مبسوط السرخسي - الجزء الخامس2

[ 92 ]

واحد منهما ثمنا وشرط الخيار فيه لاحدهما جاز ولو طلقها قبل الدخول فلها نصف الاوكس وفي الفصل الاول لها نصف الالف لان الزيادة على ذلك كان باعتبار مهر المثل وقد سقط مهر المثل بالطلاق فلهذا كان لها نصف الاقل (قال) وان تزوجها على حكمه أو على حكمها أو على حكم رجل أجنبي فهذه التسمية فاسدة للجهالة وهذه الجهالة فوق جهالة مهر المثل الا أنه أضاف الحكم إلى نفسه فان حكم لها بمهر المثل أو أكثر جاز حكمه لانه يحكم بالزيادة على نفسه وله هذه الولاية وان حكم بأقل من مهر مثلها لم يجز بدون رضاها لانه حكم عليها باسقاط بعض حقها وليس له هذه الولاية عليها وان أضاف الحكم إليها فان حكمت بمهر المثل أو أقل فلها ذلك لانها تحكم على نفسها وان حكمت بأكثر من مهر مثلها بم يجز حكمها بدون رضا الزوج لانها تحكم على الزوج بالزيادة وليس لها عليه هذه الولاية وان أضاف الحكم إلى الأجنبي فان حكم بمهر المثل جاز ذلك وان حكم بأقل من مهر المثل لم يجز بدون رضاها وان حكم بأكثر من مهر المثل لم يجز بدون رضا الزوج (قال) ولا يجب المهر على من قبل النكاح لغيره بوكالة أو ولاية على صغيره أو على عبده أو على مكاتبه ما لم يضمنه ولها المهر على الزوج لحديث علي رضى الله عنه الصداق على من أخذ الساق ولان تسليم المعقود عليه إلى الزوج فوجب البدل عليه أيضا والعاقد معبر عنه حتى لا يستغنى عن اضافة العقد إليه فلا يكون ملتزما للبدل الا ان يضمنه فيؤاخذ بالضمان حينئذ (قال) وإذا تزوج الحربى الحربية من غير مهر أو على ميتة ثم أسلما فلا مهر لها اما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فظاهر كما في الذميين على ما بينا وعندهما في الذميين انما يجب المهر لان الخطاب بالابتغاء بالمال شائع في دار الاسلام وأهل الذمة ملتزمون لاحكامنا في المعاملات فاما في دار الحرب الخطاب به غير شائع وهم غير ملتزمين لاحكامنا فلهذا لا شئ لها وإذا أسلما بعد ذلك فالحال حال بقاء النكاح والصداق ليس بشرط في حال بقاء النكاح (قال) ولو تزوجها على مهر مسمى ثم أسلما أو صارا ذمة فلها ذلك المسمي لانه صار دينا لها عليه بالتسمية في عقد صحيح فلا يزيده الاسلام الا وكادة وان طلقها قبل ان يدخل بها ثم أسلما فلها ان تأخذه بنصف المسمى لان الطلاق قبل الدخول لا يسقط عنه الا النصف فيبقى مطالبا بما زاد على ذلك ولو لم يكن سمى لها شيئا فلا متعة لها عليه لان في حال قيام النكاح ما كان لها عليه شئ وان أسلما فبعد الطلاق أولى (قال) رجل تزوج امرأتين على ألف درهم فالالف بينهما على قدر

[ 93 ] مهر كل واحدة منهما لان المال الواحد إذا قوبل بشيئين مختلفين بعقد المعاوضة ينقسم على مقدار قيمتهما كما لو اشترى عبدين بألف درهم وقيمة البضع مهر المثل فان طلق احداهما قبل الدخول كان لها نصف حصتها من الالف فان طلقهما كان لهما نصف الالف بينهما على قدر مهريهما فان كانت احداهما ممن لا يحل له بان كانت ذات زوج أو معتدة من زوج أو محرمة عليه برضاع أو صهرية فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى الالف كلها مهر التى تحل له وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تقسم الالف على قدر مهريهما فمهر التى تحل له حصتها من ذلك وحجتهما ان الالف مسمي بمقابلة البضعين وانما التزمها الزوج عند سلامة البضعين له فإذا لم يسلم له الا احدهما لا يلزمه الا حصتها من الالف كما لو خاطب امرأتين بالنكاح بألف فأجابت احداهما دون الاخرى وكما لو اشترى عبدين فإذا أحدهما مدبر والدليل عليه أن الانقسام جعل معتبرا في حق التى لا تحل له حتى لو دخل بها يلزمه مهر مثلها لا يجاوز به حصتها من الالف عليه نص في الزيادات وادعى المناقضة على أبى حنيفة رحمه الله تعالى بهذا وكذلك يدخل في العقد عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى حتى لا يلزمه الحد بوطئها مع العلم ومن ضرورة دخولها في العقد انقسام البدل المسمى وعندهما انما يجب الحد لانتفاء شبهة الحل فان العقد لا ينعقد في غير محل الحل وسقوط الحد من حكم انعقاد العقد فأما الانقسام من حكم التسمية لا من حكم انعقاد العقد كما لو أجابته احدى المرأتين دون الاخرى واحتج أبو حنيفة رحمه الله تعالى في ذلك وقال ضم التى لا تحل له إلى التى تحل له في عقد النكاح لغو فهو بمنزلة ضم جدار أو اسطوانة إلى المرأة في النكاح وهناك البدل المسمى كله بمقابلتها دون ما ضمه إليها فكذا هنا وبيان ذلك أن النكاح يختص بمحل الحل لان موجبه ملك الحل وبين الحل والحرمة في المحل منافاة ففي حق المحرمة العقد مضاف إلى غير محله وانقسام البدل من حكم المعاوضة والمساواة في الدخول في العقد فإذا انعدم ذلك لا يثبت الانقسام ألا ترى أنه لو طلق امرأته ثلاثا بالف درهم كان بازاء كل تطليقة ثلث الالف ولو كانت عنده بتطليقة واحدة فطلقها ثلاثا بألف درهم كانت الالف كلها بمقابلة الواحدة وهذا بخلاف ما إذا خاطبهما بالنكاح لانهما استويا في الايجاب حتى لو أجابتاه صح نكاحهما جميعا فيثبت حكم انقسام البدل بالمساواة في الايجاب وكذلك المدبر مع العبد فانه مال مملوك فيدخل تحت العقد ثم يستحق نفسه بحق الحرية ولهذا لو قضى القاضى بجواز بيعه جاز فأما إذا دخل

[ 94 ] بالتى لا تحل له ففي هذا الكتاب يقول لها مهر مثلها مطلقا وهو الاصح على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وما ذكر في الزيادات فهو قولهما وبعد التسليم يقول المنع من المجاوزة بمجرد التسمية ورضاها بالقدر المسمى لانعقاد العقد وذلك موجود في حق التى لا تحل له فاما الانقسام للاستحقاق باعتبار الدخول في العقد فالتى تحل له هي المختصة بذلك فكان جميع البدل لها وكذلك سقوط الحد على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى من حكم صورة العقد لا من حكم انعقاده وقد وجد ذلك في حق التى لا تحل له فاما انقسام البدل من حكم انعقاد العقد (قال) رجل تزوج امرأة على عبد ودفعه إليها ثم طلقها قبل الدخول وقد جنى العبد عندها جناية فالزوج بالخيار لان تعلق الجناية برقبته من أفحش العيوب فانه شبيه باستحقاق نفسه وذلك مثبت الخيار للزوج فان أخذ نصفه دفعاه أو فدياه لانه لا يتملكه ابتداء بالطلاق ولكن يعود إليه هذا النصف إلى قديم ملكه ولم يوجد من المرأة صنع يكون اختيارا أو استهلاكا فلهذا تبقى الجناية متعلقة برقبته فيخاطب كل واحد منهما بدفع النصف أو الفداء بنصف الدية ثم لا يرجع عليها من قبل الجناية بشئ لانه رضى بأخذ النصف مشغولا بالجناية وقد وصل إليه ذلك وان شاء تركه واخذ منها نصف قيمته يوم دفعه إليها لانه تعذر عليها الرد كما قبضت وكذلك ان كانت الجناية في يد الزوج قبل القبض ثم طلقها قبل أن يدخل بها كان لها الخيار بين أن تأخذ نصف قيمته يوم تزوجها عليه وبين أخذ نصفه ثم يخاطبان بالدفع أو الفداء كما بينا وان دخل بها الزوج والعبد في يده فان شاءت أخذت قيمته صحيحا يوم تزوجها عليه وان شاءت أخذت العبد ثم تخاطب بالدفع أو الفداء ولا ترجع على الزوج بشئ لما قلنا والله أعلم بالصواب * (باب الخيار في النكاح) * (قال) وإذا تزوج الرجل امرأة واشترط فيه لاحدهما أو لهما خيار فالنكاح جائز والخيار باطل عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى النكاح باطل فمنهم من جعل هذا بناء على مسألة نكاح المكره فان اشتراط الخيار يعدم الرضا كالاكراه ومن أصلنا ان انعدام الرضا بسب الاكراه لا يمنع صحة النكاح ولزومه وعنده يمنع فكذلك اشتراط الخيار ولكن هذا البناء على أصله غير صحيح فان الاكراه عنده يفسد العقد والعبارة وخيار الشرط لا يفسد ولهذا لم يصحح الطلاق

[ 95 ] والعتاق من المكره وصححهما مع اشتراط الخيار وحجته في ال‍ مسألة ان اشتراط الخيار في معنى التوقيت الا ترى ان ما يثبت فيه الخيار وهو البيع يتأخر حكم العقد وهو الملك إلى ما بعد مضى المدة ويصير العقد في حق ملكه كالمضاف فكذلك هنا باشتراط الخيار يصير النكاح مضافا واضافة النكاح إلى وقت في المستقبل لا يجوز والتوقيت في النكاح يمنع صحة النكح كما لو تزوجها شهرا وحجتنا في ذلك قوله ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والعتاق والهزل واشتراط الخيار سواء لان الهازل قاصد إلى مباشرة السبب غير راض بحكمه بل أولى فان الهازل غير راض بالحكم أبدا وشارط الخيار غير راص بالحكم في وقت مخصوص فإذا لم يمنع الهزل تمامه فاشتراط الخيار أولى والمعنى فيه انه هقد لا يحتمل الفسخ بعد تمامه ولا يقبل خيار الشرط فاشتراط الخيار فيه لا يمنع تمامه كالطلاق والعتاق بمال وهذا لان اشتراط الخيار لا يمنع انعقاد أصل السبب مطلقا وانما يعدم الرضا بلزومه كما في البيع ومن ضرورة انعقاد النكاح صحيحا اللزوم فاشتراط الخيار فيه يكون شرطا فاسدا والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة ولا تتوقف صحته ولزومه على تمام الرضا الا ترى ان تمام الرضا انما يكون بعد الرؤية كما في البيع ثم عدم الرؤية لا يمنع صحة النكاح ولزومه حتى لا يثبت فيه خيار الرؤية بخلاف الاضافة إلى وقت فانه يمنع انعقاد السبب في الحال ألا ترى أن مثله لا يصح في البيع بخلاف التوقيت فانه يمنع انعقاد السبب فيما وراء الوقت المنصوص عليه والنكاح لا يحتمل الانعقاد في وقت دون وقت فلهذا بطل بالتوقيت (قال) ولا يرد الرجل امرأته عن عيب بها وان فحش عندنا ولكنه بالخيار ان شاء طلقها وان شاء أمسكها وعند الشافعي رحمه الله تعالى يثبت له حق الرد بالعيوب الخمسة وهي الرتق والقرن والجنون والجذام والبرص فإذا ردها انفسخ العقد ولا مهر لها ان لم يكن دخل بها وان كان دخل بها قبل العلم بالعيب فلها مهر مثلها ويرجع به على من زوجها منه وحجته في ذلك ما روى أن النبي تزوج امرأة من بني بياضة فلما خلا بها وجد في كشحها بياضا فردها وقال دلستمونى أو قال دلستم علي والرد متى ذكر عقيب العيب يكون بطريق الفسخ وقال فر من المجذوم فرارك من الاسد وعن عمر رضى الله عنه أنه أثبت الخيار للزوج بهذه العيوب والمعنى فيه أن النكاح عقد معاوضة يحتمل الفسخ بأسباب فيثبت فيه حق الرد بعيب يخل بالمقصود كالبيع والمقصود بالنكاح طبعا قضاء الشهوة

[ 96 ] وشرعا النسل وهذه العيوب تخل بهذا المقصود أما الرتق والقرن يفوته أصلا وأما الجنون والجذام والبرص يخل به من حيث أن الطبع ينفر من صحبة مثلها وربما تعدى إلى الولد بخلاف سائر العيوب من العمى والشلل فانه لا يخل بالمقصود واحد العوضين في هذا العقد وهو المهر عندكم يرد بالعيب الفاحش دون اليسير فكذلك العوض الآخر وكذلك المرأة إذا وجدت زوجها عنينا أو مجبوبا يثبت لها الخيار ولا يثبت في سائر العيوب فكذا في حق الزوج لانهما في حكم هذا العقد سواء وإذا كان العيب الذى يخل بالمقصود في جانب الزوج يثبت له الخيار دون الذى لا يخل بالمقصود فكذلك في جانبها والزوج وان كان متمكنا من الطلاق فهو محتاج إلى اثبات الخيار له ليسقط به المهر عن نفسه كما قلتم في الصغير إذا بلغ وقد زوجه عمه يثبت له الخيار وان كان متمكنا من الطلاق وحجتنا في ذلك قول ابن مسعود رضى الله عنه لا ترد الحرة عن عيب وعن علي رضى الله عنه قال إذا وجد بامرأته شيئا من هذه العيوب فالنكاح لازم له ان شاء طلق وان شاء أمسك وما روى عن عمر رضى الله عنه أنه أثبت الخيار فالمراد خيار الطلاق وكذلك ما روى عنه أنه ردها أي ردها بالطلاق ألا ترى أنه قال الحقى بأهلك وهذا من كنايات الطلاق والذى قال فر من المجذوم فرارك من الاسد قلنا نحن نمكنه من الفرار ولكن بالطلاق والمعنى فيه ان الرد بالعيب فسخ العقد بعد تمامه بلا خلل في ولاية المحل والنكاح لا يحتمل هذا النوع من الفسخ ألا ترى أنه لا يحتمل الفسخ بالاقالة وهذا لان ملك النكاح ملك ضروري لا يظهر في حق النقل إلى الغير ولا في حق الانتقال إلى الورثة وانما أظهره الشرع في حق الطلاق للتفصى عن عهدة النكاح عند عدم موافقة الاخلاق وهذا لا يقتضي ظهوره في حق الفسخ بعد تمامه لانه لا ضرورة فيه فكان في هذا الفسخ بمنزلة الاسقاطات كالطلاق والعتاق بخلاف الفسخ بعدم الكفاءة أو بخيار البلوغ فانه فسخ قبل تمامه لخلل في ولاية المحل فيكون في معنى الامتناع من تمامه وكذلك الفسخ بخيار العتق فانه امتناع من التزام زيادة الملك على ما نبينه في موضعه ان شاء الله تعالى ولان هذه العيوب لا تخل بموجب العقد وهو الحل فلا يثبت خيار الفسخ كالعمى والشلل والزمانة فاما الاستيفاء ثمرة وفوات الثمرة لا يؤثر في عقد النكاح الا ترى ان الاستيفاء يفوت بموت أحد الزوجين ولا يوجب ذلك انفساخ النكاح حتى لا يسقط شئ من المهر وعيب الجنون والجذام فيما هو المقصود دون الموت

[ 97 ] لان الاستيفاء هنا يتأتى ومقصود النسل يحصل وبه فارق البيع فان هناك فوات التسليم قبل القبض يوجب انفساخ البيع فكذلك وجود العيب وكذلك أيضا هلاك المهر قبل التسليم يثبت الرجوع بقيمته فوجود العيب الفاحش به كذلك بخلاف المنكوحة ولان وجود العيب تأثيره في انعدام تمام الرضا به والنكاح لزومه لا يعتمد تمام الرضا كما بينا في الهزل وعدم الرؤية بخلاف البيع وهذا بخلاف ما إذا وجدت المرأة زوجها مجبوبا أو عنينا لان هناك لا يثبت لها خيار الفسخ عندنا وانما يثبت لها حق المطالبة بالامساك بالمعروف وذلك في ان يوفيها حقها في الجماع فإذا عجز عن ذلك تعين التسريح بالاحسان والتسريح طلاق وعندنا هنا له أن يطلقها ثم المعني فيه ان هناك قد انسد عليها باب تحصيل المقصود لانها لا تتوصل إلى ذلك من جهة غيره ما دامت تحته وهو غير محتاج إليها فلو لم يثبت لها الخيار بقيت معلقة لا ذات بعل ولا مطلقة فأثبتنا لها الخيار لازالة ظلم التعليق وهذا لا يوجد في جانبه لانه متمكن من تحصيل مقصوده من جهة غيرها اما بملك اليمين أو بملك النكاح ومتمكن من التخلص منها بالطلاق ولا معتبر بحاجته إلى التخلص من المهر كما لو ماتت قبل الدخول لا ينفسخ العقد مع قيام حاجته إلى التخلص من المهر يوضح الفرق ان الزوج لو منع حقها في الجماع قصد إلى الاضرار بها بالايلاء كان موجبا للفرقة فكذلك إذا تعذر عليه ايفاء حقها بالجب والعنة والمرأة لو منعت حقه على قصد الاضرار لم يكن له به الخيار بذلك السبب فكذلك إذا تعذر عليه الاستيفاء بالرتق أو القرن فأما المرأة إذا وجدت بالزوج عيب الجنون أو الجذام أو البرص فليس لها أن ترده به في قول أبى حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وعلى قول محمد لها الخيار إذا كان على حال لا تطيق المقام معه لانه تعذر عليها الوصول إلى حقها لمعنى فيه فكان بمنزلة ما لو وجدته مجبوبا أو عنينا ولكنا نقول بهذه العيوب لا ينسد عليها باب استيفاء المقصود انما تقل رغبتها فيه أو تتأذى بالصحبة والعشرة معه وذلك غير مثبت لها الخيار كما لو وجدته سئ الخلق أو مقطوع اليدين أو الرجلين بخلاف الجب والعنة على ما قررنا يوضح الفرق أن الزوج هناك ظالم في امساكها من غير حاجة إليها وللقاضي ولاية ازالة الظلم بالطلاق وهنا الزوج غير ظالم في امساكها مع صدق حاجته إليها وذلك لا يثبت لها الخيار وكذلك ان اشتراط أحدهما على صاحبه السلامة من العمى والشلل والزمانة فوجد بخلاف ذلك لا يثبت له الخيار وكذلك لو شرط الجمال والبكارة فوجدها بخلاف ذلك لا يثبت له الخيار لان فوت

[ 98 ] زيادة مشروطة بمنزلة العيب في اثبات الخيار كما في البيع وبهذا تبين أنه لا معتبر لتمام الرضا في باب النكاح فانه لو تزوجها بشرط أنها بكر شابة جميلة فوجدها ثيبا عجوزا شوهاء لها شق مائل وعقل زائل ولعاب سائل فانه لا يثبت له الخيار وقد انعدم الرضا منه بهذه الصفة (قال) وإذا قال الرجل للمرأة بحضرة الشهود زوجيني نفسك فقالت قد فعلت جاز النكاح ولو قال بعنى هذا الثوب بكذا فقال فعلت لا يتم البيع ما لم يقل المشتري اشتريت أو قبلت وقد بينا هذا فيما سبق وانما أعاده هنا لايضاح الفرق بين البيع والنكاح وقد استكثر من الشواهد لذلك ثم قال وهما في القياس سواء وهكذا ذكره أبو يوسف رحمه الله تعالى في الامالى قال انما تركنا القياس في النكاح للسنة وهو ما حدثنى أبو إسحاق الشيباني عن الحكم أن بلالا رضي الله عنه خطب إلى قوم فأبوا أن يزوجوه فقال لولا أن رسول الله أمرنى أن أخطب اليكم ما فعلت فقالوا قد ملكت فدل أن بهذه اللفظة بعد الخطبة ينعقد النكاح ثم ذكر بعد حكم توقف النكاح على الاجازة ليبين أن ذلك لا يشبه حكم الرد بالعيب لان من توقف العقد على حقه غير راض بأصل السبب فكان أصل السبب في حقه كالمعدوم ما لم يجز واما عند اشتراط الخيار أو وجود العيب فقد ظهر السبب في حقه وهو راض بأصل السبب حين باشره فلهذا تم العقد ثم بين في العقد الموقوف ان الزوج إذا كان هو الولى ففي حق الزوج يتوقف على قبوله أو رده بكلام أو فعل يدل عليه وفي حق المرأة إذا كانت ثيبا كذلك وإذا كانت بكرا فسكوتها رضاها لعلة الحياء وقد بيناه وذكر ابن سماعة في نوادره عن محمد رحمهما الله تعالى أن البكر إذا زوجها وليان كل واحد منهما من رجل فبلغها العقدان فان أجازت أحدهما جاز ذلك وان أجازتهما معا بطلا للمنافاة بينهما ولو سكتت لم يكن سكوتها رضا منها بواحد منهما وروى علي بن صالح عن محمد رحمهما الله تعالى ان سكوتها بمنزلة رضاها بالعقدين فيبطل العقدان جميعا والاصح رواية ابن سماعة لانه لا يمكن أن يجعل سكوتها رضا بأحد العقدين إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر ولا رضي بهما لان السكوت انما يقام مقام الرضا لتصحيح العقد وفى الرضا هنا بهما أبطالهما فلهذا لا يعتبر سكوتها هنا رضى (قال) وإذا اعتقت الامة ولها زوج قد كان زوجها المولى منه أو تزوجته باذن الولى فلها الخيار ان شاءت أقامت معه وان شاءت فارقته لما روى ان عائشة رضى الله عنها لما أعتقت بريرة قال لها رسول الله ملكت بضعك

[ 99 ] فاختارى وكان زوجها مغيث يمشي خلفها ويبكي وهي تأباه فقال النبي لاصحابه رضى الله عنهم الا تعجبون من شدة حبه لها وبغضها له ثم قال لها اتقى الله فانه زوجك وأب ولدك فقالت أتأمرني فقال لا انما انا شافع فقالت إذا لا حاجة بى إليه فاختارت نفسها وكان المعني فيه ان ملك الزوج يزداد عليها بالعتق فان قبل العتق كان يملك عليها تطليقتين ويملك مراجعتها في قرأين وعدتها حيضتان وذلك كله يزداد بالعتق وهي لا تتوصل إلى رفع هذه الزيادة الا برفع أصل العقد فاثبت الشرع لها الخيار لهذا ولهذا لو اختارت نفسها كان فسخا لا طلاقا بمنزلة الخيار الثابت لرفع أصل العقد وفي حق من توقف على اجازته لا يكون طلاقا ولان سبب هذا الخيار معنى في جانبها وهو ملكها أمر نفسها والفرقة متى كانت بسبب من جهة المرأة لا تكون طلاقا ويستوى ان كان الزوج حرا أو عبدا عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى ان كان زوجها عبدا فلها الخيار وان كان زوجها حرا فلا خيار لها والرواة اختلفوا في زوج بريرة رضى الله تعالى عنها فروي أنه كان عبدا وروى أنه كان حرا فأصحابنا رحمهم الله تعالى أولوا ما روى أنه كان عبدا أي عند أصل العقد ولكنه كان حرا عند عتقها ولما تعارضت الروايات في صفة زوجها يجعل كانه لم ينقل في ذلك شئ فيبقى الاعتماد على قول رسول الله ملكت بضعك فاختارى وفي هذا التعليل لا فرق بين ان يكون الزوج حرا أو عبدا والشافعي رحمه الله تعالى استدل بما روى انه كان لعائشة رضي الله عنها زوجان مملوكان فأرادت عتقهما وسألت رسول الله عن ذلك فأمرها بالبداءة بالغلام قال وانما أمرها بذلك كيلا يثبت لها الخيار ولكنا نقول أمرها بذلك لاظهار فضيلة الرجال على النساء فانها لو اعتقتهما معا عنده لا يثبت لها الخيار أيضا ومن طريق المعنى يقول بما اعترض تحقق المساواة بينهما فلا معنى لاثبات الخيار كالكتابية تحت مسلم إذا أسلمت أو المعسرة إذا أيسرت والزوج موسر والمنفية إذا أثبتت نسبها وللزوج نسب ثابت فلا خيار لها بخلاف ما إذا كان الزوج عبدا فان بما اعترض هناك من حريتها يظهر التفاوت وتنعدم الكفاءة ولكنا نقول ثبوت الخيار لها ليس لانعدام الكفاءة فان الكفاءة شرط لابتداء النكاح لا في البقاء ألا ترى أنه لو أعسر الزوج أو انتفى نسبه لا يثبت الخيار ولكن ثبوت الخيار لزيادة ملك الزوج عليها وفي هذا لا فرق عندنا بين أن يكون الزوج حرا أو عبدا وهذا لان الملك انما يثبت بحسب الحل والحل

[ 100 ] في جانبها يتنصف بالرق كما يتنصف الحل في جانبه بالرق فتزوج العبد امرأتين والحر أربعا وإذا انتصف الحل برقها فإذا أعتقت ازداد الحل وبحسبته يزداد الملك على ما نبينه في بابه ان شاء الله تعالى وعلى هذا لو كانت مكاتبة زوجت نفسها باذن مولاها ثم أدت فعتقت يثبت لها الخيار لزيادة الملك عليها عندنا وعلى قول زفر رحمه الله تعالى لا يثبت الخيار هنا لان ثبوت الخيار في الامة لنفوذ العقد عليها بغير رضاها وسلامة المهر لمولاها وهذا غير موجود هنا فان المهر لها والنكاح ما انعقد الا برضاها وكان ابن أبى ليلى يقول ان أعانها على أداء بدل الكتابة لا خيار لها وان لم يعنها فلها الخيار ولكن الصحيح الموافق لتعليل صاحب الشرع ما بيناه (قال) ولو كانت حرة في أصل العقد ثم صارت أمة ثم عتقت بأن ارتدت امرأة مع زوجها ولحقا بدار الحرب معا والعياذ بالله ثم سبيا معا فأعتقت الامة فلها الخيار عند أبي يوسف رحمه الله تعالى ولا خيار لها عند محمد رضى الله تعالى عنه لان بأصل العقد يثبت عليها ملك كامل برضاها ثم انتقض الملك فإذا أعتقت عاد الملك إلى أصله كما كان فلا يثبت الخيار لها وأبو يوسف رحمه الله تعالى يقول بالعتق ملكت أمر نفسها وازداد ملك الزوج عليها وذلك مثبت الخيار لها شرعا ولما صارت أمة حقيقة التحقت بالتي كانت أمة في الاصل في حكم النكاح فثبت لها الخيار بالعتق والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب العنين) * (قال) رضى الله عنه بلغنا عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه قال يؤجل العنين سنة فان وصل إلى امرأته فهى امرأته وان لم يصل إليها فرق بينهما وجعلها تطليقة بائنة وجعل لها المهر كاملا وعليها العدة وبهذا أخذ علماؤنا بخلاف ما يقوله بعض الناس انه لا خيار لامرأة العنين أصلا لحديث امرأة رفاعة فانها تزوجت بعبد الرحمن بن الزبير رضى الله عنه فلم يصل إليها فجاءت إلى النبي وقالت ان رفاعة طلقني فابت طلاقي وتزوجت بعبد الرحمن بن الزبير فلم أجد منه الا مثل هدبة ثوبي تحكى ضعف حاله في باب النساء فلم يخيرها رسول الله وجاءت امرأة إلى علي رضى الله عنه فذكرت ان زوجها لا يصل إليها فقال ولا وقت السحر فقالت ولا وقت السحر فقال هلكت وأهلكت

[ 101 ] ما انا بمفرق بينكما ولانه عاجز معذور فيكون منظرا بانظار الله تعالى ولكنا نستدل بحديث عمر رضى عنه وقد روى مثله عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وعن علي رضى الله عنه انه فرق بين العنين وبين امرأته وأوجب عليه المهر كاملا والصحيح من الحديث الذى رووا عن علي رضى الله عنه ان تلك المرأة قالت لم يكن ذلك منه الامرة وفي هذا لا يفرق بينهما عندنا وامرأة رفاعة بما ذكرت حكت صغر متاعه لا العنة وفي مثل هذا عندنا لا تخير ثم هو معذور ولكنه في امساكها ظالم لانه ينسد عليها باب قضاء الشهوة بنكاحه ولا حاجة به إليها فوجب رفع الظلم عنها ولان مقصودها بالعقد قد فات لان مقصودها ان تستعف به وتحصل به صفة الاحصان لنفسها وفوات المقصود بالعقد أصلا يثبت للعاقد حق رفع العقد وهي تحتاج إلى تقرير مهرها أيضا وتمام ذلك بالاتفاق يحصل بالدخول فإذا انسد عليها الباب يثبت لها الخيار الا أن العجز قد يكون لآفة في أصل الخلقة وقد يكون لعارض وانما يتبين أحدهما عن الآخر بالمدة فلهذا يؤجل والاجل في هذا سنة كما اتفق الصحابة رضى الله عنهم الاسى (1) وقد روى عن عبد الله بن نوفل رضى الله عنه قال الاجل عشرة أشهر وانما قدرنا بالسنة لان التأجيل لابلاء العذر والحول حسن في ذلك قال قائلهم * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر * ولان العجز عن الوصول قد يكون بعلة الرطوبة وانما يعالج ذلك في فصل الحر واليبوسة من السنة وقد يكون لغلبة الحرارة وانما يعالج ذلك في فصل البرد وقد يكون لغلبة اليبوسة وانما يعالج في فصل الرطوبة فقدرنا الاجل بحول حتى يعالج نفسه فيوافقه العلاج في فصل من فصول السنة فيبرأ فإذا مضت السنة ولم يصل إليها علم أن الآفة في أصل الخلقة ولهذا قالوا يقدر بسنة شمسية أخذا بالاحتياط فربما تكون موافقة العلاج في الايام التي يقع التفاوت فيها بين القمرية والشمسية وابتداء التأجيل من وقت الخصومة حتى إذا صبرت مدة ثم خاصمت فان ادعى الزوج أنه قد وصل إليها سألها القاضى أبكر هي أم ثيب فان قالت ثيب فالقول قول الزوج لان الظاهر من حال الفحل انه إذا خلا بأنثى نزى عليها وفي الدعاوى القول قول من يشهد له الظاهر وان كانت بكرا أراها القاضى النساء فان البكارة لا يطلع عليها الرجال والمرأة الواحدة تكفي لذلك والمثنى أحوط لان طمأنينة القلب إلى قول المثنى أكثر فان قلن انها بكر فالقول قولها وكذلك ان أقر الزوج أنه لم يصل إليها ويؤجله القاضى سنة فيأمره أن

[ 102 ] يعالج نفسه في هذه المدة هكذا قال علي رضى الله عنه أفيضوا عليه الدحج والعسل ليراجع نفسه فان مضت السنة وادعى الزوج أنه وصل إليها فهو على ما بينا من البكارة والثيابة فان أراها النساء فقلن هي بكر خيرها القاضي لان البكارة لا تبقى مع الوصول إليها فإذا خيرها القاضى فاختارت الزوج أو قامت من مجلسها أو أقامها أعوان القاضى أو قام القاضى قبل أن تختار شيئا بطل خيارها لان هذا بمنزلة تخيير الزوج امرأته وذلك يتوقت بالمجلس فهذا مثله والتفريق كان لحقها فإذا رضيت بالاسقاط صريحا أو دلالة بتأخير الاختيار إلى أن قامت أو أقيمت يسقط حقها فلا تطالب بعد ذلك بشئ وان اختارت الفرقة أمر القاضي الزوج بأن يطلقها فان أبى فرق القاضى بينهما وكانت تطليقة بائنة عندنا وعند الشافعي يكون فسخا بمنزلة الرد بالعيب كما هو مذهبه فأما عندنا لمستحق على الزوج أحد الشيئين اما الامساك بالمعروف أو التسريح بالاحسان فإذا عجز عن أحدهما تعين الآخر فإذا امتنع منه ناب القاضى منابه في التسريح والتسريح طلاق وقد روينا عن عمر رضى الله تعالى عنه انه جعلها تطليقة بائنة وهذا لان المقصود بالرجعي لا يحصل فالمقصود ازالة ظلم التعليق وفي الرجعي يستبد الزوج بالمراجعة مع ان حكم الرجعة مختص بعدة واجبة بعد حقيقة الدخول وذلك غير موجود هنا وعن أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في غير الاصول انها كما اختارت نفسها تقع الفرقة بينهما اعتبارا بالمخيرة بتخيير الزوج أو بتخيير الشرع كالمعتقة ثم لها المهر كاملا عليه لوجود التسليم المستحق بالعقد منها وعليها العدة لما استوفت كمال المهر به قضى عمر وعلي رضي الله عنهم وقالا ما ذنبهن إذا جاء العجز من قبلكم وكما لا يسقط حقها بترك المرافعة زمانا فكذلك لا يسقط حقها بتأخير الخصومة بعد مضى الاجل فان ذلك للاختبار منها لا للرضا به والانسان لا يتمكن من الخصومة في كل وقت خصوصا في هذه الحالة الا أنه لا يحتسب على الزوج بما مضى من المدة قبل المرافعة لان الامر لم يكن مضيقا عليه قبل التأجيل وربما كان امتناعه من صحبتها لغرض له في ذلك سوى العجز ولكن بعد التأجيل يترك ذلك الغرض بما يلحقه من العار وضرر زوال ملكه فلهذا لا يحتسب بالمدة قبل التأجيل ويحتسب عليه بزمان حيضها وشهر رمضان لان الصحابة رضى الله عنهم قدروا الاجل بسنة مع علمهم انه لا يخلو عن ذلك عادة فان مرض الزوج في المدة أو مرضت مرضا لا يستطاع جماعها فعن أبي يوسف رحمه الله تعالى روايتان في احدى الروايتين إذا كان

[ 103 ] المرض أكثر من نصف الشهر لا يحتسب بمدة المرض على الزوج وان كان دون ذلك يحتسب عليه بالقياس على أيام شهر رمضان فانه في النهار يمتنع عليه غشيانها ثم ذلك محسوب عليه فعرفنا ان نصف الشهر وما دونه عفو وفي الرواية الاخرى قال إذا كانا صحيحين في شئ من السنة ولو في يوم واحد يحتسب عليه بزمان المرض وعلى قول محمد رحمه الله تعالى ان مرض احدهما فيما دون الشهر يحتسب عليه بذلك وان كان المرض شهرا لا يحتسب ويزاد في مدته بقدر مدة المرض وان أحرمت بحجة الاسلام لا يحتسب على الزوج بتلك المدة لانه لا يقدر ان يحللها الا تري انها لو كانت محرمة حين خاصمت لم يؤجله القاضي حتى تفرغ من الحج ولو خاصمت والزوج مظاهر منها فان كان يقدر على العتق أجله وان كان عاجزا عن ذلك أمهله شهرين لانه ممنوع عن غشيانها ما لم يكفر والعاجز عن العتق كفارته بالصوم شهران فان ظاهر منها بعد التأجيل لم يلتفت القاضى إلى ذلك واحتسب عليه تلك المدة لانه كان متمكنا من ان لا يظاهر منها وكذلك ان كان يصل إلى غيرها من النساء أو جواريه ولا يصل إليها خيرها القاضى لان التخيير لرفع الضرر عنها ولا يحصل ذلك بوصوله إلى غيرها بل تزداد به غيظا ولو كان غشيها مرة واحدة ثم انقطع بعد ذلك فلا خيار لها لان ما هو مقصودها من تأكد البدل أو ثبوت صفة الاحصان قد حصل لها بالمرة (قال) ولو وجدته مجبوبا خيرها القاضى في الحال لان التأجيل في العنين لرجاء الوصول إليها وذلك في المجبوب لا يوجد فالمقطوع من الآلة لا ينبت فلهذا فرق بينهما في الحال وان كان قد خلا بها فلها المهر كاملا في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولها نصف المهر في قولهما لان التيقن بعدم الوصول إليها موجود هنا وعذر الجب في الزوج أبين من عذر المرض فإذا كان مرضه يمنع صحة الخلوة فكونه مجبوبا أولى بخلاف العنين فان ذلك باطن لا يوقف على حقيقته وهذا ظاهر يشاهد فيجب اعتباره في الحكم وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول هي أتت بالتسليم المستحق عليها بالعقد وحقها في البدل يتقرر بذلك وهذا لان العقد ما انعقد لاستحقاق المجامعة به فانه لا كون له وانما انعقد لما وراء ذلك وقد أتت به فيتقرر حقها ثم يجب عليها العدة اما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا يشكل لانه قد تقرر جميع المهر واما عندهما تجب العدة استحسانا وأشار في كتاب الطلاق الا أنه لا تجب العدة عندهما وانما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فحيث قال لا تجب العدة أراد في مجبوب قد جف ماؤه فيكون هذا

[ 104 ] بمنزلة الصبي لا تعتبر خلوته في ايجاب العدة وحيث قال تجب العدة أراد في مجبوب له ماء يسحق فينزل فتجب العدة احتياطا وان لم يكن دخل بها أو خلا بها فلها نصف المهر ولا عدة عليها ثم بعد ما فرق القاضى بينهما في الموضع الذي وجبت عليها العدة إذا جاءت بولد إلى سنتين يثبت النسب منه ولا تبطل تلك الفرقة لان ثبوت النسب باعتبار الانزال بالسحق وذلك غير مبطل حقها بخلاف العنين إذا فرق القاضى بينهما وهو يدعى الوصول إليها ثم جاءت بولد لاقل من سنتين يثبت النسب ويبطل التفريق لانا حين حكمنا بثبوت النسب فقد حكمنا بوصوله إليها وكذلك لو شهد شاهدان بعد التفريق على اقرارها بالوصول إليها قبل التفريق بطل تفريق القاضى بينهما كما لو عرف القاضي اقرارها في ذلك الوقت بخلاف ما إذا أقرت بعد التفريق أنه كان وصل إليها فان قولها في إبطال التفريق ورفع الطلاق الواقع غير مقبول لكونها متهمة في ذلك والخصي بمنزلة العنين لان رجاء الوصول في حقه موجود لبقاء الآلة ولو تزوجت واحدا من هؤلاء وهى تعلم بحاله فلا خيار لها فيه لانه صارت راضية به حين أقدمت على العقد مع علمها بحاله ولو رضيت به بعد العقد بأن قالت رضيت سقط خيارها فكذلك إذا كان عالمة به ولا فرق في قولها رضيت بالمقام معه بين أن يكون عند السلطان أو غيره لانه اسقاط لحقها (قال) وليس يكون أجل العنين الا عند قاضي مصر أو مدينة يجوز قضاؤه ولا يجوز عند من هو دون هؤلاء ومراده بهذا الاشارة إلى الفرق بين خيار المعتقة والعنين فان ذلك لا يختص بمجلس الحكم وهو من جهتها فلم يكن طلاقا وهذا يختص بمجلس الحكم وهو لمعنى من الزوج فلهذا كان طلاقا وقد تبين بهذا اللفظ ان المصر شرط لجواز القضاء فانه لا يجوز القضاء في غير المصر بمنزلة اقامة الجمعة انه يختص بالمصر (قال) ولو تزوج امرأة فوصل إليها ثم فارقها ثم تزوجها بنكاح جديد ولم يصل إليها يؤجل كما يؤجل العنين لان النكاح الثاني غير النكاح الاول فلا يعتبر الوصول في النكاح الاول فيما يستحق في النكاح الثاني (قال) والخنثى إذا كان يبول من مبال الرجال فهو رجل يجوز له ان يتزوج امرأة فان لم يصل إليها أجل كما يؤجل العنين لان رجاء الوصول قائم فان كان يبول من مبال النساء فهو امرأة فإذا تزوجت رجلا لم يعلم بحالها ثم علم بذلك بعده فلا خيار للزوج لان الطلاق في يده وهو نظير الرتقاء وقد بيناه (قال) ولو كانت المرأة رتقاء والزوج عنينا لم يكن لها ان تخاصمه لانه لا حق لها في المطالبة بالجماع مع قيام المانع فيها وذكر

[ 105 ] في اختلاف زفر ويعقوب إذا زوج أمته فوجدته عنينا ان الخصومة في ذلك إلى المولى في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وهو رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان المهر واجب له فهو محتاج إلى أن يؤكد حقه ولان النسل يكون ملكا له وبكونه عنينا يفوت ذلك وعلى قول زفر رحمه الله تعالى الخيار لها لان المقصود بالوطئ قضاء الشهوة وذلك يحصل لها دون المولى فكان حق المرافعة إليها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمأب * (باب نكاح الشغار) * (قال) رضى الله عنه بلغنا عن رسول الله أنه نهي عن نكاح الشغار وأصل الحديث قوله لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام والشغار أن يقول الرجل للرجل أزوجك أختى على أن تزوجني أختك على أن يكون مهر كل واحدة منهما نكاح الاخرى أو قالا ذلك في ابنتيهما أو أمتيهما ثم النكح بهذه الصفة يجوز عندنا ولكل واحدة منهما مهر مثلها وعند الشافعي رضى الله عنه النكاح باطل لنهيه عن نكاح الشغار والنهى يقتضى فساد المنهى عنه ولانه شرط الاشراك في بضع كل واحدة منهما حين جعل النصف منه صداقا والنصف منكوحة وملك النكاح لا يحتمل الاشتراك فالاشتراك به يكون مبطلا كما إذا زوجت المرأة نفسها من رجلين وحجتنا في ذلك أنه سمى بمقابلة بضع كل واحدة منهما ما لا يصلح أن يكون صداقا فكأنه تزوجها على خمر أو خنزير وهذا لانه لما لم يكن في البضع صلاحية كونه صداقا لم يتحقق الاشراك فبقى هذا شرطا فاسدا والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة كما لو شرط أن يهبها لغيره أو نحوه بخلاف ما إذا زوجت المرأة نفسها من رجلين لانها تصلح منكوحة لكل واحد منهما فيتحقق معنى الاشراك واستدلاله بالنهي باطل لان النهي للخلو عن المهر هكذا قال ابن عمر رضى الله عنهما نهى رسول الله ان تزوج المرأة بالمرأة من غير مهر لكل واحدة منهما وهذا لان الشغار هو الخلو في اللغة يقال شغر الكلب إذا رفع احدى رجليه ليبول وبلدة شاغرة إذا كانت خالية من السلطان وانما أراد به ان لا تخلو المرأة بالنكاح عن المهر وبه نقول وان سمى لكل واحدة من المرأتين مهرا فلكل واحدة منهما ما سمي من المهر واشتراط أحد العقدين في الآخر غير مؤثر هنا لانه شرط فاسد والنكاح لا يبطل بمثله * (قال) * وإذا جعل

[ 106 ] مهر امرأته طلاق أخرى كان النكاح جائزا بمهر مثلها ولم يكن الطلاق مهرا وكذلك ان جعل القصاص مهرا فقد وقع العفو ولها مهر مثلها عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى كلما يجوز أخذ العوض عنه بالشرط يصلح أن يكون مهرا لان المقصود تحقق المعاوضة وأصل المسألة في تعليم القرآن فان عنده تعليم القرآن يصلح أن يكون صداقا للحديث الذى روينا في قوله زوجتكها بما معك من القرآن ولكنا نقول اشتراط صفة المالية في الصداق ثابت بالنص وهو قوله تعالى ان تبتغوا بأموالكم وطلاق الضرة والعفو عن القصاص ليس بمال وكذلك تعليم القرآن وتأويل الحديث بحرمة ما معك من القرآن وعلى هذا الاصل قلنا إذا اعتق أمته على أن يتزوجها ويكون العتق صداقا لها فزوجت نفسها منه فلها مثلها لان الاعتاق ابطال للرق فلا يصلح ان يكون صداقا خلافا للشافعي رحمه الله تعالى وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى انه جوز ذلك لان رسول الله أعتق صفية بنت حي رضى الله عنها وتزوجها وجعل عتقها صداقا لها ولكنا نقول قد روى انه تزوجها بمهر جديد ولو ثبت ذلك فقد كان رسول الله مخصوصا بالنكاح بغير مهر وعلى هذا لو تزوجها على أن يخدمها سنة فان كان الزوج عبدا صحت التسمية لتضمنها تسليم المال إليها فان رقبة العبد مال وان كان الزوج حرا لم تصح التسمية هكذا ذكر في الجامع الصغير ونحوه وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى انه إذا تزوجها على ان يرعى غنمها سنة يجوز استدلالا بقصة موسى مع شعيب عليهما السلام فمن أصحابنا من فرق بينهما فقال هي مأمورة بان تعظمه وتراعى حقه وذلك ينعدم باستخدامها اياه فلهذا لم يجز ان يكون خدمتها صداقا وذلك لا يوجد في عمل الرعى الا ترى ان الابن لا يستأجر اباه للخدمة ويستأجره لعمل آخر والاصح ان في الفصلين روايتين في احدى الروايتين لا تصح التسمية لان المنفعة ليست بمال واشتراطها من الحر لا يتضمن تسليم المال إليها وفي الرواية الاخرى تصح التسمية لان المنفعة تأخذ حكم المالية عند العقد ولهذا لا يثبت الحيوان دينا في الذمة بمقابلتها فإذا لم تصح تسمية الخدمة فعلى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى لها مهر مثلها لانه سمي مالا يصلح ان يكون صداقا لها فهو كتسمية الخمر وعند محمد رحمه الله تعالى لها قيمة خدمته لان الخدمة متقومة عند العقد وان لم تكن مالا فإذا تعذر سلامتها لها تجب قيمتها كما لو تزوجها على عبد فاستحق ثم قد بينا الفرق بينهما إذا تزوج المرأة على طلاق ضرتها

[ 107 ] وبين ما إذا تزوجها على ان يطلق ضرتها في حكم وقوع الطلاق على الضرة فكذا إذا تزوجها على القصاص حصل العفو بنفس العقد وإذا تزوجها على ان يعفو عن القصاص لم يسقط القصاص الا بمباشرة العفو ولا يجبر على ذلك وكذلك إذا تزوجها على عتق ابيها عتق الاب بنفس العقد بخلاف ما إذا تزوجها على أن يعتق أباها ولها مهر مثلها لان ما سمى صداقا من عتق الاب ليس بمال بخلاف ما إذا تزوجها على عتق أبيها عنها لانه يتضمن تمليك رقبة الاب منها فان العتق عنها لا يكون الا بهذا الشرط ورقبة الاب مال يصلح أن يكون صداقا لها وإذا زوج ابنته من رجل على مهر مسمى على أنه يزوجه الآخر ابنته على مهر مسمى فان زوجه فلكل واحدة منهما ما سمى لها من المهر وان لم يزوجه الآخر كان للمزوجة تمام مهر مثلها لان رضاها بدون مهر المثل باعتبار منفعة مشروطة لابيها ومنفعة أبيها كمنفعتها ولو شرط لها من المسمى منفعة كان لها مهر مثلها كذا هنا والله أعلم بالصواب * (باب نكاح الاكفاء) * (قال) رضى الله عنه قد قدمنا بيان ما هو مقصود هذا الباب وهو اعتبار الكفاءة في النكاح وصحة عقد النكاح من كف ء بمهر مثلها بمباشرتها أو بمباشرة غيرها برضاها بغير ولى واستدل على ذلك بآثار رويت فمنه حديث جعفر رضى الله عنه ان النبي صلى الله وسلم تزوج أم حبيبة بنت أبى سفيان وكان الذى ولى عقد النكاح النجاشي ومهرها عنه اربعمائة دينار ومنه حديث عائشة رضى الله عنها انها زوجت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبى بكر من المنذر بن الزبير رضى الله عنه وعبد الرحمن غائب فقال امثلى يفتات عليه في بناته فقالت عائشة رضى الله عنها أو ترغب عن المنذر لتملكن امرها عبد الرحمن فملكها فقال ما بى رغبة عنه ومنه حديث عبد الرحمن بن مروان رضى الله عنه قال زوجت امرأة معنا في الدار ابنتيها فجاء أولياؤها فخاصموها إلى علي رضى الله عنه فاجاز النكاح ومنه حديث بحرية بنت هانئ قالت زوجت نفسي من القعقاع ابن شور فخاصم أبى إلى علي رضى الله عنه فأجاز النكاح ولكن الحجة بهذه الآثار على الشافعي رضى الله عنه حيث يقول لا ينعقد النكاح بعبارة النساء فأما على قول محمد رحمه الله تعالى لا تقوى الحجة ببعض هذه الآثار فانه يقول في حديث النجاشي انه كان هو الولى لانها كانت مسلمة في ولايته فان أم حبيبة رضى الله تعالى

[ 108 ] عنها من جملة من هاجر إلى الحبشة ولان عقد عائشة رضى الله تعالى عنها كان موقوفا على اجازة عبد الرحمن وكذلك ما أجازه علي رضى الله تعالى عنه انما أجازه بولاية السلطنة ثم استكثر من الشواهد في جواز تزوج المرأة نفسها من كف ء فمن ذلك ان الولى لو عضلها فخاصمته إلى السلطان فانه يحق على السلطان أن يأمر الولى بذلك وان أبى أن يزوجها السلطان فإذا صنعت هي بنفسها كيف تحكم ببطلان ما صنعت وكذلك لو أن رجلا أعتق أم ولده ولها ولد ثم تزوجها من غير أن يعلم ولدها منه أما كان يجوز هذا النكاح باعتبار ان الولى هذا الولد أرأيت لو أن امرأة اعتقت أباها وهو معتوه فزوجته أما كان يجوز هذا فإذا كانت تملك أن تزوج أباها فكيف لا تملك أن تزوج نفسها واستكثر من هذا الجنس من الشواهد وقد ذكر في اختلاف أبى حنيفة وابن أبي ليلى ان ابن أبى ليلى قال لا يجوز ذلك وان أبا يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قالا لا يجوز ذلك حتى يجيزه القاضى أو الولى وقد تقدم بيان ما فيه من اختلاف الروايات عنهما والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب نكاح الاماء والعبيد) * (قال) رضى الله عنه وللرجل الحر إذا لم يكن تحته حرة أن يتزوج أربعا من الاماء عندنا وقال الشافعي رضى الله تعالى عنه ليس للحر أن يتزوج الا أمة واحدة والخلاف بيننا وبينه في فصول (أحدها) أن الحر إذا لم يكن تحته حرة ولكنه قادر على طول الحرة عندنا له أن يتزوج الامة والاولى أن لا يفعله وعنده ليس له أن يتزوج أمة لقوله تعالى ومن لم يستطع منكم طولا الآية إلى قوله تعالى ذلك لمن خشى العنت منكم فالله تعالى شرط لجواز نكاح الامة عدم طول الحرة والتعليق بالشرط يقتضى الفصل بين الوجود والعدم ثم بين أن نكاح الامة للحر لضرورة خوف الزنا على نفسه وذلك انما يكون عند عدم طول الحرة والمعنى فيه أن في تزوج الحر الامة تعريض ولده للرق لان الولد جزء منه وهو تابع للام في الرق وكما لا يجوز له أن يعرض نفسه للرق لا يجوز له أن يعرض ولده للرق من غير ضرورة ولهذا المعنى لا يجوز نكاح الامة إذا كان تحته حرة فكذلك إذا كان قادرا على طول الحرة ولا يبعد أن يمتنع النكاح عليه لحق الولد ألا ترى أنه لا يتزوج المعتدة من الغير لما فيه من اشتباه نسب

[ 109 ] الولد ولان نكاح الامة بدل في حق الحر لان عقد النكاح عقد ازدواج وهو ينبنى على المساواة في الاصل ولا مساواة بين الحر والامة فكان نكاح الامة في معنى البدل فكما أن وجود الاصل يمنع العدول إلى البدل فكذلك القدرة على تحصيله كالتيمم فان وجود الماء كما يمنع التيمم فالقدرة على تحصيله بالشراء تمنع وحجتنا في ذلك قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء فإذا استطاب نكاح الامة جاز له ذلك بظاهر الآية والمعنى فيه ان النكاح يختص بمحل الحل والامة من جملة المحلات في حق الحر كالحر فيكون جواز نكاحها أصلا لا بدلا ولا ضرورة والدليل على أنها محللة له أنها بملك اليمين ؟ محللة ؟ له ولا يحل بملك اليمين الا ما يحل بملك النكاح وانها محللة للعبد أصلا بالاتفاق فكذلك ؟ للحر ؟ أولى لان الحل في حق الحر أوسع منه في حق العبد حتى لا يثبت الحل للعبد بملك اليمين ويثبت للحر وهذا لان الانثى من بنات آدم في أصل الخلقة تحل للذكور لان المقصود حصول النسل وذلك يتحقق بين الذكور والاناث ثم الحرمة بعد ذلك بمعاني نص عليها الشرع من الامية والاختية ونحوهما فإذا انعدمت هذه المعاني كان الحل ثابتا باعتبار الاصل ولا معنى لاعتبار تعريض الولد للرق أيضا فان نكاح العقيم والعجوز يجوز وفيه تضييع النسل أصلا فلان يجوز نكاح الامة وان كان فيه تضييع صفة الحرية للنسل أولى وكذلك ان تزوج أمة ثم قدر على طول الحرة أو تزوج حرة كان له ان يطأ الامة بالنكاح بعد ذلك وفي هذا تعريض ولده للرق فبهذا تبين ان اعتماده على هذا المعنى لا يصح وكذلك دعواه ان الامة في حكم البدل فاسد فانها لو كانت بدلا لم يبق النكاح بينه وبينها بعد وجود الاصل كما لا يبقى حكم التيمم بعد وجود الماء فاما إذا كانت تحته حرة فمن أصحابنا من يقول حرمة نكاح الامة في هذه الحالة بالنص بخلاف القياس على ما قال لا تنكح الامة على الحرة الا ترى ان الحرة لو كانت صغيرة أو غائبة لم يجز له ان يتزوج الامة وان كان هو لا يستغنى بنكاحها عن الامة ويخاف الوقوع في الزنا فعرفنا ان المانع هناك عين نكاح الحرة لا الاستغناء بنكاحها وكان الكرخي رحمه الله تعالى يقول بنكاح الحرة يثبت لنسله حق الحرية فهو يتزوج الامة يبطل الحق الثابت وحق الحرية لا يجوز ابطاله بعد ثبوته فاما بطول الحرة لا يثبت حق الحرية لولده ومنهم من يقول ان الامة ليست من جملة المحلات بالنكاح مضمومة إلى الحرة وهى من جملة المحلات منفردة عن الحرة لان الحل الذى ينبنى عليه عقد النكاح نعمة في جانب الرجال

[ 110 ] والنساء فكما يتنصف ذلك الحل برق الرجل حتى يتزوج العبد اثنتين والحر أربعا فكذلك يتنصف برق المرأة ولا يمكن اظهار هذا التنصيف في جانبها بنقصان العدد لان المرأة الواحدة لا تحل الا لواحد فظهر التنصيف باعتبار الحالة فاما ان يقول الاحوال ثلاثة حال ما قبل نكاح الحرة وحال ما بعده وحال المقارنة ولكن الحالة الواحدة لا تحتمل التجزى فتغلب الحرمة على الحل فتجعل محللة سابقة على الحرة ومحرمة مقترنة بالحرة أو متأخرة عنها أو في الحقيقة حالتان حالة الانضمام إلى الحرة وحالة الانفراد عنها فتجعل محللة منفردة عن الحرة ومحرمة مضمونة إلى الحرة فإذا كانت تحته حرة فهو بنكاح الامة يضمها إلى الحرة فلهذا لا يصح فاما مع طول الحرة فهو بنكاح الامة لا يضمها إلى الحرة فلهذا جاز نكاحها فأما الآية فقد نقل عن ابن عباس رضى الله عنه إلى المراد حال وجود نكاح الحرة وبه نقول على ان من أصلنا ان التعليق بالشرط يقتضى وجود الحكم عند وجود الشرط ولكن لا يوجب انعدام الحكم عند انعدام الشرط لجواز ان يكون الحكم ثابتا قبل وجود الشرط لعلة أخرى وعلى هذا الاصل قال علماؤنا رحمهم الله تعالى يجوز للحر ان يتزوج أربعا من الاماء كما يجوز له أن يتزوج أربعا من الحرائر وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى ليس للحر ان يتزوج الا أمة واحدة لان جواز نكاح الامة للحر عنده لاجل الضرورة وهذه الضرورة ترتفع بالواحدة فلا يجوز له أن يتزوج أكثر منها كتناول الميتة لما كان حلها لاجل الضرورة لم يجز الا بقدر ما يسد به رمقه وعندنا نكاح الامة للحر مباح مطلقا كنكاح الحرة فيجوز له ان يتزوج أربعا من الحرائر وعلى هذا يستوى عندنا ان كن مسلمات أو كتابيات وعند الشافعي رضى الله عنه لا يجوز نكاح الامة الكتابية للمسلمين لان الضرورة ترتفع عنه بنكاح الامة المسلمة فلا يجوز له نكاح الامة الكتابية أصلا فان الكتابية تكون في ملك الكافر عادة وتعريض ولده لرق المسلم أهون من تعريضه لرق الكافر واستدل بقوله تعالى والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب معناه من الحرائر فلما جوز نكاح الكتابية بشرط ان تكون حره فإذا كانت أمة لم تدخل تحت النص وانما دخلت تحت قوله ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولان كفرها يغلظ ببعض آثاره وهو الرق فلا يجوز نكاحها أصلا كالمجوسية وحجتنا في ذلك ما بينا ان الامة الكتابية محللة للمسلم بملك اليمين فكذلك بملك النكاح كالمسلمة وهذا لان ما لا يحل بملك النكاح لا يحل بملك اليمين

[ 111 ] كالمجوسية والدليل عليه أن الشرع سوى بين حكم النكاح والذبيحة ثم في حق حل الذبيحة الكتابية كالمسلمة أمة كانت أو حرة فكذلك في حكم النكاح وأما الآية فقد قيل ان المراد من قوله والمحصنات العفائف من أهل الكتاب فتتناول الامة كالحرة ولئن كان المراد الحرائر فاباحة نكاح الحرائر من أهل الكتاب لا يكون دليلا علي حرمة نكاح الاماء ولكن هذا لبيان الاولى واسم المشركة لا يتناول الكتابية لاختصاصها باسم آخر ألا ترى أن الله تعالى عطف المشركين على أهل الكتاب بقوله لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين الآية (قال) ولو تزوج أمة بغير اذن مولاها ثم تزوج حرة ثم أجاز مولى الامة لم يجز لان ثبوت ملك الحل عند الاجازة وعند الاجازة الحرة تحته فبهذه الاجازة يحصل ضم الامة إلى الحرة وهي ليست من المحللات مضمومة إلى الحرة ولانه اعترض بعد العقد قبل الاجازة ما يمنع ابتداء العقد فيمنع الاجازة كما لو تزوج امرأة نكاحا موقوفا ثم تزوج أختها ثم ان الاولى أجازت لم يجز أرأيت لو تزوج أم هذه الامة أو ابنتها وهي حرة قبل أجازة مولاها ثم أجاز المولى أكان يجوز قال لا يجوز بشئ من ذلك لما ذكرنا (قال) وإذا تزوج أمة بغير اذن مولاها ثم أعتقها المولى ولم يعلم بالنكاح فان هذا العتق امضاء للنكاح واجازة له لان الامة مخاطبة وانما امتنع نفوذ عقدها لحق المولى فإذا سقط حق المولى نفذ العقد وكان نفوذ هذا العقد من جهتها لا من جهة المولى وما قال انه امضاء واجازة توسع في الكلام فأما نفوذ العقد من جهتها ولهذا لا يثبت لها خيار العتق كما لو زوجت نفسها بعد العتق لان خيار العتق انما يثبت إذا ازداد الملك عليها بالعتق ولا يتحقق ذلك إذا كان نفوذ العقد ابتداء بعد العتق ولهذا كان المهر لها ان لم يكن دخل بها قبل العتق لان الملك انما يثبت عليها فما يقابله من البدل يكون لها وعن زفر رحمه الله تعالى انه قال يبطل النكاح لان توقفه كان على اجازة المولى فلا ينفذ من جهة غيره ولا يمكن ابقاؤه موقوفا على اجازته لسقوط حقه بالعتق فتعين فيه جهة البطلان كما لو باع مال الغير ثم ان المالك باعه من انسان آخر بطل به البيع الاول ولكنا نقول ما توقف هذا العقد على اجازة المولى وانما امتنع نفوذه لقيام حق المولى وقد سقط حق المولى بالعتق بعد العقد لزوال المانع من النفوذ وهذا بخلاف ما إذا أذن لها المولى في النكاح فانه لا ينفذ ذلك العقد ما لم يجز لان بالاذن لم يسقط حق المولى فلابد من اجازة المولى أو اجازة من قام مقامه فاما بالعتق هنا سقط حق المولى وهذا بخلاف

[ 112 ] ما إذا اشترت شيئا ثم أعتقها المولى فانه يبطل الشراء لان ذلك الشراء انعقد موجبا الملك للمولى فلو نفذ بعد عتقها كان موجبا الملك لها وذلك لا يجوز فاما هنا النكاح انعقد موجب الحل لها وبعد العتق انما ينفذ بهذه الصفة ولو لم يعتقها ولكنه مات فورثها ابنه فان كانت تحل للابن بأن لم يمسها الاب بطل النكاح وليس للابن أن يجيزه لانه طرأ حل نافذ على الحل الموقوف فيكون مبطلا لذلك الموقوف كما إذا طرأ ملك نافذ على ملك موقوف بأن باع ملك الغير ثم اشتراه من المالك بطل ذلك العقد ولا يملك الاجازة بعد وهذا لان بين الملكين والحلين في المحل منافاة فنفوذ أحدهما في المحل يكون مبطلا للآخر وان كانت ممن لا يحل للابن فأجاز الابن ذلك النكاح جاز عندنا لانه قائم مقام الاب في هذه الاجازة ولم يوجد المنافي وهو طريان الحل النافذ على الحل الموقوف ولا يجوز عند زفر لانه انما توقف على اجازة الاب فلا ينفذ باجازة غيره وكذلك لو باعها المولى أو وهبها أو سلمها فان كانت تحل للمشترى والموهوب له لم ينفذ ذلك العقد باجازتهما وان كانت لا تحل لهما نفذ العقد باجازتهما عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى ولو كانت تحل لمن ملكها فدخل بها الزوج بعد ما ملكها وقد أجاز ما ملكها النكاح أو لم يجز كان عليه الاقل من مهر مثلها ومما سمى لها في النكاح قبل انتقال المالك لان الدخول حصل بشبهة النكاح فسقط الحد ويجب الاقل من المسمى ومن مهر المثل ويكون ذلك لمالكها يوم وطئها لانه انما وجب بدلا عن المستوفى بالوطئ والمستوفى بالوطئ مملوك للثاني فكان البدل له ولو كان قد جامعها في ملك الاول ثم أجاز النكاح الآخر فانه يجعل عليه مهر واحد للاول لان الدخول بها في الملك الاول حصل بشبهة النكاح فيجب المهر بمقابلة المستوفى منها وذلك المستوفى مملوك للاول فكان المهر له ثم ذكر أن النكاح لا ينفذ باجازة الثاني هنا لانه قد فسد حين ملكها ومن أصحابنا من يقول هذا غلط لانه لما دخل بها الزوج في ملك الاول وجب عليها العدة والمعتدة لا تحل لغير المعتد منه فهى لم تصر محللة للمالك الثاني فلا يفسد النكاح الموقوف فإذا أجازه كان صحيحا ولكنا نقول ما ذكره في الكتاب صحيح لان وجوب العدة انما يكون بعد التفريق بينهما فأما قبل التفريق فهى ليست بمعتدة فاعتراض الملك الثاني يبطل المالك الموقوف وان كان هو ممنوعا من غشيانها وجعل هذا قياس المنع بسبب الاستبراء وذلك لا يمنع بطلان النكاح الموقوف فهذا مثله (قال) ولو كان دخل بها في ملك الاول ثم

[ 113 ] أعتقها جاز النكاح وفي القياس عليه مهران مهر للمولى بالدخول بشبهة النكاح قبل العتق ومهر لها لنفوذ العقد لان ملك الحل انما يثبت بعد العتق فلا يجوز اثباته بغير مهر ولكنه استحسن فقال لا يجب الا مهر واحد للمولى لان وجوب المهر بالدخول انما يكون باعتبار العقد ألا ترى أنه لو لم يسبق لا يجب المهر والعقد الواحد لا يوجب الا مهرا واحدا وإذا وجب به المهر للمولى لا يجب لها به مهرا آخر توضيحه أن الاجازة وان كانت بعد العتق فحكمها يستند إلى أصل العقد ألا ترى أن الشهود يشترط عند العقد لا عند الاجازة وشرط الشهود اختص بملك الحل كشرط المهر فكما أن وجود الشهود عند العقد يغني عن اعتباره عند الاجازة فكذا وجوب المهر للمولى عند العقد يغني عن اعتبار مهر آخر لها عند الاجازة ولو لم يعتقها ولكنه أجاز النكاح جعل اجازته في الانتهاء كالاذن في الابتداء ولو كان أذن لها في النكاح جاز عقدها ويشترط حضرة الشهود عند العقد لا عند الاذن فكذلك إذا أجازه في الانتهاء انما يشترط حضرة الشهود عند العقد لا عند الاجازة (قال) وللمولى أن يكره أمته أو عبده على النكاح أما الامة فلان بضعها مملوك للمولى فهو انما يعقد على ملك نفسه بتزويجها وله ولاية العقد على ملك نفسه بغير رضاها كما لو باعها والدليل عليه أن البدل يجب للمولى والنفقة تسقط عن المولى فهو فيما صنع عمل لنفسه وأما العبد فللمولى أن يزوجه من غير رضاه عندنا وليس له ذلك عند الشافعي رحمه الله تعالى لان ما تناوله النكاح من العبد غير مملوك للمولى عليه فهو في تزويجه متصرف فيما لا يملكه فلا يستبد به وهذا لان المولى فيما لا يملكه من عبده كأجنبي آخر ألا ترى أنه لا يملك الاقرار عليه بالقصاص لان دمه غير مملوك له ولا يملك أن يطلق امرأة العبد لانها غير مملوكة للمولى فكذلك لا يملك تزويجه لان محل هذا العقد غير مملوك له توضيحه أن تزويجه بغير رضاه لا يفيد مقصود النكاح لان الطلاق بيد العبد فيطلقها من ساعته ولكنا نستدل بقوله تعالى ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ فانما عقد المولى على شئ لا يقدر العبد عليه ولانه مملوكه على الاطلاق فيملك نكاحه بغير رضاه كالامة وهذا لان في الامة انما يملك المولى العقد عليها لملكه رقبتها لا لملكه ما يملك بالنكاح فان ولاية التزويج لا تستدعى ملك ما يملك بالنكاح ولا يثبت باعتباره الا ترى ان الولى يزوج الصغيرة وهو لا يملك عليها ما يملك بالنكاح فثبت ان في حق الامة انما

[ 114 ] يملك تزويجها بملكه رقبتها لا بملكه عليها ما يملك بالنكاح وهذا موجود في جانب العبد بل أولى لان في تزويج الامة ينظر لنفسه وفي تزويج العبد انما ينظر للعبد ولان الامهار أحد شطرى العقد فيملكه المولى بملك الرقبة كتمليك البضع في جانب الامة وما قال انه غير مملوك للمولى فاسد من الكلام فان العبد لا يستبد بالنكاح بالاتفاق وما لا يملكه المولى من عبده فالعبد فيه مبقى على أصل الحرية يستبد به كالاقرار بالقصاص وايقاع الطلاق على زوجته وهنا العبد لما كان لا يستبد به عرفنا انه مملوك للمولى عليه وموجب النكاح الحل وذلك يحصل بالنكاح إلى ان يرتفع بالطلاق والظاهر ان حشمة المولى تمنعه من ايقاع الطلاق (قال) ولو أقر المولى بالنكاح على عبده لم يصح اقراره عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى بخلاف ما لو أقر على أمته بالنكاح وقد بينا هذا فيما سبق وذكر شعيب بن أبى القاسم عن أبى يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله تعالى على عكس هذا ان اقرار المولى بالنكاح على عبده صحيح وعلى أمته لا يصح لانها فرج فلا تحل للزوج بمجرد قول المولى بغير شهود (قال) وإذا عتقت الامة المنكوحة فلها الخيار كما بينا فان اختارت نفسها وقد دخل الزوج بها فالمهر المسمى واجب لسيدها لان الدخول حصل بحكم نكاح صحيح فتقرر به المسمى وان كان لم يدخل بها فلا مهر لها ولا لسيدها لان اختيارها نفسها فسخ للنكاح من أصله فيسقط به جميع المهر كما إذا فرق بينهما لانعدام الكفاءة فان اختارت زوجها فالمهر لسيدها دخل بها أو لم يدخل بها لان المسمى وجب بنفس العقد بمقابلة ما ملكه الزوج وانما ملك ذلك على المولى فكان البدل للمولى ولو لم يعتقها كان للسيد ان يستوفى الصداق من زوجها وليس للزوج أن يمتنع من ذلك حتى يسلمها إليه لان المولى في استحقاق صداق الامة كالحرة في استحقاق صداق نفسها وهناك لها ان تحبس نفسها لاستيفاء صداقها فهنا أيضا للمولى أن يحبسها إذا كان الصداق حالا وان كان الصداق مؤجلا لم يكن له أن يحبسها ولا للحرة ان تحبس نفسها في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى على قياس المبيع لا يحبس بالثمن المؤجل وفي قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الآخر وان كان الصداق مؤجلا فللمرأة ان تحبس نفسها لاستيفائه بخلاف البيع لان تسليم النفس عليها في جميع العمر والمطالبة بالصداق ثابت لها في العمر وفي البيع استحقاق التسليم عقيب العقد وليس له حق المطالبة بالثمن في ذلك الوقت إذا كان مؤجلا فان كان

[ 115 ] استوفى المولى صداقها أمر المولى أن يدخلها على زوجها ولكن لا يلزمه ان يبوأها معه بيتا لان خدمتها حق المولى فلا تقع الحيلولة بينه وبين استيفاء حقه ولكنها تخدم المولى في بيته كما كانت تفعله من قبل ومتى ما وجد الزوج منها خلوة أو فراغا قضى حاجته فان لم يدخل بها حتى قتلها مولاها فعليه رد جميع الصداق على الزوج في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وان كان لم يقبض الصداق سقط جميع حقه عن الزوج وعندهما لا يسقط شئ منه وكذلك لو باعها المولي في مكان لا يقدر الزوج عليها وجه قولهما ان القتل موت بأجل فيتقرر به جميع الصداق كما لو قتلها غير المولى وهذا لان بالموت تنتهى مدة النكاح فان النكاح يعقد للعمر فبمضي مدته ينتهى العقد وانتهاء العقد موجب تقرير البدل والدليل عليه ان كل واحد منهما يرث من صاحبه حتى لو جرحها المولى ثم أعتقها فاكتسبت مالا ثم ماتت من تلك الجراحة فان الزوج يرثها ولو مات الزوج قبلها ورثته أيضا والتوريث انما يكون عند انتهاء النكاح بالموت وبهذا يتبين انه لم ينفسخ النكاح بينهما وسقوط المهر من حكم انفساخ النكاح وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول من له الحق في البدل اكتسب سبب فوات المعقود عليه قبل التسليم فيسقط حقه في المطالبة بالبدل كما لو أعتقها فاختارت نفسها قبل الدخول وهذا لان القتل موت كما قال ولكن يتضمن فوات المعقود عليه فان كان المولى هو الذي اكتسب سببه يجعل التفويت محالا به إليه الا ترى ان البائع لو أتلف جزء من المبيع قبل القبض يسقط حقه في حصته من الثمن ولو قتل العبد المبيع يسقط جميع الثمن وهذا لان القتل في الحقيقة موت باجل ولكن في حق القاتل جعل في احكام الدنيا كانه غير الموت حتى يجب على القاتل القصاص والكفارة ولدية ان كان خطأ ومن ذبح شاة انسان بغير امره يكون ضامنا له وباعتبار موته هو محسن إلى صاحب الشاة فيما صنعه غير متلف عليه شيئا توضيحه ان المولى لو غيب أمته لم لم يكن له أن يطالب الزوج بصداقها فإذا أتلفها أولى أن لا يكون له أن يطالب بصداقها وهذا الكلام يتضح فيما إذا باعها في مكان لا يقدر عليه الزوج فانه لا فرق بين هذا وبينما إذا غيبها من غير بيع اما الميراث فنقول هذا في الحقيقة موت ولكن جعلناه اتلافا في حق القاتل والميراث ليس للقاتل بل ذلك شئ بينهما وبين الزوج وفيما بينهما هذا موت منه للنكاح ولو قتلت الحرة المنكوحة نفسها قبل أن يدخل بها الزوج لم يسقط مهرها عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يسقط لان

[ 116 ] الحق في المهر وقد فوتت العقود عليه قبل الدخول والتسليم فصار كما لو ارتدت قبل الدخول أو قتل المولى أمته ولكنا نقول قتلها نفسها في الاحكام كموتها ولو كانت ماتت لم يسقط مهرها وانما قلنا ذلك لان قتلها نفسها هدر في أحكام الدنيا انما تؤاخذ به في الآخرة فاما في الدنيا لا يتعلق به شئ من الاحكام فهو كموتها بخلاف قتل المولى أمته فانه معتبر في الاحكام حتى يتعلق به الكفارة ان كان خطأ والضمان ان كان عليها دين توضيحه ان بعد قتلها نفسها المهر لورثتها لا لها ولم يوجد من الورثة ما كان تفويتا للمعقود عليه وقد بينا ان القتل موت في حق غير القاتل فاما المهر للمولى بعد قتل الامة والتفويت وجد من جهته فان قيل ما تقول فيما إذا كان الوارث هو الذي قتلها قلنا الوارث إذا قتلها صار محروما عن الميراث ولا حق له في الميراث هنا فلهذا لا يعتبر فعله في اسقاط مهرها وهذا بخلاف ردتها لانه معتبر في أحكام الدنيا ولان المهر لها بعد الردة وتفويت المعقود عليه كان منها فأما الامة إذا قتلت نفسها فعنه روايتان عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى في احدى الروايتين لا يسقط مهرها كالحرة إذا قتلت نفسها بل أولى لان المهر هنا لمولاها لا لها وفي الاخرى يسقط مهرها كما لو ارتدت وهذا لان فعل المملوك مضاف إلى المالك في موجبه ألا ترى أنها لو قتلت غيرها كان المولى هو المخاطب بدفعها أو فدائها فإذا قتلت نفسها جعل في الحكم كان المولى قتلها فلهذا يسقط مهرها (قال) وإذا أراد الرجل أن يتزوج امرأة فأخبره رجل أنها حرة ولم يزوجها اياه ولكن الرجل تزوجها على أنها حرة فإذا هي أمة وقد ولدت له ضمن الزوج قيمة الولد لانه مغرور وولد المغرور حر بالقيمة به قضى عمر وعلي رضى الله تعالى عنهما وهذا لانه لم يرض برق مائه ولكن كما يعتبر حقه يعتبر حق المستحق فيكون الولد حرا بالقيمة نظرا من الجانبين ولا يرجع الزوج على المخبر بشئ لانه ما التزم له شيئا وانما أخبره بخبر كان كاذبا فيه وذلك لا يثبت حق الرجوع عليه كما لو أخبره ان الطريق آمن فسلك فيه فأخذ اللصوص متاعه ولكنه يرجع بقيمة الولد على الامة إذا أعتقت لانها غرته حين زوجته نفسها على أنها حرة وضمان الغرر كضمان الكفالة فانها ضمنت له سلامة الولد بما ذكرت من الحرية في العقد وضمان الكفالة يجب على الامة بعد العتق ويضمن الزوج العقر للمولى ولا يرجع به على أحد لانه عوض ما استوفى منها والمستوفى كان مملوكا للمولى وهو الذى نال اللذة باستيفائه (قال) وإذا تزوجت المستسعاة في بعض قيمتها ثم

[ 117 ] أدت السعاية فعتقت خيرت في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان المستسعاة كالمكاتبة عنده وقد بينا أن المكاتبة إذا أعتقت وقد كانت زوجت نفسها خيرت (قال) ولا يجوز نكاح الامة في عدة حرة من فرقة أو طلاق بائن أو ثلاث في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ويجوز في قول أبى يوسف ومحمد وابن أبى ليلى رحمهم الله تعالى ولو كانت معتدة من طلاق رجعي لم يجز نكاح الامة في عدتها بالاتفاق فهم يقولون المحرم نكاح الامة على الحرة كما قال لا تنكح الامة على الحرة والتزوج عليها انما يتحقق إذا كان ملكه باقيا عليها وذلك بعد الطلاق الرجعى أو قبل الطلاق فأما بعد الفرقة لم يبق بينه وبينها نكاح فلا يكون متزوجا عليها كما لو كانت الحرة تعتد منه من نكاح فاسد أو وطئ بشبهة فتزوج أمة يجوز والدليل على صحة هذا لو قال لامرأته ان تزوجت عليك امرأة فهي طالق فتزوج امرأة بعدما أبانها لم تطلق بخلاف ما لو تزوجها بعد الطلاق الرجعى أو قبله فثبت أنه غير متزوج عليها بعدما أبائها وهذا بخلاف المنع من نكاح الاخت في عدة الاخت لان المحرم هناك الجمع فإذا تزوجها في عدتها صار جامعا بينهما في حقوق النكاح وهذا المنع ليس لاجل الجمع فانه لو تزوج الامة ثم الحرة صح نكاحها ولكن المنع من تزوج الامة على الحرة لما فيه من ادخال ناقصة الحال في مزاحمة كاملة الحال وهذا لا يوجد بعد البينونة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول المنع من نكاح الامة ثبت بنكاح الحرة وكل منع ثبت بسبب النكاح يبقى ببقاء العدة كالمنع من نكاح الاخت والاربع وهذا لان العدة حق من حقوق النكاح وحق الشئ كنفس ذلك الشئ في ابقاء الحرمة ونكاح الامة انما لا يجوز بعد الحرة لانها محرمة في هذه الحالة فتبقى تلك الحرمة ببقاء عدتها فانها محرمة مضمومة إلى الحرة وفي هذا نوع ضم في فراش النكاح فاما إذا كانت الحرة تعتد من نكاح فاسد فقد قيل ان ذلك قولهما فاما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا يجوز وبعد التسليم يقول هناك المنع لم يكن ثابتا بالنكاح الفاسد حتى يقال يبقى ذلك ببقاء العدة وأما مسألة اليمين قلنا في الايمان المعتبر العرف وفي العرف لا يسمي متزوجا عليها بعد البينونة فلهذا لا تطلق فاما في ألفاظ الشرع المعتبر المعني ومعنى الحرمة باق ببقاء العدة وكذلك لو تزوج مدبرة أو مكاتبة أو أم ولد في عدة حرة لان الرق في هؤلاء باق وحكمهن في النكاح حكم الامة القنة (قال) رجل تزوج خمس حرائر وأربع اماء في عقدة واحدة

[ 118 ] جاز نكاح الاماء دون الحرائر لان نكاح الحرائر لو انفرد عن نكاح الاماء لم يصح هنا فانهن خمس لا يمكن تصحيح نكاحهن وليس بعضهن بأولى من البعض فيلغو ضمهن إلى الاماء ويبقى المعتبر نكاح الاماء وهن أربع يجوز نكاحهن للحر عندنا فلهذا جاز نكاح الاماء وكذلك ان تزوج حرة وأمة في عقدة واحدة وللحرة زوج لان نكاح المنكوحة باطل وهذا هو الاصل انه متى كان لا يصح نكاح الحرة وحدها فضمها إلى الامة وجودا وعدما سواء فاما إذا كان يصح نكاح الحرة وحدها يتحقق ضم الحرة إلى الامة فيبطل نكاح الامة ويجوز نكاح الحرة عندنا وعلى قول ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى لا يجوز لان العقد واحد فإذا بطل بعضه بطل كله كما لو جمع بين اختين ولكنا نقول نكاح الحرة أقوى من نكاح الامة الا ترى انه يصح تقدم أو تأخر والضعيف لا يدفع القوى ولكنه يندفع به بخلاف الاختين فانهما مستويتان فيندفع نكاح كل واحدة منهما بالاخرى توضيحه ان الامة من المحرمات مضمومة إلى الحرة والحرة من المحللات فصار هو جامعا بين محرمة ومحللة فيجوز العقد في المحللة دون المحرمة (قال) وإذا زوج مدبرته أو أمته أو أم ولده وبوأها مع الزوج بيتا ثم بدا له أن يردها إلى خدمته كان له ذلك لان خدمتها حق المولى وهو بالتبوئة يصير كالمعير لها من زوجها فكان له أن يستردها متى شاء وكذلك لو كان شرط ذلك للزوج كان الشرط باطلا لا يمنعه من أن يستخدم أمته لان المستحق للزوج بالنكاح ملك الحل لا غير فاشتراطه شيئا آخر غير ملزم اياه لانه لا يمكن الزامه بطريق الاستجبار فان المدة غير معلومة ولا بطريق الاعارة فان الاعارة لا يتعلق بها اللزوم (قال) ولو تزوجها على أنها حره ثم علم بعد ذلك أنها أمة قد أذن المولى لها في النكاح فهى امرأته ان شاء أمسك وان شاء طلق لان ظهور رقها نوع عيب وقد بينا أن العيب لا يثبت الخيار للزوج غير أن ما ولد له من ولد فيما مضى وما كان في بطنها فهو حر لاجل الغرور وعلى الاب قيمة الولد يوم يختصمون لان الولد في يده بصفة الامانة ما لم يخاصم فانه لا يكون أعلى حالا من ولد المغصوبة وولد المغصوبة أمانة ما لم يطالب بالرد فكذلك ولد المغرور حتى إذا مات قبل الخصومة فلا ضمان على الاب فيه ولكنه انما يصير مانعا للولد بعد الطلب وذلك عند الخصومة فلهذا تعتبر قيمته وقت الخصومة وهذا إذا تبين أنها أمة أو مدبرة وكذلك إذا تبين أنها أم ولد في ظاهر الرواية وفي رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى

[ 119 ] لا تجب قيمة الولد هنا لان ولد أم الولد كامه لا قيمة لرقه حتى لا يضمن بالغصب عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فكذلك بالمنع بعد الطلب وجه ظاهر الرواية أن الولد انما يصير كأمه إذا ثبت فيه حق أمية الولد وذلك بعد ثبوت الرق فيه وهنا علق الولد حر الاصل فلم يثبت فيه حق أمية الولد ولو تبين أنها مكاتبة ففي ظاهر الرواية الجواب كذلك وروى الحسن عن أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهم الله تعالى أنه لا يضمن قيمة الولد هنا لانه لو ضمن انما يضمن لها وهي انما تسعى لتحصيل الحرية لنفسها وولدها ففي حرية ولدها يحصل بعض مقصودها فلا يجب الضمان ولانه لو رجع لرجع عليها بما ضمن لان الغرور كان منها فلا يكون مفيدا شيئا وجه ظاهر الرواية أن السبب الموجب لضمان قيمة ولد الغرور وقد تقرر هنا ورجوعه عليها يكون بعد العتق وهي تستوجب الضمان عليه للحال فكان مفيدا وانما يرجع على الامة والمدبرة وأم الولد والمكاتبة بقيمة الولد يعد العتق لما بينا ان ضمان الغرور كضمان الكفالة وضمان الكفالة في حق هؤلاء مؤخر إلى ما بعد العتق (قال) ولو مات الولد وترك مالا فماله لابيه بحكم الارث ولا ضمان على الاب فيه لما بينا أن المنع بعد الطلب لم يتحقق منه ولو قتل الولد يأخذ الاب ديته وكان عليه قيمته لانه سلم له بدل نفسه وحكم البدل كحكم المبدل فيتحقق به المنع بعد الطلب فلهذا كان عليه قيمته وكذلك لو ضرب انسان بطنها فألقت جنينا ميتا كان على الضارب خمسمائة درهم بدل الجنين الحر لانه علق حر الاصل وعلى الاب نصف عشر قيمته للمولى ان كان ذكر أو عشر قيمتها ان كانت أنثى لان حق المستحق في جنين الامة فلا يغرم له الاب الا بدل جنين الامة وان سلم له بدل جنين الحرة كما لو قتل بعد الانفصال (قال) ولو مات الاب وبقى الولد أخذ المولى قيمته من تركة الاب ولا يرجع بها بقية الورثة في حصة الولد لان المنع قد تحقق وذلك موجب ضمان القيمة على الاب فيستوفى من تركته بعد موته وقضاء دين الاب لا يكون على بعض الورثة دون البعض فلهذا لا يرجعون في حصته وان لم يترك الاب شيئا لم يؤخذ الولد بشئ كما لا يؤخذ بسائر ديون الاب وكذلك الجواب ان كان مولى الجارية عما للولد لان عتق الغلام هنا ليس باعتبار القرابة بل بالغرور فانه علق حر الاصل والعتق بالقرابة انما يكون بعد ثبوت الملك للعم فيه فلهذا كان العم فيه وغيره في هذا سواء (قال) وان كانت تزوجت بغير اذن المولى أخذها المولى وعقرها والجواب في قيمة الولد على ما بينا وان كان الذى غره غير الامة

[ 120 ] بان زوجها منه حر على انها حرة فهذا وما تقدم سواء الا ان الاب يرجع بقيمة الولد على المزوج في الحال لان ضمان الغرور كضمان الكفالة والحر يؤاخذ بضمان الكفالة في الحال وان كان الذي غره فيها عبدا أو مدبرا أو مكاتبا فلا رجوع له عليهم حتى يعتقوا سواء كان العبد مأذونا أو لم يكن لان المأذون انما يؤاخذ بضمان التجارة في الحال لا بضمان الكفالة فيتأخر إلى عتقهم الا ان يكون المولى أمر العبد أو المدبر بذلك فحينئذ يؤاخذ به في الحال لان كفالة العبد باذن المولى موجب للضمان عليه في الحال فاما المكاتب لا يؤاخذ به حتى يعتق سواء فعله باذن المولى أو بغير اذنه لان المولى ليس له حق التصرف في كسبه فلا يعتبر اذنه فيه وان كان المتزوج المغرور عبدا أو مدبرا أو مكاتبا بأن تزوج أحد من هؤلاء باذن المولى امرأة على انها حرة فولدت له ثم ظهر أنها أمة فالولد رقيق في قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر رحمهما الله تعالى نص على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى في كتاب الدعوى وفي قوله الاول وهو قول محمد رحمه الله تعالى الولد حر بقيمته على الاب إذا عتق ويرجع بذلك على الذي غره وجه قول محمد رحمه الله تعالى أن السبب الموجب للحرية الغرور واشتراط الحرية فيها عند النكاح وهذا يتحقق من الرقيق كما يتحقق من الحر وكما يحتاج الحر إلى حرية الولد فالمملوك محتاج إلى ذلك بل حاجته أظهر لانه ربما يتطرق به إلى حرية نفسه توضيحه أنه لا معتبر برق الزوج وحريته في رق الولد بل المعتبر فيه جانب الام ألا ترى أن الحر إذا تزوج أمة وهو يعلم بحالها كان ولده رقيقا فإذا كان المعتبر رق الام وقد سقط اعتبار رقها في حق الولد عند اشتراط الحرية إذا كان الزوج حرا فكذلك إذا كان الزوج عبدا لان ما شرط من الحرية يجعل كالمتحقق في حرية الولد فأما أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهم الله تعالى قالا هذا الولد مخلوق من ماء رقيقين فيكون رقيقا وهذا لان الولد متفرع من الاصل فانما يتفرع بصفة الاصل وإذا كان الاصلان رقيقين لا تثبت الحرية للولد من غير عتق وأما إذا كان الزوج حرا فقد ثبت حرية الولد هناك باتفاق الصحابة رضى الله عنهم بخلاف القياس وهذا ليس في معنى ذلك لان ماء الرجل هناك بصفته حر فانه جزء منه وانما يصير رقيقا باتصاله برحم الامة فتأثير الغرور في المنع من ثبوت الرق في مائه بالاتصال برحم الامة وهنا ماء العبد رقيق كنفسه فالحاجة إلى إثبات الحرية لمائه وما يصلح لابقاء ما كان على ما كان لا يصلح لايجاب ما لم يكن يوضحه ان

[ 121 ] الحاجة هناك إلى الترجيح عند التعارض لان اعتبار جانب مائه يوجب حرية الولد واعتبار جانب مائها يوجب رق الولد فجعلنا الغرور دليلا مرجحا وهنا الحاجة إلى اثبات الحرية دون الترجيح وما يصلح مرجحا لا يصلح موجبا توضيحه أن هناك ثبت حرية الولد بضمان قيمته على الاب في الحال فيندفع الضرر به عنه وهنا لو ثبتت حرية الولد انما تثبت بضمان قيمته بعد العتق فيتضرر به المستحق في الحال فإذا ثبت أن هذا ليس في معنى المنصوص وجب الرجوع فيه إلى الاصل فكان الولد رقيقا بمنزلة أمه ثم على قول محمد رحمه الله تعالى ان كان التزوج من هؤلاء باذن السيد فعليهم قيمة الولد والمهر في الحال وان كان بغير اذن السيد فعليهم قيمة الولد والمهر بعد العتق لان كل دين وجب على المملوك بسبب مأذون من جهة المولى يؤاخذ به في الحال وكل دين وجب عليه بسبب غير ماذون فيه فانما يؤاخذ به بعد العتق (قال) وإذا تزوجها وهو يعلم أنها أمة أو تزوجها وهو يحسب أنها حرة ولم يغره فيها أحد فأولاده أرقاء لان هذا ظن منه والظن لا يغنى من الحق شيئا ولان الموجب لحرية الولد الغرور ولم يتحقق الغرور هنا ولو كانت أمة بين رجلين زوجها أحدهما من رجل ودخل الزوج بها فللآخر أن يبطل النكاح لان المزوج لا يملك الا نصفها وملك نصف الامة ليس بسبب لولاية التزويج فلم ينفذ عقده عليها وقد تناول عقده نصيب الشريك فكان له أن يفسخ عقده دفعا للضرر عن نفسه وقد سقط الحد عن الزوج لشبهة النكاح فيجب المهر عليه الا أن في نصيب المزوج يجب الاقل من نصف المسمى ومن نصف مهر مثلها لانه راض بالمسمى ورضاه صحيح في نصيب نفسه فاما في نصيب الشريك يجب نصف مهر المثل بالغا ما بلغ لان لم يرض بسقوط شئ من حقه وان كان ابطال النكاح قبل الدخول فلا مهر لواحد منهما سواء خلا بها الزوج أو لم يخل لان الخلوة انما تعتبر في النكاح الصحيح وهذا العقد لم يكن صحيحا فلا تعتبر الخلوة فيه (قال) وإذا زوج أمة ابنه الصغير فذلك جائز وكذلك الوصي إذا زوج أمة اليتيم وكذلك المكاتب إذا زوج أمته وكذلك المفاوض إذا زوج أمة من الشركة لان تزويج الامة من عقود الاكتساب فانه يكتسب به المهر ويسقط به نفقتها عنه وهؤلاء الاربعة يملكون الاكتساب أما المكاتب فهو منفك الحجر عنه في اكتساب المال وأما الاب والوصى فمنهما أمرا بالنظر للصغير وعقد اكتساب المال من النظر وأما المفاوض فان المتفاوضين انما عقدا المفاوضة لاكتساب المال ولا يملك هؤلاء تزويج العبد لانه ليس فيه

[ 122 ] اكتساب المال بل فيه تعييب العبد وشغل ذمته بالمهر والنفقة من غير منفعة لهم في ذلك (قال) ولو زوج الاب أو الوصي أمة الصبي من عبده لا يجوز ذلك أيضا نص عليه في المأذون وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه يجوز لانه لا ضرر فيه على الصبي فان المهر لا يجب بهذا العقد ونفقتهما عليه بعد النكاح كما كانا قبله وفيه منفعة للصبي من حيث النسل فيجوز ذلك من الاب والوصي كانزاء الفحل من مال الصبي على ؟ أبانه ؟ ووجه ظاهر الرواية أن في هذا تعييبا لهما لان النكاح عيب في العبيد والاماء جميعا ومنفعة النسل موهومة والمنفعة الموهومة لا تكون جائزة للضرر المتحقق فلهذا لا يصح هذا العقد منهما وأما العبد المأذون أو المضارب أو الشريك شركة عنان إذا زوج واحد منهما الامة لم يجز ذلك في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفي قول أبي يوسف رحمه الله تعالى يجوز لانه عقد اكتساب المال وهؤلاء يملكون ذلك ولان المستوفي بالوطئ في الحقيقة منفعة ولهذا سمى الله تعالى المهر أجرا وهؤلاء يملكون الاجارة فكذلك يملكون التزويج وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا المأذون انما كان منفك الحجر عنه في التجارة والتزويج ليس من جملة التجاره فان التجار لا يعتادون اكتساب المال بتزويج الاماء والدليل عليه أن المرأة لو زوجت نفسها من رجل بعبد ونوت التجارة عند العقد لا يصير العبد به للتجارة ولو كان النكاح من التجارة لصار العبد به للتجارة فان نية التجارة متى اقترنت بعمل التجارة يصير للتجارة وإذا لم يكن النكاح من التجارة فلا يملكه هؤلاء كالكتابة وبه فارق الاربعة التي تقدمت فان أولئك يملكون الكتابة فعرفنا أن تصرفهم غير مقصور على التجارة وهؤلاء الثلاثة لا يملكون الكتابة فعرفنا أن تصرفهم مقصور على التجارة ولا شك أن هؤلاء الثلاثة لا يزوجون العبد لان تزويج العبد ليس من الاكتساب ولا من التجاره (قال) وإذا تزوج الحر أمة ابنه جاز النكاح عندنا ولا يجوز عند الشافعي رحمه الله تعالى وقيل هذا بناء على الاصل الذي تقدم أن عنده لا يجوز للحر نكاح الامة الا عند عدم طول الحرة وعلى الابن أن يعف أباه فيستغنى به عن نكاح الامة ولكن هذا ليس بصحيح فانه لو تزوج أمة غيره صح النكاح إذا لم يكن في ملكه ما يتزوج به الحرة والاصح أن هذه مسألة مبتدأة فوجه قوله ان للاب حق الملك في مال ولده حتى لو وطئ جارية ابنه مع علمه بحرمتها لا يلزمه الحد فلا يجوز له أن يتزوجها كالمولى إذا تزوج أمة من كسب مكاتبه بل أولى لان حق الملك في مال ولده أظهر ألا ترى أن استيلاده في جارية الابن صحيح واستيلاد

[ 123 ] المولى أمة مكاتبه لا يصح توضيحه أن الولد كسبه قال ان أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وان ولده من كسبه فجارية الابن كسب كسبه فلا يملك التزويج كأمة عبده ولكنا نقول ليس له في جارية ولده ملك ولا حق ملك فيجوز له ان يتزوجها كأمة أبيه وأخيه وانما قلنا ذلك لانه يحل للابن ان يطأ جاريته بالاتفاق ولو كان لابيه فيها حق الملك لم يحل له وطئها كالمكاتب فانه لا يحل له ان يطأ أمته لما كان للمولى فيها حق الملك فاما سقوط الحد فليس لقيام حق الملك له في الجارية ولكن لظاهر الاضافة في قوله أنت ومالك لابيك وهذا الظاهر وان كان لم يكن معمولا به في ايجاب ملك أو حق ملك له فيها يصير شبهة في اسقاط الحد كالبيع بشرط الخيار لا يوجب الملك ولا حق الملك للمشترى ثم يسقط الحد به وكذلك العقد الفاسد من نكاح أو بيع قبل القبض والولد وان كان كسبا له فهو كسب حر فلا يثبت له حق الملك في كسبه بمنزلة مال المعتق لا حق للمعتق فيه وان كان المعتق كسبا له لانه كسب حر فاما صحة الاستيلاد ليس باعتبار حق الملك له فيها بل بولاية التملك عند الحاجة وتقرر حاجته إلى صيانة مائة كيلا يضيع نسله فان تزوجها فولدت له ولدا كان الولد حرا لان الولد يتبع الام في الملك فمولى الجارية هنا ملك أخاه فيعتق عليه بالقرابة ولا تصير الجارية أم ولد له عندنا وعند زفر رحمه الله تعالى تصير أم ولد له وكذا إذا استولدها بنكاح فاسد أو وطئ بشبهة عندنا لا تصير أم ولد له خلافا فالزفر دحمه الله تعالى وحجته انه لو استولدها بفجور صارت أم ولد له فإذا استولدها بنكاح أو بشبهة نكاح أولى ان تصير أم ولد له ولكنا نقول إذا استولدها بغير شبهة فهناك يصير متملكا لحاجته إلى ذلك كيلا يضيع ماؤه فان اثبات النسب غير ممكن بدون التملك لانه ليس له فيها ملك ولا حق ملك فإذا تملكا سابقا على الاستيلاد كان الاستيلاد في ملك نفسه فلهذا صارت أم ولد له وهنا غير محتاج إلى تملكها لاثبات النسب بل النكاح أو شبهة النكاح يكفى لذلك فلم يصر متملكا لها فلهذا لا تصير أم ولد له (قال) ولو كان الابن هو الذى تزوج أمة ابيه بتزويج الاب اياها منه جاز النكاح فإذا ولدت فالولد حر لان الاب ملك الابن امته ولا تصير الجارية أم ولد له لانه لا ملك له فيها وان كان الابن وطئها بغير نكاح أو شبهة نكاح لم يثبت نسبه منه وان ادعاه لانه ليس له حق التملك في جارية أبيه ولكن لا حد عليه ان قال ظننت انها تحل لى وان قال علمت انها على حرام فعليه الحد لان

[ 124 ] عند الظن اشتبه عليه ما يشتبه فيسقط الحد به وعند العلم بالحرمة لا شبهة له في المحل حقيقة ولا صورة ولم يشتبه عليه أمرها فلزمه الحد وان صدقه الاب في انه وطئها وان الولد منه عتق الولد باقراره لانه إذا ملك ابنه من الزنا عتق عليه فكذلك إذا ملك ابن ابنه من الزنا ولكن لا يثبت النسب لما بينا بخلاف الاب إذا كان هو الذي استولد جارية ابنه فانه لا حاجة إلى تصديق الولد لان الاب له ولاية تملك جارية الابن فانما يكون مستولدا لها في ملك نفسه ولهذا ضمن قيمتها لابنه وليس للابن هذه الولاية في جارية أبيه فلهذا لا يعتق الولد الا إذا صدقه الاب فيه (قال) ولا يتزوج العبد أكثر من اثنتين وقال مالك رحمه الله تعالى له أن يتزوج أربعا لان الرق لا يؤثر في مالكية النكاح حتى لا يخرج من أن يكون أهلا لملك النكاح وما لا يؤثر فيه الرق فالعبد والحر فيه سواء كملك الطلاق وملك الدم في الاقرار بالعقود ومذهبنا مروى عن عمر رضى الله عنه قال لا يتزوج العبد أكثر من اثنتين ولان الرق مؤثر في تنصيف ما كان متعددا في نفسه كالجلدات في الحدود وعدد الطلاق واقراء العدة وهذا لان ملك النكاح مبنى على الحل الذي يصير به أهلا للنكاح وذلك الحل يتسع بزيادة الفضيلة ويتضيق بنقصان الحال ألا ترى أن رسول الله كان كان مخصوصا باباحة تسع نسوة لفضيلة النبوة التي اختص بها فكان الحل في حقه متسعا لتسع نسوة ولا يجوز لاحد غيره أكثر من أربع نسوة فكذلك يتسع الحل لفضيلة الحرية فيتزوج الحر أربعا ولا يتزوج العبد الا اثنتين يوضحه أن الرق ينصف الحل ألا ترى أن في جانب الامة يتنصف حلها بالرق حتى ان ما ينبنى على الحل وهو القسم يكون حالها فيه على النصف من حال الحرة وكذلك ما يجب على المستوفى لهذا الحل بغير طريقه وهو الحل يتنصف بالرق حتى يجب على العبد بالزنا خمسون جلدة وعلى الحر مائة جلدة وإذا ثبت أن الحل يتنصف بالرق وعليه ينبنى عدد المنكوحات فقلنا حال العبد فيه على النصف من حال الحر فيتزوج ثنتان الحرتان والامتان في ذلك سواء والشافعي رحمه الله تعالى هنا لا يخالفنا لان في حق العبد نكاح الامة أصل وليس ببدل إذ ليس فيه تعريض شئ للرق فانه رقيق بجميع أجزائه فلهذا جوز له نكاح الامتين وعلى هذا الاصل يقول الشافعي رضى الله تعالى عنه للعبد أن يتزوج أمة على حرة ولكنا نقول لا يجوز لان الامة ليست من المحللات مضمومة إلى الحرة في حق الحر فكذلك في حق العبد والمدبر والمكاتب وابن أم الولد في هذا كالعبد

[ 125 ] لان الرق المنصف للحل فيهم قائم (قال) ولا يجوز للعبد أن يتزوج بغير اذن مولاه عندنا وعلى قول مالك رحمه الله تعالى يجوز لان الرق لم يؤثر في مالكية النكاح فيستبد العبد به كالطلاق وأصحابنا رحمهم اله تعالى استدلوا بظاهر قوله تعالى ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ والنكاح شئ فلا يملكه العبد بنفسه ومذهبنا مروى عن عمر رضى الله تعالى عنه قال ايما عبد تزوج بغير اذن مولاه فهو عاهر والمعنى فيه ان في النكاح تعييبه وفيه شغل ماليته بالمهر والنفقة وماليته ملك مولاه فلا يملك شغل ذلك بتصرفه بغير اذن المولى يوضحه أنه لو باع رقبته أو رهنه بمال لم يجز وان كان منفعة ذلك ترجع إلى المولى فإذا تزوج ولا منفعة في عقده للمولى أولى أن لا يجوز وكذلك المدبر وابن أم الولد والمكاتب لا يتزوج أحد من هؤلاء بغير اذن المولى لان الرق الموجب للحجر فيهم فان اذن المولى لهم في ذلك جاز العقد فان المولى لو باشر تزويجهم جاز فكذلك إذا أذن لهم فيه الا أن في المكاتب يحتاج إلى رضاه إذا باشره المولى فان أذن له المولى فباشره المكاتب يجوز أيضا وهذا بخلاف تزويج الامة فان المكاتب يزوج أمته بغير رضا المولى لان أمته غير مملوكة للمولى وتزويجها من عقود الاكتساب فيملكه المكاتب فاما تزويجه لنفسه ليس من عقود الاكتساب ورقبته مملوكة للمولى وعلى هذا لو أن المكاتبة زوجت أمتها جاز ذلك ولو تزوجت بنفسها لم يجز الا باذن المولى لقيام ملك المولى في رقبتها (قال) ولو تزوج العبد بغير اذن مولاه فأجازه جاز لان الاجازة في الانتهاء كادنه في الابتداء فان طلقها العبد ثلاثا بعد اجازة لمولى طلقت ثلاثا ولم يجز للعبد أن يتزوج حتى تنكح زوجا غيره لان النكاح لما صح كان العبد في ايقاع الطلاق عليها كالحر ولو طلقها ثلاثا قبل اجازة المولى النكاح لم يقع النكاح ولكن يكون هذا متاركة للنكاح لان وقوع الطلاق يختص بنكاح صحيح ونكاحه بغير اذن المولى لم يكن صحيحا فلا يقع الطلاق ولكن ايقاع الطلاق يؤثر في ازالة الحل عن المحل وايقاع الفرقة إذا كان صحيحا فإذا لم يكن النكاح نكاحا صحيحا فلا يؤثر في هذين الحكمين ولكن يؤثر في رفع الشبهة حتى لو وطئها قبل الطلاق لا يلزمه الحد ولو وطئها بعد الطلاق يلزمه الحد وان لم يجز المولى ذلك العقد ولكن أذن له أن يتزوجها ابتداء فلا بأس بأن يتزوجها لان حرمة المحل بوقوع التطليقات على المحل ولم يقع هنا فلا بأس بأن يتزوجها كالصبى والمجنون إذا طلق أمراته ثلاثا لا يثبت به حرمة المحل ولان النكاح لما لم يصح كان

[ 126 ] هذا طلاقا قبل النكاح وقال عليه الصلاة والسلام لا طلاق قبل النكاح ولو أجاز المولى ذلك النكاح فاجازته باطلة لان الاجازة انما تعمل في حال توقف العقد وقد ارتفع العقد بما أوقعه العبد لانه يستبد بالطلاق لو أوقعه في نكاح صحيح ارتفع النكاح فإذا أوقعه في العقد الموقوف أولى أن يرتفع العقد به فان أذن له أن يتزوجها بعد هذا كرهت له أن يتزوجها ولو فعل لم يفرق بينهما في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وفي قول أبي يوسف رحمه الله تعالى لا يكره ذلك وجه قوله ظاهر فان الطلاق غير واقع على المحل وحرمة المحل باعتبار وقوع الطلاق ولان اجازة المولى للعقد باطل فوجوده كعدمه ولو لم يجز العقد كان له أن يتزوجها باذنه فكذلك بعد اجازته وجه قولهما ان الطلاق تصرف ينبني على النكاح واجازة العقود يتضمن اجازة ما ينبني عليه فاعتبار هذا المعني يوجب نفوذ الطلاق وحرمة المحل فجعلناه معتبرا في الكراهة وان لم يكن معتبرا في حقيقة حرمة المحل ولكن هذا على أصل محمد رحمه الله تعالى غير صحيح فان عنده المشترى من الغاصب إذا أعتق ثم أجاز المولى لا ينفذ عتقه وعلى أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى انما يصح هذا ان لو كان الطلاق يتوقف على أجازة المولى وقد بينا ان طلاق العبد لا يتوقف على اجازة المولى لكن الوجه فيه أن نقول الاجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء والاذن في الابتداء لو كان موجودا نثبت به حرمة المحل حقيقة فكذك بوجود صورة الاجازة في الانتهاء تثبت الكراهة توضيحه أن العبد أهل للنكاح في حق نفسه ولهذا لو أعتق قبل اجازة المولى نفذ نكاحه فاعتبار هذا الجانب يوجب نفوذ طلاقه واعتبار جانب حق المولى يمنع نفوذ طلاقه فلتعارض الادلة قلنا لا تثبت الحرمة حقيقة ولكن تثبت صفة الكراهة احتياطا لانه ان ترك نكاح امرأة تحل له كان خيرا له من أن يتزوج امرأة لا تحل له (قال) وإذا تزوج العبد حرة بغير اذن مولاها ثم أعتقه المولى جاز النكاح لانه مخاطب له قول ملزم وانما امتنع نفوذ نكاحه لحق مولاه فإذا أسقط المولى حقه بالعتق فينفذ النكاح لزوال المانع وكذلك لو باعه فاجاز المشترى لان المشترى قام مقام البائع في ملكه رقبته فكذلك في إجازة عقده وهذا لانه ما طرأ بالبيع حل نافذ على الحل الموقوف فان العبد لا يحل للمشتري فلهذا كانت اجازته كاجازة البائع وعند زفر رحمه الله تعالى لا ينفذ باجازة المشترى وقد بينا هذا وكذلك لو أجاز وارثه بعد موته (قال) ولو أذن لعبده في النكاح لم يملك ان يتزوج الا امرأة واحدة عندنا وعند الشافعي رحمه الله

[ 127 ] تعالى له أن يتزوج اثنين وهذا بناء على الاصل الذى تقدم بيانه ان النكاح مملوك للمولى على عبده عندنا حتى يزوجه غير رضاه فيكون العبد فيه نائبا عن مولاه فهو كالحر بأمر غيره ان يزوجه فلا يزوجه بمطلق الوكالة الا امرأة واحدة وعندهما النكاح غير مملوك للمولى على عبده ولكن العبد هو المالك له الا انه لا ينفذ منه بدون اذن المولى لان ضرره يتعدى إلى حق المولى فإذا أذن المولى له في ذلك فقد رضى بالتزام هذا الضرر وأسقط حق نفسه فكان للعبد أن يتزوج اثنين ولو تزوج امرأتين في عقدة لا يجوز نكاح واحدة منهما الا في قول أبى يوسف رحمه اله تعالى الاول فانه يقول يجوز نكاح إحداهما والبيان فيه إلى العبد بمنزلة من وكل وكيلا ان يزوجه امرأة فزوجه امرأتين عنده يصح نكاح إحداهما والخيار إلى الزوج وقد تقدم بيان هذه المسألة فان قال المولى عنيت نكاح امرأتين جاز نكاحهما لانه لو أجاز نكاح امرأتين جاز فكذلك إذا قال نويت ذلك عند الاذن لان المنوي من محتملات لفظه وهو غير متهم في هذا البيان (قال) وإذا أذن له ان يتزوج واحدة فتزوجها نكاحا فاسدا ودخل بها أخذ بالمهر في حالة الرق في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يؤخذ به حتى يعتق وأصل المسألة ان عندهما اذن المولى لعبده في النكاح ينصرف إلى العقد الصحيح دون الفاسد لان مقصوده تحصيل العفة به للعبد وذلك انما يحصل بالعقد الصحيح دون الفاسد واستدلالا بما لو حلف أن لا يتزوج ينصرف يمينه إلى العقد الصحيح دون الفاسد فعرفنا به ان الفاسد ليس بنكاح فلا يتناوله اذن المولى وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الفساد والصحة صفة العقد والاذن من المولى في أصل العقد فلا يتقيد بصفة دون صفة كالاذن في البيع والشراء للوكيل أو للعبد يتناول الفاسد والصحيح جميعا وهذا لان بعض المقاصد يثبت بالعقد الفاسد نحو النسب والمهر والعدة عند الدخول وهذا لو حلف أنه ما تزوج في الماضي وقد كان تزوج فاسدا أو صحيحا كان ؟ حانثا ؟ في يمينه وفى المستقبل انما حملناه على العقد الصحيح لدلالة العرف فان الايمان تنبني على العرف فأما هنا اعتبار اذن المولى لدفع الضرر عنه وذلك يعم العقد الصحيح والفاسد إذا عرفنا هذا فنقول عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى إذا دخل بها بالنكاح الفاسد فقد لزمه المهر بسبب كان مأذونا فيه من جهة المولى فيؤاخذ به في الحال وعندهما اذن المولى لا يتناول العقد الفاسد فانما لزمه المهر بسبب غير مأذون فيه من جهة المولى فيتأخر إلى ما بعد العتق

[ 128 ] وعلى هدا لو تزوجها نكاحا صحيحا بعد هذا يجوز عندهما لان حكم اذن المولى ما انتهى بالعقد الفاسد فيكون مباشرا العقد الثاني باذنه وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا يصح العقد الثاني لان حكم اذن المولى انتهى بالعقد الاول فيحتاج في العقد الثاني إلى اذن جديد (قال) وإذا تزوج العبد بغير اذن مولاه ودخل بها ثم أجاز المولى ذلك النكاح فعليه مهر واحد وهو الذى سماه لها استحسانا لان الاجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء وفي القياس عليه مهران مهر المثل بالدخول والمسمي بنفوذ العقد بالاجازة وقد بينا نظير هذا في جانب الامة فهو كذلك في العبد وعلى هذا لو أعتقه المولى حتى نفذ العقد بعد عتقه (قال) وإذا تزوج المكاتب بغير اذن السيد أو العبد أو المدبر ودخل بها ثم فرق بينهما السيد فلا مهر عليه حتى يعتق لان النكاح في حق المكاتب ليس من عقود التجارة ولا من اكتساب المال والمهر عند الدخول انما يجب بسبب ذلك العقد فإذا لم يكن عقد الكتابة متنا ولا لذلك العقد يتأخر المال الواجب بسببه إلى ما بعد العتق وهذا بخلاف جناية المكاتب فان موجبه في كسبه يثبت في الحال لان وجوب ذلك باعتبار الفعل والرق لا يؤثر في الحجر عن الافعال وأما وجوب المهر هنا باعتبار العقد لان الدخول بدون العقد غير موجب للمهر ولانها راضية بهذا الدخول فلهذا يتأخر الواجب إلى ما بعد العتق بمنزلة المال الواجب عليه بسبب الكفالة (قال) وإذا زوج الرجل عبده أمته بشهود فهو جائز ولا مهر لها عليه لان المهر لو وجب كان للمولى وانما يجب في مالية العبد وماليته مملوكة للمولى فلا فائدة في وجوبه أصلا وقد بينا ان على طريق بعض أصحابنا يجب ابتداء لحق الشرع ثم يسقط لقيام ملك المولى في رقبة الزوج فان كان العبد نصرانيا أذن له مولاه في التزوج فأقامت عليه امرأة نصرانية شاهدين من النصارى انه تزوجها وهو جاحد أجزت ذلك عليه لان الخصم هو العبد الا ترى انه لو أقر بهذا النكاح ثبت باقراره فكذلك يثبت بشهادة النصارى عليه لانه نصراني الا ترى انهم لو شهدوا عليه ببيع أو شراء وهو مأذون له في التجارة كانت الشهادة مقبولة فكذلك بالنكاح فان قيل النكاح مملوك للمولى على العبد فهذه الشهادة انما تقوم على المولى وهو مسلم قلنا أصل العقد مملوك للمولى عليه ولكن حكمه وهو ملك الحل يثبت للعبد والشهود انما يشهدون لها بذلك على العبد فلهذا اعتبرنا فيه دين العبد وقلنا لو كان المولى كافرا والعبد مسلما لم تجز شهادتهما لانها تقوم على العبد وهو مسلم وشهادة الكافر ليس بحجة على المسلم (قال)

[ 129 ] ولا يحل للعبد ان يتسرى وان أذن له مولاه عندنا وعلى قول مالك رحمه الله تعالى يحل لان ملك المتعة يثبت بطريقين اما عقد النكاح أو التسرى فإذا كان العبد أهلا لملك المتعة بأحد الطريقين وهو النكاح فكذلك بالطريق الآخر بل أولى لان ملك المتعة الذي يثبت بالنكاح أقوى مما يثبت بملك اليمين وحجتنا في ذلك قوله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم وهذه ليست بزوجة له ولا مملوكة له وعن ابن عمر رضى الله عنه قال لا يحل فرج مملوكة الا لمن إذا أعتق أو وهب جاز والعبد لا يجوز عتقه ولا هبته فلا يحل الفرج له بملك اليمين وهذا لان العبد مملوك مالا فلا يجوز ان يكون مالكا للمال لما بين المالكية والمملوكية من المنافاة وملك المتعة لا يثبت الا بثبوت سببه فإذا كان سببه وهو ملك الرقبة لا يثبت في حق العبد فكذلك حكمه بخلاف النكاح ولان العبد ليس باهل لملك المال قبل اذن المولى ولا تأثير للاذن في جعل من ليس بأهل أهلا وانما تأثير اذن المولى في اسقاط حقه عند قيام أهلية العبد فكان ينبغي ان لا يجعل العبد أهلا لملك المتعة أصلا لان بين المالكية والمملوكية منافاة ولكن الشرع جعله أهلا لملك المتعة بسبب النكاح لضرورة حاجته إلى قضاء الشهوة وابقاء النسل وهذه الضرورة ترتفع بثبوت الحل له بالنكاح فلا حاجة هنا إلى ان نجعله أهلا لملك المتعة بسبب ملك الرقبة وكذلك المدبر والمكاتب والمستسعي في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى كالمكاتب (قال) ولو ان عبدا بين رجلين زوجه أحدهما بغير اذن الآخر لم يجز لما بينا ان ولاية النكاح انما تستفاد بملك رقبة العبد وكل واحد منهما غير مالك لما يسمى عبدا (قال) ولا يحل للعبد ان يتزوج مولاته ولا امرأة لها في رقبته شقص عندنا وعلى قول نفاة القياس رضى اله عنهم يجوز وكذلك الحر إذا تزوج أمته أو أمة له فيها شقص فهو على هذا الخلاف واستدلوا بظاهر قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء وبقوله فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات وحجتنا في ذلك قوله تعالى وانكحوا الايامى منكم الآية فانما خاطب الله تعالى الموالى بانكاح الاماء لا بنكاحهن ولان العبد إذا تزوج بمولاته فهى تستوجب عليه النفقة بالنكاح وهو يستوجب عليها النفقة بملك اليمين فيتقاصان ويموتان جوعا وفي هذا من الفساد مالا يخفي والحر إذا تزوج أمته فهذا العقد غير مفيد لان موجب النكاح ملك الحل ومحل الحل ثابت له تبعا لملك الرقبة ولان النكاح انما شرع في الاصل لضرورة الحاجة إليه وعند ملكه رقبتها لا حاجة فلم يكن

[ 130 ] مشروعا أصلا ثم قيام الملك في شقص منها ينزل منزلة قيام الملك في جميعها في حرمة النكاح احتياطا وان كان لا ينزل منزلة ذلك في حل الوطئ وعلى هذا لو تزوج مكاتبته فالنكاح باطل لقيام الملك له في رقبتها وان كان هو ممنوعا من وطئها بسبب الكتابة فان وطئها كان لها المهر بمنزلة ما لو وطئها قبل النكاح وهذا لان الحد يسقط للشبهة فيجب المهر وهي بعقد الكتابة صارت أحق بنفسها ومكاسبها والمستوفي بالوطئ في حكم جزء من عينها ولو قطع المولى يدها كان الارش لها فكذلك إذا وطئها ألا ترى أن الواطئ لو كان غير المولى كان المهر لها فان عتقت بعد هذا النكاح لم يجز ذلك النكاح لانه تعين فيه جهة البطلان لملكه رقبتها فلا ينقلب صحيحا وان زال الملك وكذلك ان تزوج المكاتب مولاته ودخل بها فعليه المهر لسقوط الحد بشبهة النكاح ولا يجوز النكاح وان عتق لما قلنا وان تزوج المكاتب أو العبد بنت مولاه باذنه جاز النكاح لانه لا ملك لها في رقبته ولا حق ملك مادام الاب حيا فان مات المولى فسد نكاح العبد لانها ملكت رقبة زوجها ارثا وملكها رقبة الزوج لو اقترن بالنكاح منع صحة النكاح فإذا طرأ على النكاح يرفع النكاح أيضا لان المنافى يؤثر سواء كان طارئا أو مقارنا فأما نكاح المكاتب لا يفسد بموت المولى عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يفسد وهو بناء على أن رقبة المكاتب لا تورث عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى تورث وأصل المسألة ان المشغول بحاجة المورث لا يملكه الوارث عندنا كالتركة المستغرقة بالدين والمكاتب أيضا مشغول بحاجته وعند الشافعي رحمه الله تعالى كل ما كان مملوكا للمورث فإذا لم يخرج بموته من أن يكون مملوكا للمورث يصير مملوكا لوارثه وحجته على سبيل الابتداء في هذه المسألة انها لو تزوجت به ابتداء بعد موت المولى لا يصح النكاح فكذا لا يبقى النكاح كما في العبد وتقريره أن الوارث خلافة ورقبة المكاتب كانت مملوكة للمولى فيخلفه وارثه فيه بعد الموت ألا ترى أنه لو عجز كان مملوكا للوارث وعجزه ليس بموجب ملك الرقبة للوارث ابتداء فعرفنا أنه كان مالكا قبل ذلك وحجتنا في ذلك أن المكاتب لا يملك بسائر أسباب الملك فكذلك لا يملك بالارث كالمدبر والدليل عليه انه لو أدى بدل الكتابة كان ولاؤه للمولى وانما يثبت الولاء لمن يعتق على ملكه فتبين بهدا أنه باق على ملك المولى لحاجته إلى ذلك واستحقاقه ولاءه بعقد الكتابة ولهذا يملك بعد العجز لان المانع حق المولى وقد زال فيكون ذلك السبب عاملا في ايجاب الملك بعد زوال المانع وأما إذا تزوجت

[ 131 ] به ابتداء بعد موت المولي انما لا يجوز لانه ثبت لها حق أن تتملك رقبته عند زوال المانع وحق الملك يمنع ابتداء النكاح ولا يمنع بقاءه ولهذا لو اشترى المكاتب امرأة مولاه لا يفسد النكاح ولو تزوج أمة مكاتبه لا يجوز وكذلك لو اشترى المكاتب امرأة نفسه لا يفسد النكاح ولو تزوجها ابتداء لم يصح وكذلك لو كفل رجل عن المكاتب بمال لابن مولاه فهو جائز فان مات أبوه كانت الكفالة على حالها ولو كفل له بمال مستقبل عنه بعد موت أبيه لم يجزو من غير هذا الباب العدة تمنع ابتداء النكاح ولا تمنع البقاء والاباق يمنع ابتداء البيع ولا يمنع البقاء فالقياس في هذا كثير وإذا ثبت بقاء النكاح قلنا ان أعتق المكتب فهى امرأته لانه بالعتق ازداد بعدا عنها وان عجز ورد في الرق بطل النكاح ولا مهر لها ان لم يكن دخل بها لان بطلان النكاح يقرر المنافى وذلك إذا وجد قبل الدخول أبطل النكاح من الاصل فلا يوجب شيئا من المهر كالمحرمية وان كان قد دخل بها فلها المهر في رقبته يبطل منه بقدر حصتها لانها ملكت بعض رقبته والمولى لا يستوجب على مملوكه دينا (قال) رجل تزوج أمة رجل ثم اشترى بعضها قبل ان يدخل بها أو ملكها بوجه من الوجوه فسد النكاح لتقرر المنافى وهو ملكه جزء من رقبتها ولا مهر عليه ان لم يكن دخل بها وان كان قد دخل بها فعليه المهر لمولاها وقد انتقض النكاح لملكه جزء من رقبتها وان أتى العبد المرأة الحرة فاخبرها انه حر فتزوجها على ذلك ثم علمت انه عبد قد أذن له مولاه في التزوج فهى بالخيار ان شاءت أقامت معه وان شاءت فارقته لانه غرها ولانها ما رضيت ان يستفرشها مملوك ولانه ليس بكف ء لها وقد بينا انه إذا كتم نسبه ثم ظهر ان نسبه المكتوم دون ما أظهره يكون لها الخيار فإذا أظهر الحرية وتبين الرق لان يثبت لها الخيار كان أولى فان اختارت الفرقة لا تكون هذه الفرقة الا عند القاضى بمنزلة الرد بالعيب والفسخ بعدم الكفاءة لا يثبت الا بقضاء القاضى ولا مهر لها عليه ان لم يكن دخل بها لانه فسخ لاصل النكاح بينهما (قال) عبد تزوج امرأة باذن مولاه ولم يخبرها انه حر أو عبد ثم علمت انه عبد فان كان أولياء المرأة زوجوها منه برضاها فلا خيار لهم ولا لها لان مباشرة الاولياء العقد يكون مسقطا حقهم في طلب الكفاءة والزوج ما شرط لها من نفسه شيئا فات عليها ذلك انما ظنت انه حر وظنها لا يلزم الزوج شيئا فلهذا لا خيار لها وان كانت فعلته بدون الاولياء فلهم ان يفرقوا بينهما لانه غير كف ء والمرأة إذا زوجت نفسها من غير كف ء فللاولياء

[ 132 ] حق الاعتراض دفعا للعار عن أنفسهم والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب الرضاع) * (قال) بلغنا عن رسول الله انه قال يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وذكر عروة عن عائشة رضي الله عنهما هذا الحديث قال يحرم بالرضاع ما يحرم بالولادة وفيه دليل على ان الرضاع من أسباب التحريم وانه بمنزلة النسب في ثبوت الحرمة لان ثبوت الحرمة بالنسب لحقيقة البعضية أو شبهة البعضية وفي الرضاع شبهة البعضية بما يحصل باللبن الذى هو جزء الآدمية في انبات اللحم وانشاز العظم واليه أشار رسول الله فقال الرضاع ما أنبت اللحم وانشز العظم وفيه دليل على أن الحرمة بالرضاع كما تثبت من جانب الامهات تثبت من جانب الآباء وهو الزوج الذى نزل لبنها بوطئه فان رسول الله شبهه بالنسب في التحريم والحرمة بالنسب تثبت من الجانبين فكذلك بالرضاع بخلاف ما يقوله بعض العلماء رحمهم الله تعالى ان لبن الفحل لا يحرم وهو أحد قولى الشافعي رحمه الله تعالى احتجوا بان الله تعالى ذكر حرمة الرضاع في جانب النساء فقال وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة فلو كانت الحرمة تثبت من جانب الرجال لبينها الله تعالى كما بين الحرمة بالنسب ولان الحرمة في حق الرجل لا تثبت بحقيقة فعل الارضاع فانه لو نزل اللبن في ثندؤة الرجل فأرضع به صبيا لا تثبت الحرمة فلان لا تثبت في جانبه بارضاع زوجته أولى وحجتنا ذلك حديث عمرة عن عائشة رضى الله عنهما قالت كان رسول الله في بيتى فسمعت صوت رجل يستأذن على حفصة رضى الله عنها فقلت هذا رجل يستأذن في بيتك يارسول الله فقال صلوات الله عليه ما أراه الا فلانا عما لحفصة من الرضاع فقلت لو كان فلان عمى من الرضاع حيا أكان يدخل على فقال نعم الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة وفي حديث آخر عن عائشة رضى الله عنها قالت يارسول الله ان أفلح بن أبى قعيس يدخل على وأنا في ثياب فضل فقال ليلج عليك أفلح فانه عمك من الرضاعة فقلت انما أرضعتني المرأة لا الرجل فقال صلوات الله عليه ليلج عليك فانه عمك والعم من الرضاعة لا يكون الا باعتبار لبن الفحل والمعنى فيه ان سبب هذا اللبن فعل الواطئ فالحرمة التى تنبنى عليه تثبت من الجانبين كالولادة فاما ما قالوا ان الله تعالى بين حرمة

[ 133 ] الرضاع في جانب النساء قلنا من الاحكام ما يثبت بالقرآن ومنها ما يثبت بالسنة فحرمة الرضاع في جانب الرجل مما يثبت بالسنة والمعنى الذى لاجله تثبت الحرمة بسبب الرضاع لا يوجد في ارضاع الرجل فان ما نزل في ئندؤته لا يغذى الصبى فلا يحصل به انبات اللحم فهذا نظير وطئ الميتة في أنه لا يوجب الحرمة (قال) ولا ينبغي للرجل أن يتزوج امرأة ابنه من الرضاعة ولا امرأة أبيه من الرضاعة وكذلك أجداده ونوافله وهو نظير الحرمة الثابتة بالنسب وعلى هذا الاخوات من الرضاعة اما إذا أرضعت امرأة واحدة ثنتان فهما اختان فان كان زوجها واحدا فهما اختان لاب وأم من الرضاعة وان كان زوجها مختلفا عند الارضاعين فهما أختان لام وان كان تحت الرجل امرأتان لكل واحدة لبن منه فأرضعت كل واحدة منهما صبية فهما أختان لاب من الرضاعة لان لبنهما من رجل واحد وعموم قوله تعالى وأخواتكم من الرضاعة يتناول ذلك كله وكذلك بنات الاخ من الرضاع كبنات لاخ من النسب ألا ترى أنه لما عرض على رسول الله زينب بنت أبى سلمة رضى الله تعالى عنها قال لو لم تكن ربيبتي في حجري ما كانت تحل لى أرضعتني وأباها ثويبة فقال علي رضى الله تعالى عنه يارسول الله انك ترغب في قريش وترغب عنا فقال هل فيكم شئ قال نعم ابنة حمزة رضى الله تعالى عنه فقال انها ابنة أخى من الرضاعة (قال) وإذا كان للمرأة لبن وطلقها زوجها وتزوجت آخر فحبلت من الآخر ونزل لها اللبن فاللبن من الاول حتى تلد في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فإذا ولدت فاللبن بعد ذلك يكون من الثاني وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى إذا عرف أن هذا اللبن من الحبل الثاني فهو من الآخر وقد انقطع اللبن الاول وعنه في رواية إذا حبلت من الثاني انقطع حكم لبن الاول وقال محمد رحمه الله تعالى أستحسن أن يكون منهما جميعا حتى تضع من الآخر وجه قوله ان ما كان بها من اللبن فهو من الاول وما ازداد بسبب الحبل فهو من الثاني وباب الحرمة مبنى على الاحتياط فتثبت الحرمة منهما جميعا كما إذا حلب لبن امرأتين في قارورة وأوجر صبيا فإذا وضعت من الثاني فقد انتسخ سبب لبن الاول باعتراض مثله عليه فلهذا كان اللبن من الثاني بعده وأبو يوسف يقول اللبن ينزل تارة بعد الولادة وتارة بعد الحبل قبل الولادة فإذا عرف نزول اللبن من الثاني انتسخ به حكم اللبن من الاول كما ينتسخ بالولادة من الثاني وعلى الرواية الاخرى يقول لما كان الحبل سببا لنزول اللبن وحقيقة نزول اللبن من الثاني باطل فيقام السبب

[ 134 ] الظاهر مقام المعنى الباطن تيسيرا فينتسخ به حكم لبن الاول وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول كون اللبن من الاول ثابت بيقين واللبن يزداد تارة وينقص أخرى باعتبار الغذاء فهذه الزيادة تحتمل أن تكون من قوة الغذاء لا من الحبل الثاني فلا ينتسخ به حكم اللبن من الاول حتى يتعرض مثل ذلك السبب من الثاني وذلك يكون بالولادة (قال) ولا يجتمع حكم الرضاع لرجلين على امرأة واحدة في حالة واحدة لان سببهما لا يجتمع حلالا شرعا فكذلك ما ينبنى على ذلك السبب ولكن ما بقى الاول لا يثبت الثاني وإذا ثبت الثاني انتفى الاول (قال) ولا يجوز له أن يتزوج امرأة أرضعته رضاعا قليلا أو كثيرا عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا تثبت الحرمة الا بخمس رضعات يكتفى الصبى بكل واحدة منها ومن أصحاب الظواهر من اعتبر ثلاث رضعات لايجاب الحرمة واستدل من شرط العدد بقوله لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الاملاجة ولا الاملاجتان. وفي حديث عمرة عن عائشة رضي الله تعالى عنهما قالت كان فيما أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخ بخمس رضعات معلومات يحرمن وكان ذلك مما يتلى بعد رسول الله ولا نسخ بعد ذلك وحجتنا قوله تعالى وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم أثبت الحرمة بفعل الارضاع فاشتراط العدد فيه يكون زيادة على النص ومثله لا يثبت بخبر الواحد. وفي حديث علي رضى الله تعالى عنه أن النبي قال الرضاع قليله وكثيره سواء يعنى في ايجاب الحرمة ولان هذا سبب من أسباب التحريم فلا يشترط فيه العدد كالوطئ أما حديث عائشة رضى الله تعالى عنها فضعيف جدا لانه إذا كان متلوا بعد رسول الله ونسخ التلاوة بعد رسول الله لا يجوز فلماذا لا يتلى الآن وذكر في الحديث فدخل داجن البيت فأكله وهذا يقوى قول الروافض الذين يقولون كثير من القرآن ذهب بعد رسول الله فلم يثبته الصحابة رضي الله تعالى عنهم في المصحف وهو قول باطل بالاجماع ولو ثبت أن هذا كان في وقت من الاوقات فانما كان في الوقت الذى كان ارضاع الكبير مشروعا وعليه يحمل الحديث الثاني فان انبات اللحم وانشاز العظم في حق الكبير لا يحصل بالرضعة الواحدة فكان العدد مشروعا فيه ثم انتسخ بانتساخ حكم ارضاع الكبير على ما نبينه ان شاء الله تعالى (قال) والسعوط والوجور يثبت الحرمة لانه مما يتغذى به الصبى فان السعوط يصل إلى الدماغ فيتقوى به والوجور يصل إلى الجوف

[ 135 ] فيحصل به انبات اللحم وانشاز العظم فاما الاقطار في الاذن لا يوجب الحرمة لان الظاهر انه لا يصل إلى الدماغ لضيق ذلك الثقب وكذلك الاقطار في الاحليل فان أكثر ما فيه انه يصل إلى المثانة فلا يتغذى به الصبى عادة وكذلك الحقنة في ظاهر الرواية الا في رواية عن محمد رحمه الله تعالى قال إذا احتقن صبى بلبن امرأة تثبت به الحرمة لان ذلك يصل إلى الجوف الا ترى انه يفسد به الصوم ولكنا نقول ليس الموجب للحرمة عين الوصول إلى الجوف بل حصول معني الغذاء ليثبت به شبهة البعضية وذلك انما يحصل من الاعالى لا من الاسافل ثم بين من يحرم بسبب الرضاعة والحاصل فيه ما بينا انه بمنزلة النسب فكما ان الحرمة الثابتة بالنسب في حق الامهات والبنات تتعدى إلى الجدات والنوافل والعمات والخالات فكذلك بسبب الرضاع (قال) ولا رضاع بعد الفصال بلغنا ذلك عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما وهكذا رواه جابر رضى الله عنه عن النبي قال لا رضاع بعد الفصال ولا يتم بعد الحلم ولا صمت يوم إلى الليل ولا وصال في صيام ولا طلاق قبل النكاح ولا عتق قبل الملك ولا وفاء في نذر في معصية ولا يمين في قطيعة رحم ولا تغرب بعد الهجرة ولا هجرة بعد الفتح والكلام هنا في فصول أحدها ان الحرمة لا تثبت بارضاع الكبير عندنا وعلى قول بعض الناس تثبت الحرمة لحديث سهلة امرأة أبى حذيفة رضى الله عنهما فانها جاءت إلى رسول الله بعدما انتسخ حكم التبني بقوله تعالى ادعوهم لآبائهم فقالت يا رسول الله ان أبا حذيفة تبنى سالما فكنا نعده ولدا له وان لنا بيتا واحدا فماذا ترى في شأنه وفي رواية وانه يدخل علي وأنا أرى الكراهة في وجه أبى حذيفة رضى الله عنه فقال ارضعي سالما خمسا تحرمين بها عليه وبهذا الحديث أخذت عائشة رضى الله عنها حتى كان إذا أراد ان يدخل عليها أحد من الرجال أمرت اختها أم كلثوم رضى الله عنها أو بعض بنات أختها ان ترضعه خمسا ثم كان يدخل عليها الا أن غيرها من نساء رسول الله كن يأبين ذلك ويقلن لا نرى هذا من رسول الله الا رخصة لسهلة خاصة ثم هذا الحكم انتسخ بقوله الرضاع ما أثبت اللحم وانشز العظم وذلك في الكبير لا يحصل وقال الرضاعة من المجاعة يعنى ما يرد الجوع وذلك بارضاع الكبير لا يحصل وفي حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال الرضاع ما فتق الامعاء وكان قبل الطعام والصحابة رضى الله

[ 136 ] عنهم اتفقوا على هذا فقد ذكر في الكتاب عن علي وابن مسعود رضى الله عنهم قالا لا رضاع بعد الفصال وروى ان اعرابيا ولدت امرأته ومات الولد فانتفخ ثديها من اللبن فجعل يمصه ويمج فدخل بعض اللبن في حلقه فجاء إلى أبى موسى الاشعري رضى الله عنه وسأله عن ذلك فقال حرمت عليك فجاء إلى ابن مسعود رضي الله عنه وسأله عن ذلك فقال هي حلال لك فاخبره بفتوى أبى موسى فقام معه إلى أبى موسى ثم أخذ بأذنه وهو يقول أرضيع فيكم هذا للحيانى فقال أبو موسى رضى الله عنه لا تسألونى عن شئ ما دام هذا الحبر بين أظهركم وجاء رجل إلى عمر رضى الله عنه فقال ان لى جارية فارضعتها امرأتي فدخلت البيت فقالت خذها دونك فقد والله أرضعتها فقال عمر رضى الله عنه عزمت عليك ان تأتى امرأتك فتضربها ثم تأتى جاريتك فتطأها وروى نحو هذا عن ابن عمر رضى الله عنهما فثبت بهذه الآثار انتساخ حكم إرضاع الكبير ثم اختلف العلماء في المدة التى تثبت فيها حرمة الرضاع فقدر أبو حنيفة رحمه الله تعالى بثلاثين شهرا وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قدرا ذلك بحولين وزفر قدر ذلك بثلاث سنين فإذا وجد الارضاع في هذه المدة تثبت الحرمة والا فلا واستدلا بظاهر قوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ولا زيادة بعد التمام والكمال وقال الله تعالى وفصاله في عاملين ولا رضاع بعد الفصال ولان الظاهر أن الصبى في مدة الحولين يكتفى باللبن وبعد الحولين لا يكتفى به فكان هو بعد الحولين بمنزلة الكبير في حكم الرضاع وأبو حنيفة رحمه الله تعالى استدل بقوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وظاهر هذه الاضافة يقتضى أن يكون جميع المذكور مدة لكل واحد منهما الا أن الدليل قد قام على أن مدة الحبل لا تكون أكثر من سنتين فبقى مدة الفصال على ظاهره وقال الله تعالى فان أراد افصالا عن تراض منهما وتشاور الآية فاعتبر التراضي والتشاور في الفصلين بعد الحولين فذلك دليل على جواز الارضاع بعد الحولين وقال الله تعالى وان أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم قيل بعد الحولين إذا أبت الامهات ولان اللبن كما يغذى الصبى قبل الحولين يغذيه بعده والفطام لا يحصل في ساعة واحدة لكن يفطم درجة فدرجة حتى ينسى اللبن ويتعود الطعام فلابد من زيادة على الحولين بمدة وإذا وجبت الزيادة قدرنا تلك الزيادة بأدنى مدة الحبل وذلك ستة أشهر اعتبارا للانتهاء بالابتداء وبهذا يحتج زفر رحمه الله تعالى

[ 137 ] أيضا الا أنه يقول لما وجب اعتبار بعض الحول وجب اعتبار كله وتقدر مدة الفطام بحول لانه حسن للاختبار والتحول به من حال إلى حال (قال) فان فطم الصبى قبل الحولين ثم أرضع في مدة ثلاثين شهرا عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى أو في مدة الحولين عندهما فالظاهر من مذهبهما وهو قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى انه تثبت به الحرمة لوجود الارضاع في المدة فصار الفطام كان لم يكن وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى قال هذا إذا لم يتعود الصبى الطعام حتى لا يكتفى به بعد هذا الفطام فاما إذا صار بحيث يكتفى بالطعام لا تثبت الحرمة برضاعه بعد ذلك لانه بعد ما صار بحيث يكتفى بالطعام فاللبن بعده لا يغذيه فلا يحصل به معنى البعضية بيانه في حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال وكان قبل الطعام أي قبل ان يكتفى بالطعام (قال) ولا بأس بان يتزوج الرجل أم ابنه التى أرضعته لانه لا بأس بذلك من النسب فكذلك من الرضاعة وكذلك لا بأس بان يتزوج ابنتها وهذا من النسب لا يحل ان يتزوج أخت ابنه لا لاجل النسب ولكن لانها ربيبته لانه وطئ أمها وهذا لا يوجد في الرضاع فلهذا جاز له ان يتزوجها وكذلك يتزوج أخت أخته من الرضاع ومثله من النسب يحل لانه إذا تزوج أخت أخته من النسب يحل ذلك بان كان له أخ لاب وأخت لام فلاخيه لابيه ان يتزوج أخته لامه لانه لا نسب بينهما موجب للحرمة فكذلك في الرضاع وكذلك لا بأس بان يتزوج ابنة عمه من الرضاعة أو ابنة عمته أو ابنة خاله أو ابنة خالته كما لا بأس من النسب وكذلك لا بأس بأن يتزوج التى رضعت أخاه أو ما بدا له من ولدها لانه لا رضاع بينه وبينهم (قال) ولا يجمع الرجل بين أختين من الرضاعة ولا بين المرأة وابنة أختها أو ابنة أخيها وكذلك كل امرأة ذات رحم محرم منها من الرضاعة للاصل الذى بينا في النسب ان كل امرأتين لو كانت احداهما ذكرا والاخرى أنثى لم يجز للذكر ان يتزوج الانثى فانه يحرم الجمع بينهما بالقياس على حرمة الجمع بين الاختين فكذلك من الرضاعة وتبين بهذا ان حرمة هذا الجمع ليس لقطيعة الرحم فانه ليس بين الرضيعتين رحم وحرمه الجمع بينهما ثابتة (قال) وإذا ولدت المرأة من الرجل ثم طلقها وتزوجت بزوج آخر وأرضعت بلبن الاول ولدا وهي تحت الزوج الثاني فالرضاع من الزوج الاول دون الثاني لان المعتبر من كان نزول اللبن منه لا من هي تحته ونزول هذا اللبن كان من الاول (قال) ولا يجوز شهادة امرأة واحدة على الرضاع أجنبية كانت أو أم أحد الزوجين ولا

[ 138 ] يفرق بينهما بقولها ويسعه المقام معها حتى يشهد على ذلك رجلان أو رجل وامرأتان عدول وهذا عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يثبت الرضاع بشهادة أربع نسوة بناء على مذهبه ان فيما لا يطلع عليه الرجل يعتبر فيه أربع نسوة لتقوم كل امرأتين مقام رجل وزعم أن الرضاع مما لا يطلع عليه الرجال لانه يكون بالثدي ولا تحل مطالعته للاجانب ولكنا نقول الرضاع مما يطلع عليه الرجال لان ذا الرحم المحرم ينظر إلى الثدى وهو مقبول الشهادة في ذلك ولان الحرمة كما تحصل بالارضاع من الثدى تحصل بالايجار من القارورة وذلك يطلع عليه الرجال فلا تقبل فيه شهادة النساء وحدهن وكان مالك رحمه الله تعالى يقول تثبت حرمة الرضاع بشهادة امرأة واحدة إذا كانت عدلا وهكذا روى عن عثمان رضى الله تعالى عنه واستدل بحديث عقبة بن الحارث رحمه الله تعالى أنه تزوج ابنة أبى هانئ فجاءت امرأة سوداء وأخبرت أنها أرضعتهما فذكر ذلك لرسول الله فأعرض عنه ثم ذكر ثانيا فأعرض عنه ثم ثالثا فقال فارقها اذن فقال انها سوداء يارسول الله قال كيف وقد قيل وحجتنا في ذلك حديث عمر رضى الله تعالى عنه قال لا يقبل في الرضاع الا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ولان سبب نزول هذه الحرمة مما يطلع عليه الرجال فلا يثبت الا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين كالحرمة بالطلاق وحديث عقبة بن الحارث رحمه الله تعالى دليلنا فان رسول الله أعرض عنه في المرة الاولى والثانية فلو كانت الحرمة ثابتة لما فعل ذلك ثم لما رأى منه طمأنينة القلب إلى قولها حيث كرر السؤال أمره أن يفارقها احتياطا والدليل عليه أن تلك الشهادة كانت عن ضغن فانه قال جاءت امرأة سوداء تستطعمنا فأبينا أن نطعمها فجاءت تشهد على الرضاع وبالاجماع بمثل هذه الشهادة لا تثبت الحرمة فعرفنا أن ذلك كان احتياطا على وجه التنزه واليه أشار في قوله كيف وقد قيل وعندنا إذا وقع في قلبه أنها صادقة فالاحوط أن يتنزه عنها ويأخذ بالثقة سواء أخبرت بذلك قبل عقد النكاح أو بعد عقد النكاح وسواء شهد به رجل أو امرأة فأما القاضى لا يفرق بينهما ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان لان خبر الواحد إذا كان كان ثقة حجة في أمور الدين وليس بحجة في الحكم والقاضى لا يفرق بينهما الا بالحجة الحكمية فاما إذا قامت عنده حجة دينية يفتى له بأن يأخذ بالاحتياط لانه إن ترك نكاح امرأة تحل له خير من أن يتزوج امرأة لا تحل له (قال) وإذا نزل للمرأة لبن وهي بكر لم تتزوج فارضعت

[ 139 ] شخصا صغيرا فهو رضاع لان المعنى الذى يثبت به حرمة الرضاع حصول شبهة الجزئية بينهما والذى نزل لها من اللبن جزء منها سواء كانت ذات زوج أو لم تكن ولبنها يغذى الرضيع فتثبت به شبهة الجزئية (قال) وإذا حلب اللبن من ثدى المرأة ثم ماتت فشربه صبي تثبت به الحرمة لحصول المعنى الموجب للحرمة بهذا اللبن ولا معتبر بفعلها في الارضاع ألا ترى انها لو كانت نائمة فارتضع من ثديها الصبى تثبت الحرمة وكذلك الايجار لو حصل في حياتها تثبت الحرمة فكذلك بعد موتها (قال) وكذلك لو حلب اللبن من ثديها بعد موتها فأوجر الصبى تثبت به الحرمة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا تثبت وهو بناء على أصلين أحدهما أن اللبن لا يموت عندنا لانه لا حياة فيه ألا ترى أنه يحلب في حالة الحياة من الحيوان فيكون ظاهرا وما فيه الحياة إذا بان من الحى يكون ميتا فإذا لم يكن في اللبن حياة لا يتنجس بالموت بل عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يبقى طاهرا وعندهما يتنجس بنجاسة الوعاء كما في أنفحة الميتة فكأنه حلب لبن امرأة في قارورة نجسة فاوجر الصبى به فيثبت به الحرمة وعند الشافعي رحمه الله تعالى اللبن يموت فيكون نجس العين وثبوت حرمة الرضاع باعتبار معنى الكرامة فلا تثبت بما هو نجس العين والاصل الثاني أن عنده الفعل الذى هو حرام بعينه وهو الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة لان ثبوتها بطريق الكرامة فكذلك ايجار لبن الميتة حرام فلا تثبت به الحرمة ثم قاس لبن الميتة بوطئ الميتة ولكن عندنا وان كان الفعل حراما تثبت به الحرمة إذا تحقق فيه المعنى الموجب للحرمة ولهذا أثبتنا الحرمة بالزنا لان معنى البعضية لا ينعدم به حقيقة فكذا هنا ثبوت الحرمة باعتبار ان اللبن يغذى الصبى فيتقوى به ولو سلمنا له حرمة اللبن بالموت فبالحرمة لا يخرج من أن يكون مغذيا ألا ترى ان لحم الميتة مغذ فكذلك لبنها وبه فارق وطئ الميتة لان معنى البعضية ينعدم منه أصلا وهو معنى ما قال في الكتاب الجماع بعد الموت ليس بجماع وايجار لبن الميتة رضاع وشبه اللبن بالبيضة فان بالموت لا تخرج البيضة أن تكون مغذية فكذا اللبن (قال) ولو أرضع الصبيان من بهيمة لم يكن ذلك رضاعا وكان بمنزلة طعام أكلاه من اناء واحد ومحمد بن إسماعيل صاحب الاخبار رحمه الله تعالى يقول يثبت به حرمة الرضاع فانه دخل بخارى في زمن الشيخ الامام أبى حفص رحمه الله تعالى وجعل يفتى فقال له الشيخ رحمه الله تعالى لا تفعل فلست هنالك فابى ان يقبل نصحه حتى استفتى عن هذه المسألة إذا أرضع صبيان بلبن شاة

[ 140 ] فأفتى بثبوت الحرمة فاجتمعوا وأخرجوه من بخارى بسبب هذه الفتوى وهذا لان ثبوت الحرمة بسبب الكرامة وذلك يختص بلبن الآدمية دون لبن الانعام وشبهة الجزئية لا يثبت بين الآدمى والانعام بشرب لبنها فكذلك لا تثبت بين الآدميين بشرب لبن بهيمة وهذا قياس حرمة المصاهرة التى تثبت بالوطئ ولا تثبت بوطئ البهائم فكذلك هنا (قال) ولو صنع لبن امرأة في طعام فأكله الصبي فان كانت النار قد مست اللبن وأنضجت الطعام حتى تغير فليس ذلك برضاع ولا يحرم لان النار غيرته فانعدم بها معنى التغذي باللبن وانبات اللحم وانشاز العظم وان كانت النار لم تمسه فان كان الطعام هو الغالب لا تثبت به الحرمة أيضا لان المغلوب في حكم المستهلك ولان هذا أكل والموجب للحرمة شرب اللبن دون الاكل وان كان اللبن هو الغالب فكذلك في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا تثبت به الحرمة وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تثبت به الحرمة لان الحكم للغالب والغالب هو اللبن ولم يغيره شئ عن حاله وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول القاء الطعام في اللبن يغيره ألا ترى أنه يرق به وربما يتغير به لونه فكان بمنزلة ما لو غيرته النار وقيل هذا إذا كان لا يتقاطر اللبن من الطعام عند حمل اللقمة وأما إذا كان يتقاطر منه اللبن تثبت به الحرمة عنده لان القطرة من اللبن إذا دخلت حلق الصبى كانت كافية لاثبات الحرمة والاصح أنه لا تثبت على كل حال عنده لان التغذى كان بالطعام دون اللبن (قال) وإذا جعل لبن امرأة في دواء فأوجر منه صبيا أو اسعط منه واللبن غالب فهذا رضاع لانه انما يجعل في الدواء ليصل بقوة الدواء إلى ما لا يصل إليه وحدة فكان هذا أبلغ في حصول معنى التغذى به فلهذا تثبت به الحرمة (قال) وان جعل اللبن في ماء فشربه الصبى فان كان اللبن هو الغالب تثبت به الحرمة وان كان الماء غالبا لا تثبت به الحرمة وكذلك ان خلط لبن الآدمية بلبن الانعام وعند الشافعي رحمه الله تعالى قدر ما يحصل به خمس رضعات من اللبن إذا جعل في جب من الماء فشربه الصبى تثبت به الحرمة فأما إذا خلط لبن امرأة بلبن امرأة أخرى ثم أوجر منه صبيا فعلى قول محمد رحمه الله تعالى تثبت الحرمة منهما جميعا لان الشئ يكثر بجنسه ولا يصير مستهلكا به وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى تثبت به الحرمة بينه وبين من يكون لبنها غالبا لان المغلوب لا يظهر حكمه في مقابلة الغالب وعن أبى حنيفة رحمه الله تعالى فيه روايتان في احداهما اعتبر الاغلب كما هو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وفى الاخرى قال

[ 141 ] تثبت الحرمة منهما وهو قول زفر رحمه الله تعالى وأصل المسألة فيما إذا حلف لا يشرب من لبن هذه البقرة فخلط لبنها بلبن بقرة أخرى فشربه فهو على هذا الخلاف * (قال) * الرضاع بمنزلة النسب والوطئ في اثبات حرمة المصاهرة لا فرق بين أن يوجد في دار الحرب أو في دار الاسلام (قال) وإذا جامع الرجل المرأة أو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة لم تحل لابنه ولا لابيه من الرضاعة ولا تحل له أمها ولا ابنتها من الرضاعة كما لا تحل لابنه وأبيه نسبا فان هذه الحرمة تعلقت بأسام نثبت تلك الاسامي بالرضاعة وهى الابوة والامومة وكذلك لا يتزوج على المعتدة منه أختها من الرضاعة ولا ذات رحم محرم منها لان حرمة الجمع متعلقة باسم الاختية وذلك يتحقق بالرضاع كما يتحقق بالنسب والعدة تعمل عمل صلب النكاح في المنع من النكاح (قال) وإذا تزوج الرجل الصبية فارضعتها أمه من الرضاعة أو أمه التى ولدته أو أخته من نسب أو رضاع أو امرأة ابنه بلبن ابنه من نسب أو رضاع حرمت عليه لان المحرمية تمنع النكاح بعلة المنافاة فان بين الحل والحرمة في المحل منافاة والمنافي كما يؤثر إذا افترن بالنسب ينافى البقاء إذا طرأ عليه فإذا حرمت عليه لزمه بذلك نصف المهر لها لان الفرقة قبل الدخول حصلت لا بمعنى من جهتها أو حصلت بمعني من جهة الزوج وهى المحرمية فيجب نصف الصداق لها ويرجع بذلك على التى أرضعتها ان كانت أرادت الفساد أو عمدت ذلك وان كانت أخطأت أو أرادت الخير بأن خافت على الرضيع الهلاك من الجوع لم يرجع به عليها والقول فيه قولها ان لم يظهر منها تعمد الفساد لانه شئ في باطنها لا يقف عليه غيرها فلابد من قبول قولها فيه وانما يختلف الجواب في نيتها إذا أرادت الفساد أو لم ترد لانها مسببة لهذه الفرقة لا مباشرة فانها مباشرة للارضاع وهو ليس بسبب موضوع للفرقة والمسبب إذا كان متعديا في تسببه يكون ضامنا وان لم يكن متعديا لا يضمن كحافر البئر في ملك نفسه لا يضمن ما يسقط فيه بخلاف الحافر في ملك الغير فإذا أرادت الفساد كانت متعدية في السبب وإذا لم ترد الفساد لم يكن متعدية في السبب وقد روى عن محمد رحمه الله تعالى انه يرجع عليها بنصف الصداق على كل حال فان من أصله ان المتسبب كالمباشر ولهذا جعل فتح باب القفص والاصطبل وحل قيد الآبق موجبا للضمان وفي المباشرة المتعدى وغير المتعدى سواء فكذلك في التسبب على قوله وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى يرجع عليها بمهر مثل المنكوحة لانها أتلفت ملك نكاحه فيها وملك

[ 142 ] النكاح عنده مضمون بالاتلاف حتى قال في شاهدى الطلاق بعد الدخول إذا رجعا ضمنا مهر المثل وهذا لان ملك البضع يتقوم عند دخوله في ملك الزوج بمهر المثل فكذلك عند خروجه عن ملكه ولكنا نقول ان ملك النكاح ليس بمتقوم في نفسه لانه ليس بملك عين ولا منفعة انما هو ملك ضروري لا يظهر الا في حق الاستيفاء. ألا ترى أنه لا يظهر في حق النقل إلى الغير والانتقال إلى الورثة فكذلك في حق التقوم بالمال ولانه ليس بمال في نفسه فلا يكون مضمونا بالمال لان ضمان الاتلاف مقدر بالمثل بالنص وتقوم البضع عند دخوله في ملك الزوج للضرورة لانه تملك للبضع وهو محترم فلا يثبت الا بعوض وهذه الضرورة لا توجد عند الخروج من ملكه لانه ابطال للملك لا تمليك منها وابطال الملك لا يستدعى التقوم والدليل على الفرق أن الاب يزوج ابنه الصغير بمال الصغير وليس له أن يخلع ابنته الصغيرة بمالها فإذا ثبت أنه غير متقوم عند خروجه من ملكه لم يجب الضمان عليها باتلاف البضع ولكنها قررت عليه ما كان على شرف السقوط فان الصداق وان وجب بالعقد فهو بعرض السقوط ما لم يدخل بها إذا جاءت الفرقة من قبلها فهى قررت النصف عليه بما فعلته وهى متسببة في ذلك متعدية إذا تعمدت الفساد فلهذا رجع عليها بذلك (قال) وإذا تزوج الرجل الصبية ثم تزوج عمتها فنكاح العمة باطل للنهى فان أرضعت أم العمة الصبية لم يفرق بينه وبينها لان الصبية وان صارت أختا للعمة بالرضاعة ولكن لم يصح نكاح العمة فلم يتحقق الجمع الحرام فلهذا بقى نكاح الصبية (قال) وإذا تزوج ضبيتين رضيعتين فارضعتهما امرأة معا أو احداهما بعد الاخرى بانتا جميعا لانهما صارتا أختين حين أرضعت الثانية منهما فتقرر الجمع المنافى وليست احداهما ببطلان نكاحها بأولى من الاخرى فإذا بانتا فلكل واحدة منهما نصف الصداق يرجع بذلك على المرضعة ان تعمدت الفساد لما قلنا ولو كن ثلاثا فارضعتهن معا بأن حلبت لبنها في قارورة والقمت احدى ثدييها احداهن والاخرى للاخرى واوجرت الثلاثة معابن جميعا منه لانهن صرن أخوات معا وان أرضعتهن واحدة بعد الاخرى بانت الاوليان والثالثة امرأته لانها حين أرضعت الثانية فقد تحققت الاختية بينها وبين الاولى فتقع الفرقة بينه وبينهما ثم أرضعت الثالثة وليس في نكاحه غيرها ففى نكاحها وان كن أربعا فارضعتهن معا أو واحدة ثم الثلاث معابن جميعا وكذلك أن أرضعتهن جميعا واحدة بعد الاخرى لانه حين أرضعت الثانية بانت الاوليان للاختية وحين أرضعت الثالثة والرابعة بانت الاخريان أيضا

[ 143 ] للاختية وان أرضعت الثلاث أولا معا ثم الرابعة بانت الثلاثة الاول دون الرابعة لانها حين أرضعتها فليس في نكاحه غيرها (قال) وان تزوج امرأة وصبيتين فارضعتهما المرأة احداهما قبل الاخرى ولم يدخل بالمرأة حرمت المرأة والصبية الاولى لانها حين أرضعت احداهما فقد صارتا اما وابنتا فتقع الفرقة بينه وبينهما ثم أرضعت الثانية وليس في نكاحه غيرها فبقى نكاحها لان السابق مجرد العقد على الام وذلك لا يوجب حرمة البنت ثم لا مهر للكبيرة لان الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول وللصغيرة نصف المهر لان الفرقة ليست من قبلها انما كانت من جهة الكبيرة حين أرضعتها فان اللبن يصل إلى جوفها من غير فعل منها في الارتضاع ويرجع بذلك على الكبيرة ان كانت تعمدت الفساد لما قلنا ولا تحل له هذه الكبيرة أبدا لان مجرد العقد على البنت يوجب حرمة الام وأما الصبية فانها تحل له إذا فارقته التى عنده لان العقد على الام لا يوجب حرمة البنت وان كان بعدما دخل بالكبيرة حرمن عليه لانهما صارتا ابنتها من الرضاعة والدخول بالام يحرم البنت ثم للكبيرة مهرها ولكل واحدة من الصغيرتين نصف المهر ولا يحل له واحدة منهن أبدا لوجود الدخول بالام وصحة العقد على البنت (قال) وإذا تزوج كبيرتين وصغيرتين فأرضعت كل واحدة من الكبيرتين صغيرة وقعت الفرقة بينه وبينهن لان كل صغيرة بنتا لمن أرضعتها والجمع بين الام والبنت في النكاح حرام فان كانت أرضعت احدى الكبيرتين الصغيرتين ثم أرضعت الكبيرة الاخرى الصغيرتين وذلك قبل الدخول بالكبيرتين فأما الكبيرة الاولى مع الصغيرة الاولى فقد بانتا لما قلنا والصغيرة الثانية لم تبن منه بارضاع الكبيرة الاولى فاما بارضاع الكبيرة الثانية فان بدأت بارضاعها بانت منه وان بدأت بارضاع الاولى فالصغيرة الثانية امرأته لانها حين أرضعت الاولى صارت أما لها وفسد نكاحها لصحة العقد على الصغيرة الاولى فيما سبق ثم أرضعت الثانية وليس في نكاحه غيرها فلهذا لا تقع الفرقة بينه وبينها (قال) وإذا أقر الرجل أن هذه المرأة أخته أو أمه أو ابنته من الرضاعة ثم أراد بعد ذلك أن يتزوجها وقال أوهمت أو أخطأت أو نسيت وصدقته المرأة فهما مصدقان على ذلك وله أن يتزوجها وان ثبت على قوله الاول وقال هو حق كما قلت ثم تزوجها فرق بينهما ولا مهر لها عليه ان لم يكن دخل بها وهذا استحسان وفي القياس الجواب في الفصلين سواء لانه أقر بأنها محرمة عليه على التأبيد والمقر به يجعل في حق المقر كالثابت بالبينة أو بالمعاينة والرجوع عن الاقرار

[ 144 ] باطل لانه ملزم بنفسه فسواء رجع أو ثبت كان النكاح باطلا بزعمه فيفرق بينهما ولا مهر لها عليه ولكنه استحسن فقال هذا شئ يقع فيه الاشتباه فقد يقع عند الرجل ؟ أن ؟ بينه وبين امرأته رضاع فيخبر بذلك ثم يتفحص عن حقيقة الحال فيتبين له أنه قد غلط في ذلك وفيما يقع الاشتباه إذا أخبر أنه غلط فيه يجب قبول قوله شرعا لوجهين (أحدهما) أن الحل والحرمة من حق الشرع فإذا تصادقا على أنهما قد غلطا فليس هنا من يكذبهما في خبرهما (والثانى) أن اقراره في الابتداء لم يكن على نفسه إنما كان عليها بحرمتها عليه والحل والحرمة صفة المحل واقرار الانسان على الغير لا يكون لازما فإذا ذكر أنه غلط فيه فهو لا يريد بهذا ابطال شئ لزمه فلهذا قبل قوله في ذلك وان أقرت المرأة بذلك وأنكر الزوج ثم أكذبت المرأة نفسها وقالت أخطأت فالنكاح جائز وكذلك لو تزوجها قبل أن تكذب نفسها فالنكاح جائز ولا تصدق المرأة على قولها لان حقيقة المحرمية لا تثبت بالاقرار فانه خبر محتمل متمثل بين الصدق والكذب ولكن الثابت على الاقرار كالمجدد له بعد العقد واقرارها بالمحرمية بعد العقد باطل فكذلك اقرارها به قبل العقد واما اقراره بالحرمة بعد العقد صحيح موجب للفرقة وكذلك إذا أقر به قبل العقد وثبت على ذلك حتى تزوجها فان قيل كان ينبغي أن يجب لها نصف المهر كما لو ابتدأ بعد النكاح قلنا انما لا يجب لوجود التصديق منها على بطلان أصل النكاح أو لانه غير متهم بالقصد إلى اسقاط المهر إذ سبق الاقرار منه بوجوب المهر بالنكاح يوضح الفرق بينهما ان الاقرار انما يصح إذا كان مؤثرا في الملك اما بالمنافاة أو بالازالة واقرار الرجل مؤثر في ذلك فكان معتبرا في المنع من صحة النكاح إذا ثبت عليه واقرار المرأة غير مؤثر في ذلك فلا يمنع صحة النكاح (قال) وإذا أقر الزوج بهذه المقالة وثبت عليها وأشهد الشهود ثم تزوجته المرأة ولم يعلم بذلك ثم جاءت بهذه الحجة بعد النكاح فرق بينهما ولا ينفعه جحوده لانه لما ثبت على مقالته في الابتداء وزعم أنه حق لا غلط فيه فقد لزمه حكم اقراره وصار كالمجدد لذلك الاقرار بعد النكاح فيفرق بينهما ولا ينفعه الجحود ولو أقرا بذلك جميعا ثم كذبا أنفسهما وقالا أخطأنا ثم تزوجها فالنكاح جائز وكذلك هذا الباب في النسب ليس يلزم من هذا الا ما بينا عليه لان الغلط والاشتباه فيه أظهر فان سبب النسب أخفي من سبب الرضاع فكما ان هناك الاقرار بدون الثبات عليه لا يوجب الحرمة فكذلك هنا (قال) ولو تزوج امرأة ثم قال لها بعد

[ 145 ] النكاح هي أختى أو ابنتى أو أمي من الرضاعة ثم قال أخطأت أو أوهمت فالنكاح باق استحسانا ولو ثبت على هذا النطق وقال هو حق فشهدت عليه الشهود بذلك فرق بينهما ولو حجد ذلك لم ينفعه جحوده لان اقراره انما كان موجبا للفرقة بشرط الثبات عليه فان قال اوهمت فقد انعدم ما هو شرطه فلا يوجب الفرقة وإذا ثبت على ذلك وجد ما هو شرط الاقرار فثبت حكمه وهو الفرقة ثم لا ينفعه جحوده بعد ذلك وكذلك لو قال هذه أختى أو هذه ابنتى وليس لها نسب معروف ثم قال أوهمت يصدق في ذلك بخلاف ما إذا قال لعبده أو أمته هذا ابني أو هذه ابنتى ثم قال أوهمت فانه يعتق عليه ولا يصدق في ذلك والفرق من وجهين أحدهما ان اقراره بالنسب في عبده وأمته ملزم بنفسه لان لما أقربه موجبا في ملكه وهو زوال الملك فان من اشترى ابنه يصح الشراء ويعتق عليه فإذا كان لما أقر به موجب في ملكه كان هو مقرا به في ملك نفسه واقرار الانسان في ملك نفسه ملزم فلهذا يتم بنفسه ثبت عليه أو لم يثبت فاما اقراره بنسب زوجته لا موجب له في ملكه لان من تزوج ابنته لا يصح النكاح أصلا لا ان يثبت النكاح ثم يزول وانما لا يصح النكاح بحرمة المحل فموجب اقراره هنا لا يظهر في ملكه وانما يظهر في المحل ولا حق له في المحل لان الحل والحرمة صفة المحل فلم يكن اقراره متناولا لملكه ابتداء فلا يكون ملزما الا إذا ثبت عليه فحينئذ بحكم الثبات عليه يتعدى ضرره إلى ملكه فيلزمه من هذا الوجه والثانى ان الاشتباه لا يقع بين العبد والابن بل عبده في الغالب مباين لابنه في المطعم والملبس والمجلس فإذا كان الاشتباه يندر فيه لا يعتبر فاما الاشتباه قد يقع بين زوجته وابنته لتقاربهما في المطعم والملبس والمجلس فلهذا يعذر إذا قال أوهمت (قال) ولو قال لامرأته هذه ابنتى وثبت على ذلك ولها نسب معروف لم يفرق بينهما وكذلك لو قال هي أمي وله أم معروفة لانه مكذب شرعا فيما أقر به وتكذيب الشرع اياه أقوى من تكذيبه نفسه ولو كذب نفسه وقال أوهمت لم يفرق بينهما فكذا إذا أكذبه الشارع وبه فارق العبد لان هناك لو أكذب نفسه كان حرا فكذلك إذا أكذبه الشرع بأن كان ثابت النسب من غيره والمعنى ما قلنا أن اقراره بنسب العبد مصادف ملكه وهو مصدق فيما يقر به في ملك نفسه فيثبت به العتق وان امتنع بثبوت النسب لكونه معروف النسب من الغير فأما اقراره بنسب امرأته لا يصادف ملكه ابتداء وانما يصادف المحل فيثبت به حرمة المحل ثم ينبنى عليه انتفاء الملك

[ 146 ] وهنا حرمة المحل لم تثبت حين كانت معروفة النسب من الغير فلهذا لا يبطل النكاح وان لم تكن معروفة النسب من الغير ومثلها يولد لمثله وثبت على ذلك فرق بينهما ولكنه لا يثبت النسب حقيقة الا بتصديق المرأة اياه بذلك لان المقر يعامل في حقه وكان ما أقر به حق ولكن لا يصدق في حق الغير فيجعل النسب في حقه كالثابت حتى ينتفى ملكه عنها ولكنه لا يثبت في حقها الا بتصديقها فلا يلزمها الانتساب إليه الا أن تصدقه في ذلك وإذا كان مثلها لا يولد لمثله لم يثبت النسب ولا يفرق بينهما لان تكذيب الحقيقة اياه أقوى من تكذيبه نفسه والفرق لابي حنيفة رحمه الله تعالى بين هذا وبين العتق ما قلنا ان لاقراره بالنسب في ملكه موجبا فيجعل ذلك الاقرار كناية عن موجبه مجازا وليس لاقراره بالنسب في ملك النكاح موجب من حيث الازالة فلا يمكن اعماله بطريق المجاز وأكثر ما في الباب أن يقال موجبه نفي أصل النكاح فيجعل كأنه صرح بذلك وجحوده لاصل النكاح لا يكون موجبا للفرقة فكذلك اقراره بذلك وكذلك لو قال أرضعتني ومثلها لا يرضع ولا لبن لها فانه مكذب في ذلك حقيقة فينزل في ذلك منزلة تكذيبه نفسه فلهذا لا يفرق بينهما والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب الاحصان) * (قال) لا يحصن الرجل المسلم الا المرأة الحرة المسلمة إذا دخل بها هكذا نقل عن الشعبى والنخعي رحمهما الله تعالى ومعنى هذا انه إذا تزوج أمة ودخل بها لا يصير محصنا لقوله لا يحصن المسلم اليهودية ولا النصرانية ولا الحر ولا الحرة العبد وكان المعني فيه ان ثبوت الاحصان يختص بالوطئ بالنكاح حتى لا يثبت بملك اليمين وفي معنى قضاء الشهوة لا فرق بينهما فعرفنا ان الموجب للفرق ان الاحصان انما يثبت بوجود الوطئ بين مستوى الحال في صفة الكمال فان النكاح في العادة يكون بين مستوى الحال ولا مساواة بين الملك والمملوك فلا يتحقق هذا المعنى إذا وجد الدخول بالامة بالنكاح لانه لا مساواة بين الامة والحر فاما إذا دخل بالكتابية بالنكاح لم يصر محصنا في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يصير محصنا قيل هذا بناء على الرواية

[ 147 ] التى تروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى ان الكتابية محصنة وانها ترجم إذا زنت وقيل بل هي مسألة مبتدأة فوجه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ان ملك النكاح على الكتابية وعلى المسلمة بصفة الكمال بدليل جواز نكاح كل واحدة منهما على الاخرى والمساواة بينهما في القسم وولاية المباشرة لكل واحدة منهما بنفسها فكما يصير محصنا بالدخول بالمسلمة فكذلك بالكتابية بخلاف الامة فانه لا مساواة بينها وبين الحرة في حكم النكاح بل حالها على النصف من حال الحرة وبخلاف الصغيرة والمجنونة فانه لا مساواة بينهما وبين البالغة العاقلة في ولاية المباشرة وفى معنى قضاء الشهوة لما في طبعه من النفرة عن المجنونة وحجتهما ما روينا وكذلك لما أراد حذيفة بن اليمان رضى الله عنه ان يتزوج يهودية قال له النبي دعها فانها لا تحصنك ولما أراد كعب بن مالك رحمه الله تعالى ان يتزوج يهودية قال له عمر رضى الله عنه دعها فانها لا تحصنك ولان الرق أثر من آثار الكفر فإذا كان الاحصان لا يثبت بوطئ الامة بالنكاح لما فيه من الرق فلان لا يثبت بوطئ الكافرة أولى وهذا لان معنى الازدواج لا يتم مع الاختلاف في الدين فقل ما يركن كل واحد منهما إلى صاحبه فكانت بمنزلة الصغيرة والمجنونة توضيحه ان الزوجين إذا كانا كافرين لا يصيرا محصنين بالدخول ومعنى المساواة فيما بينهما أظهر فإذا لم يثبت الاحصان بالوطئ هناك فلان لا يثبت هنا كان أولى وكذلك المسلمة لا يحصنها الزوج إذا كان كافرا بأن أسلمت المرأة ثم دخل بها الزوج الكافر قبل ان يفرق بينهما لم تصر هي بهذا الدخول محصنة في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى على ما قلنا وكذلك لا يحصنها العبد والمجنون وغير البالغ اعتبارا لجانبها بجانبه فان الاحصان عبارة عن كمال الحال فلا يثبت الا بوطئ موصوف بكونه نعمة كاملة من الجانبين (قال) وجماع هؤلاء يحلها للزوج الذى قد طلقها ثلاثا قبل ذلك حتى ان المطلقة ثلاثا إذا كانت ذمية فتزوجت ذميا ثم أسلمت فدخل بها زوجها قبل ان يفرق بينهما حلت للزوج الاول بهذا الدخول لان النكاح صحيح بينهما قبل تفريق القاضى حتى لو أسلم فهما على نكاحهما والدخول بالنكاح الصحيح يحلها للزوج الاول وكذلك ان كان الزوج عبدا تزوجها باذن المولى ودخل بها حلت للزوج الاول لان اصابة الزوج الثاني انما كان مشروعا لرفع الطلقات مغايظة للزوج الاول وذلك يحصل بدخول العبد والكافر بها كما يحصل بدخول الحر المسلم بل معنى المغايظة في هذا أكثر بخلاف الاحصان فانه

[ 148 ] انما يثبت بالوطئ بالنكاح لاعتبار معنى كمال النعمة والعبد والكافر في هذا ليس نظير الحر المسلم وعلى هذا دخول الصبى الذى يجامع مثله بالمرأة يحلها للزوج الاول عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يحلها للزوج الاول لان ثبوت الحل للاول يستدعى كمال الفعل ألا ترى أنه لا يحصل بالجماع فيما دون الفرج وفعل الصبى دون فعل البالغ فلانعدام صفة الكمال لا يثبت به الحل للزوج الاول ولكنا تستدل بقوله تعالى حق تنكح زوجا غيره واسم الزوج يتناول الصبي كما يتناول البالغ ثم هذا حكم مختص بالوطئ بالنكاح فيتعلق بوطئ الصبى كتقرير المسمى والعدة وما هو المعنى فيه وهو مغايظة الزوج الاول حاصل أيضا فان استدلوا بقوله لا حتى تذوقي من عسيلته قلنا ليس المراد بذوق العسيلة الانزال بل هي اللذة وهى تنال ذلك بوطئ الصبى الذى يجامع ولهذا يلزمها الاغتسال بنفس الايلاج وبه يتبين كمال فعل الصبى في الوطئ (قال) وكذلك فعل هؤلاء يوجب من التحريم ما يوجبه جماع البالغ المحصن حتى أن الصبي الذي يجامع مثله يتعلق بوطئه حرمة المصاهرة وكذا الصبية التى يجامع مثلها ثبت حرمة المصاهرة بوطئها وانما يختلفون فيما إذا وطئ صغيرة لا يجامع مثلها فعلى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى لا يثبت به حرمة المصاهرة وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى يثبت لوجود فعل الوطئ حقيقة وهو كامل في نفسه حتى يتعلق به الاغتسال بالايلاج من غير انزال ويثبت به سائر أحكام الوطئ أيضا واعتبر الوطئ بالعقد فكما أن العقد على الصغيرة كالعقد على البالغة في ايجاب الحرمة فكذلك الوطئ وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا ثبوت حرمة المصاهرة ليس لعين الوطئ. ألا ترى أنه لا يثبت بالوطئ في غير المأتى ولكن ثبوته باعتبار معنى البعضية ولا تصور لذلك إذا كانت لا يجامع مثلها بخلاف ما إذا كانت يجامع مثلها لان حقيقة البعضية وان كانت باعتبار الماء فهو باطن لا يمكن الوقوف عليه فيقام السبب الظاهر مقامه وهو بلوغها حد الشهوة فإذا كانت ممن يشتهى أنزلت منزلة البالغة في ثبوت الحرمة بوطئها بخلاف ما إذا كانت لا تشتهى. ألا ترى أن اباحة هذا الفعل شرعا لمقصود النسل ثم جعل بلوغها حد الشهوة في حكم اباحة هذا الفعل قائما مقام حقيقة البلوغ فكذلك هنا بخلاف وجوب الاغتسال فانه متعلق باستطلاق وكاء المنى وذلك بمعنى الحرارة واللين في المحل فلهذا يستوى فيه التى يجامع مثلها والتى لا يجامع كما يستوى فيه الفعل في المأتى وغير المأتى (قال) والخلوة بين الزوجين البالغين

[ 149 ] المسلمين وراء ستر أو باب مغلق يوجب المهر والعدة عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يوجب لقوله تعالى وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن الآية والمراد بالمسيس الجماع هكذا قال ابن عباس رضى الله عنه أن الله تعالى يكنى القبيح بالحسن كما كنى بالمس عن الجماع ولان هذه خلوة خلت عن الاصابة فلا توجب المهر والعدة كالخلوة الفاسدة وهذا لان تقرر البدل في عقود المعاوضات بقبض المعقود عليه والمعقود عليه معنى في باطنها لا يصير مستوفي الا بالآلة التى تصل إلى ذلك الموضع فلا تكون الخلوة فيها قبضا كالقصاص فان حق من له القصاص في الباطن لا يصير مستوفى إلا بالآلة الجارحة فلم تكن الخلوة فيه قبضا والدليل عليه حكم الرجعة وبقاء المطالبة بالوطئ فان الخلوة في هذين الحكمين لا تجعل كاستيفاء المعقود عليه فكذلك في حكم المهر والعدة وحجتنا في ذلك قوله تعالى وكيف تأخذونه وقد أفضي بعضكم إلى بعض نهى عن استرداد شئ من الصداق بعد الخلوة فان الافضاء عبارة عن الخلوة ومنه يسمى المكان الخالى فضاء ومنه قول القائل أفضيت إليه بشغرى أي خلوت به وذكرت له سرى وتبين بهذا ان المراد بما تلى المسيس أو ما يقوم مقامه وهي الخلوة وعن عبد الرحمن بن ثوبان رضى الله عن أن النبي قال من كشف قناع امرأته وقبلها فلها المهر كاملا دخل بها ولم يدخل ولما فرق عمر وعلي رضي الله عنهما بين العنين وامرأته الزماه كمال المهر وقالا ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم وعن زرارة بن أبى أوفي أنه قال مضت السنة من الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم ان من أغلق على امرأته بابا أو أرخى حجابا كان عليه المهر كاملا دخل بها أو لم يدخل بها ولانها أتت بتسليم المستحق عليها بالعقد فيتقرر حقها في البدل كما إذا وطئها الزوج وهذا لان البدل في عقود المعاوضات يتقرر بتسليم من له البدل لا باستيفاء من عليه كما في البيع والاجارة إذا خلى البائع بين المبيع والمشترى أو خلى الآجر بين الدار والمستأجر في المدة يتقرر البدل وان لم يستوف وهذا لانا لو علقنا تقرر البدل بالاستيفاء امتنع من ذلك قصدا منه إلى الاضرار بمن له البدل وإذا ثبت أن المعتبر التسليم فالمستحق بالعقد عليها ما في وسعها وفى وسعها تسليم النفس في حال زوال المانع لا حقيقة استيفاء الوطئ فإذا أتت بما هو المستحق تقرر حقها في البدل على أن تقام نفسها مقام حقيقة المعقود عليه كما أنها في جواز العقد اقيمت نفسها مقام المعقود عليه فكذلك في حكم التسليم لان تقرر البدل بتسليم ما باعتباره يجوز العقد وهذا

[ 150 ] بخلاف حق الرجعة فان ذلك من حق الزوج وهو متمكن من حقيقة الاستيفاء فإذا لم يفعل فهو الذى أبطل حق نفسه وليس من ضرورة وجوب العدة ثبوت الرجعة ألا ترى ان بالموت يتقرر المهر والعدة وليس فيه تصور الرجعة ومطالبتها بالوطئ ليستعف به ويحصل لنفسها صفة الاحصان بسببه وذلك لا يحصل بالخلوة إذا ثبت هذا فنقول حد الخلوة الصحيحة أن لا يكون هناك مانع يمنعه من وطئها طبعا ولا شرعا حتى إذا كان أحدهما مريضا مرضا يمنع الجماع أو صائما في رمضان أو محرما أو كانت هي حائضا لا تصح الخلوة لقيام المانع طبعا أو شرعا وفي صوم القضاء روايتان في أصح الروايتين تصح الخلوة لان الذى يجب بالفطر قضاء يوم وهو يسير كما في صوم النفل وفي الرواية الاخرى لا تصح الخلوة اعتبارا للقضاء بالاداء وفى صوم النفل رواية شاذة أيضا انه يمنع صحة الخلوة بمنزلة حج النفل وكذلك ان كانت رتقاء أو قرناء لا يحصل التسليم لقيام المانع حسا بخلاف ما إذا كان الزوج مجبوبا أو عنينا وقد بيناه ولو كان بينهما ثالث لا تصح الخلوة لقيام المانع الا أن يكون الثالث ممن لا يشعر بذلك كصغير لا يعقل أو مغمى عليه أو نحو ذلك وان خلا بزوجته وهناك أمته وكان محمد رحمه الله تعالى يقول أولا تصح الخلوة بخلاف ما إذا كان هناك أمتها لانه يحل له وطئ أمته دون أمتها ثم رجع وقال لا تصح الخلوة وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى لانه يمتنع من غشيانها بين يدى أمته طبعا وعلى هذا لو خلا بزوجتيه لم تصح الخلوة لما قلنا والمكان الذى لا تصح الخلوة فيه ان يأمنا فيه اطلاع غيرهما عليهما بغير اذن كالدار والبيت وما أشبه ذلك ولهذا لا تصح الخلوة في المسجد والطريق الاعظم والسطح الذى ليس على جوانبه سترة وبعد صحة الخلوة إذا تصادقا على أنه لم يدخل بها لا يكونا محصنين لان الخلوة انما تجعل كالاستيفاء فيما هو من حكم العقد والاحصان ليس من ذلك في شئ فان أقرا بالجماع لزمهما حكم الاحصان وان أقر به أحدهما صدق على نفسه دون صاحبه ولا يحصن الخصى إذا كان لا يجامع وكذلك المجبوب والعنين فان جاءت بولد حتى ثبت به النسب من الزوج ففي الخصى والعنين يكونا محصنين لان الحكم بثبوت النسب حكم بالدخول وفى المجبوب ذكر في اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى ان على قول زفر رحمه الله تعالى هي تصير محصنة لما حكمنا بثبوت النسب من الزوج وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى لا تصير هي محصنة لانه لا تصور للجماع بدون الآلة والحكم بثبوت النسب بطريق الانزال بالسحق وليس

[ 151 ] ذلك من الجماع في شئ وثبوت حكم الاحصان يتعلق بعين الجماع والرتقاء لا تحصن الرجل لانعدام الجماع مع الرتق ولا احصان بالجماع في النكاح الفاسد لان الاحصان عبارة عن كمال الحال فانما يحصل بوطئ هو نعمة بل نهاية في النعمة حتى لا يحصل بالوطئ بملك اليمين والوطئ بالنكاح الفاسد حرام فلا يوجب الاحصان (قال) وإذا دخل الخثني بامرأته أو دخل بالخنثى زوجها فهما محصنان لانه لما حكم بكونه رجلا أو امرأة فالجماع بالنكاح الصحيح تحقق بينهما فيثبت به حكم الاحصان (قال) ولو دخل مسلم بامرأته المسلمة ثم ارتدا والعياذ بالله تعالى بطل احصانهما لان الردة تحبط العمل ويلحق المرتد بمن لم يزل كافرا فكما ان الكافر الاصلى لا يكون محصنا فالمرتد كذلك فان أسلما جميعا لم يكونا محصنين الا بجماع جديد بمنزلة زوجين حربيين أو ذميين أسلما وكذلك العبد مع امرأته الامة إذا أعتقا لم يكونا محصنين حتى يجامعها بعد العتق فان جامعها فهما محصنان علما بالعتق أو لم يعلما علمت المرأة ان لها الخيار أو لم تعلم فإذا جامعها قبل ان تختار نفسها فقد جامعها بنكاح صحيح بعدما كمل حالهما بالعتق فكانا محصنين (قال) وإذا ولدت المرأة من الرجل وهما ينكران الدخول فهما محصنان لان الولد شاهد على الدخول بينهما وهو أقوى من شهادة شاهدين فإذا كان الاحصان يثبت بشهادة شاهدين فبثبوت النسب أولى وهذا لانهما مكذبان في انكارهما الدخول شرعا والمكذب شرعا لا يعتبر انكاره (قال) وإذا أقرت المرأة ان زوجها قد جامعها وأنكر الزوج ثم فارقها وانقضت عدتها حل لزوجها الاول الذى كان طلقها ثلاثا ان يصدقها ويتزوجها لانها أخبرت عن أمر بينها وبين ربها وهو حلها للزوج الاول ولا حق للزوج الثاني في ذلك فانكاره في ذلك الحكم وجودا وعدما بمنزلة وكذلك ان اخبره بذلك ثقة ولو أنكرت الدخول بعد اقرارها وقد تزوجها الزوج الاول لم تصدق في ذلك لانها مناقضة ولو كان زوجها الذى فارقها هو الذى اقر بالجماع ولم تقر هي لم يحل للزوج الاول أن يتزوجها ولا يصدق الزوج الثاني عليها لانه لا حق له في حلها وحرمتها للزوج الاول ولا قول له في ذلك أصلا ويستوى ان كان خلا بها أو لم يخل بها ألا ترى انها لا تصير محصنة باقرار الزوج الثاني أنه قد جامعها إذا أنكرت هي فكذلك لا تصير محللة للزوج الاول (قال) وإذا قالت طلقني زوجي أو مات عني وانقضت عدتي حل لخاطبها أن يتزوجها ويصدقها لان الحل والحرمة من حق الشرع وكل مسلم أمين مقبول القول فيما هو من حق الشرع انما

[ 152 ] لا يقبل قوله في حق الغير إذا أكذبه من له الحق ولا حق لاحد هنا فيما أخبرت به فلهذا جاز قبول خبرها في ذلك والله أعلم بالصواب * (باب نكاح المتعة) * (قال) بلغنا عن رسول الله انه أحل المتعة ثلاثة أيام من الدهر في غزاة غزاها اشتد على الناس فيها العزوبة ثم نهى عنها وتفسير المتعة أن يقول لامرأته اتمتع بك كذا من المدة بكذا من البدل وهذا باطل عندنا جائز عند مالك بن أنس وهو الظاهر من قول ابن عباس رضى الله عنه واستدل بقوله تعالى فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ولانا اتفقنا على انه كان مباحا والحكم الثابت يبقي حتى يظهر نسخه ولكن قد ثبت نسخ هذه الاباحة بالآثار المشهورة فمن ذلك ما روى محمد بن الحنفية عن علي بن أبى طالب رضى الله عنهم أن منادى رسول الله نادى يوم خيبر الا ان الله تعالى ورسوله ينهيانكم عن المتعة ومنه حديث الربيع بن سبرة رضى الله عنه قال أحل رسول الله المتعة عام الفتح ثلاثة أيام فجئت مع عم لى إلى باب امرأة ومع كل واحد منا بردة وكان بردة عمي أحسن من بردتي فخرجت امرأة كأنها دمية عيطاء فجعلت تنظر إلى شبابى والى بردته وقالت هلا بردة كبردة هذا أو شباب كشباب هذا ثم آثرت شبابى على بردته فبت عندهما فلما أصبحت إذا منادى رسول الله ينادى الا أن الله تعالى ورسوله ينهيانكم عن المتعة فانتهى الناس عنها ثم الاباحة المطلقة لم تثبت في المتعة قط انما ثبتت الاباحة مؤقتة بثلاثة أيام فلا يبقى ذلك بعد مضى الايام الثلاثة حتى يحتاج إلى دليل النسخ وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول نسختها آية الطلاق والعدة والميراث وكان عمر رضى الله عنه يقول لو كنت تقدمت في المتعة لرجمت وقال جابر بن يزيد رضى الله عنه ما خرج ابن عباس رضى الله عنهما من الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف والمتعة فثبت النسخ باتفاق الصحابة رضى الله عنهم ولما سئلت عائشة رضى الله عنها عن ذلك فقالت بينى وبينكم كتاب الله تعالى وتلت قوله تعالى والذين هم لفروجهم حافظون الآية وهذه ليست بزوجة له ولا ملك بمين له وبيان أنها ليست بزوجة ما قال في الكتاب أنه لا يرث أحدهما من صاحبه بالزوجية ولا يقع عليها الطلاق والظهار والايلاء واستكثر من الشواهد لذلك في الكتاب والمراد بقوله

[ 153 ] فما استمتعتم به منهن الزوجات فانه بناء على قوله ان تبتغوا بأموالكم محصنين والمحصن الناكح (قال) وان قال تزوجتك شهرا فقالت زوجت نفسي منك فهذا متعة وليس بنكاح عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى هو نكاح صحيح لان التوقيت شرط فاسد فان النكاح لا يحتمل التوقيت والشرط الفاسد لا يبطل النكاح بل يصح النكاح ويبطل الشرط كاشتراط الخمر وغيرها توضيحه أنه لو شرط أن يطلقها بعد شهر صح النكاح وبطل الشرط فكذا إذا تزوجها شهرا وحجتنا في ذلك ما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه قال لا أوتى برجل تزوج امرأة إلى أجل الا رجمته ولو أدركته ميتا لرجمت قبره والمعنى فيه أن النكاح لا يحتمل التوقيت انما التوقيت في المتعة فإذا وقتا فقد وجد منهما التنصيص على المتعة فلا ينعقد به النكاح وان ذكر لفظ النكاح وهذا لانه لا يخلو أما أن ينعقد العقد مؤبدا أو في مدة الاول باطل فانهما لم يعقدا العقد فيما وراء المدة المذكورة ولا يجوز الحكم بانعقاد العقد فيما وراء المدة المذكورة ولا يجوز الحكم بانعقاد الحكم في زمان لم يعقدا فيه العقد ألا تري أنهما لو أضافا النكاح إلى ما بعد شهر لم ينعقد في الحال لانهما لم يعقداه في الحال فكذلك هنا ولا يجوز أن ينعقد في المدة لان النكاح لا يحتمل ذلك وهذا يبين أن التوقيت ليس بمنزلة الشرط ولكن ينعدم بالتوقيت أصل العقد في الزمان الذى لم يعقداه فيه وهذا بخلاف ما إذا شرط أن يطلقها بعد شهر لان الطلاق قاطع للنكاح فاشتراط القاطع بعد شهر لينقطع به دليل على أنهما عقدا العقدا مؤبدا ألا ترى أنه لو صح الشرط هناك لا يبطل النكاح بعد مضى شهر وهنا لو صح التوقيت لم يكن بينهما عقد بعد مضى الوقت كما في الاجارة. وقال الحسن بن زياد رحمه الله تعالى ان ذكرا من الوقت ما يعلم أنهما لا يعيشان أكثر من ذلك كمائة سنة أو أكثر يكون النكاح صحيحا لان في هذا تأكيد معنى التأبيد فان النكاح يعقد للعمر بخلاف ما إذا ذكرا مدة قد يعيشان أكثر من تلك المدة وعندنا الكل سواء لان التأبيد من شرط النكاح فالتوقيت يبطله طالت المدة أو قصرت والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب الدعوى في النكاح) * (قال) رضى الله عنه وإذا ادعي الرجل نكاح امرأة وأقام عليها البينة وأقامت أختها

[ 154 ] عليه البينة انها امرأته وانه أتاها بزوج فالقول قول الرجل والبينة بينته صدقته أو لم تصدقه لان ملك النكاح على المرأة للزوج ولهذا كان البدل عليه لها فالزوج يثبت ببينته ما هو حقه والاخت الاخرى تثبت ببينتها حق لزوج وهو ملك النكاح له عليها وبينة المرء على حق نفسه أولى بالقبول ولان عند تعارض البينتين لا وجه للعمل ببينة الاخت في اثبات نكاحها فلو قبلناها انما نقبلها في نفى النكاح على امرأة أثبت الزوج نكاحها والبينات للاثبات لا للنفي ومعني هذا ان دعوى الزوج نكاح احدى الاختين اقرار منه بحرمة الاخرى عليه في الحال واقراره موجب للفرقة فعرفنا انه لا وجه للقضاء بنكاح الاخرى فبقيت تلك البينة قائمة على النفى ولا مهر للاخرى ان لم يكن دخل بها لان أصل نكاحها لم يثبت ولو كان الزوج أقام البينة أنه تزوج أحداهما ولا تعرف بعينها غير ان الزوج قال هي هذه فان صدقته فهى امرأته لتصادقهما فان تصادقهما في حقهما أقوى من البينة فان جحدت ذلك فلا نكاح بينه وبين واحدة منهما لان الشهود لم يشهدوا على شئ بعينه والشهادة بالمجهول لا تكون حجة ولانه اما ان تزوج احداهما بغير عينها فيكون ذلك باطلا أو تزوج احداهما بعينها ثم نسيها الشهود فقد ضيعوا شهادتهم فإذا بطلت الشهادة بقى دعوى الزوج ولا يثبت النكاح بدعوته ولا يمين له على التى يدعي النكاح عليها عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانه لا يرى الاستخلاف في النكاح ولا مهر عليه ان لم يكن دخل بها وكذلك لو قامت البينة لامرأة بعينها ان أحد هذين الرجلين تزوجها ولا يعرفون أيهما هو والرجلان ينكران ذلك فهو باطل ولا مهر على واحد منهما فان ادعت المرأة ذلك على أحدهما فلا يمين عليه في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان دعواها دعوى النكاح وان ادعت أنه طلقها قبل الدخول وان لها عليه نصف المهر استحلفته على نصف المهر لان دعواها الآن دعوى المال والاستحلاف مشروع في دعوى المال فان نكل عن اليمين لزمه ذلك ولا يثبت النكاح لان الاستحلاف كان في المال لا في النكاح وانما يقضى عند النكول بما استحلف فيه خاصة كما في دعوى السرقة إذا استحلف فنكل يقضى بالمال دون القطع (قال) وان ادعت أختان أنه تزوجهما بيعا وكل واحدة منهما تقيم البينة أنه تزوجها أولا كان ذلك إلى الزوج فايهما قال هي الاولى فهى الاولى وهى امرأته لان المعارضة بين البينتين قد تحققت والعمل بهما غير ممكن لحرمة الجمع بين الاختين نكاحا وقد علمنا أن الثابت أحدهما وهو السابق

[ 155 ] منهما فاما أن يكون بيان السابق منهما إلى الزوج لانه أعرف الناس بها ولانه صاحب الملك واما أن يقال تصديقه احداهما يرجح بينتها فإذا ظهر الرجحان في بينة احداهما قضى بنكاحها واندفعت بينة الاخرى ولا مهر لها عليه ان لم يدخل بها فان جحد الزوج ذلك كله وقال لم أتزوج واحدة منهما أو قال تزوجتهما جميعا ولا أدرى أيتهما الاولى فهو سواء ويفرق بينه وبينهما لان العمل بالبينتين غير ممكن فلا ترجيح لاحداهما فتعين التفريق بينه وبينهما وعليه نصف المهر بينهما ان كان لم يدخل بهما من قبل انه كان يقدر على أن يبين فإذا تجاهل في ذلك لم يبرأ من المهر ومعنى هذا الكلام أن نكاح احداهما صحيح بدليل أنه لو بين الزوج أن هذه هي الاولى حكمنا بصحة نكاحها فإذا أبى أن يبين كان ذلك منه بمنزلة اكتساب سبب الفرقة بينه وبين التى صح نكاحها قبل الدخول فيلزمه نصف المهر وليست احداهما بأولى من الاخرى فلهذا كان نصف المهر بينهما ومن أصحابنا رحمهم الله تعالى من قال جمع في السؤال بين فصلين وأجاب عن احدهما فان هذا الجواب عما إذا قال تزوجتهما جميعا ولا أدرى أيتهما الاولى أما إذا قال لم أتزوج واحدة منهما ينبغى أن لا يجب عليه شئ من المهر لان العمل بالبينتين تعذر للتعارض وهو منكر ولا يجب المهر الا بحجة والاصح ان هذا جواب الفصلين لان المعارضة بين البينتين في حكم الحل دون المهر ألا ترى ان البينتين لو قامتا بعد موت الزوج عمل بهما في حق المهر والميراث فإذا لم يكن تعذر العمل والمعارضة في حكم المهر وجب نصف المهر في حق الزوج وليست احداهما بأولى من الاخرى فكان بينهما وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى في الامالى قال لا شئ عليه لان المقضى له بالمهر منهما مجهول وجهالة المقضى له تمنع صحة القضاء وعند محمد رحمه الله تعالى أنه قال يقضى بجميع المهر لان النكاح لم يرتفع بحجوده فيقضى بمهر كامل للتى صح نكاحها (قال) وان كان دخل بأحداهما كان لها المهر وهى امرأته لترجح جانبها بالدخول فان البينتين إذا تعارضتا على العقد تترجح احداهما بالقبض كما لو ادعى رجلان تلقى الملك في عين من ثالث بالشراء وأحدهما قابض واقاما البينة كانت بينة صاحب اليد أولى ولان فعل المسلم محمول على الصحة والحل ما أمكن والامكان ثابت هنا بأن يجعل نكاح التى دخل بها سابقا فان قال الزوج هي الاخيرة وتلك الاولى فرق بينه وبينها لاقراره بحرمتها عليه وكان ذلك بمنزلة اكتساب سبب الفرقة بعد الدخول

[ 156 ] بالنكاح الصحيح حتى يلزمه المهر المسمى لها ولا يصدق على أن ينقصها عن ذلك وكانت الاخرى امرأته أيضا لتصادقهما على النكاح باقرار الزوج انها هي الاولى (قال) ولو تنازع رجلان في امرأة كل واحد منهما يدعى انها امرأته ويقيم البينة فان كانت في بيت احدهما وكان قد دخل بها فهى امرأته لما ان الترجيح يحصل باليد عند تعارض البينتين في العقد ولان تمكنه من الدخول بها أو من نقلها إلى بيته دليل سبق عقده ودليل التاريخ كالتصريح بالتاريخ الا أن يقيم الآخر البينة أنه تزوجها قبله فحينئذ يسقط اعتبار الدليل في مقابلة التصريح بالسبق فان لم تكن في يد أحدهما فايهما اقام البينة أنه أول فهو أحق بها لان شهوده شهدوا بسبق التاريخ في عقده والثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة أو باقرار الخصم وان لم يكن لهما على ذلك بينة فايهما اقرت المرأة انها تزوجته قبل الآخر فهى امرأته اما لان بينته تترجح باقرارها له كما بينا في جانب الزوج أو لان البينتين لما تعارضتا وتعذر العمل بهما بقى تصادق أحد الرجلين مع المرأة على النكاح فيثبت النكاح بينهما بتصادفهما وان لم تقر بشئ من ذلك فرق بينهما وبينها لان المعارضة والمساواة قد تحققت والعمل بالبينتين غير ممكن لان ملك الحل لا يحتمل الشركة وليس أحداهما بأولى من الآخر فيبطل نكاحهما بخلاف ملك اليمين فان الملك يحتمل الشركة فيجب العمل بالبينتين هناك بحسب الامكان وهذا لان مقصود الملك هو التصرف وذلك يثبت مع الشركة وهنا المقصود استباحة الوطئ والنسل وهذا يفوت بالشركة فإذا تعذر العمل بهما وليس أحدهما بأولى من الآخر يتعين البطلان فيهما فان كانا لم يدخلا بها فلا مهر لها لان نكاح واحد منهما لم يثبت ولان الفرقة بمعنى من جهتها فلا مهر لها قبل الدخول وان كانا قد دخلا بها جميعا ولا يدرى أيهما أول فعلى كل واحد منهما الاقل مما سمى ومن مهر المثل لان كل واحد منهما إن تقدم نكاحه تأكد المسمى بالدخول وان تأخر فلها مهر المثل بالدخول لسقوط الحد بشبهة العقد غير أن المال بالشك لا يجب وانما يجب القدر المتيقن والمتيقن هو الاقل فلهذا كان على كل واحد منهما الاقل من المسمى ومن مهر المثل (قال) فان جاءت بولد لزمهما جميعا وكان ولدهما يعقلان عنه بناء على قولنا أن النسب يثبت من رجلين خلافا للشافعي رحمه الله تعالى وهى مسألة كتاب الدعوى ويرثانه ميراث أب واحد بينهما نصفان لان الاب في الحقيقة أحدهما وهو من حق الولد من مائه فيجب ميراث أب واحد وليس أحدهما بأولى من الآخر

[ 157 ] فيكون بينهما نصفين ويرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى يرث من كل واحد منهما نصف ميراث ابن لانه ابن أحدهما فكما أن في جانبهما يرثانه ميراث أب واحد فكذلك في جانبه يرث منهما ميراث ابن واحد ولكنا نقول هو ابن لكل واحد منهما كما قال عمر وعلي رضى الله تعالى عنهما هو أبنهما ويرثهما وهذا لان البنوة لا تحتمل التجزى الا أن في جانبهما تحققت المزاحمة فتثبت المناصفة وفى جانبه لا مزاحمة فيرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل حتى لو انعدمت المزاحمة في جانبهما بأن مات أحدهما قبل الغلام أحرز الثاني من مال الغلام ميراث أب كامل وهو معنى قول عمر وعلي رضى الله تعالى عنهما وهو للباقى منهما ولو كانت المرأة أقرت أن أحد الرجلين هو الزوج لزمه الولد خاصة لان نكاح المقر له قد ثبت باقرارهما وثبوت نسب الولد منه باعتبار الفراش ولا معارضة بين الفراش الصحيح والفاسد فلهذا ثبت نسب الولد منه فان لم تقر بذلك حتى ماتت كان على كل واحد منهما نصف ما سمى لها من المهر وكان ميراث الزوج من تركتها بينهما نصفين لان نكاح أحدهما صحيح منته بالموت فيكون له الميراث وعليه المسمى لها وليس أحدهما بأولى من الآخر فلذلك تنصف بينهما الميراث والمهر المسمى وهذا لان تعذر العمل بالبينتين ووجوب التوقف لمعنى الحل وذلك يزول بموتها الا ترى انه لو كان إقامة البينة من الرجلين بعد الموت وجب العمل بهذه الصفة فكذلك إذا ماتت بعد اقامة البينتين وهذا لان المقصود من النكاح بعد الموت الميراث وهو مال يحتمل الشركة وفي حال الحياة المقصود هو الحل وهو غير محتمل للشركة (قال) ولو لم تمت هي ولكن مات أحد الرجلين فان قالت المرأة هذا الميت هو الاول فلها في ماله المهر والميراث فان تصديقها بعد موت الزوج كتصديقها في حياته فيثبت النكاح بينهما فينتهي بالموت الا ترى ان رجلا لو أقر بنكاح امرأة فصدقته بعد الموت كان تصديقها صحيحا لان النكاح بموت الزوج يرتفع إلى خلف وهو العدة (قال) وإذا تزوجت المرأة زوجين في عقدة واحدة كان النكاح باطلا لان النكاح لا يحتمل الاشتراك وليس أحدهما بأولى من الآخر ولا خيار لها في ذلك لان ثبوت الخيار ينبني على صحة السبب ولم يصح السبب في حق كل واحد منهما لاقتران المنافى به وكذلك لو كانت ذمية أو حربية ثم أسلموا لان هذا لا يتجه عند أحد ممن يعتقد ملة فحكم أهل الملل في ذلك سواء (قال) ولو كان أحد الزوجين له

[ 158 ] أربع نسوة كان نكاح الذى ليس له نسوة منهما جائز لانه لو انفرد نكاح الذى له أربع نسوة لم يصح ولو انفرد نكاح الآخر كان صحيحا فإذا اجتمعا صح نكاح من يصح نكاحه عند الانفراد وهذا لان المعارضة لا تتحقق بين ماله صحة وبين ما لا صحة له وإذا صح نكاح أحدهما فعليه جميع ما سمى لها ان كانا سميا ألف درهم وهذا على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى ظاهر بمنزلة ما لو تزوج امرأتين واحداهما لا تحل له بمهر واحد وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يفرقان بين هذه وبين تلك فيقولان الالف هنا بمقابلة بضعها وقد سلم ذلك للذى صح نكاحه بكماله فاما هناك الالف مسمى بمقابلة بضعين فإذا لم يسلم له الا أحدهما لا يلزمه الا مقادر حصته من المهر وان كان سمى كل واحد منهما لنفسه خمسمائة لم يلزم هذا الزوج الا خمسمائه لانه ما التزم الا هذا المقدار ولا يلزم من المهر لا قدر ما التزمه بخلاف الاول فان هناك كل واحد منهما قد سمى جميع الالف بمقابلة بضعها فإذا سلم ذلك لاحدهما لزمه جميع المهر (قال) والنكاح الفاسد إذا لم يكن فيه مسيس أو نظر لا يثبت حرمة المصاهرة لان النكاح انما يقام مقام الوطئ في اثبات حرمة المصاهرة لانه يتوصل به إلى الوطئ شرعا وذلك لا يحصل بالعقد الفاسد فلهذا لا يثبت به الحرمة ولان النكاح الفاسد أصله غير منعقد فالسبب الفاسد لا يثبت الا الملك الحرام وموجب النكاح ملك الحل وبين الحل والحرمة منافاة فإذا انعدم اثبات الملك الحلال بالسبب الفاسد والملك الحرام بالنكاح لا يكون خلا السبب عن الحكم والاسباب الشرعية انما تعتبر لاحكامها فكل سبب خلا عن الحكم كان لغوا وإذا أقامت المرأة البينة على النكاح والزوج جاحد يثبت نكاحها ولم يفسد بجحوده لان النكاح الثابت لا يرتفع الا بالطلاق وجحوده ليس بطلاق فان الطلاق قطع للنكاح والجحود نفى للنكاح أصلا فلا يصير به قاطعا فلهذا قضى بالنكاح بينهما والله أعلم بالصدق والصواب * (باب الغرور في المملوكة) * (قال) رجل تزوج امرأة على أنها حرة فولدت له أولادا فإذا هي مكاتبة قد أذن لها مولاها في التزوج أخذت عقرها وقيمة ولدها الا في رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى قال لا تجب قيمة الولد أصلا لانها تسعى لتحصيل الحرية لنفسها وولدها وفي هذا تحصيل بعض مقصودها وفى ظاهر الرواية يقول هذا ان لو دخل الولد في كتابتها ولم يدخل لانه علق حرا

[ 159 ] فوجب العقر وقيمة الولد لها كما هو الحكم في المغرور وهي بالكتابة صارت أحق باجزائها ومنافعها فما هو بدل جزء منها فهو لها ثم يرجع الاب بقيمة الولد على الذى غره ان كان رجل حر غره بأن زوجها منه على أنها حرة فان كانت المكاتبة هي التى غرته بأن زوجت نفسها منه على أنها حرة فلا شئ لها عليه من قيمة الولد في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الاول لانها لو رجعت عليه بقيمة الولد رجع هو عليها بذلك بسبب الغرور فلا يكون مفيدا ثم رجع فقال لها أن تأخذ قيمة الولد وهو قول محمد رحمه الله تعالى لان رجوعه عليها بعد العتق فان ضمان الغرور بمنزلة ضمان الكفالة فيتأخر إلى ما بعد عتقها والقيمة لها عليه في الحال فكان الرجوع مفيدا وان مات مولاها وهى مكاتبة على حالها فورثه أب الولد خيرت بين أن تبطل الكتابة وبين أن تمضى عليها لانها ان أبطلت الكتابة صارت مملوكة لاب الولد بالميراث ولها منه ولد ثابت النسب فتصير أم ولد له فقد تلقاها جهتا حرية احداهما مؤجلة بغير بدل وهو الاستيلاد والاخرى معجلة ببدل وهو الكتابة فان مضت على الكتابة فعتقت بالاداء فانما عتقت على ملك المولى الاول وكان ولاؤها له وان مات أب الولد قبل أن تؤدى عتقت وبطلت عنها المكاتبة لانها بمنزلة أم الولد فتعتق بموت السيد فان قيل هو لم يملك رقبتها إذا اختارت المضى على الكتابة (قلنا) نعم ولكنه صار أحق الناس بها حتى لو أعتقها نفذ عتقه فكذلك إذا مات لان عتق أم الولد متعلق بموت المولى شرعا على أن يصير المولى كالمعتق لها ولانها انما اختارت الكتابة لما في في العتق بجهة الاستيلاد من التأخير فإذا تعجل ذلك بموت المولى فالظاهر أنها تختار هذه الجهة فإذا عتقت سقط عنها بدل الكتابة إما لانفساخ العقد برضاها أو لوقوع الاستغناء لها عن أداء البدل وهو بمنزلة ما لو وهب لها المكاتبة ومعنى هذا أن حق المستولد فيها إلى موته فبالموت يصير مسقطا حقه فكأنه ابرأها عن بدل الكتابة والوارث إذا كان واحدا فابراء المكاتب عن المكاتبة يصح ابراؤه ويعتق ولهذا لو كان معه شريك في الميراث سعت في مكاتبتها على حالها لان ابراء أحد الوارثين عن نصيبه من بدل الكتابة لا يوجب عتق شئ منها وانما جعلناه كالمبرئ لتعتق فإذا كانت لا تعتق هنا لم يكن مبرئا ولانه لم يسلم لها العتق مجانا في الحال فبقيت على اختيارها الاول وهو المضى على الكتابة فلهذا سعت في مكاتبتها وكان الولاء للاول إذا أدت ألا ترى ان المكاتب إذا ورثه رجلان فاعتقه أحدهما كان عتقه باطلا ولو كانت

[ 160 ] المكاتبة حين ورثها رجلان اختارت ان تكون أم ولد بطلت الكتابة ويضمن أب الولد نصف قيمتها لشريكه لان حكم الاستيلاد كما ثبت في نصيبه ثبت في نصيب الشريك أيضا لانه لا يحتمل التجزى فصار هو متملكا نصيب شريكه بضمان القيمة وضمان التملك لا يختلف باليسار والاعسار (قال) أمة غرت رجلين من نفسها فتزوجاها على انها حرة فولدت لهما أولادا ثم ملكاها بوجه من الوجوه كانت أم ولد لهما لانهما ملكاها ولكل واحد منهما ولد ثابت النسب منها وان ملكها أحدهما فهي أم ولد لهذا المعنى وهذا لان نسب الولد لما ثبت بشبهة النكاح كان هذا بمنزلة الاستيلاد بعد الملك في ثبوت حق الولد في حقيقة الحرية فكذلك في ثبوت حقها في أمية الولد لان حقها تبع لحق الولد فان كانت قد ولدت عند المولى أولادا بعد ذلك فملكها أحدهما مع أولادها كان أولادها من غيره ارقاء لان ثبوت حق أمية الولد فيها بعدما تملكها المستولد فان حق الحرية كحقيقة الحرية في استدعائه ملك الحل وقد انفصل الاولاد قبل ثبوت الحق فيها فلا يسرى ذلك الحق إليهم (قال) وإذا غرت الامة رجلا من نفسها وأخبرته انها أمة لهذا الرجل فاشتراها منه فولدت له أولادا ثم استحقها رجل أخذها وعقرها وقيمة ولدها كان لاب الولد ان يرجع بالثمن وبقيمة الولد على الذى باعه لان سبب الغرور مباشرة البيع وانما كان ذلك من البائع ومتى ملكها المغرور بعد ذلك فهى أم ولد لثبوت نسب الولد منه والله أعلم بالصواب * (باب النكاح في العقود المتفرقة) * (قال) رضى الله عنه ولا يحل للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة بالنكاح الا على قول الروافض فانهم يجوزون الجمع بين تسع نسوة لظاهر قوله تعالى مثنى وثلاث ورباع والواو للجمع فإذا جمعت بين هذه الاعداد كان تسعا ولان رسول الله جمع ين تسع نسوة وهو قدوة الامه فما يجوز له يجوز لامته وحجتنا في ذلك قوله تعالى مثنى وثلاث ورباع والمراد أحد هذه الاعداء قال الفراء رحمه الله تعالى لا وجه لحمل هذا على الجمع لان العبارة عن التسع بهذا اللفظ من العى في الكلام والدليل عليه قوله تعالى أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع والمراد أحد هذه الاعداد وقد بينا أن رسول الله كان مخصوصا بسبب اباحة تسع نسوة له وهو اتساع حله

[ 161 ] بفضيلة النبوة فان بزيادة الفضيلة يزداد الحل كما بين الاحرار والمماليك ولم ينقل عن أحد في حياة رسول الله ولا بعده إلى يومنا هذا أنه جمع بين أكثر من أربع نسوة نكاحا وفى قوله صلى الله وعليه وسلم يتزوج العبد ثنتين ويطلق تطليقتين ما يدل على أن الحر لا يتزوج أكثر من أربع لان حال المملوك على النصف من حال الحر وله أن يتسرى على الاربع ما بدا له من السرارى ما خلا امرأة ذات رحم محرم منها من نسب أو رضاع لحديث عمار بن ياسر رضى الله تعالى عنه ما حرم الله تعالى من الحرائر شيئا الا وقد حرم من الاماء مثله الا رجل يجمعهن يريد به العدد إذ التسرى غير محصور بعدد لان النكاح انما كان محصورا بعدد لوجوب العدل والتسوية بينهن في القسم وعند كثرة العدد يعجز عن ذلك وفي الاماء لا يلزمه التسوية بينهن في القسم فلهذا لا يكون محصورا بالعدد واليه أشار الله تعالى في قوله تعالى فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم فاما سائر أسباب الحرمة كالرضاع والمصاهرة والمحرمية لا تختلف بالمنكوحة والمملوكة (قال) رجل تزوج أربع نسوة بالكوفة ثم طلق احداهن بغير عينها بمكة ثم تزوج مكية ثم طلق احدى نسائه ثم تزوج بالطائف أخرى ثم مات ولم يدخل بواحدة منهن فنقول العقود كلها قد صحت منه لانه انما تزوج المكية بعد ما طلق احدى الكوفيات قبل الدخول فحين تزوجها لم يكن في نكاحه الا ثلاث نسوة فان قيل أليس ان الطلاق المبهم يجعل كالمتعلق بخطر البيان فينبغي ان لا يصح نكاح المكية (قلنا) هذا في حق المحل لوجود النكير في المحل فاما في جانب المطلق لا ابهام لانه متعين في نفسه وحكم العدد ينبنى على العدد في جانبه وهو يعلم انه تزوج المكية وليس في نكاحه الا ثلاث نسوة ثم تزوج الطائفية وليس في نكاحه الا ثلاث نسوة ثم المسألة تشتمل على حكم المهر والميراث والعدة أما بيان حكم المهر أن للطائفية مهرا كاملا لان نكاحها قد صح ولم يحدث بعد نكاحها طلاق فيتقرر مهرها بالموت وللمكية سبعة أثمان المهر لانه بعدما تزوجها طلق احدى نسائه الاربع قبل الدخول وذلك مسقط نصف مهر المثل متردد بينها ويبن ثلاث من الكوفيات فيتوزع النقصان عليهن أرباعا فيصيبها نقصان نصف ربع صداق وذلك ثمن صداق فبقى لها سبعة أثمان صداق وأما الكوفيات فلهن ثلاثة أصدقة وثمن صداق بينهن سواء لانه حين طلق احداهن أولا فقد سقط بهذا الطلاق نصف مهر ومن الطلاق الثاني أصابهن أيضا نقصان ثلاثة أرباع نصف مهر وذلك

[ 162 ] ثلاثة أثمان مهر وفي الاصل لهن أربعة أصدقة فإذا نقصت من ذلك مرة نصف صداق ومرة ثلاثة أثمان صداق بقى ثلاثة أصدقة وثمن صداق وحالهن في ذلك سواء فيقسم بينهن بالسوية أربعا وأما الميراث فللطائفية ربع ميراث النساء ثمنا كان أو ربعا لانها احدى نسائه بيقين وللمكية ربع ما بقى لان الباقي وهو ثلاثة أرباع ميراث النساء لا يزاحمها فيه الا ثلاث من الكوفيات وحالهن فيه سواء فلها ربع ذلك والباقى بين الكوفيات بالسوية لاستواء حالهن في ذلك وعلى كل واحدة منهن عدة المتوفي عنها زوجها أما في حق الطائفية فللتيقن بانتهاء نكاحها بالموت وفى حق البواقى لاحتمال ذلك والعدة يحتاط لايجابها (قال) ولو كان بعد ما تزوج الطائفية طلق احدى نسائه ثم مات فنقول أما بيان حكم المهر ان للطائفية هنا سبعة أثمان مهرها لانه طلق احدى نسائه بعدما تزوجها فانتقص به نصف صداق وانما يصيبها من ذلك النقصان الربع فبقى لها سبعة أثمان صداق وللمكية سته أثمان مهر وربع ثمن مهر لان من النقصان الحاصل بالتطليقة الاخيرة انما يصيبها ربع ثلاثة أرباع نصف صداق فان هذا النقصان يدور بينها وبين ثلاث من الكوفيات وربع ثلاثة أرباع النصف يكون ثلاثة أرباع ثمن الصداق فقد أصابها بالتطليقة الثانية نقصان ثمن صداق كما قلنا والتطليقة الثالثة ثلاثة أرباع ثمن فبقى لها ستة أثمان وربع ثمن فإذا جمعت ذلك كان مهرا وثمن مهر وربع ثمن مهر صداق وللكوفيات مهران وستة أثمان وثلاثة أرباع ثمن صداق لانه انتقص من مهورهن بالطلاق الاول نصف صداق وبالطلاق الثاني ثلاثة أثمان صداق وبالطلاق الثالث ثمنان وربع ثمن فادا جمعت ذلك كان مهرا وثمن مهر وربع ثمن مهر فإذا نقصت ذلك من أربعة مهور بقى مهران وستة أثمان وثلاثة أرباع ثمن وفى حكم الميراث والعدة هذا والاول في التخريج سواء (قال) وإذا تزوج امرأة في عقدة وامرأتين في عقدة وثلاثا في عقدة ولا يعلم أيتهن الاولى فأما الواحدة فنكاحها صحيح بيقين لان الصحيح من العقدين الاخيرين أحدهما ونكاح الواحدة صحيح تقدم أو تأخر والقول قول الزوج في الثلاث والثنتين أيتهن قال هي الاولى لان نكاح أحد الفريقين صحيح وهو السابق والزوج هو الذى يعرف ذلك لانه باشر العقود فيعرف السابق من المتأخر ولانه صاحب ملك فإليه بيان محل ملكه ولان حقوق النكاح تجب عليه فإليه بيان من يستوجب الحق عليه وأى الفريقين مات والزوج حي فقال هن الاولى ورثهن وأعطى مهورهن وفرق بينه وبين الاواخر لان حق البيان الثابت له لا يبطل بموتهن

[ 163 ] فان الموت منه للنكاح مقرر لاحكامه وان كان دخل بهن كلهن ثم قال في صحته أو عند موته لاحد الفريقين هؤلاء الاول فهو الاول ويفرق بينه وبين الاواخر ولكل واحدة الاقل من مهر مثلها ومما سمى لها لدخوله بها بحكم نكاح فاسد ومراده بهذا الفصل ان دخوله بهن لا يؤثر في البيان إذا لم يعلم من دخل بها أولا لان حال الفريقين في ذلك سواء وان قال الزوج لا أدرى أيتهن الاولى حجب عنهن الا عن الواحدة لانه انما يخلى بينه وبين من صح نكاحها منهن ونكاح الواحدة صحيح فيخلى بينه وبينها ولم يتيقن من صح نكاحه من الفريقين الآخرين فيكون محجوبا عنهن مخيرا على ان يبين الاول من الآخر فان مات قبل ان يبين ففى المسألة بين حكم الميراث والمهر والعدة أما بيان حكم المهر ان للواحدة ما سمى لها من المهر بكماله لان نكاحها صحيح بيقين وللثلاث مهر ونصف بينهن وللثنتين مهر واحد بينهما على اختلاف الاصلين فان أصل أبى يوسف رحمه الله تعالى في جنس هذه المسائل اعتبار الجملة والتخريج على ذلك فنقول أكثر مالهن ثلاثة مهور بان يكون السابق نكاح الثلاث وأقل مالهن مهران بان يكون السابق نكاح المثنى فالتردد في مهر واحد يثبت في حال دون حال فيتنصف فكان لهن مهران ونصف ثم لا خصومة للثنتين في الزيادة على مهرين فيسلم ذلك للثلاث وهو نصف مهر يبقى مهران استوت فيه منازعة الفريقين فكان بينهما نصفين فيحصل للثلاث مهر ونصف وللثنتين مهر واحد وأصل محمد رحمه الله تعالى في ذلك اعتبار الاحوال في حق كل فريق على حدة فيقول أما الثلاث فان صح نكاحهن فلهن ثلاثة مهور وان لم يصح فلا شئ لهن فلهن نصف ذلك وهو مهر ونصف وأما المثنى فان صح نكاحهما فلهما مهران وان لم يصح فلا شئ لهما فلهما نصف ذلك ونكاحهما يصح في حال دون حال فلهما مهر واحد وأما حكم الميراث فنقول للواحدة سبعة أسهم من أربعة وعشرين من ميراث النساء ربعا كان أو ثمنا لان نكاحها صحيح على كل حال فان صح نكاحها مع الثلاث فلها ربع ميراث النساء وان صح مع الثنتين فلها ثلث والربع بيقين وما زاد عليه إلى تمام الثلث يثبت في حال دون حال فيتنصف فنحتاج إلى حساب له ثلث وربع وذلك اثنا عشر ثم يتنصف السهم الزائد على الربع إلى تمام الثلث فيتكسر بالانصاف فيضعف الحساب فيكون أربعة وعشرين فان صح نكاحها مع الثلاث فلها ستة من أربعة وعشرين وان صح نكاحها مع المثنى فلها ثمانية فالتردد في سهمين فيثبت أحدهما ويسقط الآخر فكان لها سبعة من أربعة

[ 164 ] وعشرين وما بقى وهو سبعة عشر سهما بين الفريقين الآخرين نصيفين في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى للمثنى من ذلك ثمانية أسهم وللثلاث تسعة أسهم وجه قولهما أن السهم لزئد على ستة عشر لا منازعة فيه للمثنى لانه ان صح نكاحهما فلهما ثلثا الميراث ستة عشر من أربعة وعشرين فيسلم ذلك السهم للثلاث وقد استوت منازعة الفريقين في ستة عشر فكان بينهما نصفين أو يعتبر حال كل فريق فنقول ان صح نكاح الثلاث فلهن ثلاثة أرباع الميراث ثمانية عشر وان لم يصح فلا شئ لهن فلهن نصف ذلك وهو تسعة وان صح نكاح المثني فلهما ثلثا الميراث سته عشر وان لم يصح فلا شئ لهما فلهما نصف ذلك ثمانية وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ما بقى من ميراث النساء بعد ما أخذت الواحدة نصيبها بمنزلة جميع ميراث النساء أن لو لم تكن الواحدة أصلا ولو لم تكن الواحدة أصلا كان جميع ميراث النساء بين الفريقين نصفين فكذلك ما بقى وهذا لان علة الاستحقاق في حق الفريقين سواء فان كل واحد منهما مستحق إذا كان سابقا محروم إذا كان مسبوقا وقولهما ان المثنى لا يدعيان السهم الواحد فانما لا يدعيان ذلك باعتبار استحقاق الواحدة لذلك السهم فاما بدون استحقاقهما فهما يدعيان جيمع الميراث وقد خرج ذلك السهم من أن يكون مستحقا للواحدة فكان دعواهما ودعوى الثلاث في استحقاق ما فرغ من استحقاق الواحدة سواء فلهذا قسم بين الفريقين نصفين (قال) وعليهن عدة المتوفى عنهن أزواجهن احتياطا لما قلنا وان كان قد دخل بهن كلهن ولا يعرف الاول والآخر فعلى الثلاث والثنتين عدة الوفاة والحيض جميعا على معنى ان كل واحدة تعتد أربعة أشهر وعشرا تستكمل في ذلك ثلاث حيض لان من وجه عليهن عدة الوفاة وهو ما إذا صح نكاحهن ومن وجه الحيض وهو ما إذا فسد نكاحهن فتجب العدة بالحيض لاجل الدخول فيجمع بينهما احتياطا فأما على الواحدة عدة المتوفي عنها زوجها لا حيض في ذلك لان نكاحها صحيح بيقين ثم ان كان مهر مثل كل واحدة من الثلاث والثنتين أقل من المسمى فلها مهر مثلها ونصف الفضل إلى تمام المسمى لان في وجوب الاقل وهو مهر المثل اما بالعقد أو بالدخول يقين وما زاد إلى تمام المسمى تستحقه كل واحدة ان صح نكاحها ونكاحها يصح في حال دون حال فلهذا كان لكل واحدة نصف ذلك فان كان الزوج حيا فجامع امرأة منهن أو طلقها أو ظاهر منها كان هذا اقرارا منه بانها ومن معها الاولى لان البيان تارة يحصل

[ 165 ] بالتصريح وتارة بالدليل فاقدامه على الظهار والطلاق في احداهن ببيان منه ان نكاحها صحيح لان ما باشره من التصرف مختص بالنكاح الصحيح وكذلك ان جامع لان فعل المسلم محمول على الصحة والحل ما أمكن وانما يكون وطؤه اياها حلالا إذا كان صح نكاحها فلهذا كان هذا بمنزلة البيان منه ان السابق عقدها (قال) وان كانت احدى الثلاث أم احدى الثنتين ولم يدخل بشئ منهن فالجواب على ما تقدم أيضا لان الصحيح نكاح أحد الفريقين وهو السابق منهما وفى هذا لا يفترق الحال بين ان يكون بينهما محرمية أو لم يكن (قال) ولو كان مع الثلاث أمة كان نكاح الامة فاسدا على كل حال لانه ان تقدم هذا العقد فنكاح الحرائر بهذا العقد صحيح ومتى صح نكاح الحرائر بطل نكاح الامة المضمومة اليهن وان تأخر نكاحهن فهو فاسد ولهذا كان نكاح الامة فاسدا على كل حال (قال) وكذلك لو كانت احدى الثنتين أمة فنكاحها فاسد بيقين لما قلنا فان مات الزوج قبل ان يدخل بهن وقبل ان يبين الاولى منهن واحدى الثلاث أمة واحدى الثنتين أمة فنكاح الامتين فاسد ونكاح الحرائر كلهن جائز أما فساد نكاح الامتين لما قلنا وعند فساد نكاحهما الحرائر أربع فيجوز نكاحهن المتقدم والمتأخر في ذلك سواء وان كانت احدى الثلاث أمة والثنتان حرتان وقد تزوج الواحدة الحرة قبلهن يعلم ذلك فنكاح الامة فاسد لعلمنا أنه تزوجها على حرة ونكاح الامة على الحرة فاسد وللحرة المنفردة المهر وثلث ميراث النساء لان نكاحها صحيح بيقين وانما يزاحمها في الميراث امرأتان اما المنفردتان أو اللتان كانتا مع الامة فلها ثلث ميراث النساء ولكل حرتين نصف ما بقى من الميراث لاستواء حال الفريقين في ذلك فان كل فريق ان تقدم نكاحها استحق ذلك وان تأخر لا ويكون للفريقين مهران بينهما سواء لاستواء حال الفريقين في استحقاق المهرين على ما قلنا (قال) وان كانت احدى الثنتين أمة والثلاث حرائر ولا يلعم أي النساء تزوج أولا فنكاح الامة فاسد للتيقن بضمها إلى الحرة والميراث بين الحرائر الخمس على أربعة أسهم للثلاث من ذلك سهم ونصف وللمنفردتين سهمان ونصف وهذا في الحكم كرجل تزوج ثلاثا في عقدة وواحدة في عقدة وواحدة في عقدة ولا يدرى أيتهن أول بل هي تلك المسألة بعينها ووجه التخريج ان الثلاث ان صح نكاحهن بان تقدم أو كان بعد الواحدة من المنفردتين فلهن ثلاثة ارباع ميارث النساء لان الصحيح معهن نكاح الواحدة من المنفردتين سابقا أو متأخرا

[ 166 ] وان لم يصح فلا شئ لهن بان كان نكاحهن بعد نكاح المنفردتين فلهن نصف ثلاثة ارباع الميراث وذلك سهم ونصف من أربعة وما بقى بين المنفردتين لاستواء حالهما ولانهما يستحقان جميع الميراث في حال وهو ان يكون نكاحهما سابقا والربع في حال وهو ان يكون نكاح الثلاث سابقا فالربع لهما بيقين وهو سهم من أربعة وثلاثة تثبت في حال دون حال فيتنصف فلهدا كان لهما سهمان ونصف من أربعة وحالهما في استحقاق ذلك سواء فيكون بينهما نصفين وللثلاث مهر ونصف لانه ان صح نكاحهن فلهن ثلاثة مهور ون لم صح فلا شئ لهن فلهن نصف ذلك وهو مهر ونصف وللمنفردتين مهر ونصف لان نكاح إحداهما صحيح بيقين تقدم أو تأخر فيتيقن لها بمهر والاخرى ان صح نكاحها فلها مهر وان لم يصح فلا شئ لها فيتنصف مهرها وليست احداهما بأولى من الاخرى بشئ فما اجتمع لهما وهو مهر ونصف بينهما نصفان (قال) وإذا تزوج واحدة في عقدة وثنتين في عقدة وثلاثا في عقدة وأربعا في عقدة ثم مات ولا يعرف أيتهن أول فنقول ميراث النساء ربعا كان أو ثمنا بين الثنتين والثلاث والاربع أثلاثا لان الميراث انما يتوزع على الاحوال والاحوال ثلاثة بيقين إما أن يصح نكاح الاربع أو نكاح الثلاث مع الواحدة أو نكاح الثنتين مع الواحدة وليس هنا حالة رابعة وباعتبار الاحوال كل فريق في استحقاق الميراث مساو للفريقين الآخرين على معنى أنه ان تقدم نكاحه استحق الميراث والا فلا فلهذا كان الميراث بينهن أثلاث لا مزاحمة للواحدة مع الاربع في الثلث الذى صار لهن لان نكاحها لا يجوز معهن وانما أخذن ما أخذن باعتبار جواز نكاحهن ولكنها تدخل مع الثلاث فتأخذ ثمن ما أصابهن لانهن انما أخذن ما أخذن باعتبار جواز نكاحهن ونكاح الواحدة يجوز معهن الا أن في نكاح الواحدة ترددا فانه اما أن يجوز مع الثلاث أو مع الثنتين فان جاز مع الثلاث كان لها ربع ما في يدى الثلاث وان جاز مع الثنتين لم يكن لها شئ مما في يدى الثلاث فتأخذ مما في يدى الثلاث نصف الربع وهو الثمن والباقى بين الثلاث أثلاثا ثم تدخل مع الثنتين فتأخذ سدس ما في يديهما لانهما أخذتا باعتبار جواز نكاحها ونكاح الواحدة يجوز مع نكاحهما فان كان جواز نكاحها معهما كان لها ثلث ما في أيديهما وان كان مع الثلاث لم يكن لها شئ مما في أيديهما فلهذا تأخذ منهما نصف الثلث وهو سدس ما في أيديهما والباقى بينهما نصفان وأما حكم المهر فنقول على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لهن ثلاثة مهور

[ 167 ] ونصف مهر لانه ان جاز نكاح الاربع فلهن أربعة مهور وان جاز نكاح الثلاث مع الواحدة فكذلك وان كان جاز نجاح الثنتين مع الواحدة فلهن ثلاثة مهور فثلاثة مهور لهن بيقين والمهر الرابع يثبت في حالين ولا يثبت في حال ولكن أحوال الاصابة حالة واحدة فكأنه ثبت في حال دون حال فيتنصف فلهذا كان لهن ثلاثة مهور ونصف مهر فاما نصف مهر من ذلك فللاربع ثلاثة أرباعه وللثلاث ربعه لانه لا منازعة للثنتين في هذا النصف والاربع يدعين ذلك لانفسهن والثلاث يدعين ذلك بانضمام الواحدة اليهن وانضمام الواحدة اليهن في حال دون حال فباعتبار الحالين يكون للثلاث نصف نصف هذا وهو الربع وللاربع ثلاثة أرباع فأما مهر واحد فللاربع منه سدسان ونصف سدس وللثلاث سدسان ونصف سدس وللثنتين سدس لان الثلاث والاربع يدعين هذا المهر لانفسهن والثنتان لا يدعيان ذلك الا بانضمام الواحدة اليهما وانضمام الواحدة اليهما في حال دون حال ففي حالة الانضمام لهما ثلث ذلك وفى غير حالة الانضمام لا شئ لهما فلهما نصف الثلث وهو السدس والباقى وهو خمسة أسداس استوت فيه منازعة الثلاث والاربع فكان بينهما نصفين لكل فريق سدسان ونصف سدس وأما المهران فقد استوت في ذلك منازعة الفرق الثلاث فكان بينهن أثلاثا لكل فريق ثلثا مهر فأما الاربع فقد أصابهن مرة ثلثا مهر ومرة سدسان ونصف سدس ومرة ثلاثة أرباع النصف فيجمع ذلك كله ويقسم بينهن بالسوية إذ لا مزاحمة للواحدة معهن واما الثلاث فقد أصابهن مرة ثمن مهر ومرة سدسان ونصف سدس ومرة ثلثا مهر فيجمع ذلك كله ثم الواحدة تأخذ ثمن جميع ذلك لانه ان صح نكاحها معهن فلها ربع ذلك وان لم يصح فلا شئ لها فتأخذ ثمن ذلك والباقي بين الثلاث بالسوية واما الثنتان فانهما أصابهما مرة ثلثا مهر ومرة سدس مهر فتدخل الواحدة معهما وتأخذ سدس ما في أيديهما لانه ان جاز نكاحها معهما فلها ثلث ذلك والا فلا شئ لها فتأخذ نصف الثلث وهو السدس ثم الباقي بينهما نصفان وإذا أردت تصحيح الحساب فالطريق فيه ضرب هذا المخارج بعضها في بعض وهو واضح لا يشتغل به للتحرز عن التطويل وعلى قول محمد رحمه الله تعالى للاربع مهر وثلث مهر وللثلاث مهر وللاثنتين ثلثا مهر وللواحدة نصف مهر فجملة ذلك أيضا ثلاثة مهور ونصف كما هو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ووجه التخريج أن الاحوال ثلاثة فيجب اعتبار كل حالة فيقول نكاح الاربع يصح في حال ولا يصح في حالين فان صح

[ 168 ] نكاحهن فلهن أربعة مهور وان لم يصح فلا شئ لهن وأحوال الحرمان أحوال فلهن ثلث ذلك وهو مهر وثلث مهر بينهن بالسوية والثلاث ان صح نكاحهن فلهن ثلاثة مهور وان لم يصح فلا شئ لهن ونكاحهن يصح في حال ولا يصح في حالين فلهن ثلث ذلك وهو مهر واحد والثنتان ان صح نكاحهما فلهما مهران ونكاحهما صحيح في حال دون حالين فلهما ثلث ذلك وذلك ثلثا مهر والواحدة يصح نكاحها في حالين اما مع الثلاث أو مع الثنتين ولا يصح نكاحها في حال وهو ما إذا تقدم نكاح الاربع لكن أحوال الاصابة حالة واحدة فكان نكاحها يصح في حال دون حال فكان لها نصف المهر وعلى كل واحدة منهن عدة المتوفى عنها زوجها احتياطا (قال) فان كان احدى الاربع أمة والمسألة بحالها فنكاح الامة فاسد بيقين لانضمامها إلى الحرائر ولاحظ لها من المهر ولا من الميراث ونكاح المنفردة هنا صحيح على كل حال لان الباقي في الحاصل ثلاث وثلاث واثنتان وواحدة فيتيقن بصحة نكاح الواحدة اما مع الثنتين أو مع أحد الفريقين من الثلاث ثم بيان حكم المهران على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لهن ثلاثة مهور ونصف لما بينا ان أكثر مالهن أربعة مهور وأقل مالهن ثلاثة مهور فيتوزع المهر الرابع نصفين ثم للمنفردة من هذه الجملة مهر كامل لانا تيقنا بصحة نكاحها بقى مهران ونصف فأما نصف مهر من ذلك لا منازعة فيه للثنتين وكل فريق من الثلاث يدعين ذلك فيكون بين الفريقين نصفين بقى مهران استوت فيهما منازعة الفرق الثلاثة فكان بينهن أثلاثا لكل فريق ثلثا مهر فأما على قول محمد فللواحدة مهر كامل لما قلنا ولكل فريق من الثلاث مهر واحد لان نكاح كل فريق يصح في حال ولا يصح في حالين وفي حالة الصحة لهن ثلاثة مهور وأحوال الحرمان أحوال فكان لكل فريق ثلث ذلك وهو مهر واحد ونكاح الثنتين يصح في حال ولا يصح في حالين وفى حالة الصحة لهما مهران فلهما ثلث ذلك وهو ثلثا مهر وميراث النساء بينهن للواحدة من ذلك سبعة من أربعة وعشرين لان نكاحها صحيح بيقين فان صح مع الثنتين فلها ثلث الميراث ثمانية من أربعة وعشرين وان صح مع الثلاث فلها ربع الميراث ستة من أربعة وعشرين فقدر ستة يقين وما زاد على ذلك يثبت في حال دون حال فلهذا كان لها سبعة ولا يقال ستة لها في حالين بأن يصح نكاحها مع هؤلاء الثلاث أو مع الفريق الآخر فكان ينبغي أن تعتبر الحالتان في حقها لانهما حالتا حرمان الزيادة وهذا لانه لا فرق في حقها بين أن يكون صحة نكاحها مع هذا

[ 169 ] الفريق أو مع الفريق الآخر واعتبار الاحوال لا يتفاوت وإذا لم يكن في حقها تفاوت في هاتين الحالتين فهما حالة واحدة (قال) ولهم واحد من الباقي وهو سبعة عشر بين الثلاث نصفان لان الثنتين لا يدعيان أكثر من ثلثى الميراث وما بقى وهو ستة عشر بينهن اثلاثا لاستواء حالهن في استحقاق ذلك ولكن هذا الجواب على قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى فاما على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الباقي بعد نصيب الواحدة كله مقسوم بين الفرق أثلاثا لاستواء حالهن في استحقاق ما يفرغ من حق الواحدة وقد تقدم بيان نظائره (قال) ولو كان طلق اثنتين من نسائه ثم مات قبل ان يبين والمسألة بحالها كان لهن مهران ونصف لانه قد سقط بطلاق الثنتين قبل الدخول مهر واحد وقد كان الثابت لهن قبل الطلاق ثلاثة مهور ونصفا فإذا سقط مهر كان الباقي مهرين ونصفا فاما الواحدة فأكثر ما يكون لها ربع ثلاثة مهور بان كان صح نكاحها مع الثلاث ووجب أربعة مهور ثم سقط مهر بالطلاق بقى ثلاثة مهور لها ربع ذلك وأقل ما يكون لها ثلث مهرين بأن يكون نكاحها صح مع الثنتين فكان الواجب ثلاثة مهور سقط مهر بالطلاق وبقى مهران فلها ثلث ذلك وذلك ثلثا مهر فقدر ثلثي مهر لها بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام ثلاثة ارباع مهر وذلك نصف سدس مهر يثبت في حال دون حال فيتنصف فيكون لها ثلثا مهر وربع سدس مهر وما بقى يكون بين الفرق الثلاثة أثلاثا لاستواء حالهن في دعوى ذلك والميراث على ما وصفنا في المسألة الاولى قال الحاكم رحمه الله تعالى هذا الجواب ليس بسديد في حكم المهر على مذهب ابى يوسف رحمه الله تعالى ولم يبين الجواب الصواب على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى ولكن بيان ذلك على مذهبه ان نقول لما كان الواجب لهن مهرين ونصفا فاما نصف مهر من ذلك تأخذه الواحدة لان الثنتين لا يدعيان ذلك أصلا والثلاث انما يدعين ذلك بالواحدة فاما بدون الواحدة فلا يدعين شيئا من ذلك فكانت الواحدة بذلك أولى ممن يدعي الاستحقاق بها فلهذا تأخذ الواحدة نصف مهر بقى مهران فاما نصف مهر من ذلك فالثلاث يدعين ذلك بأنفسهن والمثنى يدعيان ذلك بالواحدة والواحدة مضمومة اليهن في حال دون حال فكان سدس هذا النصف للمثنى ولكل فريق من الثلاث سدسان ونصف سدس بقى مهر ونصف استوت منازعة الفرق الثلاث فيه فكان بينهن اثلاثا فقد أصاب الثنتين مرة نصف مهر ومرة سدس النصف فذلك سبعة من اثنى عشر وأصاب كل فريق من الثلاث مرة

[ 170 ] نصف مهر ومرة سهمان ونصف سدس من ستة من النصف الآخر فذلك ثمانية ونصف ثم الواحدة ان كان يصح نكاحها مع الثنتين فلها ثلثا مهر وقد وصل إليها نصف مهر بقى إلى تمام حقها سدس مهر ونكاحها مع الثنتين صحيح في حال دون حالين فتأخذ منهما ثلث سدس مهر ثم تجئ إلى كل فريق من الثلاث فان صح نكاحها مع كل فريق من الثلاث فلها ثلاثة ارباع مهر وقد وصل إليها نصف مهر بقى إلى تمام حقها سدس ونصف سدس فتأخذ من كل فريق ثلث ذلك فيجتمع لها ثلثا مهر وثلث سدس مهر وما بقى في يد كل فريق مقسوم بينهم بالسوية (قال) وإذا تزوج الرجل امرأة وابنتيها في عقد متفرقة ثم مات ولا يعلم أيتهن أول فلهن مهر واحد لان الصحيح نكاح الواحدة وهي السابقة منهن أيتهن كانت ثم عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى نصف هذا المهر للام ونصفه للبنتين بينهما نصفان وكذلك الميراث نصفه للام ونصفه للبنتين بينهما نصفان وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى المهر والميراث بينهن أثلاثا فطريقهما واضح فان حجة كل واحدة مثل حجة صاحبتيها على معنى أنه ان تقدم نكاحها استحقت ذلك وان تأخر فلا شئ لها والمساواة في سبب الاستحقاق يوجب المساواة في الاستحقاق ألا ترى أنهن لو كن امرأة وأمها وابنتها أو امرأة وأمها وأخت أمها كان الميراث والمهر بينهن أثلاثا فأما أبو حنيفة رحمه الله له في المسألة طريقان أشار في الكتاب إلى أحدهما فقال من قبل أنه لا يثبت نكاح احدى البنتين بيقين ومعنى هذا أنا تيقنا ببطلان نكاح احدى البنتين وان الام لا يزاحمها الا احدى البنتين فلهذا كان لها نصف المهر ونصف الميراث وقد استوى في النصف الآخر حال البنتين لانه ليست احداهما بتعيين جهة البطلان في نكاحها بأولى من الاخرى فلهذا كان بينهما نصفين وطريق آخر أن سبب بطلان النكاح في حق الام واحد وهو المصاهرة لانه سواء تزوج الكبرى من البنتين أولا أو الصغرى فقد حرمت الام بالمصاهرة فأما السبب في حق كل واحد من البنتين مختلف لان فساد نكاحها مرة في الجمع بين الاختين ومرة بالجمع بين الام والبنت واحدهما غيز الآخر فوجب اعتبار الثنتين في حق كل واحدة منهما والتوزع على أسباب الحرمة فإذا كان سبب الحرمة في حق الام واحدا وفى حق البنتين متعددا لم يكن بينها وبين كل واحدة منهما مساواة في الحرمان بل حالها أحسن فكان لها ضعف ما لكل واحدة منهما فأما ما استشهدا به فقد قيل الكل

[ 171 ] على الاختلاف وقد يستشهد محمد رحمه الله تعالى بالمختلف على المختلف والصحيح الفرق من قبل انه لا يقين في بطلان نكاح واحدة بل حال الام والجدة والنافلة في ذلك سواء وكذلك السبب المتعدد في حرمة كل واحدة منهن باعتبار اختلاف الاسم كالام والجدة والام والخالة أو الام والبنت فلما استوى حالهن كان الواجب بينهن أثلاثا بالسوية وان متن جميعا والزوج حي فالقول في الاولى منهن قوله كما في حال حياتهن القول في بيان الاولى قوله لان الملك حقه فكذلك بعد موتهن القول في بيان الاولى قوله وان مات الزوج بعدهن قبل أن يبين فله ثلث ميراث زوج من كل واحدة منهن وعليه ثلث ما سمى لكل واحدة منهن من المهر باعتبار الاحوال لان نكاح كل واحدة صحيح في حال دون حالين فلها ثلث ما سمى لها وباعتبار صحة نكاحها له ميراث زوج منها والصحة في حال دون حالين فله ثلث ميراث زوج من كل واحدة منهن (قال) فان كان تزوج البنتين في عقدة واحدة فنكاحهما باطل لانا نتيقن ببطلان نكاحهما بسبب الجمع بين الاختين سواء تقدم أو تأخر وعند التيقن ببطلان نكاحهما نتيقن بصحة نكاح الام فهى امرأته تقدم نكاحها أو تأخر (قال) وان كان قد دخل بهن جميعا ثم مات ولا يدرى أيتهن دخل بها أولا فنقول اما لكل واحدة من البنتين الاقل مما سمى لها ومن مهر المثل لانه دخل بهما بحكم نكاح فاسد ولا ميراث لهما لفساد نكاحهما وكذلك لا ميراث للام لان نكاحها قد بطل في حال حياته بالدخول بالبنتين سابقا أو متأخرا فان الدخول بالبنت يحرم الام على التأبيد وأما المهر ففي القياس للام مهر وربع مهر وفى الاستحسان لها مهر واحد وجه القياس ان نكاح الام صحيح بيقين فان كان دخل باحدى البنتين قبل الام فقد حرمت الام بذلك ووجب لها نصف المهر لان الفرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول ثم دخل بالام بعد ذلك فيجب لها بالدخول مهر فكان لها من هذا الوجه مهر ونصف وان كان دخل بالام أولا فلها مهر واحد وهو المسمى ثم حرمت عليه بالدخول بالبنت بعد ذلك فان كان لها في وجه مهر ونصف وفي وجه مهر فلها مهر بيقين والنصف يثبت في حال دون حال فيتنصف ولكنه استحسن فقال لها مهر واحد لانه يجعل كانه دخل بالام أولا فان فعله محمول على الحل ما أمكن وأول فعله يمكن أن يحمل على الوطئ الحلال ثم لا امكان بعد ذلك فلهذا جعلنا كأنه وطئ الام أولا حتى يعلم غير ذلك والثانى ان المهر والنصف وجوبهما باعتبار

[ 172 ] سببين أحدهما العقد الصحيح والآخر الوطئ بالشبهة ولم يظهر السببان إنما الظاهر سبب واحد وهو العقد الصحيح فاما الوطئ تصرف في الملك بعده وباعتبار العقد الصحيح لا يجب الا مهر واحد فلهذا كان لها مهر واحد وعلى كل واحدة منهن ثلاث حيض لدخوله بهن ولو لم يكن دخل بالام ودخل بالبنتين أو احداهما فللام نصف المسمى لوقوع الفرقة بسبب من جهة الزوج بعد صحة نكاحها ولا عدة عليها وللمدخول بها من البنتين الاقل من المسمى ومن مهر المثل وعليها العده بثلاث حيض (قال) وان كان تزوجهن في عقد متفرقة ولم يدخل بشئ منهن حتى قال احداكن طالق فهذا الكلام لغو منه لان السابق منهن امرأته والاخريان أجنبيتان ومن جمع بين امرأته وأجنبيتين وقال احداكن طالق لم يقع شئ (قال) وان قال احدى نسائه طالق وقع على امرأته منهن لانه أضاف الطلاق إلى امرأته فان في نكاحه امرأة واحدة ومن كان في نكاحه امرأة واحدة إذا قال احدى نسائى طالق وقع الطلاق بذلك اللفظ على امرأته بخلاف الاول فان هناك أوقع الطلاق على احدى المعينات بغير عينها وفيهن من ليست بمنكوحة له فلا تتعين امرأته لذلك الطلاق وإذا وقع الطلاق على امرأته فلها نصف المهر ثم الخلاف في نصف المهر هنا كالخلاف في جميع المهر في المسألة الاولى ولا ميراث لواحدة منهن لوقوع الفرقة بالطلاق قبل الدخول (قال) وان كان تزوج البنتين في عقدة ثم قال احدى نسائى طالق طلقت الام بذلك لان الصحيح نكاح الام وهو بهذا اللفظ موقع الطلاق على من صح النكاح بينه وبينها فلهذا طلقت الام ولها نصف المهر ولا عدة عليها ولا ميراث لها وان قال احداكن طالق لم يقع الطلاق على الام الا ان ينويها لانه جمع بين امرأته واجنبيتين وأوقع الطلاق على احداهن فلا يتعين لذلك امرأته الا أن ينويها بقلبه ولو كان تزوجهن في عقدة واحدة فنكاحهن فاسد بعلة الجمع فان كان فيهن أمة جاز نكاح الامة لان نكاح الحرتين منهن باطل بيقين فان الحرتين ان كانتا ابنتين بطل نكاحهما للجمع بين الاختين وان كانتا أما وبنتا بطل نكاحهما للجمع أيضا ومتى كان نكاح الحرتين باطلا بيقين لا يبطل به نكاح الامة لان بطلان نكاح الامة بضمها إلى الحرة وذلك عند صحة نكاح الحرة لا عند بطلان نكاحها (قال) وان كان فيهن أمتان جاز نكاح الحرة لان نكاح الامتين باطل بيقين فانهما اما أختان أو أم وبنت وإذا بطل نكاحهما كان ضمهما إلى الحرة لغوا فجاز نكاح الحرة

[ 173 ] بمنزلة ما لو كانت اثنتان منهما ذواتي زوج أو في عدة من زوج ولما بطل نكاحهما صح نكاح الفارغة منهن (قال) وان تزوج خمس حرائر وأربع اماء في عقدة واحدة جاز نكاح الاماء وبطل نكاح الحرائر لان نكاح الحرائر لو انفرد كان باطلا ولو انفرد نكاح الاماء كان صحيحا فعند الجمع يصح نكاح من يصح نكاحه عند الانفراد وبمثله لو تزوج أربع اماء وأربع حرائر في عقدة جاز نكاح الحرائر لان نكاح الحرائر لو انفرد هنا كان صحيحا فيندفع بنكاحهن نكاح الاماء كما لو تزوج حره وأمة في عقدة واحدة والاصل الذى تدور عليه المسائل انه متى جمع في العقد بين الحرائر والاماء نظر فان كان نكاح الحرة يجوز عند الانفراد يبطل نكاح الامة لانه تحقق ضمها إلى الحرة في النكاح وان كان نكاح الحرة لا يجوز عند الانفراد يصح نكاح الامة لانه لم يتحقق انضمامها إلى الحرة في النكاح ألا ترى أن الحرة لو كانت ذات رحم محرم منه فجمع بينها وبين أمة في النكاج جاز نكاح الامة لانه لم يتحقق ضمها إلى نكاح الحرة حين لا وجه لتصحيح نكاح الحرة (قال) وان تزوج حره وأمة في عقدة واحدة واحداهما بنت الاخرى جاز نكاح الحرة لان كل واحدة لو انفرد نكاحها هنا يصح فيتحقق ضم الامة إلى الحرة فلهذا جاز نكاح الحرة دون الامة (قال) وإذا كان للرجل أربع نسوة فتزوج خامسة ودخل بها فرق بينه وبينها لبطلان نكاحها وعليه لها الاقل من المسمى ومن مهر المثل وعليها العدة ولم يقرب الاربع حتى تنقضي عدة الخامسة لانه لو قربهن كان جامعا ماءه في رحم خمس نسوة بالنكاح ولان عدة تلك الواحدة يمنع ابتداء نكاح الاربع إذا اقترن بنكاحهن فيمنع الوطئ إذا طرأ على نكاحهن كعدة الاخت لما منعت نكاح الاخت إذا اقترنت به منعت الوطئ إذا طرأت عليه حتى إذا وطئ أخت امرأته بشبهة فليس له أن يطأ امرأته حتى تنقضي عدة أختها (قال) ولا بأس أن يتزوج الرجل أخت أم ولده لان فراش أم الولد ضعيف ألا ترى أنه مجوز للنسب غير ملزم حق لو نفى المولى ولده انتفي بمجرد نفيه والنكاح قوى ملزم بنفسه والضعيف لا يكون دافعا للقوى والديل عليه أن المولى لو زوج أم ولده كان النكاح صحيحا فكما أن فراشها لضعفه لا يمنع تزويجها فكذلك لا يمنع المولى نكاح أختها اعتبارا للمنع في أحد الجانبين بالمنع في الجانب الآخر وكذلك لو تزوج أخت مدبرته أو أخت أمة له قد كان يطأها وهذا أظهر فانه لا فراش لهما غير أنه لا ينبغى أن يطأ التي تزوج حتى يملك فرج الامة غيره لانه لو وطأها صار جامعا ماءه في رحم

[ 174 ] أختين ولان الجمع بين الاختين في الاستفراش الحقيقي حرام وقد تحقق منه استفراش الاولى فلا يحل له أن يستفرش الثانية ما لم ينقطع حكم ذلك الاستفراش وانقطاعه بالتزويج أو البيع في محل البيع فان لم يكن وطئ أمته ولا مدبرته فلا بأس بأن يطأ امرأته وليس له أن يطأ الامة والمدبرة بعد النكاح لان المنكوحة بالعقد صارت فراشا فليس له أن يستفرش الامة بعد ذلك وله أن يطأ المنكوحة لانه لا فراش له على المملوكة حقيقة وحكما (قال) ولو زوج أم ولده ثم وطئ امرأته ثم مات زوج أم الولد أو فارقها فله أن يطأ امرأته ما دامت أم ولده تعتد من زوجها لان فرجها حرام عليه في حال عدتها كما هو حرام عليه في حال نكاحها فإذا انقضت عدتها فلا ينبغى له ان يطأ امرأته حتى يملك فرج أم الولد من غيره لان النكاح قد ارتفع بآثاره فعاد الحكم الذى كان قبله وكذلك الامة والمدبرة إذا كان وطئها قبل ان يتزوج الاخت فحكمها وحكم أم الولد سواء (قال) فان أعتق أم ولده فعليها ان تعتد بثلاث حيض عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى عليها حيضة واحدة ومذهبنا مروى عن عمر وعلي وابن مسعود رضى الله عنهم ومذهبه مروى عن ابن عمر رضى الله عنهما ويستوى ان أعتقها أو مات عنها الا على قول عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما فانه كان يقول لا تلبسوا علينا سنة نبينا عدة أم الولد إذا مات عنها سيدها أربعة أشهر وعشرا وهذا دليلنا فانه الزمها عدة الحرائر الا انا نوجب الحيض لان هذه العدة لا تجب الا باعتبار الدخول وتوهم اشتغال الرحم فيقدر بالحيض في الحياة والوفاة كالعدة من نكاح فاسد ووطئ شبهة احتج الشافعي فقال عدتها أثر ملك اليمين فتقدر بحيضة واحدة كالاستبراء ودليل صحة اعتباره بالاستبراء أنه لا يختلف بالحياة والوفاة وتأثيره ان المقصود تبين فراغ الرحم لا غير وذلك يحصل بالقرء الواحد ولكنا نقول هذه عدة وجبت على حرة فلا يكتفي فيها بحيضة واحدة كعدة النكاح بل أولى فان عدة النكاح قد تجب على الامة وهذه العدة لا يجب الا على الحرة وتأثيره ان الحرة كاملة الحال فالوظيفة التى لا تجب الا على الحرة تجب بصفة الكمال لان المعتبر حال وجوب العدة لا ما كان قبله وبه يتبين الفرق بينه وبين الاستبراء فان الاستبراء لا يجب عليها ولكن على المولى أن يستبرئها قال ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة وهذا خطاب للمولى دون الامة فان قول القائل لا تضرب فلانا خطاب للضارب دون المضروب توضيحه

[ 175 ] أن سبب وجوب الاستبراء حدوث ملك الحل بسبب ملك اليمين ألا ترى أنه لو اشتراها من صبي أو امرأة يجب وهنا سبب وجوب العدة زوال الفراش والعدة التي تجب بزوال الفراش لا يكتفي فيها بحيضة واحدة فان تزوج المولى أختها في عدتها لم يجز عند أبى حنيفة وزفر رحمهما الله تعالى وجاز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى غير انه لا يقربها حتى تنقضي عدة أختها ولو تزوج أربعا سواها في عدتها جاز عندنا وله ان يقربهن وقال زفر رحمه الله تعالى ليس له ذلك زفر رحمه الله تعالى يقول انها معتدة فلا يتزوج أختها ولا أربعا سواها كالمعتدة من نكاح فاسد أو وطئ بشبهة بل أولى لان أصل فراشه في النكاح الفاسد والوطئ بالشبهة ما كان موجبا للحل له وأصل الفراش هنا موجب الحل ثم العدة التى هي أثر الفراش هناك تمنع نكاح الاخت والاربع فهنا أولى وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قالا عدة أم الولد أثر فراشها وأثر الشئ لا يربو على أثر أصله في المنع فإذا كان أصل فراشها لا يمنع المولى من نكاح أختها وأربع سواها فكذلك أثر فراشها وأصل الفراش بالنكاح الصحيح أو الفاسد بعد الدخول يمنع نكاح الاخت والاربع فكذلك أثره وهذا لانه يبقى ببقاء العدة من المنع ما كان ثابتا لا ان يثبت ما لم يكن ثابتا وهذا بخلاف تزويجها من الغير فان أصل فراشها مانع ن التزويج من الغير إذا بقى حتى لو كانت حاملا ليس له ان يزوجها من غيره فكذلك أثر فراشها يمنع الا انها إذا كانت حاملا فله ان يقطع فراشها بالتزويج وليس له ان يقطع عدتها لحق الشرع والفرق لابي حنيفة رحمه الله تعالى بينهما من وجهين (أحدهما) أن بسبب بقاء العدة يبقى الفراش حتى إذا جاءت بالولد يثبت النسب منه ولا يثبت النسب منه الا باعتبار الفراش فلو تزوج أختها صار جامعا بين الاختين في الفراش وذلك حرام وإذا تزوج أربعا سواها صار جامعا بين خمس نسوة في الفراش ولكن بسببين مختلفين وذلك جائز ألا ترى أن من عنده أربع نسوة له أن يستولد من الجوارى ما شاء والثانى أن فراشها بالعتق يتقوى حتى يثبت النسب بعد العتق على وجه لا يملك نفيه بخلاف ما قبل العتق وكذلك بعد العتق لا يملك تزويجها وان كان قبل العتق يجوز تزويجها فكل منع كان ثابتا في أصل فراشها يتقوي ذلك بعتقها والمنع من استفراش الاخت كان ثابتا في أصل فراشها حتى لا يحل له أن يطأ أختها بملك اليمين ولا بملك النكاح فيتقوى ذلك المنع بالعتق فيمنع عقد النكاح أصلا ولم يكن هو في أصل فراشها

[ 176 ] ممنوعا من استفراش الاربع بالنكاح فلو صار ممنوعا بعد العتق كان هذا اثبات منع مبتدأ لا اظهار قوة فيما كان ثابتا توضيحه أن المقصود بالنكاح الوطئ ولما لم يكن هو باعتبار عدتها ممنوعا من وطئ الاربع بالنكاح بأن يعتقها وتحته أربع نسوة كان له أن يطأهن فكذلك لا يكون ممنوعا من العقد عليها أيضا بمنزلة المعتدة بالنكاح (قال) وإذا تزوج الرجل أربع نسوة في عقدة وثلاثا في عقدة ثم طلق احدى نسائه ثم مات قبل ان يبين فلهن ثلاثة مهور أما على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى فلان أكثر مالهن ثلاثة مهور ونصف مهر بان صح نكاح الاربع وقد سقط بطلاق احداهن نصف مهر وأقل مالهن مهران ونصف مهر بان صح نكاح الثلاث وقد سقط نصف مهر بطلاق احداهن فقدر مهرين ونصف يقين ومهر أخر يثبت في حال دون حال فيتنصف فكان لهن ثلاثة مهور نصف مهر من ذلك للاربع خاصة لان الثلاث لا يدعين ذلك واستوت منازعة الفريقين في المهرين والنصف فكان بينهما نصفان لكل فريق مهر وربع والميراث بين الفريقين نصفان لاستواء حالهما في استحقاقه وعند محمد رحمه الله تعالى كذلك لان الاربع ان صح نكاحهن فلهن ثلاثة مهور ونصف مهر لانه طلق احداهن قبل الدخول وان لم يصح نكاحهن فلا شئ لهن فلهن نصف ذلك وهو مهر وثلاثة ارباع والثلاث ان صح نكاحهن فلهن مهران ونصف وان لم يصح فلا شئ لهن فلهن نصف ذلك وهو مهر وربع مهر (قال) ولو تزوج ثلاث نسوة في عقدة فدخل بواحدة منهن ولم يدخل بالثنتين ثم طلق إحدى نسائه واحدة والاخرى ثلاثا ثم مات قبل أن يبين فللمدخول بها مهر تام لتأكد مهرها بالدخول وللتين لم يدخل بهما مهر وربع مهر في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لان أكثر ما يكون لهما مهر ونصف بأن يكون أحد الطلاقين واقعا على المدخول بها والآخر على احدهما وأقل مالهما مهر واحد بأن يكون الطلاقان وقعا عليهما فمهر واحد لهما بيقين ونصف مهر يثبت في حال دون حال فيتنصف فيكون لهما مهر وربع مهر بينهما نصفان وعلى قول محمد رحمه الله تعالى للتين لم يدخل بهما مهر وتلث مهر هكذا ذكر في هذا الكتاب وفي الزيادات يقول لهما مهر وربع مهر كما هو قول أبي يوسف رحمه الله تعالى ولكن بطريق آخر وهو ان احداهما مطلقة بيقين فيعزلها بنصف مهر والاخرى ان وقع الطلاق عليها فلها نصف مهر وان لم يقع فلها مهر كامل فنصف مهر لها بيقين والنصف الآخر يثبت

[ 177 ] في حال دون حال فيتنصف فكان لها ثلاثة ارباع مهر فإذا ضممت ذلك إلى نصف مهر يكون مهرا وربع مهر بينهما ووجه رواية هذا الكتاب انه لو لم يدخل بشئ منهن لكان الواجب عليه مهرين بينهن اثلاثا لكل واحدة منهن ثلثا مهر لانه قد سقط بالطلاقين مهر واحد وبان دخل باحداهن حتى لم ينتقص من مهرها شئ لم يؤثر ذلك في حق الاخريين بل يجعل في حقهما كأنه لم يدخل بشئ منهن فيكون لهما مهر وثلث مهر بينهما نصفان لكل واحدة منهما ثلثا مهر وأما الميراث فعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى للمدخول بها خمسة أسهم من اثنى عشر سهما من ميراث النساء وللاخرين سبعة أسهم لانه يلغى التطليقات الثلاث فان حالهن فيها على السواء على معنى انه على أيتهن وقعت حرمتها بقيت التطليقة الواحدة فان وقعت على المدخول بها فلها ثلث ميراث النساء أربعة من اثني عشر سهما وان وقعت على إحدى اللتين لم يدخل بهما فلها نصف الميراث ستة فمقدار أربعة لها بيقين وما زاد على ذلك وهو سهمان يثبت في حال دون حال فيتنصف فيكون لها خمسة من اثني عشر والباقى للتين لم يدخل بهما وان وقع الطلاق على احدى اللتين لم يدخل بهما فلهما نصف الميراث وان وقع على المدخول بها فلهما ثلثا الميراث فمقدار ستة لهما بيقين وسهمان يثبت في حال دون حال فيتنصف فكان لهما سبعة وذكر في بعض نسخ هذا الكتاب ان قول محمد رحمه الله تعالى في الميراث كقول أبى يوسف رحمه الله تعالى وفى بعض النسخ قال عنده للمدخول بها خمسة أثمان ميراث النساء وللتين لم يدخل بهما ثلاثة أثمان ميراث النساء ووجه ذلك ان احدى اللتين لم يدخل بهما مطلقة محرومة عن الميراث بيقين فعزلها للحرمان وان كانت معزولة بوقوع الواحدة عليها بقي الثلاث على أيتهما وقعت حرمتها فيكون الميراث في هذه الحالة نصفين نصفه للتي دخل بها ونصفه للتين لم يدخل بهما وان كانت المعزولة للحرمان معزولة بوقوع الثلاث عليها فان وقعت الواحدة على غير المدخول بها فالميراث كله للمدخول بها وان وقعت على المدخول بها فالميراث بينهما نصفان فيثبت للمدخول بها في هذه الحالة ثلاثة ارباع الميراث ستة من ثمانية باعتبار انها لها النصف في حال والكل في حال وقد كان لها في الحالة الاولى أربعة فأربعة لها بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام ستة يثبت في حال دون حال فيتنصف فلهذا كان لها خمسة من ثمانية وما بقى للتين لم يدخل بهما أو لان لهما في الحالة الثانية الربع وفى الحالة الاولى النصف فيتنصف الربع باعتبار الاحوال

[ 178 ] فلهذا كان لهما ثلاثة أثمان الميراث وروى محمد عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أن للمدخول بها ثلاثة أرباع الميراث ووجه ذلك أن احدى اللتين لم يدخل بهما محرومة عن الميراث فيعزلها بايقاع الثلاث عليها لانا نتيقن أن ايقاع الثلاث موجب حرمان الميراث ولا يتيقن بذلك في الواحدة فجعلنا المعزولة للحرمان كان الثلاث وقعت عليها بقيت الواحدة فان وقعت على المدخول بها فلها نصف الميراث وان وقعت على غير المدخول بها فللمدخول بها جميع الميراث فكان لها باعتبار الاحوال ثلاثة أرباع الميراث والباقي وهو ربع الميراث للتين لم يدخل بهما ولو كان دخل باثنتين منهن والمسألة بحالها فلكل واحدة من اللتين دخل بهما مهر كامل لتأكد مهرهما بالدخول بالنكاح الصحيح وللتي لم يدخل بها ثلاثة أرباع المهر في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى فانها ان كانت مطلقة فلها نصف مهر وان لم يقع عليها شئ فلها مهر كامل فنصف مهر لها بيقين والنصف الآخر يثبت في حال دون حال فيتنصف قال وكذلك الجواب عند محمد رحمه الله تعالى وينبغى على قول محمد رحمه الله تعالى أن يكون لها ثلثا مهر بالطريق الذى قلنا أنه لو لم يدخل بشئ منهن كان لكل واحدة منهن ثلثا مهر فيجعل في حق التى لم يدخل بها كأنه لم يدخل بشئ منهن لان الدخول بغيرها لا يزيد في حقها سببا فأما الميراث فعلى قول أبى يوسف للتى لم يدخل بها سدس الميراث لانه ان لم يقع عليها شئ فلها ثلث الميراث وان وقع عليها الطلاق فلا شئ لها فلها سدس الميراث به علل محمد رحمه الله تعالى في الكتاب وهو غلط فانه ان لم يقع عليها شئ كان لها نصف الميراث لانه لا يزاحمها في الميراث الا واحدة فان من وقع عليها الطلاق الثلاث من المدخولتين محرومة عن الميراث ولكن الطريق في التخريج أن التى لم يدخل بها لها ثلاثة أحوال ان وقع عليها واحدة فلا شئ لها وان وقع عليها الثلاث فلا شئ لها وان لم يقع عليها شئ فلها نصف الميراث فلها حالتا حرمان وحالة اصابة فلهذا جعل لها ثلث النصف وهو السدس قال وكذلك الجواب في الميراث عند محمد رحمه الله تعالى قال الحاكم رحمه الله وليس ذلك بسديد بل الصواب عند محمد رحمه الله تعالى أن يكون لها ثمن الميراث وهكذا ذكر في بعض الروايات لان احدى المدخولتين وارثة فيعزلها للاستحقاق فان كانت معزولة بأن لم يقع عليها شئ فلا شئ للتى لم يدخل بها في هذه الحالة لان أحد الطلاقين وقع عليها لا محالة وان كانت المعزولة للاستحقاق معزولة بوقوع الواحدة عليها فان وقع الثلاث على الاخرى فللتي لم يدخل بها نصف الميراث وان وقع الثلاث على التى لم

[ 179 ] يدخل بها فلا شئ لها من الميراث فإذا كان لها النصف في حالة وفي حالة لا شئ لها كان لها الربع ثم هذا الربع لها في هذه الحالة ولا شئ لها في الحالة الاولى فلها نصف الربع وهو الثمن والباقي للتين دخل بهما (قال) وإذا تزوج امرأتين في عقدة وثلاثا في عقدة ثم قال قد دخلت باحد الفريقين ثم مات قبل أن يبين فللثنتين مهر واحد وللثلاث مهر ونصف لان الثلاث ان صح نكاحهن بالسبق وقد دخل بهن فلهن ثلاثة مهور وان لم يصح فلا شئ لهن فلهن مهر ونصف مهر والثنتان ان صح نكاحهما فان دخل بهما فلهما مهران وان لم يصح فلا شئ لهما فلهما مهر واحد والميراث بين الفريقين نصفان لاستواء حالهما فيه وفقه هذه المسألة أنه جعل اقراره بالدخول باحد الفريقين اقرارا بالدخول بمن صح نكاحه حملا لفعله وقوله على الصحة فان دينه وعقله يدعوانه إلى الاقدام على الوطئ الحلال ويمنعانه من الاقدام على الوطئ الحرام وكذلك لو طلق احدى نسائه ثلاثا لان الايقاع بهذا اللفظ يتناول من صح نكاحها فان من لم يصح نكاحها ليست من نسائه وايقاع الثلاث بعد الدخول لا يسقط شيئا من الصداق فكان هذا والاول سواء وان لم يدخل بشئ منهن وطلق احدى نسائه ثلاثا فللثلاث مهر وربع مهر لانه ان صح نكاحهن فلهن مهران ونصف مهر فانه قد طلق احداهن قبل الدخول وذلك يسقط نصف مهر وان لم يصح نكاحهن فلا شئ لهن فلهذا كان لهن مهر وربع مهر وللاثنتين ثلاثة أرباع مهر لانه ان صح نكاحهما فلهما مهر ونصف مهر لوقوع الطلاق على احداهما قبل الدخول وان لم يصح نكاحهما فلا شئ لهما فكان لهما ثلاثة أرباع مهر بينهما نصفان (قال) ولو تزوج ثلاث نسوة فدخل باحداهن ولا تعرف بعينها ثم طلق احدى نسائه ثلاثا والاخرى واحدة ثم مات قبل ان يبين فلهن مهران وربع مهر لانه ان أوقع أحد الطلاقين على المدخول بها فلهن مهران ونصف مهر وان أوقع الطلاقين على اللتين لم يدخل بهما فلهن مهران لسقوط مهر بايقاع الطلاقين على غير المدخولتين فقدر المهرين لهن بيقين ونصف مهر يثبت في حال دون حال فيتنصف فلهذا كان لهن مهران وربع مهر بينهن أثلاثا لان المدخولة منهن غير معينة فحالهن في استحقاق ذلك سواء والميراث بينهن اثلاثا لهذا المعنى وعلى كل واحدة منهن عدة المتوفى عنها زوجها تستكمل في ذلك ثلاث حيض لان كل واحدة منهن يجوز ان تكون هي التي دخل بها ثم أوقع الثلاث عليها فليزمها العدة بالحيض أو لم يقع عليها شئ

[ 180 ] فليزمها عدة الوفاة والعدة يؤخذ فيها بالاحتياط فلهذا كان على كل واحدة منهن هذة الطلاق والوفاة جميعا فان عرفت المدخول بها فلها المهر كاملا لتأكد مهرها بالدخول وللتين لم يدخل بهما مهر وربع مهر في قول أبى يوسف وفى قول محمد رحمه الله تعالى لهما مهر وثلث مهر وقد بينا تخرج القولين وبينا حكم تخريج الميراث أيضا على القولين وان عرفت المدخول بها وقد أوقع تطليقة ثانية على احداهن فالميراث بينهن اثلاثا لان حالهن في استحقاق الميراث سواء فان الطلقة الثانية على ايتهن وقعت حرمتها المدخول بها وغير المدخول بها سواء في ذلك (قال) وإذا تزوج العبد امرأتين في عقدة وثلاثا في عقدة ثم مات فنكاح الثلاث باطلا لان العبد لا يتزوج أكثر من اثنتين فقد تيقنا ببطلان نكاح الثلاث تقدم نكاحهن أو تأخر ونكاح الاثنتين صحيح تقدم أو تأخر فان كانت احدى الثلاث أمة فنكاح الامة فاسد لانضمام نكاحها إلى نكاح الحرة ولا مهر لها لبطلان عقدها وللحرتين اللتين معها مهر واحد لانه ان سبق نكاحهما فلهما مهران وان تأخر نكاحهما فلا شئ لهما وللاخريين مهر واحد أيضا لهذا المعنى وان كان المولى قد أعتق العبد ثم مات العبد فالميراث بين الفريقين نصفان لاستواء حالهما في استحقاق الميراث ويستوى ان كان تزوج العبد باذن مولاه أو بغير اذن مولاه لان عقده بغير اذن المولى يتم بالعتق فان المانع حق المولى وقد زال ذلك بالعتق (قال) ولو أن رجلا أمر رجلا أن يزوجه امرأة فزوجه امرأتين في عقدة نكاحهما باطل وقد بينا هذه المسألة وقول أبى يوسف رحمه الله تعالى الاول فيها أن نكاح احداهما بغير عينها صحيح والبيان إلى الزوج ولو كان امره ان يزوجه امرأة بعينها فزوجها اياه واخرى في عقدة جاز نكاح التى أمره بها لانه في العقد عليها ممتثل لامر الزوج وفي العقد على الاخرى مبتدئ غير ممتثل لامر سبق من الزوج فينفذ عقده على التى امتثل بها أمر الزوج في العقد عليها ويتوقف في الاخرى على اجازة الزوج والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب النفقة) * (قال) رضى الله عنه اعلم بأن الغير تجب بأسباب منها الزوجية ومنها الملك ومنها النسب وهذا الباب لبيان نفقة الزوجات والاصل فيه قوله تعالى وعلى المولود له رزقهن

[ 181 ] وكسوتهن بالمعروف وقال الله تعالى وبما أنفقوا من أموالهم وقال الله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم معناه أسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم وقال أوصيكم بالنساء خيرا فانهن عندكم عوان اتخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وان لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا وأن لا يأذن في بيوتكم لاحد تكرهونه فإذا فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح وان لهن عليكم نفقتهن وكسوتهن بالمعروف وقال لهند خذى من مال أبى سفيان رضى الله عنه ما يكفيك وولدك بالمعروف ولانها محبوسة لحق الزوج ومفرغة نفسها له فتستوجب الكفاية عليه في ماله كالعامل على الصدقات لما فرغ نفسه لعمل المساكين استوجب كفايته في مالهم والقاضى لما فرغ نفسه لعمله للمسلمين استوجب الكفاية في مالهم إذا عرفنا هذا فنقول طريق ايصال النفقة إليها شيئان التمكين أو التمليك حتى إذا كان الرجل صاحب مائدة وطعام كثير تتمكن هي من تناول مقدار كفايتها فليس لها أن تطالب الزوج بفرص النفقة فان لم يكن بهذه الصفة فخاصمته في النفقة فرض لها عليه من النفقة كل شهر ما يكفيها بالمعروف لان النفقة مشروعة للكفاية فانما يفرض بمقدار ما يعلم أنه تقع به الكفاية ويعبر المعروف في ذلك وهو فوق التقتير ودون الاسراف لانه مأمور بالنظر من الجانبين وذلك في المعروف وكذلك بفرض لها من الكسوة ما يصلح لها للشتاء والصيف فان بقاء النفس بهما وكما لا تبقى النفس بدون المأكول عادة لا تبقى بدون الملبوس عادة والحاجة إلى ذلك تختلف باختلاف الاوقات والامكنة فيعتبر المعروف في ذلك فان كان لها خدم فرض القاضى لخادم واحد لان الزوج محتاج إلى القيام بحوائجها وأقرب ذلك اصلاح الطعام لها وخادمها ينوب عنه في ذلك فيلزمه نفقة خادمها بالمعروف ولا تبلغ نفقة خادمها نفقتها حتى قالوا يفرض لخادمها أدنى ما يفرض لها على الزوج المعسر ولا يفرض الا لخادم واحد في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى يفرض لخادمين لانها قد تحتاج اليهما ليقوم احدهما بامور داخل البيت والآخر ياتيها من خارج البيت بما تحتاج إليه وهما قالا حاجتها ترتفع بالخادم الواحد عادة وما زاد على الواحد فللتجمل والزينة ووجوب النفقة على الزوج للكفاية فكما لا يزيدها على قدر الكفاية في نفقتها فكذلك في نفقة خادمها ولو فرض لخادمين لفرض لاكثر من ذلك فيؤدي الا مالا

[ 182 ] يتناهى ثم في ظاهر الرواية المعتبر في ذلك حال الزوج في اليسار والاعسار في ذلك قال الله تعالى على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وقال الله تعالى لينفق ذو سعة من سعته الآية بين ان التكليف بحسب الوسع وان النفقة على الرجال بحسب حالهم وذكر الخصاف رحمه الله تعالى في كتابه ان المعتبر حالهما جميعا حتى إذا كانا موسرين فلها نفقة الموسرين وان كانت هي معسرة تحت زوج موسر تستوجب عليه دون ما تستوجب إذا كانت موسرة لان الظاهر ان دون ذلك يكفيها وان كانت موسرة والزوج معسرا تستوجب عليه فوق ما تستوجب إذا كانت معسره لتحصل كفايتها بذلك وفي ظاهر الرواية يقول لما زوجت نفسها من معسر فقد رضيت بنفة المعسرين فلا تستوجب على الزوج الا بحسب حاله ثم ليس في النفقة تقدير عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يقدر كل يوم بمدين على الموسر وبمد ونصف على وسط الحال وبمد على المعسر وهذا ليس بقوى فان المقصود الكفاية وذلك مما تختلف فيه طباع الناس وأحوالهم من الشباب والهرم ويختلف باختلاف الاوقات أيضا ففي التقدير بمقدار اضرار بأحدهما والذى قال في الكتاب ان كان معسرا فرض لها من النفقة كل شهر أربعة دراهم أو خمسة ولخادمها عليه ثلاثة دراهم أو أقل من ذلك أو أكثر فليس هذا بتقدير لازم لان هذا يختلف باختلاف الاسعار في الغلاء والرخص واختلاف المواضع واختلاف الاوقات فلا معتبر بالتقدير بالدراهم في ذلك وانما ذكر هذا بناء على ما شاهد في ذلك الوقت والذي يحق على القاضى اعتبار الكفاية بالمعروف فيما يفرض في كل وقت ومكان وكما يفرض لها من قدر الكفاية من الطعام فكذلك من الادام لان الخبز لا يتناول الا مأدوما عادة وجاء في تأويل قوله تعالى من أوسط ما تطعمون أهليكم ان أعلى ما يطعم الرجل أهله الخبز واللحم وأوسط ما يطعم الرجل اهله الخبز والزيت وأدنى ما يطعم الرجل أهله الخبز واللبن وأما الدهن فلانه لا يستغنى عنه خصوصا في ديار الحر فهو من أصل الحوائج كالخبز (قال) فان لم يكن لها خادم لم تفرض نفقة الخادم عليه وعن زفر رحمه الله تعالى أنه يفرض لخادم واحد لان على الزوج أن يقوم بمصالح طعامها وحوائجها فإذا لم يفعل ذلك أعطاها نفقة خادم ثم تقوم هي بذلك بنفسها أو تتخذ خادما فاما في ظاهر الرواية استحقاقها نفقة الخادم باعتبار ملك الخادم فإذا لم يكن لها خادم لا تستوجب نفقة الخادم كالغازي إذا كان راجلا لا يستحق سهم الفارس وان أظهر غنا الفارس في القتال (قال) والكسوة على المعسر في

[ 183 ] الشتاء درع وملحفة زطية وخمار سابورى وكساء كأرخص ما يكون كفايتها مما يدفئها ولخادمها قميص كرابيس وازار وكساء كأرخص ما يكون وللخادم في الصيف قميص مثل ذلك وازار وللمرأة درع وملحفة وخمار وان كان موسرا فالنفقة عليه للمرأة ثمانية دراهم أو تسعة ولخادمها ثلاثة دراهم أو أربعة والكسوة للمرأة في الشتاء درع يهودى أو هروى وملحفة دينوريه وخمار ابريسم وكساء اذربيجاني ولخادمها قميص زطى وازار كرابيس وكساء رخيص وفي الصيف للمرأة درع سابورى وملحفة كتان وخمار ابريسم ولخادمها قميص مثل ذلك وازار والحاصل ان ما ذكر من التقدير بالدراهم لا معتبر به لما قلنا وما ذكر من الثياب فهو بناء على عادتهم أيضا وذلك يختلف باختلاف الامكنة في شدة الحر والبرد وباختلاف العادات فيما يلبسه الناس في كل وقت فيعتبر المعروف من ذلك فيما يفرض ولم يذكر في كسوة المرأة الازار والخف في شئ من المواضع وذكر الازار في كسوة الخادم ولم يذكر الخف فان كانت تخرج للحوائج فلها الخف أو المكعب بحسب ما يكفيها فاما المرأة فمأمورة بالقرار في البيت ممنوعة من الخروج فلا تستوجب الخف والمكعب على الزوج وكذلك لا تستوجب الازار لانها مأمورة بان تكون مهيأة نفسها لبساط الزوج فليس على الزوج ان يتخذ لها ما يحول بينه وبين حقه فلهذا لم يذكر الازار في كسوتها ثم النفقة للكفاية في كل يوم فاما الكسوة فانما تفرض في السنة مرتين في كل ستة أشهر مرة فان فعل ذلك لم يجدد لها الكسوة حتى يبلغ ذلك الوقت الا أن تكون لبست لبسا معتادا فتخرق قبل مجئ ذلك الوقت فحينئذ تبين ان ذلك لم يكن يكفيها فتجدد لها الكسوة ولكن ان أخذت الكسوة ورمت بها حتى جاء الوقت وقد بقيت تلك الكسوة عندها يفرض لها كسوة أخرى لانها لو لبست لتخرق ذلك فبأن لم تلبس لا يسقط حقها ويجعل تجدد الوقت كتجدد الحاجة وهذا بخلاف كسوة الاقارب فالمعتبر هناك حقيقة الحاجة وإذا بقيت تلك الكسوة فلا حاجة وهنا لا معتبر بحقيقة الحاجة فانها وان كانت صاحبة ثياب تستوجب كسوتها على الزوج فلهذا فرقنا بينهما (قال) وان كان الرجل من أهل الغني المشهورين بذلك فلامرأته خمسة عشر درهما على كل شهر ولخادمها خمسة ولها من الكسوة في الشتاء درع يهودى وملحفة هروى وجبة فرو أو درع خز وخمار ابريسم ولخادمها قميص يهودى وازار وجبة وكساء وخفين ثم قال محمد رحمه الله تعالى لا ينبغى أن توقت النفقة على الدراهم لان السعر يغلو ويرخص لكن تجعل النفقة على الكفاية

[ 184 ] في كل زمان فينظر إلى قيمة ذلك فيفرض لها عليه دراهم شهرا شهرا وقد بينا هذا الفصل والذى قال تفرض شهرا شهرا انما بناه على عادتهم أيضا وبعض المتأخرين من مشايخنا يعتبر في ذلك حال الرجل أيضا فان كان محترفا تفترض عليه النفقة يوما يوما لانه يتعذر عليه أداء النفقة شهرا دفعة واحدة وان كان من التجار يفرض الاداء شهرا شهرا وان كان من الدهاقين تفرض عليه النفقة سنة سنة لان تيسر الاداء عليه عند ادراك الغلات في كل سنة وتيسر الاداء على التاجر عند اتخاذ أجر غلات الحوانيت وغيرها في كل شهر وتيسر الاداء على المحترف بالاكتساب في كل يوم ولا يؤخذ من الزوج كفيل بشئ من النفقة أما نفقة المستقبل فلم تجب بعد والانسان لا يجبر على اعطاء الكفيل ما لم يجب عليه وأما الماضي فلانه بمنزلة سائر الديون يؤمر بقضائها ولا يجبر على اعطاء الكفيل ولو خاصمته امرأته في نفقة ما مضى من الزمان قبل ان يفرض القاضى عليه لها النفقة لم يكن لها شئ من ذلك عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى يقضى لها بما لم تستوف من النفقة الماضية وأصل المسألة أن النفقة لا تصير دينا الا بقضاء القاضى أو التراضي عندنا وعند الشافعي تصير دينا لان وجوبها بالعقد فلا تحتاج إلى القضاء أو إلى الرضاء في صيرورتها دينا بعد العقد كالمهر ولان وجوب النفقة باعتبار قيام الزوج عليها بعد العقد وقد تقرر ذلك فيصير دينا بدون القضاء كالاجرة يصير دينا باستيفاء المنفعة بعد العقد وحجتنا في ذلك ان النفقة صلة والصلات لا تتأكد بنفس العقد ما لم ينضم إليها ما يؤكدها كالهبة والصدقة من حيث انها لا تتم الا بالقبض وبيان الوصف ان النفقة ليست بعوض عن البضع فان المهر غوض عن البضع ولا تستوجب عوضين عن شئ واحد بعقد واحد ولان ما يكون عوضا عن البضع يجب جملة لان ملك البضع يحصل للزوج جملة ولا يجوز ان يكون عوضا عن الاستمتاع والقيام عليها لان ذلك تصرف منه في ملكه فلا يوجب عليه عوضا فعرفنا ان طريقه طريق الصلة وتأكدها اما بالقضاء أو التراضي ولان هذه نفقة مشروعة للكفاية فلا تصير دينا بدون القضاء كنفقة الوالدين والمولودين لا تصير دينا بمجرد مضى الزمان فكذا هنا وكذلك لو استدانت عليه قبل قضاء القاضى أو التراضي لانه ليس لها عليه ولاية الاستدانة وانما ولايتها على نفسها فما استدانت يكون في ذمتها واتفاقها مما استدانت كانفاقها من سائر أملاكها فلا ترجع بشئ من ذلك على الزوج الا ان يكون القاضى فرض لها عليه نفقة كل شهر أو صالحته على نفقة كل شهر ثم

[ 185 ] غاب أو حبس للنفقة عليها فاستدانت عليه أو لم تستدن أخذته بنفقة ما مضى لان حقها تأكد بقضاء القاضى أو بالصلح عن تراض فان ولايته على نفسه في الالتزام فوق ولاية القاضي في الالزام وذكر عن شريح قال أيما امرأة استدانت على زوجها وهو غائب فانما استدانت على نفسها وانما أراد به إذا لم يفرض القاضى لها النفقة أو فرض لها ولم يأمرها بالاستدانة على زوجها فأما إذا أمرها بالاستدانة عليه فذلك على الزوج لان للقاضى عليه ولاية فأمرها بالاستدانة عليه كأمر الزوج بنفسه (قال) وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا أجيز الفرض عليه إذا كان غائبا لان الفرض عليه إذا كان غائبا الزام وليس للقاضى ولاية الالزام على الغائب وان كان لها منه ولد فطلبت أن يفرض للولد معها نفقة فرض عليه للصغار والنساء والرجال الزمنى فأما الذين لا زمانة بهم من الرجال فلا نفقة لهم عليه بل يؤمرون بالاكتساب والانفاق على أنفسهم فأما من كان زمنا منهم فهو عاجز عن الاكتساب وبالنساء عجز ظاهر عن الاكتساب وفى أمرها بالاكتساب فتنة فان المرأة إذا امرت بالاكتساب اكتسبت بفرجها فإذا لم يكن لها زوج فهى يمنزلة الصغيرة ونفقتها في صغرها عى الوالد لحاجتها فكذلك بعد بلوغها ما لم تتزوج لان ببلوغها تزداد الحاجة والاصل في ذلك ما روينا من قوله خذى من مال أبى سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف ولان مؤنة الرضاع على الوالد بالنص قال الله تعالى فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن إلى قوله وان تعاسرتم فسترضع له أخرى وذلك حاجة الولد ما دام رضيعا فيكون هذا دليلا على أن كفاية الولد على ما بقيت حاجته ثم يدفع نفقة الكبار من الولد إليهم لان النفقة حقهم ولهم أهلية استيفاء حقوقهم ولا ولاية لاحد عليهم ويدفع نفقة الصغار إلى المرأة لان الصغير في حجرها وهى التى تصلح له طعامه فيدفع نفقته إليها ثم بين نفقة الصغير على المعسر بالدراهم وكسوته بالثياب وهذا نظير ما ذكرنا في نفقة الزوجة ان المعتبر ما تقع به الكفاية وهذا أظهر هنا فان الحاجة تختلف باختلاف سن الصغير فلا عبرة بالتقدير اللازم فيه ولكنه ان كان موسرا امر بأن يوسع عليه في النفقة والكسوة على حسب ما يرى الحاكم فيه ويعتبر فيه المعروف في ذلك كما يعتبر في نفقة الزوجة (قال) وإذا صالحت المرأة زوجها على نفقة لا تكفيها فلها ان ترجع عن ذلك وتطالب بالكفاية لان النفقة انما تجب شيئا فشيئا فرضاها بدون الكفاية اسقاط منها لحقها قبل

[ 186 ] الوجوب وذلك لا يجوز ألا ترى أنها لو ابرأته عن النفقة لم تسقط بذلك نفقتها وهذا بخلاف الاجرة فان الابراء عن بعض الاجرة بعد العقد قبل استيفاء المنفعة يجوز بلا خلاف لان سبب الوجوب هنا وهو العقد موجود فيقام ذلك مقام حقيقة الوجوب في صحة الاسقاط وهناك السبب ليس هو العقد ولكن تفريغها نفسها بالخدمة لزوج وذلك يتجدد حالا فحالا فاسقاطها قبل وجود السبب باطل توضيحه ان النفقة مشروعة للكفاية وفى التراضي على مالا تقع به الكفاية تفويت المقصود لا تحصيله فكان باطلا وكذلك ان كان القاضى قضى بذلك لانه تبين أنه أخطأ في قضائه حين قضى بما لا يكفيها فعليه أن يتدارك الخطأ بالقضاء لها بما يكفيها (قال) وإذا فرض على المعسر نفقة المعسرين ثم أيسر فخاصمته فعليه نفقة الموسرين لما بينا ان النفقة تجب شيئا فشيئا فيعتبر حاله في كل وقت فكما لا يستأنف القضاء بنفقة المعسر بعد اليسار فكذلك لا يستديم ذلك القضاء وقد كان القضاء عليه بنفقة المعسر لعذر العسرة فإذا زال العذر بطل ذلك كمن شرع في صوم الكفارة للعسرة ثم أيسر كان عليه التكفير بالمال (قال) وإذا تغيبت المرأة عن زوجها أو أبت ان تتحول معه إلى منزله أو إلى حيث يريد من البلدان وقد أوفاها مهرها فلا نفقة لها لانها ناشزة ولا نفقة للناشزة فان الله تعالى أمر في حق الناشزة يمنع حظها في الصحبة بقوله تعالى واهجروهن في المضاجع فذلك دليل على انه تمنع كفايتها في النفقة بطريق الاولى لان الحظ في الصحبة لهما وفى النفقة لها خاصة ولانها انما تستوجب النفقة بتسليمها نفسها إلى الزوج وتفريغها نفسها لمصالحه فإذا امتنعت من ذلك صارت ظالمة وقد فوتت ما كان يجب النفقة لها باعتباره فلا نفقة لها وقيل لشريح رحمه الله تعالى هل للناشزة نفقة فقال نعم فقيل كم قال جراب من تراب معناه لا نفقة لها وان كان لم يوفها مهرها فابت عليه ذلك حتى يوفيها فلها النفقة لانها حبست نفسها بحق فلا تكون مفوتة ما به تستوجب النفقة حكما بل الزوج هو المفوت بمنعها حقها ولان النفقة حقها والمهر حقها فمطالبتها باحد الحقين لا يسقط حقها الآخر وكذلك لو لم يدخل بها في ظاهر الرواية الا في رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى انها قبل الدخول إذا حبست نفسها لاستيفاء مهرها فلا نفقة لها وكأنه على هذه الرواية اعتبر لوجوب النفقة انتقالها إلى بيت الزوج فإذا لم يوجد لا تستوجب النفقة ابتداء فاما بعد ما انتقلت إلى بيته ووجبت لها النفقة فلا يسقط ذلك الا بمنعها نفسها بغير

[ 187 ] حق وفى ظاهر الرواية بعد صحة العقد النفقة واجبة لها وان لم تنتقل إلى بيت زوجها الا ترى ان الزوج لو لم يطلب انتقالها إلى بيته كان لها ان تطالبه بالنفقة فكذلك إذا حبست نفسها لاستيفاء المهر وان رجعت الناشزة إلى بيت الزوج فنفقتها عليه لان المسقط لنفقتها نشوزها وقد زال ذلك والاصل فيه قوله تعالى فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا (قال) ولا نفقة للصغيرة التى لا يجامع مثلها عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لها النفقة لانها مال يجب بالعقد فالصغيرة والكبيرة فيه سواء كالمهر وهذا لان الوجوب لحاجتها والصغيرة محتاجة إلى ذلك كالكبيرة ألا ترى أن بسبب ملك اليمين تجب النفقة للصغير كما تجب للكبير فكذلك بسبب النكاح وحجتنا في ذلك أنها غير مسلمة نفسها إلى زوجها في منزله فلا تستوجب النفقة عليه كالناشزة وهذا لان الصغيرة جدا لا تنتقل إلى بيت الزوج بل تنقل إليه ولا تنتقل إليه للقرار في بيته أيضا فتكون كالمكرهة إذا حملت إلى بيت الزوج ولان نفقتها عليه باعتبار تفريغها نفسها لمصالحه فإذا كانت لا تصلح لذلك لمعنى فيها كان ذلك بمنزلة منع جاء من قبلها فلا نفقة لها على الزوج بخلاف المملوكة فان نفقتها لاجل الملك فقط وذلك لا يختلف بالصغر والكبر وان كانت قد بلغت مبلغا يجامع مثلها فلها النفقة على زوجها صغيرا كان زوجها أو كبيرا لانها مسلمة نفسها في منزله مفرغة نفسها لحاجته وانما الزوج هو الممتنع من الاستيفاء لمعني فيه فلا يسقط به حقها في النفقة وان كان الزوج صغيرا لا مال له لم يؤخذ الاب بنفقة زوجته الا أن يكون ضمنها لان استحقاق النفقة على الزوج كاستحقاق المهر فكما لا يؤخذ أبوه بشئ من المهر إذا لم يضمن ذلك فكذلك لا يؤخذ بالنفقة (قال) وكل امرأة قضى لها بالنفقة على زوجها وهو صغير أو كبير معسر لا يقدر على شئ فانها تؤمر بأن تستدين ثم ترجع عليه ولا يحبسه القاضى إذا علم عجزه وعسرته لان الحبس انما يكون في حق من ظهر ظلمه ليكون زاجرا له عن الظلم وقد ظهر هنا عذره لا ظلمه فلا يحسبه ولكن ينظر لها بأن يأمرها بالاستدانة فإذا استدانت بأمر القاضى كان كاستدانتها بأمر الزوج فترجع عليه بذلك إذا أيسر وان كان القاضى لا يعلم من الزوج عسره فسألت المرأة حبسه بالنفقة لم يحبسه القاضي في أول مرة لان الحبس عقوبة لا يستوجبها الا الظالم ولم يظهر حيفه وظلمه في أول مرة فلا يحبسه ولكن يأمره بأن ينفق عليها ويخبره أنه يحبسه ان لم يفعل فان عادت إليه مرتين أو ثلاثا حبسه

[ 188 ] لظهور ظلمه بالامتناع من ايفاء ما هو مستحق عليه فان علم أنه محتاج خلى سبيله لانه مستحق للنظرة إلى ميسرة بالنص وليس بظالم في الامتناع من الايفاء مع العجز (قال) وينبغي للقاضي إذا حبس الرجل شهرين أو ثلاثة في نفقة أو دين أن يسأل عنه وفي بعض المواضع ذكر أربعة أشهر وفي رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى قدر ذلك بستة أشهر وذكر الطحاوي عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى ان أدنى المدة فيه شهر والحاصل أنه ليس فيه تقدير لازم لان الحبس للاضجار وذلك مما تختلف فيه أحوال الناس عادة فالرأى فيه إلى القاضى حتى إذا وقع في أكبر رأيه أنه يضجر بهذه المدة ويظهر مالا ان كان له أن يسأل عن حاله بعد ذلك وذكر هشام في نوادره عن محمد رحمه الله تعالى ان له أن يسأل عن حاله بعد ما حبسه ولم يعتبر في ذلك مدة فإذا سأل عنه فاخبر أنه معسر خلى سبيله لان ما صار معلوما بخبر العدول فهو بمنزلة الثابت باقرار الخصم ولا يحول بين الطالب وبين ملازمته عندنا وكان إسماعيل بن حماد رحمه الله تعالى يقول ليس للطالب أن يلازمه وبه أخذ الشافعي رحمه الله تعالى لانه منظر بانظار الله تعالى فهو بمنزلة ما لو أجله الخصم أو أبرأه منه فكما لا يلازمه هناك فكذلك لا يلازمه هنا ولكنا نستدل بما روى أن النبي اشترى من أعرابي بعيرا بثمن مؤجل فلما حل الاجل طالبه الاعرابي فقال ليس عندنا شئ فقال الاعرابي واغدراه فهم به الصحابة رضوان الله عليهم فقال دعوه فان لصاحب الحق اليد واللسان والمراد باللسان التقاضى وباليد الملازمة ولان قضاء الدين مستحق على المديون من كسبه وماله فكما أنه إذا كان له مال كان للطالب ان يطالبه بقضاء الدين منه فكذلك إذا كان له كسب كان له ان يطالبه بقضاء الدين من كسبه وذلك انما يتحقق بالملازمة حتى إذا فضل من كسبه شئ عن نفقته أخذه بدينه ولسنا نعني بهذه الملازمة ان يقعده في موضع فان ذلك حبس ولكن لا يمنعه من التصرف بل يدور معه حيثما دار وان كان غنيا لم يخرجه من السجن أبدا حتى يؤدى النفقة والدين لقوله لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ولانه حال بين صاحب الحق وبين حقه مع قدرته على ابقائه فيجازى بمثله وذلك بالحيلولة بينه وبين نفسه وتصرفه حتى يوفي ما عليه وان كان له مال حاضر أخذ القاضى الدراهم والدنانير من ماله وأدى منها النفقة والدين لان صاحب الحق إذا ظفر بجنس حقه كان له ان يأخذه فللقاضي ان يعينه على

[ 189 ] ذلك أيضا وكذلك إذا ظفر بطعامه في النفقة لانه عين ما عليه من الحق والمرأة تتمكن من أخذه إذا قدرت عليه فيعينها القاضى على ذلك ولا يبيع القاضى عروضه في النفقة والدين في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يبيع ذلك كله وهو بناء على مسألة الحجر فان عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى القاضى لا يحجر على المديون بسبب الدين وبيع المال عليه نوع حجر فلا يفعله القاضى وعندهما القاضى يحجر عليه بسبب الدين فيبيع عليه ماله واستدلا في ذلك بما روى ان النبي حجر على معاذ رضى الله عنه وباع عليه ماله وقسم ثمنه على غرمائه بالحصص وقال عمر رضى الله عنه في خطبته أيها الناس إياكم والدين فان أوله هم وآخره حرب وان أسيفع جهينة قد رضى من دينه وامانته ان يقال له قد سبق الحاج فادان مقرضا أصبح وقد ربدته الا انى بائع عليه ماله وقاسم ثمنه بين غرمائه بالحصص فمن كان له عليه دين فليعد والمعنى فيه أن قضاء الدين مستحق عليه بدليل أنه يحبس لاجله فإذا امتنع من ذلك وهو مما تجرى النيابة فيه ناب القاضى منابه كالتفريق بين العنين وامرأته وبالاتفاق يبادل أحد النقدين بالآخر بهذا الطريق فكذلك يبيع العروض ولابي حنيفة ما روى أن رجلا من جهينة أعتق شقصا من عبد بينه وبين آخر فحبسه رسول الله حتى باع غنيمة له وأدى ضمان نصيب شريكه ومعلوم أن النبي كان علم بيساره حين ألزمه ضمان العتق ثم اشتغل بحبسه ولم يبع عليه ماله فلو كان ذلك جائزا لاشتغل به لان فيه نظرا من الجانبين والمعنى فيه أن المستحق عليه قضاء الدين ولقضاء الدين طرق سوى بيع المال فليس للقاضى عليه ولاية تعيين هذا الطريق لقضاء الدين ألا ترى أنه لا تزوج المديونة لتقضى الدين من صداقها ولا يؤاجر المديون ليقضى الدين من أجرته لانه تعين قضاء الدين عليه فكذلك لا يبيع ماله لانه تعين طريق قضاء الدين عليه ومبادلة أحد النقدين بالآخر لا يفعله في القياس أيضا ولكن في الاستحسان الدراهم والدنانير جعلا كجنس واحد فان المقصود منهما واحد فكان ذلك بمنزلة قضاء الدين من جنس الحق وذلك متعين عليه لصاحب الحق لان له أن يأخذ جنس حقه فكذلك للقاضى أن يعينه عليه وأما حديث معاذ رضى الله تعالى عنه فانما باع رسول الله ماله برضاه وسؤاله لانه لم يكن في ماله وفاء بديونه فسأل رسول الله أن يباشر بيع ماله لينال بركة رسول الله

[ 190 ] ماله فيصير فيه وفاء بدينه والمشهور من حديث عمر رضى الله تعالى عنه إلى قاسم ماله بين غرمائه فانما يحمل ذلك على أن ماله كان من النقود والدليل عليه أن عندهما ليس للقاضى أن يبيع المال الا بطلب من الخصم ولم يكن منهم طلب فعرفنا أنه كان ذلك من جنس الحق أو كان فيه نوع مصلحة رآها لاسيفع جهينة (قال) وإذا كان لرجل نسوة فرضت النفقة لهن عليه بحسب الكفاية على ما قلنا فان كانت احداهن كتابية أو أمة قد بوأها مولاها معه بيتا فرض عليه لكل واحدة منهن ما يكفيها ولا تزاد الحرة المسلمة على الامة والذمية شيئا لان النفقة مشروعة للكفاية وهذا لا يختلف باختلاف الدين ولا باختلاف الحال في الرق والحرية فان فرض ذلك وهو معسر وعلم القاضى ذلك منه أمرهن بالاستدانة عليه ففي هذا يعتدل النظر من الجانبين وان كان الزوج غائبا فقد كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أولا يأمرهن بالاستدانة عليه إذا كان يعلم النكاح بينه وبينهن وهو قول زفر رحمه الله تعالى كما يفعل ذلك عند حضرته ثم رجع فقال لا يأمر بذلك وهو قولهما لان فيه قضاء على الغائب وليس له ذلك وان أمرهن بالاستدانة فلم يجدن ذلك لم يفرق بينه وبينهن ولم يجبره على طلاقهن عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يفرق بينه وبينهن إذا طلبن ذلك لقوله تعالى فامساك بمعروف أو تسريح باحسان والمعروف في الامساك أن يوفيها حقها من المره والنفقة فإذا عجز عن ذلك تعين التسريح بالاحسان وهو المعنى في ذلك فان المستحق عليه أحد الشيئين فإذا تعذر احدهما تعين الآخر ألا ترى أنه إذا عجز عن الوصول إليها بسبب الجب والعنة فرق بينهما لفوات الامساك بالمعروف بل أولى لان حاجتها إلى النفقة أظهر من حاجتها إلى قضاء الشهوة ولكن لما تعين التفريق لايصالها إلى حقها من جهة عسره فرق القاضى بينهما فكذلك هنا تعين التفريق لايصالها إلى حقها من جهة غيره وبه فارق المهر والنفقة المجتمعة عليه فان التفريق ليس بطريق لايصالها إلى ذلك الحق من جهة غيره فاما نفقة الوقت تصل إليها بعد التفريق من جهة زوج آخر وقاس بنفقة العبد والامة فانه يستحق عليه بسبب الملك فإذا تعذر عليه أجبره القاضى على ازالة الملك بالبيع فهنا كذلك واستدل بحديث عمر وعلي رضى الله عنهما كتبا إلى أمراء الاجناد ان مروا من قبلكم ان تبعثوا بنفقة أهليكم أو بطلاقهن وقيل لسعيد بن المسيب رضى الله عنه أتفرق بين العاجز عن النفقة وبين امرأته فقال نعم فقيل له سنة فقال نعم والسنة

[ 191 ] إذا أطلقت يفهم منها سنة رسول الله وحجتنا في ذلك قوله تعالى وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة فهذا تنصيص على ان المعسر منظر ولو أجلته في ذلك لم يكن لها ان تطالب بالفرقة فكذلك إذا استحق النظرة شرعا الا ان المستحق بالنص التأخير فلا يلحق به ما يكون ابطالا لان ذلك فوق المنصوص وفي حق المملوك يكون ابطالا لانه لا يثبت للمملوك على مولاه دين فاما في حق الزوجية يكون تأخيرا لا ابطالا وبهذا يتبين أنه غير عاجز عن معروف يليق بحاله وهو الالتزام في الذمة فان المعروف في النفقة عى الموسع قدره وعلى المقتر قدره وهو الالتزام في الذمة مع أن التسريح طلاق وعند الشافعي المستحق هنا هو الفسخ بسبب العيب حتى إذا فرق بينهما لم يكن طلاقا وبه نجيب عن حديث عمر وعلي رضى الله عنهما مع أنهم ما كانوا عاجزين عن المهر والنفقة فان نفقة عيال من هو من الجند من مال بيت المال والامام هو الذى يوصل ذلك إليهم ولكنهما خافا عليهن الفتنة لطول غيبة أزواجهن فأمراهم ان يبعثوا اليهن ما تطيب به قلوبهن والمعني فيه ان النفقة مال فالعجز عنه لا يكون موجبا للفرقة كالمهر والنفقات المجتمعة بل أولى لان ذلك دين مستقر ونفقة الوقت لم تستقر دينا بعد وهذا لان المقصود بالنكاح غير المال فكان المال زائدا والعجز عن التبع لا يكون سببا لرفع الاصل وكما ان بالفرقة لا تتوصل إلى مهرها الذى على الزوج الاول وانما تتوصل إلى مثله من جهة أخرى فكذلك النفقة وبه فارق الجب والعنة فان هناك تحقق فوات ما هو المقصود مع ان عندنا هناك لا يفسخ العقد ولكن يفرق بينهما بطريق التسريح بالاحسان حتى يكون ذلك طلاقا لازالة ظلم التعليق عنها وهذا ليس في معنى ذلك من وجوه احدها ان هناك قد انسد عليها باب تحصيل ذلك المقصود بدون التفريق بينهما وهنا لم ينسد عليها وصول النفقة بدون التفريق بأن تستدين فتنفق والثانى ان هناك الزوج يمسكها من غير حاجة به إليها فيما هو المقصود فكان ظالما وهنا يمسكها مع حاجته إليها فيما هو المقصود فلا يكون ظالما ولان هناك في ترك التفريق ابطال حقها لان وظيفة الجماع لا تصير دينا على الزوج بمضي المدة ولو فرقنا كان فيه ابطال ملك الزوج فاستوى الجانبان في ضرر الابطال وفى جانبها رجحان لصدق حاجتها وهنا في ترك التفريق تأخير حقها لان النفقة تصير دينا على الزوج وفى التفريق ابطال الملك على الزوج وضرر التأخير دون ضرر الابطال وبه يفرق بينه وبين العبد فالضرر هناك ضرر الابطال لان النفقة هناك لا تصير دينا للمملوك على المالك ثم فيه

[ 192 ] ابطال حقه بغير بدل وفي البيع ابطال ملك المولى ببدل فكان هذا الضرر أهون حتى ان في الموضع الذى يكون ابطالا بغير بدل لا يفعل ذلك وهو أنه إذا عجز عن نفقة أم ولده لم يعتقها القاضى عليه (قال) والتبوئة في الامة ان يخلى بين الامة وزوجها ولا يستخدمها لما بينا ان المعتبر في استحقاق النفقة تفريغها نفسها لقيام مصالح الزوج وانما يحصل ذلك بهذا النوع من التبوئة فان استخدمها بعد ذلك ولم يخل بينه وبينها فلا نفقة لها لانه ازال ما به كانت تجب نفقتها عليه فهى كالحرة الناشزة فان قيل المولى انما ازال ذلك بحق له فلماذا لا يجعل هذا كالحرة إذا أحتبست نفسها لصداقها قلنا كما في الابتداء فان الحرة إذا احتبست نفسها بالصداق كان لها ان تطلب النفقة والمولى إذا لم يبوئها بيتا في الابتداء لم يكن لها النفقة والمعني فيه ان الحرة إذا احتبست نفسها بصداقها فالتفويت انما جاء من قبل الزوج حين امتنع من ايفاء ما لزمه لتنتقل إلى بيته فأما هنا التفويت ليس من جهة الزوج بل من جهة من له الحق وهو المولى لشغله اياها بخدمة نفسه فلهذا لم يكن لها نفقة عليه فان كانت هي تجئ فتخدمه من غير أن يستخدمها فلها النفقة لان الحق للمولى ولم يوجد من جهته تفويت بل الموجود من جهته التسليم فان جاءت في وقت والزوج ليس في البيت فاستخدموها ومنعوها من الرجوع إلى بيتها فلا نفقة لها لان استخدام أهل المولى اياها كاستخدام المولى وقد بينا أن فيه تفويت التبوئة والتبوئة شرط لاستحقاق النفقة وبعد التفويت ممن له الحق لا يكون لها نفقة (قال) ونفقة المرأة واجبة على الزوج وان مرضت من قبل أنها مسلمة نفسها إلى الزوج في بيته ولا فعل منها في المرض لتصير به مفوتة مع أنه لا يفوت ما هو المقصود من الاستئناس وغيره ولا معتبر بمقصود الجماع في حق النفقة فان الرتقاء تستحق النفقة على زوجها مع فوات مقصود الجماع وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى الرتفاء لا تستوجب النفقة على الزوج إذا لم يرض الزوج بها ويكون له أن يردها إلى أهلها ولا ينفق عليها وفى المريضة ان تحولت إلى بيته وهي مريضة فله أن يردها إلى ان تبرأ وان مرضت في بيته بعدما تحولت إليه فليس له أن يردها بل ينفق عليها الا أن يتطاول مرضها (قال) وهذا استحسان لان النكاح يعقد للصحبة والالفة وليس من الالفة أن يمتنع عن الانفاق أو يردها لقليل مرض فإذا تطاول ذلك فهو بمنزلة الرتق الذي لا يزول عادة وانما يلزمه نفقتها لقيامه عليها وقد فات ذلك بمعنى من جهتها فتسقط نفقتها كما إذا كانت صغيرة لا يجامع مثلها ولكن قد بينا الفرق

[ 193 ] بينهما من حيث أن الصغر يزول فلا ينعدم به استحقاق الجماع بسبب العقد بخلاف الرتق والقرن وكذلك لو جنت أو أصابها بلاء يمنعه من الجماع أو هرمت حتى لا يستطيع جماعها وذكر في الكتاب أنه لو أصابتها هذه العوارض من بعد ما دخل بها وليس مراده حقيقة الوطئ بل المراد انتقالها إلى منزله وسواء انتقلت أو لم تنتقل إذا لم تكن مانعة نفسها ظالمة فهى مستوجبة للنفقة على ما قلنا (قال) ولا نفقة في النكاح الفاسد والوطئ بالشبهة ولا في العدة منه لان ما به تستوجب النفقة معدوم هنا وهو تسليمها نفسها إلى الزوج للقيام بمصالحه فان فساد النكاح يمنعها من ذلك شرعا ولهذا لم تجعل الخلوة في النكاح الفاسد تسليما في حق وجوب المهر فكذا لا تستوجب النفقة في التسليم بالنكاح الفاسد (قال) وإذا اختلف الزوج والمرأة فقال الزوج أنا فقير وقالت المرأة هو غنى فالقول قول الزوج مع يمينه وعلى المرأة البينة لان الفقر في الناس أصل واليه أشار رسول الله في قوله يولد كل مولود أحمر ليس عليه غبرة أي سترة ثم يرزقه الله تعالى من فضله فالزوج يتمسك بما هو الاصل والمرأة تدعى غنى عارضا فعليها البينة وعليه اليمين لانكاره وبه أجاب في كتاب العتاق إذا ادعى المعتق أنه معسر فالقول قوله فأما ما أشار في سائر الديون ان كان وجوب الدين عليه ببيع أو قرض لم يقبل قوله انه معسر لانه صار غنيا بما دخل في ملكه في المال فلا قول له في دعوى الفقر بعد تيقننا بزوال ذلك الاصل وكذلك قالوا في كل دين التزمه بالعقد اختيارا كالمهر ودين الكفالة فاقدامه على الالتزم بمنزلة اقرار منه انه قادر على الاداء فان العاقل لا يلتزم مالا يقدر على أدائه اختيارا فاما فيما سوى ذلك فالقول قوله في دعوى العسرة وبعض المتأخرين من مشايخنا يقولون بحكم في ذلك زيه فان كان عليه زى الاغنياء لم يقبل قوله انه معسر لان الزى دليل على غناه قال الله تعالى تعرفهم بسيماهم وقال الله تعالى ولو أرادوا الخروج لاعدوا له عدة وقال جل وعلا وان كان قميصه قد من قبل ففى هذا دليل على ان الظاهر من العلامة يجعل حكما الا في الفقهاء والعلوية فانهم يتكلفون الزى مع العسرة ليعظمهم الناس فلا يجعل الزى حكما في حقهم لظهور العادة بخلافه (قال) فان لم يكن لها بينة على يساره وسألت القاضى ان يسأل عن يساره في السر فليس ذلك على القاضى لانه وجد دليلا يعتمده لفصل الحكم وهو التمسك بالاصل فليس عليه ان يطلب دليلا آخر وان فعله فاتاه من أخبر عنه انه موسر لا يعتمد ذلك أيضا الا ان يخبره بذلك رجلان عدلان

[ 194 ] ويكونا بمنزلة الشاهدين يخبران انهما قد علما ذلك فحينئذ لو شهدا عنده في مجلس الحكم يثبت يساره بشهادتهما وكذلك ان أخبراه بذلك لان المعتبر علم القاضى ويحصل له علم بخبرهما كما يحصل بشهادتهما وان أخبرا انهما علما ذلك من رواية راو لم يؤخذ بقولهما لانهما ما أخبراه عن علم وانما أخبراه عن ظن أو عن خبر من لا يعتمد خبره والخبر إذا تداولته الالسنة تتمكن فيه الزيادة والنقصان عادة فلهذا لا يعتمد مثل هذا الخبر (قال) وان أقامت المرأة البينة انه موسر وأقام الزوج البينة أنه محتاج أخذ بينة المرأة لانها قامت على الاثبات ولان شهود الزوج اعتمدوا في شهادتهم ما هو الاصل وشهود المرأة عرفوا الغنى العارض فلهذا يفرض لها عليه نفقة الموسرين (قال) وإذا كان للزوج عليها دين فقال احسبوا لها نفقتها منه كان له ذلك لان أكثر ما في الباب ان تكون النفقة لها دينا عليه فإذا التقى الدينان تساويا قصاصا الا ترى ان له ان يقاص بمهرها فالنفقة أولى (قال) وإذا فرضت النفقة لها على زوجها ولها عليه شئ من مهرها فاعطاها شيئا من ذلك فقال الزوج هو من المهر وقالت المرأة بل هو من النفقة فالقول قول الزوج أنه من المهر وكذلك هذا في جميع قضاء الديون إذا كان من وجوه مختلفة لانه هو المملك فالقول قوله في بيان جهة التمليك وهو المحتاج إلى تفريغ ذمته فالقول قوله في انه تفرغ ذمته بهذا الاداء من كذا دون كذا (قال) وإذا اختلفا فيما وقع الصلح عليه أو الحكم به من النفقة في الجنس أو القدر فالقول قول الزوج والبينة بينة المرأة لانها مدعية الزيادة فتحتاج إلى الاثبات بالبينة والزوج منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه فان كان الذى أقر به الزوج وحلف عليه لا يكفيها بلغ بها الكفاية في المؤتنف لان النفقة للكفاية وقد بينا أن ما قضى به القاضى أو وقع الصلح عليه ان كان لا يكفيها فلها أن تطالب بما يكفيها في المستقبل فكذلك ما أقر به الزوج (قال) ولو أخذت المرأة من زوجها كفيلا بالنفقة كل شهر لم يكن على الكفيل الا شهر واحد لانه أضاف كلمة كل الا مالا يعرف منتهاه فيتناول الادنى كمن يقول لفلان على كل درهم وأصله في الاجارة إذا استأجر دارا لكل شهر كان لزوم العقد في شهر واحد وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى انه كفيل بنفقتها ما عاشت وبقي النكاح بينهما استحسانا لما فيه من العرف الظاهر ولان قصد المرأة التوثق بهذا الجنس من حقها فكان الكفيل صرح لها بما هو مقصودها فقال في كفالته أبدا أو ما عاشت وهناك يثبت حكم الكفالة بهذا الجنس من حقها عليه

[ 195 ] عاما فكذا هنا ولو ضمن لها نفقة سنة كان جائزا وان لم يكن واجبا ولكن اضافة الكفالة إلى سبب الوجوب صحيح وقد حصل ذلك بتسمية المدة ولم يبين أن الزوج هل يجبر على اعطاء الكفيل بالنفقة أم لا فظاهر المذهب أنه لا يجبر على ذلك كما لا يجبر على اعطاء الكفيل بدين آخر وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه قال إذا قالت المرأة إنه يريد أن يغيب ولا يترك لى نفقة أمره القاضى أن يعجل لها نفقة شهر أو يعطيها كفيلا بنفقة شهر استحسانا لانها طلبت من القاضى أن ينظر لها فيجيبها على ذلك لان الحال حال النظر (قال) وإذا فرض القاضى لها على الزوج نفقة معلومة كل شهر فمضت أشهر لم يعطها حتى مات أو ماتت لم يؤخذ بشئ منها لان النفقة تستحق استحقاق الصلات لا استحقاق المعاوضات على ما قررناه والصلات لا تتم الا بالقبض وتسقط بالموت قبل القبض وشبهه في الكتاب بمن وجبت عليه الجزية إذا مات لم تستوف من تركته لهذا ولان السبب قيام الزوج عليها وتفريغها نفسها لمصالحه وقد زال ذلك قبل الاستيفاء فيسقط حقها كما إذا زال العيب قبل رد المشترى لم يكن له أن يرد بعد ذلك (قال) ولو كانت المرأة استعجلت النفقة مدة ثم ماتت قبل مضى تلك المدة لم يكن للزوج أن يسترد من تركتها شيئا من ذلك في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى لما قلنا أنها صلة وحق الاسترداد في الصلات ينقطع بالموت كالرجوع في الهبة وعند محمد رحمه الله تعالى يترك من ذلك حصة المدة الماضية قبل موتها ويسترد ما وراء ذلك لانها أخذت ذلك من ماله لمقصود لم يحصل ذلك المقصود له فكان له أن يسترد منها كما لو عجل لها نفقة ليتزوجها فماتت قبل أن يتزوجها وروي ابن رستم عن محمد رحمه الله تعالى قال ان كان الباقي من المدة شهرا أو دونه لم يرجع بشئ في تركتها وان كان فوق ذلك ترك لها مقدار نفقة شهر استحسانا ويسترد من تركتها ما زاد على ذلك لانه انما يعطيها النفقة شهرا فشهرا عادة ففي مقدار نفقة شهر هي مستوفية حقها وفيما زاد على ذلك مستعجلة (قال) ولو كانا حيين فاختلفا فيما مضي من المدة من وقت قضاء القاضي فالقول قول الزوج لانكاره الزيادة وانكاره سبق التاريخ في القضاء والبينة بينة المرأة لاثباتها ذلك (قال) وإذا بعث إليها بثوب فقال هو هدية وقال الزوج هو من الكسوة فالقول قول الزوج مع يمينه لانه هو المملك للثوب منها فالقول قوله في بيان جهته الا أن تقيم المرأة البينة أنه بعث به هدية وان أقاما البينة فالبينة بينة الزوج لانه يثبت ببينته فراغ ذمته عن

[ 196 ] حقها من الكسوة أو المهر وكذلك ان أقام كل واحد منهما البينة على اقرار الآخر بما ادعاه لان الزوج هو المدعى للقضاء فيما عليه من الحق فمعنى الاثبات في بينته أظهر وكذلك ان بعث بدراهم فقال هي نفقة وقالت المرأة هي هدية فالقول قوله لما بينا (قال) وإذا أعطاها كسوة فعجلت تمزيقها أو هلكت منها لم يكن عليه أن يكسوها حتى يأتي الوقت لما بينا أن أحوال الناس تختلف في صيانة الثياب وتمزيقها فيتعذر تعليق الحكم بحقيقة تجدد الحاجة فيقام الوقت مقامه تيسيرا فما لم يأت الوقت لا تتجدد الحاجة فلا يتجدد سبب الوجوب لها فلم يكن لها أن تطالبه بشئ (قال) وكذلك ان صانتها ولبست غيرها فإذا جاء الوقت المعلوم لها ان تطالب بالكسوة والقاضى في الابتداء يوقت من المدة ما يتمزق فيه الثوب باللبس المعتاد فما لم يتبين خطأه في ذلك التوقيت يجب بناء الحكم عليه ولا ينظر إلى تعجيلها التمزيق ولا إلى صيانتها فوق المعتاد (قال) وكذلك ان أخذت نفقة شهر فلم تنفق حتى جاء الشهر الثاني وهى معها فلها أن تطالبه بنفقة الشهر الثاني بخلاف نفقة ذى الرحم المحرم فان هناك المعتبر تحقق الحاجة ألا ترى أنه لو كان له مال لم يستوجب النفقة على غيره والحاجة مرتفعة ببقاء المأخوذ معه بخلاف نفقة الزوجة (قال) وإذا فرض القاضى لها النفقة على زوجها فأنفقت من مالها ولم تأخذ منه شيئا فلها أن تأخذه بما مضى من ذلك لان نفقة الزوجة تصير دينا بقضاء القاضي أو الصلح عن التراضي وقد بيناه (قال) وان كان هذا في ذى الرحم المحرم فأنفق على نفسه من مال آخر بعد فرض القاضى لم يكن له أن يرجع على الذى فرض له عليه بشئ لما مضى لما بينا أن المعتبر هنا حقيقة الحاجة وقد انعدم ذلك بمعنى ذلك الوقت فلا تصير النفقة دينا وأورد في باب الزكاة من الجامع ان نفقة ذى الرحم المحرم تصير دينا بقضاء الفاضى وانما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فوضع المسألة هناك فيما إذا استدان المنفق عليه وانفق من ذلك فتكون الحاجة قائمة لقيام الدين عليه وهنا وضع المسألة فيما إذا أنفق من مال له أو من صدقة تصدق بها عليه والحاجة لا تبقى بعد مضى المدة قررنا هذا فيما أمليناه من شرح الجامع (قال) وان كان الرجل غائبا وله مال حاضر فطلبت المرأة النفقة فان كان القاضى يعلم بالنكاح بينهما فرض لها النفقة في ذلك المال لعلمه بوجود السبب الموجب له الا ترى ان من أقر بدين ثم غاب قضى القاضى عليه بذلك لعلمه به فكذلك النفقة ولكن يشترط ان ينظر للغائب وذلك في ان يحلفها انه لم يعطها

[ 197 ] النفقة لجواز ان يكون أعطاها النفقة قبل أن يغيب وهي تلبس على القاضى لتأخذ ثانيا وإذا حلفت فاعطاها النفقة أخذ منها كفيلا لجواز ان يحضر الزوج فيقيم البينة انه قد كان أوفى نفقتها وهذا لان القاضى مأمور بالنظر لكل من عجز عن النظر لنفسه (قال) وإذا حضر الزوج وأثبت بالبينة انه كان قد أوفاها أو أرسل إليها بشئ في حال غيبته أمرها برد ما أخذت لانه ظهر عند القاضى انها أخذت بغير حق وللزوج الخيار ان شاء أخذها بذلك وان شاء أخذ الكفيل وان لم يكن النكاح بينهما معلوما للقاضى فأرادت اقامة البينة على الزوجية لم يقبل القاضى ذلك منها عندنا لما فيه من القضاء على الغائب بالبينة وعن زفر رحمه الله تعالى انه يسمع منها البينة ويعطيها النفقة من مال الزوج وان لم يكن للزوج مال يأمرها بالاستدانة فان حضر الزوج وأقر بالنكاح أمره بقضاء الدين وان أنكر ذلك كلفها اعادة البينة فان لم تعد أمرها برد ما أخذت ولم يقض لها بشئ مما استدانت على الزوج لان في قبول البينة بهذه الصفة نظرا لها ولا ضرر فيه على الغائب فيجيبها القاضي إلى ذلك ولكنا نقول فيه قضاء على الغائب لان دفع ماله إليها لتنفق على نفسها لا يكون الا بعد القضاء عليه بالزوجية (قال) وان أحضرت غريما للزوج أو مودعا في يده مال للزوج وهو مقر بالمال والزوجية أمره القاضى بأداء نفقتها من ذلك بخلاف دين آخر على الغائب فان صاحب الدين إذا أحضر غريما أو مودعا للغائب لم يأمره بقضاء دينه منه وان كان مقرا بالمال وبدينه لان القاضى انما يأمر في حق الغائب بما يكون نظرا له وحفظا لملكه عليه وفى الانفاق على زوجته من ماله حفظ ملكه عليه وليس في قضاء الدين من ماله حفظ ملكه عليه بل فيه قضاء عليه بقول الغير فلهذا المعني تقع الفرقة بينهما (قال) وان جحد المديون أو المودع الزوجية بينهما أو كون المال في يده لم تقبل بينتها على شئ من ذلك أما على الدين والوديعة فلانها تثبت الملك للغائب حتى إذا ثبت ملكه ترتب عليه حقها فيه وهي ليست بخصم في اثبات الملك للزوج في أمواله وأما إذا جحدا الزوجية فقد كان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أولا تقبل بينتها على الزوجية لانها تدعى حقا فيما في يده من المال بسبب فكان خصما في اثبات ذلك السبب كمن ادعى عينا في يد انسان انه له اشتراه من فلان الغائب ثم رجع وقال لا تقبل بينتها على ذلك وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لانها تثبت النكاح على الغائب والمودع والمديون ليس بخصم عن الغائب في اثبات النكاح عليه بالبينة والاشتغال من القاضى بالنظر يكون بعد العلم

[ 198 ] بالزوجة فإذا لم يكن ذلك معلوما له لا يشتغل بسماع البينة من غير خصم وان لم يكن له مال حاضر لم يفرض لها النفقة بطريق الاستدانة عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى لان في هذا قضاء على الغائب وقد بيناه وان كان له مال حاضر فحضور ماله بمنزلة حضوره استحسانا (قال) ولا يبيع العروض في نفقتها أما عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فظاهر لان الزوج لو كان حاضرا لم يبع القاضى عروضه في ذلك فإذا كان غائبا أولى وأما على قولهما انما يبيع على الحاضر عروضه بعد ما يحجر عليه وليس له ولاية الحجر والزام القضاء على الغائب (قال) وينفق عليها من غلة الدار والعبد لان ذلك من جنس حقها ويعطيها الكسوة من الثياب ان كانت له والنفقة من طعامه ان كان له لانه من جنس حقها ولها أن تأخذ من غير قضاء كما قال لهند خذى من مال أبى سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف فلان يقضى لها القاضى بذلك كان أولى ويأخذ منها كفيلا بجميع ذلك نظرا منه للغائب فإذا رجع الزوج وأقام البينة على وصول النفقة إليها لهذا الوقت فالكفيل ضامن لما أخذت لانه التزم بالكفالة وان لم يكن له بينة وحلفت المرأة على ذلك فلا شئ على الكفيل وان نكلت عن اليمين ونكل الكفيل لزمها وللزوج الخيار بين أن يأخذها بذلك أو يأخذ الكفيل لانه كفيل بما لزمها رده من النفقة وقد ثبت ذلك بنكولها ولهذا لزم كفيلها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب نفقة العبد) * (قال) رضي الله عنه وإذا كان للعبد أو المدبر أو المكاتب امرأة حرة أو أمة قد بوئت معه بيتا فانه يفرض عليه نفقتها بقدر ما يكفيها لان سبب وجوب النفقة الزوجية وهى تحقق في حق المملوك كما تتحقق في حق الحر وهو تسليمها إلى الزوج في منزله والحكم ينبنى على السبب الا ترى ان المهر بالنكاح يجب على العبد كما يجب على الحر ثم ما يجب على العبد من الديون إذا ظهر في حق المولى تعلق بمالية رقبته حتى يباع فيه الا ان يقضيه المولى ودين النفقة ظهر في حق المولى لان سببه وهو النكاح كان برضاه فإذا اجتمع عليه من النفقة ما يعجز عن أدائه يباع فيه ثم إذا اجتمع عليه النفقة مرة أخرى يباع فيه أيضا وليس في شئ من ديون العبد ما يباع فيه مرة بعد مرة الا النفقة لان النفقة يتجدد

[ 199 ] وجوبها بمضي الزمان وذلك في حكم دين حادث واما المدبر لا يمكن بيعه في النفقة ولكن يؤمر فيه بالسعاية وكذلك المكاتب لا يمكن بيعه مع قيام عقد الكتابة وانما يقضي بالنفقة في كسبه كما يقضى بسائر ديونه في كسبه فان كان للعبد أو المدبر ولد من امرأته لم يكن عليها نفقة الولد لانها ان كانت أمة فالولد ملك لمولاها ونفقة المملوك على المالك دون الاب وان كانت حرة فولدها يكون حرا ولا تجب نفقة الحر على المملوك بحال لان كسب العبد والمدبر لمولاه ونفقة الولد الحر ليست على المولى وكذلك لا يكون في كسبهما وكذلك المكاتب لا يجب في كسبه نفقة ولد حر ولا نفقة ولد هو مملوك للغير وان كانت امرأته مكاتبة معه لمولى واحد كاتبهما كتابة واحدة فنفقة الولد على الام دون الاب لان الولد تابع للام في كتابتها الا ترى ان كسب الولد يكون لها ولو جنى عليه كان ارش الجناية لها وان مات الولد وترك مالا فذلك كله لها فكذلك نفقة الولد تكون عليها وهذا بخلاف ما إذا وطئ المكاتب أمته فولدت فان نفقة ذلك الولد على المكاتب لانه داخل في كتابته حتى كان كسبه له وارش الجناية عليه له أيضا ليس للام من ذلك شئ لانها أمة ولو كان للام فالام أمة له أيضا فلهذا كانت نفقته عليه ولانه جزء منه فإذا تبعه في العقد كانت نفقته بمنزلة نفقة نفسه (قال) ولو تزوج العبد أو المدبر أو المكاتب بغير اذن المولى فلا نفقة عليهم ولا مهر لان وجوب النفقة والمهر يكون بعد صحة العقد ونكاحهم بغير اذن المولى غير صحيح وان عتق واحد منهم جاز نكاحه حين يعتق لسقوط حق المولى ويجب على المهر والنفقة في المستقبل والمستسعى في بعض القيمة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى كالمكاتب (قال) وان كانت المدبرة أو الامة أو أم الولد تحت حر أو عبد فلا نفقة عليهما ما لم يبوئها معه بيتا لانعدام التسليم قبل التبوئة ويستوى ان كان دخل بها أو لم يدخل بها لان بالدخول انما يوجد تسليم المعقود عليه ولا معتبر به في النفقة فان تسليم المعقود عليه مقرر للبدل والنفقة ليست ببدل ألا ترى أن الرتقاء تستحق النفقة وقد انعدم منها تسليم المعقود عليه فعرفنا أن المعتبر في النفقة تفريغها نفسها لحق الزوج وذلك يكون بالتبوئة فان بوأها معه بيتا فعليه النفقة وان انتزعها منه واحتاج إلى خدمتها فلا نفقة على الزوج ما دامت عند مولاها وان اعادها إليه وبوأها معه بيتا فعليه النفقة كالحرة إذا هربت من زوجها ثم عادت إلى بيته توضيحه أن الامة محبوسة عند مولاها لحق المولى في خدمتها فكانت كالمحبوسة في الدين ولا نفقة للمحبوسة بالدين إذا

[ 200 ] كان الزوج ممنوعا منها فإذا قضت الدين وعادت إلى بيت الزوج كان لها النفقة وان كان لها منه ولد فلا نفقة عليه للولد لان ولد الامة مملوك لمولاها فنفقته تكون على مالكه وان كانت المرأة مكاتبة وقد بوأها معه بيتا أو لم يبوئها منه فهو سواء ولها النفقة ولان المكاتبة في يد نفسها كالحرة وليس لمولاها أن يستخدمها فكانت هي كالحرة في استحقاق النفقة على الزوج إذا لم تحبس نفسها عنه ظالمة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب نفقة أهل الذمة) * (قال) رضى الله عنه ويفرض علي الذمي نفقة امرأته بالمعروف كما يفرض على المسلم لانها كفاية مشروعة للحاجة وسببها وهو الزوجية يتحقق فيما بين أهل الذمة كما يتحقق فيما بين المسلمين فان كانت ذات رحم محرم منه وذلك في دينهم نكاح فطلبت نفقتها منه من قبل النكاح فرض لها من ذلك عليه كما يفرض في النكاح الصحيح في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لما بينا من أصله أن لهذه الانكحة فيما بينهم حكم الصحة وان رفع أحدهما الامر إلى الفاضى لا يفرق القاضى بينهما فيقضى لها بالنفقة وعندهما ليس لهذه الانكحة فيما بينهم حكم الصحة وبرفع أحدهما لامر القاضى يفرق القاضي بينهما فلا يقضى لها بالنفقة ولا خلاف في النكاح بغير شهود ان القاضى يقضى لها بالنفقة لان النكاح بغير شهود صحيح فيما بينهم فان الاشهاد من حق الشرع وهم لا يخاطبون بذلك الا ترى انهم يقرون عليه بعد الاسلام (قال) وإذا أسلم الذمي وامرأته من غير أهل الكتاب فأبت الاسلام وفرق بينهما فلا نفقة لها في العدة لان الفرقة جاءت من قبلها بسبب هي عاصية في ذلك وهو إباء الاسلام بعد ما عرض عليها ولهذا لا مهر لها إذا كان قبل الدخول فليس لها نفقة العدة وان كان بعد الدخول أيضا الا ان في المهر إذا جاءت الفرقة من قبلها قبل الدخول سقط المهر عنه سواء كان بحق أو بغير حق لان سقوط المهر بتفويتها المعقود عليه على الزوج وذلك موجود في الحالين فاما سقوط النفقة باعتبار حبسها نفسها فيكون بمنزلة النفقة حال قيام النكاح وهناك ان حبست نفسها ظلما كالناشزة لم يكن لها النفقة وان حبست نفسها بحق لم تسقط نفقتها كما لو حبست نفسها لاستيفاء صداقها فكذلك في نفقة العدة ان كانت الفرقة من جهتها بسبب هي عاصية في ذلك فليس لها نفقة العدة وان لم تكن عاصية في ذلك فلها نفقة العدة (قال) وان كانت

[ 201 ] المرأة هي التى أسلمت فأبى الزوج ان يسلم ففرق بينهما كان عليه النفقة والسكنى ما دامت في العدة لان الفرقة جاءت بسبب من جهة الزوج وهو اباؤه عن الاسلام وذلك منه تفويت الامساك بالمعروف فتعين التسريح بالاحسان والاحسان في التسريح ان يوفيها مهرها ونفقة عدتها (قال) وإذا خرج أحد الحربيين مسلما ثم خرج الآخر بعده فلا نفقة عليه لها قال لان العصمة انقطعت فيما بينهما بخروج أولهما ومعنى هذا ان وجوب نفقة العدة باعتبار ملك اليد الثابت للزوج عليها في حالة العدة ولهذا لا تجب النفقة في العدة من نكاح فاسد أو وطئ بشبهة ولا في عدة أم الولد من المولى وتباين الدارين كما يقطع عصمة النكاح يقطع ملك اليد الثابت بالنكاح ثم ان كان الزوج هو الخارج فلا عدة عليها لانها حربية وان كانت المرأة هي التى خرجت فكذلك عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما عليها العدة لحق الشرع لا لحق الزوج فلا تكون نفقة العدة عليه والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب النفقة في الطلاق والفرقة والزوجية) * (قال) ولكل مطلقة بثلاث أو واحدة السكنى والنفقة ما دامت في العدة أما المطلقة الرجعية فلانها في بيته منكوحة له كما كانت من قبل وانما أشرف الناح على الزوال عند انقضاء العدة وذلك غير مسقط للنفقة كما لو آلى منها أو علق طلاقها بمضي شهر فاما المبتوتة فلها النفقة والسكنى مادامت في العدة عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لها السكنى ولا نفقة لها الا ان تكون حاملا وعلى قول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى لا نفقة للمبتوتة في العدة واستدلوا بحديث فاطمة بنت قيس رضى الله تعالى عنها قالت طلقني زوجي ثلاثا فلم يجعل لى رسول الله نفقة ولا سكني الا أن في صحة هذا الحديث كلاما فانه روى أن زوج فاطمة أسامة بن زيد رضى الله تعالى عنه كان إذا سمع منها هذا الحديث رماها بكل شئ في يده وعن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت تلك المرأة فتنت العالم أي بروايتها هذا الحديث وقال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندرى أصدقت أم كذبت حفظت أم نسيت سمعت رسول الله يقول للمطلقة الثلاث النفقة والسكني ما دامت في العدة وتأويله ان ثبت من وجهين (أحدهما) أن زوجها كان غائبا فانه خرج إلى اليمن ووكل أخاه بأن ينفق

[ 202 ] عليها خبز الشعير فأبت هي ذلك ولم يكن الزوج حاضرا ليقضى عليه بشئ آخر (والثانى) أنها كانت بذيئة اللسان على ما روى أنها كانت تؤذى أحماء زوجها حتى أخرجوها فأمرها رسول الله ان تعتد في بيت ابن أم مكتوم رضي الله تعالى عنه فظنت أنه لم يجعل لها نفقة ولا سكنى ثم لا خلاف في استحقاقها السكنى فانه منصوص عليه بقوله تعالى ولا تخرجوهن من بيوتهن الآية وقال تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم فعلماؤنا قالوا النفقة والسكنى كل واحد منهما حق مالى مستحق لها بالنكاح وهذه العدة حق من حقوق النكاح فكما يبقى باعتبار هذا الحق ما كان لها من استحقاق السكني فكذلك النفقة وباستحقاق السكني يتبين بقاء ملك اليد للزوج عليها ما دامت في العدة وكما يثبت استحقاق النفقة بسبب ملك اليمين يثبت بسبب ملك اليد ألا ترى أن نفقة رقيق المكاتب عليه في كسبه لماله فيه من ملك اليد ولا يدخل عليه نفقة المرهون فانه لا يكون على المرتهن مع ملك اليد له لان ملك اليد للمرتهن في المالية دون العين فان يده يد الاستيفاء وذلك في المالية دون العين فأما إذا كانت حاملا فلها النفقة بالنص وهو قوله تعالى وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ومن أصل الشافعي رحمه الله تعالى أن تعليق الحكم بالشرط كما يدل على ثبوت الحكم عند وجود الشرط يدل على نفيه عند عدم الشرط وعند تعليق الحكم بالشرط لا يدل على عدم الحكم عند عدم الشرط لان مفهوم النص ليس بحجة ولانه يجوز أن يكون الحكم ثابتا قبل وجود الشرط بعلة أخرى ألا تري أن من قال لعبده أنت حر إذا جاء رأس الشهر ثم قال أنت حر غدا يبقى ذلك التعليق صحيحا حتى لو أزاله من ملكه اليوم فمضي الغد ثم اشتراه ثم جاء رأس الشهر يعتق ولو بقي في ملكه حتى الغد يعتق أيضا كيف وقد قال أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم وفى قراءة ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم وقراءته لابد أن تكون مسموعة من رسول الله فذلك دليل على أن النفقة مستحقة لها بسبب العدة وان قوله وان كن أولات حمل لازالة إشكال كان عسى ان يقع فان مدة الحمل تطول عادة فكان يشكل أنها هل تستوجب النفقة بسبب العدة في مدة الحمل وان طالت فأزال الله تعالى هذا الاشكال بقوله حتى يضعن حملهن ثم النفقة إذا كانت حاملا تجب لها لا للولد بدليل أنه لا تجب في مال الولد وان كان له مال أوصى له به وانها لا تتعدد بتعدد الولد وأنها إذا كانت أمة

[ 203 ] فنفقتها على زوجها ونفقة الولد تكون على مولاه كما بعد الانفصال وأن المنكوحة إذا حبلت لا تتضاعف نفقتها ولو كان الحمل يستحق النفقة لتضاعف نفقة المنكوحة إذا حبلت فإذا ثبت ان النفقة لها فقلنا لابد من سبب لاستحقاق النفقة بينهما وبين الزوج ولا سبب لذلك سوى العدة والحامل والحائل في هذا السبب سواء ولا تخرج من بيتها ليلا ولا نهارا لقوله تعالى ولا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة قال إبراهيم رضي الله عنه خروجها من بيتها فاحشة ولانها مكفية المؤنة لا حاجة لها إلى الخروج ليلا ولا نهارا بخلاف المتوفى عنها زوجها فانه لا نفقة لها في تركة الزوج فهى تحتاج إلى ان تخرج بالنهار في حوايجها والبائنة بالخلع والايلاء واللعان وردة الزوج ومجامعة أمها سواء في ذلك لان هذه الفرقة كلها بسبب من جهة الزوج بعد ان كانت مستحقة للنفقة في أصل النكاح فيبقي ذلك الحق ببقاء العدة فان اشترط الزوج في الخلع أن لا سكنى في العدة ولا نفقة فعليه السكنى ولا نفقة عليه لان خروجها من بيتها معصية واشتراط المعصية في الخلع باطل ولان النفقة حقها واسقاطها حق نفسها صحيح فأما السكنى من حق الشرع واسقاط ما هو حق الشرع باطل ألا ترى أن اسقاطها لما زاد علي العشرة من المهر عند العقد صحيح بخلاف العشرة حتى لو أبرأت زوجها من مؤنة السكني ورضيت أن تكون في بيت نفسها أو تلتزم مؤنة السكني من مالها كان صحيحا لان ذلك حقها (قال) وإذا طلق امرأته طلاقا بائنا وهي أمة وقد بوأها معه بيتا فعلى الزوج النفقة لانها كانت مستحقة للنفقة حال قيام النكاح فيبقى ذلك ببقاء العدة فان أخرجها المولى إليه لخدمته بطلت النفقة عن الزوج كما في حال قيام النكاح إذا شغلها بخدمته فان أعادها إلى بيت الزوج وترك استخدامها فلها النفقة كما في حال قيام النكاح فاما إذا كانت عند الطلاق في بيت المولى يستخدمها ثم عادت إلى بيت الزوج بعد الطلاق فلا نفقة لها عندنا وعلى قول زفر رحمه الله تعالى لها النفقة كما لو كان استخدامه اياها بعد الطلاق وهذا لان سقوط النفقة بعارض فإذا زال ذلك العارض صار كان لم يكن الا ترى ان الحرة إذا كانت ناشزة هاربة من الزوج حين طلقها ثم عادت إلى بيته كان لها نفقة العدة لهذا المعنى وحجتنا في ذلك ان باعتبار العدة يبقى ما كان ثابتا ولا يثبت ما لم يكن ثابتا لان الثبوت ابتداء يستدعى قيام الملك مطلقا فاما ثبوت نفقة العدة عند الفرقة فان كانت في بيت الزوج عند ذلك كانت مستحقة للنفقة فيبقى ذلك ببقاء العدة فان اعترض بعد ذلك

[ 204 ] مسقط ثم زال صار كان لم يكن وإذا لم تكن مستحقة للنفقة عند الفرقة فلو جعلنا لها النفقة في العدة كان هذا إثبات النفقة لها ابتداء في العدة وذلك لا يكون وهذا المعنى وهو ان المقصود من التبوئة ان تتفرغ للقيام بمصالح الزوج وذلك في حال قيام النكاح فإذا بوأها بيتا في حال قيام النكاح استحقت النفقة فيبقى ذلك ببقاء العدة فاما إذا كان ابتداء التبوئة في العدة لا يحصل به هذا المقصود لانها لا تقوم بمصالح الزوج والقياس في الناشزة هكذا ولكنا استحسنا فيها لان الحرة مستحقة في أصل النكاح والعارض المسقط عند الفرقة وبعدها في حقها سواء إذا زال صار كان لم يكن بخلاف الامة وان جاءت الفرقة من قبل المرأة بالمعصية كالردة ومطلوعة ابن الزوج على الجماع وما أشبه ذلك فلا نفقة لها ان أصرت على ذلك أو رجعت وتابت من لردة اما السكنى فواجبة لها لان القرار في البيت مستحق عليها فلا يسقط ذلك بمعصيتها اما النفقة فواجبة لها فتسقط بمجئ الفرقة من قبلها بالمعصية (قال) وان كانت أمة قد بوأها المولى بيتا فعتقت واختارت نفسها فلها النفقة في العدة لان اختيارها كان بسبب حق مستحق لها وقد بينا ان النفقة لا تسقط في حال قيام النكاح إذا حبست نفسها بحق فكذلك إذا وقعت الفرقة بسبب حق مستحق لها (قال) وإذا لم تخاصم المعتقة في نفقتها حتى انقضت عدتها فلا نفقة لها وكذلك التى طلقها زوجها لان نفقة العدة لا تكون أوجب من نفقة النكاح وقد بينا ان نفقة النكاح لا تصير دينا بمضي المدة قبل الفرض ولا يكون لها ان تطالب بها بعد زوال النكاح فنفقة العدة أولى وهذا لان السبب ملك اليد والمستحق بهذا السبب في حكم الصلة فلابد من قيام السبب لثبوت حق المطالبة الا ترى ان الذمي إذا أسلم وعليه خراج رأسه يطالب بشئ منه لزوال السبب قبل الاستيفاء فهذا مثله (قال) وان كان الزوج غائبا فاستدانت عليه ثم قدم بعد انقضاء العدة فهذا ونفقة النكاح سواء وقد بينا هناك ان على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الاول استدانتها على الزوج صحيح وعلى قوله الآخر انما استدانت على نفسها وليس على الزوج من ذلك شئ فكذلك في حكم نفقة العدة (قال) وإذا تطاولت العدة بالمرأة فالنفقة لها واجبة حتى تنقضي العدة بالحيض أو بالشهور عند الاياس لان سبب الاستحقاق قائم فيبقى الاستحقاق ببقاء السبب طالت المدة أو قصرت الا تري ان في الطلاق الرجعى يسوى بين ان تطول مدة الحيض أو تقصر والاصل فيه حديث علقمة رضى الله عنه فانه طلق امرأته

[ 205 ] فارتفع حيضها سبعة عشر شهرا ثم ماتت فورثه منها عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وقال ان لله تعالى حبس ميراثها عليك (قال) وان اختلفا في انقضاء العدة فالقول قولها مع يمينها لان ما في رحمها لا يعلمه غيرها فتكون أمينة فيه مقبولة القول هكذا قال أبى بن كعب رضي الله عنه من الامانة ان تؤمن المرأة على ما في رحمها ولانها متمسكة بالاصل والاصل بقاء العدة واستحقاق النفقة كان ثابتا لها فيبقى ما لم يظهر انقضاء العدة وبقول الزوج ذلك لا يظهر في حقها لان قوله ليس بحجة عليها فان أقام الزوج البينة على اقرارها بانقضاء العدة برئ من النفقة لان ثبوت اقرارها بالبينة كثبوته بالمعاينة (قال) وإذا جامعت ابن زوجها مطاوعة في عدتها لم تبطل بذلك نفقتها الا على قول زفر رحمه الله تعالى فانه يقول النفقة تجب شيئا فشيئا فكما أنها لو طاوعت ابن الزوج في حال قيام النكاح لم يكن لها النفقة فكذلك إذا فعلت ذلك في العدة ولكنا نقول لا تأثير لفعلها هنا هي الفرقة فان الفرقة بينهما قد وقعت قبل فعلها ولا تأثير لهذا الفعل في اسقاط العدة فتبقى النفقة مستحقة لها بخلاف ما إذا فعلت حال قيام النكاح لان الفرقة هناك وقعت بفعلها وهي عاصية في ذلك فأما إذا ارتدت في العدة سقطت نفقتها لا لعين الردة ولكن لانها تحبس فلا تكون في بيت زوجها والمحبوسة بحق عليها لا تستوجب النفقة في حال قيام النكاح فكذلك لا تستوجب النفقة في العدة وان تابت ورجعت إلى بيته كان لها النفقة لزوال العارض وهو الحبس بخلاف ما إذا وقعت الفرقة بردتها فان هناك لا نفقة لها وان تابت لان أصل الفرقة كان من جهتها بمعصية ولو لحقت بدار الحرب مرتدة فقد انقطعت العصمة بينهما حتى إذا جاءت مسلمة أو تائبة أو سبيت فأعتقت أو لم تعتق فلا نفقة لها لان استحقاق النفقة باعتبار بقاء العصمة وتباين الدارين قاطع للعصمة (قال) ولو أن مستأمنا في دارنا تزوج ذمية ودخل بها وطلقها فلها النفقة في قول من يوجب على الذمية العدة وقد بينا فيه شبه الروايتين عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى فمن أوجب عليها يقول النفقة لما كانت مستحقة في حال قيام النكاح لها يبقى ببقاء العدة ولا يشبه هذا لذمى الذى له أبوان حربيان دخلا بأمان فانه لا نفقة لهما عليه لانهما وان كانا في دارنا صوره فهما من أهل الحرب متمكنان من الرجوع إلى دار الحرب ونفقة الاقارب بمنزلة الصلة ولا يثبت استحقاق الصلة للحربى على من هو من أهل دارنا وهذا لان هذه الصلة لابقائه وهو أهل الحرب

[ 206 ] فهو به مستوجب للقتل غير مستوجب للابقاء وكما لا تجب نفقتهما على الذمي لا تجب على المسلم بطريق الاولى (قال) وان كان للمسلم أب ذمي معسر ففي القياس لا نفقة له عليه لاختلاف الدينين ألا ترى أن التوارث بينهما منقطع فكذلك استحقاق النفقة وهو نظير سائر الاقارب حتى لا يستوجبون النفقة مع اختلاف الدين ولكنا نستحسن في حق الاب الذمي والام لقوله تعالى وصاحبهما في الدنيا معروفا وهذا في الابوين الكافرين لقوله تعالى وان جاهداك على أن تشرك بى وليس من المصاحبة بالمعروف أن يتركهما يموتان جوعا ثم استحقاق النفقة فيما بين الوالد والولد بسبب الولادة وذلك متحقق مع اختلاف الدين بخلاف سائر الاقارب فان الاستحقاق هنا بسبب الوراثة قال الله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك وباختلاف الدين ينقطع التوارث وبمعرفة حدود كلام صاحب الشرع يحسن الفقه ألا ترى أن حكم العتق عند دخوله في ملكه وحرمة الرجوع في الهبة لما تعلق بالمحرمية شرعا لم يختلف باختلاف الدين (قال) رجل أعتق أم ولده فلا نفقة لها في العدة لان استحقاق النفقة كان لها بملك اليمين والعتق مناف للملك وما عليها من العدة نظير العدة من نكاح فاسد أو وطئ بشبهة ألا ترى أنه لا يختلف بالحياة والوفاة وبمثل هذه العدة لا تستحق النفقة (قال) وإذا أقر الرجل ان نكاح امرأته عليه حرام وقد دخل بها ففرق بينهما فلها المسمى من المهر ونفقة العدة لان أصل النكاح كان صحيحا باعتبار الظاهر وهو غير مصدق في اقراره بالحرمة في حقها وانما يصدق في حق نفسه بابطال ملكه عنها فيجعل هذا في حقها كالطلاق فلها جميع المسمى ونفقة العدة (قال) والتي زوجها عمها إذا اختارت نفسها بعد البلوغ وقد دخل بها الزوج فلها النفقة ما دامت في العدة لان الفرقة من جهتها بسبب حق مستحق لها وكذلك إذا فرق القاضى بينهما بعد الدخول لعدم الكفاءة فلها النفقة والسكنى ما دامت في العدة لان أصل النكاح كان صحيحا يتوارثان به إذا مات أحدهما والفرقة إذا جاءت بسبب حق مستحق لا تسقط به نفقتها (قال) وإذا فرض القاضي للمرأة على زوجها النفقة فأعطاها فسرق منها لم يكن على الزوج ان يعطيها مرة أخرى ما لم يمض الوقت لانها قد استوفت حق نفسها فدخل المستوفي في ضمانها كما إذا استوفت المهر ويكون الهلاك بعد ذلك عليها دون الزوج ولو أرسل بها إليها رسولا فقال الرسول قد أعطيتها اياها وجحدت هي كان القول قولها مع يمينها لان رسول الزوج نائبه فدعواه انه أعطاها كدعوى الزوج ذلك

[ 207 ] عليها ولو قال الزوج أعطيتها نفقتها وأنكرت هي الاستيفاء كان القول قولها مع يمينها فكذلك إذا ادعى الرسول انه أعطاها ولو أقرت بالاستيفاء ثم ماتت قبل مضى المدة ففى حق الزوج في الاسترداد من التركة خلاف كما بينا فيما سبق ولا فرق بين ان يكون المقبوض بعينه قائما أو يكون مستهلكا على القولين جميعا والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب حكم الولد عند افتراق الزوجين) * اعلم بأن الصغار لما بهم من العجز عن النظر لانفسهم والقيام بحوائجهم جعل الشرع ولاية ذلك إلى من هو مشفق عليهم فجعل حق التصرف إلى الآباء لقوة رأيهم مع الشفقة والتصرف يستدعى قوة الرأى وجعل حق الحضانة إلى الامهات لرفقهن مى ذلك مع الشفقة وقدرتهن على ذلك بلزوم البيوت والظاهر أن الام أحفى وأشفق من الاب على الولد فتتحمل في ذلك المشقة مالا يتحمله الاب وفى تفويض ذلك إليها زيادة منفعة للولد والاصل فيه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى الله عنهم أن امرأة جاءت إلى رسول الله فقالت ان ولدى هذا قد كان بطني له وعاء وحجرى له حواء وثديي له سقاء وأن هذا يريد أن ينتزعه منى فقال أنت أحق به ما لم تتزوجى ولما خاصم عمر أم عاصم بين يدى أبى بكر رضي الله تعالى عنه لينزع عاصما منها قال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه ريحها خير له من سمن وعسل عندك وفي رواية ريقها خير له يا عمر فدعه عندها حتى يشب وفي رواية دعه فريح لفاعها خير له من سمن وعسل عندك إذا عرفنا هذا فنقول إذا فارق الرجل امرأته ولهما ولد فالام أحق بالولد أن يكون عندها حتى يستغنى عنها فان كان غلاما فحتى يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده وفي نوادر داود بن رشيد ويستنجى وحده وان كانت جارية فهي أحق بها حتى تحيض وكان القياس أن يستوى الغلام والجارية في ذلك وإذا استغنيا يكون الاب أحق بهما لان للام حق الحضانه وذلك ينتهى إذا استغنى عن ذلك والحاجة إلى الحفظ بعد ذلك والاب أقدر على الحفظ فان المرأة تعجز عن حفظ نفسها وتحتاج إلى من يحفظها على ما قيل النساء لحم على وضم الا ما ذب عنهن فكيف تقدر على حفظ غيرها ولكنا تركنا القياس فقلنا الجارية وان استغنت عن التربية فقد احتاجت إلى تعلم الغزل والطبخ وغسل الثياب والام على ذلك

[ 208 ] أقدر وإذا دفعت إلى الاب اختلطت بالرجل فيقل حياؤها والحياء على النساء زينة وانما يبقى ذلك إذا كانت تحت ذيل أمها فكانت أحق بها حتى تحيض فإذا بلغت احتاجت إلى التزويج وولاية التزويج إلى الاب وصارت عرضة للفتنة ومطمعة للرجال وبالرجال من الغيرة ما ليس للنساء فيتمكن الاب من حفظها على وجه لا تتمكن الام من ذلك وفي نوادر هشام عن محمد رحمه الله تعالى إذا بلغت حد الشهوة فالاب أحق بها للمعنى الذى أشرنا إليه وهو قوة غيرة الرجال فان الام ربما تخذع فتقع في فتنة ولا تشعر الام بذلك ويؤمن ذلك على الاب فأما الغلام إذا استغنى فقد احتاج إلى تعلم أعمال الرجال والاب على ذلك أقدر واحتاج إلى من يثقفه ويؤدبه والاب هو الذى يقوى على ذلك ولان صحبة النساء مفسدة للرجال فإذا ترك عندها ينكسر لسانه ويميل طبعه إلى طبع النساء فربما يجئ مخنثا فلهذا يدفع إلى الاب بعد ذلك وهذا مذهبنا فأما عند الشافعي رحمه الله تعالى يخير بين الابوين فيدفع إلى من اختار الغلام صحبته لحديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي خير غلاما بين الابوين ولكنا نقول في هذا بناء الالزام والحكم على قول الصبي وذلك لا يجوز ولان الصبي في العادة يختار ما يضره لانه يختار من لا يؤدبه ولا يمنعه شهوته والذى روى من الاثر فقد دعى رسول الله لذلك الغلام فقال اللهم سدده فببركة دعاء رسول الله اختار ما هو أنفع له ولا يوجد مثله في حق غيره والرضاع والنفقة على الوالد لقوله تعالى فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن يعنى مؤنة الرضاع وهذا بخلاف حال قيام النكاح بينهما فانها لا تستوجب الاجر على ارضاع الولد وان استأجرها عندنا لان في حال بقاء النكاح الرضاع من الاعمال المستحقة عليها دينا وبعد الفرقة ليس ذلك بمستحق عليها دينا ولا دينا وكما أن النفقة بعد الفطام على الاب لا يشاركه أحد في ذلك باعتبار أن الولد جزء منه والانفاق عليه كالانفاق على نفسه فكذلك قبل الفطام مؤنة الرضاع عليه فان كان يجد من يرضعه بأقل مما ترضعه المرأة ولم تأخذه المرأة بذلك استأجر الظئر لترضعه قال الله تعالى وان تعاسرتم فسترضع له أخرى ولانها قصدت الاضرار بالزوج في التحكم عليه وطلب الزيادة الا أن الظئر تأتى فترضعه عند أمه وليس للاب أن يأخذ الولد منها لان حق الحضانة لها فلا يملك الاب ابطال حقها وان اخذته الام بمثل ذلك فهى أحق به لانها أشفق على الولد من الظئر ولبنها أوفق له

[ 209 ] والاب في هذا الموضع قاصد إلى الاضرار والتعنت حين رضي بدفع مقدار إلى الظئر ولا رضى بدفع مثل ذلك إلى الام فان لم يكن وقع بينهما فرقة فلا أجر لها على الرضاع وان أبت أن ترضع لم تكره على ذلك لان المستحق عليها بالنكاح تسليم النفس إلى الزوج للاستمتاع وما سوى ذلك من الاعمال تؤمر به تدينا ولا تجبر عليه في الحكم نحو كنس البيت وغسل الثياب والطبخ والخبز فكذلك ارضاع الولد (قال) وان لم يكن للصبي أب وكان له أم وعم فالرضاع عليهما أثلاثا على قدر ميراثهما ان كانا موسرين لقوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك فقد اعتبر صفة الوراثة في حق غير الاب فدل ذلك على أنه يكون على الورثة بحسب الميراث ولكن بعد أن يكون ذا رحم محرم ثبت ذلك بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك فان قراءته لا تتخلف عن روايته عن رسول الله لانه ما كان هذا الا سماعا من رسول الله وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى قال في النفقة بعد الفطام الجواب هكذا وكذلك فيما يحتاج إليه من النفقة قبل الفطام فاما الرضاع فانه كله على الام لانها موسرة باللبن والعم معسر في ذلك ولكن في ظاهر الرواية قال قدرة العم على تحصيل ذلك بماله يجعله موسرا فيه فلهذا كان عليهما اثلاثا والام أحق ان يكون عندها حتى يبلغ ما وصفنا فان كان العم فقيرا والام غنية فالرضاع والنفقة على الام لان النفقة على العم مستحقة في ماله لا في كسبه على ما نبينه في نفقة ذوى الارحام ان شاء الله تعالى والمعسر ليس له مال فلا يلزمه شئ من النفقة بل هو كالمعدوم فكانت النفقة عى الام فان كان له أم وأخ لاب وأم وعم وهم أغنياء فالرضاع على الام والاخ اثلاثا بحسب الميراث ولا شئ من ذلك على العم لانه ليس بوارث مع الاخ والغرم مقابل بالغنم وانما يستحق على من يكون الغنم له إذا مات الولد والحاصل ان بعد الاب النفقة على كل ذى رحم محرم إذا كانوا أغنياء على حسب الميراث ومن كان منهم فقيرا لم يجبر على النفقة فان تطوع يشئ فهو أفضل فان كانت الام فقيرة وللولد عمة وخالة غنيتان فالنفقة عليهما أثلاثا على العمة الثلثان وعلى الخالة الثلث لان الام الفقيرة كالمعدومة وبعدها الميراث بين العمة والخالة أثلاثا فكذا النفقة عليهما وعلى هذا لو كان له ابن عم هو وارثه فان ابن العم ليس بذى رحم محرم فلا شئ عليه من النفقة بل يجعل هو في حق النفقة كالمعدوم وتكون النفقة على العمة والخالة أثلاثا

[ 210 ] وان كان الميراث لابن العم وكذلك كل عصبة ليس بذى رحم محرم فلا نفقة عليه وان كان الميراث له الا ترى ان مولى العتاقة عصبة في حق الميراث ولا نفقة عليه فكذلك من ليس بمحرم من الاقارب (قال) ويؤمر الموسر والوسط لولده إذا كانوا أكثر من واحد بخادم فان لم يكفهم فخادمان يقومان عليهم في خدمتهم لان هذا من جملة كفايتهم فتكون على الاب كالنفقة والكسوة الا أن المعسر عاجز عن ذلك والتكليف بحسب الوسع فأما الموسر ووسط الحال يقدر على ذلك فيؤمر من ذلك بما تقع به الكفاية (قال) فان تزوجت الام فللاب أن يأخذ الولد منها لقوله ما لم تزوجي فانما جعل الحق لها الي أن تتزوج وحكم ما بعد الغاية مخالف لما قبل ذلك ولانها لما تزوجت فقد اشتغلت بخدمة زوجها فلا تتفرغ لتربية الولد والولد في العادة يلحقه الجفاء والمذلة من زوج الام فكان للاب أن لا يرضى بذلك فيأخذ الولد منها (قال) وأم الام في ذلك سواء بمنزلة الام بعدها لان حق الحضانة بسبب الامومة وهى أم تدلى بأم فهى أولى من أم الاب لانها تدلى بقرابة الاب وقرابة الام في الحضانة مقدمة على قرابة الاب (قال) ويستوى ان كانت الام مسلمة أو كتابية أو مجوسية لان حق الحضانة لها للشفقة على الولد ولا يختلف ذلك باختلاف الدين على ما قيل كل شئ يحب ولده حتى الحبارى ومن مشايخنا من يقول إذا كانت كافرة فعقل الولد فانه يؤخذ منها جارية كانت أو غلاما لانه مسلم باسلام الاب وانها تعلمها الكفر فلا تؤمن من الفتنة إذا تركت عندها فلهذا تؤخذ منها فان كان لام الام زوج نظرنا فان كان زوجها جد الولد فهي أحق به لان جد الولد يكون مشفقا عليه ولا يلحقه الاذى والجفاء من جهته وان كان أجنبيا فلا حق لها في الولد كالام إذا تزوجت أجنبيا (قال) وأم الاب بعدها أحق بهم عندنا وعلى قول زفر رحمه الله تعالى الاخت من الاب والام أو من الام أو الخالة أحق من الجدة أم الاب لانها تدلى بقرابة الاب ومن سمينا بقرابة الام واستحقاق الحضانة باعتبار قرابة الام ولكنا نقول هذه أم في نفسها كأم الام والام مقدمة على غيرها في الحضانة ثم أصل الشفقة باعتبار الولاد وذلك للجدات دون الاخوات والخالات فلهذا كانت أم الاب أحق وان كان لها زوج فان كان زوجها جد الولد فكذلك وان كان زوجها أجنبيا أو كانت هي ميتة فحق الحضانة إلى الاخوات والاخت لاب وأم أولى من الاخت لام وعلى قول زفر رحمه الله تعالى هما مستويتان لان ثبوت هذا الحق بقرابة الام وهما سواء في ذلك

[ 211 ] ولكنا نقول قرابة الاخت لاب وأم من جهتين والشفقة بالقرابة فذو القرابتين يكون أشفق فكان بالحضانة أحق ويجوز أن يقع الترجيح بما لا يكون علة الاستحقاق ألا ترى أن الاخ لاب وأم مقدم في العصوبة على الاخ لاب بسبب قرابة الام وقرابة الام ليست بسبب لاستحقاق العصوبة بها ثم الاخت لام تقدم على الاخت لاب لان استحقاق الحضانة بقرابة الام وهي تدلى بقرابة الام والاخرى انما تدلى بقرابة الاب ثم بعد الاخت لام قال في كتاب النكاح الاخت لاب أولى من الخالة وفي كتاب الطلاق قال الخالة أولى من الاخت لاب ففي رواية كتاب النكاح اعتبر قرب القرابة والاخت لاب أقرب لانها ولد الاب والخالة ولد الجد وفي كتاب الطلاق اعتبر المدلى به فقال الخالة تدلى بالام والاخت لاب تدلى بالاب والام في حق الحضانة مقدمة على الاب فكذلك من يدلى بقرابة الام يكون مقدما على من يدلى بقرابة الاب ثم بعد الاخوات بناتهن على الترتيب الذى ذكرنا في الاخوات وبنات الاخوات في الحضانة أحق من بنات الاخوة لان المدلى به في بنات الاخوة لم يكن له حق في الحضانة بخلاف بنات الاخوات ثم بعدهن الخالة لاب وأم ثم بعدها الخالة لاب والدليل على ثبوت حق الحضانة للخالات ما روى أن علي بن أبي طالب وجعفرا وزيد بن حارثة رضى الله عنهم اختصموا بين يدي رسول الله في ابنة حمزة رضى الله عنه فقال علي رضى الله عنه بنت عمى فأنا أحق بها وقال جعفر رضى الله عنه ابنة عمى وخالتها عندي وقال زيد بن حارثة رضى الله عنه ابنة أخي آخيت بينى وبينه يارسول الله فقضى بها رسول الله لجعفر رضى الله عنه فقال الخالة أم والترتيب في الخالات على قياس الترتيب في الاخوات وهن أحق بالحضانة من العمات لان الخالة تدلى بالام والعمة تدلى بالاب واستحقاق الحضانة بقرابة الام فلهذا قدمت الخالة في ذلك على العمة ثم بعد الخالات العمات فالتي من الاب والام تقدم ثم بعدها التى من الام ثم التى من الاب على قياس الخالات وبنت الاخ أولى من العمات لان كل واحدة منهما تدلى بمن لا حق له في الحضانة ولكن بنت الاخ أقرب والخالة أولى من بنت الاخ لان الخالة تدلى بمن لها حق في الحضانة وهي الام وابنة الاخ تدلى بمن ليس له حق في الحضانة فلهذا كانت الخالة أحق (قال) وليس لمن سوى الام والجدتين حق في الولد إذا أكل وشرب ولبس وحده جارية كانت أو غلاما لان ترك الجارية عند الام والجدتين لتعليم أعمال داخل البيت وانما يتأتى

[ 212 ] ذلك بالاستخدام وللام والجدتين حق الاستخدام وليس لغيرهن ممن سمينا حق الاستخدام ولا يحصل مقصود تعليم الاعمال الا بذلك فلهذا أخذ منهن ثم بعدما استغنى الغلام أو حاضت الجارية عند الام والجدتين أو استغنت عند غيرهن فالاب أحق بالولد ثم بعده الجدات لاب ثم الاخ من الاب والام ثم الاخ من الاب لان ولاية الضم إلى نفسه بعد هذا باعتبار العصوبة فمن يكون مقدما في العصوبة من ذى الرحم المحرم أولى بذلك وقد بينا ترتيب العصبات في أول الكتاب ولا حق لابن العم ذلك لانه رحم غير محرم فلا يؤمن منه أن يطمع فيها فلهذا لا يكون له ان يضمها وان كانت ولاية التزويج له باعتبار العصوبة (قال) وإذا اجتمع أخوة لاب وأم فأفضلهم صلاحا وورعا أحق به لان ضمه إلى أقرب العصبات لمنفعة الولد ولهذا قدم الاقرب وضمه إلى أبينهم صلاحا أنفع للود لانه يتخلق بأخلاقه فان كانوا في ذلك سواء فأكبرهم أحق لقوله الكبر الكبر ولان حق أكبرهم أسرع ثبوتا فعند التعارض يترجح ذلك وكذلك الاعمام بعد الاخوة ثم الغلام إذا بلغ رشيدا فله ان ينفرد بالسكنى وليس للاب ان يضمه إلى نفسه الا ان يكون مفسدا مخوفا عليه فحينئذ له ان يضمه إلى نفسه اعتبارا لنفسه بماله فانه بعد ما بلغ رشيدا لا يبقى للاب يد في ماله فكذلك في نفسه وإذا بلغ مبذرا كان للاب ولاية حفظ ماله فكذلك له ان يضمه إلى نفسه اما لدفع الفتنة أو لدفع العار عن نفسه فانه يعير بفساد ولده فاما الجارية إذا كانت بكرا فللاب ان يضمها إلى نفسه بعد البلوغ لانها لم تختبر الرجال فتكون سريعة الانخداع فاما إذا كانت ثيبا فلها ان تنفرد بالسكنى لانها قد اختبرت الرجال وعرفت كيدهم ومكرهم فليس للاب ان يضمها إلى نفسه بعد البلوغ لان ولايته قد زالت بالبلوغ وانما بقى حق الضم في البكر لانها عرضة للفتنة وللانخداع وذلك غير موجود في حق الثيب والاصل فيه ما روى عن النبي أنه قال ليس للولى مع الثيب أمر وقال الثيب أحق بنفسها من وليها يعنى في التفرد بالسكنى ولكن هذا إذا كانت مأمونة على نفسها وذكر في كتاب الطلاق أن الثيب إذا كانت مخوفة على نفسها لا يوثق بها فللاب أن يضمها إلى نفسه لبقاء الخوف وقد بينا أن ولاية الضم في البكر لكونها مخوفا عليها فإذا وجد ذلك في حق الثب كان له أن يضمها إلى نفسه واما البكر فان لم يكن لها أب ولا جد وكان لها أخ أو عم فله أن يضمها إليه أيضا لانه مشفق عليها فيقوم بحفظها وان كانت لا تبلغ شفقته

[ 213 ] شفقة الاب بمنزلة ولاية التزويج يثبت للعم والاخ بعد الاب والجد فان كان أخوها أو عمها مفسدا مخوفا لم يخل بينه وبينها لان ضمها إليه لدفع الفتنة فإذا كان سببا للفتنة لم يكن له حق ضمها إليه بل يجعل هو كالمعدوم فتكون ولاية النظر بعد ذلك إلى القاضى ينظر امرأة من المسلمين ثقة فيضعها عندها وكما يثبت للقاضى ولاية النظر في مالها عند عجزها عن ذلك فكذلك في حق نفسها فان كانت البكر قد دخلت في السن فاجتمع لها رأيها وعقلها وأخوها أو عمها مخوف عليها فلها أن تنزل حيث شاءت في مكان لا يخاف عليها لان الضم كان لخوف الفتنة بسبب الانخداع وفرط الشبق وقد زال ذلك حين دخلت في السن واجتمع لها رأيها وعقلها (قال) وأم الولد إذا أعتقها مولاها في الولد بمنزلة الحرة المطلقة لان ثبوت هذا الحق للام باعتبار شفقتها على الولد وذلك موجود في حق أم الولد بل شفقتهن على أولادهن أظهر من شفقة الحرائر لان الولد كان سبب عتقها الا أن قبل العتق ليس لها حق الحضانة لاشتغالها بخدمة مولاها ولانها مملوكة لا تلى نفسها وحق الحضانة نوع ولاية فكما لا يثبت سائر الولايات للرقيق فكذلك في الحضانة وهذا المعنى يزول بالعتق فكانت في الحضانة بعد العتق كالحرة الاصيلة (قال) والامة إذا فارقها زوجها فان الولد رقيق لمولى الامة يأخذهم المولى وهو أولى بهم من الاب لان الولد تبع الام في الملك والمملوك مالكه أحق من غيره وكذلك إذا كان الزوج حرا لم يفارق أمه فالمولى أولى بالولد لكونه مملوكا له ولكن لا ينبغى أن يفرق بين الولد الصغير وبين امه لقوله من فرق بين والدة وولدها فرق الله تعالى بينه وبين أحبته يوم القيامة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب متاع البيت) * (قال) رضى الله عنه وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت فما كان للنساء كالدرع والخمار والمغازل وما أشبه ذلك فهو للمرأة وما كان للرجال كالسلاح والقباء والقلنسوة والمنطقة والطيلسان والسراويل والفرس فهو للرجل وما كان للرجال والنساء كالخادم والعبد والشاة والفرش فهو للرجال في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى أو كانا حيين وان مات أحدهما ووقع الاختلاف بين الحي منهما وورثة الميت فهو للباقى منهما أيهما كان وقال محمد رحمه الله تعالى

[ 214 ] ما يصلح للرجال والنساء فهو للرجل ان كان حيا ولورثته ان كان ميتا وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى تعطى المرأة جهاز مثلها والباقى للرجل استحسن ذلك وقال ابن أبى ليلى ما يصلح للرجال والنساء فهو للزوج ان كان حيا ولورثته ان كان ميتا وانما لها ما يصلح للنساء خاصة وعلى قول ابن شبرمة المتاع كله للرجل الا ما على المرأة من ثياب بدنها وقال زفر رحمه الله تعالى المتاع بينهما نصفان إذا لم تقم لواحد منهما بينة وهو قول مالك رحمه الله تعالى وأحد أقاويل الشافعي رضى الله تعالى عنه وفى قول آخر المشكل بينهما نصفان وعلى قول الحسن البصري ان كان البيت بيت المرأة فالمتاع كله لها الا ما على الزوج من ثياب بدنه وان كان البيت بيت الزوج فالمتاع كله له لان يد صاحب البيت على ما في البيت أقوى وأظهر من يد غيره ولان المرأة ساكنة البيت الا ترى انها تسمى قعيدة فإذا كان البيت لها فالبيت مع ما فيه في يدها وعند دعوى مطلق الملك القول قول ذى اليد ومن يقول المتاع كله للزوج قال لان المرأة في يد الزوج فما في بيتها يكون في يد الزوج أيضا الا ترى انه صاحب البيت وان المنزل يضاف إليه ولهذا لو تنازع رجلان في امرأة وهى في بيت أحدهما فأقاما البينة كانت بينة صاحب اليد أولى ويكون هذا بمنزلة الاجير مع المستأجر إذا اختلفا في متاع الحانوت فالقول قول المستأجر وليس للاجير الا ما عليه من ثياب بدنه فهذا مثله ومن يقول الكل بينهما نصفان يقول استويا في سبب الاستحقاق لانهما ساكنان في البيت فالبيت مع ما فيه يكون في يدهما ولا معتبر في الدعوى والخصومات بالشبه الا ترى ان اسكافا وعطارا لو تنازعا في آلات الاسكافة أو آلات العطارين وهو في أيديهما قضى بينهما نصفان ولا ينظر إلى ما يصلح لكل واحد منهما وهذا لان الانسان قد يتخذ الشئ لاستعماله وقد يتخذه ليتجر فيه فكذلك هذا ومن يقول ان المشكل بينهما يقول لكل واحد منهما فيما يصلح له نوع ترجيح من حيث ان الظاهر انه هو الذى اتخذه لاستعماله فيترجح به كما لو تنازع صاحب الدار مع سكانها في لوح موضوع في الدار ونقشه يشبه نقش الالواح التى في السقف وموضعه من السقف ظاهر فان القول قول صاحب الدار لاجل شهادة الظاهر له وان لم يكن بهذه الصفة فالقول قول الساكن كسائر الامتعة فاما في المشكل لا ترجيح لواحد منهما فيعتبر فيه المساواة في سبب الاستحقاق فيكون بينهما نصفان وأما أبو يوسف رحمه الله تعالى يقول القياس ان يكون الكل للزوج لان المرأة مع ما في يدها في يد الزوج الا أن الظاهر انها لا تزف إلى

[ 215 ] بيت زوجها الا مع جهاز مثلها ففي مقدار جهاز مثلها يترك القياس للعرف الظاهر ويجعل ذلك لها وفيما زاد على ذلك القول قول الزوج بطريق القياس الذى قلنا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ما يصلح للرجال فهو قريب من استعمال الرجل وما يصلح للنساء فهو قريب من استعمالها والاستعمال يد حتى لو تنازع رجلان في ثوب واحد وأحدهما لابسه والآخر متعلق بذيله أو تنازعا في دابة وأحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها يجعل القول قول المستعمل فكانت يد المستعمل هنا أقوى فيما هو صالح لاحدهما فأما فيما يصلح لهما فيترجح جانب الرجل في الطلاق لانه صاحب البيت فقد كانت هي مع المتاع في يده فأما بعد موت أحدهما قال محمد رحمه الله تعالى ورثة الزوج يقومون مقام الزوج فكما أن في المشكل القول قوله في حياته فكذلك بعد موته القول قول ورثته وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يد الباقي منهما إلى المتاع أسبق لان الوارث انما يثبت يده بعد موت المورث وكما يقع الترجيح هنا بقوة اليد لصلاحية الاستعمال فكذا يقع الترجيح بسبق اليد ولان يد الباقي منهما يد نفسه ويد الوارث قائمة مقام يد مورثه فلهذا النوع من الترجيح كان المشكل للباقي منهما أيهما كان وما كان من متاع التجارة والرجل معروف بتلك التجارة فهو للرجل والجبة المحشوة وجبة القز والخز والبرود فهو للرجل إذا كانت ذات لبة لان هذا مما يستعمله الرجال دون النساء والمستقة والبر كان المعلم مما يكون للرجال والنساء جميعا وان كان أحد الزوجين حرا والآخر مملوكا أو مكاتبا فالمتاع للحر منهما أيهما كان في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى هذا وما لو كانا حرين سواء على ما بينا في الفصل الاول من قول كل واحد منهما وانما نص على هذا الخلاف في الجامع الصغير وجه قولهما أن المملوك بمنزلة الحر في الاستحقاق باليد لان له يدا معتبرة ألا ترى أنه لو تنازع حر ومملوك في متاع في يدهما كان بينهما نصفان ولا تترجح يد الحر بحريته فكذلك هذا ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول يد الحر أقوي فانها يد ملك ويد العبد ليست بيد ملك فكما يقع الترجيح هنا بقوة اليد يقع بالقرب من الاستعمال بخلاف سائر الدعاوى والخصومات فكذلك يقع الترجيح هنا بقوة اليد بالحرية توضيحه أن يد الحر يد نفسه ويد العبد من وجه كأنها يد مولاه وقد بينا أن الترجيح هنا باعتبار أن يده يد نفسه كما بعد موت أحدهما وان كان أحدهما كافرا والآخر مسلما فالمسلم والكافر في

[ 216 ] ذلك سواء لانهما في قوة اليد يستويان فان يد كل واحد منهما يد نفسه وهي يد ملك فيستويان في الاستحقاق ويستوى ان وقعت المنازعة بينهما في حال قيام النكاح أو بعد وقوع الفرقة بأى وجه وقعت الفرقة بينهما سواء كانت الفرقة من قبل الزوج أو من قبل المرأة وان كانت أمة فأعتقت فاختارت نفسها فما عرف أنه كان في البيت قبل أن تعتق فهو للرجل عند أبى حنيفة بمنزلة ما لو وقعت المنازعة في ذلك قبل عتقها وما أحدثا بعد العتق قبل أن تختار نفسها فهو على ما بينا في الطلاق لان يدها بالعتق تنقوى فتستوي بيد الرجل فيما أحدت بعد العتق (قال) فان كان له نسوة فوقع الاختلاف بينه وبينهن فان كن في بيت واحد فمتاع النسوة بينهن سواء للمساواة بينهن في سبب الاستحقاق وهو القرب من الاستعمال وقوة اليد بسببه وان كانت كل واحدة منهن في بيت واحد فما في بيت كل واحدة منهن بينها وبين زوجها على ما وصفنا ولا يشارك بعضهن بعضا لانه لا يد لكل واحدة منهن فيما في بيت ضرتها فلا تستحق شيئا من ذلك الا بحجة (قال) وإذا أقرت المرأة بمتاع أن الرجل اشتراه فهو للرجل لان الشراء سبب موجب للملك وقد أقرت له بمباشرة هذا السبب ولان ما أقرت به كالمعاين ولو عايناه اشترى شيئا كان ذلك مملوكا له فكذلك إذا أقرت هي بشرائه (قال) وإذا مات الرجل فقالت الورثة للمرأة قد كان طلقك في حياته ثلاثا وأرادوا أن يأخذوا منها المشكل لم يصدقوا على ذلك وهذا التفريع عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى فانه يقول إذا وقعت الفرقة بالطلاق ففى المشكل القول قول الزوج وإذا وقعت بالموت ففى المشكل القول قول الباقي منهما ثم هنا الورثة يدعون طلاقا لم يظهر سببه فلا يقبل قولهم في ذلك الا بحجة الا ترى انهم لو أرادوا منع ميراثها بهذه الدعوى لم يقبل قولهم في ذلك ولان القول قولها بعد ما تحلف بالله انها ما تعلم انه طلقها لانها لو أقرت بالطلاق لزمها فإذا أنكرت حلفت عليه ولكن الاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم فان علم انه طلقها في صحته ثلاثا ثم مات أو طلقها في مرضه ثلاثا ثم مات بعد انقضاء العدة ففى المشكل القول قول ورثة الزوج لانها صارت أجنبية بهذا الطلاق ولو وقعت المنازعة بينهما في المشكل بعد الطلاق كان القول فيه قول الزوج فكذلك بعد موته القول فيه قول ورثته وان مات قبل ان تنقضي العدة فهو للمرأة لان الطلاق في المرض لا يجعلها أجنبية ما لم تنقضي عدتها الا ترى انها ترثه بالزوجية إذا مات فكان هذا وما لو وقعت الفرقة بينهما

[ 217 ] بالموت سواء فلهذا كان القول في المشكل قولها وان كانا مملوكين أو مكاتبين أو كافرين فالقول في المتاع على ما وصفنا في الحرين المسلمين لان هذا من باب الدعوى والخصومة والكفار والمماليك في ذلك يستوون بالاحرار المسلمين كما في سائر الخصومات والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمأب * (باب القسمه بين النساء) * اعلم بان الزوج مأمور بالعدل في القسمة بين النساء وذلك ثابت بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة إلى قوله ذلك أدنى أن لا تعولوا معناه ان لا تجوروا وذكر الشافعي رحمه الله تعالى في أحكام القرآن ان معناه ان لا تكثر عيالكم وهذا مخالف لقول السلف فالمنقول عنهم أن لا تميلوا ومع ذلك فهو خطأ من حيث اللغة فانه لو كان المراد كثرة العيال لكان يقول ان لا تعيلوا يقال عال إذا مال وأعال إذا صار معيلا ومن حيث المعني كذلك أيضا غلطا فانه أمر بالاكتفاء بالواحدة واتخاذ ما بينا من ملك اليمين عند هذا الجور ومعني كثرة العيال ووجوب النفقة يحصل في ملك اليمين كما يحصل في ملك النكاح وانما ينعدم في ملك اليمين استحقاق التسوية في القسمة وأما السنة فما روى عن عائشة رضي الله عنها ان النبي كان يعدل في القسمة بين نسائه وكان يقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك يعنى من زيادة المحبة لبعضهن وفي حديث أبي هريرة رضى الله عنه ان النبي قال من كانت له زوجتان فمال إلى احداهما في القسم جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل ولان النساء رعاياه الا ترى انه يحفظهن وينفق عليهن وكل راع مأمور بالعدل في رعيته واليه أشار النبي في قوله كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته إذا عرفنا هذا فنقول ان كان للرجل الحر أو المملوك امرأتان حرتان فانه يكون عند كل واحدة منهما يوما وليلة وان شاء ان يجعل لكل واحدة منهما ثلاثة أيام فعل لان المستحق عليه التسوية فاما في مقدار الدور فالاختيار إليه وهذه التسوية في البيتوتة عندها للصحبة والمؤانسة لا في المجامعة لان ذلك ينبني على النشاط ولا يقدر على اعتبار المساواة فيه فهو نظير المحبة في القلب وروى عن الاشعث بن الحكم رضى الله عنه ان رسول الله قال لام سلمة رضى الله عنها حين دخل

[ 218 ] بها ان شئت سبعت لك وسبعت لهن زاد في بعض الروايات ان شئت ثلثت لك وثلثت لهن وفي روايه وان شئت ثلثت لك ثم درت وبهذا الحديث أخذ علماؤنا فقالوا الجديدة والقديمة في حكم القسم سواء بكرا كانت الجديدة أو ثيبا وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان كانت بكرا يفضلها بسبع ليال وان كانت ثيبا فثلاث ليال ثم التسوية بعد ذلك لحديث أبى هريرة رضى الله عنه ان النبي قال تفضل البكر بسبع والثيب بثلاث ولان القديمة قد ألفت صحبته وأنست به والجديدة ما ألفت ذلك بل فيها نوع نفرة ووحشة فينبغي أن يزيل ذلك عنها ببعض الصحبة لتستوي بالقديمة في الالف ثم المساواة بعد ذلك فإذا كانت بكرا ففيها زيادة نفرة عن الرجال فيفضلها بسبع ليال وإذا كانت ثيبا فهي قد صحبت الرجال وانما لم تصحبه خاصة فيكفيها ثلاث ليال لتأنس بصحبته وحجتنا في ذلك أن سبب وجوب التسوية اجتماعها في نكاحه وقد تحقق ذلك بنفس العقد ولو وجب تفضيل إحداهما كانت القديمة أولى بذلك لان الوحشة في جانبها أكثر حيث أدخل غيرها عليها فان ذلك يغيطها عادة ولان للقديمة زيادة حرمة سبب الخدمة كما يقال لكل جديد لذة ولكل قديم حرمة وأما الحديث فالمراد التفضيل بالبداية دون الزيادة كما ذكر في حديث أم سلمة رضى الله تعالى عنها ان شئت سبعت لك وسبعت لهن وقوله ان شئت ثلثت لك ثم درت أي أخبرت بمثل ذلك على كل واحدة منهن ونحن نقول به ان للزوج أن يبدأ بالجديدة لما له في ذلك من اللذة ولكن بعد أن يسوى بينهما (قال) والمسلمة والكافرة والمراهقة والمجنونة والبالغة في استحقاق القسم سواء للمساواة بينهن في سبب هذا الحق وهو الحل الثابت بالنكاح فلا ينبغى أن يقيم عند أحداهن أكثر مما يقيم عند الاخرى الا أن تأذن له فيه لما روى أن رسول الله استأذن نساءه في مرضه أن يكون في بيت عائشة رضى الله تعالى عنها فأذن له في ذلك فكان في بيتها حتى قبض صلي الله عليه وسلم ففي هذا دليل على أن الصحيح والمريض في القسم سواء لان النبي في أول مرضه كان يكون عند كل واحدة منهم ثم لما شق ذلك عليه استأذنهن في أن يكون عند عائشة رضى الله تعالى عنها فدل ذلك على أن الصحيح والمريض سواء وأن عند الاذن له أن يقيم عند احداهن فأما الامة والمكاتبة والمدبرة وأم الولد تكون زوجة الرجل فيتزوج عليها حرة فللحرة يومان وللامة يوم واحد لحديث علي رضى الله تعالى عنه على ما روينا

[ 219 ] قال وللحرة الثلثان من القسم وللامة الثلث ولان حل الامة على النصف من حل الحرة واستحقاق القسم باعتبار ذلك والرق في المكاتبة والمدبرة وأم الولد قائم (قال) وان سافر الرجل مع احدى امرأتيه لحج أو غيره فلما قدم طالبته الثانية أن يقيم عندها مثل المدة التى كان فيها مع الاخرى في السفر لم يكن لها ذلك ولم يحتسب عليه بأيام سفره مع التي كانت معه ولكنه يستقبل العدل بينهن والكلام هنا في فصلين أحدهما ان له أن يسافر بأيتهما شاء من غير اقراع بينهما عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى ليس له ذلك الا أن يقرع بينهما لحديث عائشة رضى الله عنها أن النبي كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه قالت عائشة رضى الله عنها وأصابتني القرعة في السفرة التي ؟ أصابني ؟ فيها ما أصابني وحجتنا في ذلك أنه لا حق للمرأة في القسم عند سفر الزوج ألا ترى ان له أن يسافر ولا يستصحب واحدة منهن فليس عليه التسوية بينهن في حالة السفر وانما كان يفعل ذلك رسول الله تطبيبا لقلوبهن ونفيا لتهمة الميل عن نفسه وبه نقول ان ذلك مستحب للزوج ثم إذا سافر ببعضهن ليس للباقين بعد الرجوع الاحتساب عليه بتلك المدة عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان سافر ببعضهن بغير اقتراع فذلك محسوب عليه في حق الاخرى بناء على أصله أن الاقراع مستحق عليه فإذا لم يفعل ذلك كانت مدة سفره نوبة التى كانت معه فينبغي أن يكون عند الاخرى مثل ذلك ليتحقق العدل ولكنا نقول وجوب التسوية في وقت استحقاق القسم عليه وقد بينا أنه لا حق للمرأة في القسم في حال سفر الزوج فلا يلزمه مراعاة التسوية باعتبار تلك المدة كما إذا سافر بها بالقرعة الا ترى انه في حالة الحضر لا فرق بين ان تكون البداية باقراع أو بغير اقراع فكذلك في السفر (قال) ولو أقام عند إحداهما شهرا ثم خاصمته الاخرى في ذلك قضى عليه ان يستقبل العدل بينهما وما مضى فهو هدر غير انه هو فيه آثم لان القسمة تكون بعد الطلب من كل واحدة منهما فما مضى قبل الطلب ليس من القسمة في شئ والواجب عليه العدل في القسمة الا ترى أن ما مضى قبل نكاح احداهما لا يعتبر في حق التى جدد نكاحها فكذلك ما مضى قبل طلبها (قال) فان عاد إلى الجور بعد ما نهاه القاضى أوجعه عقوبة وأمره بالعدل لانه أساء الادب فيما صنع وارتكب ما هو حرام عليه وهو الجور فيعذر في ذلك ويؤمر بالعدل (قال) ولو كان عند الرجل امرأة فدخلت في سنها أي كبرت

[ 220 ] فأراد ان يستبدل بها شابة فطلبت ان يمسكها ويتزوج بالاخرى ويقيم عند التي تزوج أياما ويقيم عندها يوما فتزوج على هذا الشرط كان جائزا لا بأس به لقوله تعالى وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح عليهما الآية قال علي رضى الله عنه انما نزلت هذه الآية في هذا وبلغنا عن رسول الله انه قال لسودة بنت زمعة رضي الله عنها حين طعنت في السن اعتدى فسألته لوجه الله تعالى ان يراجعها ويجعل يوم نوبتها لعائشة رضي الله عنه لكي تحشر يوم القيامة مع أزواجه ورضى عنهن ففعل (قال) ولا بأس بأن يقيم الرجل عند احدى امرأتيه أكثر مما يقيم عند الاخرى إذا أذنت له لما روينا من الحديث في مقامه في بيت عائشة رضي الله عنها باذنهن رضى الله عنهن ولقول ابن عباس رضى الله عنه في قوله تعالى ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء الاية قال هذا في الحب فاما في القسم فينبغي ان يعدل ولا يفضل احداهما الا باذن الاخرى وعن ابن عباس رضى الله عنه في قوله تعالى وان امرأة خافت من بعلها نشوزا مثل قول علي رضى الله تعالى عنه وكان المعنى فيه أن التي رضيت أسقطت حق نفسها وهي من أهل أن تسقط حقها الا أن هذا الرضا ليسا يلزمها شيئا حتى إذا أردات أن ترجع وتطالب بالعدل في القسم فلها ذلك (قال) وإذا أقام عند امرأته الامة يوما ثم أعتقت لم يقم عند الحرة الاخرى الا يوما واحدا لان المعتقة استوت بالحرة في السبب فعليه مراعاة التسوية بينهما في القسم وتجعل حريتها عند انتهاء النوبة إليها بمنزلة حريتها عند ابتداء النوبة ولو أقام عند الحرة يوما ثم أعتقت تحول عنها إلى المعتقة لانها قد استوت بها فليس له أن يفضل الحرة بشئ بعدما استوت المعتقة بها (قال) وإذا كان للرجل امرأة واحدة فكان يقوم الليل ويصوم النهار فاستعدت عليه امرأته فإنه يؤمر بأن يبت معها ويفطر لها وبلغنا عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال لكعب بن سور اقض بينهما فقال أراها احدى نسائه الاربع لهن ثلاثة أيام ولياليها ولها يوم وليلة وقصة هذا الحديث أن امرأة جاءت إلى عمر رضي الله تعالى عنه وقالت ان زوجي يصوم النهار ويقوم الليل فقال نعم الرجل زوجك فأعادت كلامها مرارا في كل ذلك مجيبها عمر رضي الله عنه بهذا فقال كعب بن سور يا أمير المؤمنين انها تشكو من زوجها في أنه هجر من صحبتها فتعجب عمر رضي الله تعالى عنه من فطنته وقال اقض بينهما فقضى كعب رضى الله تعالى عنه بما ذكر فولاه عمر رضى الله تعالى

[ 221 ] عنه قضاء البصرة ثم في ظاهر الرواية لا يتعين حقها في يوم وليلة من كل أربع ليال ولكن يؤمر الزوج بأن يراعى قلبها ويبيت معها أحيانا. وروي الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى قال إذا كان للرجل امرأة واحدة فاشتغل عنها بالصيام والقيام أو بصحبة الاماء فخاصمته في ذلك قضى القاضى لها بليلة من كل أربع ليال لحديث كعب بن سور ولان للزوچ أن يسقط حقها عن ثلاث ليال بأن يتزوج ثلاثا سواها وليس له أن يسقط حقها أكثر من ذلك وجه ظاهر الرواية أن القسمة والعدل انما يكون عند المزاحمة ولا مزاحمة هنا حين لم يكن في نكاحه الا واحدة أرأيت لو كان تحته أربع نسوة أكان يستحق عليه يوم وليلة من أربعة لكل واحدة منهن فلا يشتغل بالصيام والقيام أبدا حتى لا يصوم لا رمضان ولا غيره هذا ليس بشئ والصحيح أنه يؤمر بأن يؤنسها بصحبته أحيانا من غير أن يكون في ذلك شئ مؤقت وهذا لان عند المزاحمة تلحق كل واحدة منهما المغايظة لمقامه عند الاخرى فيستحق عليه التسوية ولا يوجد ذلك عند عدم المزاحمة (قال) وإذا تزوج امرأتين على أن يقيم عند احداهما يوما والاخرى يومين ثم طلبت التى لها اليوم أن يعدل بينهما فلها ذلك لما بينا أنها رضيت بترك العدل فيما مضى من المدة فلا يلزمها ذلك في المستقبل شيئا ولان هذا الشرط مخالف لحكم الشرع وهو باطل لقوله كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل (قال) والمجبوب والخصى والعنين في القسمة سواء بين النساء لما بينا أن وجوب القسم والعدل للصحبة والمؤانسة دون المجامعة وحال هؤلاء في هذا كحال الفحل وكذلك الغلام الذى لم يحتلم إذا دخل بامرأتين فانه يسوى بينهما في القسم لان وجوب التسوية لحق النساء وحقوق العباد تتوجه على الصبيان عند تقرر السبب كما يتوجه على البالغين (قال) وإذا جعلت المرأة لزوجها جعلا على أن يزيدها في القسم يوما ففعل لم يجز وترجع في ماله لانها رشته على أن يجور والرشوة حرام وهذا بمنزلة الرشوة في الحكم وهو من السحت فلهذا تسترد ما أعطت وعليه التسوية في القسم وكذلك لو حطت له شيئا من المهر على هذا الشرط أو زادها الزوج في مهرها أو جعل لها جعلا على أن تجعل نوبتها لفلانة فهذا كله باطل لانها بهذا لا يملك الزوج شيئا فلا تستوجب عليه المال بمقابلته ولانها أخذت الرشوة على أن

[ 222 ] ترضى بالجور وذلك حرام فكان الجعل مردودا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب * (باب نفقة ذوي الارحام) * (قال) رضى الله عنه ويجبر الرجل الموسر على نفقة أبيه وأمه إذا كانا محتاجين لقوله تعالى ولا تقل لهما أف نهى عن التأفيف لمعنى الاذى ومعنى الاذى في منع النفقة عند حاجتهما أكثر ولهذا يلزمه نفقتهما وان كانا قادرين على الكسب لان معنى الاذى في الكد والتعب أكثر منه في التأفيف وقال ان أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وان ولده لمن كسبه فكلوا مما كسب أولادكم وإذا كان الاولاد ذكورا واناثا موسرين فنفقة الابوين عليهم بالسوية في أظهر الروايتين وروي الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن النفقة بين الذكور والاناث للذكر مثل حظ الانثيين على قياس الميراث وعلى قياس نفقة ذوى الارحام ووجه الرواية الاخرى أن استحقاق الابوين النفقة باعتبار التأويل وحق الملك لهما في مال الولد كما قال أنت ومالك لابيك وفي هذا الذكور والاناث سواء ولهذا يثبت لهما هذا الاستحقاق مع اختلاف الملة وان انعدم التوارث بسبب اختلاف الملة (قال) وان كان الولد معسرا وهما معسران فليس عليه نفقتهما لانهما لما استويا في الحال لم يكن أحدهما بايجاب نفقته على صاحبه بأولى من الآخر الا انه روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال إذا كان الاب زمنا وكسب الابن لا يفضل عن نفقته فعليه ان يضم الاب إلى نفسه لانه لو لم يفعل ضاع الاب ولو فعل ذلك لا يخشى الهلاك على الولد والانسان لا يهلك على نصف بطنه (قال) وكذلك الجد أب الاب والجدة أم الام وأم الاب لانهم من الوالدين وحالهم في استحقاق النفقة كحال الابوين الا ترى ان التأويل في مال النافلة يثبت للجد عند عدم الاب كما يثبت للاب (قال) ويجبر الرجل على نفقة أولاده الصغار لقوله عزوجل فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن والنفقة بعد الفطام بمنزلة مؤنة الرضاع قبل ذلك ولان الولد جزء من الاب فتكون نفقته عليه كنفقته على نفسه ثم في ظاهر الرواية لا يشارك الاب في النفقة أحد وقد روى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن النفقة على الاب والام أثلاثا بحسب ميراثهما من الولد فأما في ظاهر الرواية كما لا يشارك

[ 223 ] الاب في مونة الرضاع أحد فكذلك في النفقة وهذا إذا كان الاب موسرا فان كان معسرا والام موسرة أمرت بأن تنفق من مالها على الولد ويكون ذلك دينا على الاب إذا أيسر وكذلك الاب إذا كان معسرا وله أخ موسر فان الاخ وهو عم الولد يعطى نفقة الولد ويكون ذلك دينا على الاب له إذا أيسر لان استحقاق النفقة على الاب ولكن الانفاق لا يحتمل التأخير فيقام مال الغير مقام ماله في أداء مقدار الحاجة منه على أن يكون ذلك دينا عليه إذا أيسر والذى قلنا في الصغار من الاولاد كذلك في الكبار إذا كن إناثا لان النساء عاجزات عن الكسب واستحقاق النفقة لعجز المنفق عليه عن كسبه وان كانوا ذكورا بالغين لم يجبر الاب على الانفاق عليهم لقدرتهم على الكسب الا من كان منهم زمنا أو أعمى أو مقعدا أو أشل اليدين لا ينتفع بهما أو مفلوجا أو معتوها فحينئذ تجب النفقة على الوالد لعجز المنفق عليه عن الكسب وهذا إذا لم يكن للولد مال فإذ كان للولد مال فنفقته في ماله لانه موسر غير محتاج واستحقاق النفقة على الغنى للمعسر باعتبار الحاجة إذ ليس أحد الموسرين بايجاب نفقته على صاحبه بأولى من الآخر بخلاف نفقة الزوجة فان استحقاق ذلك باعتبار العقد لتفريغها نفسها له فتستحق موسرة كانت أو معسرة فاما الاستحقاق هنا باعتبار الحاجة فلا تثبت عند عدم الحاجة (قال) فان كان مال الولد غائبا أمر الاب بان ينفق عليه من ماله على ان يرجع في مال الولد إذا حضر ماله لكنه ان أشهد فله ان يرجع في الحكم وان أنفق بغير اشهاد لكن على نية الرجوع فله ان يرجع فيما بينه وبين الله تعالى وفي الحكم ليس له ذلك لان الظاهر انه يقصد التبرع بمثل هذا والقاضى يتبع الظاهر فاما فيما بينه وبين الله تعالى فله ان يرجع لان الله تعالى عالم بما في ضميره (قال) وكذلك يجبر على نفقة كل ذى رحم محرم منه الصغار والنساء وأهل الزمانة من الرجال إذا كانوا ذوى حاجة عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا تجب النفقة على غير الوالدين والمولودين وقال ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى تجب النفقة على كل وارث محرما كان أو غير محرم واستدل بظاهر قوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك ولكنا نقول قد بينا ان في قراءة ابن مسعود رضى الله عنه وعلى الوارث ذى الرحم المحرم مثل ذلك والشافعي رحمه الله تعالى يبنى على أصله فان عنده استحقاق الصلة باعتبار الولاد دون القرابة حتى لا يعتق أحد على أحد الا الوالدين والمولودين عنده وجعل قرابة الاخوة في ذلك كقرابة بني الاعمام فكذلك في حق استحقاق

[ 224 ] النفقة وفيما بين الآباء والاولاد الاستحقاق بعلة الجزئية دون القرابة وحمل قوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك على نفي المضارة دون النفقة وذلك مروى عن ابن عباس رضي الله عنه ولكنا نستدل بقول عمر وزيد رضى الله عنهما فانهما قالا وعلى الوارث مثل ذلك من النفقة ثم نفى المضارة لا يختص به الوارث بل يجب ذلك على غير الوارث كما يجب على الوارث على ان الكناية في قوله ذلك تكون عن الابعد وإذا أريد به الاقرب يقال هذا فلما قال ذلك عرفنا أنه منصرف إلى قوله وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف والمعني فيه أن القرابة القريبة يفترض وصلها ويحرم قطعها قال ثلاث معلقات بالعرش النعمة والامانة ولرحم تقول النعمة كفرت ولم أشكر وتقول الامانة خونت ولم أرد ويقول الرحم قطعت ولم أوصل وقد جعل الله تعالى قطيعة الرحم من الملاعن بقوله تعالى أولئك الذين لعنهم الله ومنع النفقة مع يسار المنفق وصدق حاجة المنفق عليه يؤدى إلى قطيعة الرحم ولهذا اختص به ذو الرحم المحرم لان القرابة إذا بعدت لا يفرض وصلها ولهذا لا نثبت المحرمية بها وكذلك المرأة الموسرة تجبر على ما يجبر عليه الرجل من نفقة الاقارب لان هذا الاستحقاق بطريق الصلة فيستوى فيه الرجال والنساء كالعتق عند الدخول في الملك (قال) ولا يجبر المعسر على نفقة أحد الا على نفقة الزوجة والولد الصغير أما استحقاق نفقة الزوجة باعتبار العقد وأما الاولاد الصغار فلانهم اجزاؤه فكما لا تسقط عنه نفقة نفسه لعسرته فكذلك نفقة أولاده والاصل فيه قوله تعالى ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله فأما نفقة الاقارب استحقاقها بطريق الصلة فتكون على الموسرين دون العسرين كالزكاة وعلى هذا قال أبو يوسف رحمه الله تعالى من لم يكن له فضل على حاجته مقدار ما تجب فيه الزكاة لا تلزمه نفقة الاقارب الا أنه يروى هشام عن محمد رحمهما الله تعالى قال إذا كان كسبه كل يوم درهما ويكفيه لنفقته ونفقة عياله أربعة دوانق يؤمر بصرف الفضل إلى أقاربه لان الاستحقاق باعتبار الحاجة فيعتبر في جانب المؤدى لتيسير الاداء وتيسر الاداء موجود إذا كان كسبه يفضل عن نفقته (قال) وإذا امتنع الاب من الانفاق على أولاده الصغار يحبس في ذلك بخلاف سائر الديون فان الوالد غير محبوس فيه لوجهين أحدهما أن النفقة لحاجة الوقت فهو بالمنع يكون قاصدا إلى اتلافه والاب يستوجب العقوبة عند قصده إلى اتلاف ولده كما لو عدى عليه بالسيف كان له أن يقتله دفعا له بخلاف سائر الديون

[ 225 ] لا تسقط بتأخير الاداء والنفقة لا تصير دينا بل تسقط بمضي الوقت فيستوجب الحبس إذا امتنع من الاداء وهو نظير ما قلنا أن من جار في القسم بوجع عقوبة وإذا امتنع من ايفاء حق آخر لا يحبس لان ذلك الحق لا يسقط بتأخير الاداء وما جار فيه من الزمان لا يصير دينا فيوجع عقوبة ليمتنع من الجور (قال) ومن كان له مسكن أو خادم ليس له غيره وهو محتاج تحل له الصدقة فعلى الموسر من ذى الرحم المحرم نفقته وقال الخصاف في كتابه بعد ما روى هذا عن محمد رحمه الله تعالى وقال غيره ليس عليه نفقته ولكن يقال له بع مسكنك وخادمك وأنفق على نفسك لانه يمكنه أن يكتفى بمنزل يكرى فأما في ظاهر الرواية المنزل والخادم من أصول حوائجه فانه لابد له من ذلك فلا ينعدم بملكها حاجته (قال) ولا يقضي بالنفقة في مال أحد ممن ذكرنا إذا كان رب المال غائبا أو مفقودا ما خلا الوالدين والزوجة فانى أقضى لهم من مال الغائب والحاصل ان ما كان مختلفا فيه فلا يتقوى الا بقضاء القاضى وليس للقاضى أن يوجد القضاء على الغائب فاما ما كان متفقا عليه فهو ثابت بنفسه ولصاحب الحق ان يمد يده فيأخذ ذلك من غير قضاء القاضي وللقاضي ان يعينه على ذلك إذا كان صاحب المال حاضرا أو غائبا والسبب معلوما للقاضى الا ترى ان النبي قال لهند رضى الله عنها خذى من مال أبى سفيان رضى الله عنه ما يكفيك وولدك بالمعروف وهو كان غائبا وقال في كتاب المفقود وان استوثق منه بكفيل فحسن لجواز ان يكون أخذ النفقة أو بعث الغائب بنفقته فيقصد الاخذ ثانيا والقاضى مأمور بالنظر لكل من عجز عن النظر لنفسه فإذا كان الغائب عاجزا عن النظر لنفسه نظر القاضى له بأخذ الكفيل ان شاء وان شاء ضمنهم ذلك ولم يأخذ منهم كفيلا فهو مستقيم أيضا لانه ليس هنا خصم يطلب من القاضى أخذ الكفيل وانما يجب ذلك على القاضى عند طلب الخصم (قال) فان كان له عند هؤلاء مال فأنفقه على نفسه أجزته ولم أضمنه لانه ظفر بجنس حقه فله ان يأخذ بقدر حقه وان كان عند غيرهم فأعطاهم بغير أمر القاضى حتى أنفقوا كان ضامنا له لانه مأمور بالحفظ ودفعه إلى غيره لينفق ليس من الحفظ فيصير به مخالفا ضامنا وهو نظير مالو أراد المودع أن يقضى بالوديعة دين المودع ليس له ذلك ويصير ضامنا ان فعله وان كان صاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه كان له أن يأخذه (قال) وان باع أحذ منهم متاع الغائب للنفقة أبطلت بيعه ما خلا الاب المحتاج فانى أجيز بيعه على ولده الغائب فيما سوى العقار استحسانا لما ينفقه على

[ 226 ] نفسه ولا يجوز في العقار الا ان يكون الولد صغيرا وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى في كتاب المفقود (قال) وكذلك قياس قوله في المفقود وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يجوز بيع الاب أيضا على ابنه الكبير الغائب في العقار كما لا يجوز بيغ غيره والقياس ما قالا لان ولاية الاب قد زالت ببلوغ الصبى عن عقل فيكون هو في بيع أمواله كغيره يدل عليه ان النفقة لا تكون أوجب من سائر الديون وليس للاب بيع شئ من متاع ولده في دين له عليه ولا يقضى القاضى بذلك أيضا لما فيه من القضاء على الغائب فكذلك في النفقة واستحقاق الام النفقة كاستحقاق الاب ثم الام لا تبيع عروض الولد في نفقتها فكذلك الاب واستحسن أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقال ولاية الاب وان زالت بالبلوغ ولكن بقى أثرها ولهذا صح منه الاستيلاد في جارية الابن فلبقاء أثر ولايته كان له ان يبيع العروض لان بيع العروض من الحفظ فان العروض يخشى عليه من الهلاك وحفظ الثمن أيسر وولاية الحفظ تثبت لمن يثبت له ولاية التصرف كالوصي في حق الوارث الكبير الغائب له ولاية الحفظ وبيع العروض فكذلك للاب ذلك وبعد البيع الثمن من جنس حقه فله ان يأخذ منه مقدار النفقة فاما بيع العقار ليس من الحفظ لانه محصن بنفسه فلا يملك ذلك الا بمطلق الولاية وهو عند صغر الولد أو جنونه وإذا باع عند ذلك أخذ من الثمن نفقته لانه من جنس حقه وبخلاف الام وسائر الاقارب لانه لم تكن لهم ولاية التصرف في حالة الصغر ليبقي أثر تلك الولاية بعد البلوغ وكذلك ليس لهم ولاية حفظ المال فلهذا لا يجوز منهم بيع العروض (قال) ولا يجبر المسلم على نفقة الكفار من قرابته ولا الكفار على نفقة المسلمين من قرابتهم لان هذا الاستحقاق بعلة ولاية الوراثة شرعا وبسبب اختلاف الدين ينعدم التوارث الا الوالدين والولد والزوجة أما استحقاق الزوجة للنفقة بسبب العقد وذلك متحقق مع اختلاف الدين أما في حق الوالدين والولد القياس أن لا يثبت استحقاق النفقة مع اختلاف الدين لان استحقاقها بطريق الصلة كنفقة الاقارب ولكنه استحسن فقال يجب على الولد المسلم نفقة أبويه الذميين لقوله تعالى وصاحبهما في الدنيا معروفا وليس من المصاحبة بالمعروف أن ينقلب في نعم الله ويدعهما يموتان جوعا والنوافل والاجداد والجدات من قبل الاب والام بمنزلة الابوين في ذلك لان استحقاقهم باعتبار الولاد بمنزلة استحقاق الابوين (قال) وإذا مات الاب وللولد الصغير أم وجد أب الاب فنفقته

[ 227 ] عليهما على قدر ميراثهما أثلاثا بخلاف الاب في ظاهر الرواية فانه لا يشاركه في النفقة أحد لحقيقة الجزئية بينه وبين الولد وذلك لا يوجد في حق الجد فان اتصال النافلة بواسطة الاب كاتصال الاخ فكما أن في الاخ والام النفقة عليهما بحسب الميراث إذا كانا موسرين فكذلك في الجد والام النفقة عليهما بحسب الميراث (قال) وان كان للولد خال موسر وابن عم موسر فالنفقة على الخال دون ابن العم وان كان الميراث لابن العم لان النفقة على ذى الرحم المحرم وابن العم ليس بمحرم فلا نفقة عليه والخال محرم فتكون النفقة عليه إذا كان موسرا (قال) وإذا كان الرجل زمنا معسرا وله ابن معسر صغير أو كبير زمن وللرجل ثلاثة اخوة متفرقين أهل يسار فنفقة الرجل تكون على أخيه لاب وأم وعلى أخيه لام اسداسا بحسب ميراثهما منه وأما نفقة الاولاد فعلي الاخ لاب وأم خاصة لان له ميراث الولد عند عدم الاب خاصة فانه عم لاب وأم فلا يرث منه العم لاب ولا العم لام والحاصل أن من يكون محتاجا يجعل في حكم المعدوم فتكون النفقة بعده على من يكون وارثا بحسب ميراثه وإذا كان الولد بنتا كانت نفقة الاب والبنت على لاخ لاب وأم خاصة أما نفقة البنت فلما بينا وأما نفقة الاب فلان الوارث هنا هو الاخ لاب وأم خاصة لان الاخ لاب وأم يرث مع البنت والاخ لام لا يرث مع البنت فلا حاجة إلى أن تجعل البنت كالمعدومة ولكن تعتبر صفة الوراثة مع بقائها بخلاف الابن فانه لا يرث معه أحد من الاخوة فلابد أن يجعل كالمعدوم وإذا جعل كذلك فميراث الاب بين الاخ لاب وأم والاخ لام أسداسا فالنفقة عليهما بحسب ذلك (قال) وان كان مكان الاخوة أخوات متفرقات فان كان الولد ذكرا فنفقة الاب على أخواته أخماسا لان أحدا من الاخوات لا يرث مع الابن فلا بد من أن يجعل الابن كالمعدوم وبعد ذلك الميراث بينهن أخماسا ثلاثة أخماسه للاخت لاب وأم وخمسه للاخت لاب وخمسه للاخت لام بطريق الفرض والرد فالنفقة عليهم بحسب ذلك ونفقة الولد على الاخت من الاب والام خاصة في قول علمائنا لان ميراثه إذا مات عند عدم الوالد للعمة لاب وأم خاصة دون العمة لاب أو لام أما في قول من يورث العمات المتفرقات كما يورث الاخوات وهو قول أهل التنزيل فنفقة الولد عليهن أيضا أخماسا بحسب الميراث ومن قال بقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الميراث قال نفقة الاب تكون على الاخت لاب

[ 228 ] السدس من ذلك والباقي أرباع على الاخت لاب وأم ثلاثة أرباعه وعلى الاخت لام ربعه بحسب الميراث فانه لا يرى الرد على الاخت لاب مع الاخت لاب وأم فان كان الولد بنتا فنفقة الاب على الاخت لاب وأم خاصة لانها وارثة مع البنات فان الاخوات مع البنات عصبة فلا تجعل البنت كالمعدوم هنا ولكن لو مات الاب كان نصف ميراثه للبنت والباقى للاخت لاب وأم فكذلك نفقته على الاخت لاب وأم وكذلك نفقة البنت في قولهم جميعا الا في قول أهل التنزيل فانهم يجعلون الميراث بين العمات أخماسا فنفقة البنت عليهن أخماسا أيضا وأما عندنا ميراث البنت عند عدم الاب كله للعمة لاب وأم فالنفقة عليها أيضا ثم أشار إلى الاصل الذى قلنا انه ينظر إلى وارث الاب فان كان يحرز الميراث كله وهو معسر جعلته كالميت ثم نظرت إلى من يرثه فجعلت النفقة عليهم على قدر ميراثهم فان كان الذى يرثه لا يحرز الميراث كله جعلت النفقة على من يرث معه (قال) امرأة معسرة ولها ولد موسر وأم موسرة فنقفتها على الولد دون الام وكذلك الاب نفقته على ابنه دون أبيه للتأويل الثابت له في مال ولده بقوله أنت ومالك لابيك ولا يوجد ذلك في حق الوالد ولا في حق الام وكما لا يشارك الوالد في النفقة على الولد أحد فكذلك لا يشارك الولد في النفقة على الوالدين أحد من أم ولا أب ولا جد (قال) ويجبر أهل الذمة فيما بينهم على النفقة كما يجبر أهل الاسلام وان اختلفت مللهم في الكفر لانهم أهل ملة واحدة يتوارثون مع اختلاف النحل فيثبت حكم استحقاق النفقة فيما بينهم أيضا ولا يجبر الموسر على نفقة المعسر من قرابته إذا كان رجلا صحيحا وان كان لا يقدر على الكسب لان الصحيح الذى لا زمانة به لا يعجز عن كسب القوت عادة وبناء الحكم على العادة الظاهرة دون النادر الا في الوالدين خاصة وفى الجد أب الاب إذا مات أب الولد فانه يجبر الولد على نفقته وان الذى لا زمانة به لا يعجز عن كسب القوت عادة وبناء الحكم على العادة الظاهرة دون النادر الا في الوالدين خاصة وفى الجد أب الاب إذا مات أب الولد فانه يجبر الولد على نفقته وان كان صحيحا لدفع الاذى الذى يلحقه للكد والتعب على ما بينا (قال) ولا يجبر المملوك والمكاتب على نفقة أحد من قرابته لان كسب المملوك لمولاه والمكاتب ليس له في كسبه ملك في الحقيقة بل هو دائر بينه وبين مولاه فلا يلزمه نفقة أحد من قرابته الا ولده المولد في الكتابة من أمته فانه داخل في كتابته وكسبه له لتكون نفقته عليه (قال) * ولا يجبر المسلم ولا الذمي على النفقة لوالديه وولده من أهل الحرب وان كانوا مستأمنين في دار الاسلام لان الاستحقاق بطريق الصلة ولا يثبت للحربى استحقاق الصلة على من هو


[ 229 ]

عدل

أهل دار الاسلام الا ترى انهما لا يتوارثان وان كانا على ملة واحدة من الكفر فكذلك استحقاق النفقة لبعضهم على البعض (قال) ونفقة المعتوه على ابنه دون أبيه لتأويل الملك له في مال ابنه دون مال أبيه الا ترى انه لو كان صحيحا معسرا كانت نفقته على الابن دون الاب فكذلك إذا كان معتوها والله أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب قال رحمه الله تعالى هذا آخر شرح كتاب النكاح * بالمأثور من المعاني والآثار الصحاح * أملاه المنتظر للفرج والفلاح * مصليا على المبعوث بالحق بالسيوف والرماح * وعلى آله وأصحابه أهل التقى والصلاح * الذين مهدوا قواعد الحق وسلكوا طريق النجاح تم الجزء الخامس ويليه الجزء السادس (وأوله كتاب الطلاق)