة مفاوضة والمال في يد المدعى عليه فأقر له بالمفاوضة وقضى عليه باقراره ثم ادعى عبدا مما كان في يده انه ميراث له أو وهبه من فلان فاقام البينة على ذلك قبل ذلك وقضى له بالعبد وهو دليل لمحمد رحمه الله أيضا من الوجه الذى قلنا ان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم ولكن الفرق بينهما لابي يوسف رحمه الله من وجهين (أحدهما) ان ذا اليد هنا مقر بالمفاوضة مدع الميراث ولا منافاة بينهما وقد أثبت دعواه بالبينة فوجب قبول بينته ألا ترى انه لو لم يكن له بينة لم كان يستحلف خصمه وفى الاول ذو اليد جاحد مدعى عليه وقد صار مقضيا عليه بحجة صاحبه ألا ترى انه لوادعى الميراث ولم يكن له بينه لم يكن له أن يستحلف خصمه فعرفنا بهذا انه منكر والمنكر لا يكون مدعيا فلهذا لم تقبل بينته (والثانى) ان الاقرار موجب الحق بنفسه بدون القضاء وانما يقضى القاضى بالاقرار فقط ولهذا قلنا ان استحقاق الملك بالاقرار لا يظهر في حق الزوائد المنفصلة فأما البينة لا توجب الا بقضاء القاضى وانما يقضى القاضى بما هو المقصود وهو كون المال مشتركا بينهما فلهذا لا يقبل بينة ذى اليد بعد ذلك * وكذلك لو كان المال في يديهما جميعا وهما مقران بالمفاوضة فادعى أحدهما شيئا من ذلك انه له ميراث وأقام البينة قبلت بينته لانه مدع أثبت دعواه بالحجة وان لم يكن له بينة استحلف صاحبه

[ 187 ] لانه منكرها لو أقر به يلزمه ولا اشكال في هذا الفصل انه لو ادعى تملك نصيب صاحبه عليه بالهبة وأقام البينة على ذلك ان بينته تكون مقبولة (وان ادعي رجل قبل رجل شركا في عبد له خاصة وجحد ذو اليد وأقام المدعى البينة ان العبد بينهما نصفان فانه يقضى له بنصفه) لانه نور دعواه بالحجة ولاتقبل من ذى اليد البينة انه ادعى ميراثا فيه لانه مقضى عليه بالملك في نصفه ولا بينة له الا أن يدعى تلقى الملك من جهة المقضى له. قال (وإذا مات أحد المتفاوضين والمال في يد الباقي منهما فادعى ورثة الميت المفاوضة وجحد ذلك الحى فأقاموا البينة ان أباهم كان شريكه شركة مفاوضة لم يقض لهم بشئ مما في يد الحى) لانهم شهدوا بعقد قد علمنا ارتفاعه بان المفاوضة تنتقض بموت أحدهما ولانه لاحكم لما شهدوا به في المال الذي في يده في الحال لان المفاوضة فيما مضى لا توجب أن يكون ما في يده في الحال من شركتهما الا أن يقيموا البينة انه كان في يده في حياة الميت وانه من شركة ما بينها فحينئذ يقضى لهم بنصفه لانهم أثبتوا الاستحقاق بالحجة أما إذا شهدوا انه كان من شركتهما فقد شهدوا بالنصف للميت وورثته خلفاؤه فيه بعد موته وان شهدوا انه كان في يده في حياة الميت فاليد الثابتة له في حال قيام الشركة كاليد الثابتة بالمعاينة أو باقرار الخصم وذلك موجب ملك الميت في نصفه وورثته في ذلك يخلفونه (فان أقام الحى البينة انه ميراث له من قبل أبيه لم تقبل بينته) لان الشهود قد فسروا وقضى القاضي عليه بالنصف للورثة بشهادتهم قالوا وهذا إذا شهدوا انه من شركة ما بينهما فاما إذا شهدوا انه كان في يده في حياة الميت فينبغي أن تكون المسألة على الخلاف كما في حال الحياة ولو كان المال في يد الورثة وجحدوا الشركة فأقام الحى البينة على شركة المفاوضة وأقام الورثة البينة ان أباهم مات وترك هذا ميراثا من غير شركة بينهما لم أقبل منهم البينة علي ذلك) لانهم جاحدون للشركة وانما يقيمون البينة على النفى وقد أثبت المدعى الشركة فيما في أيديهم بالبينة فيقضى له بنصفه وهذا لانهم حين زعموا ان أباهم مات وترك ميراثا فقد أقروا أنه كان في يد أبيهم حال قيام الشركة وهذا الفصل أيضا حمله بعضهم على الخلاف والاصح في الفصلين انه قولهم جميعا لان بعد الموت قبلت البينة للحكم لا للسبب فالسبب قد انتقض بالموت ولهذا يسوي بين مااذا فسر الشهود أنه من شركتهما أو لم يفسروا ذلك بخلاف حال الحياة (ولو قال ورثة الميت مات جدنا وترك ميراثا لا بينا وأقاموا البينة على هذا لم يقبل) في قول أبى يوسف

[ 188 ] رحمه الله وقبلت في قول محمد رحمه الله بمنزلة ما لو كان المفاوض حيا وأقام البينة على ذلك بعد ما شهد الشهود عليه بالمفاوضة المطلقة فان كان شهود الحى شهدوا على شئ بعينه انه من شركتهما لم تقبل بينة الورثة في ذلك كما لا تقبل البينة فيه من المورث لو كان حيا. قال (وإذا افترق المتفاوضان ثم ادعى أحدهما ان صاحبه كان شريكه بالثلث وادعى صاحبه النصف وكلاهما مقر بالمفاوضة فجميع المال من العقار وغيره بينهما نصفان) لان موجب المفاوضة المساواة في ملك المال فاتفاقهما على المفاوضة يكون اتفاقا على حكمها وهو ان المال بينهما نصفان ثم مدعى التفاوت يكون راجعا بعد الاقرار ومناقضا في كلامه ولان مطلق الاقرار بالعقد يتناول الصحيح من العقد ولا تصح المفاوضة الا بعد التساوى بينهما في المال الا ما كان من ثياب كسوة أو متاع بيت أو رزق العيال أو خادم يطؤها فانى أجعل ذلك لمن يكون في يديه ولا اجعله في الشركة استحسانا. وفي القياس يدخل هذا في الشركة لانه مال في يد أحدهما وهو حاصل بالتصرف وكل واحد منهما في التصرف قائم مقام صاحبه. ووجه الاستحسان ان هذه الشياء مستثناة من عقد الشركة لعلمنا بوقوع الحاجة لكل واحد من المتفاوضين إليها مدة المفاوضة ولهذا لو عايناه اشترى ذلك جعلناه مشتريا لنفسه فإذا صار مستثنى لم يتناوله مطلق المفاوضة فينفي ظاهر الدعوى والانكار ويجعل القول قول ذى اليد لانكاره وكذلك الخادم يطؤها لان فعله محمول على ما يحل شرعا ولا يحل له الاقدام على وطئها الا إذا كان مختصا بملكها. أرأيت لو كانت مدبرة أو أم ولد أما كان القول فيها قول ذى اليد وكذلك الامة ولذلك لو لم يفترقا ولكن مات أحدهما ثم اختلفوا في مقدار الشركة فهو على النصف لانا علمنا بوجود المال في يد أحدهما في حال قيام المفاوضة وتأثير موت أحدهما في نقض العقد فهو وافتراقهما سواء (ولو كاناحيبن والمال في يد أحدهما وهو منكر للشركة وأقام الآخر البينة انه شريكه شركة مفاوضة له الثلثان وللذى في يده الثلث فهذه الشهادة في القياس لا تقبل) لان اقراره بالمفاوضة اقرار بالمناصفة في المال وذلك اكذاب منه لشهوده فيما شهدوا به من الثلث والثلثين والمدعى إذا اكذب شاهده تبطل شهادته له. وفي الاستحسان شهادتهم على أصل المفاوضة مقبولة والمال بينهما نصفان لانه لا حاجة بهم إلى اتمام الشهادة إلى ما ذكروا من الثلث والثلثين فتلغى تلك الشهادة فتبقى شهادتهم على أصل المفاوضة ولان من الناس من يقول مع التفاوت

[ 189 ] في المال تصح المفاوضة فلعل الشهود ممن يعتمدون ذلك ففسروا بناء على اعتقادهم ولكن القاضى يبنى ما ثبت عنده على اعتقاده لا على اعتقاد الشهود فتبين بهذا الفعل ضعف كلام محمد رحمه الله في الفرق بين مااذا فسر الشهود أو ابهموا فان تفسير هم لما لم يعتبر في قبول شهادتهم على المفاوضة فكذلك لا يتعبر تفسيرهم في المنع من قبول بينة أحدهما على متاع في يده انه ميراث بل المبهم والمفسر في ذلك سواء وكذلك لو كان المدعى ميتا وأقام وارثه البينة على مثل ذلك لانه خليفة مورثة قائم مقامه. قال (وإذا افترف المتفاواضان فأقام أحدهما البينة أن المال كله كان في يد صاحبه وان قاضي كذا قد قضى بذلك عليه وقسموا المال وانه قضى به بينهما نصفين وأقام الآخر البينة بمثل ذلك القاضى بعينه أو من غيره فان كان ذلك من قاض واحد وعلمنا التاريخ من القضائين أخذنا بالآخر وهو رجوع عن الاول) لانه عالم بقضاء نفسه فانما يقضي ثانيا بخلاف ما قضى به أولا إذا تبين له الخطأ في القضاء الاول فلهذا جعلنا الثاني نقضا للاول وهو كما لو تباينا بألف ثم تبايعا بمائة دينار يجعل الثاني نقضا للاول وان لم يعلم التاريخ بينهما أو كان القضاء من قاضيين لزم كل واحد منهما القضاء الذى لانعده عليه لان كل واحد منهما صحيح ظاهر وانه قضى بالحجة ممن له ولاية القضاء فلا يجوز ابطاله بالشك إذ ليس أحدهما بالابطال أولى من الآخر (وإذا كان من قاضيين وكل واحد منهمالا يملك نقض قضاء الآخر ولا يقصد ذلك انما يقضى كل واحد منهما بما شهد عنده الشهود به ولا منافاة بينهما) لجواز أن يكون في يد كل واحد منهما بعض مال الشركة فظن كل فريق ان ذلك جميع مال الشركة فيحاسب كل واحد منهما صاحبه بما عليه ويترادان الفضل. قال (ولا يلزم المفاوض ما على شريكه من مهر أو أرش جناية) لان كل واحد منهما ملتزم لما وجب لطريق التجارة والنكاح ليس بتجارة فلمهر الواجب به لا يكون واجبا بسبب التجارة ولانه بدل مما لا يحتمل الشركة وكفالة كل واحد منهما عن صاحبه بدين هو بدل ما يحتمل الشركة حتى يكون منفعة مباشرة بسبب الالتزام لهما وارش الجناية واجب بطريق العدوان دون التجارة فهو بدل مالا يحتمل الشركة بينهما والدليل علي الفرق ان اقرار المأذون بالمهر وارش الجناية غير صحيح في حق المولى بخلاف اقراره بديون التجارة. قال (ولا يشارك أحدهما صاحبه فيما يرث من ميراث ولا جائزة يجيزها السلطان له أو هبة أو هدية) الا عند ابن أبى ليلي رحمه الله فانه يقول مقتضي الشركة المساواة وقد بقيت الشركة بينهما فيثبت ما هو مقتضاها وهو بناء علي مذهبه

[ 190 ] ان في الابتداء لو كان رأس مالهما علي التفاوت يجوز الشركة ويصير رأس المال بينهما نصفين فكذلك في الانتهاء ولكنا نقول لابد للملك من سبب وسبب الارث القرابة وذلك غير موجود في حق الشريك ولا يمكن جعل الوراث مملكا نصفه من شريكه بعقد الشركة لان تمام سبب الملك له بعد موت المورث والتمليك لا يسبق سببه لان كل واحد منهما يجعل كالوكيل عن صاحبه فيما يحتمله ويجوز الميراث يدخل في ملك الوراث بغير صنعه فلا يجوز ان يكون نائبا عن شريكه فيه وكذلك الصدقة فان مع اضافة موجب العقد إليه لا يمكن جعله نائبا عن شريكة. قال (ولا يفسد ذلك المفاوضة الا أن يكون دراهم أو دنانير وقد قبضه) معناه لم يكن دينا وهذا بناء على مابينا انه متى اختص أحدهما بملك مال يصلح أن يكون رأس مال الشركة ينعدم به موجب المفاوضة فتبطل المفاوضة. قال (وكل وديعة كانت عند أحدهما فهى عند هما جميعا) لانهما بعقد المفاوضة صار الشخص واحدا فيما يلتزمه كل واحد منهما بسبب هو من صنيع التجارة ويقول الوديعة من جملة ذلك فان مات المستودع قبل أن يبين لزمهما جميعا لان المودع إذا مات مجهلا للوديعة يصير متملكا للوديعة فهذا ضمان ما أوجب بتملك أحدهما ما يحتمل الشركة فيكون ملزما صاحبه (فان قيل) وجوب هذا الضمان بعد الموت ولا مفاوضة بينهما بعد الموت (قلنا) لا كذلك ولكنه لما أشرف على الموت وقد عجز عن البيان قد تحقق التجهيل وصار ذلك دينا عليه قبل موته. فان قال الحى ضاعت في يد الميت قبل موته لم يصدق لانه لا عقد بينهما بعد موت أحدهما وانما يجعل قول أحدهما كقول صاحبه بسبب العقد القائم بينهما ولان المودع بنفسه بعد ما صار ضامنا بالجحود ولو زعم انه ان هلك في يده لم يصدق فكذلك قول شريكه في ذلك لان قول المرء مقبول فيما هو أمين فيه لنفى الضمان عنه فأما في إسقاط الضمان الواجب عليه غير مقبول وان كان الحي هو المستودع صدق لانه ما صار متملكا ولا ضامنا للوديعة مادام حيا بعد موت شريكه فانه قادر على ما التزمه فلهذا كان قوله مقبولا (فان قيل) أليس ان كل واحد منهما فيما يلزمهما مقبول الوديعة مثل صاحبه (قلنا) نعم ولكن التمليك عند الموت باعتبار اليد لان الايدى المجهولة عند الموت تنقلب يد ملك والوديعة في يد المودع حقيقة لا في يد شريكه (وان قال اكلتها قبل موت صاحبي لزمه الضمان خاصة ولم يصدق علي صاحبه) لان وجوب الضمان عليه باقراره وعند الاقرار لا مفاوضة بينهما وهو في الانتهاء غير مصدق في حق صاحبه الا ان

[ 191 ] يقيم البينة انه أنفقها في حياة الميت والثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة فيكون عليهما وهذا قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعند أبى يوسف هو عليه خاصة. وأصل المسألة إذا وجب على أحدهما ضمان بغصب أو استهلاك ما فعند أبى يوسف رحمه الله هذا نظير أرش الجناية لانه واجب بسبب ليس بتجارة ولانه بدل المستهلك والمستهلك لا يحتمل الشركة وهما قالا ضمان الغصب الاستهلاك ضمان تجارة بدليل صحة اقرار المأذون به وكونه مؤاخذا به في الحال وهذا لانه وبدل مال محتمل للشركة وانما يجب بأصل السبب وعند ذلك المحل قابل للملك ولهذا ملك المغصوب والمستهلك بالضمان. قال (وإذا أودع أحد المتفاوضين من مالهما وديعة عند رجل فادعى المستودع أنه قد ردها إليه أو الي صاحبه فالقول قوله مع يمينه) لانه مسلط على الرد على كل واحد منهما أمين فيه فانه كما يقوم أحدهما مقام صاحبه في الايداع فكذلك في الاسترداد فلهذا كان القول قول المودع مع يمينه فان جحد الذي ادعي عليه ذلك لم يضمن لقوله لشريكه شيئا لان قول المودع مقبول في براءة نفسه عن الضمان لا في وصول المال إلى من أخبر بدفعه إليه ألا ترى ان المودع لو كان وصيا فادعى المودع الرد عليه لا يغرم الوصي لليتيم شيئا وكذلك لو أمره أن يقضى بالوديعة دينه فقال قد فعلت وقال صاحب الدين ما قضيت شيئا فالقول قول المودع في براءته ودين الطالب علي المودع بحاله ولكن يحلف الشريك الذي ادعى المودع الرد إليه بالله ما قبضته لان شريكه يدعى عليه ضمان نصيبه بجحوده القبض ولو أقر بذلك لزمه فإذا أنكر حلفه عليه (وكذلك) لو مات أحدهما ثم ادعى المستودع انه كان دفعه إلى الميت منهما لانه بقى أمينا بعد موته ألا ترى ان قوله في الرد مقبول في حق ورثة المودع فكذلك في حق شريكه ثم يستحلف الورثة على العلم لان المورث لو كان حيا وأنكر القبض استحلف لشريكه فكذلك بعد موته الا أنه إذا كان حيا فانما يستحلف علي فعل نفسه والورثة يستحلفون على فعل المورث بالقبض فقد بينا ان الاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم فان ادعى انه دفعه إلى ورثة الميت فكذبوه وحلفوا انهم ما قبضوه فهو ضامن لنصف حصة الحى من ذلك لان في نصيب الميت كان له حق الدفع الي ورثته وقد أخبر بأداء الامانة في ذلك فأما نصيب الحي فليس له أن يدفعه إلى ورثة الميت لانهم خلفاء الميت في حقه خاصة ولان المفاوضة قد انقضت بالموت فهو في نصيب الحي مقر بوجوب الضمان له على نفسه يدفعه إلى ورثة الميت ثم يكون ذلك النصف بين الحى وورثة الميت نصفين (13 مبسوط حادى عشر)

[ 192 ] لان المودع لم يصدق في وصول شئ من المال إلى ورثة الميت وانما يصدق في براءته عن الضمان فيجعل ذلك النصف كالناوي والمال المشترك ما ينوى منه ينوى على الشركة وما يبقى يبقى على الشركة (ولو قال دفعت المال إلى الذى أو دعني بعد موت الذى يودعني وحلف على ذلك فهو برئ من الضمان) لانه يدعي اداء الامانة في الكل فان للمودع حق الرد على من قبض منه مالكا كان أو غير مالك فرده عليه بعد انتقاض المفاوضة بينهما كرده في حال قيام المفاوضة ولا يصدق على الزام الحى شيئا بعد ان يحلف ما قبضه فان كان المودع ميتا فقال المستودع قد دفعت المال اليكما جميعا إلى الحي نصفه والى ورثة الميت نصفه وجحد واذلك فالقول قول السمتودع مع يمينه وهو برئ لانه يخبر عن أداء الامانة بايصال نصيب كل واحد منهما ليه فان أقر أحد الفريقين بقبض النصف شركه الفريق الآخر فيه لان باقراره يثبت وصول النصف إليه وبدعوى المودع لم يثبت وصول النصف الآخر الي صاحبه فيما يثبت القبض فيه يكون مشتركا وما وراء ذلك يكون ناويا قال (وان كانا حيين وقال المستودع قد دفعت المال اليهما فأقر أحدهما بذلك وجحده الآخر فالمستودع برئ ولا يمين عليه) لان تصديق أحدهما واياه في حال قيام المفاوضة كتصديقهما ولو صدقاه لم يكن عليه يمين وان افترقا ثم قال السمتودع دفعته إلى الذى أو دعني فهو برئ لان حق الرد على المودع باعتبار ان الوصول إلى يده كان من جهته لا بقيام المفاوضة بينهما وان قال دفعته الي الآخر وكذبه ذلك ضمن نصف ذلك المال للذي اودعه لان بعد الفرقة ليس له حق دفع نصيب المودع إلى شريكه وله حق دفع نصيب الشريك إليه فكان هو في نصيب الشريك مخبرا بأداء الامانة وفى نصيب المودع مقرا بالضمان على نفسه يدفعه الي غيره ثم ما يقبضه المودع يكون بينهما نصفين لان المودع غير مصدق في وصول نصيب الشريك إليه لما كذبه فجعل ذلك كالناوي فكان ما بقى بينهما نصفين وان صدقه الشريك بذلك فالمودع بالخيار ان شاء ضمن شريكه نصيبه لانه قبضه ولا حق له فيه وان شاء ضمن المودع لانه دفع نصيبه إلى شريك بعد انتفاض المفاوضة بينهما والدافع بغير حق ضامن كالقابض قال (وعارية المفاوض وأكل طعامه وقبول هديته في المطعوم واجابة دعوته بغير أمر شريكه جائز لا بأس به) ولا ضمان على الداعي ولا على الآكل استحسانا وفي القياس ليس له ذلك لانه يتصرف في نصيب شريكه بخلاف ما أمره به فانه أمره بالتجارة والعارية والاهداء والتخاذ الدعوة ليس بتجارة

[ 193 ] ولكنه استحسن فقال هذا من توابع التجارة وهما لا يجد التاجر منه بدا ألا ترى أن العبد المأذن يدعو المجاهدين إلى طعامه ويهدى إليهم المطعوم ليجتمعوا عنده والمأذون غير مالك لشئ من المال انما هو تاجر والمفاوض تاجر مالك لنصف المال فلان يملك ذلك كان أولى وذكر حديث سلمان الفارسى رضى الله عنه قال اهديت لرسول الله وأنا عبد قبل ان أكاتب فقبل ذلك منى وحديث الاخرس بن حكيم عن أبيه رضى الله عنه ان رسول الله أجاب دعوة عبد وقال أبو سعيد مولي أبى أسيد رضى الله عنه قال عرست وأنا عبد فدعوت رهطا من أصحاب رسول الله ورضي الله عنهم فيهم أبو ذر رضى الله عنه وعنهم فأجابوني قال (ولو كسا المفاوض رجلا ثوبا أو وهب له دابة أو وهب له الفضة والذهب والامتعة والحبوب كلها لم يجز في حصة شريكه) لانه تبرع وانما استحسن ذلك في الفاكهة واللحم والخبز واشباه ذلك مما يؤكل لانه اهداء ذلك إلى المجاهدين من صنيع التجار فأما في سائر الاموال الهبة ليس من صنيع التجار والمرجع في معرفة الفرق بينهما إلى العرف. قال (ولو اعار أحدهما دابة فركبها المستعير ثم اختلفا في الموضع الذى ركبها إليه وقد عطبت الدابة فانها صدقة في الاعارة إلى ذلك الموضع وبرئ المستعير من ضمانها) لان اقرار احدهما فيما هو مملوك لهما بحكم المفاوضة كاقرارهما. قال (ولو استعار أحدهما دابة ليركبها إلى مكان معلوم فركبها شريكه فعطبت فهما ضامنان) لان ركوب الدابة تتفاوت فيه الناس وصاحبها انما رضى بركوب المستعير دون غيره فالآخر في ركوبها غاصب ضامن إذا هلكت. وقد بينا أن ما يجب من الضمان على أحدهما بحكم الغصب فالآخر مطالب به فان كان ركبها في حاجتهما فالضمان في مالهما لان منفعة ركوبه ترجع اليهما فيما يجب من الضمان بسببه يكون في مالهما لان الغرم مقابل بالغنم * وان ركب في حاجة نفسه فهما ضامنان لما قلنا الا أنهما ان أذناه من مال الشريك رجع الشريك على الراكب بنصيبه من ذلك لان منفعة الركوب حصلت للراكب فكان قرار الضمان عليه بمنزلة غصب اغتصبه أو طعام اشتراه فأكله وقد أدى الثمن من شركتهما فبقى الثمن دينا عليه * قال (وإذا استعار أحدهما دابة ليحمل عليها طعاما له خاصة لرزقه إلى مقام معلوم فحمل عليها شريكه مثل ذلك إلى ذلك المكان من شركتهما أو لخاصتهما فلا ضمان عليه) من قبل أن التقييد الذى ليس بمفيد لا يكون معتبرا والضرر على

[ 194 ] الدابة لا يختلف بحمل ما عين من الطعام أو مثله وفعل كل واحد منهما في الحمل كفعل صاحبه ثم المستعير لو حمل عليها طعاما من شركتهما أو لغيرهما لم يضمن فكذلك شريكه. ألا ترى أن رجلا لو استعار رجل دابة ليحمل عليها عشرة مخاتيم حنطة فبعث بالدابة مع وكيل له ليحمل عليها الطعام فحمل الوكيل طعاما لنفسه انه لا يضمنه فللمفاوضة أوجب من الوكالة. وكذلك أحد المتفاوضين إذا استعارها ليحمل عليها عدل زطي فحمل عليها شريكه مثل ذلك العدل لم يضمن * ولو حمل عليها طيالسة أو أكسية كان ضامنا لا ختلاف الجنس وللتفاوت في الضرر على الدابة. قال (ولو حمل المستعير عليها ذلك ضمنه فكذلك شريكه) الا أنه ان كان ذلك من تجارتهما فالضمان عليهما لحصول المنفعة لهما. وان كانت بضاعة عند الذى حمل فالضمان عليهما لان الذى حمل عنه غاصب والآخر عنه كفيل ضامن ثم يرجع الشريك علي الذى حمل بنصف ذلك إذا أديا من مال الشركة لانه لا منفعة له في هذا الحمل فلا يكون عليه من قرار الضمان شئ. ولو استعارها ليحمل عليها عشرة مخاتيم حنطة فحمل عليها شريكه عشرة مخاتيم شعير من شركتهما لم يضمن لان هذا أخف على الدابة فلا يصير الحامل به مخالفا في حق صاحب الدابة سواء كان المستعير هو الذى حمله أو شريكه. وكذلك لو كانا شريكين شركة عنان فاستعارها أحدهما فالجواب في هذا كالجواب في الاول لان وجوب الضمان باعتبار زيادة الضرر على الدابة في الحمل ولم يوجد ذلك وان كان الاول استعارها ليحمل عليها حنطة رزقا لاهله فحمل عليها شريكه شعيرا له خاصة كان ضامنا لانه مستعمل لها بغير اذن مالكها وبغير اذن شريكه المستعير فان المستعيرين عند الاستعارة انه يستعيرها لمنفعة نفسه لان ما أعده رزقا لاهله يكون ملكا له خاصة وذلك بعدم رضاه بانتفاع الشرك بها فلهذا كان ضامنا. قال (وإذا ادعى رجل أن أحد المتفاوضين باعه خادما فجحد ذلك المتفاوضان فللمدعى أن يحلف المدعى عليه البيع على الثياب وشريكه على العلم) لان كل واحد منهما لو أقر بما ادعاه المدعى كان اقراره ملزما اياهما فإذا أنكر يستحلف كل واحد منهما لرجاء نكوله الا أن المدعى عليه البيع يستحلف على فعل نفسه فيكون يمينه على الثبات وصاحبه يستحلف على فعل الغير فيكون يمينا على العلم وأيهما نكل عن اليمين قضى بالجارية للمشترى بالثمن الذى ادعاه لان نكوله كاقراره واقرار أحدهما ملزم اياهما وكذلك لو ادعى تولية أو شركة أو اجارة أو تسليم دين أو تسليم دار بالشفعة لان فيما هو من عمل

[ 195 ] التجارة فعل أحدهما كفعلهما واقرار أحدهما ملزم للآخر فيحلف كل واحد منهما بدعوى المدعى فان ادعى شيئا من ذلك عليهما جميعا كان له أن يستحلف كل واحد منهما البتة لان كل واحد منهما الآن يحلف على فعل نفسه فأيهما نكل عن اليمين أمضى الامر عليهما. وان ادعى على ذلك أحدهما وهو غائب كان له أن يستحلف الحاضر على عمله فان حلف ثم قدم الغائب كان له أن يستحلفه البتة كما لو كانا حاضرين وان كان المفاوض هو الذى ادعى على رجل شيئا من ذلك وحلفه عليه ثم أراد شريكه أن يحلفه أيضا لم يكن له ذلك والفرق من وجهين (أحدهما) أن المفاوض المدعى يكون نائبا عن صاحبه بمنزلة الوكيل وبعدما استحلف بخصومة الوكيل لا يستحلف بخصومة الموكل لان النيابة في الاستحلاف صحيح وإذا كانت الدعوى عليهما فلا يمكن أن يجعل المفاوض المدعى عليه نائبا عن صاحبه في الحلف لان النيابة لا تجرى في اليمين فهلذا كان للمعدى أن يحلف الآخر (والثانى) أن الاشتغال بالاستحلاف فيما إذا كان مقيدا فأما إذا لم يكن مقيدا فلا يشتغل به وان كانت الدعوى من المتفاوضين فاستحلف المدعى عليه بخصومة أحدهما فلا فائدة في استحلافه لخصومة الآخر لانه بعد ما حلف في حادثة لخصومة انسان لا يمتنع من اليمين في تلك الحادثة لخصومة الاخر فأما إذا كانت الدعوى عليهما وحلف أحدهما كان استحلاف الآخر مفيدا لان أحدهما قد لا يبالي من اليمين والآخر يمتنع من ذلك إذ الناس يتفاوتون في الجرأة على اليمين فلهذا كان للمدعي أن يستحلف الآخر بعد ما حلف أحدهما لرجاء نكوله. قال (وان ادعى على أحد المتفاوضين جراحة خطأ لها ارش واستحلفه البتة فحلف له ثم أراد أن يستحلف شريكه لم يكن له ذلك ولا خصزمة له مع شريكه) لان كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فيما لزمه بسبب التجارة فأما ما يلزم بسبب الجناية لان يكون الآخر كفيلا به. ألا ترى أنه لو ثبتت الجناية بالبينة أو بمعاينة السبب لم يكن على الشريك شئ من موجبه ولا خصومة للمجني عليه معه فذلك لا يحلفه عليه لان الاستحلاف لرجاء النكول واقراره بالجناية علي شريكه باطل وكذلك المهر والجعل في الخلع والصلح من جناية العمد إذا ادعاه على أحدهما وحلفه عليه ليس له أن يحلف الآخر لما بينا. قال (وان ادعى على أحد المتفاوضين مالا من كفالة وحوله عليه فله أن يحلف شريكه عليه أيضا) في قول أبى حنيفة رضي الله عنه وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ليس له ذلك. وأصل المسألة ان أحد المتفاوضين إذا كفل بمال فان ذلك يلزم شريكه في

[ 196 ] قول أبى حنيفة رضي الله تعالى عنه وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لا يلزم شريكه * وجه قولهما ان الكفالة تبرع بدليل أنه لا يصح ممن ليس من أهل التبرع كالمأذون والمكاتب وانه إذا حصل من المريض كان معتبرا من ثلاثة وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فيما يلزمه بالتجارة دون التبرع. ألا ترى أن الهبة والصدقة من أحدهما لا تصح في حق شريكه فكذلك الكفالة. ولا بى حنيفه رحمه الله طريقان (أحدهما) أن الكفالة من مقتضيات المفاوضة فان كل واحد من المتفاوضين يكون كفيلا عن صاحبه كما يكون وكيلا عن صاحبه فيما يجب على أحدهما بالكفالة دين واجب بما هو من متقضيات المفاوضة فيكون ملزما شريكه كما لو توكل أحدهما عن انسان بشراء شئ كان شريكه مطالبا بثمنه (والثانى) أن الكفالة تبرع في الابتداء ولكنها إذا صحت انقلبت مفاوضة. ألا ترى أن الكفيل يرجع بما يؤدى علي المكفول عنه إذا كفل بأمره وقد صحت الكفالة هنا والذى كفل صار مطالبا بالمال * ولما صحت الكفالة انقلبت مفاوضة وما يوجب على أحدهما مبفاوضة مال بمال يطالب بها الشريك كالدين الواجب بالشراء بخلاف كفالة المديون والمكاتب والمأذون والمريض فيما زاد على الثلث فان ذلك غير صحيح أصلا فلا يكون مفاوضة وقد يجوز أن يكون تبرعا في الابتداء مفاوضة في الانتهاء كالهبة بشرط العوض فانه تبرع في الابتداء ثم إذا اتصل به القبض من الجانبين كان مفاوضة وإذا ثبت أن كفالة أحدهما يلزم شريكه عند أبى حنيفة رضى الله عنه. قال (يحلف الشريك على دعوى الكفالة بالمال لانه لو أقر به لزمهما جميعا فإذا أنكر يستحلف عليه) لانه مطالب بالمال لو ثبتت الكفالة على شريكه بالبينة فيستحلف عليه إذا أنكر بخلاف المهر والارش لانه غير مطالب به وإذا ثبت السبب على شريكه بالبينة فلا يستحلف عليه أيضا وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لو ثبتت الكفالة على شريكه بالبينة لم يكن هو مطالبا بالمال فلا يستحلف عليه أيضا * قال (وان كانت الكفالة من أحدهما بالنفس لم يلزم شريكه ولا يستحلف على ذلك إذا انكره بالاتفاق لان الكفالة بالنفس ليست بمال ولا يتحقق فيه معنى المفاوضة بحال فحكمه مقتصر علي من باشر سببه لان كفالة كل واحد منهما عن صاحبه بالمال الذى يحتمل الشركة والكفالة بالنفس لا تحتمل الشركة. قال (ولا تجوز المفاوضة بين المسلم والذمى في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله) وقال أبو يوسف رحمه الله يجوز ذلك وهى مكروهة.

[ 197 ] ووجه قوله ان كل واحد منهما من أهل الوكالة والكفالة على الاطلاق فتصح المفاوضة بينهما كالمسلمين والذميين وهذا لان مقتضي المفاوضة والكفالة والوكالة فانما تشترط أهلية كل واحد منهما في ذلك ثم كل واحد منهما مالك للتصرف بنفسه فكان كل واحد منهما من أهل المفاوضة ألا ترى ان المفاوضة تصح بين الذميين والمسلمين فكذلك تصح بين المسلم والذمى ولا معتبر بتفاوتهما في التصرف من حيث ان المسلم لا يتصرف في الخمر والخنزير والذمى يتصرف في ذلك. وهذا لان الذمي الذى هو شريك المسلم مفاوضة لا يتصرف عندي في الخمر والخنزير ثم لا معتبر بالمساواة في التصرف الا ترى أن المفاوضة تصح بين الكتابى والمجوسي والمجوسي يتصرف في الموقوذة لانه يعتقد فيها المالية والكتابي لا يفعل وكذلك المفاوضة تصح بين حنفى المذهب وشافعي المذهب وان كان الحنفي يتصرف في المثلث النبيذ لانه يعتقد فيه المالية وشافعي المذهب يتصرف في متروك التسمية عمدا لانه يعتقد فيها المالية. ثم هذا التفاوت لا يمنع صحة المفاوضة بينهما فكذلك المسلم والذمى وهما يقولان مبنى المفاوضة علي المساواة ولا مساواة بين المسلم والذمى في التصرف ولا في محل التصرف وهو المال فان المخمر والخنزير مال متقوم في حق أهل الذمة يجوز تصرفهم فيها بيعا وشراء وسلما في الخمر وهي ليست بمال في حق المسلم فتنعدم المساواة بينهما وبدون المساواة لا تكون الشركة مفاوضة. ألا ترى أن المفاوضة لا تصح بين الحر والعبد لانعدام المساواة بينهما قال قوله بأنه لا يتصرف في الخمر والخنزير إذا كان مفاوضا للمسلم قلنا المعنى الذى لاجله كان ينفذ تصرفه في الخمر والخنزير إذا كان مفاوضا للمسلم هو اعتقاد المالية والتقوم فيه وذلك لا ينعدم بالمفاوضة مع المسلم فلابد من القول بنفوذ التصرف عليه وهذا بخلاف المفاوصة بين الكتابى والمجوسي لان من يجعل الموقوذة مالا متقوما في حقهم لا يفصل بين الكتابى والمجوسي فيتحقق المساواة ببنهما في التصرف (فان قيل) لا يتحقق المساواة فان الكتابى يؤاجر نفسه للذبح والتضيحة والمجوسي لا يؤاجر نفسه لذلك لان ذبيحته لا تحل (قلنا) لا كذلك بل كل واحد منهما أن يتقبل ذلك العمل علي ان يقيمه بنفسه أو بنائبة واجارة المجوسى نفسه للذبح صحيح يستوجب به الاجر وان كان لا تحل ذبيحته فأما بين الحنفي والشافعي تتحقق المساواة لان الدلالة قامت على أن متروك التسمية عمدا ليس بمال متقوم ولا يجوز التصرف فيه من الحنفي والشافعي جميعا لثبوت ولاية الالزام

[ 198 ] بالمحاجة له والدليل فيتحقق المساواة بينهما في المال والتصرف وانما كرهه أبو يوسف رحمه الله لان في المفاوضة الوكالة ويكره للمسلم توكيل الذمي بالتصرف له. قال (ولا تجوز المفاوضة بين الحر والعبد ولا بين العبدين ولا بين الحر والمكاتب ولا بين المكاتبين ولا بين الصبيين وان أذن لهما أبوهما) لان مبنى المفاوضة على الكفالة فان كل واحد من المتفاوضين يكون كفيلا عن صاحبه والعبد والمكاتب والصبي ليسوا من أهل الكفالة فلهذا لا يجوز المفاوضة بينهما لان كل واحد منهما غير مالك للتصرف بنفسه فان العبد يحجر عليه مولاه والصبى يحجر عليه وليه والمكاتب يعجز فيرد في الرق والمقصود من المفاوضة التصرف والاسترباح فإذا لم يكن كل واحد منهما مالكا للتصرف بنفسه لا تجوز المفاوضة بينهما ثم تكون الشركة بينهما عنانا في هذه المواضع لانهما أهل الشركة وانما فسدت المفاوضة خاصة فيبقى العنان قد بينا ان العنان قد يكون عاما وقد يكون خاصا. قال (وان تفاوض الذميان جاز ذلك وان كان أحدهما نصرانيا والآخر مجوسيا) لان المساواة بينهما في الملك والتصرف تتحقق وكل واحد منهما من أهل الوكالة والكفالة فصحت المفاوضة بينهما. قال (وان شارك المسلم المرتد شركة عنان أو مفاوضة فهو موقوف عند أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه) ان قتل على ردته أو لحق بدار الحرب بطل وان أسلم جاز لان من أصله ان التصرفات تتوقف بالردة على أن ينفذ بالاسلام أو تبطل إذا قتل أو لحق بدار الحرب والشركة من جملة تصرفاته فأما علي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله شركة العنان منه صحيحة لان من أصلهما أن تصرف المرتد بعد ردته قبل لحاقه بدار الحرب نافذ فان قتل أو لحق بدار الرحب انقطعت الشركة لان في القتل موتا ولحوقه بدار الحرب كموته والموت مبطل للشركة وأما المفاوضة فعلى ما قال أبو حنيفة رحمه الله لا يرد به توقف أصل الشركة عندهما بل المراد توقف صحة المفاوضة فأما أصل الشركة صحيح عندهما وانما توقف صفة المفاوضة عند محمد رحمه الله لان المترد عنده في التصرفات كالمريض وكفالة المريض مرض الموت معتبرة من ثلثه فلا يكون المرتد من أهل الكفالة المطلقة إلا أن يسلم فلهذا توقف صفة المفاوضة على اسلامه وعلى أصل أبى يوسف الكفالة وان كانت تصح من المترد لانه بمنزلة الصحيح في التصرف الا ان نفسه توقف بين أن تسلم له بالاسلام أو يتلف عليه إذا أصر على الردة فيكون في معنى المكاتب من هذا الوجه والمكاتب ليس من أهل المفاوضة فلهذا توقف المفاوضة منه. قال (وان شارك

[ 199 ] المسلم المرتدة شركة عنان أو شركة مفاوضة جازت شركة العنان ولم تجز شركة المفاوضة إلا أن يسلم لان تصرف المرتدة نافذ فان المال باق على ملكها لان نفسها لم تتوقف بالردة حتى لا تقبل فكذلك في مالها الا انها كافرة فهى كالذمية ومن أصل أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ان المفاوضة لا تصح بين المسلمة والذمية وتصح شركة العنان وهى مكروهة فكذلك في حق المرتدة قال (وينبغى في قياس قول أبى يوسف أن تكون المفاوضة جائزة مع الكراهة لانه يجوز المفاوضة بين المسلمة والذمية فكذلك بين المسلمة والمرتدة وذكر عيسي بن أبان عن أبى يوسف رحمهما الله ان مفاوضتهما تتوقف كما تتوقف مفاوضة المرتد مع المسلم لانها وان كانت لا تقبل فانها تسترق وإذا ألحقت بدار الحرب فنفسها موقوفة من هذا الوجه فلهذا تتوقف مفاوضتهما. قال (ولاحد المتفاوضين أن يكاتب عبدا من تجارتهما) لان المفاوضة في حق شريكه أعم تصرفا من الوصي في حق اليتيم وللوصي أن يكاتب فللمفاوض ذلك بطريق الاولى وبيان هذا أن إقرار أحد المتفاوضين صحيح في حق شريكه وإقرار الوصي بالدين على اليتيم غير صحيح ثم الكتابة من عقود الاكتساب وهو أنفع من البيع لان البيع يزيل الملك بنفسه والكتابة لا تزيل الملك قبل الاداء وكل واحد من المتفاوضين بمنزلة صاحبه في اكتساب المال وان كانت الكتابة من التاجر الذى لا يملك شيئا من العبد وهو الاب والوصى صحيحة فصحتها من التاجر الذى يملك نصف العبد وهو المفاوض أولى وإذا ثبت ان لاحدهما أن يكاتب فله أن ياذن لعبده في التجارة بطريق الاولى فان كل واحد منهما فك الحجر والكتابة لازمة والاذن في التجارة ليس بلازم ولهذا كان للمأذون أن يأذن لعبده في التجارة وليس له أن يكاتب والاذن في التجارة من صنيع التجارة ومما يقصد به تحصيل المال وكل واحد من المتفاوضين في ذلك يقوم مقام صاحبه. قال (وليس لاحد المتفاوضين أن يعتق عبدا بمال أو بغير مال) لان ذلك تبرع أما العتق بغير مال فلا اشكال فيه وكذلك العتق بمال لان ذلك يتعجل زوال الملك عن العبد في الحال والمال في ذمة مفلسة لا يدرى أيقدر على الاداء أولا يقدر فلم يكن ذلك من عقود الا كتساب فلهذا لا يملك المفاوض في نصيب صاحبه وكذلك لا يزوج عبدا من تركتهما لانه ليس في تزويج العبد تحصيل المال بل فيه تعييب رقبته من حيث الاشتغال بالمهر والنفقة فلا يملك أحدهما في نصيب شريكه بدون اذنه وله أن يزوج الامة لان تزويج الامة من عقود

[ 200 ] الا كتساب فانه يكتسب به المهر وتسقط نفقتها عن نفسه ولهذا يملك الاب والوصى تزويج أمة اليتيم ولا يملكان تزويج عبد اليتيم. قال (وليس لشريك العنان أن يكاتب لان كل واحد منهما وكيل صاحبه في التجارة والكتابة ليس من التجارة) وما يكون معتادا بين التجار والكتابة ليس من هذه الجملة وكذلك لا يملك أحدهما تزويج الامة في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وفي قول أبى يوسف رحمه الله يملك ذلك وقد بينا هذا في كتاب النكاح. قال (وإذا كان للمتفاوضين عبد تاجر فادانه أحدهما دينا من تجارتهما لم يلزمه من ذلك شئ) لان فعل أحدهما في الادانة كفعلهما ولان مالية العبد من شركتهما وما اداناه أو احدهما فهو من شكرتهما أيضا فلا فائدة في الايجاب في ذمته فلا يشتغل بما لا يفيده شرعا (وكذلك في شركة العنان في البيع والشراء كل واحد منهما وكيل صاحبه في البيع بالنقد والنسيئة) والادانة بيع بالنسيئة ولا فائدة في ايجاب ذلك في ذمته متعلقا بماليته لان ماليته من شركتهما أما إذا كانا شريكين في عبد لهما خاصة فاذن لهما في التجارة ثم ادانه كل واحد منهما دينا فانه يلزمه نصف دين كل واحد منهما في حصة الآخر لان كل واحد منهما من حصة صاحبه كالاجنبي حتى لا يملك التصرف فيه فما ادانه كل واحد منهما نصفه في ملكه والمولى لا يستوجب على مملوكه دينا ونصفه في ملك شريكه وهو يستوجب الدين فيه لكونه مقيدا فانه في ذلك النصف كاجنبي آخر ويجعل كل نصف من العبد كعبد على حدة (ومن ادان عبده وعبد غيره يثبت من دينه ما يخص عبد غيره دون ما يخص عبده) قال (وان كان العبد التاجر بين المتفاوضين فباعه أحدهما ثوبا من ميراث ورثه لزمه نصف ذلك الدين في نصيب الآخر) لان ما ادانه ليس من شركتهما وفيما ليس من شركتهما كل واحد منهما من صاحبه كالاجنبي. قال (ولو كان العبد ميراثا لاحدهما فأذن له الآخر في البيع والشراء لم يجز) لان العبد ليس من شركتهما فاذن صاحبه له في التجارة كاذن اجنبي آخر فان أذن له مولاه ثم ادانه الآخر دينا من ميراثه خاصة لزمه ذلك كمال لو ادانه أجنبي آخر لان ما ادانه ليس من شركتهما وان اداناه من التجارة لزمه نصف ذلك لان فعل أحدهما في الادانة من مال التجارة كفعلهما فلا يجب عليه نصيب الاذن لانه ملكه ولا يستوجب المولى الدين علي عبده ويلزمه نصيب الآخر لانه أجنبي عن ماليته. قال (وإذا استأجر أحد المتفاوضين أجيرا في تجارتهما أو دابة أو شيئا من الاشياء فللمؤجر أن يأخذ بالاجر

[ 201 ] أيهما شاء) لان الاجارة من عقود التجارة وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه بما يلزمه بالتجارة وكذلك ان استأجر لحاجة نفسه أو استأجر ابلا لحج إلى مكة فحج عليها فللمكرى أن يأخذ به أيها شاء ان شاء المستأجر بالتزامه بالعقد وان شاء شريكه بكفالته عنه الا أن شريكه إذا أدى ذلك من خالص ماله يرجع به عليه لانه أدى ما كفل عنه بأمره وان أدى من مال الشركة يرجع عليه بنصيبه من المؤدى وهو النصف. وأما في شركة العنان فلا يؤاخذ به غير الذى استاجره لانه هو الملتزم بالعقد وصاحبه ليس بكفيل عنه فان شركة العنان لا تتضمن الكفالة (وان أدى العاقد من مال الشركة رجع شريكه بنصف ذلك عليه إذا كان استأجره لخاصة نفسه وان كان استأجره لتجارتهما وأدى الاجر من خالص ماله رجع لي شريكه بنصفه) لانه وكيل عن صاحبه في هذا الاستئجار وقد أدى الاجر من مال نفسه ولو كانت الشركة بينهما في شئ خاص شركة ملك لم يرجع علي صاحبه بشئ مما أدى لانه ليس بوكيل عن صاحبه في هذا الاستئجار. قال (ولو أجر أحد المتفاوضين عبدا من تجارتهما كان للآخر أن يأخذ الاجر) لان كل واحد منهما قائم مقام صاحبه فيما يجب لهما بالتجارة وفعل أحدهما كفعل صاحبه وللمستأجر أن يأخذه بتسليم العبد لان التسليم مضمون علي الآخر والاخر مطالب عنه بكفالته بما يلتزمه بالتجارة وان أجر أحدهما عبدا له خاصة من الميراث لم يكن للآخر أن يأخذ الاجر لانه بدل ما ليس من شركتهما ألا ترى أنه لو باع هذا العبد لم يكن للآخر أن يأخذ الثمن وحكم المنفعة حكم العين ولم يكن للمستأجر أن يأخذه بتسليم العبد لما بينا أن فيما ليس من شركتهما كل واحد من صاحبه كالأجنبي ولا تفسد المفاوضة وان كان الاجر دراهم أو دنانير حتى يقبضها لان أحدهما انما فضل صاحبه بملك دين والدين لا يصلح أن يكون رأس مال في الشركة فإذا قبضها فسدت المفاوضة لانه اختص بملك مال يصلح أن يكون رأس مال في الشركة وذلك بعدم المساواة وكذلك كل شئ مما هوله خاصة باعه فليس لشريكه أن يطالب به ولا تفسد المفاوضة ما لم يقبض الثمن فإذا قبض وكان من النقود فسدت المفاوضة لما قلنا. قال (ولاحد المتفاوضين أن يشارك رجلا شركة عنان ببعض مال الشركة فيجوز عليه وعلي شريكه كان باذنه أو بغير اذنه) وان شاركه شركة المفاوضة باذن شريكه فهو جائز عليهما كما لو فعلا ذلك وان كان بغير اذنه لم تكن مفاوضة وكانت شركة عنان وقد بينا اختلاف الرايات في هذا

[ 202 ] الفصل ويستوى ان كان الذى شاركه أباه أو ابنه أو أجنبيا عنه لان حكم الشركة واحد فلا يمكن التهمة فيه بسبب القرابة (وذكر) الحسن عن أبى حنيفة رحمة الله عليهما ان أحد شريكي العنان إذا شارك انسانا آخر شركة المفاوضة فان كان ذلك بمحضر من شريكه تصح مفاوضته وتبطل به شركته مع الاول وان كان بغير محضر من شريكه لم تصح مفاوضته لان مباشرته المفاوضة مع الثاني نقص منه لشركة العنان مع الاول فان المساواة بينهما لا تتحقق الا به ونقص أحد الشريكين الشركة بمحضر من صاحبه صحيح وبغير محضر منه باطل. قال (وإذا أجر أحد المتفاوضين نفسه لحفظ شئ أو خياطة ثوب أو عمل معلوم بأجر واكتسب بهذا الطريق فهو بينهما لانه انما يستوجب الاجر لتقبل ذلك العمل وهو صحيح منه في حق صاحبه) فما يكتسب به يكون بينهما ويجعل فعل أحدهما فيه كفعلهما بخلاف ما إذا أجر نفسه للخدمة لان البدل هناك يستوجبه بتسليم النفس ونفسه ليست من شركتهما فهو بمنزلة مالو أجر عبدا له ميراثا. وأما شريك العنان إذا اكتسب بتقبل العمل وليس ذلك من شركتهما فانه يكون له خاصة ولانه وكيل صاحبه في التصرف في مال الشركة وتقبل هذا العمل ليس بتصرف منه في مال الشركة وكان شريكه في ذلك كأجنبي آخر قال (ولاحد المتفاوضين أن يرهن عبدا من مال المفاوضة بدين من مال المفاوضة وبدين عليه خاصة من مهر أو غيره بغير اذن شريكه) لان المقصود من الرهن قضاء الدين فان موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن وله أن يوفي من مال الشركة هذا الدين وكذلك يرهن به الا انه إذا هلك الرهن حتى صار المرتهن مستوفيا للدين فان كان الدين من شركتهما فلا ضمان عليه وان كان الدين عليه خاصة يرجع شريكه عليه بنصف ذلك لانه قضى دينا عليه من مال مشترك وان كانت قيمة الرهن أكثر من الدين فلا ضمان عليه في الزيادة لان الزيادة على قدر الدين امانة في يد المرتهن فان لاحد المتفاوضين أن يودع ولان الاب لو رهن بدين الولد عينا قيمته أكثر من الدين لم يكن ضامنا للزيادة وكذلك المفاوض وان رهن عبدا له خاصة بدين من المفاوضة وقيمته مثل الدين فهلك فهو بما فيه ويرجع بنصفه على شريكه لانه صار قاضيا دين المفاوضة بخالص ملكه وهو في نصيب صاحبه وكيل عنه فيرجع عليه بما أدى من دينه من خالص ملكه. قال (وان كان الدين من تجارتهما على رجل فارتهن أحدهما به رهنا جاز) سواء كان هو الذى ولى المبايعة أو

[ 203 ] صاحبه لان كل واحد منهما قائم مقام صاحبه في استيفاء الدين الواجب بالتجارة وكذلك في الارتهان به وأما في شركة العنان فلا يجوز لاحدهما أن يرهن شيئا من الشركة بدين عليه خاصة الا برضا صاحبه كما ليس له أن يوفى ذلك الدين من مال الشركة لان كل واحد منهما وكيل صاحبه في التجارة في ذلك المال له في لا صرفه إلى حاجة نفسه قال (ولا يجوز ان يرتهن رهنا بدين لهما من الشركة على رجل الا أن يكون هو الذى ولي المبايعة أو يأمر من وليها منهما) اعتبارا للارتهان بالاستيفاء وليس له حق المطالبة بالاستيفاء لما وليه صاحبه الا باذنه فكذلك الارتهان وهذا لان الاستيفاء من حقوق العقد فيكون إلى العاقد وكيلا كان أو مالكا. قال (ولا يجوز لاحدهما أن يرتهن رهنا بدين ولياه جميعا) لان فيما وجب بعقد صاحبه هو لا يملك الاستيفاء فلا يصح ارتهانه به ولو جاز في نصيبه كان مشاعا والشيوع يمنع صحة الرهن فان فعل وهلك الرهن وقيمته مثل الدين ذهب نصف الدين وضمن نصف الرهن في ماله خاصة لان الفاسد من الرهن معتبر بالجائز في حكم الضمان فكما أن المقبوض بحكم الرهن الجائز يكون مضمونا بقدر الدين فكذلك المقبوض بحكم الرهن الفاسد (وطعن) عيسى رحمه الله في هذه المسألة وقال الصحيح ان يذهب نصف الدين ولا يضمن شيئا آخر لانه في نصيب صاحبه أجنبي وضمان الرهن ينبنى على يد الاستيفاء فإذا لم تثبت له يد الاستيفاء في نصيب صاحبه لا يثبت الضمان في ذلك النصف كمن ارتهن بدين لرجل على آخر ان يكون هو عدلا فيه ان أجازه صاحب الدين ضمنه وان لم يجزه فلا شئ عليه فهلك الرهن في يده قبل أن يجيزه صاحب الدين لم يضمن القابض شيئا وما ذكره في الكتاب أصح لانه قبض الرهن هنا على جهة استيفاء الدين فلا يكون صاحبه راضيا بالتسليم إليه بدون هذه الجهة وفي مسألة العدل بشرط انه لم يخبر صاحبه فلا شئ عليه وباعتبار هذا الشرط يتحقق رضا صاحب الرهن بقبضه لا على وجه الاستيفاء فلهذا لا يضمن شيئا ثم يكون للآخر أن يطالب المديون بنصيبه من الدين لانه لم يصر نصيبه من الدين مستوفى بهلاك الرهن. قال (واقرار أحد المتفاوضين بالرهن والارتهان جائز كما يصح اقراره بالايفاء والاستيفاء) لان كل واحد منهما قائم مقام صاحبه في ذلك ومن ملك مباشرة الشئ بالاقرار به لانتفاء التهمة فان أقر بذلك بعد التصرف أو موت أحدهما لم يجز اقراره على صاحبه لان الشركة قد انقطعت بينهما وقيامه مقام صاحبه في الاقرار كان بحكم

[ 204 ] الشركة فلا يبقى بعد انقطاع الشركة بينهما. قال (ويجوز اقرار شريك العنان بالارتهان فيما تولاه عليه وعلى شريكه) لان حق القبض إليه فيما تولى سببه فكما يجوز اقراره بالاستيفاء في نصيبه ونصيب صاحبه فكذلك اقراره بالارتهان وفيما وليه صاحبه ولا يجوز اقراره بالاستيفاء في نصيب صاحبه ويجوز في نصيبه استحسانا لان الموكل إذا اقبض الثمن بتسليم المشترى إليه صح قبضه استحسانا وكذلك اقراره بالاستيفاء حقيقة أو بالارتهان يكون صحيحا في نصيبه دون نصيب صاحبه. قال (وما غصبه المفاوض أو استهلكه أو عقد دابه أو احرق ثوبا فلصاحبه أن يضمن أيهما شاء) وقد بينا هذا الا أن حاصل الضمان يكون على الفاعل خاصة حتى لو أدى الآخر من مال الشركة رجع عليه بنصفه الا أن هذا الفعل لم يكن هو فيه قائما مقام شريكه ولا مأذونا له من جهته فيه فان الغصب ليس بتجارة وبثبوت الملك في المغصوب بتحقق شرط تقرر الضمان فأما الواجب ضمان الفعل فيكون علي الفاعل خاصة وإذا أدى غيره عنه بحكم الكفالة رجع عليه بخلاف الشراء الفاسد فان الضمان الواجب به ضمان العقد والفاسد من العقد معتبر بالجائز فكما ان ما يجب بالصحيح من التجارة يكون عليهما وإذا أداه أحدهما من مال الشركة لم يرجع به على صاحبه فكذلك ما يجب بالشراء الفاسد. قال (ولو كان عند أحدهما وديعة فعمل بها أو كانت مضاربة فخالف فيها كان الربح لهما) لان حصول الربح بطريق التجارة وفعل أحدهما فيه كفعلهما ولصاحبه أن يضمن أيهما شاء لمعنى الكفالة بينهما كما في ضمان الغصب والاستهلاك. قال (وإذا غصب شريك العنان شيئا أو استهلكه لم يؤخذ به صاحبه) لان على صاحبه ليس بكفيل عنه وان اشترى شيئا شراء فاسدا فهلك عنده ضمنه ورجع على صاحبه بنصفه لانه وكيل صاحبه بالشراء وما يجب على الوكيل بالشراء الفاسد والصحيح يستوجب الرجوع به على صاحبه لانه عامل له بأمره فان مطلق التوكيل يتناول الجائز والفاسد من التصرف. قال (ولو كفل أحد المتفاوضين عن رجل بمهر أو بارش جناية فهو بمنزلة كفالته بدين آخر لا يؤاخذ به شريكه) في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وفى قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه يؤاخذ به لان الواجب علي المفاوض بسبب الكفالة لا بسبب النكاح والجناية والارش والمهر في حقهما كسائر الديون بخلاف المهر والارش الواجب على أحد المتفاوضين فان وجوب ذلك بسبب النكاح والجناية والشريك غير متحمل فيه ما يجب لهذا السبب ولهذا لا يؤاخذ واحد من المتفاوضين

[ 205 ] بنفقة امرأة شريكه ولا متعتها ولا بنفقة يفرضها الحاكم عليه لذوي ارحامه لان وجوب ذلك بسبب لا يحتمل الشركة وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فيما يجب باعتبار سبب يحتمل الشركة. قال (وان أقر أحد المتفاوضين بدين عليه لامرأته غير المهر من شراء أو قرض لم يلزم شريكه منه شئ) في قول أبى حنيفة رحمه الله ويلزم المفاوض المقر خاصة وكذلك اقراره لكل من لا تجوز شهادته له من آبائه وأولاده وعبيده ومكاتبيه في قول أبى حنيفة رحمه الله. وقال أبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهما اقراره لهؤلاء جائز عليهما ماخلا عبده ومكاتبه وأصل المسألة في الوكيل بالبيع أن عند أبى حنيفة رحمه الله لا يبيع بمطلق الوكالة من واحد من هؤلاء وعندهما يجوز بيعه من هؤلاء الا من عبده ومكاتبه فمن أصلهما ان الاملاك بينهما متباينة فيكون لكل واحد منهما ولاية ايجاب الحق لصاحبه في ملك الغير عند تسليط من له الحق كما في حق الاجانب ولا يكون منهما في ذلك باعتبار ما بينهما من القرابة بخلاف العبد فكتبه ملك هؤلاء وللمولى حق الكسب في ملك المكاتب فلا يكون متهما في حق نفسه فكذلك في حق مكاتبه وعبده وبخلاف الشهادة فان التسليط ممن له الحق غير موجود هناك إذا ثبت هذا في التوكيل فكذلك في الاقرار أو كل واحد من المتفاوضين يوجب الحق للمقر له في مال صاحبه بتسليطه فامرأته وأبوه في ذلك كأجنبي آخر وأبو حنيفة رحمه الله يقول هو متهم في حق هؤلاء بدليل ان شهادته لهم لا تصح موجبة للحكم والانسان انما يملك الحق للغير في مال الغير عند تسليطه بصفة الامانة فلا يملك في حق هؤلاء لتمكن تهمة الميل إليهم كما في حق العبد والمكاتب ولكن هذه التهمة في نفوذ اقرار المفاوض على شريكه لا في نفوذ اقراره على نفسه فلهذا لزم المال المقر خاصة. قال (وكذلك لو أقر لامرأته وهى بائنة معتدة منه) وفى رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله يجوز اقراره لها في حق شريكه وأصله في الشهادة فانه إذا شهد للمباينه وهى تمتد منه قبلت الشهادة في رواية الحسن رحمه الله لانقطاع السبب الممكن للتهمة وهو النكاح كما بعد انقضاء العدة وفي ظاهر الرواية لاتقبل شهادته لهالان العدة حق من حقوق النكاح فبقاؤها كبقاء أصل النكاح ألا ترى ان في نكاح أختها وأربع سواها جعلت هذه العدة كالنكاح (وكذلك) في استحقاق النفقة والسكنى ووقوع طلاقه عليها فكذلك في المنع من قبول شهادته لها وفى امتناع صحة اقراره لها في حق الشريك. قال (ولو كان النكاح فاسدا وقد

[ 206 ] دخل بها فان أقر لها بمهرها لم يلزم شريكه لان وجوب المهر بسبب لا يحتمل الشركة فاسدا كان النكاح أو صحيحا) وان أقر لها بدين غير المهر لزمها جميعا لان هذه العدة ليست من حقوق النكاح ولكنها تجب لاشتغال الرحم بالماء ألا ترى أنها لا تستحق النفقة والسكنى باعتبارها وانه لا يقع عليها اطلاقه (وكذلك) لو أعتق أم ولده ثم أقر لها بدين لزمهما جميعا وان كانت في عدته لان هذه العدة ليست من حقوق النكاح ألا ترى أنها لا تستحق النفقة والسكنى باعتباره وكذلك لا تمنع من الخروج والسوق في هذه العدة بخلاف عدة النكاح وانه لا يقع عليها طلاقه وللمولى أن يتزوج أربعا سواها في هذه العدة بخلاف عدة النكاح فلهذا كانت كالاجنبية في حكم الشهادة والاقرار لها حتى يثبت المقر به في حقهما ويجوز اقراره علهيما جميعا لام امرأته وولدها من غير اعتبار الاقرار بالشهادة. قال (ولا يجوز اقرار المرأة المفاوضة بالدين لزوجها على شريكها كما لا يجوز شهاداتها له) ويجوز اقرارها بالدين لا بوى زوجها وولده من غيرها عليها وعلى شريكها كما يجوز شهادتها. قال (وإذا اعتق أحد المتفاوضين عبدا من شركتهما فالقول فيه كالقول في غير المفاوض) لان العتق ليس مما تقتضيه المفاوضة وقد بينا حكم اعتاق أحد الشريكين العبد المشترك في كتاب العتاق. قال (وإذا افترق المتفاوضان ثم قال أحدهما كنت كاتبت هذا العبد في الشركة لم يصدق على ذلك) لان أقر علي صاحبه بمالا يملك انشاءه في الحال وصحمة اقرار المقر في حق الغير باعتبار ملكه للانشاء ولكن اقراره في نصيب نفسه صحيح فيكون ذلك كانشاء مكاتبته وليس لشريكه أن يرده لدفع الضرر عن نفسه بعد ما يحلف على علمه لانه لو أقر بما أقر به على شريكه صار العبد كله مكاتبا فإذا أنكر يستحلف عليه ولكن الاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم فيحلف بالله ما يعلم انه كاتب في المفاوضة وكذلك ان أقر أنه اعتقه في الشركة معناه ان اقراره يصح في نصيب نفسه خاصة ولا يشتغل باستحلاف الآخر هنا لانه لو انشأ العتق في حال بقاء الشركة لم ينفذ في نصيب شريكه فكذلك إذا أقر به بعد الافتراق بخلاف الكتابة. قال (فان تفرقا وأشهد كل واحد منهما على صاحبه بالبراءة من كل شركة ثم قال أحدهما قد كنت أعتقت هذا العبد في الشركة وقد دخل نصف قيمته فيما ترتب اليك مرة فصدقه الآخر في عتقه وقال كنت اخترت استسقاء العبد فالقول قول الذى لم يعتق) لان الخيار إليه في تعيين محل حقه فلا يملك المقر

[ 207 ] ابطال هذا الحق عليه ولان مالية نصف العبد عرفناه حقا له والمقر يريد اسقاط حقه بما ذكر فلا يقبل قوله الا بحجة وعلي المنكر اليمين فإذا حلف كان له أن يستسقى العبد في قول ابى حنيفة رحمه الله ولا شئ له علي الشريك لاقراره انه باختيار الاستسقاء وذلك موجب براءة المعتق عن الضمان بالبراءة. قال (فان قال قد كنت اخترت ضمانك فقد برئ من الضمان بالبراءة) لان حقه تقرر في ذمته بزعمه وبرئ العبد من ذلك وقد صار مبرئا شريكه بالاشهاد على البراءة من كل شركة وان قال ما كنت اخترت شيئا فأنا على خياري كان القول قوله لان الخيار كان ثابتا له والاختيار حادث من قبله فإذا أنكره كان القول قوله ولكن له أن يستسقى العبد وليس له أن يضمن الشريك لاجل البراءة فانه لو تقرر ضمان نصيبه في ذمته باختياره تضمينه سقط ذلك بالاشهاد على البراءة فقيل تقرر الضمان لان يستفيد البراءة منه بالاشهاد على البراءة أولى وإذا سقط حقه في تضمينه تعين في استسقاء العبد كما لو أعتقه برضاه وان أقام المقر البينة انه قد كان اختار ضمانه جعل الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة فيبرأ هو من ذلك ولا شئ على العبد وان قال الشريك لم يعتقه الا بعد الفرقة كان القول قوله أيضا لان الاعتاق حادث فيحال به على أقرب الاوقات ولا يصدق المقر في الاسناد الا بحجة فان أقام المعتق البينة انه أعتقه في المقاوضة وضمن له نصف قيمته وأقام الآخر البينة انه أعتقه بعد الفرقة واختار سقاية العبد فالبينة بينة المعتق وبرئ هو والعبد من نصف قيمته لانه أثبت بينته بسبق التاريخ في الاعتاق وأبقى ما لزمه من الضمان به والتشريك ببينته يبغى ذلك والبينات للاثبات فيترجح يزيادة الاثبات. قال (ولو أقر أحدهما انه كاتب عبدا على الف درهم في الشركة وقبضها منه ومات العبد فقد دخل فيما برئت اليك منه وقال (الآخر بل كاتبته بعد الفرقة فالقول قول الذى لم يكاتب) لان المكاتب يدعى سبق التاريخ في عقده فلا يصدق الا بحجة والقول قول المنكر مع يمينه على علمه فإذا حلف يأخذ نصف الالف من المقر لانه أخذه من كسب العبد وقد كان مشتركا بينهما بعد الفرقة وان كان العبد مات وترك مالا كثيرا فقال المكاتب كاتبته بعد الفرقة وأنا وارثه وقال الاخر كاتبته في المفاوضة ونحن وارثاه جميعا ولم يرد المكاتب شيئا بعد فالقول قول الذي لم يكاتب لان ملكه في نصف المكاتب كان ظاهرا وذلك يوجب الملك له في نصف الكسب فالشريك بما قال يدعى بملك ذلك عليه فعليه البينة وهو منكر ذلك فالقول قول (14 مبسوط حادى عشر)

[ 208 ] الذى لم يكاتب مع يمينه فإذا حلف كان مكاتبا بينهما وقد مات فيأخذ ان المكاتبة من تركته والباقى ميراث قال لان ولاءه لهما. قال (ولو مات المتفاوضان واقتسم الورثة جميع اتركا ثم وجدوا مالا كثيرا فقال أحد الفريقين كان هذا في قسمنا لم يصدقوا على ذلك الا ببينة) لانهم تصادقوا على ان هذا المال كان مشتركا في الاصل فدعوى أحد الفريقين للاختصاص به بعد ذلك لا يقبل في حق الآخر الا بحجة وعلى الفريق الآخر اليمين فإذا حلفوا كان بينهما نصفين وان كان في أيديهم صدقوا ان كانوا قد أشهدوا بالبراءة لان سبب اختصاصهم بما في أيديهم قد ظهر وهو الاشهاد بالبراءة العامة وان كانوا لم يشهدوا بالبراءة فهو بينهم جميعا بعد ما يحلف الآخرون ما دخل هذا في قسم هؤلاء لانا عرفناه مشتركا في الاصل فانما يستحق ذواليد باعتبار يده ما لم نعلم فيه حقا لغيره فأما إذا كان معلوما فلا يستحق باعتبار يده بل بالاشهاد على البراءة وذلك غير موجود وهذا لان دعوى البعض فيما في يد الغير كدعوى الدين في ذمته وبعد الاشهاد على البراءة المطلقة لا تسمع منه دعوى ما في ذمته مطلقا فكذلك لا تسمع منه دعوى ما في يده بخلاف ما قبل الاشهاد على البراءة. قال (ولو كان في يد أحد الفريقين مال فقالوا هذا لابينا قبل المفاوضة لم يصدقوا على ذلك) لانهم قائمون مقام مورثهم ولو ادعى المورث ذلك في حياته لم يسمع ذلك منه وكان مافى يده بينه وبين صاحبه نصفين كما هو مقتضى المفاوضة فكذلك دعوي الورثة بعده فان كانوا قد أشهدوا بالبراءة مما كان في الشركة ثم أقروا بهذا وللفريق الآخر نصفه لان الاقرار حجة في حق المقر وقد زعموا ان هذا ما لم يتناوله البراءة لانه لم يكن من الشركة وكان حكم هذا المال بعد الاشهاد على البراءة كما قبله وان كانت البراءة مما كان في الشركة وغيره فلا حق لهم فيه لانه دخل في البراءة بهذا اللفظ سواء كان من شركتهما أو من غير شركتهما. قال (وكل ما اشترى أحد المتفاوضين من التجارة وغيرها فهو بينه وبين شريكه) الا انى أستحسن في كسوته وكسوة عياله وقوتهم من الطعام والادام أن يكون له خاصة دون شريكه لان مقتضى المفاوضة المساواة وكل واحد منهما قائم مقام صاحبه في التصرف وكان شراء أحدهما كشرائهما جميعا والقياس في الطعام والكسوة والادام كذلك فان شراء ذلك من عقود التجارة ولكنه استحسنه فقال هذا مستثنى من قضية المفاوضة لان كل واحد منهما حين شارك صاحبه كان عالما بحاجته إلى ذلك في مدة المفاوضة ومعلوم ان واحد منهما لم يقصد بالمفاوضة أن تكون نفقة وتفقة عياله على شريكه وقد كان يعلم انه لا يتمكن من تحصيل

[ 209 ] حاجته من ذلك الا بالشراء فصار كل واحد منهما مستثنيا هذا المقدار من تصرفه كما هو من مقتضى المفاوضة والاستثناء المعلوم بدلالة الحال كالاستثناء بالشرط ولان سبب المفاوضة انما يجب المساواة شرعا فيما يتمكن كل واحد منهما من الوقاية وذلك فيما سوى الطعام والكسوة والادام فان اشترى أحدهما شيئا من ذلك كان له خاصة وللبائع أن يطالب بالثمن أيهما شاء لان المشترى باشر سبب الالتزام والآخر كفل عنه ما لزمه بالشراء بسبب الشركة فإذا أداه أحدهما من مال الشركة رجع المؤدى على المشترى بقدر صحته من ذلك لان الثمن كان عليه خاصة وقد قضى من مال الشركة وان كانت الاشياء في يد أحدهما فجحد المفاوضة فقد وقعت الفرقة لجحوده لان كل واحد منهما ينفرد بفسخ الشركة بمحضر من صاحبه فجحوده يكون فسخا لانه ينفى بالجحود عقد الشركة بينهما فيما مضي ومن ضرورة ذلك بعينه في الحال وهو ضامن لنصف جميع مافى يده إذا قامت البينة على المفاوضة لانه كان أمينا في نصيب صاحبه فبالجحود يصير ضامنا كالمودع إذا جحد الوديعة وكذلك لو جحد وارثه بعد موته لان نصيب الآخر في يد وارث الميت أمانة فبالجحود يصير ضامنا فان ماتا وأوصى كل واحد منهما إلى رجل فوصى كل واحد منهما يطالب بما ولى موصيه مبايعته لانه قائم مقام الموصى وقد انقطعت الشركة بموتهما ولا يطالب بالدين الا من هو قائم مقام الذى ولى المبايعة فإذا قبضه فلا ضمان عليه في ذلك ولا على الورثة بعد أن يكونوا مقرين بالمفاوضة كما لو كان الموصى قبض بنفسه وهو مقر بالمفاوضة كأن أمينا في نصيب صاحبه. قال (وإذا اشترى أحد المتفاوضين جارية لخاصة نفسه ليطاها فان كان اشتراها بغير أمر شريكه فهى بينهما) وليس له أن يطأها لان هذا الشراء ما صار مستثنى من مقتضى الشركة وانه ما كان يعلم وقوع الحاجة إليه الا عند الشركة فيقع علي مقتضي الشركة وليس لاحد الشريكين وطئ الجارية المشتركة وان اشتراها باذن شريكه وللبائع أن يأخذ بالثمن أيهما شاء ويحتسبان به فيما بينهما من حصة الذى اشتراها بمنزلة ما يشتريه من الطعام والكسوة لنفسه وعياله (وذكر) في الجامع الصغير أن الجارية للمشترى بغير شئ في قول أبى حنيفة رحمه الله وله أن يطأها وأيهما نقد الثمن لم يرجع علي صاحبه بشئ منه وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله إذا اديا الثمن من مال الشركة فللشريك أن يرجع على المشترى بحصته من الثمن * فتبين بما ذكر هناك ان الجواب المذكور في كتاب الشركة

[ 210 ] قولهما، وجه قولهما انه اختص بملكها بالشراء فيلزمه ثمنها لان الثمن بمقابلة الملك فإذا اداه من مال الشركة رجع شريكه عليه بحصته من ذلك كما في الطعام والكسوة وهذا لان اعتبار اذن الشريك ليصير به هذا العقد مستثنى من مقتضي الشركة فإذا وجد التحق بالمستثنى بدون اذنه وهو الطعام والكسوة وأبو حنيفة رحمه الله يقول صار مشتريا الجارية على الشركة وقد نقد الثمن من مال الشركة فلا يرجع عليه شريكه بشئ منه كما لو اشتراها بغير أمر شريكه وهذا لانهما لا يملكان تغيير مقتضى الشركة مع بقائها. الا ترى انهما لو شرطا التفاوت بينهما في ملك المشترى لم يعتبر ذلك مع عقد الشركة ولكن تأثير اذن شريكه في تمليك نصيبه من المشترى بعد الشركة فيكون واهبا لنصيبه من شريكه * ولو انهما اشتريا جارية ثم وهب أحدهما نصيبه من صاحبه كانت الجارية له خاصة يطأها والثمن عليهما فهذا مثله يقرره ان أذن الشريك عليهما معتبر فيما لان يثبت بدون اذنه وشراء أحدهما صحيح بدون اذن شريكه وكذلك الملك في المشترى يكون لهما والثمن عليهما بدون اذن الشريك فعرفنا ان اعتبار اذنه في القرار المشترى بملك الجارية ولذلك طريقان إما بنفس الشراء وذلك غير ممكن مع قيام الشركة بينهما واما بهبة أحدهما نصيبه من صاحبه وذلك ممكن فيجب تحصيل مقصودهما بالطريق الممكن ويجعل هذا الطريق المتعين لتحصيل مقصودهما كتصريحهما به بخلاف الطعام والكسوة لان ذلك مستثنى من مقتضى الشركة فكان الملك في المشترى للمشترى خاصة بعقد الشراء فلهذا كان الثمن عليه خاصة. قال (فان كان اشتراها بامر صاحبه فوطئها ثم استحقت للمستحق أن يأخذ بالعقد ايهما شاء) لانه دين وجب على أحدهما بسبب التجارة وهو الشراء فانه لولا الشراء لكان الواجب عليه الحد بخلاف مااذا تزوج امرأة فوطئها ثم استحقت لان وجوب العقر عليه هناك باعتبار النكاح والنكاح ليس من التجارة في شئ والدليل على الفرق ان العبد المأذون يؤاخذ بالعقر بسبب الشراء في الحال ولا بؤاخذ بالعقر بسبب النكاح حتى يعتق. قال (وإذا باع أحدهما جارية من تجارتهما بنسيئة لم يكن لواحد منهما أن يشتريها باقل من ذلك قبل استيفاء الثمن) لان فعل أحدهما في البيع كفعلهما ولان أحدهما بائع والآخر تبع له ومن باع أو بيع له لم يجز شراؤه باقل من الثمن الاول قبل العقد. وان وهب البائع الثمن للمتشرى أو أبرأه منه جاز في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله ويضمن نصيب صاحبه لانه في نصيب صاحبه وكيل بالبيع والوكيل بالبيع

[ 211 ] إذا أبرأ المشترى عن الثمن أو وهبه له قبل القبض جاز في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وكان ضامنا مثله للموكل ولم يجز ابراؤه في قول أبى يوسف رحمه الله فكذلك هذا في نصيب الشريك وهذا لان الهبة والابراء ليس مما تقتضيه المفاوضة * وان كان الشريك هو الذى وهب الثمن من المشترى جاز في نصفه لانه مالك لنصيبه فيجوز اسقاط الثمن باعتبار ملكه كالموكل إذا أبرأ المشترى فأما في نصيب البائع الشريك ليس بمالك ولا عاقد فلا تصح هبته وان أقاله البيع جاز عليه وعلي الذى ولى البيع لان الاقالة من صنيع التجار فكان من مقتضيات المفاوضة فان الاقالة كالبيع الجديد ولهذا تصح من الاب والوصي وكذلك يصح من المفاوض والشريك شركة عنان. قال (ولو أسلم أحد المتفاوضين دراهم في طعام جاز ذلك عليهما) لانه شراء بنسيئه وهو من صنيع التجار ففعل أحد المتفاوضين كفعلهما وكذلك لو تعين أحدهما عينة عينة وصورة العينة أن يشترى عينا بالنسيئة باكثر من قيمته ليبيعه بقيمته بالنقد فيحصل له المال وهذا من صنيع التجار بفعل أحد المتفاوضين فيه كفعلهما وهذا بخلاف أحد شريكي العنان وقد بينا ان هناك انما يملك كل واحد منهما الشراء بالنسيئة إذا كان في يده من مال الشركة جنس ذلك الثمن فأما اذالم يكن فشراؤه بالنسيئة استدانة على المال وولاية الاستدانة لا تستفاد بشركة العنان وتستفاد بالمفاوضة. قال (ولو قبل أحد المتفاوضين رأس مال أسلم إليه صاحبه في طعام كان جائزا على شريكه) لان قبول السلم من صنيع التجار (فان قيل) كيف يصح هذا والتوكيل بقبول السلم لا يصح وكل واحد منهما وكيل في حق صاحبه فانما ينفذ من تصرفه على صاحبه ما ينفذ من الوكيل على الموكل (قلنا) هذا في شركة العنان هكذا فأما المفاوضة فكل واحد منهما بمنزلة صاحبه فيما هو من تجارة وقبول السلم من التجارة يوضحه ان قبول السلم تبع مافى ذمته والتزام ضمان مافى الذمة بمال يأخذه فهو بمنزلة مالو أجر نفسه بعمل من خياطة أو نحوها وقد بينا ان ذلك ينفذ منه في حق شريكه المفاوض حتى يطالب به فكذلك قبول السلم. قال (وإذا باع أحد المتفاوضين عبدا بنسيئة ثم مات لم يكن لصاحبه أن يخاصم فيه) لان الشركة انقطعت بينهما بالموت فانما تبقى ولاية المطالبة والخصومة بالعقد وذلك إلى العاقد أو الي من قام مقامه بعد موته من وصى أو وارث ولكن ان أعطاه المشترى نصف الثمن برئ منه لان نصف الثمن ملكه إذا قبضه وصى الميت يلزمه دفعه إليه فإذا دفعه المشترى إليه بنفسه برئ

[ 212 ] استحسانا كالمشترى من الوكيل إذا دفع الثمن الي الموكل يبرأ استحسانا. قال (وإذا باع أحدهما من صاحب ثوبا من الشركة ليقطعه جاز) لان هذا بيع مقيد فان الثوب قبل هذا البيع من الشركة بينهما وبعد هذا البيع يختص المشترى بملكه فانه لو اشتري ثوبا لكسوته من أجنبي يختص بملكه وكذلك إذا اشتراه من صاحبه والشراء إذا كان مقيدا كان صحيحا كالمولى إذا اشترى شيئا من كسب عبده المأذون المديون لنفسه أو رب المال إذا اشترى شيئا من مال المضاربة من المضارب كان صحيحا. قال (وكذلك لو باعه جارية ليطأها أو طعاما يجعله رزقا لاهله فهلذا اليع مفيد يجب به الثمن) ثم نصف الثمن له ونصفه لشريكه كما لو باعه من أجنبي آخر. قال (وإذا اشترى شيئا من ذلك أحدهما من صاحبه للتجارة كان باطلا) لان هذا العقد غير مقيد فان العين قبل هذا العقد من شركتهما وبعده كذلك والعقد إذا لم يكن مقيدا كان باطلا لان العقود الشرعية أسباب مشروعة للفائدة فإذا خلت منها كانت لغوا واللغو لا يكون مشروعا * وان كان لاحدهما عبد ميراث فاشتراه الاخر للتجارة كان جائزا لانه مفيد فانه يدخل به في المفاوضة ما لم يكن فيها ولا يفسد المفاوضة حتي يقبض الثمن لان اختصاصه قبل القبض بملك الدين فإذا قبض الثمن فقدا ختص بملك مال يصلح ان يكون رأس مال في الشركة فتبطل المفاوضة (وكذلك) ان كانت أمة لاحدهما ميراثا اشتراها الآخر منه ليطأها. قال (وإذا ارتد أحد المتفاوضين ولحق بدار الحرب انقطعت المفاوضة بينهما) لان القاضى لما قضى بلحاقه بدار الحرب حتي يقسم ماله بين ورثته والمفاوضة تبطل بالموت حقيقة فكذلك إذا فقد موته حكما ولانه صار حربيا ولا عصمة بين الحربى في دار الحرب والمسلم في دار الاسلام ألا ترى ان ابتداء المفاوضة بينهما لا يجوز وكذلك لا يبقى وان رجع مسلما قبل ان يقضى القاضى بلحاقه كان على الشركة لان اللحاق بدار الحرب قبل ان يتصل به قضاء القاضي بمنزلة الغيبة فلا تقطع الشركة ولانه بمنزلة التوكيل لصاحبه والوكالة لا تبطل بردة الوكيل ولحاقه ما لم يقض القاضى به وكذلك المفاوضة وشركة العنان فان حكم الحاكم بلحاقه بدار الحرب ثم رجع مسلما فلا شركة بينهما لانها قد انقطعت بتمويت القاضى اياه حين قضي بلحاقه وفي ردة الوكيل والموكل اختلاف وكلام قد بيناه في كتاب الوكالة. قال (وإذا ارتد ولم يلتحق بدار الحرب ثم أقر بدين ثم قتل على ردته لم يلزمه ذلك الدين في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى)

[ 213 ] لان الاقرار تصرف منه في حال ردته وكان موقوفا عنده ويبطل إذا قتل كسائر تصرفاته وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يلزمه كما يلزم شريك العنان لان عندهما شركة العنان تصح من المرتد فكذلك تبقى بعد ردته وأما المفاوضة فتوقف من المرتد عندهما إذا باشره ابتداء وكذلك إذا ارتد بعد المفاوضة يتوقف من المرتد عندهما تلك الزيادة فإذا قتل أو لحق بدار الحرب بطلت الزيادة وانما بقيت شركة العنان بينهما إلى وقت موته. قال (وبيع أحد شريكي العنان وشراؤه واقراره بالدين بجهة التجارة جائز على شريكه) وكذا إذا فعل المرتد ذلك وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى ان أقر المسلم منهما بدين لزمه ذلك في حقه وتوقف أمر المرتد فان أسلم لزمه ما أقر به المسلم لبقاء الشركة بينهما وان مات أو قتل على ردته لم يلزمه من ذلك شئ وكذلك ما أقر به المرتد الا ان أصله اقرار المرتد موقوف وإذا قتل بطل كسائر تصرفاته وأصل اقرار المسلم صحيح في حقه وانما يتوقف بثبوت حكمه في حق المرتد على اسلامه فإذا قتل أو مات بطل ذلك ويبقى المسلم مطالبا به. قال (وإذا باع أحد المتفاوضين متاعا ثم افترقا ولم يعلم المشترى بافتراقهما فلكل واحد منهما ان يقبض الثمن كله) لان بيع أحدهما في حال قيام المفاوضة مثبت على حق قبض الثمن لصاحبه فلا يبطل ذلك بافتراقهما ما لم يعلم به المشترى حتى إذا قضى الثمن أحدهما وهو لا يعلم بالفرقة برئ لانه بالعقد استحق براءة ذمته عند دفع الثمن إلى احدهما فلا يبطل ذلك بافتراقهما ما لم يعلم به وهذا لان المشترى بمنزلة الوكيل من جهة البائع في تسليم الثمن إلى شريكه فهما بالافتراق قصدا عزله عن الوكالة وعزل الوكالة قصدا لا يثبت في حق من لم يعلم به حتى إذا علم بالفرقة لم يكن له ان يدفع جميع المال الا إلى الذى ولى البيع لان حكم العزل يثبت في حقه لما علم به إذ لاضرر عليه في ذلك وهو بخلاف مااذا مات البائع لان موت الموكل يوجب عزل الوكيل حكما لتحول ملكه إلى وارثه ولا يتوقف بثبوت حكمه على العلم به ألا ترى أن الوكيل ينعزل بموت موكله وان لم يعلم به بخلاف ما إذا عزله قصدا. قال (وان وجد المشترى به عيبا لم يكن له ان يخاصم الا الذى ولى البيع) لان الشركة قد انقطعت والخصومة في العيب من حقوق العقد فانما يتعلق بالعاقد خاصة ثم يرجع العاقد بنصف ذلك على شريكه لانه في النصف كان وكيلا فيرجع عليه بما يحلقه من العهدة فيه. قال (ولو كان رده على شريكه بالعيب قبل الفرقه وحكم له عليه بالثمن أو بنقصان العيب عند تعذر الرد ثم افترقا كان

[ 214 ] له ان يأخذ أيهما شاء) لان هذا دين لزم أحدهما في حال قيام الشركة فصار الاخر مطالبا بحكم الكفالة فافتراقهما لا يبطل حق صاحب الدين عن مطالبة كل واحد منهما كسائر الديون. قال (ولو استحق العبد بعد الفرقة وقد كان نقد الثمن قبلها كان له ان يأخذ بالثمن أيهما شاء) لان البيع في المستحق كان موقوفا فيبطل من الاصل بابطال المستحق وتيبن ان رد الثمن كان واجبا عليهما قبل افتراقهما وكان للمشترى ان يطالب بالثمن أيهما شاء فأما بالرد بالعيب بعد الفرقة لا يتبين بطلان البيع من الاصل ولكنه كان صحيحا إلى وقت الرد وانما وجب الثمن علي البائع حين رد عليه المبيع وإذا كان الرد بعد الفرقة فليس للمشترى ان يطالب به الآخر. قال (رجل سلم ثوبا إلى خياط ليخيطه بنفسه وللخياط شريكه في الخياطة مفاوضة فلصاحب الثوب ان يطالب بالعمل أيهما شاء ما بقيت المفاوضة بينهما) لان كل واحد منهما بمنزلة صاحبه فيما لزمه ما بقيت الشركة بينهما (فان قيل) عمل الخياطة مستحق على من باشر السبب والآخر بمنزلة صاحبه الكفيل عنه فإذا شرط على الخياط ان يخيط بنفسه لم يجز كفالة الغير عنه فلا تطالب الكفيل به (قلنا) ما بقيت المفاوضة بينهما فهما كشخص واحد وكل واحد منهما قائم مقام صاحبه فميا تقتضيه المفاوضة لان المساواة التى هي ركن المفاوضة لا تتحقق الا به فلا تظهر معنى الكفالة قبل الفرقة وانما تظهر بعد الفرقة فلا جرم إذا تفرقا أو مات الذى قبض الثوب لم يؤاخذ الآخر بالعمل لان الموجب للاتحاد هو الشركة وقد انقطعت وانما بقى معنى الكفالة فكان الشرط علي الخياط فلا يطالب الاحسن بحكم الكفالة وإذا مات الذى قبل بطل هذه التقبل لفوات المعقود عليه وهذا نظير ما لو دفع ثوبا إلى الخياط ليخيط بنفسه وأخذ منه كفيلا بالخياطة لم يجز ذلك وان لم يكن شرط عليه ان يخيط بنفسه جازت الكفالة لان الكفالة بمضمون بما تجرى النيابة في ايفائه صحيح وبما لا تجرى النياية في ايفائه باطل وإذا شرط علي الخياط العمل بنفسه هذا لا تجرى النيابة في ايفائه وإذا لم يشترط ذلك عليه فهذا تجرى النيابة في ايفائه فتصح الكفالة وبعد صحتها إذا مات الخياط برئ الكفيل لان الاجازة قد انقطعت بموت الخياط وبراءة الاصيل توجب براءة الكفيل وكذلك هذا في كراء الابل إذا مات الجمال برئ الكفيل لان الاجازة قد انقطعت بموته. قال (وإذا كان بين رجلين كر حنطة وكر شعير ولم يأمر أحدهما صاحبه ببيعه فاستعار أحدهما دابة ليحمل عليها حنطة فحمل عليها الآخر الشعير

[ 215 ] بغير أمره كان ضامنا للدابة ولحصة صاحبه من الشعير لان الشركة بينهما شركة ملك وكل واحد منهما في التصرف كالاجنبي من صاحبه فيكون غاصبا للدابة ولنصيب شريكه من الشعير يحمله على الدابة فلهذا يضمن قيمة الدابة ونصيب صاحبه من الشعير إذا تلفت بحمله وليس هذا كشريك العنان والمفاوض لان كل واحد منهما وكيل عن صاحبه في الحمل كما أنه وكيل صاحبه في التجارة فلهذا لم يكن ضامنا. ثم ختم الباب في الاصل بما إذا اشترك الرجلان شركة مفاوضه وليس لهما مال على أن يشتريا بوجوههما أو يعملا بأبدانهما وقد بينا جواز المفاوضة في هذين النوعين من الشركة كالعنان الا ان في المفاوضة لا يجوز اشتراط التفاوت بينهما وفى العنان لا يجوز ذلك في شركة الوجوه الا أن يشترطا التفاوت في ملك المشترى وفي التقبل يصح منهما اشتراط التفاوت وبعض العراقيين من مشايخنا رحمهم الله يقول لافرق وتأويل ذلك انه ان اشترطا التفاوت في التقبل فاما مع اشتراط التساوى في أصل التقبل لا يصح منهما اشتراط التفاوت في الربح ولكن هذا بعيد لانه ذكر قبل هذا و في النوادر أيضا أن الربح بينهما علي الشرط والوضيعة بينهما نصفان ولو كان التفاوت بينهما في أصل التقبل لكانت الوضيعة على ذلك ولكن الفرق من وجهين (أحدهما) ان في التقبل هما تابعان للعمل فقد يكون بينهما تفاوت في العمل فيصح منهما اشتراط التفاوت في الربح فاما في شركة الوجوه هما متساويان بثمن في ذمتهما فمع التساوى في ملك المشترى لا يصح منهما شرط التفاوت في الربح وتوضيح الفرق أن المنافع انما تتقوم بالعقد فمنفعة كل واحد منهما تتقوم بقدر ما شرط لنفسه من الربح بخلاف عين المشترى فانه يتقوم بنفسه فلا يصح من أحدهما اشتراط شئ من ربح مال صاحبه من غير رأس مال ولا ضمان وإذا تقبل العمل أحدهما فان كانا متفاوضين فلا اشكال ان الآخر مطالب بذلك فاما إذا كانت الشركة بينهما مطلقة فقد ذكر في النوادر قياسا واستحسانا في هذا الفصل في القياس لا يطالب الا من تقبل لان الشركة بينهما عنان وذلك لا يتضمن الكفالة ألا ترى انه لو أقر أحدهما بدين الانسان لا يطالب الاخر به فكذلك إذا تقبل العمل وفى الاستحسان يكون الآخر مطالبا به لان هذا التقبل مقصود بالشركة ففيما هو المقصود يقوم كل واحد منهما مقام صاحبه ويكونان فيه بمنزلة المتفاوضين وعلى هذا إذا عمل أحدهما كان للآخر أن يطالب بالآخر استحسانا لانه هو المقصود بعقد هما. وبيان كونه مقصودا أن

[ 216 ] الشركة التى بينهما لا تنفك عن هذا بخلاف الاقرار في الدين وذكر الشارح عن أبى يوسف رحمهما الله أن كل واحد منهما ضامن لما جنت يد أحدهما استحسانا أيضا وانه لو ادعي عينا في يدهما على أحدهما أنه تقبل العمل فيه فأقر به نفذ اقراره في نصيب شريكه أيضا استحسانا ومحمد رحمه الله في هذين الفصلين ياخذ بالقياس فيقول اقراره بالعين كاقراره بالدين وما يتلف بجناية في يده بمنزلة غصبه واستهلاكه والشركة بينهما قد تنفك عن ذلك فلا يطالب الشريك بشئ من ذلك وأبو يوسف رحمه الله أخذ بالاستحسان لان وجوب ضمان ما جنت يده باعتبار العمل وما في العمل كالمتفاوضين فكذلك فيما يجب باعتباره له أو عليه وكذلك الاقرار بالعين فان الشركة لا تنفك من ذلك لان من يسلم إلى أحدهما العمل فلابد له من أن يسلم إليه محل العمل وما يتقبله أحدهما يثبت عليه يدهما عند اقامة العمل فإذا لم يصح اقراره في حق شريكه يحذر الناس من المعاملة مع كل واحد منهما فلهذا أخذنا بالاستحسان والله سبحانه وتعالى أعلم (باب الشركة الفاسدة) قال (وإذا اشترك الرجلان على أن يحتطبا الحطب يبيعانه فما باعاه فهو بينهما نصفان كانت هذه الشركة فاسدة) لان صحة الشركة باعتبار الوكالة فلا تصح فيما لا تجوز الوكالة فيه ولو وكل انسانا بأن يحتطب له لم يصح التوكيل وكان الحطب الذى لم يحتطب دون الموكل فكذلك الشركة لان كل واحد منهما في المعنى يوكل صاحبه بمباشرة بعض ذلك العمل له ولان الاحتطاب اكتساب والاكتساب في المحل المباح يوجب الملك للمكتسب وكل واحد منهما يشترط لنفسه بعض كسب صاحبه من غير رأس مال ولاضمان له فيه أو يصير كل واحد منهما كالمفاوض مع صاحبه بنصف ما يكتسبه صاحبه وهذا مفاوضة في المجهول فلا تكون صحيحة ولكل واحد منهما ما احتطب وثمنه إذا باع لان البدل يملك بملك الاصل فان احتطب أحدهما وأعانه الآخر فله أجر مثله على الذى احتطب لانه استوفى منافعه بحكم عقد فاسد فيلزمه أجر مثله ولا يجاوز به نصف الثمن في قول أبى يوسف رحمه الله وقال محمد رحمه الله له أجر مثله بالغا ما بلغ فأبو يوسف رحمه الله يقول قد رضى هذا بنصف المسمي فيعتبر رضاه في اسقاط حقه في المطالبة بالزيادة على ذلك * ألا ترى أنه لو استأجر

[ 217 ] حمالا ليحمل له حنطة إلى موضع كذا بقفيز منها فحملها كان له أجر مثله لا يجاوز به ما سمى وهذا لان تقدم المنفعة باعتبار العقد والتسمية إذ المنافع لا تتقوم بنفسها بغير العقد وفميا زاد علي المسمى لم توجد التسمية ومحمد رحمه الله تعالى يقول المسمى مجهول الجنس والقدر فانه لا يدرى أي نوع من الحطب يصيبان وهل يصيبيان شيئا أم لا والرضا بالمجهول لا يصح فإذا سقط اعتبار رضاه بقيت منافعه مستوفاة بعقد فاسد فله أجر مثله بالغا ما بلغ فإذا أصاب شيئا أولى بخلاف حمل الحنطة فان القفيز منها معلوز فاعتبر رضاه بالمعلوم فلهذا لا يجاوز به المسمى وعلي هذه الشركة في سائر المباحات نحو احتشاش الحشيش واجتناء الثمار من الجبال والبرادى من الجوز والفسق وغيرهما فإذا عملا ذلك وخلطاه ثم باعا قسم الثمن على كيل ووزن ماكان لكل واحد منهما ان كان كيليا أو وزنيا لان كل واحد منهما كان مالكا لما أصابه والثمن في البيع انما يقسم على ماله المعقود عليه ومالية المكيل والموزون تعرف بالكيل والوزن فلهذا قسم الثمن بينهما على ذلك وإذا لم يكن كيليا أو وزنيا يقسم الثمن على قيمة ما كان لكل واحد منهما لان معرفة المالية فيما لا يكال ولا يوزن بمعرفة القيمة وإذا لم يعرف مقدار ماكان لكل واحد منهما صدق كل واحد منهما في النصف لانهما استويا في الاكتساب وقد كان المكتسب في أيديهما وكل واحد منهما في دعواه إلى النصف انما يدعى ماكان في يده والظاهر يشهد له في ذلك فيقبل قوله ولا يصدق في الزيادة على النصف الا ببينة لانه يدعى خلاف ما يشهد له الظاهر ولانه يدعى شيئا كان في يد صاحبه ولا يستحق المرء ما في يد غيره بدعواه الا ان يقيم البينة عليه وكذلك الشركة بنقل الطين وبيعه من أرض لا يملكانها أو الجص أو الملح أو الكحل وما أشبه ذلك لان التوكيل في هذه الاشياء لا يجوز فانها على أصل الاباحة والناس فيها سواء فكذلك الشركة وكذلك ان اشتركا على أن مايلبنان من طين لا يملكه أحد أو يطبخانه آجرا أو يشركان على طلب الكنوز أو على الاصطياد فهذا كله ممالا يصح التوكيل به لكون أصله مباحا غير مملوك فكذلك الشركة فيه. قال (وان كان من طين النورة مملوكا فاشتركا علي أن يشتريا منه ويطحناه فهو جائز) لانه ان كان بينهما رأس مال فهو شركة العنان وان لم يكن فهو شركة الوجوه في هذا النوع وقد بينا جواز كل واحد منهما وكذلك سهلة الزجاج إذا اشتركا على شئ يشتريانه من ذلك جاز وان اشتركا على شئ لا يشتريانه بل هو مباح الاصل فهو فاسد لما قلنا وإذا اشتركا في الاصطياد فنصبا شبكة أو

[ 218 ] أرسلا كلبا لهما فالصيد بينهما نصفان لا ستوائهما في السبب الموجب للملك وهو الاصطياد وان كان الكلب لاحد هما فأرسلاه جميعا فالصيد لصاحب الكلب خاصة وان كان لكل واحد منهما كلب فأرسل كل واحد كلبه فان أصاب كل كلب صيدا على حدة كان ذلك الصيد لصاحبه وان أصابا صيدا واحدا فهو بينهما نصفان وان أصاب أحدهما صيدا فأثخنه ثم جاء الآخر فأعانه فهو لصاحب الكلب الاول فان لم يكن الاول أنحنه حتى جاء الآخر فأثخناه فهو بينهما نصفان لان الارسال إذا وجد من صاحب الكلب فقد تم السبب الموجب للملك وهو الاصطياد والآخر معين له في ذلك. قال (وإذا أرسل كل واحد منهما كلبه فان أصابا صيدا واحدا فقد استوى المالكان في سبب الاستحقاق وان أصابه أحد الكلبين فأثخنه فقد تم أخذه) لانه أخرجه بفعله من ان يكون صيدا وان أثخناه جميعا فقد تقررت المساواة بينهما في السبب فكان بينهما نصيفين. قال (وان اشتركا ولاحدهما بغل وللآخر بعير على ان يؤاجرا ذلك فما رزقهما الله تعالى من شئ فهو بينهما نصفان فهذا فاسد) لان كل واحد منهما في المعنى موكل لصاحبه بان يؤاجر دابته ليكون نصف الاجر له وهذا التوكيل باطل فانه لو قال أجر دابتك على أن يكون جميع الاجر لي كان باطلا فكذلك إذا قال على أن يكون نصف الاجر لي وهذا لان بدل المنفعة يعتبر ببدل العين وكذلك إذا قال بع دابتك على أن يكون نصف ثمنها لى كان باطلا فكذلك في الاجارة وإذا ثبت أن التوكيل بهذه الصفة لا يصح فكذلك الشركة والمعنى في الكل واحد وهو أن التوكيل انما يعتبر فيما لا يملك الوكيل مباشرته قبل التوكيل والمالك يبيع دابته ويؤاجرها قبل التوكيل وكذلك كل أحد يملك عند المباح قبل التوكيل فلهذا بطل التوكيل في جميع ذلك ولان هذا في معنى الشركة بالعروض لان منفعة العين نظرا لغبن لانه يتعين في العقد وقد بينا أن الشركة في العروض لا تصح فان أجراهما جميعا بأجر معلوم في عمل معلوم قسم الاجر بينهما على مثل أجر البغل وأجر البعير لان الاجر بدل المنفعة للدابتين وأجر المثل في المنفعة كالقيمة في العين فكما لو باعا الدابتين قسم الثمن بينهما على قيمة كل واحد منهما فكذلك إذا أجراهما. ولو تقبلا حمولة معلومة بأجر معلوم ولم يؤجر البغل والبعير فالاجر بينهما نصفان لان استحقاق الاجر بتقبل العمل وقد استويا في ذلك وان اجر البعير بعينه كان الاجر لصاحبه لانه بدل منفعة دابته فان كان الآخر أعانه على الحمولة والنقلان

[ 219 ] كان له أجر مثله لا يجاوز به نصف الاجر الذى أجر في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالي عليه أجر مثله بالغا ما بلغ وهذه والمسألة الاولى سواء. قال (وليست الشركة في اجارة الدواب بأعيانها مثل الشركة في عمل أيديهما بادائهما) حتى إذا اشترك قصاران لاحدهما أداة القصارين وللآخر بيت على ان يعملا بأداة هذا في بيت هذا على ان الكسب بينهما نصفان كان جائزا لان استحقاق الاجر هناك باعتبار نقبل العمل والعمل بالتقبل يصير مضمونا على كل واحد منهما والتوكيل في ذلك صحيح فكذلك الشركة وهنا استحقاق الاجر بمقابلة منفعة الدالة فإذا كان كل واحد منهما مختصا بملك منفعة دابته لم يجز للشركة بينهما فيهما. قال (ولو اشترك رجلان لاحدهما دابة وللآخر إكاف وجواليق على أن يؤاجر الدابة علي أن الاجر بينهما نصفان فهذه شركة فاسدة) لانها في معنى الشركة بالعروض بطريق اعتبار المنفعة بالعين ولان التوكيل في مثله لا يصح فان أجر الدابة كان الاجر لصاحبها ولا يقبل معه أجر مثله لان الاجر بمقابلة منفعة الدابة فان الحمل علي الدابة هو المقصود فأما الاكاف والجواليق يتأتى الحمل بدونهما فلا يقابلهما شئ من البدل فكان الاجر كله لصاحب الدابة وقد أعانه الآخر بنفسه وأدابه بحكم عقد فاسد فله أجر مثله بالغا ما بلغ عند محمد رحمه الله تعالى ولا يجاوز به نصف أجر الدابة عند أبى يوسف رحمه الله تعالى. قال (رجل دفع دابته إلى رجل يؤجرها علي ان ما أجرها به من شئ فهو بينهما نصفان فهذه الشركة فاسدة) اعتبار اللعقد الوارد على المنفعة به بالعقد الوارد على الدين ولو دفع الدابة إليه ليبيعها على ان الثمن بينهما نصفان كان فاسدا فكذلك الاجارة والاجر كله لرب الدابة ولان المدفوع إليه وكيله في اجارتها واجارة الوكيل كاجارة الموكل وللذى أجرها أجر مثله لانه ابتغى عن منافعها عوضا ولم ينل ذلك لفساد العقد فكان له أجر مثله وكذلك السفينة والبيت بمنزلة الدابة في ذلك. قال (ولو دفع إليه دابة يبيع عليها البر والطعام على ان الربح بينهما نصفان فهذه شركة فاسدة بمنزلة الشركة بالعروض) فان رأس مال أحدهما عرض ورأس مال الآخر منفعة دابته فإذا فسدت شركته فالربح لصاحب البر والطعام لانه بدل ملكه فان الثمن بدل المعقود عليه لابد ما حمل عليه من المعقود عليه ولصاحب الدبة أجر مثلها لانه شرط لنفسه عوضا عن منفعة دابتة ولم ينل ذلك العوض فاستوجب أجر المثل على من استوفى منفعتها بحمكم عقد فاسد وكذلك البيت والسفينة

[ 220 ] في هذه كالدابة اعتبار المنفعة العين بالعين والله سبحانه وتعالى أعلم. (كتاب الصيد) قال (الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسى رحمه الله املاء: إعلم بان الاصطياد مباح في الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا وأدنى درجات صفة الامر الاباحة وقال الله تعالى أحل لكم صيد البحر الآية والسنة قوله الصيد لمن أخذه فعلى هذا بيان ان الاصطياد مباح مشروع لان الملك حكم مشروع فسببه يكون مشروعا وهو نوع اكتساب وانتفاع بما هو مخلوق لذلك فكان مباحا ويستوى ان كان الصيد مأكول اللحم أوغير مأكول اللحم لما في اصطياده من تحصيل المنفعة بجلده أو دفع أذاه عن الناس. والحيوانات نوعان، نوع منها مالادم له فلا يحل تناول شئ منها الا السمك والجراد لان شرط يناول الحيوانات الذكاة شرعا وذلك لا يتحقق له فيما لادم له الا أن السمك والجراد مستثنى بالنص مما شرط فيه الذكاة لقوله أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالسمك والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال. وماله دم نوعان مستأنس ومستوحش فالذي يحل تناوله من المستأنس بالاتفاق الانعام وهى الابل والبقر والغنم والدجاج وذلك ثابت بالكتاب قال الله تعالى والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون وقال تعالى جعل لكم الانعام لتركبوا منها ومنها تأكلون وفيما سواها من المتأنس نبينه في موضعه ان شاء الله تعالى. والمستوحش نوعان منها صيد البحر لا يحل تناول شئ منها سوي السمك ومنها صيد البحر ويحل تناولها الا ماله ناب أو مخلب لنهى النبي صلي الله عليه وسلم عن أكل كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير ولمعنى الخبث فيهما فان من طبعهما الاختطاف والانتهاب فلابد من ظهور أثر ذلك في خلق المتناول للغذاء من الاثر في ذلك كما قال صلي الله عليه وسلم لا ترضع لكم الحمقاء فان اللبن يعدى والمستخبث حرام بالنص لقوله تعالى ويحرم عليهم الخبائت ولهذا حرم تناول الحشرات فانها مستخبثة طبعا وانما أبيح لنا أكل الطيبات قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقاناكم فقد أكرم المؤمنين بهذا الخطاب حيث خاطبهم بما خاطب به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم حيث

[ 221 ] قال يا أيها الرسل كلوا من الطيبات الآية ثم شرط حل التناول منها فيما يحل منها بالذكاة قال الله تعالى الاما ذكيتم وزعم بعض العراقيين من مشايخنا رحمهم الله أن الذبح والتذكية محظور بالعقل لما فيها من ايلام الحيوان وهذا عندي باطل فقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يتناول من اللحم قبل مبعثه ولا يظن أنه كان يتناول ذبائح المشركين لانهم كانوا يذبحون باسم الاصنام فعرفنا أنه كان يذبح ويصطاد بنفسه وما كان يفعل ما هو محظور عقلا كالظلم والكذب والسفه فانه لا يجوز أن يظن به أنه فعل ذلك قط. ثم في الذبح والاصطياد تحصيل منفعة الغذاء لمن هو المقصود من الحيوانات وهو الآدمى فيكون ذلك سببا مباحا إليه وأشار الله تعالى في قوله هو الذى خلق لكم ما في الارض جميعا والايلام لهذا المقصود فلا يكون محظورا عقلا كالفصد والحجامة مندوب وشرب الادوية الكريهة في وقتها. والذكاة لغة التوقد والتلهب الذى يحدث في الحيوان بحدة لادلة سميت الشمس ذكاء لشدة الحرارة وسمى الرجل الذى في خاطره حدة ذكيا فبهذا يتبين ان اشتراط الذكاة لتطييب اللحم به فانه نوع نضج ولهذا كان المذكى أطيب لحما من الميتة وأبعد من النسيس والفساد. وقيل الذكاة عبارة عن تسييل الدم الفاسد النجس فان المحرم في الحيوان الدم المسفوح قال الله تعالى في جملة المحرمات أو دما مسفوحا فكانت الذكاة ازالة للخبث وتطييبا بتمييز الطاهر من النجس وهو نوعان الذبح في المذبح عند القدرة عليه قال صلي الله عليه وسلم الذكاة ما بين اللبة واللحيين وبالجرح في أي موضع أصابه عند تعذر الذبح في المذبح ثم يحصل بعض ذلك بالجرح والتكليف بحسب الوسع ففى كل موضع يكون الذبح في المذبح مقدورا له لا يثبت الحل الا به وفى كل موضع تعذر يقوم الجرح مقامه. ثم حل التناول بالاصطياد مختص بشرائط (أحدها) أن يكون ما يصطاد به معلما (والثانى) أن يكونا جارحا قال الله تعالى (ومما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله) وفى معنى الجوارح قولان (أحدهما) أن يكون جارحا حقيقة بنابه ومخلبه (والثانى) الكواسب قال الله تعالى ويعلم ما جرحتم بالنهار أي كسبتم ويمكن حمله عليها فنقول الشرط أن يكون من الكواسب التى تخرج (والثالث) الارسال ثبت ذلك في السنة وهو قوله صلي الله عليه وسلم لعدى بن حاتم وإذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل وان شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل. فلما حرم التناول عند عدم الارسال في أحد الكلبين دل أن الارسال في ذلك

[ 222 ] شرط ولان التذكية انما تكون موجبا للحل إذا حصل من الآدمى فلابد من جعل آلة الصيد نائبا عن الآدمى ليحصل الحل بفعله وذلك لا يكون الا بالارسال واشتراط كونه معلما لتحقق الارسال فيه (والرابع) التسمية (والخامس) امساكه على صاحبه لقوله تعالى فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ومطلق الامر مفيد للوجوب ولا يجب التسمية عند الاكل فعرفنا أن المراد به عند الارسال (والسادس) أن يكون الصيد مما يباح تناوله ويكون ممتنعا ومستوحشا (والسابع) أن لا يتواري عن بصره أولا يقعد عن طلبه حتى يجده لانه إذا غاب عن بصره فلا يدرى لعل موته كان بسبب آخر سوى جرح ما أرسله واليه أشار ابن عباس رضى الله تعالى عنهما بقوله كل ما أممت ودع ما أيمنت والامماء ما رأيته والايماء ما غاب عنك وإذا قعد عن طلبه فلا يدرى لعله لو تبعه وقع في يده حياء وقدر على ذبحه في المذبح وترك ذلك مع القدرة عليه محرم والاصل فيه انه متي اجتمع في الصيد لعل وعسى أن لا يحل تناوله. واليه أشار النبي صلي الله عليه وسلم لعدى بن حاتم رضى الله عنه إذا وقعت رميتك في الماء فلا تأكل فانك لا تدرى أن الماء قتله أو سهمك. إذا عرفنا هذا فنقول كما يشترط فيما أرسله الصياد أن يكون خارجا فكذلك فيما يرمى به وبها الكتاب ببيانه مروى عن إبراهيم رحمه الله إذا خرق المعراض فكل وإذا لم يخرق فلا تأكل والمعراض سهم لا نصل له الا أن يكون رأسه محددا وقيل سهم لاريش له فربما يصيب السهم عرضا يندق ولا يخرج وهو مروى عن رسول الله فانه سئل عن صيد المعراض فقال صلوات الله وسلامه عليه ما أصاب بحده فجرح فكل وما أصاب بعرضه فلا تأكل والحرق هو الخرق الا أن لفظة الحرق تستعمل فيما لا حياة له كالثوب ونحوه ولفظة الخرق تسعمل في الحيوان وقد بينا أن الحل باعتبار تسييل الدم النجس وذلك يحصل إذا خرق ولا يحصل إذا دق ولم يخرق فان ذلك في معنى الموقوذة وهو حرام بالنص (وذكر) عن رجل قال كانت لبعض أهل الحى نعامة فضربها انسان فوقذها فألقاها على كناسة وهى حية فسألنا سعيد بن جبير فقال ذكوها وكلوها وبه نقول فان الموقوذة إذا أدرك ذكاتها جازتناو لها لقوله تعالى الا ما ذكيتم ولحصول ما هو المقصود وهو تسييل الدم النجس ومنه دليل اباحة تناول النعامة وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه سئل عن الكلب يقتل الصيد فقال كل وان أكل الكلب منه فلا تأكل فانه

[ 223 ] امسك على نفسه لانه يضرب حتى يترك الاكل وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله قالوا الكلب إذا أكل من الصيد الذى أخذه يحرم تناوله وقال مالك رحمه الله تعالي لا يحرم وهو أحد قولى الشافعي رضى الله تعالى عنه لحديث أبى ثعلبة الخشنى ان النبي قال في صيد الكلب كل وان أكل الكلب منه ولانه تناول اللحم دون الصيد لانه يقتل الصيد أولا فيخرج من أن يكون صيدا وتناول الكلب من لحم الصيد لا يحرم ما بقى منه على صاحبه كما لو فتش في مخلاة صاحبه وتناول شيئا من القديد من لحم الصيد. وحجتنا في ذلك قوله تعالى فكلوا مما أمسكن عليكم وحين أكل منه فقد تبين انه أمسكه على نفسه لا على صاحبه حين لا يتركه حتى يشبع منه واليه أشار رسول الله في قوله لعدى ابن حاتم رضى الله عنه فان أكل منه فلا تأكل فانما امسك على نفسه وتأويل حديث أبى ثعلبة الخشنى رضى الله عنه ان صح أنه كان قبل نزول الآية ثم انتسخ أو مراده إذا ولغ في دم الصيد وعندنا ذلك القدر لا يحرم ثم قد بينا ان ثبوت الحل بفعله باعتبار أنه نائب عن صاحبه وينعدم ذلك إذا أكل منه لانه تبين أن سعيه كان لمنفعة نفسه فهو كما لو انعدم الارسال أصلا (ثم) ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في البازى يقتل الصيد ويأكل منه قال كل وقال تعليم البازى أن تدعوه فيجيبك ولا تستطيع أن تضربه حتى يترك الاكل وبه نأخذ وفي أحد قولى الشافعي رحمه الله تعالى البازى والكلب إذا أكل من الصيد لا يحل لما بينا أنه يمسك على نفسه وليس بنائب عن صاحبه ولكن الفرق بينهما عندنا علي وجهين (أحدهما) أن جثة الكلب تحتمل الضرب فيمكن أن يضرب ليدع الاكل وجثة البازي لا تحتمل الضرب وقد بينا أن التكليف بحسب الوسع (والثانى) ان الكلب ألوف وعلامته علمه أن يأتي بما يكون مخالفا لطبعه واجابته صاحبه إذا دعاه غير مخالف لطبعه فلا يكون دليلا على علمه بل يكون علامة علمه ترك الاكل عند حاجته إليه لان ذلك خلاف طبعه فإذا أكل منه لم يكن معلما والشرط في صيد الكلب أن يكون معلما والبازى متنفر فأجابته صاحبه إذا دعاه خلاف طبعه فيجعل ذلك علامة علمه دون ترك الاكل فهو وان أكل فهو وان أكل منه فلا يتبين به أنه غير معلم ولكن هذا الفرق لا يتأتى في الفهد والنمر فانه مستوحش كالبازي ثم الحكم فيه وفى الكلب سواء فالمعتمد هو الاول وعن ابن عباس رضي الله عنهما في الكلب يشرب من دم الصيد ولا يأكل منه فقال لا بأس بأكل الصيد وبه نأخذ وكان ابن أبى ليلي رحمه الله يقول يحرم بذلك (15 مبسوط حادى عشر)

[ 224 ] لان دم الصيد جزء منه كلحمه فتبين شربه من دمه أنه أمسكه على نفسه ولكنا نقول هذا دليل ما حذقه في كونه معلما لانه شرب ما يعلم أن صاحبه لا يرغب فيه ولا يمنعه منه وأمسك عليه ما يعلم رغبته فيه فكان ذلك دليل علمه وامساكه على صاحبه ما يحتاج إليه صاحبه ولا يحرم تناول الصيد بخلاف مالو أكل من لحمه وعن إبراهيم رحمه الله في كلب المجوسى أو بازيه يصيد به المسلم قال لا بأس به لان الصياد مرسل الكلب لا مالك الكلب ومرسل الكلب مسلم من أهل التسمية والكلب آلة الاصطياد فاصطياد المسلم به يوجب الحل فان كان للمجوسي كاصطياده بقوسه وسهمه (وعنه) في الرجل يرسل كلبه فيذهب معه كلب آخر غير معلم فيرد عليه الصيد ويأخذ الصياد معه قال لا يؤكل وبه نأخذ لقوله لعدى بن حاتم رضى الله تعالى عنه وان شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل فانك انما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك ولان إرسال الكلب من شرائطه الحل والعدامه يوجب الحرمة والصيد صار مأخوذا بالكلبين والاصل انه متى اجتمع موجب الحل وموجب الحرمة يغلب الموجب للحرمة لقوله ما اجتمع الحلال والحرام في شئ الا غلب الحرام الحلال وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه. قال من رمى صيدا فتردى من جبل فلا يأكله فانى أخاف أن يكون التردي قتله وان رمى طيرا فوقع في ماء فلا تأكله فانى أخاف ان يكون الغرق قتله وبه نأخذ لما روى عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال لعدى بن حاتم رضى الله تعالى عنه إذا وقعت رميتك في الماء فلا تأكل فانك لا تدرى أن الماء قتله أم سهمك ولان التردي موجب للحرمة. فان الله تعالى ذكر جملة المحرمات المتردية وعند اجتماع معنى الموجب للحل ومعنى الموجب للحرمة يغلب الموجب للحرمة وهذا بخلاف مالو رمى طيرا في الهواء فوقع على الارض ومات فانه يؤكل وان كان من الجائز أنه مات بوقوعه على الارض فان ذلك لا يستطاع الا متناع عنه فيكون عفوا والتكليف بحسب الوسع بخلاف الوقوع في الماء والتردى من موضع فانه يستطاع الامتناع عنه ويستوى في ذلك طير الماء و غيره لان طير الماء يعيش في الماء غير مجروح فأما بعد الجرح يتوهم ان يكون الماء قاتلا له كما يتوهم بغيره وهذا بخلاف ما لو ذبح شاة وتردى بعد الذبح من موضع أو وقعت في ماء لان قطع الحلقوم والاوداج زكاة مستقرة فانه يحادى بالموت عليه دون ما يتعرض بعده فأما الرمى ليس بزكاة مستقرة حتى إذا وقع الصيد في

[ 225 ] يد الرامى حيا لم يحل الا بالذبح فلهذا كان التردي من الجبل والوقوع في الماء محرما له * وعن عبد الله بن يزيد قال سألت سعيد بن المسيب رضى الله تعالى عنه عن شئ كان قومي يصفونه بالبادية ينصبون السنان فيصبح وقد قتل الضبع فقال لي وانك ممن يأكل الضبع قلت ما أكلتها قط فقال رجل عنده حدثنا أبو الدرداء رضى الله تعالى عنه ان رسول الله نهى عن أكل كل ذى خطفة وهبة ومجثمة وعن كل ذي ناب من السباع فقال ابن المسيب رضى الله تعالى عنه صدقت. وفي هذا دليل على أن الضبع غير مأكول اللحم وهو مذهبا. وقال الامام الشافعي رحمه الله تعالى ولا باس بأكل الضبع لحديث جابر رضى الله تعالي عنه أن سئل عن الضبع أصيد هو قال نعم فقيل يؤكل لحمه قال نعم فقيل أشئ سمعته من رسول الله قال نعم. وحجتنا في ذلك الحديث الذى روينا وحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان رسول الله نهى عن أكل كل ذى ناب من السباع ومخلب من الطير ولانه ذو ناب يقاتل بنابه فلا يؤكل لحكه كالذئب وتأثيره ما ذكرنا أنه مستخبث باعتبار ما فيه من القصد إلى الاذى والبلادة فيدخل في جملة قوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث. وحديث جابر رضي الله تعالى عنه ان صح فتأويله انه كان في زمن الابتداء ثم انتسخ بنزول الآية وهذا لان الحرمة ثابتة شرعا فما يروى من الحل يحمل على أنه كان قبل ثبوت الحرمة ولا خلاف في أن الضبع صيد بحسب الجزاء على المحرم بقتله عندنا لانه صيد وعنده لانه مأكول اللحم فأما معنى حديث أبى الدرداء رضي الله عنه فالمراد بالخطف ما يختطف بمخلبه من الهواء كالبازي والعقاب والشاهين والمنهبة ما ينتهب بنابه من الارض كالاسد والذئب والفهد والنمر وفي ذكر هذين الموضعين اشاره إلى معنى الحرمة حتى لا يسرى إلى الاكل هذا الخلق الدرئ وفى المحتمة روايتان بالفتح والكسر ومعنى الرواية بالفتح ما يحتم عليه الكلب فيقتله غما لاجرحا فذلك الصيد حرام لانعدام معنى الذكاة فيه ومعنى الرواية بالكسر ما يحتم على الصيود كالذئب والاسد والفهد فانه غير مأكول ومعنى قوله وعن كل ذى ناب من السباع ما يقصد بنابه ويدفع به فأما أصل الناب يوجد لكل صيد فعرفنا ان المحرم ما بينا. وعن إبراهيم رحمة الله تعالى قال كانوا يكرهون كل ذى مخلب من الطير وما أكل الجيف وبه نأخذ لان كل ما يأكل الجيف كالفراق والغراب الابقع مستخبث طبعا فيدخل تحت قوله

[ 226 ] ويحرم عليهم الخبائث (وعن) هشام بن عروة عن أبيه أنه سئل عن أكل الغراب فقال ومن ياكله بعد ما سماه رسول الله فاسقا يريد به الحديث المعروف خمس فواسق يقتلهم المحرم في الحل والحرام وذكر الغراب من جملتها والمراد به ما يأكل الجيف وأما الغراب الزرعى الذى يلتقط الحب فهو طيب مباح لانه غير متسخبث طبعا وقد يألف الآدمى كالحمام فهو والعقعق سواء ولا بأس بأكل العقعق فان كان الغراب بحيث يخلط فيأكل الجيف تارة والحب تارة فقد روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه يكره لانه اجتمع فيه الموجب للحل والموجب للحرمة (وعن) أبى حنيفة رحمه الله تعالى انه لا بأس بأكله وهو الصحيح على قياس الدجاجة فانه لا بأس بأكلها وقد أكلها رسول الله وهى قد تخلط أيضا وهذا لان ما يأكل الجيف فلحمه ينبت من الحرام فيكون خبيثا عادة وهذا لا يوجد فيما يخلط وعن ابن المسيب رضى الله تعالى عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم نهى عن ان تنخع الشاة إذا ذبحت وبه نأخذ ومعناه أن يبالغ الذابح بالذبح حتى يبلغ بالسكين النخاع والنخاع عرق أبيض في عظم الرقبة وفى هذا زيادة ايلام غير محتاج الله والشرع نهى عن ذلك والاصل فيه حديث أبى الاشعث الصبغانى رضى الله تعالى عنه أن النبي قال ان الله تعالى كتب الاحسان على كل شئ فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته والنخع ليس من الاحسان في شئ وكان منهيا عنه وروى كراهية ذلك عن عمر وابن عمر رضى الله تعالى عنهما حيت قال عمر رضي الله تعالى عنه لا تجروا العجماء إلى مذبحها برجلها وأحدوا الشفرة وأسرعوا الممر على الاوداج ولا تحفوا (وعن) مكحول رضى الله تعالى عنه قال كان رسول الله إذا ذبح لم ينخع ولم يبد بسلخ حتى تبرد الشاة. وفى هذا دليل على أنه لا بأس للمرء أن يذبح بنفسه وان ذلك ليس من ترك الترحم في شئ بخلاف ما قاله جهال المتقشفة وفيه دليل علي انه ينبغى للذابح أن يتحرز عن زيادة ايلام غير محتاج إليه (وعن) عكرمة رضي الله عنه قال نظر رسول الله إلى رجل قد أضجع شاة وهو يحد الشفرة وهى ملاحظة فقال عليه الصلاة والسلام أردت أن تميتها موتات. وبه نأخذ فنقول يكره له ان يحد الشفرة بين يديها لما فيه من زيادة ايلام غير محتاج إليه. وضرب عمر رضى الله عنه من رآه يفعل ذلك بالدرة حتى هرب وشردت الشاة ورأى رسول الله صلى

[ 227 ] الله عليه وسلم رجلا وقد أخذ أذن شاة وهو يجرها إلى المذبح فقال قدها الي الموت قودا رفيقا وفى رواية قال خذ ساقها فان الله يرحم من عباده الرحماء والمعنى أنها تعرف ما يراد بها كما جاء في الخبر أبهبت البهائم الا عن أربعة خالقها ورازقها وحتفها وسفادها فإذا كانت تعرف ذلك وهو يحد الشفرة بين يديها ففيه زيادة ايلام غير محتاج إليه وكذلك إذا لم يحد الشفرة ولكن الشاة لا تحرم بشئ من هذا لان ما هو المطلوب من الذكاة وهى تسييل الدم النجس منها قد وجد والنهى لمعنى في غير المنهى عنه فلا يكون موجبا للحرمة وقد وجد (وعن) رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي قال ما أنهر الدم وأفرى الاوداج فكل ما عدا السن والظفر والعظم فانها مدى الحبشة والمراد بيان آلة الذبح وفيه دليل أنه يشترط للذكاة آلة محددة يحصل بها إنهار الدم وافراء الاوداج والانهار التسييل ومنه سمى النهر لان الماء يسيل فيه والنهار تجرى فيه الشمس بمرأى العين من لعباد والافراء القطع والمراد بالاوداج الحلقوم والمرئ والودجان. وفي هذا بيان ان المطلوب من الذكاة تمييز الطاهر من النجس بتسييل الدم من الحيوان والمراد بما استثنى من السن والظفر المركب لانه باستعمال ذلك يصير قاتلا لا ذابحا فانهما منه وآلة الذبح غير الذابح وانما يحصل بانقطاع الاوداج بالقوة لا بحدة الآلة ألا ترى أنه قال فانها مدى الحبشة وهم انما يعتادون الذبح بسن أنفسهم وظفر أنفسهم وذلك يحرم بالاتفاق فأما في الذبح بالسن المقلوعة والظفر المنزوعة والعظم المنفصل إذا كان محدودا اختلاف نبينه (وعن) عامر قال لا بأس بذبيحة الاخرس إذا كان من أهل الاسلام أو من أهل الكتاب وبه نأخذ فان إشارة الاخرس وتحريكه الشفتين بمنزلة البسملة من الناطق ألا ترى أنه يصير به شارعا في الصلاة كما يكون الناطق شارعا بالتكبير ثم الاهلية للذبح يكون للذابح من أهل تسمية الله تعالى على الخلوص وذلك باعتقاده التوحيد والاخرس معتقد لذلك ثم المحرم بعده الاعراض عن التسمية ولا يتحقق الاعراض من الاخرس فعذره أبلغ من عذر الناسي وإذا كان بعذر النسيان ينعدم الاعراض فبعذر الخرس أولى (وعن) على رضى الله عنه في الرجل إذا ذبح الشاة أو الطير فقطع رأسه قال لا بأس بأكله (وعنه) أنه قال تلك ذكاة وحية أي سريعة (وعن) عمران بن حصين رضى الله عنه أنه سئل عن رجل ضرب عنق بطة بالسيف فسبق فأماته قال يؤكل وبه نأخذ لانه أتى بما هو المحتاج إليه وهو قطع الحلقوم والاوداج وزاد على ذلك الا أنه بداء بالقطع من قبل

[ 228 ] الحلق حتى أبان رأسه فلا يشك في إباحة أكله ويكره هذا الصنيع لانه زيادة ايلام غير محتاج إليه وان بدأ من قبل القفافان قطع الحلقوم والاوداج قبل أن تموت الشاة حلت فان ماتت قبل أن تقطع الحلقوم والادواج لم تؤكل لان فعل الذكاة بقطع الحلقوم والاوداج عند القدرة وان ماتت بفعل ليس بذكاة شرعا وذلك موجب للحرمة بخلاف مااذا مات قبل قطع الحلقوم والاوداج (وعن) سعيد بن المسيب رضى الله عنه قال الذكاة ما بين اللبة واللحيين وبه نأخذ وقد روى هذا اللفظ عن النبي والمراد بيان محل الذكاة عند الاختيار وفيه دليل على ان أعلى الحلق وأوسطه وأسفله سواء في ذلك لان الكل في المعنى المطلوب بالذكاة سواء (وعن) إبراهيم رحمه الله تعالى قال إذا ذبحت فلا تذكر مع اسم الله تعالى شيئا غيره وهكذا نقل عن ابن مسعود رضى الله عنه قال جردوا التسمية عند الذبح والاصل فيه قوله تعالى (فلا تدعوا مع الله أحدا) وان أهل الجاهلية كانوا يذكرون آلهتهم عند الذبح فحرم ذلك الشرع بقوله وما أهل به لغير الله وأمر بتسمية الله تعالى عند الذبح على الخلوص لمخالفة المشركين فلا ينبغى أن يذكر مع اسم الله تعالى غيره وإذا أراد أن يدعو فيقول اللهم تقبل من فلان ينبغى أن يقدم ذلك علي فعل الذبح أو يؤخره عنه فأما مع الحر لا يذكر غير اسم الله تعالى وهو تأويل الحديث ان النبي صلي الله عليه وسلم لما ضحى عن أمته قال هذا عمن شهد لى بالبلاغ الي يوم القيامة انما قال بعد الذبح لامعه (وعن) رافع بن خديج رضى الله عنه أن بعيرا من ابل الصدقة قد ند فرماه رجل بسهم وسمى فقتله فقال ان لها أو ابد كأوابد الوحش فإذا فعلت شيئا من ذلك فافعلوا به كما فعلتم بهذا ثم كلوه. وبه نأخذ فنقول عند تعذر الحل بذكاة الاختيار يثبت الحل بذكاة الاضطرار وذلك بالجرح في أي موضع أصابه ومعنى قوله ان لها أوابد كأوابد الوحش أي أن لها تنفرا واستيحاشا كما يكون الوحش الا ان الالف والوحشي أغلب حاله التوحش فإذا صار ألوفا التحق بما هو ألوف غالبا وإذا توحش التحق بالوحشي غالبا والمراد بابل الصدقة ما يؤخذ بالصدقة أو ما كان ينحر لاطعام المساكين وقد كان ذلك معروفا في زمن رسول الله والخلفاء بعده (وعن) عتابة بن رافع بن خديج رضى الله عنه ان بعيرا تردى في نهر بالمدينة فوجئ من قبل خاصرته فأخذ منه ابن عمر رضي الله عنهما عسيرا بدرهمين وفى هذا دليل أن الحل يثبت بذكاة الاضطرار عند تعذر الذكاة بالاختيار وانه لا

[ 229 ] فرق بين أن يتعذر ذلك بتوحشة بين أن يتعذر سقوطه في مهوى فان ابن عمر رضى الله عنهما مع زهده وتفرده رغب في الشراء منه والعسير تصغير العسير وقد روى عشيراء وهو سواد البطن والاول أصح (وعن) إبراهيم رحمه الله قال إذا تردى بعير في بئر ولم يقدروا أن ينحروه فمن حيث نحر فهو له ذكاة. ففى هذا بيان أن السنة في البعير النحر وفي البقر والغنم الذبح وبه نطق الكتاب قال الله تعالى (فصل لربك وانحر) وقال الله تعالى (ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) وقال الله تعالى (وفديناه بذبح عظيم) والمراد الشاة والذى جاء في الحديث عن رسول الله نحرنا البدنة على عهد رصول الله عن سبعة والبقرة عن سبعة معناه وذبحنا البقرة عن سبعة ومثل هذا الاضمار مع العطف معلوم في لسان العرب قال القائل * علقتها تبنا وماء باردا * أي وسقيتها ماء باردا لان الماء لا يعلف وعن على رضي الله عنه قال ذكاة السمك والجراد أخذه و مراده بيان أن الذكاة ليست بشرط فيهما بل يثبت الحل فيهما بالاخذ من غير ذكاة ألا ترى أنه لا تثبت الحرمة بكون الآخذ مجوحيا أو وثنيا وما يشترط فيه الذكاة يشترط فيه الاهلية للمذكى وحيث لم يشترط في السمك والجراد عرفنا ان الذكاة فيهما ليست بشرط كما قال أحلت لنا ميتتان ودمان وسئل علي رضى الله عنه عن الجراد يأخذه الرجل من الارض وفيه الميت وغيره قال كله كله وفي بعض الروايات كله كله اللفظ الاول تكرار للمبالغة والثانى بيان أنه يؤكل كله وبه نأخذ وان الجراد وان وجد ميتا فلا بأس بأكله لان موته لابد أن يكون بسبب فانه بحرى الاصل برى المعاش كما قيل ان بيض السمك إذا انحصر عنه الماء يصير جرادا فإذا مات في البر فقد مات في غير موضع أصله وإذا مات في الماء فقدمات في غير موضع معاشه وذلك سبب لموته والدليل على إباحة أكل الجراد ما روى أن مريم رضى الله عنها سألت لحما هشا فرزقت الجراد وأن عمر رضي الله عنه كان مولعا بأكل الجراد حتى قال يوما في مجلسه ليت لنا قصعة من جراد فنأكله أو قال نقعة (وعن) عمرة قالت خرجت مع وليدة لنا فاشترينا خريتة بقفيز من حنطة فوضعناها في زنبيل فخرج رأسها من جانب وذنبها من جانب فمر بنا على رضى الله عنه فقال لى بكم أخذت فأخبرته فقال ما أطيبه وأرخصه وأوسعه للعيال ففى هذا الحديث دليل على ان الجراد مأكول وبه نأخذ وهو مروى عن ابن عباس رضى الله عنهما فانه سئل عن الخريت فقال فأما نحن فلا نرى به بأسا فأما أهل

[ 230 ] الكتاب فيكرهونه. وأما الروافض قاتلهم الله تعالى فيأخذون بقول أهل الكتاب ويحرمون الخريت ويدعون قول على رضى الله عنه مع دعواهم محبته وأهل الكتاب يزعمون أن الخريت من جملة الممسوخات وهذا باطل فان الممسوخ لا نسل له ولا يبقى بعد ثلاثة أيام بل الخريت نوع من السمك والسمك مأكول بجميع أنواعه يثبت الحل فيه بالكتاب والسنة قال الله تعالى أحل لكم صيد البحر وقال أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالسمك والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال فهذا دليل أنه لا بأس للانسان أن يتكلم مع النساء والاماء بما لا يحتاج إليه فان هذا ليس من جملة ما لا يعنيه فانما الذى لا يعنى المرء مما ورد النهى عنه أن يكون فيه مأثم (وعن) إبراهيم رحمه الله قال ما أطيب إهابه وهو كذلك وقد قيل ان أطيب الاشياء من السمك الذنب وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه أتاه عبد اسود فقال اننى في غنم لا هلى وانى سليل الطريق أفأسقى من لبنها بغير اذنهم فقال لا فقال انى أرمى الصيد فاصمى وأنمى قال كل ما أصميت ودع ما أنميت. قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى الاصماء ما رأيته والانماء ما توارى عنك وبه نأخذ الا أن المراد به إذا توارى عنه وقعد في طلبه فإذا لم يقعد عن طلبه لا يحرم لما بينا أن مالا يستطاع بالامتناع عنه يكون عفوا وفي الحديث دليل انه ليس للراعي أن يسقى من لبن الغنم بغير اذن أهلها فان ابن عباس رضى الله تعالى عنهما نهاه عن ذلك وهذا لان الراعى أمر بالرعى والحفظ والسقى ومن لبنها بمنزلة هبة عنها ولا يجوز له ذلك بدون اذن أهلها والذى جاء في الحديث ان النبي مر براعى الغنم فاستسقاه اللبن تأويله ان ذلك الراعى كان يرعى غنم نفسه أو كان مأذونا من جهة مالكه بذلك وقد عرف ذلك رسول الله ألا ترى إلى قوله لا يحل ما امرئ مسلم الا بطيبة من نفسه (وعن) موسى بن طلحة رضى الله تعالى عنه ان اعرابيا أهدي إلى رسول الله أزنبا مشويا قال لاصحابه كلوا قال الاعرابي انى رأيت دما قال رسول الله ليس بشئ وقال للاعرابي اذن فكل فقال انى صائم قال صوم ما ذا قال صوم ثلاثة أيام من كل شهر فقال هلا جعلتها البيض وبه نأخذ فنقول الارنب ما كول وقد قبل رسول الله الهدية فيه وأكل منه وأمر أصحابه رضوان الله عليهم بذلك (وقول) الاعرابي انى رأيت دما مراده ما يقول جهال العرب ان الارنبة تحيض كالنساء فبين

[ 231 ] رسول الله أن ذلك ليس بشئ. وفيه دليل علي أنه لا بأس للمهدى ان يأكل من هديته فان النبي دعاه الي الا كل وانما بعث ليتمم مكارم الاخلاق فما كان يدعو أحدا إلى مايخالف ذلك وفيه دليل علي أنه إذا دعى إلى طعام وهو صائم لا بأس بأن يمتنع ويقول انى صائم وقد قرره رسول الله عليه وسلم على ما قال حيث قال صوم ماذا قال صوم ثلاثة أيام من كل شهر وقد كان رسول الله يحثهم على ذلك ويقول الحسنة بعشر أمثالها صوم ثلاثة أيام من الشهر كصوم جميع الشهر. وفيه دليل علي أن الافضل أن يكون صومه في الايام البيض لقوله صلي الله عليه وسلم هلا جعلتها البيض والبيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وعند بعضهم أولها الرابع عشر وآخرها السادس عشر سميت بيضا لطلوع القمر في ليالها من أول الليل إلى آخر الليل فكأن الليل يستوى بالنهار في البياض (وقيل) لما روى ان آدم صلوات الله وسلامه عليه لما أهبط إلى الارض بعد زلته اغبر جسده صام الرابع عشر فابيض ثلث جسده ثم صام الخامس عشر فابيض ثلث آخر ثم صام السادس عشر فابيض جميع جسده وعاد اللون الاول فسميت بيضا لذلك وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه أهدى لها ضب فسالت رسول الله عن أكله فكرهه فجاء سائل فأرادت ان تطعمه اياه فقال صلوات الله وسلامه عليه أتطعمين مالا تأكلين. وبهذا نأخذ فنقول لا يحل أكل الضب وقال الشافعي رحمه الله تعالي يحل لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الضب فقال لم يكن من طعام قومي فأجد نفسي تعافه فلا أحله ولا أحرمه. وفي حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال أكل الضب على مائدة رسول الله وفى الآكلين أبو بكر رضى الله تعالى عنه كان ينظر إليه ويضحك واعتمادنا على حديث عائشة رضى الله تعالي عنها فيه يبين أن امتناع رسول الله عن أكله لحرمته لا لانه كان يعافه ألا ترى أنه نهاها عن التصدق به ولو لم يكن كراهية الا كل للحرمة لامرها بالتصدق به كما أمرها به في شاة الانصاري بقوله أطعموها الاسارى والحديث الذى فيه دليل الاباحة محمول علي أنه كان قبل ثبوت الحرمة. ثم الاصل انه متى تعارض الدليلان أحدهما يوجب الحظر والآخر يوجب الاباحة يغلب الموجب للحظر. وقال بعض المتأخرين رحمهم الله تعالى حرمة الضب لانه من الممسوخات على ماروى أن فريقين من عصاة بنى إسرائيل أخذ

[ 232 ] أحدهما طريق البحر والآخر طريق البر فمسخ الذين أخذوا طريق البر ضبابا وقردة وخنازير (وروى) هذا الاثر عن رسول الله ولكنه غير مشهور. ثم قد بينا أن الممسوخ لا نسل له ولا بقاء فهذا الذى يوجد الآن ليس بممسوخ وان نسخ قوم من جنسه ولكنه من الخبائث ولهذا عافه رسول الله فيدخل تحت قوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث لكونه مستخبثا طبعا كسائر الهوام (وعن) عبد الله بن أبى أوفى قال أصبنا يوم حنين حمرا أهلية فذبحناها وأن القدر لتغلى بها فقال رسول الله أكفئوها بما فيها ونهى عن أكلهما فقلنا بيننا انما حرمها لانها نهبة لم تخمس فلقيت سعيد بن جبير رضى الله تعالى عنه فذكرت له ذلك فقال بل حرمها البتة. وبه نأخذ فنقول لا يحل تناول الحمار الاهلى وكان بشر المريسى يبيح ذلك وهو قول مالك رحمه الله وقد روى ان عائشة رضى الله عنها سئلت عن ذلك فتلت قوله تعالى قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما الآية (وعن) طاوس قال قلت لجابر بن فهر انكم تزعمون ان لحم الحمار الاهلى حرام قال كان الحكم بن عمرو يقول ذلك عندنا بالبصرة فأتى ذلك الخبر يعنى ابن عباس رضى الله عنهما وفي حديث الجر بن غالب رضى الله عنه انه سأل رسول الله فقال لم يبق لى من مالى الا حميرات فقال صلي الله عليه وسلم كل من سمين مالك فانى انما نهيتكم عن خول القرية واعتبر والحمار الاهلى بالحوشى فانه مأكول بالاتفاق وكل حيوان وحشيه مأكول فالاهلي من جنسه مأكول كالابل والبقر وما لا يكون أهليه مأكولا فوحشيه لا يكون مأكولا كالكلب والسنور وحجتنا في ذلك ما روينا من الحديث فيه يتبين أنه ما كان حرمها يوم خيبر لقلة الظهر لانه أمر باكفاء القدور بعد ما صار لحما ليس فيه منفعة الظهر وما حرمها لانها نهبة لم تخمس فانه كان مأكولا فللغانمين حق التناول منه قبل الخمس كالطعام والعلف وما حرمها لانها حول القربة مأخوذ من الحوال متناول الجيف كالجلالة فانه خص الحمر الاهلية بذلك وفى هذا المعنى الحمار وغيره سواء فعرفنا انه حرمها البتة (وقد) روى انه أمر أبا طلحة رضى الله عنه فنادى ألا ان الله تعالى ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الاهلية فانها رجس وروى ابن عمر رضى الله عنهما ان البي صلي الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن متعة النساء وعن الحمار الاهلي ولما بلغ عليا رضى الله عنه فتوى ابن عباس رضى الله عنهما باباحة المتعة فقال له نهى رسول الله عن متعة النساء وعن الحمر الاهلية زمن خيبر فترجح الاثار

[ 233 ] الموجبة للحرمة ثم لا حجة في حديث الحبر رضي الله تعالى عنه فان معنى قوله كل من سمين مالك أي بعه واستنفق ثمنه فقد يقال فلان أكل عقاره والمراد هذا وقال القائل ان لنا أحمرة عجافا * يأكلن كل ليلة إكافا والمراد ثمن الا كاف وما نقلوه عن ابن عباس رضى الله عنهما لا يكاد يصح عنه والمشهور عنه أنه حرم الخيل والبغال والحمير فاستدل لذلك بالاية لتركبوها وزينة على ما تبين وعائشة رضى الله عنها استدلت بعام دخله الخصوص بالاتفاق وقد ثبت النهى عن رسول الله في لحم الحمار فكان دليل الخصوص في هذا العام واعتبار الاهلى بالوحشى ساقط فانه لا مشابهة بينهما معنى والمشابهة صورة لا تكون دليل الحل وقد صح في الاثران النبي أباح تناول الحمار الوحشي كما روى أن أعرابيا اهدى إلى رسول الله حمارا وحشيا عفيرا أو رجل حمار وحشى فأمر أبا بكر رضى الله تعالى عنه أن يقسمه بين الرفاق * ثم كما ورد الحديث بالامر بالاكفاء للقدر في لحم الحمار فقد ورد مثله في الضب وهو حديث عبد الرحمن بن حسنة قال كنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في سفر فاصابتنا مجاعة ونزلنا في أرض كثيرة الضباب فأخذناها وان القدور لتغلى بها فأمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم باكفاء القدور ومعلوم أن تضييع المال لا يحل فعرفنا أن الامر باكفاء القدور في الموضعين للحرمة (وعن) أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال أكلنا لحم فرس على عهد رسول الله وعن الحريث قال كنا إذا نتجت فرس اخذنا فلوا ذبحناه وقلنا الامر قريب فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فكتب الينا أن لا تفعلوا فان في الامر تراخى. وبهذين الحديثين يستدل من يرخص في لحم الخيل فانهم كانوا يذبحونه لمنفعة الاكل وهو قول أبى يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالي وأما أبو حنيفة رحمه الله تعالى فانه كان يكره لحم الخيل فظاهر اللفظ في كتاب الصيد يدل على أن الكراهة للتنزيه فانه قال رخص بعض العلماء رحمهم الله في لحم الخيل فأما أنا فلا يعجبنى أكله وما قال في الجامع الصغير أكره لحم الخيل يدل على أنه كراهة التحريم فقد روى أن أبا يوسف رحمه الله تعالي قال لابي حنيفة رحمه الله إذا قلت في شئ أكراهه فما رأيك فيه قال التحريم ثم من أباحه استدل بالتعامل الظاهر ببيع لحم الخيل في الاسواق من غير نكير منكر ولان سؤره طاهر على الاطلاق وبوله بمنزلة بول ما يؤكل لحمه فعرفنا أنه مأكول كالانعام وان

[ 234 ] روى فيه نهى فلان الخيل كانت قليلة فيهم وكان سلاحا يحتاجون إليه في الحرب فلهذا نهاهم عن أكله لا لحرمته وحجة أبى حنيفة رحمه الله تعالى في ذلك قوله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة الآية فقد من الله تعالى على عباده بما جعل لهم من منفعة الركوب والزينة في الخيل ولو كان مأكلو لالكان الاولى بيان منفعة الاكل لانه أعظم وجوه المنفعة وبه بقاء النفوس ولا يليق بحكمة الحكيم ترك أعظم وجوه المنفعة عند اظهار المنة وذكر ما دون ذلك ألا ترى أنه في الانعام ذكر الاكل بقوله تعالى ومنها تأكلون ولانه ضم الخيل إلى البغال والحمير في الذكر دون الانعام والقرآن في الذكر دليل القرآن في الحكم وبنحوه استدل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حين كره لحم الخيل كما روى عنه في الكتاب وفى حديث خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أن النبي نهى عن أكل لحم الخيل والبغال والحمير وفي حديث المقدام بن معد يكرب رضى الله تعالى عنه أن النبي قال حرام عليكم لحوم البغال والحمير والخيل. وقد بينا أن الدليل الموجب للحرمة يترجح فان ما كان من الرخصة محمول على أنه كان في الابتداء قبل النهى ولان نتاجه غير مأكول وهو البغل لان البغل نتاج الفرس والولد جزء من الام وحكمه حكهما في الحل والحرمة فإذا لم يكن مأكولا عرفنا أن الخيل ليس بمأكول * ثم الخيل تشبه البغال والحمير من حيث أنه ذو حافر أهلى بخلاف الانعام فانها ذوات خف لا ذوات حوافر وقد روى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى الكراهة في سؤر الفرس كما في لبنه وانما جعل يوله كبول ما يؤكل لحمه لمعنى البلوى فيه فللبلوى تأثير في تخفيف حكم النجاسة ومن قال الكراهة للتنزيه لا للتحريم قال ان الفرس كالآدمي من وجه ومن حيث انه يحصل ارهاب العدوبه ويستحق السهم من الغنيمة والآدمي غير مأكول لكرامته لا لنجاسة والخيل كذلك كره أكلها علي طريق التنزيه لمعنى الكرامة ولهذا جعل الخيل طاهرة السؤر وجعل بوله كبول ما يؤكل لحمه (وعن) إبراهيم رحمه الله تعالى قال لا بأس بثمن كلب الصيد وروى أن النبي رخص في ثمن كلب الصيد وبه نأخذ فنقول بيع الكلب المعلم يجوز وعلى قول الشافعي رحمه الله لا يجوز بيع الكلب أصلا معلما كان أو غير معلم لما روى ان رسول الله نهى عن ثمن الكب وحلوان الكاهن ومهر البغى وأمر رسول الله بقتل الكلاب فلو كانت مالا متقوما لما أمر بذلك ولان

[ 235 ] الكلب نجس العين بدليل نجاسة سؤره فلا يجوز بيعه كالخنزير ولدليل عليه انه لو كان محل البيع لم يفترق بين المعلم منه وغير المعلم كالفهد والبازى. وحجتنا في ذلك ما رواه إبراهيم من الرخصة وذلك بعد النهى والتحريم فبه يتبين تيسير انتساخ ما روى من النهى وهذا لانهم كانوا ألفوا اقتناء الكلاب وكانت الكلاب فيهم تؤذى الضيفان والغرباء فنهوا عن اقتنائها فشق ذلك عليهم فأمروا بقتل الكلاب ونهوا عن بيعها تحقيقا للزجر عن العادة المألوفة ثم رخص لهم بعد ذلك في ثمن منتفعا به من الكلاب وهو كلب الصيد والحرث والماشية وقد جاء في حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن النبي نهى عن بيع الكلب الا كلب الصيد والحرث والماشية وروى أنه قضى في كلب الصيد بأربعين درهما وفي كلب الحرث بفرق من طعام وفى كلب الماشية بشاة منها (وعن) عثمان رضى الله تعالى عنه أنه قضي علي رجل أتلف كلبا لامرأة بعشرين بعيرا والحديث له قصة معروفة وإذا ثبت أنه مال متقوم وهو منتفع به شرعا جاز بيعه كسائر الاموال وبيان كونه منتفعا به أنه يحل الانتفاع به في حالة الاختيار ويجوز تمليكه بغير عوض في حالة الحياة بالهبة وبعد الموت بالوصية فيجوز تمليكه بالعوض أيضا وبهذا يتبين أنه ليس بنجس العين فان الانتفاع بما هو نجس العين لا يحل في حالة الاختيار كالخمر ولا يجوز تمليكه قصدا بالهبة والوصية. ثم الصحيح من المذهب أن المعلم وغير المعلم إذا كان بحيث يقبل التعليم سواء في حكم البيع حتى ذكر في النوادر لو باع جروا جاز بيعه لانه يقبل التعليم فأما الذى لا يجوز بيعه العقور منه الذى لا يقبل التعليم لانه عين مؤذ غير منتفع به فلا يكون مالا متقوما كالذئب وهكذا يقول في الاسد ان كان بحيث يقبل التعليم ويصطاد به فبيعه جائز وان كان لا يقبل ذلك ولا ينتفع به فحينئذ لا يجوز بيعه والفهد والبازى يقبل التعليم على كل حال فجاز بيعهما كذلك (وعن) جابر بن عبد الله رضى الله عنه أن النبي نهى عن بيع الكلب والسنور وقال أبو يسوف رحمه الله ينقض هذا الحديث في السنور حديث النبي أنه كان يصغى لها الاناء فتشرب منه وهو مشهور عنه وحديث عروة عن عائشة رضي الله عنها ان كان يصغى الاناء للهر ليشرب منه ثم يتوضأ. وفي هذا دليل على انها ليست بنجسة وقد نص علي ذلك بقوله انها ليست بنجسة انها من الطوافين عليكم والطوافات ويجوز الانتفاع بها من غير ضرورة وما يكون بهذا الصفة

[ 236 ] فهو مال متقوم يجوز بيعه والنهى ان ثبت محمول على أنه كان في الابتداء. قال (وصيد الكلب المعلم وما أشبهه من الجوارح من السباع وغيرها يرسله المسلم أو الكتابى ويسمى عليه فيأخذه ويقتله جائز حلال) وانما يشترط أن يكون المرسل مسلما أو كتابيا لان الاصطياد في كونه سببا للحل كالذبح والاهلية للذابح شرط لحل الذبيحة فكذا في الاصطياد وقد ذكرنا فيما سبق شرائط الاصطياد ودخل هذا الشرط في جملة ما ذكرنا دلالة وان لم يدخل نصا لانا شرطنا تسمية الله تعالى على الخلوص وانما يتحقق ذلك عمن يعتقد توحيده جلت قدرته أو يظهر ذلك وهو مسلم أو كتابي فاما المجوسي يدعي الهين فلا يصح منه تسمية الله تعالى علي الخلوص فلهذا لا يحل ذبيحة المجوسي وصيده. قال (واذ ترك التسمية عامدا حرم به الصيد والمذبوح عندنا ولم يحرم عند الشافعي رحمه الله والمسلم والكتابي في ذلك سواء) وان ترك ناسيا لم يحرم عندنا وقال مالك رحمه الله تعالي وأصحاب الظواهر يحرم وهو قول ابن عمر رضى الله عنهما وكان على وابن عباس رضى الله تعالى عنهما يفصلان بين العامد والناسى كما هو مذهبنا وقد كانوا مجمعين على الحرمة إذا ترك التسمية عامدا وانما يختلفون إذا تركها ناسيا وكفى باجماعهم حجة ولهذا قال أبو يوسف رحمه الله متروك التسمية عامدا لا يسوغ فيه الاجتهاد ولو قضى القاضى بجواز البيع فيه لا يجوز قضاؤه لانه مخالف للاجماع فالشافعى رحمه الله تعالى استدل بحديث البراء ابن عازب وأبى هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال المسلم يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم وفى رواية قال ذكر اسم الله تعالي في قلب كل مسلم وكون الذكر في قلبه في حالة العمد أظهر منه في حالة النسيان ولما سئل ابن عباس رضى الله عنهما عن متروك التسيمة ناسيا قال يحل تسمية ملته وفى اقامة الملة مقام التسمية لافرق بين النسيان والعمد وسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم قالت ان الاعراب يأتوننا بلحوم فلا ندرى أسموا أم لم يسموا فقال عليه الصلاة والسلام سموا أنتم وكلوا. فلو كان التسمية من شرائط الحل لما أمرها بالاكل عند وقوع الشك فيها ولان التسمية لو كانت من شرائط الحل كانت مأمورا بها وفى المأمورات لا فرق بين النسيان والعمد كقطع الحلقوم والاوداج وكالتكبير والقراءة في الصلاة انما يقع الفرق في المزجورات كالاكل والشرب في الصوم لان موجب النهى الانتهاء والناسي يكون منتهيا اعتقادا فأما موجب الامر الائتمار والتارك ناسيا أو عامدا لا يكون مؤتمرا ولانه استصلاح الاكل فكانت التسمية فيه ندبا لاحتما كالطبخ والخبز

[ 237 ] ثم فيما هو المقصود وهو الاكل التسمية فيه ندب وليس بحتم فهذا هو طريق إليه أولي والدليل عليه أنه تحل ذبائح اليهود والنصارى ولو كانت التسمية شرطا لما حلت ذباحهم لانهم وان ذكروا اسم الله تعالى فانهم يريدون غير الله وهو ما يتخذونه معبودا لهم لان النصارى يقولون المسيح ابن الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا ونحن نتبرأ من اله له ولد وحجتنا في ذلك قوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق ومطلق النهى يقتضي التحريم وأكد ذلك بحرف من لانه في موضع النهى للمبالغة فيقتضى حرمة كل جزء منه والهاء في قوله تعالى وانه لفسق ان كان كناية عن الاكل فالفسق أكل الحرام وان كان كناية عن المذبوح فالمذبوح الذى يسمى فسقا في الشرع يكون حراما كما قال الله تعالى أو فسقا أهل لغير الله به وفى الآية بيان ان الحرمة لعدم ذكر الله تعالى لان التحريم بوصف دليل على أن ذلك الوصف هو الموجب للحرمة كالميتة والموقوذة وبهذا يتبين فساد حمل الآية على الميتة وذبائح المشركين فان الحرمة هناك ليست لعدم ذكر الله تعالي حتى انه وان ذكر اسم الله تعالى لم يحل وقال تعالى فاذكروا اسم الله عليها صواف يعنى عند النحر بدليل قوله تعالي فإذا وجبت جنوبها أي سقطت وقال ابن عباس رضى الله تعالى عنه في تفسير الآية ذكر اسم الله تعالى أن يقول عند الطعن بسم الله والله أكبر وقال الله تعالى فكلوا مما أمسكن عليكم الآية والمراد التسمية عند الارسال فثبت بهذين النصين ان التسمية مأمور بها ومطلق الامر الوجوب وهى من شرائط الحل ثبت بقول النبي لعدى بن حاتم رضى الله تعالى عنه إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى فكل والمعطوف على الشرط شرط وأكد ذلك بقوله وان شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل فأنت انما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك. فعلل للحرمة بانه لم يسم علي كلب غيره فهو دليل الحرمة إذا لم يسم علي كلب نفسه وشئ من المعنى يشهد له فان ذبيحة الكتابى تحل وذبيحة المجوسي لا تحل وليس بينهما فرق يعقل معناه بالرأى سوى من يدعى التوحيد يصح منه تسمية الله على الخلوص ومن يدعى الاثنين لا يصح منه تسمية الله تعالى على الخلوص فيه يتبين ان التسمية من شرائط الحل أو انما أمرنا بيناء الحكم في حق أهل الكتاب علي ما يظهرون دون ما يضمرون ألا ترى ان تسمية غير الله تعالى علي سبيل التعظيم موجبه للحرمة لقوله تعالى وما أهل به لغير الله فلو اعتبرنا ما يضمرون لم تحل ذبيحتهم وكذلك يستحلفون في المظالم بالله والاستحلاف بغير الله لا يحل

[ 238 ] فعرفنا أنه يبنى على ما يظهرون ثم انا أمر نا بالتسمية عند الذبح مخالفة للمشركين لانهم كانوا يسمون آلهتم عند الذبح ومخالفتهم واجبة علينا فالتسمية عند الذبح تكون واجبة أيضا بخلاف الطبخ والاكل فانهم ما كانوا يسمون آلهتهم عند ذلك فالامر بالتسمية عند ذلك ندب و كذلك عند الوصف فالامر بالتسمية عند الوصف لم يكن لمخالقتهم فكان ندبا ألا ترى ان في حالة النسيان تقام ملته مقام التسمية كما قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما لمعنى التخفيف وهذا التخفيف يستحقة الناسي دون العامد ولان العامد معرض عن التسمية فلا يجوز أن يجعل مسميا حكما بخلاف الناسي فانه غير معرض بل معذور والفرق بين المعذور وغير المعذور اصل في الشرع في الذبح وغير الذبح ألا ترى أن في اعتبار الذبح في المذبح يفصل بين المعذور وغيره وفى الاكل في الصوم يفصل بين الناسي العامد ولا يعتبر بالمأمور والمزجور فالاكل في الصلاة مزجور ثم سوى فيه بين النسيان والعمد والجماع في الاحرام كذلك ولكن متى اقترن بحالة ما يذكره كهيئة المحرمين والمصلين لا يعذر بالنسيان ومتى لم يقترن بحالة ما يذكره يعذر بالنسيان كالصوم وهنا لم تقترن بحالة ما يذكره وقد يذبح الانسان الطير وقلبه مشتغل بشغل آخر فيترك التسمية ناسيا وعليه يحمل الحديث على انه اذبح على اسم الله تعالى إذا كان ناسيا غير معرض بدليل انه ذكر في بعض الروايات وان تعمد لم يحل وحديث عائشة رضى الله تعالى عنها دليلنا لانها سألت عن الاكل عند وقوع الشك في التسمية فذلك دليله علي أنه كان معروفا عندهم أنه كان معروفا عندهم أن التسمية من شرائط الحل وانما أمرها رسول الله بالاكل بناء على الظاهر أن المسلم لا يدع التسمية عمدا كمن اشترى لحما في سوق المسلمين يباح له التناول بناء على الظاهر وان كان يتوهم أنه ذبيحة مجوسي * ثم التسمية في الذبح تشترط عند القطع وفى الاصطياد عند الارسال والرمى لان التكليف بحسب الوسع وفى وسعها التسمية عند الرمى وليس في وسعه التسمية عند الاصابة فتقام التسمية عند الارسال والرمى مقامه كما يقام الجرح في المتوحش مقام الذبح في المذبح في الاهلى ولان التسمية تقترن بفعله والقطع من فعله وفي الاصطياد فعله الارسال والرمى وعلى هذا لو أضجع شاة وأخذ السكين وسمى ثم تركها وذبح شاة أخرى وترك التسمية عليها لا يحل ولو رمى سهما إلى صيد وسمى فأصاب صيدا آخر أو أخذ سكينا وسمى ثم تركها وأخذ سكينا أخرى أو أرسل كلبه إلى صيد وسمى وترك ذلك الصيد وأخذ غيره حل وكذلك لو

[ 239 ] ذبح تلك الشاة ثم ذبح شاة أخرى بعدها فظن ان تلك التسمية تكفيه لا يحل والسهم إذا أصاب ذلك الصيد وغيره أو أخذ الكلب في فوره ذلك الصيد وغيره حل الاكل وجهله ليس نظير النسيان. ألاتري أن الجهل بالحكم لا يمنع حصول الفطر بخلاف النسيان وكذلك لو نظر إلى قطيع من الغنم وأخذ السكين وسمى ثم أخذ شاة منها وذبحها بتلك التسمية لا يحل وكذلك لو أرسل كلبه على جماعة من الصيود وسمى فأخذ أحدهما يحل لان التعيين في الاصطياد ليس في وسعه والتعيين في الذبح في وسعه. قال (ولو أرسل كلبه ولم يسم عمدا ثم زجره وسمى فانزجر وأخذ الصيد لم يحل) لان ارساله مع ترك التسمية عمدا فعل محرم فلا ينسخ الا بما هو مثله أو فوقه والزجر دون الارسال بخلاف ما إذا اتبع الصيد بغير إرسال صاحبه ثم زجره صاحبه وسمى فان انزجر بزجره وأخذ الصيد حل لان انباعه لم يكن فعلا معتبرا فان فعل العجماء غير معتبر إذا لم يكن بناء على إرسال آدمى فكان زجره بمنزلة ابتداء الارسال وقد اقتربت التسمية به وعلى هذا الاصل إذا أرسل المسلم كلبه علي صيد فزجره مجوسي فانزجر بزجره لم يضره لان الارسال من المسلم فعل موجب للحل فلا يرتفع الا بما هو مثله والزجر دون الارسال فلا يتغير به الحكم الثابت بالارسال ولو كان المجوسي هو الذى أرسل لم ينفعه زجر المسلم لان فعل المجوسى يحرم فلا يرتفع بزجر المسلم اياه لانه دونه فأما إذا انبعث الكلب والبازى علي أثر الصيد بغير إرسال ثم زجره صاحبه فان لم ينزجر بزجر صاحبه لم يحل الصيد لانه لا أثر لفعل المسلم فيأخذه وبدون الارسال لا يحل وان انزجره بزجر في القياس لا يحل أيضا لان زجره ليس بارسال فان الارسال يكون من يده ولم يكن في يده حين زجره وبدون الارسال لا يحل صيد الكلب ولكنه استحسن ذلك فقال لما انزجر بزجره يجعل ذلك بمنزلة ابتداء الارسال والصياد قد يبتلى بهذا لان الكلب ربما يرى الصيد ولا يراه صاحبه فلو انتظر ارساله فانه فينبعث على أثره وينظر إلى صاحبه ليزجره حتى إذا زجره كان بالقرب من الصيد فيتمكن من أخذه ثم انبعاثه لم يكن فعلا معتبرا فالحاجة الي ابتداء الفعل لا إلى فسخ الفعل ولما انزجر بزجره جعل هذا ابتداء فعله بخلاف الاول فالحاجة هناك إلى فسخ فعل معتبر والفسخ لا يصلح لذلك وهو نظير ما قلنا فيمن حفر بئرا في الطريق فالقى انسان حجرا على شفيره فيعثر انسان في الحجر حتى هوى في البئر فالضمان على الملقى وبمثله لو ثنى حجرا من (16 مبسوط حادى عشر)

[ 240 ] شفير البئر أو جاء به سيل فيعثر به انسان فوقع في البئر فالضمان علي الحافر لانه لم يوجد من بعد فعله فعل معتبر فبقى حكم فعله بخلاف الاول. قال (وإذا توارى الكلب والصيد عن المرسل المسلم ثم وجده المسلم وقد قتله وليس فيه أثر غيره حل تناوله إذا لم يترك الطلب لانه يستطاع الامتناع منه والتوارى عن بصره لا يستطاع الامتناع عنه خصوصا في القناص والمستأجر والطير بعد اصابة السهم ربما يتحامل ويطير حتى يغيب من بصره فيسقط فان كان ترك الطلب إلى عمل آخر حتى إذا كان قريبا من الليل طلبه فوجد الصيد ميتا والكلب عنده والبازى وبه جراحة لا يدرى الكلب جرحه أو غيره لم يحل أكله عندنا . وقال الشافعي رحمه الله تعالى يحل لانه ظهر لموته سبب وهو ما كان منه من إرسال الكلب والبازى والرمى والحكم متى ظهر عقب سببه يحال عليه كما لو جرح انسانا فلم يزل صاحب فراش حتى مات فجعل قاتلا له ولكن نستدل بما روى أن رجلا أهدى إلى النبي صيدا فقال عليه الصلاة والسلام من أين لك هذا قال كنت رميته بالامس وكنت في طلبه حتى حال بينى وبينه ظلمة الليل ثم وجدته الليل وفيه من باقى فقال عليه الصلاة والسلام لعل بعض الهوام أعانك على قتله فلا حاجة لى فيه وقال ابن عباس كل ما أصميت ودع ما أنميت والانماء التوارى عن بصرك الا أن قدر ما لا يستطاع الامتناع عنه جعل عفوا فأما ترك الطلب مما يستطاع الامتناع عنه والثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة ثم في المدة القصيرة يؤمن اصابة آفة أخرى اياه ولا يؤمن ذلك إذا ترك الطلب وطالبت المدة ولانه لا يدري فلعله لو لم يترك الطلب وجده حيا فذكاه فمن هذا الوجه يكون تاركا ذكاة الاختيار فيه مع القدرة عليه وان وجده وفيه جراحة أخرى ليس له أن يأكله ترك الطلب أو لم يترك لانه ظهر لموته سببان أحدهما موجب للحل والآخر موجب للحرمة فيغلب كما لو وقعت الرمية في الماء. قال (وإذا أرسل كلبه أو بازيه علي صيد فأخذ ذلك الصيد أو أخذ غيره أو أخذ عددا من الصيود فهو كله حلال مادام على وجه الارسال) لان الارسال قد صح من المسلم موجبا للعمل فما نأخذه من وجه ارساله وهو ممسك له على صاحبه يحل وتعيين الصيد في الارسال ليس يشرط الا على قول مالك رضي الله تعالى عنه فانه يقول التعيين شرط حتى إذا ترك التعيين فهو كترك الارسال وعن ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى قال التعيين ليس بشرط ولكن إذا عين اعتبر تعيينه حتى إذا ترك ذلك وأخذ غيره

[ 241 ] لا يحل ولكنا نقول الشرط ما في وسعه اتخاذه وهو الارسال فأما التعيين ليس في وسعه لانه لا يمكنه ان يعلم البازى والكلب على وجه لا يأخذ الا ما يعينه ولان التعيين غير مفيد في حقه ولا في حق الكلب فان الصيود كلها فيما يرجع إلى مقصوده سواء وكذلك في حق الكلب فقصده إلى أخذ كل صيد يتمكن من أخذه وعلامة علمه امساكه على صاحبه بترك الاكمل وما ليس بمفيد لا يعتبر شرعا فسواء أخذ ذلك الصيد أو غيره حل. قال (فان قتل واحدا وجثم عليه طويلا ثم مر به صيد آخر فأخذه لم يؤكل) لان فور الارسال قد انقطع حين جثم على الاول طويلا فقد انعدم إرسال صاحبه في حق الصيد الثاني وهو شرط في الحل (فان قيل) كيف يكون فعله ناسخا لارسال صاحبه (قلنا) انما جثم على ذلك الصيد بناء على إرسال صاحبه ليأتيه فيأخذه منه فذلك بمنزلة فعل صاحبه ولو منعه انقطع به حكم الاسال مع أن فعل العجماء معتبر في نسخ حكم فعل الآدمى به كمن أرسل دابة في الطريق فتركت سنن الارسال وذهب يمنة أو يسرة فأتلفت مالا لم يجب الضمان علي المرسل بخلاف ما لو ذهبت على سنن الارسال. قال (وان وصل إليه صاحبه والصيد حى فأخذه فلم يذبحه حتى مات لم يؤكل) أما إذا تمكن من ذبحه فلا شك فيه لانه ترك ذكاة الاختيار مع القدرة عليه وأما إذا لم يتمكن من ذلك فان كان لفقد الآلة فكذلك الجواب لان التقصير من قبله حيث لم يحمل آلة الذكاة مع نفسه وان كان لضيق الوقت فكذلك الجواب عندنا (وقال) الحسن بن زياد ومحمد بن مقاتل رحمهما الله تعالى يحل استحسانا وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى لان ذكاة الاضطرار بدل عن ذكاة الاختيار وما لم يقدر على الاصل لا يسقط حكم البدل كالمتيمم إذا وجد الماء وبينه وبين الماء سبع أو عدو وهنا لم يقدر على الاصل فبقى ذكاة الاضطرار موجبا للحل ولكنا نقول ذكاة الاضطرار انما تعتبر فيما إذا لم يقع في يده حيا وهذا قد وقع في يده حيا فسقط اعتبار ذكاة الاضطرار فيه وألحق بما كان في يده كالشاة والبعير إذا سقط فلم يتمكن من ذبحه في المذبح لضيق الوقت فجرحه فمات لم يحل فهذا مثله وهذا كله إذا كان يتوهم بقاؤه حيا مع الجرح الذى جرحه الكلب فأما إذا شق بطنه فأخرج ما فيه ثم وقع في يد صاحبه حيا فمات حل تناوله لانه استقر فعل الذكاة قبل وقوعه في يده وما بقى فيه اضطراب المذبوح فلا يعتبر كمن ذبح شاة فاضطربت ووقعت في الماء بعد قطع الحلقوم والاوداج لم يحرم بذلك لهذا المعنى وقيل هذا قول أبى يوسف

[ 242 ] ومحمد رحمهما الله تعالى فأما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا يحل وهو القياس لانه وقع في يده حيا وموته مما أصابه وحياته موهوم فانما ينبنى الحكم على ما هو معلوم حقيقة وهو وقوعه حيا في يده صاحبه فلا يحل بدون ذكاة الاختيار. قال (والكلب الكردى والاسود في الاصطياد به إذا كان معلما كغيره لقوله تعالى تعلمونهن مما علمكم الله) وانما أورد هذا لان من الناس من يقول لا يحل ذلك وانما الاصطياد بالكلاب الفقهية المسترخية الآذان وليس ذلك معتبرا عندنا وكذلك إذا علم شيئا من السباع حتى جعل يصيد به مثل عتاق الارض وغيره فلا بأس بصيده لانه مرسل معلم أمسك الصيد على صاحبه. قال (وإذا كمن الفهد في ارساله حتى استمكن من الصيد ثم وثب عليه فقتله لم يحرم أكله) لان هذا لا يستطاع الامتناع منه فهو عادة ظاهرة للفهد أنه يكمن ولا يعدو علي أثر الصيد فيسقط اعتباره ولانه تحقق ما قصده صاحبه بالارسال فلا ينقطع به فور الارسال كالوثوب. قال (وكذلك الكلب إذا فعل ذلك فهو بمنزلة الفهد) لما بينا أنه قصد به التمكن من الصيد فلا ينقطع به حكم الارسال (قال) وكان شيخنا رحمه الله يقول للفهد خصال ينبغى لكل عاقل أن يأخذ ذلك منه (من ذلك) أنه يكمن للصيد حتى يستمكن منه وهكذا ينبغى للعاقل أن لا يجاهر بالخلاف مع عدوه ولكن يطلب الفرصة حتى يصحل مقصوده من غير إتعاب نفسه (ومنه) إنه لا يعدو خلف صاحبه حتى يركبه خلفه وهو يقول هو المحتاج إلى فلا اذل له فلهذا ينبغى للعاقل أن يفعله لا يذل نفسه فيما يعمل لغيره (ومنه) أنه لا يتعلم بالضرب ولكن يضرب الكلب بين يديه إذا أكل من الصيد فيتعلم بذلك وهكذا ينبغى للعاقل أن يتعظ بغيره كما قيل السعيد من وعظ بغيره (ومنه) أنه لا يتناول الخبيث وانما يطلب من صاحبه اللحم الطيب وهكذا ينبغى للعاقل أن لا يتناول الا الطيب (ومنه) أنه يثبت ثلاثا أو خمسا فان تمكن من الصيد والاتركه وهو يقول لا أقتل نفس فيما أعمله لغيري وهكذا ينبغى لكل عاقل. قال (وإذا شاركه في الصيد كلب آخر غير معلم لم يحل أكله) لقوله عليه الصلاة والسلام لعدى بن حاتم رضى الله تعالى عنه وإذا شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل فانك انما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك ولانه اجتمع فيه المعنى الموجب للحل والمعنى الموجب للحرمة فيغلب الموجب للحرمة وكذلك ان رد الصيد عليه حتى أخذه أورده عليه سبع حتى أخذه لانه قد أعانه على أخذ الصيد وبهذه الاعانة تثبت المشاركة بين الفعلين والبازى في ذلك كالكلب لان فعل ما ليس بمعلم يحرم

[ 243 ] الصيد والبازى والكلب فيه سواء وان رد الصيد على الكلب مجوسي حتى أخذه فلا بأس بأ كله لان فعل المجوسى ليس من جنس فعل الكلب فلا تثبت به المشاركة بل يكون الصيد مأخوذا بأخذ الكلب الذى أرسله المسلم فكان حلالا فاما فعل الكلب الذى لم يرسله صاحبه وفعل السبع من جنس فعل الكلب الذى أرسله المسلم فتتحقق المشاركة ويجتمع في الصيد الموجب للحل والموجب للحرمة. قال (وإذا أكل الكلب من الصيد فقد خرج عن حكم المعلم) لان علامة المعلم فيه ترك الاكل وفى البازى الاجابة إذا دعاه فكما ان البازى إذا فرمنه وامتنع من اجابته لا يكون معلما فكذلك الكلب إذا أكل من الصيد لا يكون معلما ويحرم ما عنده من صيوده قبل ذلك في قول أبى حنيفة رحمه الله ولا يحرم في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله * من أصحابنا رحمهم الهل من يقول هذا إذا كان العهد ريبا بأخذ تلك الصيود فاما إذا تطاول عليه العهد بأن أتى عليه شهر أو نحو ذلك وقد قدر صاحبه صيوده لم تحرم تلك الصيود لان في المدة الطويلة يتحقق النسيان فلا يكون ذلك دليلا على كونه غير معلم في ذلك الوقت وفى المدة القصيلة لا يتوهم نسيان الحرفة فنبين انه كان عن غير علم حين اصطاد تلك الصيود وانما لم يأكل منها للشبع لا للامساك على صاحبه. والاظهر أن الخلاف في الفصلين جميعا فهما يقولان قد حكمنا بالحل في الصيود المأخوذة وأكله من هذه الصيد محتمل قد يكون لفرط الجوع مع كونه معلما وقد يكون لامساكه على نفسه وكونه غير معلم وما كان محكوما به لا يجوز ابطاله بالشك ولا معنى لقول من يقول قد حكمنا بكونه جاهلا حتى قلنا لا يؤكل هذا الصيد الذى أكل منه ولا ما يأخذه بعده ما لم يصر معلما الا أنا انما حكمنا بذكل لنوع اجتهاد مع بقاء الاحتمال والاجتهاد دليل يصلح للعمل به في المستقبل وليس بدليل لنوع اجتهاد مع بقاء الاحتمال والاجتهاد يصلح العمل به في المستقبل لا في بعض ما مضى بالاجتهاد والحل في الصيود المحرزة حكم أمضى بالاجتهاد وأبو حنيفة رحمه الله يقول تبين أن ذلك صيد كلب جاهل فلا يؤكل منه كالصيد الذى أكل منه وبيان ذلك ان هذه الحرفة في الكلب إذا حصلت كانت ضروريه فلا ينسى أصلها ولكنها تضعف بالترك زمانا كالخياطة والرمى ونحوهما في الآدمى ولما وجب الحكم بكونه جاهلا في الحال تبين ضرورة أنه لم يكن معلما وانه انما ترك الاكل للشبع حتى لم يترك حين كان جائعا وهذا لان الاكل وان كان محتملا ولكن تعين فيه أحد الوجهين بدليل شرعى وهو كونه غير معلم حين حرم تناول هذا

[ 244 ] الصيد فسقط اعتبار احتمال وجه آخر وما قال أبو حنيفة رحمه الله أقرب إلى الاحتياط وعليه يبنى الحل والحرمة. قال (ولا يحل صيده بعد ذلك حتى يصير معلما) بأن يصيد به ثلاثا فلا يأكل منها فيحل حينئذ الرابع في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ولكن أبو حنيفة رحمه الله لم يؤقت فيه وقتا ولكن يقول إذا صار عالما فكل من صيده وكذلك الخلاف في تعليمه في ابتداء أمره وعلى قولهما انما يحصل بأن يجيبه إذا دعى ويرسله على الصيد فيصيده ولا يأكل منه ثلاث مرات ولم يؤقت فيه أبو حنيفة رحمه الله وقتا ولكنه قال هو مأكول إلى اجتهاد صاحبه فان كان أكبر رأيه انه صار معلما فهو معلم وربما قال يرجع إلى أهل العلم به من الصيادين فإذا قالوا صار معلما فهو معلم وحجتنا في ذلك أن المعلم يمسك الصيد على صاحبه وعلامة ذلك أن لا يأكل منه الا أن ترك الاكل قد يكون للشبع وقد يكون للامساك على صاحبه فإذا ترك ذلك مرارا علي الولاء يزول به هذا الاحتمال ونعلم أنه معلم لا مساكه على صاحبه وقدرنا ذلك بالثلاث لانه حسن الاختيار والاصل فيه قصة موسي مع معلمه عليه السلام حيث قال في الثالثة هذا فراق بينى وبينك وكذلك الشرع قدر مدة الاختيار بثلاسة أيام للاختيار وقال عليه الصلاة والسلام إذا استأذن أحدكم ثلاثا ولم يؤذن له فليرجع وقال عمر رضى الله تعالى عنه إذا لم يربح أحدكم في التجارة ثلاث مرات فليرجع إلى غيرها وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول نصب المقادير بالرأى لا يكون ولا مدخل للقياس فيه فيكون طريق معرفته الاجتهاد والرجوع إلى من له علم في ذلك الباب قال الله تعالى فاسألوا أهل الذكران كنتم لا تعلمون وهذا لان احتمال الشبع كما يكون في المرة يكون في المرات (وروى) الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله مثل قولهما في التقدير بالثلاث الا أن في تلك الرواية أبو حنيفة يقول يؤكل الصيد الثالث وهما يقولان لا يؤكل الصيد الثالث لانه انما حكم بكونه معلما حين ترك الاكل من الثلاث وآخره لهذا الصيد كان قبل ذلك فلا يؤكل منه وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول انما يحكم بكونه معلما بطريق تعيين امساكه الثالث على صاحبه وإذا حكمنا بأن يمسكه على صاحبه وقد أخذه بعد إرسال صاحبه حل التناول منه كالرابع. قال (وإذا أخذ الرجل الصيد من الكلب ثم وثب عليه الكلب فانتهش منه قطعة ورمى بها صاحبها إليه فأكلها لم يفسدهما عليه) لانه قد تم امساكه على صاحبه حين لم يأكل منه حتى وصل إلى يد صاحبه وبعد ذلك انتهاشه منه ومن لحم آخر في مخلاة صاحبه سواء فلا يخرج به من أن

[ 245 ] يكون معلما ولان هذا من عادة الصيادين أن يأخذ الصيد من الكلب ثم يرمى بقطعة منه إليه وكأن الكلب طالبه بهذه العادة فهو دليل حذقه لا دليل جهله وان انتهش الكلب من الصيد قطعة في اتباعه اياه فأكلها ثم اتبعه فأخذه أو أخذ غيره فقتله لم يحل أكله لانه لما أكل القطعه التى تمكن منها من الصيد عرفنا أنه غير معلم وان سعيه لنفسه لا للامساك على صاحبه وانما ترك الاكل مما بقى لانه شبع بتناول تلك القطعة وان كان ألقى تلك القطعة وأخذه وقتله ولم يأكل حتى أخذه ثم عاد فأكل تلك القطعة لم تضره لانه أمسك الصيد على صاحبه حين لم يأكل منه مع حاجته وتناوله تلك القطعة بعد وصول الصيد الي صاحبه كتناول قطعة ألقاها إليه صاحبه بل ذلك دليل حذقه حتى اشتغل بتناول ما يعلم أن صاحبه لا يرغب فيه فهو بمنزلة ما لو شرب من دمه وقد بينا ان ذلك لا يحرم الصيد فكذلك هذا. قال (ولا يحل صيد المجوسي ولا ذبيحته لقوله عليه الصلاة والسلام سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب غيرنا كحى نسائهم ولا آكلى ذبائحهم) و لانهم يدعون لا ثنين فلا يتحقق منهم تسمية الله تعالى على الخلوص وذلك شرط الحل في الذكاة الا فيما يحتاج فيه الي الذكاة من سمك أو جراد وبيضة بأخذها وما أشبه ذلك فان الحل في هذه الاشياء ليس يثبت بالفعل حتى يحل وان مات بغير فعل أحد ولا اقتراب التسمية بالفعل فلا يشترط التسمية للحل فيما لا يشرط فيه الفعل والمرتد في ذلك كالمجوسي أما إذا ارتد لغير دين أهل الكتاب فلا اشكال فيه لانه كالكافر الاصلي فيما اعتقده وان ارتد الي دين أهل الكتاب فلانه غير مقر على ما اعتقده وقد ترك ما كان عليه فلا ملة له والنكاح وحل الذبيحة ينبنى على الملة. قال (ولا بأس بصيد المسلم بكلب المجوسي المعلم وبازيه كما يذبح بسكينه) لان المعتبر في الآلة أن تكون جارحا فلا يختلف ذلك بكون مالكه مجوسيا أو مسلما والشرط يقترن بالفعل والفاعل في الذبح والاصطياد والمسلم هو من أهل ايجاد هذا الشرط. قال (وإذا أرسل المجوسي كلبه على صيد ثم أسلم ثم زجره فانزجر بزجره وقتل الصيد لم يحل أكله) كما لو زجره مسلم آخر وهذا لان أصل ارساله كان فعلا موجبا للحرمة ولم ينسخ ذلك بالزجر بعد اسلامه وانما ينظر في هذا الجنس إلى وقت الارسال والرمى فان كان فيه مجوسيا أو مرتدا لم يحل صيده وان تغير عن حاله قبل أن يأخذه وان كان مسلما ثم ارتد والعياذ بالله لم يحرم الصيد لان الحل باعتبار تسمية الله وقد بينا ان الشرط عند الارسال والرمى لا عند الاصابة فان كان مسلما في ذلك الوقت

[ 246 ] وسمى فقد تقرر فعله موجبا للحل فلا يتغير ذلك بردته كما لا يتغير ذلك بموته ولو مات قبل الاصابة فان كان مجوسيا أو مرتدا فقد تقرر فعله موجبا للحرمة فلا يتغير باسلامه بعد ذلك اعتبار بفعل الرمى والارسال هنا بالذبح في الشاة. قال (ولا بأس بصيد اليهودي والنصراني وذبيحتهما لقوله تعالى وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم والمراد الذبائح) إذ لو حمل على ما هو سواها من الاطعمة لم يكن لتخصيص أهل الكتاب بالذكر معنى ولا نهم يدعون التوحيد فيتحقق منهم تسمية الله تعالى على الخلوص الا أن يسمعه المسلم يسمى عليه المسيح فإذا سمع ذلك منه لم يحل أكله لانه ذبح بغير اسم الله عزوجل ولو فعل ذلك مسلم لم يحل لقوله تعالى وما أهل لغير الله به فحال الكتابى في ذلك لا يكون أعلى من حال المسلم وبعض أصحاب الشافعي رحمهم الله يقولون يحل لان المسلم إذا ذبح بغير اسم الله تعالى يصير مرتدا وانما لا يؤكل بردته وهذا لا يوجد في حق الكتابى وقد أحل الشرع ذبائحهم مع قولهم ان الله هو المسيح بن مريم كما أخبر الله عنهم وهو يتعالى عن ذلك علوا كبيرا فإذا ظهر ذلك لم تحرم ذبيحتهم ولكنا نقول قد بينا ان الحرمة المعتبرة بالصفة انما تثبت باعتبار تلك الصفة وقد نص الله تعالى علي الحرمة بتسمية غير الله تعالى وإذا كان في حق المسلم الحرمة ليست باعتبار هذا الوصف عرفنا ان المراد بالآية الكتابى وان كانت الحرمة في حق المسلم باعتبار هذا الوصف فكذلك في حق الكتابى (وقد) روى عن على بن أبى طالب رضي الله عنه قال وإذا سمعتموهم يذكرون اسم المسيح علي ذبائحهم فلا تأكلوا. قال (فان تهود المجوسى أو تنصر تؤكل ذبيحته وصيده) لانه يقر على ما اعتقده عندنا لانه صار بحيث يدعى التوحيد فلا يجوز اخباره على العود إلى دعوى اثنين وإذا كان مقرا على ما اعتقده اعتبر بما لو كان عليه في الاصل لو تمجس يهودى أو نصراني لم يحل صيده ولا ذبيحته بمنزلة ما لو كان مجوسيا في الاصل. قال (وان كان غلام أحد أبويه نصراني والآخر مجوسي وهو يعقل الذبح تؤكل ذبيحته وصيده عندنا) وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا تؤكل لانه تابع لابويه واعتبار جانب أحدهما يوجب الحرمة والآخر يوجب الحل فيتغلب الموجب للحرمة كما لو اشترك المسلم والمجوسي في الاصطياد والذبح وحجتنا في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام كل مولد يولد على الفطرة فابواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه حتى يعرب عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا فقد جعل العاقل اتفاق الابوين ولم يوجد اتفاقهما في التمجس فلا يثبت حكم المجوسية في حقه

[ 247 ] ولان أحد الابوين ممن تحل ذبيحته فيجعل الولد تابعا له كما إذا كان أحد الابوين مسلما والآخر مجوسيا وهذا لان الصبي يقرب من المنافع ويبعد من المضار والنصرانية إذا قو بلت بالمجوسية فالمجوسية شر فكان اتباع الولد للكتابى أنفع للولد وانما يترجح الموجب للحظر عند المساواة وقد انعدمت المساواة هنا فجعلنا الولد تابعا للكتابى منهما. قال (فأما ذبيحة الصابئ وصيده يحل عند أبى حنيفة رحمه الله ويكره) وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يحل وذكر الكرخي رحمه الله تعالى انه لا خلاف بينهم في الحقيقة ولكن في الصابئين قوم يقرون بعيسى عليه السلام ويقرون الزبور فهم صنف من النصارى فانما أجاب أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يحل ذبائع هؤلاء وفيهم من ينكر النبوات والكتب أصلا وانما يعبدون الشمس وهولاء كعبدة الاوثان وانما أجاب أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في حق هؤلاء. قال الشيخ الامام رحمه الله تعالى وفيما ذكره الكرخي رحمه الله تعالي عندي نظر فان أهل الاصول لا يعرفون في جملة الصابئين من يقر بعيسى عليه الصلاة والسلام وانما يقرون بادريس عليه الصلاة والسلام ويدعون له النبوة خاصة دون غيره ويعظمون الكواكب فوقع عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنهم يعظمونها تعظيم الاستقبال لا تعظيم العبادة كما يستقبل المؤمنون بالقبلة فقال تحل ذبائحهم ووقع عند) أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أنهم يعظمونها تظعيم العبادة لها فالحقناهم بعبدة الاوثان وانما اشتبه ذلك لانهم يدينون بكتمان الاعتقاد ولا يستحيون باظهار الاعتقاد البتة وانما احتجاج أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أولي لان عند الاشتباه يغلب الموجب للحرمة. قال (ولا تؤكل السمكة الطافية فأما ما انحسر عنه الماء أو نبذه فلا بأس بأكله) وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا بأس بأكل السمك الطافي واستدل بقوله تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم قيل الطعام من السمك ما يوجد فيه ميتا وقال عليه الصلاة والسلام في البحر هو الطهور ماؤه والحل ميتته وقال صلوات الله وسلامه عليه أحلت لنا ميتتان ودمان الحديث وفى حديث أبان بن أبى عياش رضى الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن أكل الطافى من السمك فلم يربه بأسا واعتبر السمك بالجراد بعلة أنه لا يشترط فيه الذكاة فيستوى موته بسبب وبغير سبب وحجتنا في ذلك حديث جابر رضى الله تعالى عنه أن النبي قال ما انحسر عنه الماء فكل وما طغى فلا تأكل ولا يقال هذا نهى اشفاق لما قيل ان الطافي يورث البرص

[ 248 ] وهذا لان الاستكثار من السمك يورث البرص الطافئ وغيره سواء وانما بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم مبينا للاحكام دون الطب وحرمة تناول الطافئ مروى عن على وابن عباس رضى الله تعالى عنهم حتى قال على رضى الله تعالي عنه للسماكين لا تبيعوا الطافئ في أسواقنا وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أكل الطافئ حرام ولانه حيوان مات بغير سبب فلا يؤكل كسائر الحيوانات بخلاف الجراد فموته لا يكون الا بسبب على ما بينا أنه بحرى الاصل برى المعاش فان مات في البحر فقد مات في غير موضع معاشه وما مات في البر فقد مات في غير موضع أصله وهذا سبب لهلا كه فوزانه لو مات السمك بسبب. وقد بينا أن الموجب للحرمة من الآثار يترجح على الموجب للحل لقوله عليه الصلاة والسلام الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى مالا يريبك ثم جميع أنواع السمك حلال الحريث والمارهيج وغيره في ذلك سواء ولا يؤكل من سوى السمك من حيوانات الماء عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يؤكل جميع ذلك وله في الضفدع قولان وفى الكتاب ذكر عن ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى قالا لا بأس بصيف البحر كله وقيل الصحيح في مذهب ابن أبى ليلي رحمه الله تعالى ما يؤكل جنسه من صيد البر يؤكل من صيد البحر وما لا يوكل من صيد البر كالخنزير ونحوه لا يؤكل من صيد البر واستدل الشافعي رحمه الله تعالى بالآية والخبر وليس فيهما تقييد السمك من بين صيد الماء وميتاتها وفى حديث أبى سعيد الخدرى رحمه الله تعالى قال كنا أصحاب رسول الله ورضي الله عنهم في سفر فأصابتنا مجاعة فألقى البحر لنادابة يقال لها عنترة فأكلنا منها وتزودنا فلما رجعنا إلى رسول الله سألناه عن ذلك فقال صلوات الله وسلامه عليه هل بقى عندكم شئ فتطعموني وحجتنا في ذلك قوله تعالى أو لحم خنزير ولم يفصل بين البرى والبحري وسئل عليه الصلاة والسلام عن مخ الضفدع يجعل في الدواء فنهى عن قتل الضفادع وقال انها خبيثة من الخبائث فان ثبت بهذا الحديث أن الضفدع مستخبث غير مأكول فقيس عليه سائر حيوانات الماء ومن يقول يؤكل جميع صيد البحر دخل عليه أمر قبيح فانه لا يجد بدا من أن يقول يؤكل انسان الماء وهذا تشنع فعرفنا أن المأكول من المائى السمك فقط وان المراد بقول الله تعالى أحل لكم صيد البحر ما يؤخذ منه طريا ومن قوله تعالى وطعامه متاعا لكم المالح المقدد منه والصحيح من حديث أبى سعيد رضى الله

[ 249 ] تعالى عنه فألقى لنا البحر حوتا يقال له عنبر وهو اسم للسمك وتأويل الرواية الاخرى أنه جوز لهم التناول لضرورة المجاعة أو كان ذلك قبل نزول قوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث ثم الاصل عندنا في اباحة السمك أن ما مات منه بسبب فهو حلال كالمأخوذ منه وما مات بغير سبب فهو غير مأكول كالطافئ فان ضرب سمكة فقطع بعضها فلا بأس بأكلها لوجود السبب وكذلك ان وجد في بطنها سمكة أخرى لان ضيق المكان سبب لموتها وكذلك ان قتلها شئ من طير الماء وغيره وكذلك ان ماتت في جب لان ضيق المكان سبب لموتها وكذلك ان جمعها في حظيرة لا تستطيع الخروج منها وهو يقدر علي أخذها بغير صيد فلا خير في أكلها لانه لم يظهر لموتها سبب وإذا مات السمك في الشبكة وهى لا تقدر علي التخلص منها أو أكل شيئا القاه في الماء ليأكله فمات منه وذلك معلوم فلا بأس بأكله وكذلك لو ربطها في الماء فماتت فهذا كله سبب لموتها وهو في معنى ما انحسر عنه الماء وقال عليه الصلاة والسلام ما انحسر عنه الماء فكل وكذلك لو انجمد الماء فبقيت بين الجمد فماتت فأما إذا ماتت بحر الماء أو برده ففيه روايتان فعلى احدى الروايتين تؤكل لوجود السبب لموتها وفى الرواية الاخرى لا تؤكل لان الماء لا يقتل السمك حارا أو باردا (وروى) هشام عن محمد رحمهما الله أنه إذا انحسر الماء عن بعضه فان كان رأسه في الماء فمات لا يؤكل وان النحسر الماء عن رأسه وبقى ذنبه في الماء فهذا سبب لموته فيؤكل. قال (وإذا أرسل بازيه المعلم على صيد ووقع على صيد ثم اتبع الصيد وأخذه وقتله فلا بأس بأكله) لان هذا مما لا يستطاع الامتناع منه ولان من عادة البازى هذا أن يقع على شئ وينظر إلى صيد ليأتيه من الجانب الذى يتمكن من أخذه فهو بمنزلة كمين الفهد فلا يحرم به صيده ولا ينقطع به فور الارسال. قال (وإذا أصاب السهم الصيد فأثخنه حتى لا يستطيع براحا ثم رماه بسهم آخر فقتله لم يحل أكله) لان هذا قد صار أهليا فقد عجز بالفعل الاول عن الاستيحاش والطيران فذكاته بعد ذلك بالذبح في المذبح لا بالرمي بل الرمى في مثله موجب للحرمة ولما اجتمع فيه الموجب للحرمة والموجب للحل يغلب الموجب للحرمة ولان اثخانه اياه كأخذه ولهذا لو أثخنه أحدهما وأخذه الآخر فهو للاول ولو أخذه ثم رماه فقتله لم يؤكل فذكك إذا اثخنه وان رمى بالسهم الثاني غيره فقتله لم يحل أيضا لما بينا ويغرم قيمته مجروحا للاول في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وأبو حنيفة في هذا لا يخالفهما ولكن لم يحفظ جوابه فذكر قول أبى يوسف

[ 250 ] ومحمد رحمهما الله وهذا الان الفعل من الاول موجب للملك له والحل له والثانى بفعله أتلف صيدا مملوكا للاول فيضمن قيمته بالصفة التى أتلفه وانما أتلفه مجروجا بالجرح الاول وان علم أنه مات من الجراحتين جميعا فانه يضمن نصف قيمته مجروحا بالجرح الاول ونصف قيمته لحما ذكيا لان النصف مات بفعله والنصف بفعل الاول لان الثاني أفسد عليه اللحم في ذلك النصف فلهذا ضمن نصف قيمته لحما ذكيا وان أصابته رمية الثاني قبل أن يصيبه الاول لم يحرم أكله ولا يلزمه غرمه لان رمية الثاني لم تخرجه من ان يكون صيدا فقد سبق ملكه فلا يغرم له شيئا * وإذا كان الصيد يتحامل ويطير مع اصابه من رمية الاول فراه الاخر فقتله فهو للثاني حلاف لانه هو الذى أخرجه من أن يكون صيدا بفعله والاول كالمقرله والثانى كالأخذ والصيد لمن أخذ لا لمن أثار (وان رمياه جميعا معا أو أحدهما بعد صاحبه قبل أن يصيبه السهم الاول فقتلاه فهو لهما جميعا حلال) لان كل واحد منهما رمى إلى صيد مباح وأصابه الرميتان جميعا معا فقد استويا في سبب الملك وذلك موجب المساواة في الملك وفعل كل واحد منهما مذك للصيد فيحل تناوله لهما وان رمياه معا فأصابه سهم أحدهما فأنحنه ثم أصاب السهم الآخر فهو للاول ويحل تناوله عندنا وقال زفر رحمه الله لا يحل لان الرمية من الثاني أصابته وليس بصيد والمعتبر وقت الاصابة لا وقت الرمى فلهذا لا يحل أكله ولكنا نقول فعل كل واحد منهما موجب للحل لانه رمى إلى صيد وفي الحل المعتبر وقت الرمى لان الحل بالذكاة وهو فعل المذكى وفعله الرمى فأما في الملك فلا خير في أكلها لانه لم يظهر لموتها سبب وإذا مات السمك بالشبكة وهى لا تقدر علي التخلص منها أو أكل منها شيئا ألقاه في الماء ليأكله فمات منه وذلك معلوم فلا بأس بأكله وكذلك لو ربطها في الماء فهذا كله سبب لموتها والمعتبر وقت الاصابة لا وقت الرمى فلهذا لا يحل أكله ولكنا نقول فعل كل واحد منهما موجب للحل لانه رمى إلى الصيد وفى الحل المعتبر وقت الرمى لان الحل بالذكاة وهو فعل المذكى وفعله الرمى فأما في الملك المعتبر وقت الاصابة لان الملك يثبت بالاحراز واحراز الصيد بالاصابة دون الرمى وعلى هذ لو رمى إلى صيد وسمى فتكسر الصيد ثم أصابه السهم حل عندنا ولم يحل عند زفر ومن أخذ صيدا أو فرخ صيد من دار رجل أو أرضه فهو له لقوله عليه الصلاة والسلام الصيد لمن أخذ وهذا لان صاحب الملك لم يثبت يده على فرخ الصيد لكونه في ملكه لانه ما أفرخ ليتركه بل ليطيره. بخلاف النحل العسالة إذا

[ 251 ] عسلت في أرض رجل فهو لصاحب الارض لانها القت ذلك للترك والقرار في ذلك الموضع فهو بمنزلة طين مجتمع في أرض رجل من السيل يكون له. قال (ما لم يحرزه صاحب الدار بالقبض عليه أو اغلاق باب ليحرزه به بحيث يقدر على أخذه بغير صيد فإذا فعل ذلك فقد تم احرازه) ثم الآخذ انما أخذ صيدا مملوكا فعليه رده على مالكه كمن نصب شبكة فوقع فيها صيد ثم أخذه انسان آخر فعليه رده على صاحب الشبكه (ولو تكسر صيد في أرض انسان فصار بحيث لا يستطيع براحا أو رمى صيدا فوقع في أرض رجل لا يدرى من رماه فأخذه رجل آخر فهو للذى أخذه) لان الاحراز من الآخذ ولم يوجد من جهة صاحب الملك احراز له وان عجز الصيد عن الطيران بما أصابه والمباح انما يملك بالاحراز قال (وكل من اصطاد سمكا من نهر جار لرجل فهو للذى أخذه) لان صاحب النهر ما صار محرزاله بل هو صيد في نهره فالمحرز له من اصطاده وذلك ان كانت أجمة لا يقدر على أخذ صيدها الا بالاصطياد فصاحب الاجمة صار محرزا لما حصل فيها من السمك انما المحرز الآخذ فان كان صاحب الاجمة احتال لذلك حتى أخرج الماء وبقى السمك فهو لصاحب الاجمة لانه صار محرزا بما صنع فالسمك علي اليبس لان يكون صيدا فإذا صار بفعله بحيث يتمكن من أخذه من غير صيد فهو محرزله. قال (وإذا عجز المسلم عن مد قوسه واعانه مجوسي على مده لم يحل الصيد) لا جتماع الموجب للحظر والموجب للحل فان فعل المجوسى من جنس فعل المسلم فتحققت المشاركة بينهما كما لو أخذ مجوسي بيد المسلم فذبح والسكين في يد المسلم قال (وإذا أصاب السهم الصيد فوقع على الارض ومات حل أكله استحسانا) وفى القياس لا يحل لجواز أن يكون مات بوقوعه على الارض. وجه الاستحسان أن هذا مما لا يستطاع الامتناع عنه إذ ليس في وسعه ان يرميه علي وجه يبقى في الهواء ولا يسقط وان وقع في ماء أو على جبل ثم وقع منه على الارض ومات لم يؤكل. وفي الوقوع في المال أثر عن ابن مسعود رضي الله عنه وفى حديث عن رسول الله قال لعدى بن حاتم رضى الله عنه وقد بينا ولان من الجائز أن الماء قتله وهذا يستطاع الامتناع منه وكذلك ان وقع على جبل ثم منه على الارض فهذا مترد ومن الجائز أن التردي قتله وقد قال الله تعالى في جملة المحرمات والمتردية وكذلك كل ما أصابه قبل ان يستقر على مكانه الذى يموت عليه يعنى وقع على شجرة ثم وقع منها على الارض وان مات على ذلك

[ 252 ] الشئ ولم يقع على الارض حيا فهو حلال وكذلك ان مات قبل وقوعه في الماء ثم وقع في الماء لان التردي والوقوع في الماء كان بعد تمام فعل الذكاة ولم يكن سببا لموته وان وقع على جبل ومات ولو على السطح فمات حل لان الموضع الذى وقع فيه بمنزلة الارض وقد بينا أن ذلك لا يستطاع الامتناع منه فيكون عفوا وهذا إذا كان ما وقع عليه مما لا يقتل فان كان ما يقتل مثل حد الرمح والقضيبة المنصوبة وحد الآجر واللبنة القائمة ونحوها لم يؤكل لان هذا سبب لموته وهو فعل آخر سوى فعل الذكاة يستطاع الامتناع منه وفى الاصل قال ان وقع علي آجرة موضوعة على الارض فمات فهذا بمنزلة الارض ويؤكل وذكر في المنتقى لو وقع على صخرة فانشق بطنه فمات لم يؤكل وليس هذا باختلاف الروايات بل مراده ما ذكر في المنتقى إذا أصابه حد الصخرة فانشق بطنه بذلك وهذا سبب لموته سوى الذكاة ومراده مما ذكر في الاصل انه لم يصبه من الآجرة الا ما يصيبه من الارض لو وقع عليه وذلك عفو لانه لا يستطاع الامتناع منه قال (فان رمى صيدا بسهم فأصاب فمر السهم في سننه فأصاب ذلك الصيد أو غيره أو أصابه ونفذ إلى غيره فأصابه حل جميع ذلك) لما بينا أن فعل الرمى يذكى لما يصيبه في سننه سواء أصاب صيدا أو صيدين وان عرض للسهم ريح فرده إلى ما وراءه فأصاب صيدا لم يؤكل لان الاصابة لم تكن بقوة الرامى بل بقوة الريح فهو نظير سهم موضوع في موضع حمله الريح فضربه على صيد فمات وفعل الريح لا يكون ذكاة الصيد وكذلك ان رده يمنة أو يسرة حتى إذا أصاب صيدا لم يحل وان لم يرده عن جهته حل صيده لانه مادام يمضي في سننه فمضيه مضاف إلى قوة الرامى فأما إذا رده الريح يمنة أو يسرة فقد انقطع حكم هذا الاضافة لان الرامي لا يجب مضي السهم يمنة أو يسرة فيصير مضافا إلى الريح لا إلى الرامى وما دام يمضي في جهته فالريح يزيده في قوته فلا ينقطع به حكم اضافة القوة إلى الرامى وعن أبى يوسف قال وان رده يمنة أو يسرة يحل أيضا لانه ليس بضد للجهة التى قصدها الرامي ولا يمكن الاحتراز عنه إذا كان يصطاد في يوم ريح وكذلك لو أصاب السهم حائطا أو شجرا أو شيئا آخر فرده فهو ورد الريح سواء في جميع ما ذكرنا لان مضيه إلى ما وراءه بصلابة الشجر والحائط لا بقوة الرمى وكذلك لو أصابه سهم آخر قبل أن يصيب الصيد فرده عن وجهه فأصاب صيدا لم يؤكل وتأويل هذا إذا كان الرامي بالسهم الثاني مجوسيا أو لم يكن قصده الاصطياد انما كان قصده الرمى الي

[ 253 ] ذلك السهم فأما إذا كان قصد الثاني الاصطياد وسمى فان الصيد يكون له ويحل تناوله ولا فرق بين أن يصيبه سهم أو يرد سهما آخر فيصيبه وقيل بل لا يحل على كل حال لان الحل باعتبار فعل الرامى وجرح الآلة والسهم الذي رماه للثاني ما جرح الصيد والذى جرح الصيد ما رماه الثاني ولا كان مضيه بقوة من رمى به فهو بمنزلة مالو أصاب السهم قصبة محدودة منصوبة في حائط وأصابت تلك القصبة الصيد بحدها فجرحته وذلك غير مأكول فهذا مثله. قال (ولا يحل صيد البندق والحجر والمعراض والعصا وما أشبه ذلك وان جرح) لانه لم يخرق الا ان يكون شيئا من ذلك قد حدده وطوله كالسهم وأمكن أن يرمى به فإذا كان كذلك وخرقه بحده حل لما بينا أن المطلوب بالذكاة تسييل الدم وذلك يحصل بالخرق والبضع فأما الجرح الذى يدق في الباطن ولا يخرق في الظاهر فلا يحصل تسييل الدم به فهو في معنى الموقوذة والموقوذة حرام بالنص المثقل بالحديد وغير الحديد في ذلك سواء وكذلك لو رمى الصيد بالسكين فأصابه بحده وجرحه يؤكل وان أصابه بقفا السكين أو بمقبض السكين لم يؤكل والمزراق كالسهم يخرق ويعمل في تسييل الدم * وان حدد مروة فذبح بها صيدا حل لحصول تسييل الدم بحد الآلة وفى حديث محمد بن صفوان أو صفوان بن محمد رضى الله عنه قال أخذت أرنبتين فذبحتهما بمروة محددة ثم سألت رسول الله فجوز لي أكلهما. قال (وما توحش من الاهليات حل بنا يحل به الصيد من الرمى) لما بينا من الخبر أن لها أوابد كاوابد الوحش وقد روى عن محمد في البعير والبقرة إذ أنه في المصر أو خارج المصر فرماه انسان حل به لان يدفع عن نفسه نصيبا له ويخاف فوته وان كان في المصر وأما الشاة إذا مدت في المصر فلا تحل بالرمي لانه يمكنه أخذها في المصر عادة فلم يتحقق العجز عن ذكاة الاختيار يكتفى فيها بذكاة الاضطرار. قال (وإذا أصاب السهم الظلف والقرن فقتله حل أيضا به إذا أدماه ووصلت الرمية إلى اللحم) لان ما هو المقصود وهو تسييل الدم قد حصل وكذلك المتردى في بئر لا يقدر على ذكاته فاينما وجئ منه فأدماه فهو ذكاة لان المعتبر وقوع العجز عن ذكاة الاختيار وقد يتحقق ذلك بالتردى في البئر فهو وماند سواء قال (وان رى صيدا بسيف فأبان منه عضوا ومات أكل الصيد كله الا مابان عنه) لقوله عليه الصلاة والسلام ما أبين من الحى فهو ميت ومراد رسول الله صلى

[ 254 ] الله عليه وسلم تحريم ما كانوا يعتادونه في الجاهلية فانهم كانوا يقطعون بعض لحم الالية من الشاة وربما لا يقطعون بعض لحم العجز منها فيأكلونه فحرم رسول الله ذلك لان فعل الذكاة لا يتحقق في المبان مقصودا وأصل الشاة حية وبدون الذكاة لا يثبت الحل وهذا المعنى موجود هنا فحكم الذكاة استقر في الصيد بعد ما مات وهذا العضو مبان من حين مات فلا يسرى حكم الذكاة إلى ذلك العضو ولا يمكن اثبات حكم الذكاة في ذلك العضو مقصودا بالابانة كما لو بقى الصيد حيا فلهذا لا يؤكل ذلك العضو وان لم يكن بان ذلك العضو منه أكل كله لان بقاء الاتصال يسرى حكم الذكاة إلى ذلك العضو فيكون حلالا كغيره وان كان تعلق منه بجلدة فان كان بمنزلة ما قد بان منه فلا يؤكل ومراده من ذلك إذا كان بحيث لا يتوهم اتصاله بعلاج فهو المبان سواء وان كان بحيث يتوهم ذلك فهذا جرح وليس بابانة فيؤكل كله ووان قطعه نصفين يؤكل كله لان فعله أثمر ما يكون من الذكاة إذ لا يتوهم بقاؤه حيا بعد ما قطعه نصفين طولا وان قطع الثلث منه مما يلى العجز فأبانه فانه يؤكل الثلثان اللذان مما يلي الرأس ولا يؤكل الثلث مما يلي العجز فان قطع الثلث مما يلي الرأس فابانه فانه يؤكل كله لان ما بين النصف إلى العنق مذبح يريد به أن الاوداج من القلب إلى الدماغ وان قطع الثلث مما يلي العجز لم يستقر فعل الذكاة بهذا حين لم تقطع الادواج وانما استقر بموته وهذا الجرح مبان عنه عند ذلك فأما إذا أبان الثلث مما يلى الرأس فقد استقر حكم الذكاة بقطع الاوداج بنفسه وكذلك ان قده نصفين فقد استفز فعل الذكاة بقطع الاوداج فلهذا يؤكل كله فان أبان طائفة من رأسه فان كان أقل من النصف لم يؤكل ما بان منه لان الرأس ليس بمذبح فهو كما لو أبان جزأ من الذنب وان كان النصف أو أكثر أكل لانه يتقطع الاوداج به فيكون فعله ذكاة بنفسه. قال (ولو ضرب وسمى وقطع ظلفه فان أدماه فلا بأس بأكله وان لم يكن ادماه لم يؤكل) لان تسييل الدم النجس لم يحصل وعلى هذا لو ضرب عنق شاة بسيف فأبانه من قبل الادواج فانه يؤكل وفى الكتاب رواه عن عمران بن حصين رضى الله عنه وقد اساء فيما صنع حين ترك الاحسان في الذبح * واختلف المتأخرون من مشايخنا رحمهم الله فيمن ذبح شاة في المذبح فلم يسل الدم منها وقد يكون ذلك إذا كانت قد أكلت العناب وكان أبو القاسم الصفار رضى الله تعالى عنه يقول لا يحل لا نعدام معنى الذكاة وهو تسييل الدم النجس وقد قال عليه الصلاه والسلام

[ 255 ] ما أنهر الدم وأفرى الاوداج فكل وكان أبو بكر الاسكاف رحمه الله تعالى يقول لا بأس بألكله لوجود فعل الذكاة على ما قال عليه الصلاة والسلام الذكاة ما بين اللبة واللحيين وقد يمتنع بعض الدم في العروق لحابس يحبسه وذلك غير موجب للحرمة بالاتفاق وهذا مثله لم يبن ما يؤكل ومالا يؤكل من الصيود وقد تقدم بيان ذلك. وذكر في جملة ما لا يؤكل اليربوع والقنفذ وما أشبههما من الهوام لان الطباع السليمة تستخبثها فيدخل تحت قوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث. قال (ولا يجوز بيع الضفدع والسرطان وما أشبههما وكذلك جمل الماء ولا يجوز بيع شئ من ذلك الا السمك) لانه ليس له ثمن ومعنى هذا ما بينا أن البيع لا يجوز الا فيما هو مال متقوم والمال ما يتمول والتقوم به يكون منتفعا به وسائر حيوانات الماء سوى السمك غير مأكول اللحم ولا منفعة لها سوى الاكل فلم يكن مالا متقوما فان كان شيئا له ثمن كجلود الحمر ونحوها فبيعة جائز لان هذا منتفع به بوجه حلال فيكون متقوما فيجوز بيعه. قال (ولا خير في أكل النسر والعقاب وأشباههما من صيد البر) لنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن كل ذى مخلب من الطير فأما العقعق والسودانية واشباه ذلك مما لا مخلب له فلا بأس بأكله وقد بينا الكلام في الغراب فيما سبق. قال (ولا تكره الصلاة على جلد ما يكره أكله من ذى الناب) لان الزكاة تعمل فيما يؤكل لحمه في طيبة اللحم وطهارة الجلد وفيما لا يؤكل لحمه يعمل في طهارة الجلد وان كان لا يعمل في طيبة اللحم لان الجلد محل قابل لهذا الحكم إلا ترى أنه يظهر بالدباغ قال عليه الصلاة والسلام ايماء اهاب دبغ فقد طهر فكذلك يكره أكله من ذى الناب) لان الزكاة تعمل فيما يؤكل لحمه في طيبة اللحم وطهارة الجلد وفيما لا يؤكل لحمه يعمل في طهارة الجلد وان كان لا يعمل في طيبة اللحم لان الجلد محل قابل لهذا الحكم إلا ترى أنه يظهر بالدباغ قال عليه الصلاة والسلام ايماء اهاب دبغ فقد طهر فكذلك بالذكاة وقد بينا هذا الفصل في كتاب الصلاة وتكره لحوم الا بل الجلالة والعمل عليها وتلك حالها إلى أن تحبس أياما لما روى أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن أكل لحم الجلالة وفى رواية أن يحج على الجلالة ويعتمر عليها وينتفع بها وتفسير الجلالة التى تعتاد أكل الجيف ولا تخلط فيتعين لحمها ويكون لحمها منتنا فحرم الاكل لانه من الخبائث والعمل علهيا لتأذى الناس بنتنها وأما ما يخلط فيتناول الجيف وغير الجيف على وجه يظهر أثر ذلك من لحمه فلا بأس بأكله والعمل عليه حتى ذكر في النوادر لو أن جديا غذى بلبن خنزير فلا بأس بأكله لانه لم يتغير لحمه وما غذى به صار مستهلكا ولم يبق له أثر وعلى هذا نقول لا بأس بأكل الدجاجة وان كانت تقع على الجيف لانها تخلط ولا يتغير لحمها ولا ينتن وقيل هي تنقش الجيف تبتغى الحب فيها لا أن تتناول الجيف وكان ابن عمر رضى الله عنه يكره أكل الدجاج


[ 256 ] عدل

لانه يتناول الجيف. ولسنا نأخذ بهذا وقد صح أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يأكل من لحم ادجاج ولو كان فيه أدنى خبث لا متنع رسول الله من تناوله والذى روى انه كان يحبس الدجاج ثلاثة أيام ثم يذبحها فذلك على سبيل التنزه من غير ان يكون ذلك شرطا في الدجاجة وغيرها مما يخلط وانما يشترط ذلك في الجلالة التى لا تأكل الا الجيف وفى الكتاب قال تحبس أياما على علف طاهر قيل ثلاثة أيام وقيل عشرة أيام والاصلح انها تحبس إلى أن تزول الرائحة المنتنة عنها لان الحرمة لذلك وهو شئ محسوس ولا يتقدر بالزمان لاختلاف الحيوانات في ذلك فيصار فيه إلى اعتبار زوال المضر فإذا زال بالعلف الطاهر حل تناوله والعمل عليه بعد ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم (تم الجزء الحادى عشر ويليه الجزء الثاني عشر وأوله كتاب الذبائح)