مبسوط السرخسي - الجزء الرابع

المبسوط السرخسي ج 4

[ 1 ] (الجزء الرابع من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان

[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان الا على الظالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله أجميعن كتاب المناسك (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسي رحمه الله تعالى اعلم ان الحج في اللغة القصد ومنه قول القائل وأشهد من عوف حلولا كثيرة * يحجون سب الزبرقان المزعفرا أي يقصدون له معظمين اياه وفى الشريعة عبارة عن زيارة البيت على وجه التعظيم لاداء ركن من أركان الدين عظيم ولا يتوصل إلى ذلك الا بقصد وعزيمة وقطع مسافة بعيدة فالاسم شرعى فيه معنى اللغة والمناسك جمع النسك والنسك اسم لكل ما يتقرب به إلى الله عزوجل ومنه سمى العابد ناسكا ولكنه في لسان الشرع عبارة عن أركان الحج قال الله تعالى فإذا قضيتم مناسككم وفرضية الحج ثابتة بالكتاب والسنة اما الكتاب فقوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وآكد ما يكون من ألفاظ الالزام كلمة على وأما السنة فقول رسول الله من وجد زادا وراحلة يبلغانه بيت الله تعالى ولم يحج حتى مات فليمت ان شاء يهوديا وان شاء نصرانيا وفى رواية فليمت على أي ملة شاء سوى ملة الاسلام وتلا قوله تعالى ومن كفر فان الله غنى عن العالمين وسبب وجوب الحج ما أشار الله تعالى إليه في قوله حج البيت فالواجبات تضاف إلى أسبابها ولهذا لا يجب في العمر الامرة واحدة لان سببه وهو البيت غير متكرر والاصل فيه حديث الاقرع بن حابس رضي الله تعالى عنه حيث قال يا رسول الله الحج في كل عام أم مرة فقال بل مرة فما زاد فتطوع والوقت فيه شرط الاداء وليس بسبب ولهذا لا يتكرر بتكرر الوقت الا أن أركان هذه العبادة متفرقة على الامكنة والازمنة

[ 3 ] فلا يجوز الا بمراعاة الترتيب فيها ولهذا لا يتأدى طواف للزيادة قبل الوقوف كما لا يتأدى السجود في فصل الصلاة قبل الركوع والمال شرط يتوصل به إلى الاداء ولهذا لا يتحقق الاداء من فقير لا مال له فرضا وأركان هذه العبادة الافعال والمال ليس بسبب فيه ولكنه معتبر ليتيسر به الوصول إلى مواضع أداء أركانه ثم بدأ الكتاب فقال إذا أردت أن تحرم بالحج ان شاء الله اقتد بكتاب الله تعالى في ذكر الاستثناء في قوله تعالى لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله وقيل ان أبا حنيفة رحمه الله تعالى خاطب أبا يوسف رحمه الله تعالى والواحد يشك في حاله أنه يحج أو لا يحج فقيد بالاستثناء وتفرس فيه أنه يحج فما أخطأت فراسته (قال) فاغتسل أو توضأ والغسل فيه أفضل هكذا روى أن النبي تجرد لاهلاله فاغتسل رواه خارجة بن زيد بن ثابت رضى الله عنه وهذا الاغتسال ليس بواجب لما روى أن أبا بكر رضى الله عنه قال لرسول الله ان أسماء قد نفست قال مرها فلتغتسل ولتحرم بالحج ومعلوم أن الاغتسال الواجب مع النفاس والحيض لا يتأدى فعرفنا أن هذا الاغتسال لمعنى النظافة وما كان لهذا المقصود فالوضوء يقوم مقامه كما في العيدين والجمعة ولكن الغسل أفضل لان معنى النظافة فيه أكمل ثم البس ثوبين ازارا ورداء جديدين أو غسلين هكذا ذكر جابر رضى الله عنه أن النبي ائتزر وارتدي عند احرامه ولان المحرم ممنوع من لبس المخيط ولا بدله من ستر العورة فتعين للستر الارتداء والائتزار والجديد والغسيل في هذا المقصود سواء غير أن الجديد أفضل لقوله لابي ذر رضى الله عنه تزين لعبادة ربك (قال) وادهن بأى دهن شئت وهو الظاهر من المذهب عندنا أنه لا بأس بأن بتطيب ويدهن قبل احرامه بما شاء وروى عن محمد رحمه الله تعالى قال كنت لا أرى بذلك بأسا حتى رأيت أقواما يحضرون طيبا كثيرا ويصنعون شيئا شنعا فكرهت ذلك وهو قول مالك رحمه الله تعالى وقد نقل عن عمر وعثمان رضى الله عنهما كراهة ذلك وحجة هذا القول حديث الاعرابي حيث جاء إلى رسول الله وعليه جبة متضمخة أبى متلطخة بالخلوق فسأله عن العمرة فلم يجبه حتى نزل عليه الوحي فلما سرى عنه قال اين السائل عن العمرة فقال الاعرابي ها أنا ذا يا رسول الله فقال أما جبتك فانزعها وأما الخلوق فاغسله واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجتك فقد أمره بازالة الطيب عن نفسه عند الاحرام ولنا حديث عائشة رضى الله عنها

[ 4 ] قالت كنت أطيب رسول الله لا حرامه قبل ان يحرم ولحله قبل ان يزور البيت وفي رواية كنت أرى وبيص المسك في مفارق رسول الله بعد احرامه فتطيبوا وعن عائشة رضى الله عنها قالت كنا نخرج مع رسول الله متضمخا جباهنا بالمسك ثم نحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ورسول الله يرى ذلك ولا يكرهه وتأويل حديث الاعرابي انه كره الخلوق له لكونه بمنزلة الثوب المورس والمزعفر ومعنى كراهة محمد رحمه الله تعالى لاستعمال الطيب الكثير انه بعد الاحرام ربما ينتقل على بدنه من موضع إلى موضع فيكون ذلك بمنزلة التطيب ابتداء بعد الاحرام في الموضع الثاني ولكن هذا ليس بقوى فانه لا تلزمه الكفارة بهذا ولو كان بهذه المنزلة لوجوب عليه الكفارة واختلف مشايخا رحمهم الله تعالى فيما إذا تطيب بعد احرامه وكفر ثم تحول الطيب مع عرقه من موضع إلى موضع فمنهم من يقول لا تلزمه كفارة جديدة لان أصل فعله قد انقطع بالتكفير فلا معتبر بأثره كما لو فعله قبل الاحرام ومنهم من قال تلزمه كفارة أخرى هنا لان أصل فعله كان محظورا فتحوله من موضع إلى موضع يكون جناية أيضا في حكم الكفارة بخلاف ما قبل الاحرام فان أصل فعله لم يكن محظورا ثم لا معتبر ببقاء الاثر بعد الاحرام إذا كان أصل فعله قبل الاحرام كالحلق ثم قال وصلى ركعتين لحديث عمر رضي الله عنه ان النبي قال أتانى آت من ربى وأنا بالعقيق فقال صل في هذا الوادي المبارك ركعتين وقل لبيك بحجة وعمرة معا وفيما ذكر جابر رضى الله عنه ان النبي صلى بذى الحليفة ركعتين عند احرامه ثم قال وقل اللهم انى أريد الحج فيسره لى وتقبله منى لانه محتاج في أداء أركانه إلى تحمل المشقة ويبقى في ذلك أياما فيطلب التيسير من الله تعالى إذ لا يتيسر للعبد الا ما يسره الله تعالى ويسأل القبول كما فعله الخليل واسماعيل صلوات الله عليهما في قولهما ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم ولم يأمر بمثل هذا الدعاء لمن يريد افتتاح الصلاة لان أداءها يسير عادة ولا تطول في أدائها المدة فاما أركان الحج متفرقة على الامكنة والازمنة ولا يؤمن فيها اعتراض الموانع عادة فلهذا أمر بتقديم سؤال التيسير (قال) ثم لب في دبر صلواتك تلك فان شئت بعد ما يستوى بك بعيرك والكلام فيه في فصول أحدها في اشتقاق التلبية لغة فقيل هو مشتق من قولهم ألب الرجل إذا أقام في مكان فمعنى قول القائل لبيك أنا مقيم على طاعتك وقيل هو مشتق من قولهم

[ 5 ] دارى تلب دارك أي تواجهها فمعنى قوله لبيك إتجاهى لك يا رب وقيل هو مشتق من قولهم امرأة لبة أي محبة لزوجها فمعناه محبتى لك يا رب والثانى ان المختار عندنا ان يلبي من دبر صلواته وهذا قول ابن عباس رضى الله عنه وكان ابن عمر رضى الله عنهما يقول يلبى حين تستوى به راحلته وذكر جابر رضى الله عنه ان النبي لبى حين علا البيداء الا ان ابن عمر رضى الله عنه رد هذا فقال ان بيداءكم هذه تكذبون فيها على رسول الله وانما لبى رسول الله حين استوت به راحلته وعن سعيد بن جبير رضى الله عنه قال قلت لابن عباس رضى الله عنه كيف اختلف الناس في وقت تلبية رسول الله وما حج الامرة واحدة قال لبى رسول الله في دبر صلواته فسمع ذلك قوم من أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين فنقلوه وكانوا القوم يأتونه أرسالا فلبى حين استوت به راحلته فسمع تلبيته قوم فظنوا انه أول تلبيته فنقلوا ثم لبى حين علا البيداء فسمه آخرون فظنوا انه أول تلبيته فنقلوا ذلك وايم الله ما أوجبها الا في مصلاه والثالث انه لا خلاف ان التلبية جواب الدعاء والكلام في ان الداعي من هو فقيل الداعي هو الله تعالى كما قال تعالى فاطر السموات والارض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم وقيل الداعي رسول الله كما قال صلوات الله عليه ان سيدا بنى دارا واتخذ فيها مأدبة وبعث داعيا وأراد بالداعى نفسه والاظهر ان الداعي هو الخليل صلوات الله عليه على ما روى انه لما فرغ من بناء البيت أمر بأن يدعو الناس إلى الحج فصعد بأبى قبيس وقال الا ان الله تعالى أمر ببناء بيت له وقد بنى الا فحجوه فبلغ الله صوته الناس في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم فمنهم من أجاب مرة ومنهم من أجاب مرتين وأكثر من ذلك وعلى حسب جوابهم يحجون وبيان هذا في قوله تعالى وأذن في الناس بالحج الآية فالتلبية اجابة لدعاء الخليل صلوات الله عليه وسلامه ثم صفة التلبية ان يقول لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك هكذا رواه ابن عمر وابن مسعود رضى الله عنهما في صفة تلبية رسول الله ومن أهل اللغة من اختار نصب الالف في قوله ان الحمد ومعناه لان الحمد أو بان الحمد فأما المختار عندنا الكسر وهو المروى عن محمد رحمه الله تعالى ووافقه الفراء لان بكسر الالف يكون ابتداء الثناء وبنصب الالف يكون وصفا لما تقدم وابتداء الثناء أولى ولا بأس عندنا في الزيادة على هذه التلبية وبين العلماء اختلاف يأتي في موضعه ان

[ 6 ] شاء الله تعالى فظاهر المذهب عندنا ان غير هذا اللفظ من الثناء والتسبيح يقوم مقامه في حق من يحسن التلبية أو لا يحسن وكذلك لو أتى به بالفارسية فهو والعربية سواء اما على قول أبى حنيفة فظاهر لانا قد بينا مذهبه في التكبير عند افتتاح الصوات أن المعتبر ذكر الله تعالى على سبيل التعظيم وان لفظ الفارسية والعربية فيه سواء فكذلك هنا ومحمد رحمه الله تعالى يقول لا يتأدى بالفارسية ممن يحسن العربية وهنا يتأدى لان غير الذكر هنا يقوم مقام الذكر وهو تقليد الهدى فكذلك غير العربية يقوم مقام العربية بخلاف الصلوات وبهذا يفرق أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى بين التلبية والتكبير عند افتتاح الصلوات. وقد روى الحسن عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى أن غير التلبية من الاذكار لا يقوم مقام التلبية هنا كما في الصلوات على قوله ولا يصير محرما بمجرد النية ما لم يأت بالتلبية أو ما يقوم مقامها خلافا للشافعي رحمه الله تعالى وبيانه يأتي في موضعه ان شاء الله تعالى (قال) والمستحب رفع الصوت بالتلبية هكذا روى خلاد بن السائب أن النبي قال أمرنى جبريل عليه السلام أن آمر أمتى أو من معى بأن يرفعوا أصواتهم بالتلبية وقال أفضل الحج العج والثج فالعج رفع الصوت بالتلبية والثج اراقة الدم والمستحب عندنا في الاذكار والدعاء الخفية الا فيما تعلق باعلانه مقصود كالاذان للاعلام والخطبة للوعظ وتكبيرات الصلوات لا علام التحرم والانتقال والقراءة لا سماع المؤتم فالتلبية للشروع فيما هو من اعلام الدين فلهذا كان المستحب رفع الصوت به (قال) فإذا لبيت فقد أحرمت يعنى إذا نويت ولبيت الا أنه لم يذكر النية لتقدم الاشارة إليها في قوله اللهم اني أريد الحج قال فاتق ما نهى الله عنه من قتل الصيد والرفث والفسوق والجدال أما قتل الصيد فالمحرم منهى عنه في قوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم والصيد محرم عليه ما دام محرما لقوله تعالى وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما وأما الرفث والفسوق والجدال فالنهي عنها في قوله تعالى فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج فهو نهى بصيغة النفى وهذا آكد ما يكون من النهى وفى تفسير الرفث قولان أحدهما الجماع بيانه في قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث والثاني الكلام الفاحش الا ان ابن عباس رضى الله عنه كان يقول انما يكون الكلام الفاحش رفثا بحضرة النساء حتى روى انه كان ينشد في احرامه وهن يمشين بنا هميسا * ان تصدق الطير ننك لميسا

[ 7 ] (لميس اسم جاريته) فقيل له أترفث وأنت محرم فقال انما الرفث بحضرة النساء وقال أبو هريرة رضى الله عنه كنا ننشد الاشعار في حالة الاحرام فقيل له مثل ماذا فقال مثل قول القائل قامت تريك رهبة ان تصر ما * ساقا بحناء وكعبا أدرما ذكر في كفاية المتحفظ وأما الفسوق فهو اسم للمعاصي وذلك منهى عنه في الاحرام وغير الاحرام الا ان الحظر في الاحرام أشد لحرمة العبادة وفي تفسير الجدال قولان أحدهما ان يجادل رفيقه في الطريق والثانى ان المراد مجادلة المشركين في تقديم وقت الحج وتأخيره وذلك هو النسئ الذى قال الله تعالى النسئ زيادة في الكفر الآية وذلك منفى بعد الاسلام (قال) ولا يشير إلى صيد ولا يدل عليه لحديث أبى قتادة رضى الله عنه ان النبي قال لاصحابه رضوان الله عليهم وكانوا محرمين هل أشرتم هل أعنتم هل دللتم فقالوا لا فقال إذن فكلوا ولان المحرم على المحرم التعرض للصيد بما يزيل الامن عنه وذلك يحصل بالدلالة والاشارة وربما يتطرق به إلى القتل وما يكون محرم العين فهو محرم يدواعيه كالزنا (قال) ولا تغط رأسك ولا وجهك وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا بأس للرجل بان يغطى وجهه ولا يغطى رأسه والمرأة تغطى رأسها لا وجهها واستدل بقوله احرام الرجل في رأسه واحرام المرأة في وجهها (ولنا) حديث الاعرابي حين وقصت به ناقته في أخافيق جردان وهو محرم فقال لا تخمروا رأسه ووجهه وفى هذا تنصيص على أن المحرم لا يغطى رأسه ووجهه ورخص رسول الله لعثمان رضى الله عنه حين اشتكت عينه في حال الاحرام أن يغطى وجهه فتخصيصه حالة الضرورة بالرخصة دليل على أن المحرم منهى عن تغطية الوجه ولان المرأة لا تغطى وجهها بالاجماع مع أنها عورة مستورة فان في كشف الوجه منها خوف لفتنة فلان لا يغطى الرجل وجهه لاجل الاحرام أولى وتأويل الحديث بيان الفرق بين الرجل والمرأة في تغطية الرأس (قال) ولا تلبس قباء ولا قميصا ولا سراويل ولا قلنسوة لحديث ابن عمر رضى الله عنه أن النبي قال لا يلبس المحرم القباء ولا القميص ولا السراويل ولا القلنسوة ولا الخفين الا أن لا يجد نعلين فليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تتنقب المرأة الحرام (قال) ولا تلبس ثوبا مصبوغا بالعصفر ولا بالزعفران ولا بالورس لما روى عن النبي

[ 8 ] أنه قال لا يلبس المحرم ثوبا مسه زعفران أو ورس وان عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا بعد احرامه علاه بالدرة فقال لا تعجل يا أمير المؤمنين فانما هو بمشق فقال نعم ولكن من ينظر الك من بعد لا يعرف ذلك فيرجع إلى قبيلته ويقول رأيت على طلحة في احرامه ثوبا مصبوغا فيعيرك الناس بذلك فان كان قد غسل حتى لا ينفض فلا بأس بلبسه لان المنهي نفس الطيب لا لونه وبعد الغسل بهذه الصفة لا يبقى من عين الطيب فيه شئ (قال) ولا تمس طيبا بعد احرامك ولا تدهن لقوله الحاج الشعث التفل واستعمال الدهن والطيب يزيل هذه الصفة فيكون محرما بعد الاحرام (قال) وإذا حككت رأسك فارفق بحكه حتى لا يتناثر الشعر فان ازالة ما ينمو من البدن حرام على المحرم لان أوان قضاء التفث عند التحلل من الاحرام كما قال الله تعالى بعد ذبح الهدى ثم ليقضوا تفثهم (قال) ولا تغسل رأسك ولحيتك بالخطمى لان الخطمى تقتل هوام الرأس وتزيل الشعث الذى جعله رسول الله صفة الحاج وهو من نوع قضاء التفث أيضا (قال) ولا تقص أظفارك لانه ازالة ما يمنو من البدن فكان من نوع قضاء التفث (قال) وأكثر من التلبية في دبر كل صلاة وكلما لقيت ركبا وكلما علوت شرفا وكلما هبطت واديا وبالاسحار هكذا نقل ان أصحاب رسول الله ورضى عنهم كانوا يلبون في هذه الاحوال ثم تلبية المحرم في أدبار الصلوات كتكبير غير المحرم في أيام الحج في أدبار الصلوات فكما يؤتى بالتكبير بعد السلام فكذلك بالتلبية وكما أن المصلى يكبر عند الانتقال من ركن إلى ركن فكذلك لمحرم يلبى عند الانتقال من حال إلى حال. وروى الاعمش عن خثعمة قال كانوا يستحبون التلبية عند ست في أدبار الصلوات وإذا استعطف الرجل براحلته وإذا صعد شرفا وإذا هبط واديا وإذا لقى بعضهم بعضا وبالاسحار (قال) وإذا قدمت مكة فلا يضرك ليلا دخلتها أو نهارا لان هذا دخول بلدة فيستوى فيه الليل والنهار كسائر البلدان والرواة اختلفوا في وقت دخول رسول الله مكة فروى جابر رضي الله عنه انه صلى العشاء بذى طوى ثم هجع هجعة ثم دخل مكة فطاف ليلا وروى ابن عمر رضى الله عنه انه بات بذى طوى فلما أصبح دخل مكة نهارا والذى روى عن عمر رضى الله عنه انه كان ينهى الناس عن دخول مكة ليلا كان

[ 9 ] ذلك للاشفاق مخافة السرق ليرى الانسان أين ينزل ويضع رحله وروى عن عمر رضى الله عنه انه حين قدم مكة معتمرا في رمضان وجد الناس يصلون التروايح فصلى معهم وعن عائشة والحسن والحسين رضوان الله عليهم انهم كانوا يدخلون مكة ليلا (قال) فادخل المسجد لانه قصد زيارة البيت والبيت في المسجد وروى جابر رضى الله عنه ان النبي لما دخل مكة دخل المسجد فلما وقع بصره على البيت قال اللهم زد بيتك تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا ومهابة ولم يذكر في الكتاب تعيين شئ من الادعية في مشاهد الحج لما قال محمد رحمه الله تعالى التوقيت في الدعاء يذهب رقة القلب فاستحبوا ان يدعو كل واحد بما يحضره ليكون أقرب إلى الخشوع وان تبرك بما نقل عن رسول الله فهو حسن وكان ابن عمر رضى الله عنهما يقول إذا لقى البيت بسم الله والله أكبر وعن عطاء رضى الله عنه ان النبي كان إذا لقى البيت يقول أعوذ برب البيت من الدين والفقر ومن ضيق الصدر وعذاب القبر (قال) ثم ابدأ بالحجر الاسود فاستلمه هكذا روى جابر رضى الله عنه ان النبي بدأ بالحجر الاسود فاستلمه وعن عمر رضى الله عنه انه استلم الحجر الاسود وقال رأيت أبا القاسم بك حفيا وعن ابن عمر رضى الله عنهما ان النبي قبل الحجر ووضع شفتيه عليه وبكى طويلا ثم نظر فإذا هو بعمر رضى الله عنه فقال يا عمر هنا تسكب العبرات وان عمر رضى الله عنه في خلافته لما أتى الحجر الاسود وقف فقال اما انى أعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا اني رأيت رسول الله استلمك ما استلمتك فبلغت مقالته عليا رضى الله عنه فقال اما ان الحجر ينفع فقال له عمر رضى الله عنه وما منفعته ياختن رسول الله فقال سمعت رسول الله يقول ان الله تعالى لما أخذ الذرية من ظهر آدم عليه السلام وقررهم بقوله ألست بربكم قالوا بلى أودع اقرارهم الحجر فمن يستلم الحجر فهو يجدد العهد بذلك الاقرار والحجر يشهد له يوم القيامة واستلام الحجر للطواف بمنزلة التكبير للصلوات فيبدأ به طوافه (قال) ان استطعت من غير ان تؤذى مسلما لما روى ان النبي قال لعمر رضى الله عنه انك رجل أيد تؤذى الضعيف فلا تزاحم الناس على الحجر ولكن ان وجدت فرجة فاستلمه والا فاستقبله وكبر وهلل ولان استلام الحجر سنة والتحرز عن أذى المسلم واجب فلا ينبغى له ان يؤذى

[ 10 ] مسلما لاقامة السنة ولكن ان استطاع تقبيله فعل والامس الحجر بيده وقبل يده وان لم يستطع ذلك أمس الحجر شيئا من عرجون أو غيره ثم قبل ذلك الشئ جاء في الحديث ان النبي طاف على راحلته واستلم الاركان بمحجنه وان لم يستطع شيئا من ذلك استقبله وكبر وهلل وحمد الله تعالى وصلى على النبي وهذا استقبال مستحب غير واجب لان استقبال البيت عند الطواف لو كان واجبا كان في جميعه كاستقبال القبلة في الصلوات ولكنه مستحب لحديث ابن عباس رضى الله عنهما قال ان الحجر يبعث يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به فيشهد بالحق لمن استلمه أو استقبله (قال) ثم خذ عن يمينك على باب البيت فطف سبعة أشواط هكذا رواه جابر رضى الله عنه ان النبي أخذ على يمينه من باب الكعبة فطاف سبعة أشواط ومقادير العبادة تعرف بالتوقيف لا بالرأى (قال) يرمل في الثلاثة الاول في كل شوط منها من الحجر الاسود إلى الحجر الاسود فالحاصل ان كل طواف بعده سعى فالرمل في الثلاثة الاول منها سنة وكل طواف ليس بعدة سعى فلا رمل فيه والرمل هو الاضطباع وهز الكتفين وهو ان يدخل أحد جانبى ردائه تحت إبطه ويلقيه على المنكب الاخر ويهز الكتفين في مشيه كالمبارز الذي يتبختر بين الصفين وكان ابن عباس رضى الله عنه يقول لا رمل في الطواف وانما فعله رسول الله اظهار للجلادة للمشركين على ما روى أن في عمرة القضاء لما أخلوا له البيت ثلاثة أيام وصعدوا الجبل طاف رسول الله عليه وسلم مع أصحابه فسمع بعض المشركين يقول لبعض أضناهم حمى يثرب فاضطبع رسول الله رداءه فرمل فقال لاصحابه رضوان الله عليهم أجمعين رحم الله امرأ أرى من نفسه قوة وجلدا فإذا كان ذلك لاظهار الجلادة يومئذ وقد انعدم ذلك المعنى الآن فلا معنى للرمل والمذهب عندنا أن الرمل سنة لحديث جابر وابن عمر رضى الله عنهم أن النبي طاف يوم النحر في حجة الوداع فرمل في الثلاثة الاول ولم يبق المشركون بمكة عام حجة الوداع. وروى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما أراد الرمل في طوافه فقال علام أهز كتفي وليس هنا أحد أرائيه ولكنني رأيت رسول الله يفعله فأفعله اتباعا له وأكثر ما فيه أن سببه ما ذكره ابن عباس رضى الله عنه ولكنه صار سنة بذلك السبب فيبقى بعد زواله كرمى الجمار سببه رمى الخليل صلوات الله عليه الشيطان ثم بقى بعد زوال ذلك السبب والرمل من

[ 11 ] الحجر الاسود إلى الحجر الاسود عندنا. وقال سعيد بن جبير رضى الله عنه لا رمل بين الركن اليماني والحجر وانما الرمل من الحجر إلى الركن اليماني وروى في بعض الآثار أن النبي كان يرمل من الحجر الاسود إلى الركن اليماني لان المشركين كانوا يطلعون عليه فإذا تحول إلى الجانب الآخر حال البيت بينه وبينهم فكان لا يرمل وبهذا أخذ سعيد بن جبير وعطاء رحمهما الله تعالى ولكنا نأخذ بحديث جابر وابن عمر رضى الله عنهم أن النبي رمل في الثلاثة الاول من الحجر إلى الحجر (قال) وان زحمك الناس في رملك فقم فإذا وجدت مسلكا فارمل لانه تعذر عليه اقامة السنة في الطواف للزحام فليصبر حتى يتمكن من اقامة السنة كالمزحوم يوم الجمعة يصبر حتى يتمكن من السجود وتطوف الاربعة الاشواط الاخر مشيا على هينتك على هذا اتفق رواة نسك رسول الله وكلما مررت بالحجر الاسود في طوافك هذا فاستلمه ان استطعت من غير أن تؤذى مسلما فان لم تستطع فاستقبله وكبر وهلل لان أشواط الطواف كركعات الصلوات فكما تفتتح كل ركعة تقوم إليها بالتكبير فكذلك تفتتح كل شوط باستلام الحجر وان أفتتحت به الطواف وختمت به اجزأك كما في الصلوات فترك تكبيرات الانتقال لا يمنع الجواز فكذلك لا بأس بترك استلام الحجر عند افتتاح كل شوط فإذا كان افتتاحه للطواف باستلام الحجر وختمه بذلك ففيما بين ذلك يجعل كالمستلم حكما (قال) وليكن طوافك في كل شوط وراء الحطيم والحطيم اسم لموضع بينه وبين البيت فرجة يسمى ذلك الموضع حطيما وحجرا فتسميته بالحجر على معنى أنه حجر من البيت أي منع منه وتسميته بالحطيم على معنى أنه محطوم من البيت أي مكسور منه فعيل بمعنى مفعول كالقتيل بمعنى مقتول وقيل بل فعيل بمعنى فاعل أي حاطم كالعليم بمعنى عالم وبيانه فيما جاء في الحديث من دعى على من ظلمه فيه حطمه الله تعالى فينبغي لمن يطوف أن لا يدخل في تلك الفرجة في طوافه ولكنه يطوف ورواء الحطيم كما يطوف وراء البيت لان الحطيم من البيت وهكذا روى أن عائشة رضى الله عنها نذرت ان فتح الله مكة على رسول الله أن تصلى في البيت ركعتين فأخذ رسول الله بيدها وأدخلها الحطيم وقال صلى هنا فان الحطيم من البيت الا أن قومك قصرت بهم النفقة فأخرجوه من البيت ولولا حدثان عهد قومك بالجاهلية لنقضت بناء الكعبة وأظهرت قواعد الخليل صلوات الله عليه وأدخلت الحطيم في البيت

[ 12 ] والصقت العتبة بالارض وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا ولئن عشت إلى قابل لا فعلن ذلك فلم يعش ولم يتفرغ لذلك أحد من الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم حتى كان زمن عبد الله بن الزبير رضى الله عنه وكان سمع الحديث فيها ففعل ذلك وأظهر قواعد الخليل صلوات الله عليه وبنى البيت على قواعد الخليل صلوات الله عليه بمحضر من الناس وأدخل الحطيم في البيت فلما قتل كره الحجاج ان يكون بناء البيت على ما فعله ابن الزبير فنقض بناء الكعبة واعاده على ما كان عليه في الجاهلية فإذا ثبت ان الحطيم من البيت فالطواف بالبيت كما قال الله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق ينبغى له أن يطوف من وراء الحطيم ولا يقال لو استقبل الحطيم في الصلاة لا تجوز صلاته ولو كان الحطيم من البيت لجازت لان كون الحطيم من البيت انما يثبت بخبر الواحد وفرضية استقبال القبلة بالنص فلا يتأدى بما ثبت بخبر الواحد والحاصل أنه يحتاط في الطواف والصلاة جميعا لان خبر الواحد يوجب العمل ولا يوجب علم اليقين (قال) ثم ايت المقام فصل عنده ركعتين أو حيثما تيسر عليك من المسجد هكذا روى جابر رضى الله عنه أن النبي لما فرغ من طوافه أتى المقام وصلى ركعتين وروى عن عمر رضى الله عنه أنه قال يا رسول الله لو صليت في مقام إبراهيم فانزل الله تعالى واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى رسول الله عند المقام ركعتين وهاتان الركعتان عند الفراغ من الطواف واجب لقول النبي وليصل الطائف لكل أسبوع ركعتين والامر للوجوب ولان عمر رضى الله عنه نسى ركعتي الطواف حين خرج من مكة فلما كان بذى طوى صلاهما وقال ركعتان مكان ركعتين وقال أو حيث تيسر عليك من المسجد ومراده ان الزحام يكثر عند المقام فلا ينبغى أن يتحمل المشقة لذلك ولكن المسجد كله موضع الصلاة فيصلى حيث تيسر عليه (قال) فإذا فرغت منها فعد إلى الحجر فاستلمه فان لم تستطع فاستقبل وهلل وكبر والاصل ان كل طواف بعده سعى يعود إلى استلام الحجر فيه بعد الفراغ من الصلاة وكل طواف ليس بعده سعى لا يعود إلى استلام الحجر فيه بعد الصلاة لان الطواف الذى ليس بعده سعى عبادة قد تم فراغه منها حين فرغ من الركعتين فلا معنى للعود إلى ما به بدء الطواف فاما الطواف الذى بعده سعى فكما يفتتح طوافه باستلام الحجر فكذلك السعي يفتتح باستلام الحجر فلهذا يعود إلى الحجر فيستلمه (قال) ثم اخرج

[ 13 ] إلى الصفا فمن أي باب شاء خرج الا ان جابرا رضى الله عنه روى ان النبي خرج من باب بنى مخزوم وليس ذلك بسنة بل انما فعله لانه كان أقرب الابواب إلى الصفا فهو الذي يسمى الآن باب الصفا فإذا خرج بدأ بالصفا لما روى ان الصحابة رضى الله عنهم قالوا يا رسول الله بأيهما نبدأ قال ابدؤا بما بدأ الله تعالى به يريد قوله تعالى ان الصفا والمروة من شعائر الله (قال) وقم عليها مستقبل الكعبة فتحمد الله تعالى وتثني عليه وتكبر وتهلل وتلبي وتصلى على النبي وتدعو الله تعالى بحاجتك لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما ان النبي صعد الصفا حتى إذا نظر إلى البيت قام مستقبل البيت يدعو وروى جابر رضى الله عنه ان النبي لما صعد الصفا استقبل البيت وقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير لا اله الا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده ثم قرأ مقدار خمسة وعشرين آية من سورة البقرة ثم نزل وجعل يمشي نحو المروة فلما انتصب قدماه في بطن الوادي سعى حتى التوى ازاره بساقيه وهو يقول رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم انك أنت الاعز الاكرم حتى إذا خرج من بطن الوادي مشى حتى صعد المروة وطاف بينهما سبعة أشواط ثم الصعود على الصفا ليصير البيت بمرأى العين منه فانما يصعد بقدر ما يحصل به هذا المقصود وهذا المقصود كان ليستقبل البيت فينبغي ان يستقبله فيأتي بالتحميد والثناء والتكبير والتهليل والصلاة على النبي لان قصده ان يسأل حاجته من الله تعالى فيجعل الثناء مقدمة دعائه وبعد الصلاة على النبي كما يفعله الداعي عند ختم القرآن وغير ذلك ثم ذكر الدعاء هنا ولم يذكره عند استلام الحجر لان تلك الحالة حال ابتداء العبادة وهذا حال ختم العبادة فان ختم الطواف بالسعي يكون والدعاء عند الفراغ من العبادة لا عند ابتدائها كما في فصل الصلاة (قال) ثم اهبط منها نحو المروة وامش على هينتك مشيا حتى تأتى بطن الوادي فاسع في بطن الوادي سعيا فإذا خرجت منه تمشى على هينتك مشيا حتى تأتى المروة فتصعد عليها وتقوم مستقبل الكعبة فتحمد الله تعالى وتثنى عليه وتهلل وتكبر وتلبي وتصلى على النبي ثم تدعو الله تعالى بحاجتك وللناس في أصل السعي في بطن الوادي كلام فقد قيل بان أصله من فعل أم إسماعيل هاجر حين كانت في طلب الماء كلما صار الجبل حائلا بينهما وبين النظر إلى ولدها كانت تسعى

[ 14 ] حتى تنظر إلى ولدها شفقة منها على الولد فصار ذلك سنة والاصح ان يقال فعله رسول الله في نسكه وأمر أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ان يفعلوا ذلك فنفعله اتباعا له ولا نشتغل بطلب المعنى فيه كما لا نشتغل بطلب المعنى في تقدير الطواف والسعى سبعة أشواط (قال) فطف بينهما هكذا سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة وتسعى في بطن الوادي في كل شوط وظاهر ما قال في الكتاب ان ذهابه من الصفا إلى المروة شوط ورجوعه من المرة إلى الصفا شوط آخر واليه أشار في قوله يبدأ بالصفا ويختم بالمروة وذكر الطحاوي رحمه الله تعالى انه يطوف بينهما سبعة أشواط من الصفا إلى الصفا وهو لا يعتبر رجوعه ولا يجعل ذلك شوطا آخر والاصح ما ذكر في الكتاب لان رواة نسك رسول الله اتفقوا على أنه طاف بينهما سبعة أشواط وعلى ما قاله الطحاوي رحمه الله تعالى يصير أربعة عشر شوطا (قال) ثم تقيم بمكة حراما لا تحل منه بشئ وهذا لانه أحرم بالحج فلا يتحلل ما لم يأت بأفعال الحج (قال) وتطوف بالبيت كلما بدالك وتصلى لكل أسبوع ركعتين فان الطواف بالبيت مشبه بالصلوات قال الطواف بالبيت صلاة الا أن الله تعالي أحل فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق الا بخير والصلاة خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر وكذلك الطواف ولكنه لا يسعى عقيب سائر الاطوفة في هذه المدة لان السعي الواحد من الواجبات للحج وقد أتي به فلو سعى بعد ذلك كان متنفلا به والتنفل بالسعي غير مشروع (قال) حتى تروح مع الناس إلى منى يوم التروية فتبيت بها ليلة عرفة وتصلى بها الغداة يوم عرفة هكذا روى جابر وابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الفجر يوم التروية بمكة فلما طلعت الشمس راح إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر يوم عرفة ثم راح إلى عرفات (قال) ثم تغدو إلى عرفات لحديث ابن عمر رضى الله عنهما ان جبرائيل صلوات الله عليه أتى إبراهيم يوم التروية فأمره فراح إلى منى وبات بها ثم غدا به إلى عرفات (قال) وتنزل بها مع الناس لانه من الناس فينزل حيث ينزلون ومراده أنه لا ينزل على الطريق كيلا يضيق على المارة ولا يتأذى هو بهم (قال) فان صليت الظهر والعصر مع الامام فحسن والحاصل أنه كما زالت الشمس يوم عرفة يصلى الامام بالناس الظهر والعصر بعرفات هكذا روى جابر رضى الله عنه في حديثه قال لما زالت الشمس صلى رسول الله

[ 15 ] بالناس الظهر والعصر بأذان واقامتين وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر رضى الله عنه في شئ من أمر المناسك فلما زالت الشمس أتى ابن عمر رضى الله عنه سرادقه فقال اين هذا فخرج الحجاج فقال ان أردت السنة فالساعة فقال انتظرني حتى اغتسل فانتظره فاغتسل وراح إلى المصلى والاغتسال في هذا الوقت بعرفات سنة فان اكتفي بالوضوء أجزأه وان اغتسل فهو أفضل كما عند الاحرام وكما في العيدين والجمعة ثم يخطب قبل الصلاة خطبتين بينهما جلسة كما في الجمعة والعيدين هكذا فعله رسول الله وهذا لان المقصود تعليم الناس المناسك والجمع بين الصلاتين من المناسك فيقدم الخطبة عليه لتعليم الناس ولانهم بعد الفراغ من الصلاة يتفرقون في الموقف ولا يجتمعون لاستماع الخطبة وفى ظاهر المذهب إذا صعد الامام المنبر فجلس أذن المؤذن كما في الجمعة وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه يؤذن قبل خروج الامام لان هذا الاذان لاداء الظهر كما في سائر الايام وهذا قوله الاول فإذا فرغ من الخطبة أقام المؤذن وصلى الامام بالناس الظهر ركعتين إذا كان مسافرا ثم يقوم المؤذن فيقوم ثانية فيصلى بهم العصر من غير أن يتنفل بين الصلاتين هكذا رواه جابر بن عبد الله رضى الله عنه في صفة نسك رسول الله وهذا لان تقديم العصر على وقته ليتوصل إلى الوقوف المقصود ولئلا ينقطع وقوفه فلان لا يشتغل بالنافلة بين الصلاتين ليحصل هذا المقصود أولى وانما يعيد الاقامة للعصر لانه معجل على وقته المعهود فيعيد الاقامة له اعلاما للناس وان اشتغل بالتطوع بين الصلاتين اعاد الاذان للعصر الا في رواية ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى انه قال ما دام في وقت الظهر لا يعيد الاذان للعصر فأما في ظاهر الرواية فاشتغاله بالنفل أو بعمل آخر يقطع فور الاذان الاول فيعيد الاذان للعصر (قال) وان لم يدرك الجمع مع الامام وأراد أن يصلى وحده صلى كل صلاة لوقتها في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعلى قول أبى يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله تعالى يجمع بينهما كما يفعل مع الامام قال في الكتاب بلغنا ذلك عن عائشة وابن عمر رضى الله عنهم وعلل فقال لان العصر انما قدمت لاجل الوقت ومعنى هذا الكلام أن الجمع بين الصلاتين انما جاز لحاجته إلى امتداد الوقوف فان الموقف هبوط وصعود لا يمكن تسوية الصفوف فيها فيحتاجون إلى الخروج منها والاجتماع لصلاة العصر فنقطع وقوفهم وامتداد الوقوف إلى غروب الشمس واجب

[ 16 ] فللحاجة إلى ذلك جوز له الجمع بين الصلاتين وفى هذا المنفرد والذى يصلى مع الامام سواء وقاس هذا الجمع بالجمع الثاني بالمزدلفة فان الامام فيه ليس بشرط بالاتفاق وهذا النسك معتبر بسائر المناسك في أنه لا يشترط فيه الامام وأبو حنيفة رحمه الله تعالى استدل بقوله تعالى ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا أي فرضا مؤقتا فالمحافظة على الوقت في الصلاة فرض بيقين فلا يجوز تركه الا بيقين وهو الموضوع الذى ورد النص به وانما ورد النص بجمع رسول الله بين الصلاتين والخلفاء من بعده فلا يجوز الجمع الا بتلك الصفة وكأن المعنى فيه ان هذا الجمع مختص بمكان وزمان ومثله لا يجوز الا بامام كاقامة الخطبة مقام ركعتين في الجمعة لما كان مختصا بمكان وزمان كان الامام شرطا فيه بخلاف الجمع الثاني فانه أداء المغرب في وقت العشاء وذلك غير مختص بمكان وزمان فأما هذا تعجيل العصر على وقته وذلك لا يجوز الا في هذا المكان وهذا الزمان ثم يسلم ان هذا الجمع لاجل لوقوف ولكن الحاجة إلى الجمع للجماعة لا للمفرد لان يمكنه أن يصلى العصر في وقته في موضع وقوفه فان المصلى واقف فلا ينقطع وقوفه بالاشتغال بالصلاة وانما يحتاجون إلى الخروج لتسوية الصفوف إذا أدوها بالجماعة ولانه يشق عليهم الاجتماع فانهم بعد الفراغ من الصلاة يتفرقون في الموقف فيختار كل واحد منهم موضعا خاليا يناجى فيه ربه عزوجل وهذا المعنى ينعدم في حق المنفرد لانه يمكنه أداء العصر في وقته في موضع خلوته وحديث عائشة وابن عمر رضى الله تعالى عنهم محمول على الامام الاجل وهو الخليفة أنه ليس بشرط ثم يعارضه قول ابن مسعود رضى الله تعالى عنه يصلى المنفرد كل صلاة لوقتها (قال) ولو فاته الظهر مع الامام وأدرك العصر معه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لم يجمع بينهما أيضا وعند زفر رحمه الله تعالى يجمع بينهما لان التغيير انما وقع في العصر فانها معجلة على وقتها واشتراط الامام لوقوع التغيير فيقتصر على ما وقع فيه التغيير وجه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان العصر في هذا اليوم كالتبع للظهر لانهما صلاتان أديتا في وقت واحد والثانية منهما مرتبة على الاولى فكان بمنزلة العشاء مع الوتر فكما ان الوتر تبع للعشاء فكذلك العصر تبع للظهر هنا ولما جعل الامام شرطا في التبع كان شرطا في الاصل بطريق الاولى ودليل التبعية أنه لا يجوز العصر في هذا اليوم الا بعد صحة أداء الظهر حتى لو تبين في يوم الغيم انهم صلوا الظهر قبل الزوال والعصر بعده لزمهم اعادة الصلاتين وكذلك لو جدد الوضوء بين

[ 17 ] الصلاتين ثم تبين أنه صلى الظهر بغير وضوء لزمه اعادة الصلاتين بخلاف سائر الايام وعلى هذا الاحرام بالحج شرط لاداء هاتين الصلاتين حتى ان الحلال إذا صلى الظهر مع الامام ثم أحرم بالحج فصلى العصر والمحرم بالعمرة صلى الظهر مع الامام ثم أحرم بالحج فصلى العصر معه لم يجزه العصر الا في وقتها وعند زفر رحمه الله تعالى يجزيه وفى احدى الروايتين يشترط لهذا الجمع ان يكون محرما بالحج قبل زوال الشمس لان بزوال الشمس يدخل وقت الجمع ويختص بهذا الجمع المحرم بالحج فيشترط تقديم الاحرام بالحج على الزوال وفى الرواية الاخرى وان أحرم بالحج بعد الزوال فله ان يجمع بين الصلاتين لان اشتراط الاحرام بالحج لاجل الصلاة لا لاجل الوقت فإذا صلى العصر راح إلى الموقف فوقف به ويحمد الله تعالى ويثني عليه ويهلل ويكبر ويصلى على النبي ويلبى ويدعو الله تعالى بحاجته والحاصل فيه انه يقف في أي موضع شاء من الموقف والافضل ان يقف بالقرب من الامام لان الامام يعلم الناس ما يحتاجون إليه ويدعو فمن كان أقرب إليه كان أقرب إلى الاستماع والتأمين على دعائه فيكون أفضل (قال) وينبغى ان يقف مستقبل القبلة ان شاء راكبا وان شاء على قدميه وقد ذكر جابر رضى الله عنه في حديثه ان النبي وقف على راحلته وجعل نحرها إلى بطن المحراب فوقف عليها مستقبل القبلة يدعو وفي الحديث خير المواقف ما استقبلت به القبلة وان اختار بوقوفه موضعا آخر بالبعد من الامام جاز لحديث عطاء رحمه الله تعالى أن النبي قال عرفة كلها موقف وفجاج مكة كلها منحر وفى حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنهم أن النبي قال عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن وادى محسر وفي وقوفه يدعو هكذا رواه علي رضى الله عنه أن النبي قال أفضل دعائي ودعاء الانبياء قبلى بعرفات لا اله الا الله وحده لا شريك له إلى آخره اللهم اجعل لى في قلبى نورا وفي سمعي نورا وفى بصرى نورا اللهم اشرح لى صدري ويسر لى أمرى حديث فيه طول وقد بينا أنه يختار من الدعاء ما يشاء واجتهد رسول الله في الدعاء في هذا الموقف لامته فاستجيب له الا في الدماء والمظالم (قال) ويلبى في هذا الموقف عندنا وقال مالك رحمه الله تعالى الحاج يقطع التلبية كما يقف بعرفة لان اجابته باللسان إلى أن يحضر وقد تم حضوره فان معظم أركان الحج الوقوف

[ 18 ] بعرفة قال الحج عرفة ولكنا نستدل بحديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه لبى عشية عرفة فقال له رجل يا شيخ ليس هذا موضع التلبية فقال ابن مسعود رضى الله عنه أجهل الناس أم طال بهم العهد لبيك عدد التراب لبيك حججت مع رسول الله فما زال يلبى حتى رمى جمرة العقبلة ولان التلبية في هذه العبادة كالتكبير في الصلوات وكما يأتي بالتكبير إلى آخر الصلاة فكذلك يأتي بالتلبية هنا إلى وقت الخروج من الاحرام وذلك عند الرمى يكون (قال) وإذا غربت الشمس دفع على هبنته على هذا اتفق رواة نسك رسول الله أنه وقف بعرفة حتى إذا غربت الشمس دفع منها وروى أنه خطب عشية عرفة فقال أيها الناس ان أهل الجاهلية والاوثان يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس إذا تعممت بها رؤس الجبال كعمائم الرجال في وجوههم وان هدينا ليس كهديهم فادفعوا بعد غروب الشمس فقد باشر ذلك وأمر به اظهارا لمخالفة المشركين فليس لاحد أن يخالف ذلك الا أنه ان خاف الزحام فتعجل قبل الامام فلا بأس به إذا لم يخرج من حدود عرفة قبل غروب الشمس وكذلك ان مكث قليلا بعد غروب الشمس وذهاب الامام مع الناس لخوف الزحام فلا بأس به بعد أن لا يطوله لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها أنها بعد افاضة الامام دعت بشراب فأفطرت ثم أفاضت (قال) ويمشى على هينته في الطريق هكذا قال رسول الله أيها الناس ليس البر في ايجاف الخيل ولا في ايضاع الابل عليكم بالسكينة والوقار. وروى جابر رضى الله تعالى عنه أن النبي كان يمشى على راحلته في الطريق على هينته حتى إذا كان في بطن الوادي أوضع راحلته وجعل يقول اليك تعدو قلقا وضينها * مفارقا دين النصارى دينها * معترضا في بطنها جنينها * فزعم بعض الناس أن الايضاع في هذا الموضع سنة ولسنا نقول به وتأويله ان راحلته كلت في هذا الموضع فبعثها فانبعثت كما هو عادة الدواب لا أن يكون قصده الايضاع (قال) ولا يصلى المغرب في الطريق حتى يأتي المزدلفة لما روى أن أسامة بن زيد رضى الله تعالى عنه كان رديف رسول الله في الطريق من المزدلفة فقال الصلاة يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام الصلاة أمامك ومراده من هذا اللفظ اما الوقت أو المكان ولم

[ 19 ] يصل حتى انتهى إلى المزدلفة فكان ذلك دليلا ظاهرا على أنه لا يشتغل بالصلاة قبل الاتيان إلى المزدلفة فإذا أتى المزدلفة نزل بها مع الناس وانما ينزل عن يمين الطريق أو عن يساره ويتحرز عن النزول على الطريق كيلا يضيق على المارة ولا يتأذى هو بهم فيصلى المغرب والعشاء باذان واقامة واحدة وقال زفر رحمه الله تعالى باذان واقامتين هكذا رواه ابن عمر رضى الله عنهما عن رسول الله فاما جابر رضى الله عنه يروى أنه جمع بينهما بأذان واقامة واحدة والمراد بحديث ابن عمر رضى الله عنهما هذا أيضا الا أنه سمى الاذان اقامة وكل واحد منهما يسمى باسم صاحبه قال بين كل أذانين صلاة لمن شاء يريد بين الاذان والاقامة ثم العشاء هنا مؤداة في وقتها المعهود فلا تقع الحاجة إلى افراد الاقامة لها بخلاف العصر بعرفات فانها معجلة على وقتها وان صح أن النبي افرد الاقامة فتأويله أنه اشتغل بين الصلاتين بنفل أو شغل آخر وعندنا في مثل هذا الموضع تفرد الاقامة للعشاء وقد ذكر في بعض روايات ابن عمر رضى الله عنه أنه تعشى بعد المغرب ثم أفرد الاقامة للعشاء (قال) ثم يبيت بها فإذا انشق الفجر صلى الفجر بغلس هكذا رواه جابر رضى الله عنه أن النبي لما صلى العشاء بالمزدلفة بسط له شئ فبات عليه فلما طلع الفجر صلى الفجر. وقال ابن مسعود رضى الله عنه ما رأيت رسول الله صلى صلاة قبل ميقاتها الاصلاة الفجر صبيحة الجمع فانه صلاها يومئذ بغلس ولان الاسفار بالفجر وان كان أفضل في سائر المواضع ففي هذا الموضع التغليس أفضل لحاجته إلى الوقوف بعده وفي الاسفار بعض التأخير في الوقوف فإذا كان يجوز تعجيل العصر على وقتها للحاجة إلى الوقوف بعدها فلان يجوز التغليس بالفجر كان أولى (قال) ثم يقف بالمشعر الحرام مع الناس يحمد الله تعالى ويثنى عليه ويهلل ويكبر ويلبى ويصلى على النبي ويدعو الله تعالى بحاجته وهذا الوقوف منصوص عليه في القرآن والوقوف بعرفات مشار إليه في قوله تعالى فإذا أفضتم من عرفات الآية وقد وقف رسول الله في هذا الموضع يدعو حتى قال ابن عباس رضى الله عنه رأيت يديه عند نحره بالمشعر الحرام وهو يدعو كالمستطعم المسكين وانما تم مراد رسول الله في هذا الموقف فانه دعا لامته فاستجيب له في الدماء والمظالم أيضا والناس في الجاهلية كانوا متفقين على هذا

[ 20 ] الموقف مختلفين في الوقوف بعرفة فان الحمس كانوا لا يقفون بعرفة ويقولون لا يعظم غير الحرم حتى أن النبي لما وقف بعرفة جعل الناس تعجبون ويقولون فما بينهم هذا من الحمس فما باله خرج من الحرم فعرفنا أنه ينبغى ان لا يترك الوقوف بالمشعر الحرام حتى إذا أسفر جدا دفع قبل أن تطلع الشمس هكذا رواه جابر وابن عمر رضى الله عنهما أن النبي وقف بالمشعر الحرام حتى إذا كادت الشمس ان تطلع دفع إلى منى وان أهل الجاهلية كانوا لا يدفعون من هذا الموقف حتى تطلع الشمس فإذا طلعت وصارت كالعمائم على رؤس الجبال دفعوا وكانوا يقولون تأشرق ثبير كيما نغير فخالفهم رسول الله ودفع قبل طلوع الشمس فيجب الاخذ بفعله لما فيه من اظهار مخالفة المشركين كما في الدفع من عرفات فإذا أتى منى يأتي جمرة العقبة ويرميها من بطن الوادي بسبع حصيات مثل حصى الحذف لما روى ان النبي لما أتى منى يوم النحر لم يعرج على شئ حتى رمى جمرة العقبة وقال أول نسكنا هنا بمنى ان نرمى ثم نذبح ثم نحلق ويرميها من بطن الوادي لما روى ان ابن مسعود رضى الله عنه وقف في بطن الوادي فرمى سبع حصيات فقيل له ان ناسا يرمونها من فوقها أجهل الناس أم نسوا هذا والله الذى لا اله غيره مقام الذى أنزلت عليه سورة البقرة وهكذا نقل عن ابن عمر رضي الله عنهما انه رمى جمرة العقبة من بطن الوادي وقال هكذا فعله رسول الله وانما يرمى مثل حصى الحذف لما روي ان النبي أمر ابن عباس رضى الله عنهما ان يناوله سبع حصيات فأخذهن بيده وجعل يقول للناس بمثل هذا فارموا وفى رواية عليكم بحصى الحذف لا يؤذى بعضكم بعضا والقصود اتباع سنة الخليل عليه السلام وبهذا القدر يحصل المقصود فلو رمي باكبر من حصى الحذف ربما يصيب انسانا فيؤذيه ويكبر مع كل حصاة ويقطع التلبية عند أول حصاة يرمى بها جمرة العقبة اما قطع التلبية عند الرمى فقد رواه ابن مسعود رضى الله عنه عن رسول الله وهكذا رواه جابر رضى الله عنه ان النبي قطع التلبية عند أول حصاة رمي بها جمرة العقبة وأما التكبير عند كل حصاة فقد رواه ابن عمر رضى الله عنهما عن رسول الله وعن سالم بن عبد الله انه لما أراد الرمى وقف في بطن الوادي وجعل يقول عند رمى كل حصاة بسم الله والله أكبر اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا ثم قال هكذا حدثني أبى عن رسول الله صلى الله عليه

[ 21 ] وسلم انه قال عند كل حصاة مثل ما قلت (قال) وابتداء وقت الرمى عندنا من وقت طلوع الفجر من يوم النحر وعلى قول سفيان الثوري رحمه الله تعالى من وقت طلوع الشمس وعند الشافعي رحمه الله تعالى يجوز الرمى بعد النصف الاول من ليلة النحر واستدل الثوري رحمه الله تعالى بحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي قدم ضعفة أهله من المزدلفة وجعل يلطخ اقخاذهم ويقول أغيلمة بنى عبد المطلب لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس وحجتنا في ذلك ما روى أنه لما قدم ضعفة أهله قال أي بني لا ترموا جمرة العقبة الا مصبحين فنعمل بالحديثين جميعا فنقول بعد الصبح يجوز وتأخيره إلى ما بعد طلوع الشمس أولى واستدل الشافعي رحمه الله تعالى بما روى أن النبي رخص للرعاة أن يرموا ليلا وتأويل ذلك عندنا في الليلة الثانية والثالثة دون الاول والمعنى فيه أن دخول وقت الرمى بخروج وقت الوقوف إذ لا يجتمع الرمى والوقوف في وقت واحد ووقت الوقوف يمتد إلى طلوع الفجر فوقت الرمي يكون بعده أو وقت الرمي هو وقت التضحية وانما يدخل وقت التضحية بطلوع الفجر الثاني فكذلك وقت الرمى (قال) ولا يرمى يومئذ من الجمار غيرها لحديث جابر رضى الله عنه أن النبي لم يرم في اليوم الاول الا جمرة العقبة (قال) ولا يقوم عندها لانه قد بقى عليه أعمال يحتاج إلى أدائها في هذا اليوم ولان النبي لم يقم عند جمرة العقبة ولكنه يأتي منزله فيحلق أو يقصروا لحلق أفضل لانه جاء أوان التحلل عن الاحرام والتحلل بالحلق أو بالتقصير كما أشار الله عزوجل إليه في قوله ثم ليقضوا تفثهم وقضاء التفث بالحلق يكون وروى أن النبي لما ذبح هداياه دعى بالحلاق فأهوى إليه الشق الايمن من رأسه فحلقه وقسم شعره على أصحابه رضى الله تعالى عنهم ثم حلق الشق الايسر وأعطى شعره أم سليم رضى الله تعالى عنها ولم يذكر الذبح هنا لانه من حكم المفرد بالحج وليس عليه هدي وهو مسافر أيضا لا تلزمه التضحية ولكنه لو تطوع بذبح الهدى فهو حسن يذبح بعد الرمي قبل الحلق لما روينا أن أول نسكنا أن نرمى ثم نذبح ثم نحلق والحلق أفضل من التقصير لان الله تعالى بدأ به في كتابه في قوله محلقين رؤسكم ومقصرين وقال ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدى محله فهذا بيان أنه ينبغى أن يتحلل بالحلق وقال رسول الله رحمه الله المحلقين فقيل والمقصرين فقال رحمه الله المحلقين حتى قال في الرابعة والمقصرين فقد

[ 22 ] ظاهر في هذا الدعاء ثلاث مرات للمحلقين فدل أنه أفضل (قال) ثم قد حل له كل شئ الا النساء فالحاصل أن في الحج احلالين أحدهما بالحلق والثانى بالطواف فبالحق يحل له كل شئ كان حراما على المحرم الا النساء وقال مالك رحمه الله تعالى الا النساء والطيب. وقال الليث رحمه الله تعالى الا النساء وقتل الصيد لانهما محرمان بنص القرآن فلا ترتفع حرمتهما الا بتمام الاحلال ولكنا نقول قتل الصيد ليس نظير الجماع الا يري أن الاحرام يفسد بالجماع وقتل الصيد لا يفسده فكان هو نظير سائر المحظورات يرتفع بالحلق ومالك رحمه الله تعالى يقول استعمال الطيب من دواعى الجماع فلا يحل الا بالطواف كنفس الجماع وحجتنا حديث عائشة رضى الله عنها كنت أطيب رسول الله لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت واستعمال الطيب لا يفسد الاحرام بحال بخلاف النساء فكان قياس سائر المحظورات ولهذا الاصل قال الشافعي رحمه الله تعالى حرمة الجماع فيما دون الفرج ترتفع بالحلق أيضا لانه لا يفسد الاحرام بحال ولكنا نقول ما يقصد منه قضاء الشهوة بالنساء فحله مؤخر إلى تمام الاحلال بالطواف شرعا وفي ذلك الجماع في الفرج وفيما دون الفرج سواء (قال) ثم يزور من يومه ذلك البيت إن استطاع أو من الفسد أو من بعد الغد ولا يؤخره إلى ما بعد ذلك فيطوف به أسبوعا ويصلى ركعتين لما روي أن النبي صلي الله عليه وسلم لما حلق أفاض إلى مكة فطاف بالبيت ثم عاد إلى منى وصلى الظهر بمنى وفى بعض الروايات أنه أتى بمكة ليلا فطاف ووجه التوفيق أنه في أيام منى كان يأتي مكة بالليل مستترا فيطوف فمن رأى ذلك منه ظن ان طوافه ذلك للزيارة فنقل كما وقع عنده وانما طاف للزيارة قبل الظهر وطواف الزيارة ركن الحج وهو الحج لا كبر في تأويل قوله تعالى واذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر ووقته أيام النحر فلا ينبغي أن يؤخره عن أيام النحر والافضل اداؤه في أول أيام النحر كالتضحية لقوله أيام النحر ثلاثة أفضلها أو لها ثم لم يذكر السعي عقيب هذا الطواف لانه قد سعى عقيب طوافه التحية وليس عليه في الحج الا سعى واحد فان قيل السعي واجب أو ركن وطواف التحية سنة فكيف يترتب ما هو واجب على ما هو سنة قلنا نعم لكن الشرع جوز له اداء هذا الواجب عقيب طواف هو سنة للتيسير فان الطواف الذى هو ركن لا يجوز قبل يوم النحر وفى يوم النحر على الحاج أعمال كثيرة ولو وجب عليه أداء السعي

[ 23 ] في هذا اليوم لحقته المشقة فللتيسير جوز له أداء السعي عقيب طواف التحية فلا يعيده يوم النحر وكذلك لا يرمل في طوافه يوم النحر لان الرمل سنة أول طواف يأتي به في الحج فقد أتى به في طواف فلا يعيده في طواف الزيارة لكنه يصلى ركعتين عقيب الطواف لان ختم كل طواف يكون بركعتين واجبا كان الطواف أو نفلا ثم قد حل له النساء لانه تم احلاله ثم يرجع إلى منى فإذا كان الغد من يوم النحر رمي الجمار الثلاثة بعد زوال الشمس يبدأ بالتى تلى المسجد فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم يأتي المقام الذي يقوم فيه الناس فيقوم فيه فيحمد الله جلت قدرته ويثنى عليه ويهلل ويكبر ويصلى على النبي ويدعو بحاجته ثم يأتي الجمرة الوسطى فيرميها بسبع حصيات كذلك ثم يقوم حيث يقوم الناس فيصنع في قيامه كما صنع في الاول ثم يأتي جمرة العقبة فيرميها من بطن الوادي بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة ولا يقيم عندها هكذا رواه جابر رضى الله عنه مفسرا فيما نقل من نسك رسول الله والحديث المشهور ان النبي قال لا ترفع الايدي الا في سبعة مواطن عند افتتاح الصلاة وعند القنوت في الوتر وفي العيدين وعند استلام الحجر وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجمع عند المقامين عند الجمرتين وهذا دليل على انه انما يقيم عند الجمرتين الاولى والوسطى ولا يقيم عند جمرة العقبة والمراد من رفع اليدين الرفع للدعاء دل على أن الدعاء عند المقامين وينبغى للحاج أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات في دعائه في هذا الموقف قال النبي اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج والحاصل أن كل رمى بعده رمي فحال الفراغ منه حال وسط العبادة فيأتى بالدعاء فيه وكل رمي ليس بعده رمى فبالفراغ منه قد فرغ من العبادة فلا يقيم بعده للدعاء ولم يذكر في الكتاب ان الرمى ماشيا أفضل أم راكبا وحكي عن إبراهيم الجراح قال دخلت على أبى يوسف رحمه الله تعالى في مرضه الذى مات فيه ففتح عينيه وقال الرمى راكبا أفضل أم ماشيا فقلت ماشيا فقال أخطأت فقلت راكبا فقال أخطأت ثم قال كل رمي كان بعده وقوف فالرمي فيه ماشيا أفضل وما ليس بعده وقوف فالرمي راكبا أفضل فقمت من عنده فما انتهيت إلى باب الدار حتى سمعت الصراخ لموته فتعجبت من حرصه على العلم في مثل تلك الحالة والذى رواه جابر رضى الله عنه أن النبي رمى الجمار كلها راكبا انما فعله ليكون أشهر للناس حتى يقتدوا به فيما يشاهدون منه الا ترى

[ 24 ] أنه قال خذوا عنى مناسككم فلا أدرى لعلى لا أحج بعد هذا العام فإذا كان من الغد رمى الجمار الثلاث حين تزول الشمس كذلك ثم ينفر إن أحب من يومه فان أقام إلى الغد وهو آخر أيام التشريق فعل كما فعل بالامس لقوله تعالى فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه (قال) وقد كان يكره له أن ينفر قبل أن يقدم ثقله لما روى عن عمر رضى الله عنه أنه كان يمنع الناس منه ويؤدب عليه ولانه شغل قلبه بهم إذ قدمهم قبله وربما يمنعه شغل القلب من اتمام سنة الرمى ولا يأمن أن يضيع شئ من أمتعتهم فلهذا كره له أن يقدم ثقله (قال) ثم يأتي الا بطح فينزل به ساعة وهذا اسم موضع قد نزل رسول الله حين انصرف من منى إلى مكة يسمى المحصب والابطح وكان ابن عباس رضى الله عنها يقول ليس النزول فيه ولكنه موضع نزله رسول الله اتفاقا ولا صح عندنا أنه سنة وانما نزله رسول الله قصدا على ما روى أنه قال لاصحابه رضى الله عنهم بمنى انا نازلون غدا بالخيف خيف بنى كنانة حيث تقاسم المشركون فيه على شركهم يريد به الاشاره إلى عهد المشركين في ذلك الموضع على هجران بنى هاشم فعرفنا أنه نزوله إراءة للمشركين لطيف صنع الله تعالى به فيكون النزول فيه سنة بمنزلة الرمل في الطواف (قال) ثم يطوف طواف الصدر ويصلى ركعتين لقوله من حج هذا البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطواف ورخص للنساء الحيض ويسمى هذا الطواف طواف الوداع وطواف الصدر لانه يودع به البيت ويصدر به عن البيت (قال) ثم يرجع إلى أهله وقد قال شيخنا الامام رحمه الله تعالى يستحب له أن يأتي الباب ويقبل العتبة ويأتى الملتزم فيلتزمه ساعة يبكي ويتشبث باستار الكعبة ويلصق جسده بالجدار أن تمكن ثم يأتي زمزم فيشرب من مائه ثم يصب منه على بدنه ثم ينصرف وهو يمشى وراءه ووجهه إلى البيت متباكيا متحسرا على فوات البيت حتى يخرج من المسجد فهذا بيان تمام الحج الذى أراده رسول الله بقوله من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وقال العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحجر المبرور ليس له جزاء الا الجنة (قال) وان كان الذى أتى مكة لطواف الزيارة بات بها فنام متعمدا أو في الطريق فقد أساء وليس عليه شئ الا الاساءة لما روى أن عمر رضى الله عنه كان يؤدب الناس على ترك المقام بمنى في ليالى الرمي ولكن

[ 25 ] ليس عليه شئ عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى ان ترك البيتوتة ليلة فعليه مد وان ترك ليلتين فعليه مدان وان ترك ثلاث ليال فعليه دم وقاس ترك اليتوتة في وجوب الجزاء به بترك الرمى ولكنا نستدل بحديث العباس رضى الله عنه انه استأذن رسول الله في البيتوتة بمكة في ليالى الرمي لاجل السقاية فأذن له في ذلك ولو كان ذلك واجبا ما رخص له في تركه لاجل الساقية ولان هذه البيتوتة غير مقصودة بل هي تبع للرمي في هذه الايام فتركها لا يوجب الا الاساءة كالبيتوتة بمزدلفة ليلة يوم النحر والله أعلم باب القران (قال) رضى الله عنه ومن أراد القران فعل مثل ذلك (والكلام هنا في فصول) أحدها في تفسير القران والتمتع والافراد فالقران هو الجمع بين الحج والعمرة بأن يحرم بهما أو يحرم بالحج بعد احرام العمرة قبل أداء الاعمال من قولهم قرن الشئ إلى الشئ إذا جمع بينهما والتمتع هو الترفق بأداء النسكين في سفر واحد من غير ان يلم بينهما باهله الماما صحيحا والافراد بالحج ان يحج أولا ثم يعتمر بعد الفراغ من الحج أو يؤدى كل نسك في سفر على حدة أو يكون أداء العمرة في غير أشهر الحج (والفصل الثاني) في بيان الافضل فعندنا الافضل هو القران ثم بعده التمتع وعلى رواية ابن شجاع عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى الافراد أفضل من التمتع وعن محمد رحمه الله تعالى قال حجة كوفية وعمرة كوفية أفضل عندي من القران وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى الافراد أفضل من القران وعلى قوله مالك رحمه الله تعالى لتمتع أفضل من القران فالشافعي استدل بحديث جابر رضى الله عنه ان النبي كان مفردا بالحج وانا ممن كنت أفرد وهكذا روت عائشة رضى الله عنها ان النبي كان مفردا وانما حج رسول الله بعد الهجرة مرة فما كان يترك ما هو الافضل فيما يؤديه مرة واحدة ولان القران رخصة كما قال رسول الله لعائشة رضى الله عنها انما أجرك على قدر تعبك ونصبك وانما القران رخصة والافراد عزيمة والتمسك بالعزيمة خير من التمسك بالرخصة ولان في الافراد زيادة الاحرام والسعى والحلق فان القارن يؤدى النسكين بسفر واحد ويلبى لهما تلبية واحدة ويحلق لهما حلقا واحدا ولاجل هذا النقصان يجب عليه

[ 26 ] الدم جبرا والمفرد يؤدى كل نسك بصفة الكمال وأداء النسك بصفة الكمال يكون أفضل من ادخال النقصان والجبر فيها ومالك رحمه الله تعالى استدل بحديث عثمان رضي الله عنه ان النبي تمتع بالعمرة إلى الحج وعلماؤنا رحمهم الله تعالى استدلوا بحديث على وابن مسعود وعمران بن الحصين رضى الله عنهم ان النبي قرن بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى سعيين. وعن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه قال كنت آخذ بزمام ناقة رسول الله وهى تقصع بجرتها ولعابها يسيل على كتفي وهو يقول لبيك بحجة وعمرة معا وأهل الحديث جمعوا رواة نسك رسول الله فكانوا ثلاثين نفرا فعشرة منهم تروى أنه كان قارنا وعشرة انه كان مفردا وعشرة انه كان متمتعا فنوفق بين هذه الروايات فنقول لبى رسول الله أولا بالعمرة فسمعه بعض الناس ثم رأوه بعد ذلك حج فظنوا أنه كان متمتعا فنقلوا كما وقع عندهم ثم لبى بعد ذلك بالحج فسمعه قوم آخرون فظنوا أنه كان مفردا بالحج ثم لبى بهما فسمعه قوم آخرون فعلموا أنه كان قارنا وكل نقل ما وقع عنده وهو نظير ما روينا من توفيق ابن عباس رضى الله عنه في اختلاف الروايات في وقت تلبية رسول الله ثم لما وقع الاختلاف في فعله نصير إلى قوله وقد قال أتانى آت من ربى وأنا بالعقيق فقال صل في هذا الوادي المبارك ركعتين وقل لبيك بحجة وعمرة معا وقال يا آل محمد أهلوا بحجة وعمرة معا ولان في القران معنى الوصل والتتابع في العبادة ومعنى الجمع بين العبادتين وهو أفضل من إفراد كل واحد منهما كالجمع بين الصوم والاعتكاف والجمع بين الحراسة في سبيل الله تعالى مع صلوات الليل ولان في القران زيادة نسك وهو اراقة دم الهدى وقد قال أفضل الحج العج والثج والثج اراقة الدم والكلام في الحقيقة ينبنى على هذا الحرف فان دم القران عنده دم جبر حتى لا يباح التناول منه وعندنا هو دم نسك يباح التناول منه والدليل على أنه دم نسك أنه يتوقت بايام النحر كالاضحية ودم الجبر لا يتوقت به وان سببه مباح محض ودم الجبر يستدعى سببا محظورا لان النقصان انما يتمكن بارتكاب مالا يحل وقد تناول رسول الله من هداياه على ما روى انه ساق مائة بدنة فنحرنيفا وستين بنفسه وولى الباقي عليا رضى الله عنه ثم امر يؤخذ

[ 27 ] من كل واحدة قطعة فتطبخ له فاكل من لحما وحسا من مرقها وقد صح عندنا أنه كان قارنا فدل ان دم القران يباح التناول منه وإذا ثبت أنه دم نسك فما يكون فيه زيادة نسك فهو أفضل ولهذا جعل التمتع أفضل من الافراد في ظاهر الرواية لان فيه زيادة نسك الا ان القران أفضل منه لما فيه من زيادة التعجيل بالاحرام بالحج واستدامة احرامهما من الميقات إلى أن يفرغ منهما وفى حق المتمتع العمرة ميقاتية والحجة مكية وعلى رواية ابن شجاع رحمه الله تعالى الافراد أفضل من التمتع لهذا المعنى ان حجة المتمتع مكية يحرك بها من الحرم والمفرد يحرم بكل واحد منهما من الحل ولهذا جعل محمد رحمه الله تعالى الافراد بكل واحد منهما من الكوفة أفضل لانه ينشئ سفرا مقصودا لكل واحد منهما وقد صح ان عمر رضى الله عنه نهى الناس عن المتعة فقال متعتان كانتا على عهد رسول الله وانا أنهى الناس عنهما متعة النساء ومتعة الحج وتأويله أنه كره أن يخلو البيت عن الزوار في غير أشهر الحج فأمرهم أن يعتمروا بسفر مقصود في غير أشهر الحج كيلا يخلو البيت من الزوار في شئ من الاوقات لا أن يكون التمتع مكروها عنده بدليل حديث الصبي بن معبد قال كنت امرأ نصرانيا فاسلمت فوجدت الحج والعمرة واجبتين على فقرنت بينهما فلقيت نفرا من الصحابة فيهم زيد بن صوحان وسلمان ابن ربيعة رضى الله عنهما فقال احدهما لصاحبة هو أضل من بعيره فلقيت عمر بن الخطاب رضى الله عنه فاخبرته بذلك فقال ما قالا ليس بشئ هديت لسنة نبيك إذا عرفنا هذا فنقول من اراد القران فتأهبه للاحرام كتأهب المفرد على ما بينا الا أنه في دعائه بعد الفراغ من الركعتين يقول اللهم انى أريد العمرة والحج وكذلك يلبى بهما ويقول لبيك بعمرة وحجة معا وانما يقدم ذكر العمرة لان الله تعالى قدمها في قوله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ولانه في اداء الافعال يبدأ بالعمرة فكذلك في الاحرام يبدأ في التلبية بذكر العمرة وان اكتفي بالنية ولم يذكرهما في التلبية اجزأه على قياس الصلاة إذا نوى بقلبه الصلاة وكبر (قال) ثم يبدأ إذا دخل مكة بطواف العمرة بالبيت وسعى بين بين الصفا والمروة على نحو ما وصفنا في الحج ثم يطوف للحج بالبيت ويسعي له بين الصفا والمروة وهذا عندنا ان القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين وعند الشافعي رحمه الله تعالى يطوف طوافا واحدا ويسعى سعيا واحدا واحتج بحديث عائشة رضى الله عنها أن النبي

[ 28 ] طاف لحجته وعمرته طوافا واحدا وسعى سعيا واحدا هكذا رواه الشافعي وهو منه تناقض بين فانه روى عن عائشة رضى الله عنها في المسألة الاولى أن النبي كان مفردا ثم روى في هذه المسألة أنه كان قارنا وطاف لهما طوافا واحدا وروى أن النبي قال لعائشة رضى الله عنها طوافك بالبيت يكفيك لحجك ولعمرتك وقال دخلت العمرة في الحجة إلى يوم القيامة والمعنى فيه أن مبنى القران على التداخل ألا ترى أنه يكتفي لهما بتلبية واحدة وسفر واحد وحلق واحد فكذلك يثبت التداخل في الاركان ولان العمرة تبع للحج فهي من الحج بمنزلة الوضوء مع الاغتسال فكما يدخل الوضوء في الاغتسال فكذلك العمرة في الحج وحجتنا حديث علي رضى الله عنه وابن مسعود وعمران بن الحصين رضى الله عنهم أن النبي قرن وطاف لهما طوافين وسعى سعيين وحديث الصبى بن معبد أنه قرن وطاف طوافين وسعى سعيين فاقل له عمر رضى الله عنه هديت لسنة نبيك وفى الكتاب ذكر عن علي رضى الله عنه أنه قال يطوف القارن طوافين ويسعى سعيين والمعنى فيه أن القران ضم الشئ إلى الشئ وانما يتحقق ذلك لاداء عمل كل نسك بكماله ولان كل واحد منهما عبادة محضة ولا تداخل في اعمال العبادات انما التداخل فيما يندرئ بالشبهات ألا ترى أنه لا يتداخل أشواط طواف واحد وسعى واحد ومعنى الدخول المذكور في الحديث الوقت أي دخل وقت العمرة في وقت الحج على معنى أنه يؤديهما في وقت واحد والسفر والتلبية والحلق غير مقصودة انما السفر للتوصل إلى أداء النسك والتلبية للتحرم والحلق للتحلل فلا تكون مقصودة وانما المقصود أركان العبادة ألا ترى أن أداء شفعين من التطوع بتكبيرة واحدة مقصودة واحدة وتسليمة واحدة يجوز ولا يدخل أحد الشفعين في الآخر والوضوء مع الاغتسال غير مقصود بل المقصود تطهير البدن ليقوم إلى المناجاة طاهرا وقد حصل ذلك بالاغتسال وهنا كل نسك مقصود فيلزمه أداء اعمال كل واحد منهما والحديث الذى رواه أن النبي قال لعائشة رضى الله تعالى عنها طوافك بالبيت يكفيك لحجك وعمرتك لا يكاد يصح فانها قد رفضت العمرة بأمر رسول الله حين حاضت بسرف على ما نبينه من بعد ان شاء الله تعالى (قال) ثم يأتي بالاعمال حتى إذ رمى جمرة العقبة يوم النحر ذبح هدى القران وتجزئه الشاة لقوله تعالى

[ 29 ] فما استيسر من الهدي قال ابن عباس رضى الله تعالى عنه ما استيسر من الهدى شاة. وفي حديث جابر رضى الله تعالى عنه قال اشتركنا حين كنا مع رسول الله في البقرة سبعة وفى البدنة سبعة وفي الشاة واحد والبقرة أفضل من الشاة والجزور أفضل من البقرة لقوله تعالى ومن يعظم شعائر الله فما كان أقرب في التعظيم فذلك أفضل وقد نحر رسول الله مائة بدنة في حجة الوداع ولو كان ساق هداياه مع نفسه كان أفضل من ذلك كله لان رسول الله ساق الهدايا مع نفسه وقلدها هكذا قالت عائشة رضي الله تعالى عنها كنت أفتل قلائد هدى رسول الله فقلدها بيده وقال رسول الله أما انى قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حنى أحل منهما جميعا. وفى رواية فلا أحل حتى أنحر ولهذه الرواية قال الشافعي رحمه الله تعالى تحلل القارن بالذبح لا بالحلق ولكنا نقول التحلل يحصل بالحلق كما في حق المفرد وتأويل الحديث حتى أنحر ثم أحلق بعده على ما روينا أنه حلق رأسه بعد ذبح الهدايا ولان التحلل من العبادة بما لا يحل في أثنائها كالسلام في الصلاة وذلك بالحلق أو التقصير دون الذبح (قال) وإذا طاف الرجل بعد طواف الزيارة طوافا ينوى به التطوع أو طواف الصدر وذلك بعد ما حل النفر فهو طواف الصدر لانه أتى به في وقته فيكون عنه وان نوى غيره كمن نوى بطواف الزيارة يوم النحر التطوع يكون للزيارة بل أولى لان ذلك ركن وهذا واجب (قال) ولا بأس بان يقيم بعد ذلك ما شاء ثم يخرج ولكن الافضل ان يكون طوافه حين يخرج وعن أبى يوسف والحسن رحمهما الله تعالى قالا إذا اشتغل بعمل مكة بعد طواف الصدر يعيد طواف الصدر لانه كاسمه يكون للصدر فانما يحتسب به إذا أداه حين يصدر وظاهر قوله وليكن آخر عهده الطواف بالبيت يشهد لهذا ولكنا نقول ما قدم مكة الا لاداء النسك فعند ماتم فراغه منها جاء أوان الصدر فطوافه بعد ذلك يكون للصدر وتأويل الحديث ان آخر نسكه طواف الصدر لا آخر عمله بمكة وأما العمرة المفردة إذا أرادها يتأهب لها مثل ما وصفنا في الحج إذا أراد الاحرام بها عند الميقات وكذلك ان كان بمكة وأراد ان يعتمر خرج من الحرم إلى الحل من أي جانب شاء وأقرب الجوانب التنعيم وعنده مسجد عائشة رضى الله عنها وسبب ذلك انها قالت يا رسول الله أو كل نسائك ينصرفن بنسكين وأنا بنسك واحد فامر أخاها عبد الرحمن ان

[ 30 ] يعمرها من التنعيم مكان عمرتها يعنى مكان العمرة التى رفضتها على ما نبينه ان شاء الله تعالى فمن ذلك الوقت عرف الناس موضع احرام العمرة فيخرجون إليه إذا أرادوا الاحرام بالعمرة وهو من جملة ما قيل ما نزل بعائشة رضى الله عنها أمر تكرهه الا كان للمسلمين فيه فرج ثم بعد احرامه يتقى ما يتقيه في احرام الحج على ما ذكرنا حتى يقدم مكة ويدخل المسجد فيبدأ بالحجر فيستلمه ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يحلق أو يقصر وقد فرغ من عمرته وحل له كل شئ هكذا فعل رسول الله في عمرة القضاء حين اعتمر من الجعرانة والاختلاف في فصول أحدها ان عندنا يقطع التلبية في العمرة حين يستلم الحجر الاسود عند أول شوط من الطواف بالبيت وعند مالك رحمه الله تعالى كما وقع بصره على البيت يقطع التلبية لان العمرة زيارة البيت وقد تم حضوره بوقوع بصره على البيت ولان هذا الطواف هو الركن في العمرة بمنزلة طواف الزيارة في الحج فكما يقدم قطع التلبية هناك على الاشتغال بالطواف فهنا يقدم قطع التلبية على الاشتغال بالطواف ولكنا نستدل بحديث ابن مسعود رضى الله عنه أن النبي في عمرة القضاء قطع التلبية حين استلم الحجر الاسود والمعنى فيه ان قطع التلبية هنا عند الطواف بالاتفاق لان مالكا رحمه الله تعالى اعتبر وقوع بصره على البيت ورؤية البيت غير مقصودة انما المقصود الطواف فينبغي أن يكون القطع مع افتتاح الطواف وذلك عند استلام الحجر كما قلنا في الحج ان قطع التلبية عند الرمى وذلك مع أول حصاة يرمي بها (والثانى) أن في العمرة بعد الطواف والسعى يحلق عندنا وعلى قول مالك رحمه الله تعالى لا حلق عليه انما العمرة الطواف والسعى فقط وحجتنا قوله تعالى محلقين رؤسكم ومقصرين وهو بشرى لهم بما عاينوه في عمرة القضاة وقد صح أن النبي أمرهم بالحلق وحلق رأسه في عمرة القضاء ولان التحرم للاحرام بالتلبية والتحلل بالحلق فكما سوى بين احرام العمرة واحرام الحج في التحرم فكذلك في التحلل ألا ترى أن في باب الصلاة سوى بين المكتوبة والنافلة في التحرم بالتكبير والتحلل بالتسليم فكذلك هذا (قال) وكذا ان أراد التمتع ولم يسق هديا ويقيم بمكة بعد الفراغ من العمرة حلالا وقد بينا صورة التمتع وهو أن يعتمر في أشهر الحج ويحج من عامة ذلك من غير أن يلم بأهله بين النسكين الماما صحيحا وكان مالك رحمه الله تعالى يقول ان أتى بالعمرة قبل أشهر الحج ولم يتحلل من احرامه العمرة حتى دخلت أشهر الحج

[ 31 ] فهو متمتع. وقال الشافعي رحمه الله إذا أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج لم يكن متمتعا وان كان أداء أعمال العمرة في أشهر الحج فعنده المعتبر وقت الاحرام بالعمرة وعند مالك رحمه الله تعالى وقت التحلل من الاحرام ونحن نقول ان كان أداء الاعمال قبل أشهر الحج لم يكن متمتعا لان احرامه في غير أشهر الحج صار بحيث لا يفسد بالجماع فهو بمنزلة مالو لم يحل منه وان لم يأت بالاعمال حتى دخلت أشهر الحج فاحرامه للعمرة في أشهر الحج بحيث يفسد بالجماع فهو كما لو أحرم بها في أشهر الحج لانه مترفق بأداء النسكين في أشهر الحج ثم هو على ثلاثة أوجه اما أن يصبر بمكة بعد الفراغ من العمرة حتى يؤدى الحج فيكون متمتعا بالاتفاق واما أن يعود إلى أهله بعد ما حل من عمرته ثم حج من عامه ذلك فلا يكون متمتعا باجماع بين أصحابنا وفى أحد قولى الشافعي رحمه الله تعالى يكون متمتعا ويقول لا أعرف ذلك الا لمام ماذا يكون فهو بناء على أصله في أن المكى له المتعة والقران ويأتى بيان هذا في موضعه ان شاء الله تعالى واعتمادنا فيه على حديث ابن عباس رضى الله عنه قال إذا ألم بأهله بين النسكين الماما صحيحا فهو متمتع وهكذا روى عن عمر وابن عمر رضى الله عنهما وكان المعنى فيه وهو أنه أنشأ لكل نسك سفرا من أهله والمتمتع من يترفق باداء النسكين في سفر واحد فاما إذا جاوز الميقات بعد الفراغ من العمرة فأتى بلدة أخرى غير بلدته بان يكون كوفيا فاتى البصرة ثم عاد وحج من عامه ذلك كان متمتعا في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولم يكن متمتعا في قولهما ذكره الطحاوي رحمه الله تعالى في كتابه وجه قولهما ان صورة المتمتع ان تكون عمرته ميقاتية وحجته مكية وهذا حجته وعمرته ميقاتيتان لانه بعد ما جاوز الميقات حلالا إذا عاد يلزمه الاحرام من الميقات فهو والذى الم بأهله سواء وأبو حنيفة رحمه الله تعالى استدل بحديث ابن عباس رضى الله عنه فان قوما سألوه فقالوا اعتمرنا في أشهر الحج ثم زرنا القبر ثم حججنا فقال أنتم متمتعون ولانه مترفق باداء النسكين في سفر واحد لانه ماض على سفره ما لم يعد إلى أهله فهو بمنزلة مالو لم يخرج من الميقات حتى حج وعاد فيكون متمتعا (قال) وإذا كان يوم التروية وهو بمكة وهو بمكة فاراد الرواح إلى منى ليس الازار والرداء ولبي بالحج ان شاء المسجد أو من الابطح أو من أي موضع من الحرم شاء لان رسول الله أمر أصحابه الذين فسخوا احرام الحج بالعمرة أن يحرموا بالحج يوم التروية من المسجد الحرام وفي حديث جابر رضى الله عنه قال فخرجنا من مكة فلما جعلناها بظهر احرمنا بالحج

[ 32 ] والحاصل ان من بمكة حلال إذا أراد الاحرام بالحج يحرم من الحرم وإذا أراد الاحرام بالعمرة يحرم من الحل لان موضع أداء الافعال غير موضع الاحرام وركن العمرة الطواف وهو مؤدى في الحرم فالاحرام بها يكون في الحل ومعظم الركن في الحج الوقوف وهو في الحل فالاحرام به يكون في الحرم (قال) وان شاء احرم بالحج قبل يوم التروية وما قدم احرامه بالحج فهو أفضل لان فيه اظهار المسارعة والرغبة في العبادة ولانه أشق على البدن وقال لعائشة رضى الله عنها انما أجرك على قدر نصبك ولما سئل عن أفضل الاعمال قال أحمزها (قال) ويروح مع الناس إلى منى فيبيت بها ليلة عرفة ويعمل على ما وصفناه في الحج في حق المفرد غير أن عليه دم المتعة يوم النحر بعد رمى جمرة العقبة لقوله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى ثم يحلق بعد الذبح ويزور البيت فيطوف به أسبوعا يرمل في الثلاثة الاول ويمشى في الاربعة الاواخر على هينته ويصلى ركعتين ويسعى بين الصفا والمروة على قياس ما بيناه في الحج لان هذا أول طواف يأتي به في الحج وقد بينا أن الرمل في أول طواف الحج سنة والسعي عقيب أول طواف في الحج وهذا بخلاف المفرد لانه طاف للقدوم في الحج هناك وسعى بعده فلهذا لا يرمل في طواف يوم النحر ولا يسعى بعده ولو كان هذا المتمتع بعد ما أحرم بالحج طاف وسعى قبل أن يروح إلى منى لم يرمل في طواف الزيارة يوم النحر ولم يطف بين الصفا والمروة أيضا لانه قد أتى بذلك في الحج مرة وان كان حين اعتمر في أشهر الحج ساق هديا للمتعة فينبغي له أن يقلد هديه لقوله تعالى لاتحلوا شعائر الله إلى قوله ولا القلائد ولكن السنة أن يقلد الهدى بعد ما يحرم بالعمرة لانه لو قلد الهدى قبل الاحرام وساقه بنية الاحرام صار محرما هكذا روى عن ابن عباس رضى الله عنهما وفى سياق الآية ما يدل عليه لانه بعد ذكر القلائد قال وإذا حللتم فاصطادوا فدل أنه بالتقليد يصير محرما والاولى أن يحرم بالتلبية فلهذا كان الافضل أن يلبى أولا ثم يقلد هديه فإذا طاف للعمرة وسعى أقام حراما لان سوق هدى المتعة يمنعه من التحلل بين النسكين على ما قال لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لما سقت الهدى والجعلتها عمرة وتحللت منها وقال في حديث آخر أما إنى قلدت هديى ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر فإذا كانت عشية التروية أحرم بالحج وان أحب أن يقدم الاحرام ويطوف بالبيت والصفا والمروة لحجته فعل كما بينا في المتمتع الذى

[ 33 ] لم يسق الهدى الا أنه ان لم يطف بعد الاحرام بالحج وسعى لم يرمل في طواف يوم النحر ولم يطف بين الصفا والمروة (قال) ولا يدع الحلق في جميع ذلك ملبدا أو مضفرا أو عاقصا والتلبيد أن يجمع شعر رأسه على هامته ويشده بصمغ أو غيره حتى يصير كاللبد والتضفير أن يجعل شعره ضفائر والعقص هو الاحكام وهو أن يشد شعره حول رأسه وقد بينا أن الحلق أفضل ولا يدع ما هو الافضل بشئ من هذه الاسباب وقد لبد رسول الله رأسه كما روينا من قوله ولبدت رأسي ومع ذلك حلق (قال) والمرأة بمنزلة الرجل في جميع ما وصفناه لانها مخاطبة كالرجل ألا ترى ان أم سلمة رضى الله عنها لما سألت رسول الله عن الاغتسال من الجنابة وصف لها حال نفسه في الاغتسال فدل أن حال الرجل والمرأة سواء غير أنها تلبس ما بدالها من الدروع والقمصان والخمار والخف والقفازين لانها عورة كما قال رسول الله المرأة عورة مستورة وفي لبس الازار والرداء ينكشف بعض البدن عادة وهى مأمورة بأداء العبادة على استر الوجوه كما بينا في الصلاة فلهذا تلبس المخيط والخفين وتغطي رأسها ولا تغطى وجهها لان الرأس منها عورة وقد قال النبي احرام الرجل في رأسه واحرام المرأة في وجهها فعرفنا أنها لا تغطى وجهها الا أن لها أن تسدل على وجهها إذا أرادت ذلك على وجه تجافى عن وجهها هكذا روى عن عائشة رضى الله عنها قالت كنا في الاحرام مع رسول الله نكشف وجوهنا فإذا استقبلنا اسدلنا من غير أن نصيب وجوهنا ولا تلبس المصبوغ بورس ولا زعفران ولا عصفر الا أن يكون قد غسل لان ما حل في حقها من اللبس كان للضرورة ولا ضرورة في لبس المصبوغ وهي في ذلك بمنزلة الرجل ولان هذا تزين وهى من دواعى الجماع وهي ممنوعة من ذلك في الاحرام كالرجل ولا حلق عليها انما عليها التقصير هكذا روى عن رسول الله أنه نهى النساء عن الحلق وأمرهن بالتقصير عند الخروج من الاحرام ولان الحلق في حقها مثلة والمثلة حرام وشعر الرأس زينة لها كاللحية للرجل فكما لا يحلق الرجل لحيته عند الخروج من الاحرام لا تحلق هي رأسها ولا رمل عليها في الطواف بالبيت ولا بين الصفا والمروة لان الرمل لاظهار التجلد والقوة والمرأة ليست من أهل القتال لتظهر الجلادة من نفسها ولا يؤمن ان يبدو شئ

[ 34 ] من عورتها في رملها وسعيها أو تسقط لضعف بنيتها فلهذا تمنع من ذلك وتؤمر بأن تمشى مشيا فهذا القدر ذكره في الكتاب في الفرق وقد قال مشايخنا انها لا ترفع صوتها بالتلبية أيضا لما في رفع صوتها من الفتنة وكذلك لا تستلم الحجر إذا كان هناك جمع لانها ممنوعة عن مماسة الرجال والزحمة معهم فلا تستلم الحجر الا إذا وجدت ذلك الموضع خاليا عن الرجال والله سبحانه وتعالى أعلم باب الطواف اعلم بان الطواف أربعة ثلاثة في الحج وواحد في العمرة أما أحد الا طوفه في الحج فهو طواف التحية ويسمى طواف القدوم وطواف اللقاء وذلك عند ابتداء وصوله إلى البيت وهو سنة عندنا وقال مالك رحمه الله تعالى هو واجب لان النبي أتى به ثم قال لاصحابه رضى الله عنهم خذوا عنى مناسككم فهذا أمروا لامر على الوجوب ولان المقصود زيارة البيت للتعظيم فالنسك الذي يكون عند ابتداء الزيارة يكون واجبا بمنزلة الذكر عند افتتاح الصلاة وهو التكبير وحجتنا في ذلك ان الله عزوجل أمر بالطواف والامر المطلق لا يقتضى التكرار وبالاجماع طواف يوم النحر واجب فعرفنا ان ما تقدم ليس بواجب ولانه ثبت بالاجماع ان الطواف الذى هو ركن في الحج مؤقت بيوم النحر حتى لا يجوز قبله فما يؤتى به قبل يوم النحر لا يكون واجبا لانه يؤتى به في الاحرام ولا يتكرر ركن واحد في الاحرام واجبا كالوقوف بعرفة فجعلناه سنة لهذا بخلاف طواف الصدر فانه يؤتى به بعد تمام التحلل فلو جعلناه واجبا لا يؤدى إلى تكرار الطواف واجبا في الاحرام والطواف في الحج بمنزلة ثناء الافتتاح في الصلاة لان التلبية عند الاحرام هنا كالتكبير هناك وكما ان ثنا الافتتاح الذي يؤتى به عقيب التكبير سنة فكذلك الطواف الذى يؤتى به عقيب الاحرام سنة ومما يحتج به مالك رحمه الله تعالى ان السعي الذى بعد هذا الطواف واجب ولا يكون الواجب بناء على ما ليس بواجب وقد بينا العذر عن هذا فيما مضى والطواف الثاني طواف الزيارة وهو ركن الحج ثبت بقوله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق وبقوله تعالى يوم الحج الاكبر والمراد به طواف الزيارة والطواف الثالث طواف الصدر وهو واجب عندنا سنة عند الشافعي رحمه الله تعالى قال لانه بمنزلة طواف القدوم الا ترى ان كل واحد منهما

[ 35 ] يأتي به الآفاقي دون المكي وما يكون من واجبات الحج فالآفاقي والمكي فيه سواء (ولنا) في ذلك قول رسول الله من حج هذا البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطواف ورخص للنساء الحيض والامر دليل الوجوب وتخصيص الحائض برخصة الترك دليل على الوجوب أيضا وكما ان طواف الزيارة لتمام التحلل عن احرام الحج فطواف الصدر لانتهاء المقام بمكة فيكون واجبا على من ينتهى مقامه بها وهو الآفاقي أيضا الذى يرجع إلى أهله دون المكى الذى لا يرجع إلى موضع آخر ويسمى هذا طواف الوداع فانما يجب على من يودع البيت دون من لا يودعه فاما الطواف الرابع فهو طواف العمرة وهو الركن في العمرة وليس في العمرة طواف الصدر ولا طواف القدوم أما طواف القدوم فلانه كما وصل إلى البيت يتمكن من أداء الطواف الذى هو ركن في هذا النسك فلا يشتغل بغيره بخلاف الحج فانه عند القدوم لا يتمكن من الطواف الذى هو ركن الحج فيأتى بالطواف المسنون إلى ان يجئ وقت الطواف الذى هو ركن وأما طواف الصدر فقد قال الحسن رحمه الله تعالى في العمرة طواف الصدر أيضا في حق من قدم معتمرا إذا أراد الرجوع إلى أهله كما في الحج ولكنا نقول ان معظم الركن في العمرة الطواف وما هو معظم الركن في النسك لا يتكرر عند الصدر كالوقوف في الحج لان الشئ الواحد لا يجوز أن يكون معظم الركن في نسك وهو بعينه غير ركن في ذلك النسك ولان ما هو معظم الركن مقصود وطواف الصدر تبع يجب لقصد توديع البيت والشئ الواحد لا يكون مقصودا وتبعا (قال) وإذا قدم القارن مكة فلم يطف حتى وقف بعرفات كان رافضا لعمرته عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يكون رافضا لعمرته وهو بناء على ما سبق فان عنده طواف العمرة يدخل في طواف الحج فلا يلزمه طواف مقصود للعمرة وعندنا لا يدخل طواف العمرة في طواف الحج بل عليه ان يأتي بطواف كل واحد منهما ويقدم العمرة في الاداء على الحج وهذا يفوته بالوقوف لان معظم أركان الحج الوقوف ويصير به مؤديا للحج على وجه يأمن الفوت فلو بقيت عمرته لكان يأتي باعمالها فيصير بانيا أعمال العمرة على الحج وهذا ليس بصفة القران فجعلناه رافضا للعمرة لهذا والاصل فيه حديث عائشة رضى الله عنها فان النبي دخل عليها بسرف وهي تبكي قال ما يبكيك لعلك نفست فقالت نعم فقال هذا شئ كتبه الله تعالى على بنات آدم فدعى عنك العمرة أو قال ارفضي عمرتك وانقضى رأسك وامتشطى واصنعي جميع ما يصنع

[ 36 ] الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت فقد أمرها برفض العمرة لما تعذر عليها الطواف فلولا أنها بالوقوف تصير رافضة لعمرتها لما أمرها برفض العمرة فان توجه إلى عرفات بعد ما دخل وقت الوقوف فعن أبى حنيفة رحمه الله تعالى روايتان في ذلك في الكتاب يقول لا يصير رافضا حتى إذا عاد من الطريق إلى مكة وطاف للعمرة فهو قارن والحسن يروى عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى انه يصير رافضا للعمرة بالتوجه إلى عرفات وهذا هو القياس على مذهبه كما جعل التوجه إلى الجمعة قبل فراغ الامام بمنزلة الشروع في الجمعة في ارتفاض الظهر والذى ذكره في الكتاب استحسان والفرق بينه بين تلك المسألة انه هناك مأمور بالسعي إلى الجمعة فيتقوى السعي بمشيه وهنا هو منهى عن التوجه إلى عرفات قبل طواف العمرة ولان الموجب هنا للارتفاع صيرورة ركن الحج مؤدي حتى يكون ما بعده بناء العمرة على الحج وهذا بنفس التوجه لا يحصل وهناك الموجب لرفض الظهر المنافاة بينه وبين الجمعة والسعى من خصائص الجمعة فاقيم مقام الشروع في ارتفاض الظهر به فلو طاف للعمرة ثلاثة أشواط ثم ذهب فوقف بعرفات فهو رافض للعمرة أيضا لان ركن العمرة الطواف فإذا بقى أكثره غير مؤدى جعل كانه لم يؤد منه شيئا ولو كان طاف أربعة أشواط ثم وقف بعرفات لم يكن رافضا للعمرة لانه قد أدى أكثر الطواف فيكون ذلك كاداء الكل ولهذا قلنا ان بعد اداء أربعة أشواط من طواف العمرة يأمن فسادها بالجماع وبعد اداء ثلاثة أشواط لا يأمن من ذلك وهذا لان المؤدى إذا كان أكثر فالاقل في مقابلته كالعدم فكان جانب الاداء راجحا فإذا ترجح جانب الاداء فهو بالوقوف بعد ذلك وان صار مؤديا للحج فانما يصير مؤديا بعد اداء العمرة وإذا كان طاف ثلاثة أشواط فلم يصر رافضا بالوقوف كان مؤديا للعمرة بأداء الاشواط الاربعة بعد الوقوف فيكون بانيا للعمرة على الحج وكما يأمن الفساد في العمرة بطواف أربعة أشواط يأمن ارتفاضها بالوقوف وبعد ما طاف ثلاثة أشواط لا يأمن فسادها بالجماع فلا يأمن ارتفاضها بالوقوف وفى الموضع الذى صار رافضا لها عليه دم لرفضها لانه خرج منها بعد صحة الشروع قبل أداء الاعمال فيلزمه دم اعتبارا بالمحصر وعليه قضاء العمرة لخروجه منها بعد صحة الشروع فيها والاصل فيه حديث عائشة رضى الله تعالى عنها حين أمر رسول الله أخاها عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم مكان عمرتها التى فاتتها ويسقط عنه دم القران لانه وجب بالجمع بين النكسين في

[ 37 ] الاداء قد انعدم وفى الموضع الذى لم يصر رافضا للعمرة يتم بقية طوافها وسيعها يوم النحر وعليه دم القران لانه تحقق الجمع بينهما أداء وان لم يطف لعمرة حين قدم مكة ولكنه طاف وسعى لحجته ثم وقف بعرفة لم يكن رافضا لعمرته وكان طوافه وسعيه للعمرة دون الحج لان المتسحق عليه البداية بطواف العمرة فلا تعتبر نيته بخلاف ذلك لان الاصل ان كل طواف مستحق عليه في وقت بجهة فأداؤه يقع عن تلك الجهة وان نوى جهة أخرى كطواف الزيارة يوم النحر وهذا لاعتبار الطواف بالوقوف فانه لو وجد منه الوقوف في وقته ونوى شيئا آخر سوى الوقوف للحج يتأدى به ركن الحج ولا تعتبر نيته بخلاف ذلك فكذلك في الطواف الا أن في الطواف أصل النية شرط حتى لو عدا خلف غريم له حول البيت لا يتأدى به طوافه بخلاف الوقوف فانه يتأدى بغير النية لان الوقوف ركن عبادة وليس بعبادة مقصودة ولهذا لا يتنفل به فوجود النية في أصل تلك العبادة يغنى عن اشتراط النية في ركنها والطواف عبادة مقصودة ولهذا يتنفل به فلا بد من اشتراط النية فيه ويسقط اعتبار نية الجهة لتعينه كما قلنا في صوم رمضان ولان الوقوف يؤدى في احرام مطلق فأما طواف الزيارة فانه يؤدى بعد التحلل من الاحرام بالحلق فوجود النية في الاحرام لا يغنى عن النية في الطواف ولكن هذا الفرق الثاني يتأتى في طواف الزيارة دون طواف العمرة والفرق الاول يعم الفصلين فإذا ثبت أن طوافه وسعيه للعمرة فهذا رجل لم يطف لحجته وترك طواف التحية لا يضره فعليه أن يرمل في طواف يوم النحر ويسعى بين الصفا والمروة وان كان طاف للحج وسعى أولا ثم طاف للعمرة وسعى فليس عليه شئ وطوافه الاول للعمرة كما هو المستحق عليه ونيته بخلاف ذلك لغو فلا يلزمه به شئ وان طاف طوافين لهما ثم سعى سعيين فقد أساء بتقديمه طواف التحية على سعى العمرة ولا شئ عليه أما عندهما فظاهر لان من أصل أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أنه لا يجب بتقديم النسك وتأخيره شئ سوى الاساءة على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى تقديم نسك على نسك يوجب الدم عليه على ما نبينه ان شاء الله تعالى ولكن في هذا الموضع لا يلزمه دم لان تقديم طواف التحية على سعى العمرة لا يكون أعلى من طواف التحية أصلا واشتغاله بطواف التحية قبل سعي العمرة لا يكون أكثر تأثيرا من اشتغاله بأكل أو نوم ولو أنه بين طواف العمرة وسعيها اشتغل بنوم أو أكل لم يلزمه دم فكذا إذا اشتغل بطواف التحية (قال)

[ 38 ] وان طاف لعمرته على غير وضوء وللتحية كذلك ثم سعى يوم النحر فعليه دم من أجل طواف العمرة من غير وضوء والحاصل أنه يبني المسائل بعد هذا على أصل وهو أن طواف المحدث معتد به عندنا ولكن الافضل أن يعيده وان لم يعده فعليه دم. وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يعتد بطواف المحدث أصلا لان الطواف بالبيت بمنزلة الصلاة من حيث انها عبادة متعلقة بالبيت ولان النبي شبه الطواف بالصلاة فقال الطواف بالبيت صلاة فاقلوا فيه الكلام ثم الطهارة في الصلاة شرط الاعتداد به فكذلك الطهارة في الطواف وحجتنا في ذلك ان المأمور به بالنص هو الطواف قال الله تعالى وليطوفوا وهو اسم للدوران حول البيت وذلك يتحقق من المحدث والطاهر فاشتراط الطهارة فيه يكون زيادة على النص ومثل هذه الزيادة لا تثبت بخبر الواحد ولا بالقياس لان الركنية لا تثبت الا بالنص فاما الوجوب يثبت بخبر الواحد لانه يوجب العمل ولا يوجب علم اليقين والركنية انما تثبت بما يوجب علم اليقين فاصل الطواف ركن ثابت بالنص والطهارة فيه تثبت بخبر الواحد فيكون موجب العمل دون العلم فلم تصر الطهارة ركنا ولكنها واجبة والدم يقوم مقام الاجبات في باب الحج وهو الصحيح من المذهب ان الطهارة في الطواف واجبة وكان ابن شجاع رحمه الله تعالى يقول انه سنة وفى ايجاب الدم عند تركه دليل على وجوبه ثم المراد تشبيه الطواف بالصلاة في حق الثواب دون الحكم ألا ترى أن الكلام الذى هو مفسد للصلاة غير مؤثر في الطواف وان الطواف يتأدى بالمشي والمشي مفسد للصلاة ولان الطواف من حيث أنه ركن الحج لا يستدعى الطهارة كسائر الاركان ومن حيث أنه متعلق بالبيت يستدعي الطهارة كالصلاة وما يتردد بين أصلين فيوفر حظه عليهما فلشبهه بالصلاة تكون الطهارة فيه واجبة ولكونه ركنا من أركان الحج يعتد به إذا حصل بغير طهارة والافضل فيه الاعادة ليحصل الجبر بما هو من جنسه وان لم يعد فعليه دم للنقصان المتمكن فيه بترك الواجب فان نقائص الحج تجبر بالدم وعلى هذا لو طاف للزيارة جنبا يعتد بهذا الطواف في حكم التحلل عن الاحرام وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يعتد به ثم عليه الاعادة عندنا وان لم يعد حتى رجع إلى أهله فعليه بدنة لان النقصان بسبب الجنابة أعظم من النقصان بسبب الحدث. ألا ترى أن المحدث لا يمنع من قراءة القرآن والجنب يمنع من ذلك ولان المنع من الجنابة من وجهين من حيث الطواف ومن حيث دخول المسجد

[ 39 ] ومنع المحدث من وجه واحد فلتفاحش النقصان هنا قلنا يلزمه الجبر بالبدنة وهو مروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه قال البدنة في الحج تجب في شيئين على من طاف جنبا وعلى من جامع بعد الوقوف وان أعاد طواف سقطت عنه البدنة واختلف مشايخنا رحمهم الله تعالى أن المعتبر طوافه الثاني أم الاول وكان الكرخي رحمه الله تعالى يقول المعتبر هو الاول والثانى جبر للاول وكان يستدل على هذا بما قال في الكتاب أنه لو طاف لعمرته جنبا في رمضان ثم أعاد طوافه في أشهر الحج وحج من عامه ذلك لا يكون متمتعا فلو كان المعتبر هو الطواف الثاني كان متمتعا ووجه هذا القول ان المعتد به ما يتحلل به من الاحرام والتحلل حصل بالطواف الاول فهو المعتد به والثانى جبر للنقصان المتمكن فيه كالبدنة وكما لو كان محدثا في الطواف الاول كان هو المعتد به والثانى جبر للنقصان والاصح ان المعتد به هو الثاني وان الاول ينفسخ بالثاني ألا ترى أنه قال في الكتاب لو طاف للزيارة جنبا في أيام النحر ثم أعاد طوافه بعد أيام التشريق فعليه الدم عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لتأخير طواف الزيارة عن وقته ولو كان المعتد به هو الاول لم يلزمه دم التأخير لان الاول مؤدى في وقته وأما مسألة التمتع فلانه بما أدى من الطواف في رمضان وقع له الا من عن فساد العمرة فإذا أمن فسادها قبل دخول وقت الحج لا يكون بها متمتعا وهذا لان الاول كان حكمه مراعى لتفاحش النقصان فان أعاده انفسخ الاول وصار المعتد به هو الثاني وان لم يعد كان معتدا به في التحلل كمن قام في صلاته ولم يقرأ حتى ركع كان قيامه وركوعه مراعى على سبيل التوقف فانعاد فقرأ ثم ركع انفسخ الاول حتى ان من أدرك معه الركوع الثاني كان مدركا للركعة وان لم يعد وقرأ في الركعتين الاخريين كان الاول معتدا به وهذا بخلاف المحدث لان النقصان هناك يسير فلا يتوقف به حكم الطواف الاول بل بقى معتدا به على الاطلاق فكان الثاني جابرا للنقصان المتمكن فيه وعلى هذا لو طافت المرأة للزيارة حائضا فهذا والطواف جنبا سواء ولو طاف للزيارة وفي ثوبه نجاسة كان مسيئا ولا يلزمه شئ لان حكم النجاسة في الثوب أخف الا ترى ان الصلاة مع قليل النجاسة في الثوب تجوز وكذلك مع النجاسة الكثيرة في حالة الضرورة فلا يتمكن بنجاسة الثوب نقصان في طوافه وهذا بخلاف ما إذا طاف عريانا فانه يؤمر بالاعادة وان لم يعد فعليه الدم لان ستر العورة من واجبات الطواف والكشف محرم لاجل الطواف على ما قال ألا لا يطوفن

[ 40 ] بالبيت بعد العام مشرك ولا عريان فبسبب الكشف يتمكن نقصان في الطواف فأما اشتراط طهارة الثوب ليس لاجل الطواف على الخصوص فلا يتمكن بتركه نقصان في الطواف ولو كان طاف للعمرة جنبا ففى القياس عليه بدنة أيضا كما في طواف الزيارة لان كل واحد منهما ركن ولكنه ترك القياس هنا وقال عليه الدم فقد لانه لا مدخل للبدنة في العمرة ألا ترى أن بالجماع لا تجب البدنة في احرام العمرة بخلاف الحج ولان الدم يقوم مقام العمرة فان فات الحج يتحلل بأفعال العمرة ثم الدم في حق المحصر يقوم مقام أفعال العمرة للتحلل فلان يقوم الدم مقام النقصان المتمكن في طواف العمرة بسبب الجنابة كان أولى فأما الدم لا يقوم مقام طواف الزيارة والبدنة قد تقوم مقامه حتى إذا مات بعد الوقوف وأوصى بالاتمام عنه تجب بدنة لطواف الزيارة فكذلك البدنة تقوم مقام النقصان المتمكن بسبب الجنابة في طواف الزيارة إذا عرفنا هذا فنقول القارن إذا طاف حين قدم مكة طوافين محدثا ثم وقف بعرفات فعليه دم للنقصان المتمكن بسبب الحدث في طواف العمرة ولا شئ عليه بطواف التحية مع الحدث لان ذلك لا يكون أعلى من ترك طواف التحية أصلا ولكنه يرمل في طواف الحج في يوم النحر ويسعى بين الصفا والمروة استحسانا وان لم يفعل لم يضره ولا شئ عليه لان طوافه الاول للتحية معتد به مع الحدث فالسعي بعده معتد به أيضا والطهارة في السعي ليست بشرط ولكن المستحب اعادة ذلك الطواف فكذلك يستحب اعادة ذلك الرمل والسعى يوم النحر وان لم يفعل لم يضره ولا شئ عليه (قال) وقال محمد رحمه الله تعالى ليس عليه أن يعيد طواف العمرة وان اعاد فهو أفضل والدم عليه على كل حال لانه يمكن ان يجعل المتد به الطواف ا لثاني لانه حصل بعد الوقوف ولايجوز طواف العمرة بعد الوقوف على ما بينا فالمعتبر هو الاول لا محالة وهو ناقص فعليه دم ولم يذكر قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقيل على قولهما ينبغى أن يسقط عنه الدم بالاعادة لان رفع النقصان عن طواف العمرة بعد الوقوف صحيح كما لو طاف للعمرة قبل الوقوف أربعة أشواط ثم أتم طوافه يوم النحر كان صحيحا فكذا هذاا وإذا ارتفع النقصان بالاعادة لا يلزمه الدم وان طافهما جنبا فعليه دم لطواف العمرة ويعيد السعي للحج لانه أداه عقيب طواف التحية جنبا فعليه اعادته بعد طواف الزيارة قال فان لم يعد فعليه دم وهذا دليل على ان طواف الجنب للتحية غير معتبر أصلا فانه جعله كمن ترك السعي حين أوجب

[ 41 ] عليه الدم فدل ان الصحيح ان الجنب إذا أعاد الطواف كان المعتد به الثاني دون الاول مفرد أو قارن طاف للزيادة محدثا ولم يطف للصدر حتى رجع إلى أهله فعليه دمان أحدهما للحدث في طواف الزيارة والآخر لترك طواف الصدر وان كان للصدر فعليه دم واحد لترك الطهارة في طواف الزيارة ولا يجعل طوافه للصدر اعادة منه لطواف الزيارة لان اقامة هذا الطواف مقام طواف الزيارة غير مفيد في حقه فانه إذا جعل هذا اعادة لطواف الزيارة صار تاركا لطواف الصدر فيلزمه الدم لاجله وإذا لم يكن مفيدا لا يشتغل به وان كان طاف للزيارة جنبا ولم يطف للصدر حتى رجع إلى أهله فانه يعود إلى مكة ليطوف طواف الزيارة وإذا عاد فعليه احرام جديد لان طوافه الاول معتد به في حق التحلل وليس له ان يدخل مكة بغير احرام فيلزمه احرام جديد لدخول مكة ثم يلزمه دم لتأخيره طواف الزيارة عن وقته وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى بمنزلة ما لو أخر الطواف حتى مضت أيام التشريق وسنبين هذا الفصل ان شاء الله تعالى وهذه المسألة تدل على ان المعتبر هو الطواف الثاني وان لم يرجع إلى مكة فعليه بدنة لطواف الزيارة وشاة لترك طواف الصدر وعلى الحائض مثل ذلك للزيارة وليس عليها لترك طواف الصدر شئ لان للحائض رخصه في ترك طواف الصدر والاصل فيه حديث صفية رضى الله عنها فانه أخبر رسول الله في أيام النحر انها حاضت فقال عقرى حلقى احابستنا فقيل انها قد طافت قال فلتنفر اذن فهذا دليل على ان الحائض ممنوعة عن طواف الزيارة وانه ليس عليها طواف الصدر لانه لما أخبر انها طافت للزيارة أمرها بان تنفر معهم وان طاف للزيارة جنبا وطاف للصدر طاهرا في آخر أيام التشريق كان طواف الصدر مكان طواف الزيارة لان الاعادة مستحقة عليه فيقع عما هو المستحق وان نواه عن غيره وفى اقامة هذا الطواف مقام طواف الزيارة فائدة وهى اسقاط البدنة عنه ثم يجب عليه دمان أحدهما لترك طواف الصدر عندهم جميعا والآخر لتأخير طواف الزيارة إلى آخر أيام والتشريق عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وكذلك الجواب في الحائض إذا طافت للزيارة ثم طهرت فطافت للصدر في آخر أيام التشريق والحاصل ان طواف الزيارة مؤقت بايام النحر فتأخيره عن أيام النحر يوجب الدم في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولا يوجب الدم في قولهما وعلى هذا من قدم نسكا على نسك كأن حلق قبل الرمى أو نحر القارن قبل

[ 42 ] الرمي أو حلق قبل الذبح فعليه دم عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما لا يلزمه الدم بالتقديم والتأخير وحجتهما في ذلك حديث ابن عباس رضى الله عنه ان رجلا قال لرسول الله يوم النحر حلقت قبل ان أرمى فقال أرم ولا حرج وقال آخر حلقت قبل ان أذبح فقال اذبح ولا حرج وما سئل عن شئ يومئذ قدم أو أخر الا قال افعل ولا حرج فدل ان التقديم والتأخير لا يوجب شيئا ولابي حنيفة رحمه الله تعالى حديث ابن مسعود رضى الله عنه قال من قدم نسكا علي نسك فعليه دم وتأويله الحديث المرفوع ان النبي عذرهم في ذلك الوقت لقرب عهدهم بتعلم الترتيب وما يلحقهم من المشقة في مراعاة ذلك ومعنى قوله افعل ولا حرج أي لا حرج فيما تأتى به وبه يقول وانما الدم عليه بما قدمه على وقته والمعنى فيه ان توقت النسك بزمان كتوقته بالمكان لانه لا يتأدى النسك الا بمكان وزمان ثم ما كان مؤقتا بالمكان إذا أخره عن ذلك المكان يلزمه الدم كالاحرام المؤقت بالميقات إذا أخره عنه بان جاوز الميقات حلالا ثم أحرم فكذلك ما كان مؤقتا بالزمان وهو طواف الزيارة الذى هو مؤقت بايام النحر بالنص إذا أخره قلنا يلزمه الدم وهذا لان مراعاة الوقت في الاركان واجب كمراعاة المكان الا ترى ان الوقوف لا يجوز في غير وقته كما لا يجوز في غير مكانه فبتأخر الطواف عن وقته يصير تاركا لما هو واجب وترك الواجب في الحج يوجب الجبر بالدم ثم الاصل بعد هذا ان أكثر أشواط الطواف بمنزلة الكل في حكم التحلل به عن الاحرام عندنا وكذلك في حكم الطهارة وغيرها من الاحكام وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يقوم الاكثر مقام الكمال بناء على أصله في اعتبار الطواف بالصلاة فكما أن أكثر عدد ركعات الصلاة لا يقوم مقام الكمال فكذلك أشواط الطواف لا تقوم مقام الكمال وهذا لان تقدير الطواف بسبعة أشواط ثابت بالنصوص المتواترة فكان كالمنصوص عليه في القرآن وما يقدر شرعا بقدر لا يكون لما دون ذلك القدر حكم ذلك القدر كما في الحدود وغيرها ولنا أن المنصوص عليه في القرآن الطواف بالبيت وهو عبارة عن الدوران حوله ولا يقتضى ظاهره التكرار الا أنه ثبت عن رسول الله قولا وفعلا تقدير كمال الطواف بسبعة أشواط فيحتمل أن يكون ذلك التقدير للاتمام ويحتمل أن يكون للاعتداد به فيثبت منه القدر المتيقن وهو أن يجعل ذلك شرط الاتمام ولئن كان شرط الاعتداد يقام الاكثر فيه مقام الكمال لترجح جانب

[ 43 ] الوجود على جانب العدم إذا أتى بالاكثر منه ومثله صحيح في الشرع كمن أدرك الامام في الركوع يجعل اقتداؤه في أكثر الركعة كالاقتداء في جميع الركعة في الاعتداد به والمتطوع بالصوم إذ نوى قبل الزوال يجعل وجود النية في أكثر اليوم كوجودها في جميع اليوم وكذلك في صوم رمضان عندنا ومن أصحابنا من يقول الطواف من أسباب التحلل وفي أسباب التحلل يقام البعض مقام الكل كما في الحلق الا أنا اعتبرنا هنا الاكثر ليترجح جانب الوجود فان الطواف عبادة مقصودة والحلق ليس بعبادة مقصودة فيقام الربع مقام الكل هناك إذا عرفنا هذا فنقول إذا طاف للزيارة أربعة أشواط يتحلل به من الاحرام عندنا حتى لو جامع بعد ذلك لا يلزمه شئ بخلاف ما لو طاف ثلاثة أشواط وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى لا يتحلل ما بقى عليه خطوة من شوط ولو طاف ثلاثة أشواط للزيارة ولم يطف للصدر ورجع إلى أهله فعليه ان يعود بالاحرام الاول ويقضى بقية طواف الزيارة لان الاكثر باق عليه فكان احرامه في حق النساء باقيا ولا يحتاج هذا إلى احرام جديد عند العود ولا يقوم الدم مقام ما بقى عليه ولكن يلزمه العود إلى مكة لبقية الطواف عليه ثم يريق دما لتاخيره عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان تأخير أكثر الاشواط عن أيام النحر كتا خير الكل ويطوف للصدر وان كان طاف أربعة أشواط أجزأه ان لا يعود ولكن يبعث بشاتين أحداهما لما بقى عليه من أشواط الطواف لان ما بقى أقل وشرط الطواف الكمال فيقوم الدم مقامه والدم الآخر لطواف الصدر وان اختار العود إلى مكة يلزمه احرام جديد لان التحلل قد حصل له من الاحرام الاول فإذا عاد باحرام جديد وأعاد ما بقى من طواف الزيارة وطاف للصدر أجزأه وكان عليه لتأخير كل شوط من أشواط طواف الزيارة صدقة لان تأخير الكل لما كان يوجب الدم عنه فتأخير الاقل لا يوجب الدم ولكن يوجب الصدقة وفى كل موضع يقول تلزمه صدقة فالمراد طعام مسكين مدين من حنطة الا أن يبلغ قيمة ذلك قيمة شاة فحينئذ ينقص منه ما أحب (قال) وان طاف الاقل من طواف الزيارة وطاف للصدر في آخر أيام التشريق يكمل الطواف الزيارة من طواف الصدر لان استحقاق الزيارة عليه أقوى فما أتى به مصروف إلى اكماله وان نواه عن غيره وعليه لتأخير ذلك دم عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ثم قد بقى من طوافه للصدر ثلاثة أشواط فصار تاركا للاكثر من طواف الصدر وذلك ينزل منزلة ترك الكل فعليه دم لذلك وان كان المتروك من طواف الزيارة ثلاثة

[ 44 ] أشواط أكمل ذلك من طواف الصدر كما بينا وعليه لكل شوط منه صدقة بسبب التأخير عن وقته لانه لا يجب في تأخير الاقل ما يجب في تأخير الكل ثم قد بقى من طواف الصدر أربعة أشواط فانما ترك الاقل منها فيكفيه لكل شوط صدقة لان الدم يقوم مقام جميع طواف الصدر فلا يجب في ترك أقله ما يجب في ترك كله ولو طاف للصدر جنبا فعليه دم لتفاحش النقصان بسبب الجنابة ويكون هو كالتارك لطواف الصدر أصلا ولو طاف للصدر وهو محدث فعليه صدقة لقلة النقصان بسبب الحدث. وفي رواية أبى حفص رحمه الله تعالى سوى بين الحدث والجنابة في ذلك لان طواف الجنب معتد به ألا ترى أن التحلل من الاحرام يحصل به في طواف الزيارة فلا يجب بسبب هذا النقصان ما يجب بتركه أصلا (قال) ولو طاف بالبيت منكوسا بأن استلم الحجر ثم أخذ على يسار الكعبة وطاف كذلك سبعة أشواط عندنا يعتد بطوافه في حكم التحلل وعليه الاعادة مادام بمكة فان رجع إلى أهله قبل الاعادة فعليه دم وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يعتد بطوافه بناء على أصله ان الطواف بمنزلة الصلاة فكما أنه لو صلى منكوسا بأن بدأ بالتشهد لا يجزيه فكذلك الطواف ولنا لاصل الذى قلنا أن الثابت بالنص الدوران حول البيت وذلك حاصل من أي جانب أخذ ولكن بفعل رسول الله حين أخذ على يمينه على باب الكعبة تبين ان الواجب هذا فكانت هذه صفة واجبة في هذا الركن بمنزلة شرط الطهارة عندنا فتتركه لا يمنع الاعتداد به ولكن يمكن فيه نقصانا يجبر بالدم وهذا لان المعنى فيه معقول وهو تعظيم البقعة وذلك حاصل من أي جانب أخذ فعرفنا ان فعل رسول الله في البداية بالجانب الايمن لبيان صفة الاتمام لا لبيان الركنية بخلاف أركان الصلاة واستدل الشافعي رحمه الله تعالى علينا بما لو بدأ بالمروة في السعي حيث لا يعتد به لما أنه اداه مكنوسا فمن أصحابنا رحمهم الله تعالى من قال يعتد به ولكن يكون مكروها والاصح أنه لا يعتد بالشوط الاول لا لكونه منكوسا ولكن لان الواجب هناك صعود الصفا أربع مرات والمروة ثلاث مرات فإذا بأد بالمروة فانما صعد الصفا ثلاث مرات فعليه ان يصعد الصفا مرة أخرى ولا يمكن أن يأمر بذلك الا باعادة شوط واحد من الطواف بين الصفا والمروة فاما هنا ما ترك شيئا من أصل الواجب عليه فقد دار حول البيت سبع مرات فلهذا كان طوافه معتدا به (قال) وان طاف راكبا أو محمولا فان كان لعذر من مرض أو كبر لم يلزمه

[ 45 ] شئ وان كان لغير عذر أعاده مادام بمكة فان رجع إلى أهله فعليه الدم عندنا وعلى قول الشافعي رضى الله عنه لا شئ عليه لانه صح في الحديث أن النبي طاف للزيارة يوم النحر على ناقته واستلم الاركان بمحجنه ولكنا نقول التوارث من لدن رسول الله إلى يومنا هذا الطواف ماشيا وعلى هذا على قول من يجعله كالصلاة الدم لان أداء المكتوبة راكبا من غير عذر لا يجوز فكان ينبغى أن لا يعتد بطواف الراكب من غير عذر ولكنا نقول المشى شرط الكمال فيه فتركه من غير عذر يوجب الدم لما بينا فأما تأويل الحديث فقد ذكر أبو الطفيل رحمه الله تعالى أنه طاف راكبا لوجع أصابه وهو أنه وثبت رجله فلهذا طاف راكبا وذكر ابن الزبير عن جابر رضى الله عنهما أن النبي انما طاف راكبا ليشاهده الناس فيسألوه عن حوادثهم وقيل انما طاف راكبا لكبر سنة وعندنا إذا كان لعذر فلا بأس به وكذلك إذا طاف بين الصفا والمروة محمولا أو راكبا وكذلك لو طاف الاكثر راكبا أو محمولا فالاكثر يقوم مقام الكل على ما بينا (قال) وإذا طاف المعتمر أربعة أشواط من طواف العمرة في أشهر الحج بأن كان أحرم للعمرة في رمضان فطاف ثلاثة أشواط ثم دخل شوال فأتم طوافه وحج من عامه ذلك كان متمتعا وان كان طاف لاكثر في رمضان لم يكن متمتعا لما بينا أن الاكثر يقوم مقام الكل وعلى هذا لو جامع المعتمر بعد ما طاف لعمرته أربعة أشواط لم تفسد عمرته ويمضى فيها وعليه دم وان جامع بعد ما طاف لها ثلاثة أشواط فسدت عمرته فيمضى في الفاسد حتى يتمها وعليه دم للجماع وعمرة مكانها لما ذكرنا أن الاكثر يقوم مقام الكمال وجماعه بعد اكمال طواف العمرة غير مفسد لانها صارت مؤداة بأداء ركنها فكذلك بعد أداء الاكثر من الطواف (قال) وان طاف للعمرة في رمضان جنبا أو على غير وضوء لم يكن متمتعا ان أعاده في شوال أو لم يعده وبهذه المسألة استدل الكرخي رحمه الله تعالى وقد بينا العذر فيه انه انما لا يكون متمتعا لوقوع الا من له من الفساد بما أداه في رمضان ولو كان ذلك موقوفا لبطل بالاعادة في شوال (قال) كوفي اعتمر في أشهر الحج فطاف لعمرته ثلاثة أشواط ورجع إلى الكوفة ثم ذكر بعد ذلك فرجع إلى مكة فقضى ما بقى عليه من عمرته من الطواف والسعي وحج من عامه ذلك كان متمتعا لانه لما أتى بأكثر الاشواط بعد ما رجع ثانيا فكأنه أتى بالكل بعد رجوعه ولو كان طاف أولا أربعة أشواط لم يكن متمتعا

[ 46 ] كما لو أكمل الطواف وهذا لوجود الالمام بأهله بين النسكين وأنشائه السفر لاداء كل نسك من بيته (قال) وترك الرمل في طواف الحج والعمرة والسعى في بطن الوادي بين الصفا والمروة لا يوجب عليه شيئا غير انه مسئ إذا كان لغير عذر وكذلك ترك استلام الحجر فالرمل واستلام الحجر وهذه الخلال من آداب الطواف أو من السنن وترك ما هو سنة أو أدب لا يوجب شيئا الا الاساءة إذا تعمد (قال) وإذا طاف الطواف الواجب في الحج والعمرة في جوف الحطيم قضى ما ترك منه ان كان بمكة وان كان رجع إلى أهله فعليه دم لان المتروك هو الاقل فانه انما ترك الطواف على الحطيم فقط وقد بينا أنه لو ترك الاقل من أشواط الطواف فعليه اعادة المتروك وان لم يعد فعليه الدم عندنا فهذا مثله ثم الافضل عندنا أن يعيد الطواف من الاصل ليكون مراعيا للترتيب المسنون وان أعاده على الحطيم فقط أجزأه لانه أتى بما هو المتروك وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى يلزمه اعادة الطواف من الاصل بناء على أصله في ان مراعاة الترتيب في الطواف واجب كما هو في الصلاة فإذا ترك لم يكن طوافه معتدا به وعندنا الواجب هو الدوران حول البيت وذلك يتم باعادة المتروك فقط ولكن الترتيب سنة والاعادة من الاصل أفضل ويلزمون علينا بما لو ابتدأ الطواف من غير موضع الحجر لا يعتد بذلك القدر حتى ينتهى إلى الحجر ولو لم يكن الترتيب واجبا لكان ذلك القدر معتدا به ومن أصحابنا من يقول بأنه معتد به عندنا ولكنه مكروه ولكن ذكر محمد رحمه الله تعالى في الرقيات أنه لا يعتبر طوافه إلى الحجر لا لترك الترتيب ولكن لان مفتاح الطواف من الحجر الاسود على ما روى أن إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه قال لاسماعيل عليه السلام ائتني بحجر أجعله علامة افتتاح الطواف فأتاه بحجر فألقاه ثم بالثاني ثم بالثالث فناداه قد أتانى بالحجر من أغناني عن حجرك ووجد الحجر الاسود في موضعه فعرفنا أن افتتاح الطواف منه فما أداه قبل الافتتاح لا يكون معتدا به (قال) فان طاف لعمرته ثلاثة أشواط وسعى بين الصفا والمروة ثم طاف لحجته كذلك ثم وقف بعرفة فالاشواط التى طافها للحج محسوبة عن طواف العمرة لانه هو المستحق عليه قبل طواف التحية فإذا جعلنا ذلك من طواف العمرة كان الباقي عليه شوطا واحدا حين وقف بعرفة فيكون قارنا ويعيد طواف الصفا والمروة لعمرته ولحجته لان ما أدى من السعي بين الصفا والمروة لعمرته كان عقيب أقل الاشواط فلا يكون معتدا به

[ 47 ] فيجب أن يعيده مع السعي للحج ومع الشوط الواحد عن طواف العمرة وان رجع إلى الكوفة قبل أن يفعل ذلك فعليه دم لترك ذلك الشوط ودم لترك سعى الحج ولا يلزمه شئ لسعى العمرة لانه قد سعي لعمرته عقيب ستة أشواط لان موضوع المسألة فيما إذا كان سعى للحج وذلك يقع عن سعى العمرة وان لم يكن سعي أصلا فعليه دم لترك السعي في كل نسك قال الحاكم رحمه الله تعالى قوله يعيد الطواف لعمرته غير سديد الا أن يريد به الاستحباب يريد به بيان ان موضوع المسألة فيما إذا كان سعى بعد طواف التحية ثلاثة أشواط فكان ذلك سعيا معتدا به للعمرة فلا يلزمه اعادته وان كان يستحب له اعادة ذلك بعد ما أكمل طواف العمرة بالشوط المتروك (قال) ويكره أن يجمع بين أسبوعين من الطواف قبل أن يصلى في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى. وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا بأس بذلك إذا انصرف على وتر ثلاثة أسابيع أو خمسة أسابيع لحديث عائشة رضى الله عنها انها طافت ثلاثة أسابيع ثم صلت لكل أسبوع ركعتين ولان مبنى الطواف على الوتر في عدد الاشواط فإذا انصرف على وتر لم يخالف انصرافه مبنى الطواف واشتغاله بأسبوع آخر قبل الصلاة كاشتغاله بأكل أو نوم وذلك لا يوجب الكراهة فكذا هنا إذا انصرف على ما هو مبنى الطواف بخلاف ما إذا انصرف على شفع لان الكراهة هناك لانصرافه على ما هو خلاف مبنى الطواف لا لتأخيره الصلاة وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا اتمام كل أسبوع من الطواف بركعتين فيكره له الاشتغال بالاسبوع الثاني قبل اكمال الاول كما ان أكمال كل شفع من التطوع لما كان بالتشهد يكره له الاشتغال بالشفع الثاني قبل اكمال الاول (قال) وإذا طاف قبل طلوع الشمس لم يصل حتى تطلع الشمس وقد بينا في كتاب الصلاة ان ركعتي الطواف سنة أو واجب بسبب من جهته كالمنذور وذلك لا يؤدى عندنا بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس ولا بعد العصر قبل غروب الشمس وقد روى ان عمر رضى الله عنه طاف قبل طلوع الشمس ثم خرج من مكة حتى إذا كان بذى طوى وارتفعت الشمس صلى ركعتين ثم قال ركعتان مكان ركعتين وكذلك بعد غروب الشمس يبدأ بالمغرب لان أداء ما ليس بمكتوبة قبل صلاة المغرب مكروه ولا تجزئه المكتوبة عن ركعتي الطواف لانه واجب كالمنذور أو سنة كسنن الصلاة فالمكتوبة لا تنوب عنه (قال) ويكره له ان ينشد الشعر في طوافه أو يتحدث أو يبيع أو يشترى فان فعله لم يفسد

[ 48 ] عليه طوافه لقوله الطواف بالبيت صلاة الا ان الله تعالى أباح فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق الا بخير وقد بينا ان المراد تشبيه الطواف بالصلاة في الثواب لا في الاحكام فلا يكون الكلام فيه مفسدا للطواف (قال) ويكره له ان يرفع صوته بقراءة القرآن فيه لان الناس يشتغلون فيه بالذكر والثناء فقل ما يستمعون لقراءته وترك الاستماع عند رفع الصوت بالقراءة من الجفاء فلا يرفع صوته بذلك صيانة للناس عن هذا الجفاء ولا بأس بقراءته في نفسه هكذا روى عن عمر رضى الله عنه انه كان في طوافه يقرأ القرآن في نفسه ولان المستحب له الاشتغال بالذكر في الطواف وأشرف الاذكار قراءة القرآن (قال) وان طافت المرأة مع الرجل لم تفسد عليه طوافه يريد به بسبب المحاذاة لان الطواف في الاحكام ليس كالصلاة ومحاذاة المرأة الرجل انما يوجب فساد الصلاة إذا كان يشتركان في الصلاة فاما إذا لم يشتركا في الصلاة فلا وهنا لا شركة بينهما في الطواف (قال) وإذا خرج الطائف من طوافه لصلاة مكتوبة أو جنازة أو تجديد وضوء ثم عاد بني على طوافه لما بينا انه ليس كالصلاة في الاحكام فالاشتغال في خلاله بعمل لا يمنع البناء عليه وروى عن ابن عباس رضى الله عنه انه خرج لجنازة ثم عاد فبنى على الطواف (قال) وان أخر الطائف ركعتين حتى خرج من مكة لم يضره لما روينا من حديث عمر رضى الله عنه (قال) والصلاة لاهل مكة أحب إلى وللغرباء الطواف فان التطوع من الصلاة عبادة بجميع البدن تشتمل على أركان مختلفة فالاشتغال بهذا أفضل من الاشتغال بطواف التطوع الا ان في حق الغرباء الطواف يفوته والصلاة لا تفوته لانه يتمكن من الصلاة إذا رجع إلى أهله ولا يتمكن من الطواف الا في هذا المكان والاشتغال في هذا المكان بما يفوته أولى كالاشتغال بالحراسة في سبيل الله أولى من صلاة الليل إذا تعذر عليه الجمع بينهما فاما المكى لا يفوته الطواف ولا الصلاة فكان الاشتغال بالصلاة في حقه أولى لما بينا (قال) رجل طاف أسبوعا وشوطا أو شوطين من أسبوع آخر ثم ذكر له انه لا ينبغى ان يجمع بين أسبوعين قال يتم الاسبوع الذى دخل فيه وعليه لكل أسبوع ركعتان لانه صار شارعا في الاسبوع الثاني المؤكدا له بشوط أو شوطين فعليه ان يتمه كمن قال إلى الركعة الثالثة قبل التشهد وقيد الركعة بالسجدة كان عليه اتمام الشفع الثاني ثم كل أسبوع سبب التزام ركعتين بمنزلة النذر فعليه لكل أسبوع ركعتان (قال) ولا بأس بان يطوف وعليه خفاه أو نعلاه إذا كانا طاهرين وانما أورد هذا ردا على

[ 49 ] المشتفعة فانهم يقولون لا يطوف الا حافيا وإذا كان يجوز الصلاة مع الخفين أو النعلين إذا كانا طاهرين فالطواف أولى (قال) واستلام الركن اليماني حسن وتركه لا يضره وروى عن محمد رحمه الله تعالى أنه يستلمه ولا يتركه وقال الشافعي رحمه الله تعالى يستلمه ويقبل يده ولا يقبل الركن هكذا روى أن النبي استلم الركن اليماني ولم يقبله وابن عباس رضى الله عنه يروى أن النبي استلم الركن اليماني ووضع خده عليه وابن عمر رضى الله عنه يروى أن النبي استلم الركنين يعنى الحجر الاسود واليماني فهو دليل لمحمد رحمه الله تعالى ووجه ظاهر الرواية أن كل ركن يكون استلامه مسنونا فتقبيله كذلك مسنون كالحجر الاسود وبالاتفاق هنا التقبيل ليس بمسنون فكذا الاستلام (قال) ولا يستلم الركنين الآخرين الا على قول معاوية رضى الله عنه فانه استلم الاركان الاربعة فقال له ابن عباس رضى الله عنهما لا تستلم الركنين فقال ليس شئ منه بمهجور ولكنا نقول القياس ينفى استلام الركن لان ذلك ليس من تعظيم البقعة كسائر المواضع من البيت ولكنا تركنا القياس في الحجر بفعل رسول الله فبقى ما سواه على أصل القياس ثم الركنان الآخران ليسا من أركان البيت لان أهل الجاهلية قصروا البيت عن قواعد الخليل صلوات الله عليه على ما بينا فلا يستلمهما (قال) وان رمل في طوافه كله لم يكن عليه شئ لان المشى على هينته في الاشواط الاربعة من الآداب وبترك الآداب لا يلزمه شئ (قال) وان مشى في الثلاثة الاول أو في بعضها ثم ذكر ذلك لم يرمل فيما بقى لان الرمل في الاشواط الثلاثة سنة فإذا فاتت من موضعها لا تقضى والمشى على هينته في الاربعة الاخر من آداب الطواف أو من السنن فان ترك في الثلاثة الاول ما هو سنتها لا يترك في الاربعة الاخر ما هو سنتها (قال) وان جعل لله عليه أن يطوف زحفا فعليه أن يطوف ماشيا لانه انما يلتزم بالنذر ما يتنفل به أو ما يكون قربة في نفسه وأصل الطواف قربة فأما الزحف من أفعال أهل الجاهلية وليس بقربة في شريعتنا فلا تلزمه هذه الصفة بالنذر وان طاف كذلك زحفا فعليه الاعادة ما دام بمكة وان رجع إلى أهله فعليه دم بمنزلة ما لو طاف محمولا أو راكبا على ما بينا (قال) وان طاف بالبيت من وراء زمزم أو قريبا من ظلة المسجد أجزأه عن ذلك لانه إذا كان في المسجد فطوافه يكون بالبيت فيصير به ممتثلا للامر فأما إذا طاف من وراء المسجد فكانت حيطانه بينه وبين الكعبة لم يجزه

[ 50 ] لانه طاف بالمسجد لا بالبيت والواجب عليه الطواف بالبيت أرأيت لو طاف بمكة كان يجزئه وان كان البيت في مكة أرأيت لو طاف في لدنيا أكان يجزئه من الطواف بالبيت لا يجزئه شئ من ذلك فهذا مثله والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب باب السعي بين الصفا والمروة (قال) رضى الله عنه وإذا سعى بين الصفا والمروة ورمل في سعيه كله من الصفا إلى المروة ومن المروة إلى الصفا فقد أساء ولا شئ عليه وكذلك ان مشى في جميع ذلك لان الواجب عليه الطواف بينهما قال الله تعالى فلا جناح عليه أن يطوف بهما فأما السعي في بطن الوادي والمشى فيما سوى ذلك أدب أو سنة فتركه لا يوجب الا الاساءة كترك الرمل في الطواف (قال) وان بدأ بالمروة وختم بالصفا حتى فرغ أعاد شوطا واحدا لان الذى بدأ بالمروة فيه ثم أقبل منها إلى الصفا لا يعتد به ومعنى هذا أن افتتاح هذا الطواف مشروع من الصفا على ما روينا أنه لما سئل رسول الله بأيهما نبدأ فقال ابدؤا بما بدأ الله تعالى به وإذا افتتح من غير موضع الافتتاح لا يعتد بطوافه حتى يصل إلى موضع الافتتاح ثم المعتد به يبقى بعد ذلك فعليه إتمامه بشوط آخر كما لو افتتح الطواف من غير الحج (قال) وان ترك السعي فيما بين الصفا والمروة رأسا في حج أو عمرة فعليه دم عندنا وهذا لان السعي واجب وليس بركن عندنا الحج والعمرة في ذلك سواء وترك الواجب يوجب الدم وعند الشافعي رحمه الله تعالى السعي ركن لا يتم لاحد حج ولا عمرة لا به واحتج في ذلك بما روى عن النبي انه سعى بين الصفا والمروة وقال لاصحابه رضى الله عنهم ان الله تعالى كتب عليكم السعي فاسعوا والمكتوب ركن وقال ما أتم الله تعالى لامرئ حجة ولا عمرة لا يطوف لها بين الصفا والمروة وحجتنا في ذلك قوله تعالى فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما ومثل هذا اللفظ للاباحة لا للايجاب فيقتضى ظاهر الآية ان لا يكون واجبا ولكنا تركنا هذا الظاهر في حكم الايجاب بدليل الاجماع فبقى ما وراءه على ظاهره وانما ذكر هذا اللفظ والله أعلم لاصحابه لانهم كانوا يتحرزون عن الطواف بهما لمكان الصنمين عليهما في الجاهلية إساف ونائلة فانزل الله تعالى هذه الآية ثم بين في الآية ان المقصود حج البيت بقوله تعالى فمن حج البيت أو اعتمر فلا

[ 51 ] جناح عليه فكان ذلك دليلا على ان مالا يتصل بالبيت من الطواف يكون تبعا لما هو متصل بالبيت ولا تبلغ درجة التبع درجة الاصل فتثبت فيه صفة لوجوب لا الركنية فكان السعي مع الطواف بالبيت نظير الوقوف بالمشعر الحرام مع الوقوف بعرفة وذلك واجب لا ركن فهذا مثله وهو نظير رمى الجمار من حيث أنه مقدر بعدد السبع غير مختص بالبيت ولا يصح استدلاله بظاهر الحديث الذى رواه لان في ظاهره ما يدل على أن السعي مكتوب وبالاتفاق عين السعي غير مكتوب فانه لو مشى في طوافه بينهما أجزأه وفى الحديث الآخر ما يدل على الوجوب دون الركنية لانه علق التمام بالسعي وأداء أصل العبادة يكون بأركانها فصفة التمام بالواجب فيها وكذلك لو ترك منها أربعة أشواط فهو كترك الكل في أنه يجب عليه الدم به لان الاكثر يقوم مقام الكمال وان ترك ثلاثة أشواط أطعم لكل شوط مسكينا الا أن يبلغ ذلك دما فحينئذ ينقص منه ما شاء وهو نظير طواف الصدر في ذلك وكذلك ان فعله راكبا فان كان لعذر فلا شئ عليه وان كان لغير عذر فعليه الدم في الاكثر والصدقة في الاقل لما بينا (قال) ويجوز سعى الجنب والحائض لانه غير مختص بالبيت فلا تكون الطهارة شرطا فيه كالوقوف وغيره من المناسك وانما اشتراط الطهارة في الطواف خاصة لاختصاصه بالبيت (قال) ولا يجوز السعي قبل الطواف لانه انما عرف قربة بفعل رسول الله وانما سعي رسول الله بعد الطواف وهكذا توارثه الناس من لدن رسول الله إلى يومنا هذا وهو في المعنى متمم للطواف فلا يكون معتدا به قبله كالسجود في الصلاة أو شرط الاعتداد به تقدم الطواف فإذا انعدم هذا الشرط لا يعتد به كالسجود لما كان شرط الاعتداد به تقدم الركوع فإذا سبق الركوع لا يعتد به (قال) ويجوز السعي بعد أن يطوف الاكثر من الطواف لان الاكثر يقوم مقام الكل (قال) ويكره له ترك الصعود على الصفا والمروة فان النبي صعد عليهما وأمرنا بالاقتداء به بقوله خذوا عني مناسككم وكذلك الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ومن بعدهم توارثوا الصعود على الصفا والمروة بقدر ما يصير البيت بمرأى العين منهم فهو سنة متبعة يكره تركها وروى أن عمر رضى الله عنه في نزوله من الصفا كان يقول اللهم استعملني بسنة نبيك وتوفني على ملته وأعذني من معضلات الفتن أو من معضلات يوم القيامة ولا يلزمه بترك الصعود شئ لان الواجب

[ 52 ] عليه الطواف بينهما وقد أتى بذلك (قال) وان طاف لحجته وواقع النساء ثم سعى بعد ذلك أجزأه لان تمام التحلل بالطواف بالبيت يحصل على ما جاء في الحديث فإذا طاف بالبيت حل له النساء فاشتغاله بالجماع بعد الطواف قبل السعي كاشتغاله بعمل آخر من نوم أو أكل فلا يمنع صحة أداء السعي بعده وان أخر السعي حتى رجع إلى أهله فعليه دم لتركه كما بينا وان أراد ان يرجع إلى مكة ليأتي بالسعي يرجع باحرام جديد لان تحلله بالطواف قد تم وليس له ان يدخل مكة الا باحرام (قال) والدم أحب إلى من الرجوع لانه إذا رجع كان مؤديا السعي في احرام آخر غير الاحرام الذى أدى به الحج وان أراق دما انجبر به النقصان الواقع في الحج ولان في اراقة الدم توفير منفعة اللحم على المساكين فهو أولى من الرجوع للسعى وان رجع وسعى أو كان بمكة وسعى بعد أيام النحر فليس عليه شئ لان السعي غير مؤقت بايام النحر انما التوقيت في الطواف بالنص فلا يلزمه بتأخير السعي شئ (قال) ولا ينبغى له في العمرة ان يحل حتى يسعى بين الصفا والمروة لان الاثر جاء فيها انه إذا طاف وسعى وحلق أو قصر حل وانما أراد به الفرق بين سعى العمرة وسعى الحج فان أداء سعى الحج بعد تمام التحلل بالطواف صحيح ولا يؤدى سعى العمرة الا في حال بقاء الاحرام لان الاثر في كل واحد منهما ورد بهذه الصفة وفى مثله علينا الاتباع إذ لا يعقل فيه معنى ثم من واجبات الحج ما هو مؤدي بعد تمام التحلل كالرمي فيجوز السعي أيضا بعد تمام التحلل وليس من أعمال العمرة ما يكون مؤدى بعد تمام التحلل والسعى من أعمال العمرة فعليه ان يأتي به قبل التحلل بالحلق والله سبحانه وتعالى أعلم باب الخروج إلى منى (قال) ويستحب للحاج ان يصلى الظهر يوم التروية بمنى ويقيم بها إلى صبيحة عرفة هكذا علم جبرائيل عليه السلام إبراهيم صلوات الله عليه حين وقفه على المناسك فانه خرج به يوم التروية إلى منى فيصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر من يوم عرفة بمنى وانما سمى يوم التروية لان الحاج يروون فيه بمنى أو لانهم يروون ظهورهم فيه بمنى ففي هذه التسمية ما يدل على انه ينبغى لهم ان يكونوا بمنى يوم التروية وان صلى الظهر بمكة ثم راح إلى منى لم يضره لانه لا يتعلق بمنى في هذا اليوم نسك مقصود فلا يضره تأخير إتيانه وان بات بمكة ليلة عرفة

[ 53 ] وصلى بها الفجر ثم غدا منها إلى عرفات ومر بمنى أجزأه لما بينا وقد أساء في تركه الاقتداء برسول الله فانه أقام بمنى يوم التروية كما رواه جابر رضى الله عنه مفسرا (قال) ثم ينزل حيث أحب من عرفات ويصعد الامام المنبر بعد الزوال ويؤذن المؤذن وهو عليه فإذا فرغ قام الامام يخطب فحمد الله وأثنى عليه ولبى وهلل وكبر وصلى على النبي ووعظ الناس وأمرهم ونهاهم ودعى الله تعالى بحاجته وقد بينا هذا فيما سبق والحاصل ان في الحج عندنا ثلاث خطب أحداها قبل التروية بيوم والثانية يوم عرفة بعرفات الثالثة في الغد من يوم النحر بمنى فيخطب بمكة قبل التروية بيوم يعلمهم كيف يحرمون بالحج وكيف يخرجون منها إلى منى وكيف يتوجهون إلى عرفات وكيف ينزلون بها ثم يمهلهم يوم التروية حتى يعملوا بما علمهم ثم يخطب يوم عرفة خطبة يعلمهم فيها ما يحتاجون إليه في هذا اليوم وفى يوم النحر ثم يمهلهم يوم النحر ليعملوا بما علمهم ثم يخطب في اليوم الثاني من أيام النحر خطبة يعلمهم فيها بقية ما يحتاجون إليه من أمور المناسك وعن زفر رحمه الله تعالى قال يخطب يوم التروية بمنى ويوم عرفة بعرفات ويوم النحر بمنى لانه يوم التروية يحرم بالحج ويوم عرفة يقف ويوم النحر يطوف بالبيت وأركان الحج هذه الاشياء الثلاثة فيخطب في كل يوم يأتي فيه بذلك الركن ثم بين في الكتاب كيفية الجمع بين الصلاتين بعرفة واشتراط الامام فيها عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقد تقدم بيان هذا الفصل بتمامه (قال) ومن أدرك مع الامام شيئا من كل صلاة فهو كادراك جميع الصلاة في انه يجوز له الجمع بينهما على قياس الجمعة إذا أدرك الامام في التشهد منها كان مدركا الجمعة (قال) وان كان الامام سبقه الحدث في الظهر فاستخلف رجلا فانه يصلي بهم الظهر والعصر لان الامام أقامه مقام نفسه فيما كان عليه أداؤه وكان عليه أداء الصلاتين فيقوم خليفته مقامه في ذلك (قال) فان رجع الامام فأدرك معه جزء من صلاة العصر جمع بين الصلاتين لانه مدرك لاول الظهر ومدرك لآخر العصر وان لم يرجع حتى فرغ خليفته من العصر فان الامام لا يصلى العصر ما لم يدخل وقتها في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وهذه المسألة تدل على أن من أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن الجماعة شرط في الجمع بين الصلاتين هنا كالامام وانه بمنزلة الجمعة في هذا وقد ذكر بعد هذا أنه إذا نفر الناس عنه فصلى وحده الصلاتين أجزأه فهو دليل على أن الجماعة فيه ليس بشرط وقيل ما ذكر

[ 54 ] بعد هذا قولهما لانه أطلق الجواب وهنا نص على قول أبى حنيفة وقيل بل فيه روايتان عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى في إحدى الروايتين جعلها كالجمعة في اشتراط الجماعة فيها وفي الرواية الاخرى فرق بينهما فقال اشتراط الجماعة هناك لتسمية تلك الصلاة جمعة وفى هذا لموضع انما سمى هاتين الصلاتين الظهر والعصر وليس في هذا الاسم ما يدل على اشتراط لجماعة ومعنى الجمع هنا منصرف إلى الصلاتين لا إلى المؤدين لهما فلا تشترط الجماعة فيهما (قال) وليس في هاتين الصلاتين القراءة جهرا الا على قول مالك رحمه الله تعالى فانه يقول يجهر بالقراءة فيها لانها صلاة مؤداة بجمع عظيم فيجهر فيها بالقراءة كالجمعة والعيدين ولكنا نقول ان رواة نسك رسول الله لم ينقلوا أنه جهر في هاتين الصلاتين بالقراءة وهما يؤديان في هذا المكان كما يؤديان في غيره من الامكنة وفى غير هذا اليوم فلا يجهر بالقراءة فيهما عملا بقوله صلاة النهار عجماء أي ليس فيها قراءة مسموعة (قال) وان خطب قبل الزوال أو ترك الخطبة وصلى الصلاتين معا أجزأه وقد أساء في تركه الاقتداء برسول الله فان الخطبة ليس من شرائط هذا الجمع بخلاف الجمعة وقد بينا ذلك فهذه خطبة وعظ وتذكير وتعليم لبعض ما يحتاج إليه في الوقت فتركها لا يوجب الا اساءة كترك الخطبة في العيدين (قال) وان كان يوم غيم فاستبان انه صلى الظهر قبل الزوال والعصر بعده فالقياس انه يعيد الظهر وحدها لان العصر مؤداة في وقتها وحين أدى العصر ماكان ذاكرا للظهر فيكون في معنى الناسي والترتيب يسقط بالنسيان ولكن استحسن ان يعيد الخطبة والصلاتين جميعا لان شرط صحة العصر في هذا اليوم تقديم الظهر عليه على وجه الصحة فان العصر معجل على وقته وهذا التعجيل للجمع فانما يحصل الجمع بأداء العصر إذا تقدم أداء الظهر بصفة الصحة فإذا تبين ان الظهر لم يكن صحيحا كان عليه اعادة الصلاتين جميعا (قال) وان أحدث الامام بعد الخطبة قبل ان يدخل في الصلاة فامر رجلا قد شهد الخطبة أو لم يشهد ان يصلى بهم أجزأهم لان الخطبة ليست من شرائط هذا الجمع (قال) وان تقدم رجل من الناس بغير أمر الامام فصلى بهم الصلاتين جميعا لم يجزهم في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لان هذا الامام شرط هذا الجمع عنده (قال) وان مات الامام فصلى بهم خليفته أو ذو سلطان أجزأهم لان خليفته قائم مقامه فهو بمنزلة مالو صلى الامام بنفسه وان لم يكن فيهم ذو سلطان صلى كل صلاة لوقتها

[ 55 ] بمنزلة الجمعة (قال) ولا جمعة بعرفة يعنى إذا كان الناس يوم الجمعة بعرفات لا يصلون الجمعة بها لان المصر من شرائط الجمع وعرفات ليس في حكم المصر إذ ليس لها أبنية انما هي فضاء وليست من فناء مكة لانها من الحل بخلاف منى عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وأبى يوسف لانها من فناء مكة ولانها بمنزلة المصر في هذه الايام لما فيها من الابنية والاسواق المركبة وقد بينا هذا في الصلاة (قال) ومن وقف بعرفة قبل الزوال لم يجزه ومن وقف بعد زوال الشمس أو ليلة النحر قبل انشقاق الفجر أو مر بها مجتازا وهو يعرفها أو لا يعرفها أجزأه فالحاصل ان ابتداء وقت الوقوف بعد الزوال عندنا وقال مالك رحمه الله تعالى من طلوع الشمس لان هذا اليوم مسمي بأنه يوم عرفة فانما يصير اليوم مطلقا من وقت طلوع الفجر فتبين ان وقت الوقوف من ذلك الوقت واستدل بقوله الحج عرفة فمن وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه والنهار اسم للوقت من طلوع الشمس سمى نهارا لجريان الشمس فيه كالنهر يسمى نهرا لجريان الماء فيه وحجتنا في ذلك ان النبي انما وقف بعد الزوال فكان مبينا وقت الوقوف بفعله فدل ان ابتداء الوقوف بعد الزوال والدليل عليه ما روينا من حديث ابن عمر رضى الله عنه انه قال للحجاج بعد الزوال ان أردت السنة فالساعة ولا يبعد ان يسمي اليوم بهذا الاسم وان كان وقت الوقوف بعد الزوال كيوم الجمعة صار وقتا لاداء الجمعة بعد الزوال مع ان اليوم مسمي بهذا الاسم ثم الاصل فيما قلنا حديث عروة بن مضرس بن لام الطائي رحمه الله تعالى انه جاء إلى النبي صبيحة الجمع وهو بالمشعر الحرام فقال أكللت راحلتي وأجهدت نفسي وما مررت بجبل من الجبال الا وقفت عليه فهل لى من حج فقال من وقف معنا هذا الموقف وصلى معنا هذه الصلاة وقد كان أفاض قبل ذلك من عرفات ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه (قال) ومن وقف بعرفة بعد الزوال ثم أفاض من ساعته أو أفاض قبل غروب الشمس أو صلى بها الصلاتين ولم يقف وأفاض أجزأه عندنا وعلى قول مالك رحمه الله تعالى لا يجزئه الا أن يقف في اليوم وجزء من الليل وذلك بأن تكون افاضته بعد غروب الشمس واستدل بقوله من أدرك عرفة بليل فقد أدرك الحج ومن فاته عرفة بليل فقد فاته الحج ولكنا نقول هذه الزيادة غير مشهورة وانما المشهور ما رواه في الكتاب ومن فاته عرفة فقد فاته الحج وفيما روينا وهو قوله ساعة من ليل أو

[ 56 ] نهار دليل على أن بنفس الوقوف في وقته يصير مدركا للحج وان لم يستدم الوقوف إلى وقت غروب الشمس ثم يجب عليه الدم إذا أفاض قبل غروب الشمس لان نفس الوقوف ركن واستدامته إلى غروب الشمس واجبة لما فيها من اظهار مخالفة المشركين فعله رسول الله وأمر به وترك الواجب يوجب الجبر بالدم فان رجع ووقف بها بعد ما غابت الشمس لم يسقط الدم الا في رواية ابن شجاع عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى فانه يقول يسقط عنه الدم قال لانه استدرك ما فاته وأتى بما عليه لان الواجب عليه الافاضة بعد غروب الشمس وقد أتى به فيسقط عنه الدم كمن جاوز الميقات حلالا ثم عاد إلى الميقات وأحرم وفى ظاهر الرواية لا يسقط عنه الدم لان الواجب على من وصل إلى عرفات بعد الزوال استدامة الوقوف إلى غروب الشمس ولم يتدارك ذلك بالانصراف بعد الشمس فلا يسقط عنه الدم وان عاد قبل غروب الشمس حتى أفاض مع الامام فذكر الكرخي في مختصره أن الدم يسقط عنه لان الواجب عليه الافاضة مع الامام بعد غروب الشمس وقد تدارك ذلك في وقته ومن أصحابنا من يقول لا يسقط الدم هنا أيضا لان استدامة الوقوف قد انقطعت بذهابه فبرجوعه لا يصير وقوفه مستداما بل ما فات منه لا يمكنه تداركه فلا يسقط عنه الدم (قال) وإذا أغمى على المحرم فوقف به أصحابه بعرفات أجزأه لانه تأدى الوقوف بحصوله في الموقف في وقت الوقوف. ألا ترى أنه لو مر بعرفات مار وهو لا يعلم بها في وقت الوقوف أجزأه ولا يبعد أن يتأدى ركن العبادة من المغمى عليه كما يتأدى ركن الصوم وهو الامساك بعد النية من المغمى عليه (قال) وقوف الجنب والحائض ومن صلى صلاتين ومن لم يصل جائز لان لوقوف غير مختص بالبيت فلا تكون الطهارة شرطا فيه وفرضية الصلاة عليه غير متصل بالوقوف فتركها لا يؤثر في الوقوف كما لا يؤثر في الصوم (قال) وان وقف القارن بعرفة قبل أن يطوف للعمرة فهو رافض لها ان نوى الرفض وان لم ينولان المعنى المعتبر أداء العمرة بعد الوقوف وهذا متحقق نوى الرفض أو لم ينو ولم يذكر في الكتاب ما إذا اشتبه يوم عرفة على الناس بأن لم يروا هلال ذى الحجة وهو مروى عن محمد رحمه الله تعالى قال إذا نحروا وقفوا بعرفة مروى عن محمد رحمه الله تعالى قال إذا نحروا ووقفوا بعرفة في يوم فان تبين انهم وقفوا في يوم التروية لا يجزيهم وان تبين أنهم وقفوا يوم النحر أجزأهم استحسانا وفى القياس لا يجزيهم لان الوقوف مؤقت بوقت مخصوص فلا يجوز بعد ذلك الوقت كصلاة الجمعة

[ 57 ] ولكنه استحسن لقوله عرفتكم يوم تعرفون وفى رواية حجكم يوم تحجون والحاصل انهم بعد ما وقفوا بيوم إذا جاء الشهود ليشدهوا انهم رأوا الهلال قبل ذلك لا ينبغى للقاضى أن يستمع لى هذه الشهادة ولكنه يقول قد تم للناس حجهم ولا مقصود في شهادتهم سوى ابتغاء الفتنة فان جاؤا فشهدوا عشية عرفة فان كان بحيث يتمكن فيه الناس من الخروج إلى عرفات قبل طلوع الفجر قبل شهادتهم وأمر الناس بالخروج ليقفوا في وقت الوقوف وان كان بحيث لا يتمكن من ذلك لا يستمع إلى شهادتهم ويقف الناس في اليوم الثاني ويجزئهم (قال) وان جامع القارن بعرفة قبل زوال الشمس وقد طاف لعمرته فعليه دمان ويفرغ من حجته وعمرته وعليه قضاء الحج وهنا فصول (أحدها) في المفرد بالحج إذ جامع قبل الوقوف يفسد حجه لقوله تعالى فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج فهو دليل على المنافاة بين الحج والجماع فإذا وجد الجماع فسد الحج وعليه المضى في الفاسد والقضاء من قابل على هذا اتفق أصحاب رسول الله أنه من شرع في الاحرام لا يصير خارجا عنه الا بأداء الاعمال فاسدا كان أو صحيحا وعليه دم عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى عليه بدنة بمنزلة ما لو جامع بعد الوقوف ولكنا نقول هذا الدم لتعجيل هذا الاحلال والشاة تكفى فيه كما في المحصر وجزاء فعله هنا وجوب القضاء عليه لانه أهم ما يجب في الحج فلا يجب معه كفارة أخرى فأما إذا جامع بعد الوقوف بعرفة لا يفسد حجه عندنا ولكن يلزمه بدنة ويتم حجه وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى إذا جامع قبل الرمى يفسد حجه لان احرامه قبل الرمى مطلق ألا ترى أنه لا يحل له شئ مما هو حرام على المحرم والجماع في الاحرام المطلق مفسد للنسك كما قبل الوقوف بعرفة بخلاف ما بعد الرمى فقد جاء أوان التحلل وحل له الحلق الذى كان حراما قبل على المحرم والحجة لنا في ذلك حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنه قال إذا جامع قبل الوقوف فسد نسكه وعليه بدنة وإذا جامع بعد الوقوف فحجته تامة وعليه دم. وقال الحج عرفة فمن وقف بعرفة فقد تم حجه وبالاتفاق لم يرد التمام من حيث أداء الافعال فقد بقى عليه بعض الاركان وانما أراد به الاتمام من حيث أنه يأمن الفساد بعده وهو المعنى الفقهى أن بالوقوف تأكد حجه ألا ترى أنه يأمن الفوات بعد الوقوف فكما يثبت حكم التأكد في الامن من الفوات فكذلك في الامن من الفساد فأما قبل الوقوف حجه غير متأكد ألا ترى أنه

[ 58 ] يفوته بمضي وقت الوقوف فكذلك يفسد بالجماع وهذا لان الجماع محظور كسائر المحظورات وارتكاب محظورات الحج غير مفسد له فكان ينبغي أن لا يكون الجماع مفسدا تركنا هذا الاصل فيما إذا حصل الجماع قبل تأكد الاحرام بدليل الاجماع وما بعد التأكد ليس في معنى ما قبله فيبقى على أصل القياس وهذا على أصله أظهر فانه يقول إذا بلغ الصبى قبل الوقوف جاز حجه عن الفرض بخلاف ما بعد الوقوف توضيحه أن عنده لو جامع قبل الرمى يفسد الحج وإذا جامع بعده لا يفسد والجماع قبل الرمى لا يكون أكثر تأثيرا من ترك الرمى وترك الرمى غير مفسد للحج فكيف يكون الجماع قبله مفسدا (والفصل الثاني) المفرد بالعمرة إذا جامع قبل أن يطوف أكثر الاشواط فسدت عمرته وعليه دم وان جامع بعد ما طاف أكثر الاشواط لا تفسد عمرته لان ركن العمرة هو الطواف فيتأكد احرامه بأداء أكثر الاشواط كما يتأكد احرام الحج بالوقوف ولكن عليه دم عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى في الوجهين جميعا تفسد عمرته وعليه بدنة لان الجماع محظور كل واحد من النسكين فكما أن في الحج تجب البدنة بالجماع فكذلك بالعمرة وعندنا لا مدخل للبدنة في العمرة بخلاف الحج على ما بينا في طواف الحج ففي الحقيقة انما ينبنى هذا على الخلاف المعروف بيننا وبينهم في العمرة عندنا العمرة سنة وعلى قوله فريضة كفريضة الحج واحتج بقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله فقد قرن بينهما في الامر بالاتمام فدل على فرضيتهما وفى حديث ابن ثابت أن النبي قال العمرة فريضة الحج وقال صبى بن معبد فوجدت الحج والعمرة واجبين على وقال للخثعمية حجى عن أبيك واعتمري وحقيقة الامر للوجوب (ولنا) حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي قال الحج جهاد والعمرة تطوع وسأل رجل رسول الله عن العمرة أواجبة هي فقال لا وإن تعتمر خير لك ولان العمرة لا تتوقت بوقت معلوم في السنة وانما باين النفل الفرض بهذا فان الفرض يتوقت بوقت والنفل لا يتوقت ولانه يتأدى بنية غيره فان عنده المحرم بالحج قبل أشهر الحج يكون محرما بالعمرة وبالاجماع فائت الحج يتحلل باعمال العمرة والفرض انما باين النفل بهذا فان النفل يتأدى بنية الفرض والفرض الذى هو غير معين لا يتأدى بنية النفل فاما الآية فقد قرئت بالنصب وبالرفع والعمرة لله فالقراءة بالرفع ابتداء خبر العمرة لله والنوافل لله تعالى كالفرائض ثم هذا أمر

[ 59 ] بالاتمام بعد الشروع ولا خلاف فيه وما عرفنا ابتداء فرضية الحج بهذه الآية بل عرفناه بقوله تعالى ولله على الناس حج البيت وبهذا تبين ان المقصود زيارة البيت وهذا المقصود حاصل بفرضية نسك واحد فلا تثبت صفة الفرضية في عدد منه ولهذا لا تتكرر فرضية الحج ومعنى قوله فريضة أي مقدرة باعمال كالحج فان الفرض هو التقدير وبه نقول انها مقدارة فأكثر ما في الباب أن الآثار قد اشتبهت فيه ولكن صفة الفرضية مع اشتباه الادلة لا تثبت فإذا ثبت عندنا ان أصله ليس بفرض بل هو تبع للحج لا يكون وجوب البدنة بالجماع في الحج دليلا على وجوبها في العمرة وعنده لما كان فرضا وجب بالجماع فيه ما يجب في الحج (والفصل الثالث) القارن إذا جامع قبل الزوال وقد طاف لعمرته فانما جامع بعد أكد احرام العمرة فلا تفسد عمرته بهذا الجماع وعليه دم لاجله وجامع قبل تأكد احرام الحج فيفسد حجه وعليه دم لتعجيل الاحلال وقضاء الحج وقد سقط عنه دم القران بفساد أحد النسكين وان جامع بعد الوقوف فعليه للعمرة دم وللحج جزور وعليه دم القران لانه لم يفسد واحد من النسكين بهذا الجماع (قال) وكذلك لو جامع بعد الحلق قبل أن يطوف بالبيت يريد به في وجوب الجزور عليه لان احرامه للحج في حق النساء باق حتى يطوف بالبيت ولكن لا يلزمه دم العمرة هنا لان تحلله للعمرة قد تم بالحلق (قال) ومن جامع ليلة عرفة قبل أن يأتي عرفة فسد حجه وعليه شاة لان احرامه لا يتأكد بدخول وقت الوقوف وانما يتأكد بفعل الوقوف. ألا ترى أن الامن من الفوات لا يحصل بدخول وقته وانما يحصل بالوقوف فكان هذا وما لو جامع قبل دخول وقت الوقوف سواء (قال) وإذا وقف القارن بعرفة قبل طواف العمرة ثم جامع فقد بينا أن احرامه للعمرة قد ارتفض بالوقوف ولزمه دم لرفض العمرة وعليه جزور للجماع لان جماعه صادف احرام الحج بعد ما تأكد فيتم حجه وعليه قضاء العمرة بعد أيام التشريق (قال) ومن دخل مكة بغير احرام فخاف الفوت إن رجع إلى الميقات فأحرم ووقف أجزأه وعليه دم لترك الوقت هكذا نقل عن عبد الله بن مسعود وغيره من الصحابة رضى الله تعالى عنهم أنهم قالوا إذا جاوز الميقات بغير احرام فعليه دم لترك الوقت وكان المعنى فيه ان الشرع عين الميقات للاحرام فبتأخيره الاحرام عن الميقات يتمكن فيه النقصان ونقائص الحج تجبر بالدم ولما ابتلى ببليتين يختار أهونهما والتزام الدم أهون من الرجوع إلى الميقات لتفويته الحج (قال) وإذا

[ 60 ] وقف الحاج بعرفة ثم أهل وهو واقف بحجة أخرى فانه برفضها وعليه دم لرفضها وحجة وعمرة مكانها ويمضي في التى هو فيها وهذا قول أبى حنيفة وأبى ويوسف رحمهما الله تعالى فاما عند محمد فاحرامه باطل بمنزلة اختلافهم فيمن أحرم بحجتين على ما نبينه وانما يرفضها لانه لو لم يرفضها ووقف لها لبقاء وقت الوقوف يصير مؤديا حجتين في سنة واحدة ولا يجوز ان يؤدى في سنة أكثر من حجة واحدة وإذا رفضها فعليه الدم لرفضها لانه خرج من الاحرام بعد صحة الشروع قبل أداء الافعال فلزمه الدم كالمحصر وعليه قضاء حجة وعمرة مكانها بمنزلة المحصر بالحج إذا تحلل وهذا لانه في معنى فائت الحج وفائت الحج يتحلل بافعال العمرة وهذا لم يأت باعمال العمرة فكان عليه قضاؤها مع قضاء الحج (قال) وكذلك ان أهل بعمرة أيضا يرفضها لان وقوفه لو طرأ على عمرة صحيحة أوجب رفضها على ما بينا في القارن إذا وقف قبل ان يطوف لعمرته فكذلك إذا اقترن بوقوفه احرام العمرة وهذا لانه لو لم يرفضها أدى أفعالها فيكون بانيا أعمال العمرة على أعمال الحج فلهذا يرفضها وعليه دم وقضاؤها لخروجه منها بعد صحة الشروع (قال) وكذلك لو كان أهل بالحج ليلة المزدلفة بالمزدلفة فهو رافض ساعة أهل لانه لو لم برفضها عاد إلى عرفات فوقف فيصير مؤديا حجتين في سنة واحدة وهذا بخلاف ما إذا أهل بحجتين فان هناك إذا عجل في عمل أحدهما لا يصير رافضا للاخر وهنا هو مشغول بعمل أحدهما بل هو مؤد له فلهذا يرتفض الآخر في الحال فكذلك أن أهل بعمرة ليلة المزدلفة فهو رافض لها وفي الكتاب أضاف هذا القول ابى أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وأبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يخالفهما في هذا لما قلنا أنه لو لم يصر رافضا كان بانيا أعمال العمرة على أعمال الحج فاما إذا أهل بحجة أخرى بعد طلوع الفجر من يوم النحر لم يرفضها لان وقت قد فات فلو بقى احرامه هذا لا يكون مؤديا حجتين في سنة واحدة ولكنه يتم أعمال الحجة الاولى ويمكث حراما إلى أن يحج في السنة الثانية الا أنه إن حلق للحجة الاولى يلزمه دم لجنايته على الاحرام الثاني بذلك الحلق وان لم يحلق فعليه الدم عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى أيضا لتأخير الحلق في الحجة الاولى عن وقته وعندهما بهذا التأخير لا يلزمه دم واصل المسألة ان من أحرم بالحج قبل أشهر الحج يكون محرما بالحج عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى يكون محرما بالعمرة وهكذا روى الحسن بن أبى مالك عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة عندنا وقال

[ 61 ] مالك رحمه الله تعالى جميع ذي الحجة استدلا لا بقوله تعالى الحج أشهر معلومات وأقل الجمع المتفق عليه ثلاثة ولكنا نستدل بقول ابن عباس وابن مسعود وابن عمر وابن الزبير رضى الله عنهم ان أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة فأقاموا أكثر الثلاثة مقام الكمال في معنى الاية لمعنى وهو ان بالاتفاق يفوت الحج بطلوع الفجر من يوم النحر وفوات العبادة يكون بمضي وقتها فاما مع بقاء الوقت لا يتحقق الفوات ولهذا قال أبو يوسف رحمه الله تعالى ان من ذي الحجة عشر ليال وتسعة أيام فاما اليوم العاشر ليس بوقت الحج لان الفوات يتحقق بطلوع الفجر من اليوم العاشر وهو يوم النحر وفى ظاهر المذهب اليوم العاشر من وقت الحج لان الصحابة رضى الله عنهم قالوا وعشر من ذي الحجة وذكر أحد العددين من الايام والليالي بعبارة الجمع يقتضى دخول ما بازائه من العدد الآخر ولان الله تعالى سمى هذا اليوم يوم الحج الاكبر قال الله تعالى وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر والمراد يوم النحر لا وقت الحج لاداء الطواف فيه دون الوقوف فلهذا يتحقق الفوات بطلوع الفجر منه لفوات ركن الوقوف (فأما) الشافعي رحمه الله تعالى احتج بقوله المهل بالحج في غير أشهر الحج مهل بالعمرة ولان الاحرام بالحج كالتكبير للصلاة فكما لا يجوز الشروع في الفريضة قبل دخول وقت الصلاة في الصلاة فكذلك في الحج والاحرام أحد أركان الحج فلا يتأدى في غير وقت الحج كسائر الاركان وإذا لم يصح احرامه بالحج كان محرما بالعمرة لان الوقت وقت العمرة ألا ترى أنه لو فات حجه بمضي الوقت يبقى احرامه للعمرة فكذلك إذا حصل ابتداء احرامه في غير أشهر الحج (ولنا) أن الاحرام للحج بمنزلة الطهارة للصلاة فانه من الشرائط لا من الاركان حتى يكون مستداما إلى الفراغ منه وهذا حد شرط العبادة لاحد ركن العبادة ولانه لا يتصل به أداء الافعال فالاحرام يكون عند الميقات وأداء الافعال بمكة ولو أحرم في أول يوم من أشهر الحج يصح واداء الافعال بعد ذلك بزمان فعرفنا أنه بمنزلة الشرط فلا يستدعى صحة الوقت بخلاف الصلاة فان اداء الاركان هناك يتصل بالتكبير فإذا حصل قبل دخول لوقت لا يتصل اداء الاركان به والحديث في الباب شاذ جدا فلا يعتمد على مثله ولكن يكره له أن يحرم بالحج قبل أشهر الحج من أصحابنا رحمهم الله تعالى من يقول الكراهة لمعنى أن الاحرام من وجه بمنزلة الاركان ولهذا لو حصل

[ 62 ] قبل العتق لا يتأدى به فرض الحج بعد العتق وما تردد بين أصلين يوفر حظه عليهما فلشبهه بالشرائط يجوز قبل الوقت ولشبهه بالاركان يكون مكروها وقيل بل الكراهة لانه لا يأمن من مواقعة المحظور إذا طال مكثه في الاحرام (قال) ويجمع الامام بين صلاة المغرب والعشاء بمزدلفة باذان واقامة فان تطوع بينهما اقام للعشاء اقامة أخرى وقال زفر رحمه الله تعالى إذا تطوع بينهما اذن وأقام للعشاء لان الفصل بينهما قد تحقق بالاشتغال بالتطوع فهو بمنزلة من يؤدى كل صلاة في وقتها فعليه الاذن والاقامة لكل صلاة ولكنا نقول الجمع بينهما لا ينقطع بهذا الفصل كما لا ينقطع إذا اشتغل بالاكل ولكنه يحتاج إلى اعلام الناس انه يصلى العشاء وبالاقامة يتم هذا الاعلام والاصل فيه حديث ابن عمر رضى الله عنه فانه صلى المغرب بمزدلفة ثم تعشى ثم أفرد الاقامة للعشاء فان صلى المغرب بعرفات بعد غروب الشمس أو صلاها في طريق المزدلفة قبل غيبوبة الشفق أو بعده فعليه ان يعيدها بمزدلفة في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يكره ما صنع ولا يلزمه الاعادة لانه أدى الفرض في وقته فان ما بعد غروب الشمس وقت المغرب بالنصوص الظاهرة وأداء الصلاة في وقتها صحيح الا ترى انه لو لم يعد حتى طلع الفجر لم يلزمه الاعادة ولو لم يقع ما أدى موقع الجواز لما سقطت عنه الا عادة بطلوع الفجر ولكنا نستدل بحديث أسامة بن زيد رضى الله عنه فانه كان رديف رسول الله في طريق المزدلفة فلما غربت الشمس قال الصلاة يا رسول الله فقال الصلاة امامك ولم يرد بهذا فعل الصلاة لان فعل الصلاة حركات المصلى وهو معه فاما أن أراد به الوقت أو المكان فان كان امراد به المكان فقد بين بهذا النص اختصاص أداء الصلاة بمكان وهو المزدلفة فلا يجوز في غيرها وان كان المراد به الوقت فقد تبين ان وقت المغرب في حق الحاج لا يدخل بغروب الشمس وأداء الصلاة قبل الوقت لا يجوز والدليل عليه انه مأمور بالتأخير لا لان في الاشتغال بالصلاة انقطاع سيره فان أداء الصلاة في وقتها فريضة فلا يسقط بهذا العذر ولكن الامر بالتأخير للجمع بينهما بالمزدلفة وهذا المعنى يفوت باداء المغرب في طريق المزدلفة فعليه الاعادة بعد الوصول إلى المزدلفة ليصير جمعا بين الصلاتين كما هو المشروع نسكا ولهذا سقطت عنه الاعادة بطلوع الفجر لان وجوب الاعادة لمكان ادراك فضيلة الجمع بينهما وهذا يفوت بفوات وقت العشاء ولهذا قلنا إذا بقى

[ 63 ] في الطريق حتى صار بحيث يعلم انه لا يصل إلى المزدلفة قبل طلوع الفجر يصلى المغرب ولا يؤخرها بعد ذلك (قال) ويغلس بصلاة الفجر بالمزدلفة حين ينشق له الفجر الثاني لحديث ابن مسعود رضى الله عنه كما بينا ثم يغفي حتى إذا أسفر دفع قبل طلوع الشمس وهذا الوقوف واجب عندنا وليس بركن حتى إذا تركه لغير علة يلزمه دم وحجه تام وعلى قول الليث بن سعد رحمه الله تعالى هذا الوقوف ركن لا يتم الحج الا به لانه مأمور به في كتاب الله تعالى قال الله تعالى فاذكروا الله عند المشعر الحرام وقال في حديث عروة بن مضرس رحمه الله تعالى من وقف معنا هذا الموقف فقد تم حجه علق تمام حجه بهذا الوقوف فعرفنا انه لا يتم الا به (ولنا) قوله الحج عرفة فمن وقف بعرفة فقد تم حجه ولانه يجوز ترك هذا الوقوف بعذر فان ضباغة عمة رسول الله ورضى عنها كانت شاكية فاستأذنت رسول الله في المصير إلى منى ليلة المزدلفة فأذن لها وروى أن رسول الله قد ضعفة أهله من المزدلفة بليل ولو كان ركنا لم يجز تركه لعذر وبهذا تبين أن هذا الوقوف مع الوقوف بعرفة بمنزلة طواف الزيارة مع طواف الصدر ثم طواف الصدر واجب وليس بركن ويجوز تركه بعذر الحيض فكذا هذا والمزدلفة كلها موقف الا محسر وعرفة كلها موقف الا بطن عرفة وقد بينا الاثر المروى في هذا الباب فيما سبق (قال) وأحب إلى أن يكون وقوفه بمزدلفة عند الجبل الذى يقال له قزح من وراء الامام لان النبي اختار لوقوفه ذلك الموضع وقد بينا في الوقوف بعرفة أن الافضل أن يقف من ورواء الامام قريبا منه ليؤمن على دعائه فكذلك في الوقوف بمزدلفة فان تعجل من المزدلفة بليل فان كان لعذر من مرض أو امرأة خافت الزحام فلا شئ عليه لما روينا وان كان لغير عذر فعليه دم لتركه واجبا من واجبات الحج فان أفاض منها بعد طلوع الفجر قبل أن يصلى مع الناس فلا شئ عليه لانه أتى بأصل الوقوف في وقته ولكنه مسئ فيما صنع لتركه امتداد الوقوف (قال) فان مر بالمشعر الحرام مرا بعد طلوع الفجر فلا شئ عليه لان وقوفه تأدى بهذا المقدار وكذا ان كان مربها نائما أو مغمي عليه فلم يقف مع الناس حتى أفاضوا لان حصوله في موضع الوقوف في وقته يكون بمنزلة وقوفه وقد بينا هذا في الوقوف بعرفة فكذلك في الوقوف بالمشعر الحرام وان لم يبت بالمزدلفة ليلة النحر بأن نام في الطريق فلا شئ عليه

[ 64 ] لان البيتوتة بالمزدلفة ليست بنسك مقصود ولكن المقصود الوقوف بالمشعر الحرام بعد طلوع الفجر وقد أتى بما هو المقصود فلا يلزمه بترك ما ليس بمقصود شئ كما بينا في ترك البيتوتة بها في ليالى الرمى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب باب رمى الجمار (قال) رضى الله تعالى عنه ويبدأ إذا وافي منى برمى جمرة العقبة ثم بالذبح ان كان قارنا أو متمتعا ثم بالحلق لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي قال ان أول نسكنا في هذا اليوم أن نرمي ثم نذبح ثم نحلق ولان الذبح والحلق من أسباب التحلل الا ترى أن تحلل المحصر بالذبح فيقدم الرمي عليهما ثم الذبح في معنى التحلل دون الحلق فان الحلق محظور الاحرام والذبح لا فكان الذبح مقدما على الحلق وقد بينا اختلاف العلماء في وقت ابتداء الرمى في هذا اليوم وكذلك يختلفون في آخر وقته ففي ظاهر المذهب وقته إلى غروب الشمس ولكنه لو رمي بالليل لا يلزمه شئ وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى وقته إلى زوال الشمس وما بعد الزوال يكون قضاء وللشافعي رحمه الله تعالى فيه قولان في أحد القولين انما يرمي ذلك إلى غروب الشمس فإذا غربت تعين عليه الفدية بفوات الوقت في هذا الرمى وما عرف الرمى قربة الا بفعل رسول الله في هذا الوقت فيتحقق فواته بفوات الوقت كالوقوف بعرفة وفى القول الآخر يقول يمتد وقته إلى آخر أيام التشريق حتى يأتي بما ترك من الرمى في أخر أيام التشريق ولا شئ عليه لان الرمى كله في حكم نسك واحد وان اختلف مكانه وزمانه فلا يتحقق الفوات فيه الا بفوات وقته وذلك بمضي آخر أيام التشريق وقاس بالتكبيرات فان من ترك شيئا من الصلوات في هذه الايام يقضيها بالتكبيرات إلى آخر أيام التشريق وحجتنا في ذلك أن وقت رمى جمرة العقبة يوم النحر بالنص قال ان أول نسكنا في هذا اليوم وذهاب تمام اليوم بغروب الشمس الا أن أبا يوسف رحمه الله تعالى يقيس الرمى في هذا اليوم بالرمي في اليوم الثاني فيقول كما ان في اليوم الثاني وقت الرمى نصف اليوم وهو ما بعد الزوال فكذا في هذا اليوم وقت الرمي نصف اليوم وذلك إلى زوال الشمس إلا أنه إذا رمى بالليل لم يغرم شيئا لان رسول الله رخص للرعاة ان يرموا ليلا ولان اليوم لما كان وقتا للرمي فالليل يتبعه في

[ 65 ] ذلك كليلة النحر تجعل تبعا ليوم عرفة في حكم الوقوف فان لم يرمها حتى يصبح من الغد رماها لبقاء وقت جنس الرمى ولكن عليه دم للتأخير في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولادم عليه عندهما وهو نظير ما بينا في تأخير طواف الزيارة عن أيام النحر فابو حنيفة رحمه الله تعالى هنا جعل تأخير الرمى عن وقته بمنزلة تركه ورمى جمرة العقبة يوم النحر نسك تام فكما ان تركه يوجب الدم فكذلك تأخيره عن وقته وكذلك إن ترك الاكثر منها لان الاكثر بمنزلة الكل وان ترك منها حصاة أو حصاتين أو ثلاثا إلى الغد رماها وتصدق لكل حصاة بنصف صاع من حنطة على مسكين الا أن يبلغ دما فحينئذ ينقص منه ما شاء لان المتروك أقل فتكفيه الصدقة وقد بينا نظيره في تأخير طواف الزيارة وان ترك رمى احدى الجمار في اليوم الثاني فعليه صدقة لان رمى الجمار الثلاث في اليوم الثاني نسك واحد فإذا ترك أحدها كان المتروك أقل فتكفيه الصدقة الا أن المتروك أكثر من النصف فحينئذ يلزمه الدم وجعل ترك الاكثر كترك الكل (قال) وان ترك الرمى كله في سائر الايام إلى آخر أيام الرمى رماها على التأليف لان وقت الرمى باق فعليه ان يتدارك المتروك ما بقى وقته كالاضحية إذا أخرها إلى آخر أيام النحر وعليه دم للتأخير في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولادم عليه في قولهما فان تركها حتى غابت الشمس من آخر أيام الرمى سقط عنه الرمي بفوات الوقت لان معنى القربة في الرمى غير معقول وانما عرفناه قربة بفعل رسول الله وهو انما رمي في هذه الايام فلا يكون الرمى قربة بعد مضى وقتها كما لا يكون اراقة الدم قربة بعد مضى أيام النحر وإذا لم يكن قربة كان عبثا فلا يشتغل به وعليه دم واحد عندهم جميعا لان الرمى كله نسك واحد وهو واجب فتركه يوجب الجبر بالدم كما هو مذهبنا في ترك السعي بين الصفا والمروة ولا يبعد أن يكون ترك البعض موجبا للدم ثم لا يجب بترك الكل الا دم واحد كما ان حلق ربع الرأس في غير أوانه يوجب الدم ثم حلق جميع الرأس لا يوجب الا دما واحدا وقص أظافر يد واحدة يوجب الدم ثم قص الا ظافر كلها لا يوجب الا دما واحدا (قال) وان بدأ في اليوم الثاني بجمرة العقبة فرماها ثم بالوسطى ثم بالتى تلى المسجد ثم ذكر ذلك في يومه قال يعيد على الجمرة الوسطى وجمرة العقبة لانه نسك شرع مرتبا في هذا اليوم فما سبق أوانه لا يعتد به فكان رمى الجمرة الاولى بمنزلة الافتتاح للجمرة الوسطى والوسطى بمنزلة الافتتاح لجمرة العقبة فما أدى قبل وجود مفتاحه لا يكون معتدا به

[ 66 ] كمن سجد قبل الركوع أو سعى قبل الطواف بالبيت فالمعتد من رميه هنا الجمرة الاولى فلهذا يعيد على الوسطى وعلى جمرة القبة (قال) وان رمى من كل جمرة ثلاث حصيات ثم ذكر بعد ذلك فانه يبدأ من الاولى بأربع حصيات ليتمها ثم يعيد على الوسطى بسبع حصيات وكذلك على جمرة العقبة ولا يعتد بما رمى من الوسطى وجمرة العقبة لان ذلك سبق أوانه فانه حصل قبل أن يأتي باكثر الرمى عند الجمرة الاولى فكأنه لم يرم منهما شيئا (قال) وان رمى من كل واحدة بأربع أربع فانه يرمى لكل واحدة بثلاث حصيات لان رمى أكثر الجمرة الاولى بمنزلة كماله في الاعتداد برمى الجمرة الوسطى كما أن أكثر اشواط الطواف ككماله في الاعتداد بالسعي بعده وإذا كان ما رمى من كل جمرة معتدا به فعليه اكمال رمى كل جمرة بثلاث حصيات فان استقبل رميها فهو أفضل لانه أقرب إلى موافقة فعل رسول الله فانه ما اشتغل بالثانية الا بعد اكمال الاولى (قال) وان رمى جمرة العقبة من فوق العقبة أجزأه وقد بينا أن الافضل أن يرميها من بطن الوادي ولكن ما حول ذلك الموضع كله موضع الرمى فإذا رماها من فوق العقبة فقد أقام النسك في موضعه فجاز (قال) وكذلك لو لم يكبر مع كل حصاة أو جعل مكان التكبيرات تسبيحا أجزأه لان المقصود ذكر الله تعالى عند كل حصاة وذلك يحصل بالتسبيح كما يحصل بالتكبير ثم هو من آداب الرمي فتركه لا يوجب شيئا (قال) وان رماها بحجارة أو بطين يابس جاز عندنا وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى الا بالحجر اتباعا لما ورد به الاثر فان فيما لا يعقل المعني فيه انما يحصل الامتثال بعين المنصوص ولكنا نقول المنصوص عليه فعل الرمي وذلك يحصل بالطين كما يحصل بالحجر والاصل فيه فعل الخليل صلوات الله عليه ولم يكن له في الحجر بعينه مقصود انما مقصوده فعل الرمي اما لاعادة الكبش أو لطرد الشيطان على حسب ما اختلف فيه الرواة فقلنا بأى شئ حصل فعل الرمي أجزأه بمنزلة أحجار الاستنجاء فكما يحصل الاستنجاء بالحجر يحصل الاستنجاء بالطين وغيره وبعض المتشفعة يقولون ان رمي بالبعرة أجزأه وان رمى بالفضة أو الذهب أو اللؤلؤ والجواهر لا يجوز لان المقصود اهانة الشيطان وذلك يحصل بالبعر دون الذهب والفضة والجواهر ولسنا نقول بهذا ولكن نقول الرمى بالفضة والذهب يسمى في الناس نثارا لا رميا والواجب عليه الرمي فعليه أن يرمي بكل ما يسمى به راميا (قال) فان رمى إحدى

[ 67 ] الجمار بسبع حصيات جملة فهذه واحدة لان المنصوص عليه تفرق الاعمال لا عين الحصيات فإذا أتى بفعل واحد لا يكون الا عن حصاة واحدة كما لو أطعم كفارة اليمين مسكينا واحدا مكان اطعام عشرة مساكين جملة لم يجزه الا عن طعام مسكين واحد (قال) وان رماها بأكثر من سبع حصيات لم تضره تلك الزيادة لانه أتى بما هو الواجب عليه فلا يضره الزيادة عليه بعد ذلك (قال) وان نقص حصاة لا يدرى من ايتهن نقصها اعاد على كل واحدة منهن حصاة واحدة أخذا بالاحتياط في باب العبادة كما لو ترك سجدة من صلاة من الصلوات الخمس ولا يدرى من أيها ترك فعليه قضاء الصلوات الخمس (قال) وان قام عند الجمرة ووضع الحصاة عندها وضعا لم يجزه لان الواجب عليه فعل الرمى والواضع غير رام وان طرحها طرحا اجزأه وقد أساء لان الطارح رام الا أن الرمي تارة يكون امامه وتارة يكون عند قدميه بالطرح ولكنه مسئ لمخالفة فعل رسول الله وصفا (قال) فان رماها من بعيد فلم تقع الحصاة عند الجمرة فان وقعت قريبا منها أجزأه لان هذا القدر مما لا يتأتي التحرز عنه خصوصا عند كثرة الزحام وان وقعت بعيدا منها لم يجزه لان الرمى قربة في مكان مخصوص ففى غير ذلك المكان لا يكون قربة (قال) وان رماها بحصاة أخذها من عند الجمرة أجزأه وقد أساء لان ما عند الجمرة من الحصى مردود فيتشاءم به ولا يتبرك به وبيانه في حديث سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس رضى الله عنه ما بال الجمار ترمى من وقت الخليل صلاة الله عليه ولم تصر هضابا تسد الافق فقال اما علمت ان من يقبل حجه رفع حصاه ومن لم يقبل حجه ترك حصاه حتى قال مجاهد لما سمعت هذا من ابن عباس رضى الله عنه جعلت على حصياتي علامة ثم توسطت الجمرة فرميت من كل جانب ثم طلبت فلم أجد بتلك العلامة شيئا من الحصا فهذا معنى قولنا ان ما بقى في موضع الرمى مردود ولكن مع هذا يجزئه لوجود فعل الرمي ومالك رحمه الله تعالى يقول لا يجزئه وهذا عجب من مذهبه فانه يجوز التوضوء بالماء المستعمل ولا يجوز الرمى بما قد رمي به من الاحجار ومعلوم ان فعل الرمى لا يغير صفة الحجارة (قال) فان لم يقم عند الجمرتين اللتين يقوم الناس عندهما لم يلزمه شئ لان القيام عند الجمرتين سنة فتركه لا يوجب الا الاساءة (قال) وان كان أقام أيام منى بمكة غير انه يأتي مني في كل يوم فيرمى الجمار فقد أساء ولا شئ عليه لانه ما ترك الا السنة وهي البيتوتة بمنى في ليالى الرمى وقد

[ 68 ] بينا ان العباس رضى الله عنه استأذن رسول الله في ذلك لاجل السقاية فأذن له فدل انه ليس بواجب (قال) فان رمى جمرة العقبة يوم النحر بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس أجزأه قال بلغنا ذلك عن عطاء رحمه الله تعالى والمروى عنه انه قال يجعل منى عن يمينه والكعبة عن يساره ويرمى جمرة العقبة بسبع حصيات والافضل ان يرميها بعد طلوع الشمس وان رماها قبل طلوع الشمس أجزأه وان رماها في اليوم الثاني من أيام النحر قبل الزوال لم يجزه لان وقت الرمي في هذا اليوم بعد لزوال عرف بفعل رسول الله فلا يجزئه قبله وذكر الحاكم الشهيد رحمه الله تعالى في المنتقى ان ما قبل الزوال يوم النحر وقت الرمى حتى لو رمي أجزأه (قال) وكذلك في اليوم الثالث من يوم النحر وهو اليوم الثاني من أيام التشريق وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى ان كان من قصده ان يتعجل النفر الاول فلا بأس بان يرمى في اليوم الثالث قبل الزوال وان رمى بعد الزوال فهو أفضل وان لم يكن ذلك من قصده لا يجزئه الرمى الا بعد الزوال لانه إذا كان من قصده التعجيل فربما يلحقه بعض الحرج في تأخير الرمى إلى ما بعد الزوال بان لا يصل إلى مكة الا بالليل فهو محتاج إلى ان يرمى قبل الزوال ليصل إلى مكة بالنهار فيرى موضع نزوله فيرخص له في ذلك والافضل ما هو العزيمة وهو الرمى بعد الزوال وفي ظاهر الرواية يقول هذا اليوم نظير اليوم الثاني فان النبي رمى فيه بعد الزوال فلا يجزئه الرمي فيه قبل الزوال (قال) فان رمى في اليوم الثالث يخير بين النفر وبين المقام إلى ان يرمى في اليوم الرابع لقوله تعالى فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه وخياره هذا يمتد إلى طلوع الفجر من اليوم الرابع عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى إلى غروب الشمس من اليوم الثالث لان المنصوص عليه الخيار في اليوم وامتداد اليوم إلى غروب الشمس ولكنا نقول الليل ليس بوقت لرمي اليوم الرابع فيكون خياره في النفر باقيا قبل غروب الشمس من اليوم الثالث بخلاف ما بعد طلوع الفجر من اليوم الرابع فانه وقت الرمي على ما نبينه ان شاء الله تعالى فلا يبقى خياره بعد ذلك وقد بينا ان الليالى هنا تابعة للايام الماضية فكما كان خياره ثابتا في اليوم الثالث فكذلك في الليلة التى بعده (قال) وان صبر إلى اليوم الرابع جاز له أن يرمى الجمار فيه قبل الزوال استحسانا في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعلى قولهما لا يجزئه بمنزلة اليوم الثاني والثالث لانه يوم ترمي فيه الجمار

[ 69 ] الثلاث فلا يجوز الا بعد الزوال بخلاف يوم النحر وأبو حنيفة احتج بحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنه إذا انتفح النهار في آخر أيام التشريق فارموا يقال انتفح النهار إذ علا واعتبر آخر الأيام بأول الايام فكما يجوز الرمى في اليوم الاول قبل زوال الشمس فكذا في اليوم الآخر وهذا لان الرمى في اليوم الرابع يجوز تركه أصلا فمن هذا الوجه يشبه النوافل والتوقيت في النفل لا يكون عزيمة فلهذا جوز الرمي فيه قبل الزوال ليصل إلى مكة قبل الليل (قال) وأحب إلى أن يرمي الجمار مثل حصاة الحذف هكذا علم رسول الله أصحابه فانه جعل طرف احدى سبابتيه عند الاخرى فرمى بمثل حصى الحذف وقال هكذا فارموا وان رمى بأكبر من ذلك أجزأه ولكن لا ينبغى أن يرمي الكبار من الاحجار لانه ربما يصيب أحدا فيتأذى به وقال عليكم بحصى الحذف واياكم والغلو في الدين فانما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين (قال) وليس في القيام عند الجمرتين دعاء مؤقت لما بينا ان التوقيت في الدعاء يذهب برقة القلب ويرفع يديه عندهما حذاء منكبيه للحديث لا ترفع الايدى الا في سبع مواطن وفى المقامين عند الجمرتين (قال) والرجل والمرأة في رمى الجمار سواء كما في سائر المناسك وان رماها راكبا أجزأه لحديث جابر رضى الله عنه ان النبي رمى الجمار راكبا وقد بينا ما هو المختار عند كل جمرة (قال) وقد بينا ما هو المختار عند كل جمرة (قال) والمريض الذى لا يستطيع رمى الجمار يوضع الحصى في كفه حتى يرمى به لانه فيما يعجز عنه يستعين بغيره وان رمى عنه أجزأه بمنزلة المغمى عليه فان النيابة تجرى في النسك كما في الذبح (قال) والصبى الذى يحج به أبوه يقضى المناسك ويرمى الجمار لانه يأتي به للتخلق حتى يتيسر له بعد البلوغ فيؤمر به بمثل ما يؤمر به البالغ وان ترك الرمى لم يكن عليه شئ وكذلك المجنون يحرم عنه أبوه لان فعلهما للتخلق فلا يكون واجبا إذ ليس للاب عليهما ولاية الايجاب فيما لا منفعة لهما فيه عاجلا ولهذا لا يجب الدم بترك الرمي عليهما وهو معتبر بالكفارات لا يجب شئ منها على الصبى والمجنون عندنا والاصل في جواز الرمي هكذا ما روى عن رسول الله ان امرأة رفعت صبيا من هودجها إليه فقالت ألهذا حج فقال نعم ولك أجره فدل ذلك على انه يجوز للاب ان يحرم عن ولده الصغير والمجنون بمنزلة الصغير والله أعلم بالصواب

[ 70 ] باب الحلق (قال) رضى الله عنه الحلق أفضل من التقصير لما روينا من الاثر فيه ولان المأمور به بعد الذبح قضاء التفث قال الله تعالى ثم ليقضوا اتفثههم وهو في الحلق اتم والتقصير فيه بعض الحلق فلهذا كان الحلق أفضل والتقصير يجزى وهو ان يأخذ شيئا من أطراف شعره ورواه في الكتاب عن ابن عمر رضى الله عنه انه سئل كم تقصر المرأة فقال مثل هذه يعني مثل الا نملة وهذا لانه لو لم يكن على رأسه من الشعر إلا ذلك القدر كان يتم تحلله بأخذه فكذلك إذا كان على رأسه من الشعر أكثر من ذلك يتم تحلله بأخذ ذلك المقدار والتقصير قائم مقام الحلق في حكم التحلل فإذا فعل ذلك في أحد جانبي رأسه أجزأه بمنزلة مالو حلق نصف رأسه وكذلك ان فعله في أقل من النصف وكان بقدر الثلث أو الربع فكذلك يجزئه لان كل حكم تعلق بالرأس فالربع منه ينزل منزلة الكمال كالمسح بالرأس ولكنه مسئ في الاكتفاء بهذا المقدار لان النبي حلق جميع رأسه وأمرنا بالاقتداء به فما كان أقرب إلى موافقة فعله فهو أفضل ولانه انما يفعل هذا ضنة منه بشعره وفيما هو نسك تكره الضنة فيه بالمال والنفس فكيف بالشعر (قال) وإذا جاء يوم النحر وليس على رأسه شعر أجرى الموسى على رأسه تشبها بمن يحلق لانه وسع مثله والتكليف بحسب الوسع الا ترى ان الاخرس يؤمر بتحريك الشفتين عند التكبير والقراءة في الصلاة فينزل ذلك منه منزلة قراءة الناطق فهذا مثله (قال) وان حلق رأسه بالنورة أجزأه لان قضاء التفث فيه يحصل والموسى أحب إلى لانه أقرب إلى موافقة فعل رسول الله (قال) وأكره له ان يؤخر الحلق حتى تذهب أيام النحر والحاصل ان عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى الحلق للتحلل في الحج مؤقت بالزمان وهو أيام النحر وبالمكان وهو الحرم وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لا يتوقف بالزمان ولا بالمكان وعند محمد رحمه الله تعالى يتوقت بالمكان دون الزمان وعند زفر رحمه الله تعالى يتوقت بالزمان دون المكان فزفر رحمه الله تعالى يقول التحلل عن الاحرام معتبر بابتداء الاحرام وابتداء الاحرام مؤقت بالزمان غير مؤقت بالمكان حتى يكره له ان يحرم بالحج في غير أشهر الحج ولا يكره له ان يحرم بالحج في أي مكان شاء قبل ان يصل إلى الميقات فكذلك التحلل عنه بالحلق

[ 71 ] يتوقت من حيث الزمان دون المكان حتى إذا أخره عن أيام النحر يلزمه الدم وإذا خرج من الحرم ثم حلق لا يلزمه شئ وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ما كان للتحلل في الحج يتوقت بالزمان والمكان جميعا كالطواف الذى يتم به التحلل لا يكون الا في المسجد ويتوقت بايام النحر فكما انه لو أخر الطواف عن وقته يلزمه دم عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فكذلك إذا أخر الحلق عن وقته وعلى هذا كان ينبغي ان لا يعتد بحلقه خارج الحرم كما لا يعتد بطوافه ولكن جعلناه معتدا به لان محل فعله الرأس دون الحرم فيحصل به التحلل ولكنه جان بتأخيره عن مكانه فيلزمه دم بالتأخير عن المكان كما يلزمه بتأخيره عن وقته وهذا لان الحلق لا يعقل فيه معنى القربة وانما عرفناه قربه بفعل رسول الله وهو ما حلق للحج الا في الحرم يوم النحر فما وجد بهذه الصفة يكون قربة وما خالف هذا لا يتحقق فيه معنى القربة فيلزمه الجبر فيه بالدم وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى الحلق الذى هو نسك في أوانه بمنزلة الحلق الذى هو جناية قبل أوانه فكما ان ذلك لا يختص بزمان ولا مكان فكذلك هذا لا يختص بزمان ولا مكان لانه لو اختص بزمان ومكان لم يكن معتدا به في غير ذلك المكان ولا في غير ذلك الزمان كالوقوف بعرفة فسواء أخره عن أيام النحر أو خرج من الحرم فحلق لا يلزمه شئ ومحمد رحمه الله تعالى يقول تعلق المناسك بالمكان آكد من تعلقها بالزمان الا ترى ان الطواف المختص بمكان لا يعتد به في غير ذلك المكان والمؤقت من الطواف بزمان يكون معتدا به في غير ذلك الزمان فعرفنا ان تعلقه بالمكان أشد فالحلق الذى هو مختص بالحرم بفعل النبي إذا أتى به خارج الحرم يتمكن فيه النقصان فيلزمه الجبر بالدم وبتأخيره عن أيام النحر لا يتمكن فيه كثير نقصان فلا يلزمه الجبر بالدم فأما في العمرة فلا يتوقت الحلق بزمان حتى لو أخر الحلق فيه شهرا لا يلزمه شئ لان أصل العمرة لا يتوقت بالزمان وما هو الركن وهو الطواف فيه أيضا لا يتوقت من حيث الزمان فكذلك الحلق فيه لا يتوقت بخلاف الحج ولكنه يتوقت بالحرم حتى لو حلق للعمرة خارج الحرم فعليه دم عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى كما في الحج وعند أبى يوسف رحمه الله لا شى ء عليه (قال) وليس على المحصر حلق إذا حل وان حلق أو قصر فحسن وهذا قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى أرى عليه الحلق وان لم يفعل فلا شئ عليه واحتج أبو يوسف رحمه الله تعالى بالحديث فان النبي

[ 72 ] أحصر بالحديبية مع أصحابه فأمرهم بالحلق بعد بلوغ الهدايا محلها وكره لهم تأخير ذلك حتى ذكر ذلك لام سلمة رضى الله عنها فقالت ابدأ بنفسك يا رسول الله فانهم يظنون أن في نفسك رجاء الوصول إلى البيت للحال فحلق رسول الله رأسه فلما رأوا ذلك منه بادروا إلى الحلق ولانه لو لم يحصر لكان يتحلل بالحلق عند أداء الاعمال فكذلك بعد الاحصار ينبغى أن يتحلل بالحلق لقدرته على أن يأتي به وان عجز عن سائر الافعال وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى قالا الحلق انما يكون نسكا بعد أداء الافعال فأما قبل أداء الافعال فهو جناية فإذا تحقق عجزه عن ترتيب الحلق على سائر الافعال لا يلزمه أن يأتي به وانما تحلله بالهدى هنا والدليل عليه أن الله تعالى نهى المحصر عن الحلق حتى يبلغ الهدى محله بقوله تعالى ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدى محله فذلك دليل الاباحة بعد بلوغ الهدى محله لا دليل الوجوب فأما حلق رسول الله بالحديبية فقد ذكر أبو بكر الرازي ان عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى انما لا يحلق المحصر إذا أحصر في الحل أما إذا أحصر في الحرم يحلق لان الحلق عندهما مؤقت بالحرم ورسول الله انما كان محصرا بالحديبية وبعض الحديبية من الحرم على ما روى ان مضارب رسول الله كانت في الحل ومصلاه في الحرم فانما حلق في الحرم وبه نقول على أن رسول الله انما أمرهم بالحلق ليحقق به عزمهم على الانصراف ويأمن المشركون من جانبهم ولا يشتغلون بمكيدة أخرى بعد الصلح (قال) وليس على الحاج إذا قصر أن يأخذ شيئا من لحيته أو شاربه أو أظفاره أو يتنور لان التقصير قائم مقام الحلق ولو أراد الحلق لم يكن عليه ذلك في لحيته ولا في شاربه فكذلك التقصير وان فعل لم يضره لانه جاء أوان التحلل وهذا كله مما يحصل به التحلل لانه من جملة قضاء التفث (قال) وان حلق المحرم رأس حلال تصدق بشئ عندنا. وقال الشافعي رضى الله عنه لا شئ عليه لان المحرم ممنوع عن ازالة ما ينمو من البدن عن نفسه لما فيه من معنى الراحة والزينة له ولا يحصل شئ من ذلك بحلق رأس الحلال فلا يلزمه به شئ ألا ترى أن الحلال لو حلق بنفسه لم يلزمه شئ ولكنا نقول ان ازالة ما ينمو من بدن الآدمى من محظورات الاحرام فيكون المحرم ممنوعا عن مباشرة ذلك من بدن غيره كما يكون ممنوعا من مباشرته في نفسه بمنزلة قتل الصيد فانه جان في قتل صيد غيره كما يكون جانيا

[ 73 ] في قتل صيد نفسه الا أن كمال جنايته بانضمام معنى الراحة والزينة إلى فعله فإذا فعل ذلك في نفسه تكاملت جنايته فلزمه الدم وإذا فعله بغيره لا تتكامل فتكفيه الصدقة (قال) وإذا حلق المحرم رأس محرم آخر فان فعله بأمره فعلى المحلوق دم لان فعل الغير بأمره كفعله بنفسه ومعنى الراحة والزينة له متحقق فيلزمه دم وعلى الحالق رأسه صدقة لما بينا أنه جان في أصل فعله وان حلق بغير أمره بأن كان المحرم نائما فجاء وحلق رأسه أو أكرهه على ذلك فعلى المحلوق رأسه دم عندنا ولا شئ عليه عند الشافعي رحمه الله تعالى بناء على أصله ان الاكراه يخرج المكره من أن يكون مؤاخذا بحكم الفعل والنوم ابلغ من الاكراه لان الاكراه يفسد قصده وبالنوم ينعدم القصد أصلا وعندنا بسبب الاكراه والنوم ينتفي عنه الاثم ولكن لا ينتفى حكم الفعل إذا تقرر سببه والسبب هنا ما نال من الراحة والزينة بازالة التفث عن بدنه وذلك حصل له فيلزمه الدم ولا يتخير هنا بين أجناس الكفارات الثلاث بخلاف المضطر لان هناك العذر سماوي وجد ممن له الحق وهنا العذر كان بسبب وجد من جهة اعباد فيؤثر في اسقاط الذنب ولا يخرج به الدم من أن يكون متعينا عليه ثم لا يرجع المحلوق رأسه بهذا الدم على الحالق وقال بعض العلماء يرجع به لانه هو الذى أوقعه في هذه العهدة والزمه هذا الغرم ولكنا نقول انما لزمه ذلك لمعنى الراحة والزينة وهو حاصل له فلا يرجع به على غيره كما لا يرجع المغرور بالعقر لانه بمقابلة اللذة الحاصلة له بالوطئ والجواب في قص الاظفار هنا كالجواب في الحلق (قال) وإذا أخذ المحرم من شاربه أو من رأسه شيئا أو مس من لحيته فانتثر منها شعر فعليه في ذلك كله صدقة لوجود أصل الجناية بما أزاله من بدنه ولكن لم تتم جنايته حين فعله لانه لم يكن مقصودا لتحصيل الراحة والزينة فتكفيه الصدقة (قال) وان أخذ ثلث رأسه أو ثلث لحيته فعليه دم ولم يذكر الربع في الكتاب والجواب في الربع كذلك لما بينا ان ما يتعلق بالرأس فالربع فيه بمنزلة الكمال كما في الحلق عند التحلل وهذا لان حلق بعض الرأس لمعنى الراحة والزينة معتاد فان الا تراك يحلقون أوساط رؤسهم وبعض العلوية يحلقون نواصيهم لابتغاء الراحة والزينة فتتكامل الجناية بهذا المقدار والجناية المتكاملة توجب الجبر بالدم ثم الاصل بعد هذا أنه متى حلق عضوا مقصودا بالحلق من بدنه قبل أوان التحلل فعليه دم وان حلق ما ليس بمقصود فعليه الصدقة ومما ليس بمقصود حلق شعر الصدر أو الساق ومما هو مقصود حلق الرأس أو الابطين

[ 74 ] فان حلق أحدهما أو نتف أو طلى بنورة فعليه الدم أيضا لان كل واحد منهما مقصود بالحلق لمعنى الراحة وفيما ذكر إشارة إلى أن السنة في الابطين النتف دون الحلق فانه قال نتف ابطيه أو أحدهما ولم يذكر الحلق فان حلق موضع المحاجم فعليه دم في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفى قولهما عليه صدقة لان ذلك الموضع غير مقصود بالحلق وانما يحلق للتمكن من الحجامة فهو بمنزلة حلق شعر الصدر والساق وصح في الحديث أن النبي احتجم وهو محرم وما كان يرتكب في احرامه الجناية المتكاملة وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول انه حلق مقصود لانه لا يتوصل إلى المقصود الا به وما لا يتوصل إلى المقصود إلا به يكون مقصودا فتتكامل الجناية ولم ينقل أن النبي حلق موضع المحاجم انما نقل عنه الحجامة وليس من ضرورته الحلق فان الحجام إذا كان حاذقا يشرط طولا فلا يحتاج إلى الحلق وكذلك إذا لم يكن المحجوم أشعر البدن ولم ينقل في صفة رسول الله أنه أشعر البدن والدليل عليه أنه كان يتحرز عن الجناية الموجبة للصدقة كما كان يتحرز عن الجناية الموجبة للدم وعندهما هذه الجناية موجبة للصدقة (قال) فان حلق الرقبة كلها فعليه دم لانه حلق مقصود للراحة والزينة فان العلوية يفعلون ذلك ولم يذكر في الكتاب ما إذا حلق شاربه انما ذكر إذا أخذ من شاربه فعليه الصدقة فمن أصحابنا من يقول إذا حلق شاربه يلزمه الدم لانه مقصود بالحلق يفعله الصوفية وغيرهم والاصح أنه أنه لا يلزمه الدم لانه طرف من أطراف اللحية وهو مع اللحية كعضو واحد وان كانت السنة قص الشارب واعفاء اللحى وإذا كان الكل عضوا واحدا لا يجب بما دون الربع منه الدم والشارب دون الربع من اللحية فتكفيه الصدقة في حلقه (قال) وعلى القارن في ذلك كله كفارتان لانه محرم باحرامين ففعله جناية على كل واحد منهما فيلزمه جزاآن عندنا على ما نبينه في باب جزاء الصيد ان شاء الله تعالى (قال) وان أصاب المحرم أذى في رأسه فحلق قبل يوم النحر فعليه أي الكفارات الثلاث شاء والاصل فيه حديث كعب ابن عجرة رضى الله عنه قال مربى رسول الله والقمل يتهافت على وجهى وأنا أوقد تحت قدر لى فقال أتؤذيك هو ام رأسك فقلت نعم فانزل الله عزوجل قوله ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فقلت ما الصيام يا رسول الله فقال ثلاثة أيام فقلت وما الصدقة قال ثلاثة آصع من حنطة على ستة مساكين فقلت وما النسك قال شاة وفي الاية دليل

[ 75 ] على أنه يتخير بين هذه الاشياء الثلاثة لانها ذكرت بحرف أو وذلك يوجب التخيير كما في كفارة اليمين ولو لم يرد النص عن رسول الله بتقدير الصوم بثلاثة أيام لكنا نقدره بستة أيام لانه لما تقدر الطعام بطعام ستة مساكين وصوم يوم بمنزلة طعام مسكين فينبغي أن يلزمه صوم ستة أيام ولكن ثبت ببيان رسول الله أن الصوم ثلاثة أيام فسقط اعتبار كل قياس بمقابلته وكذلك الجواب في كل ما اضطر إليه مما لو فعله غير مضطر لزمه الدم فإذا فعله المضطر فعليه أي الكفارات الثلاث شاء لانه في معنى المنصوص عليه من كل وجه فيكون ملحقا به فان اختار الصيام يصوم في أي موضع شاء من الحرم أو غير الحرم لان الصوم عبادة في كل مكان وان اختار الطعام يجزئه ذلك أيضا في الحرم أو غير الحرم عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يجزئه ذلك الا في الحرم لان المقصود به رفق فقراء الحرم ووصول المنفعة إليهم ولكنا نقول التصدق بالطعام قربة في أي مكان كان فهو بمنزلة الصيام وان اختار النسك كان مختصا بالحرم بالاتفاق لان اراقة الدم لا تكون قربة الا في وقت مخصوص وهو أيام النحر أو مكان مخصوص وهو الحرم وهذا الدم غير مؤقت بالزمان فيكون مختصا بالمكان وهو الحرم ليتحقق معنى القربة فيه فيكون كفارة لفعله قال الله تعالى ان الحسنات يذهبن السيآت ولان الله تعالى قال في جزاء الصيد هديا بالغ الكعبة وذلك واجب بطريق الكفارة فصار أصلا في كل هدى وجب بطريق الكفارة في اختصاصه بالحرم ولانه بعد ذكر الهدايا قال ثم محلها إلى البيت العتيق والمراد به الحرم ومعلوم أنه ليس المراد من الاختصاص بالحرم عين اراقة الدم لان فيه تلويث الحرم انما المقصود التصدق باللحم بعد الذبح فعليه أن يتصدق بلحمه وكذلك كل دم وجب عليه بطريق الكفارة في شئ من أمر الحج أو العمرة فانه لا يجزئه ذبحه الا في الحرم وعليه التصدق بلحمه بعد الذبح على فقراء الحرم وان تصدق على غيرهم من الفقراء أجزأه عندنا لان الصدقة على كل فقير قربة (قال) وان سرق المذبوح لم يكن عليه شئ لان بالذبح قد بلغ محله ووجوب التصدق كان متعلقا بالعين فيسقط بهلاك العين كما إذا هلك مال الزكاة سقطت عنه الزكاة (قال) وان سرق قبل الذبح فعليه بدله لانه ما بلغ محله بعد وهو نظير الاضحية الواجبة إذا سرقت قبل الذبح فعلى صاحبها مثلها ولا خلاف أن دماء الكفارات لا يختص بيوم النحر وان دم المتعة والقران مختص بيوم النحر لانه نسك يباح التناول منه كالاضحية وهو من أسباب التحلل في أوانه كالحلق فاما

[ 76 ] دم الاحصار لا يتوقت بيوم النحر عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعلى قولهما يختص بيوم النحر لانه مشروع للتحلل فكان بمنزلة دم المتعة والقران وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول انه في معنى دماء الكفارات بدليل انه لا يباح التناول منه الا للفقراء بخلاف دم المتعة والقران فانه يباح التناول منه للاغنياء ثم وجوب هذا الدم للتحلل قبل أوانه فان أوان التحلل ما بعد أداء الافعال والمحصر يتحلل قبل أداء الافعال فكان في فعله معنى الجناية وان أبيح له ذلك للعذر فالدم الواجب عليه يكون كفارة لا يتوقت بيوم النحر كالدم في حق من كان برأسه أذى فاما التطوعات من الدماء يجوز ذبحها قبل يوم النحر وذبحها في يوم النحر أفضل لان التطوعات هذايا والواجب في الهدايا تبليغها إلى الحرم فإذا وجد ذلك يجوز ذبحها في غير أيام النحر وفى أيام النحر أفضل لان معنى القربة في اراقة الدم في هذه الايام أظهر (قال) ويباح التناول من هدى المتعة والقران والتطوع بمنزلة الاضحية والجواب في الاضحية معلوم وهو ان الواجب يتأدى باراقة الدم فانه يباح التناول منه للمضحى ولمن شاء المضحي من غنى أو فقير فان أكل المضحي كلها لم يكن عليه شئ والافضل له ان يتصدق بالثلث ويأكل الثلثين فكذلك فيما هو في معنى الاضحية من الهدايا الا ترى ان النبي تناول من هداياه حتى أمر ان يؤخذ من كل بدنة قطعة فتطبخ له ولو كان الواجب التصدق بها على الفقراء لما أكل رسول الله منها شيئا فكما يباح له تناول لحوم هذه الهدايا يباح له الانتفاع بجلودها أيضا ولا ينتفع بجلود غيرها من دماء الكفارات بل يتصدق بذلك كله كما يتصدق بلحمها هكذا قال رسول الله لناجية حين بعث بالهدايا على يديه وقال تصدق بجلالها وخطمها فذلك دليل على وجوب التصدق بجلودها بطريق الاولى (قال) ولا يعطى أجرة الجزاء منها ولامن غيرها شيئا لان ما يأخذه الجزار انما يأخذه عوضا عن عمله فيكون ذلك بمنزلة البيع (قال) ولا ينبغى له أن يبيع شيئا من لحوم الهدايا بثمن لانها صارت لله تعالى خالصا فلا ينبغي له أن يشتغل بالتجارة فيها ولولا الاذن من قبل من له الحق لما أبيح له تناول بعضها وليس من ضرورة الاذن في التناول الاذن في التجارة والمنصوص عليه الاذن في التناول بقوله تعالى فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير (قال) وإذا باع شيئا من لحمهما بثمن أو أعطى الجزار أجرة عمله من اللحم فعليه أن يتصدق بقيمة ذلك لانه مناف حق الفقراء في ذلك القدر بصرفه إلى

[ 77 ] قضاء ما هو مستحق عليه أو بتحصيل عوضه لنفسه وهو الثمن فيلزمه التصدق بقيمته كمن قضى بنصاب الزكاة دينا عليه (قال) وإذا لم يبق على المحرم غير التقصير فبدأ بقص أظفاره فعليه كفارة ذلك لان احرامه باق ما لم يحلق أو يقصر ففعله في قص الاظفار يكون جناية على الاحرام وعلى قول الشافعي لا يلزمه شئ بناء على مذهبه أن تحلل الحاج يكون بالرمي فقص الاظفار بعد الرمي لا يكون جناية منه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب باب كفارة قص الاظفار (قال) رضى الله عنه وإذا قص المحرم اظفار يديه ورجليه فعليه دم عندنا وقال عطاء رضى الله عنه لا شئ عليه لان قص الاظفار من الفطرة ولم يصح حديث في النهى عنه بسبب الاحرام فكان نظير الختان ولا بأس بالختان في الاحرام فكذلك قص الاظفار ومذهبنا مروى عن ابن عباس رضى الله عنه ولان قص الاظفار من قضاء التفث فانه ازالة ما ينمو من البدن لمعنى الزينة والراحة كحلق الرأس فيكون مؤخرا إلى ما بعد التحلل ومباشرته قبل ذلك جناية على الاحرام فيوجب الجبر بالدم وان قص ظفرا واحدا أو ظفرين فعليه لكل ظفر صدقة الا ان يبلغ دما فينقص عنه ما شاء وعن محمد رحمه الله تعالى قال في كل ظفر خمس الدم لانه لما وجب الدم في قص خمسة أظافر ففي كل ظفر بحساب ذلك ولكنا نقول ان جنايته لم تتكامل لان معنى الراحة والزينة لا يحصل بقص ظفر أو ظفرين والجناية الناقصة في الاحرام توجب الجبر بالصدقة (قال) وان قص ثلاثة أظافر فعليه دم في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الاول استحسانا وهو قول زفر رحمه الله تعالى وفي قوله الآخر وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى عليه لكل ظفر صدقة وجه قوله الاول ان قص أظافر يد واحدة يوجب الدم بالاتفاق والاكثر منها ينزل منزلة الكمال فالثلاث أكثر الاظافر من اليد الواحدة ولكنه رجع عن هذا فقال الدم في الاصل انما يجب بقص أظافر اليدين والرجلين واليد الواحدة ربع ذلك فتعجل بمنزلة الكمال كربع الرأس في الحلق فكان هذا أدنى ما يتعلق به الدم فلا يمكنه ان يقام الاكثر فيه مقام الكمال إذ لو فعل أذى إلى ما لا يتناهى فيقال إذا قص الظفر فقد قص أكثر الثلاثة ثم إذا قص ظفرا ونصفا فقد قص أكثر الظفرين

[ 78 ] ولكن يقال ما كان أدنى المقدار شرعا لا يتعلق بما دونه الحكم المتعلق به (قال) ولو قص خمسة أظافر متفرقة من اليدين والرجلين يلزمه لكل ظفر صدقة في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى يلزمه الدم لان المقصوص خمسة أظافر فلا فرق بين ان يكون من عضو واحد أو عضوين أو من أعضاء متفرقة كما في الحلق لانه لا فرق بين ان يحلق ربع الرأس من جانب واحد أو من جوانب متفرقة في ايجاب الدم وكما في حكم الارش لا فرق في ايجاب دية اليدين بين قطع خمسة أصابع من يد واحدة أو من يدين فهذا مثله وهما يقولان جنايته لم تتكامل لان معنى الزينة والراحة لا يحصل بقص بعض الاظفار من كل عضو لانه لا يحسن في النظر ان يكون بعض الاظافر مقصوصا دون البعض فيزداد به شغل قلبه لا أن ينال به الراحة فإذا لم تتكامل الجناية كان عليه لكل ظفر صدقة حتى قالوا لو قص ستة عشر ظفرا من كل عضو أربعة فعليه لكل ظفر طعام مسكين الا ان يبلغ ذلك دما فحينئذ ينقص منه ما شاء بخلاف الحلق فان تفريق الحلق من جوانب الرأس عادة فيتم به معني الراحة (قال) وإذا انكسر ظفر المحرم فانقطع منه شظية فقلعه لم يكن عليه شئ لان ذلك المنكسر لا ينمو من البدن فقلعه لا يكون جناية بمنزلة ما لو تكسر من شجر الحرم ويبس إذا أخذه انسان لا يجب فيه شئ لانعدام معنى النمو (قال) وان قص الاظافر كلها في مجالس متفرقة فان كان حين قص أظافر يد واحدة كفر ثم قص أظافر يد أخرى فعليه كفارة أخرى لان الجناية الاولى قد ارتفعت بالتكفير ففعله الثاني يكون جناية مبتدأة فيوجب كفارة أخرى وان لم يكفر حتى قص الا ظافر كلها فعليه دم واحد في قول محمد رحمه الله تعالى بمنزلة ما لو قص الاظافر كلها في مجلس واحد لان هذه الجنايات تستند إلى سبب واحد فلا توجب الا كفارة واحدة كما في حلق جميع الرأس لا فرق بين ان يكون في مجالس متفرقة أو في مجلس واحد وهذا لان مبنى الواجب على التداخل وفيما ينبنى على التداخل المجلس الواحد والمجالس المتفرقة فيه سواء كما في كفارة الفطر وكما في الحدود وفى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى عليه أربعة دماء باعتبار كل عضو في مجلس دم لان هذه الافعال في محال مختلفة وكل واحد منها جناية متكاملة فتوجب الدم وكان بمنزلة ما لو حلق في مجلس وقص الاظافر في مجلس آخر وهذا لان كفارات الاحرام يغلب فيها معنى العبادة ولا يجزى التداخل في العبادة الا أنه إذا كان في مجلس واحد فالمقصود واحد والمحال

[ 79 ] مختلفة فرجحنا جانب اتحاد المقصود بسبب اتحاد المجلس وأما إذا اختلف المجالس يترجح جانب اختلاف المحال فيوجب بكل فعل دما بمنزلة من تلا آية السجدة مرارا فان كان في مجلس واحد فعليه سجدة واحدة وان كان في مجالس متفرقة فعليه بكل تلاوة سجدة وبه فارق الحلق فان محل الفعل هناك واحد والمقصود واحد وعلى هذا الاختلاف لو جامع مرة بعد أخرى امرأة واحدة أو نسوة الا أن مشايخنا رحمهم الله تعالى قالوا في الجماع بعد الوقوف في المرة الاولى عليه بدنة وفي المرة الثانية عليه شاة لانه قد دخل فيه نقصان بالجناية الاولى فالجناية الثانية صادفت احراما ناقصا فيجب الدم ويكون قياس الجماع في احرام العمرة وان أصابه أذى في أظفاره حتى قصها فعليه أي الكفارات الثلاث شاء للاصل الذى تقدم بيانه ان ما يكون موجبا للدم إذا فعله لعذر تخير فيه المعذور بين الكفارات الثلاث والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب باب جزاء الصيد (قال) رضى الله عنه محرم دل محرما أو حلالا على صيد فقتله المدلول فعلى الدال الجزاء عندنا استحسانا وفى القياس لا جزاء على الدال وبه أخذ الشافعي رحمه الله تعالى قال لان الجزاء واجب بقتل الصيد بالنص قال الله تعالى ومن قتله منكم متعمدا الآية والدلالة ليست في معنى القتل لان القتل فعل متصل من القاتل بالمقتول فاما الدلالة والاشارة غير متصل بالمحل وهو الصيد والحكم الثابت بالنص لا يجوز إثباته فيما ليس في معنى المنصوص والدليل عليه جزاء صيد الحرم يجب على القاتل الحلال ولا يجب على الدال إذا كان حلالا بالاتفاق للمعنى الذى قلنا والدليل عليه ان حرمة الصيد في حق المحرم لا تكون أقوى من حرمة مال المسلم ونفسه ولا يضمن الدال على مال المسلم ولا على نفسه شيئا بسبب الدلالة فكذلك هنا الا انا تركنا القياس باتفاق الصحابة رضى الله عنهم فان رجلا سأل عمر رضى الله عنه فقال انى أشرت إلى ظبى وانا محرم فتقله صاحبي فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه ماذا ترى عليه فقال أرى عليه شاة فقال عمر رضى الله عنه وانا أرى عليه ذلك وان عليا وابن عباس رضى الله عنهما سئلا عن محرم دل على بيض نعامة فأخذه المدلول عليه فشواه فقالا على الدال جزاؤه والقياس يترك بقول الفقهاء من الصحابة رضى الله عنهم وما

[ 80 ] نقل عنهم في هذا الباب كالمنقول عن رسول الله إذ لا يظن بهم انهم قالوا جزافا والقياس لا يشهد لقولهم حتى يقول قالوا ذلك قياسا فلم يبق الا السماع ثم ثبت باتفاقهم ان الدلالة على الصيد من محظورات الاحرام وذلك ثابت بالنص أيضا فان النبي قال لاصحاب أبى قتادة رضى الله عنهم في صيد أخذه أبو قتادة وكانا محرمين هل أعنتم هل أشرتم هل دللتم فجعل الاشارة كالاعانة فعرفنا انه من محظورات الاحرام وذلك يوجب الجزاء وبه فارق صيد الحرم فان الموجب للحظر هناك معنى في الحل وهو أمن الصيد بسبب الحرم فلا بد من ان يكون فعله متصلا بالمحل حتى يكون جنايته في ازالة الامن عن المحل وهنا الحظر بسبب معنى في الفاعل وهو انه محرم فكان فعله محظور الاحرام وان لم يتصل بالمحل ولهذا كان معنى الجزاء هنا راجحا ومعنى غرامة المحل هناك راجح على ما نبينه ان شاء الله تعالى ثم الاحرام عقد خاص وقد ضمن له ترك التعرض بعقده فإذا تعرض له بالدلالة فقد باشر بخلاف ما التزمه فكان قياس المودع يدل سارقا على سرقة الوديعة بخلاف الدلالة على مال المسلم ونفسه فانه ما التزم ترك التعرض لذلك بعقد خاص ثم الواجب هناك ضمان الحيوان فيكون بمقابلة المحل فيجب على من اتصل فعله بالمحل والدلالة المعتبرة لايجاب الجزاء ان لا يكون المدلول عالما بمكان الصيد فاما إذا كان المدلول عالما به فلا جزاء على الدال لان المدلول ما تمكن من قتله بدلالته وعلى هذا لو أعار المحرم سكينا من غيره ليقتل صيدا فان لم يكن مع ذلك الغير ما يقتل به الصيد فعلى المعير الجزاء وان كان معه ما يقتل به الصيد فلا شئ على المعير لان تمكنه من قتله لم يكن باعارة السكين وانما يجب على الدال الجزاء إذا صدقه المدلول في دلالته فاما إذا كذبه ولم يتبع الصيد بدلالته حتى دله عليه آخر فصدقه وقتل الصيد فالجزاء على الدال الثاني إذا كان محرما دون الاول وكذلك لو أمر المحرم انسانا باخذ الصيد فأمر المأمور به انسانا اخر فالجزاء على الآمر الثاني دون الاول لان المأمور الاول لم يمتثل أمر الآمر فانه أمره بالاخذ دون الامر وانما يجب الجزاء على الدال الاول إذا أخذ المدلول الصيد والدال محرم فاما إذا حل الدال عن احرامه قبل أن يأخذ المدلول الصيد فلا جزاء على الدال لان فعله انما يتم جناية عند زوال معنى النفرة باثبات يد الاخذ عليه فإذا كان الدال عند ذلك حلالا لم يكن أخذ الغير في حقه أكثر تأثيرا من أخذه بنفسه ولو أخذه بنفسه لم يلزمه شئ فكذا إذا أخذه غيره بدلالته (قال) وإذا اشترك رهط محرمون في

[ 81 ] قتل صيد فعلى كل واحد منهم جزاء كامل عندنا وقال الشافعي عليهم جزاء واحد لان من أصله ان المعتبر هو المحل ولهذا قال الدال الذى لم يتصل فعله بالمحل لا يلزمه شئ والمحل هنا واحد فلا يلزمهم الاجزاء واحد وقاس بصيد الحرم فان جماعة من الحلالين إذا اشتركوا في قتل صيد الحرم لا يلزمهم الاجزاء واحد وقاس بحقوق العباد أيضا فان الصيد إذا كان مملوكا لا يجب على الذين قتلوه الا قيمة واحدة لصاحبه كذلك فيما يجب لحق الله تعالى وحجتنا ما بينا ان الواجب على المحرم جزاء فعله وفعل كل واحد من الفاعلين كامل جنى به على احرام كامل فيجعل في حق كل واحد منهم كانه ليس معه غيره كما في كفارة القتل وكما في القصاص الواجب بطريق جزاء الفعل يجعل كل قاتل كالمنفرد به وبه فارق صيد الحرم لان وجوب الضمان هناك باعتبار المحل ويسلك بضمان الصيد مسلك الغرامات ولهذا لا مدخل للصوم فيه وفى اباحة الدم روايتان أيضا فالغرامات تكون واجبة بدلا عن المتلف فإذا كان المتلف واحدا لا يجب الا بدل واحد كالدية فانها لا تتعدد بتعدد القاتلين فاما هذه كفارة تجب بطريق جزاء الفعل والفعل يتعدد بتعدد الفاعلين يوضح الفرق ان المعتبر هنا حرمة الاحرام واحرام زيد غير احرام عمرو وهناك المعتبر حرمة الحرم وهى متحدة في حق الفاعلين فأما ضمان حقوق العباد فوجوبه بطريق الجبران وذلك يتم بايجاب بدل واحد وما يجب لحق الله تعالى لا يكون بطريق الجبر ان لان الله تعالى يتعالى عن أن يلحقه نقصان ليكون ما يجب له جبرانا وعلى هذا الاصل القارن إذا قتل صيدا فعليه جزاآن عندنا وعنده جزاء واحد لان المعتبر عنده اتحاد المحل وعندنا هو الجناية على الاحرام والقارن جان على احرامين وحقيقة المسألة تنبنى على الاصل الذى أشرنا إليه فان عنده يدخل احرام العمرة في احرام الحج ولهذا قال يطوف القارن طوافا واحدا فيدخل أحدهما في الآخر وعندنا لا يدخل أحدهما في الآخر فان القران ينبئ عن الضم والجمع دون التداخل فصار القارن بقتل الصيد جانيا على احرامين فيلزمه جزاآن ثم قال الشافعي رحمه الله تعالى احرام العمرة في حكم التبع لاحرام الحج ولهذا يتحقق الجمع بين النسكين اداء فان الاصلين لا يجتمعان اداء كالحجتين والعمرتين وإذا كان تبعا لا يظهر مع الاصل كحرمة الحرم مع حرمة الاحرام فان لمحرماذا قتل صيدا في الحرم لا يلزمه الا جزاء واحد وقيل ان حرمة الحرم تبع لحرمة الاحرام فلا يظهر تأثيره مع الاحرام ولكنا نقول

[ 82 ] كل واحد من الاحرامين أصل مثل صاحبه لان كل واحد منهما يعم البقاع كلها فلا يكون أحدهما تبعا للآخر بل يعتبر كل واحد منهما في ايجاب موجبه كأنه ليس منه صاحبه كما أن حرمة الجماع بسبب حرمة الصوم وعدم الملك إذا اجتمعا بأن زنى الصائم في رمضان يجب عليه الحد والكفارة جميعا وكذلك حرمة الخمر ثابتة لعينها فيثبت باليمين إذا حلف لا يشربها حرمة أخرى ثم عند الشرب يلزمه الحد والكفارة جميعا وهذا بخلاف حرمة الحرم فانها دون حرمة الاحرام. ألا ترى أنه لا يعم البقاع كلها وانه لا بد من اعتباره في حق المحرم فان المحرم لا يستغنى عن دخول الحرم وإذا كان في حكم التبع لم يعتبر في حق المحرم ولانه لا مقصود هناك سوى وجوب ترك التعرض للصيد وذلك حاصل في حق المحرم باحرامه فلا يزداد بالحرم في حقه فأما هنا العمرة بعقد مقصود يحوى ترك التعرض للصيد فوجب اعتباره في حق المحرم بالحج كما يجب اعتباره في حق غير المحرم بالحج (قال) فان قتل حلالان صيدا في الحرم بضربة واحدة فعلى كل واحد منهما نصف جزاء كامل بخلاف ما إذا ضربه كل واحد منهما ضربة فانه يجب على كل واحد منهما ما تقتضيه ضربته ثم يجب على كل واحد منهما نصف قيمته مضروبا بضربتين لان عند اتحاد فعلهما جميع الصيد صار متلفا بفعلهما فيضمن كل واحد منهما نصف الجزاء وعند اختلاف محل الفعل الجزء الذى تلف بضربة كل واحد منهما كان هو المختص باتلافه فعليه جزاؤه والباقى متلفا بفعلهما فضمانه عليهما وقد قررنا هذا الفرق فيما أمليناه من شرح الجامع (قال) وإذا قتل المحرم صيدا فعليه فعليه قيمة الصيد في الموضع الذى قتله فيه ان كان الصيد يباع ويشترى في ذلك الموضع والا ففي أقرب المواضع من ذلك الموضع مما يباع ذلك الصيد ويشتري في ذلك الموضع مما له نظير من النعم أولا نظير له في قول أبى حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد والشافعي رحمهما الله تعالى فيما له نظير ينظر إلى نظيره من النعم الذي يشبهه في المنظر لا إلى القيمة حتى يجب في النعامة بدنة وفي حمار الوحش بقرة وفى الظبي شاة وفى الارنب عناق وفى اليربوع جفرة. وقال الشافعي رحمه الله تعالى في الحمامة شاة وهو قول ابن أبى ليلى وزعم أن بينهما مشابهة من حيث ان كل واحد منهما يعب ويهدر وفيما لا نظير له تعتبر القيمة واحتجا في ذلك بقوله تعالى فجزاء مثل ما قتل من النعم وحقيقة المثل ما يماثل الشئ صورة ومعنى ولا يجوز العدول عن الحقيقة إلى المجاز الا عند تعذر العمل بالحقيقة والنظير مثل صورة ومعنى

[ 83 ] والقيمة مثل معنى لا صورة وفى قوله من النعم تنصيص على ان المعتبر هو المثل صورة وعلى هذا اتفقت الصحابة رضى الله تعالى عنهم نقل ذلك عن على عمر وعبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنهم انهم أوجبوا ما سمينا من النظائر وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى أخذ بقول ابن عباس رضى الله تعالى عنه فانه فسر المثل بالقيمة والمعنى الفقهى يشهد له فان الحيوان لا مثل له من جنسه ألا ترى أن في حق حقوق العباد يكون الحيوان مضمونا بالقيمة دون المثل فكذلك في حقوق الله تعالى وكما أن المثل منصوص عليه هنا فكذلك في حقوق العباد في قوله تعالى فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم يوضحه ان المماثلة بين الشيئين عند اتحاد الجنس أبلغ منه عند اختلاف الجنس فإذا لم تكن النعامة مثلا للنعامة كيف تكون البدنة مثلا للنعامة والمثل من الاسماء المشتركة فمن ضرورة كون الشئ مثلا لغيره أن يكون ذلك الغير مثلا له ثم لا تكون النعامة مثلا للبدنة عند الاتلاف فكذلك لا تكون البدنة مثلا للنعامة وإذا تعذر اعتبار المماثلة صورة وجب اعتبارها بالمعنى وهو القيمة فاما قوله من النعم فقد قيل فيه تقديم وتأخير ومعناه فجزاء مثل ما قتل يحكم به ذوا عدل منكم من النعم هديا بالغ الكعبة ثم ذكر الاصمعي وأبو عبيدة ان اسم النعم يتناول الاهلى والوحشي جميعا ومعناه فجزاء قيمة ما قتل من النعم الوحشي وحمله على هذا أولى لان قوله فجزاء مصدر وما ذكر بعده وصف فانما يكون وصفا للمذكور وذلك إذا حمل على ما بينا وايجاب الصحابة رضى الله عنهم لهذه النظائر لا باعتبار أعيانها بل باعتبار القيمة الا أنهم كانوا أرباب المواشى فكان ذلك أيسر عليهم من النقود وهو نظير ما قال على رضى الله عنه في ولد المغرور يفك الغلام بالغلام والجارية بالجارية المراد القيمة والاختلاف في هذه المسألة في فصول أحدها ما بينا والثانى ان الذي اتى الحكمين يقوم الصيد فإذا ظهرت قيمته فالخيار إلى المحرم بين التكفير بالهدى والاطعام والصيام في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى وعند محمد رحمه الله تعالى الخيار إلى الحكمين فإذا عينا نوعا عليه يلزمه التكفير به بعينه فاما اعتبار الحكمين بالنص وهو قوله تعالى يحكم به ذوا عدل منكم وعلى طريقة القياس يكفي الواحد للتقويم وان كان المثنى أحوط ولكن يعتبر المثنى بالنص وبيانه في حديث عمر رضى الله عنه فان رجلين اتياه فقال أحدهما ان صاحبي هذا كان محرما وأنه رمى إلى ظبى وأصاب أحشاءه فماذا يجب عليه فسار عمر عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما بشئ

[ 84 ] ثم قال عليه شاة فقاما من عنده وجعل السائل يقول لصاحبه ان فتوى أمير المؤمنين لا تغنى عنك شيئا الا ترى انه لم يعرفه حتى سأل غيره فأرى ان تنحر راحلتك هذه وتعظم شعائر الله فسمع ذلك عمر رضى الله عنه فدعاه وعلاه بالدرة فقال أمير المؤمنين أنى لا أحل لك من نفسي شيئا حرم الله عليك فانظر لنفسك فقال عمر رضى الله عنه أراك حسن اللهجة والبيان أما سمعت الله يقول يحكم به ذوا عدل منكم فأنا ذو عدل وعبد الرحمن ذو عدل ومن يعمل بكتاب الله تعالى يسمي جاهلا فيكم فتاب الرجل عن مقالته ثم احتج محمد رحمه الله تعالى باظاهر الآية فانه قال يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة فذكر الهدى منصوبا على انه تفسير لقوله يحكم أو مفعول حكم الحكم فهو تنصيص على ان التعيين إلى الحاكم وفي تسمية الله تعالى فعلهما حكما دليل ظاهر على ان الالزام اليهما وليس اليهما الزام أصل الواجب فعرفنا ان اليهما التعيين وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى قالا الحاجة إلى الحكمين لاظهار قيمة الصيد فبعد ما ظهرت القيمة فهى كفارة واجبة على المحرم فإليه التعيين لما يؤدى به الواجب كما في كفارة اليمين وكما في ضمان قيم المتلفات فان تعيين ما يؤدى به الضمان إليه دون المقومين فكذا في هذا الموضع فان اختار التكفير بالهدى فعليه الذبح في الحرم والتصدق بلحمه على الفقراء لقوله تعالى هديا بالغ الكعبة فالهدى اسم لما يهدى إلى موضع معين وان اختار الاطعام اشترى بالقيمة طعاما فيطعم المساكين كل مسكين نصف صاع من حنطة وان اختار الصيام يصوم مكان طعام كل مسكين يوما وان كان الواجب دون طعام مسكين فاما أن يطعم قدر الواجب واما أن يصوم يوما كاملا فالصوم لا يكون أقل من يوم وعندنا يجوز له أن يختار الصوم مع القدرة على الهدى والاطعام لقوله تعالى أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره وحرف أو للتخيير وعلى قول زفر رحمه الله تعالى لا يجوز له الصيام مع القدرة على التكفير بالمال وقاس بكفارة اليمين وهدى المتعة والقران وقال حرف أو لا ينفي الترتيب في الواجب كما في حق قطاع الطريق في قوله تعالى أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف الآية ولكن هذا خلاف الحقيقة والتمسك بالحقيقة واجب حتى يقوم دليل المجاز وقياس المنصوص باطل وإذا اختار الطعام فالمعتبر قيمة الصيد يشترى به الطعام عندنا وعند الشافعي رحمه الله تعالى المعتبر قيمة النظير وهو قول محمد رحمه الله تعالى بناء على أصلهما أن الواجب هو النظير فانما يحوله إلى الطعام باختياره

[ 85 ] فتعتبر قيمة الواجب وهو النظير كمن أتلف شيئا من ذوات الامثال فانقطع المثل من أيدى الناس فانه يجب قيمة المثل وعندنا الواجب قيمة الصيد والاصل كما بينا فإذا اختار أداء الواجب بالطعام تعتبر قيمة الصيد لانه هو الواجب الاصلى وان اختار الصيام صام مكان كل نصف صاع يوما عند الشافعي رحمه الله تعالى يصوم مكان كل مد يوما وهذا بناء على الاختلاف في طعام الكفارة لكل مسكين عندنا يتقدر بنصف صاع وعنده بمد ومذهبه في هذا مروى عن ابن عباس رضى الله عنه (قال) فان أخرج الحلال صيد الحرم ولم يقتله فعليه جزاء استحسانا وان أرسله في الحل ما لم يعلم عوده إلى الحرم لانه بالحرم كان آمنا وقد زال هذا الامن باخراجه فيكون كالمتلف له الا أن يعلم عوده إلى الحرم فحينئذ يعود إليه الامن على ما كان وهو كالمحرم يأخذ صيدا فيموت في يده لزمه جزاؤه لانه متلف معنى الصيدية فان معنى الصيدية في نفره وبعده عن الايدى (قال) وإذا رمى الحلال صيدا من الحل في الحرم أو من الحرم في الحل فعليه جزاؤه هكذا روى عن جابر وابن عمر رضى الله عنهما وهذا لانه إذا كان الصيد في الحرم فهو آمن بالحرم وان كان الرامى في الحرم فهو منهى عن الرمى إلى الصيد من الحرم قال الله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم يقال أحرم أذا عقد عقد الا حرام وأحرم إذا دخل الحرم كما قال الشأم إذا دخل الشأم فكان في الوجهين مرتكبا للنهى فيلزمه الجزاء الا أن يكون الصيد والرامي في الحل فرماه ثم دخل الصيد الحرم فيصيبه فيه فحينئذ لا يلزمه الجزاء لانه في الرمى غير مرتكب للنه يولكن لا يحل تناول ذلك الصيد وهذه هي المسألة المستثناة من أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى فان عنده المعتبر حالة الرمى الا في هذه المسألة خاصة فانه اعتبر في حل التناول حالة الاصابة احتياطا لان الحل بالذكاة يحصل وانما يكون ذلك عند الاصابة فان كان عند الاصابة الصيد صيد الحرم لم يحل تناوله وعلى هذا إرسال الكلب (قال) ولا يحل تناول ما ذبحه المحرم لاحد من الناس وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يحل للمحرم القاتل تناوله ويحل لغيره من الناس وحجته في ذلك ان معنى الذكاة في تسييل الدم النجس من الحيوان وشرط الحل التسمية ندبا أو واجبا على اختلاف الاصلين وذلك يتحقق من المحرم كما يتحقق من الحلال الا أن الشرع حرم التناول على المحرم القاتل بطريق العقوبة ليكون زجرا له وهذا لا يدل على حرمة التناول في حق غيره كما يجعل المقتول ظلما حيا في حق القاتل حتى لا يرثه وهو ميت في حق غيره

[ 86 ] وحجتنا في ذلك قوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم والفعل الموجب للحل مسمى باسم الذكاة شرعا فلما سماه قتلا هنا عرفنا أن هذا الفعل غير موجب للحل أصلا والدليل عليه أن النبي قال لاصحاب أبى قتادة رضى الله تعالى عنهم هل أعنتم هل أشرتم هل دللتم فقالوا لا فقال اذن فكلوا فإذا ثبت بالاثر أن الاعانة من المحرم توجب الحرمة فمباشرة القتل هنا أولى فان قيل كيف يصح هذا الاستدلال وعندكم الصيد لا يحرم تناوله باشارة المحرم ودلالته قلنا فيه روايتان وقد بينا هما في الزيادات ومن ضرورة حرمة التناول عند الاشارة حرمة التناول عند مباشرة القتل فان قام هذا الدليل على انتساخ هذا الحكم عند الاشارة فذلك لا يدل على انتساخه عند المباشرة والمعنى فيه ان هذا الاصطياد محرم لمعنى الدين ولهذا حرم التناول عليه فيكون نظير اصطياد المجوسى وذلك موجب للحرمة في حق الكل فهذا مثله (قال) فان أدى المحرم جزاءه ثم أكل فعليه قيمة ما أكل في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وان كان قتله غيره لم يكن عليه شئ فيما أكل وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يلزمه شئ آخر سوى الاستغفار وحجتهما أن صيد المحرم كالميتة أو كذبيحة المجوسى وتناول الميتة لا يوجب الا الاستغفار. ألا ترى أنه إذا أكل منه حلال أو محرم آخر لم يلزمه الا الاستغفار فكذا إذا أكل هو منه. والدليل عليه ان الحلال إذا ذبح صيدا في الحرم فادى جزاءه ثم أكل منه لا يلزمه شئ آخر وكذلك المحرم إذا كسر بيض صيد فأدى جزاءه ثم شواه فأكله لا يلزمه شئ آخر كذا هذا وجه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى انه تناول محظور احرامه فيلزمه الجزاء كسائر المحظورات وبيانه ان قتل هذا الصيد من محظورات احرامه والقتل غير مقصود لعينه بل للتناول منه فإذا كان ما ليس بمقصود محظور احرامه حتى يلزمه الجزاء به فما هو المقصود بذلك أولى بخلاف محرم آخر فان هذا التناول ليس من محظورات احرامه وبخلاف الحلال في الحرم لان وجوب الجزاء هناك باعتبار الامن الثابت بسبب الحرم وذلك للصيد لا للحم وكذلك البيض وجوب الجزاء فيه باعتبار انه أصل الصيد وبعد الكسر انعدم هذا المعنى يقرره ان المقتول بغير حق في حق القاتل كالحي من وجه حتى لا يرث وكالميت من وجه حتى تعتق أم الولد إذا قتلت مولاها ففيما ينبنى أمره على الاحتياط جعلناه كالحى في حق القاتل وهو جزاء الاحرام فيلزمه بالتناول جزاء آخر وأما جزاء صيد الحرم غير مبنى على الاحتياط في الايجاب فلهذا اعتبرنا معنى

[ 87 ] اللحمية فلا يوجب فيه الجزاء (قال) وإذا أصاب الحلال صيدا في الحل فذبحه فلا بأس بأن يأكل المحرم منه وهو قول عثمان وابن عباس رضى الله عنهما وكان ابن عمر رضى الله عنه يكره ذلك حتى روى ان عثمان رضى الله عنه دعاه إلى طعام وكان محرما فرأى اليعاقيب في القصعة فقام فقيل لعثمان رضى الله عنه انما قام كراهة لطعامك فبلغ ذلك ابن عمر رضى الله عنه فقال ما كرهت طعامه ولكن كنت محرما فمن أخذ بقوله استدل بما روي ان رجلا أهدى إلى رسول الله رجل حمار وحش فرده فرأى الكراهة في وجهه فقال ما بنارد لهديتك ولكنا حرم (ولنا) في ذلك حديث طلحة رضى الله عنه قال تذاكرنا لحم الصيد في حق المحرم فارتفعت أصواتنا ورسول الله نائم في حجرته فخرج الينا فقال فيم كنتم فذكرنا ذلك له فقال لا بأس به وفى الحديث أن النبي مر بالروحاء مع أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين وهم محرمون فرأى حمار وحش عقيرا وفيه سهم ثابت فأراد أصحابه رضى الله عنهم أخذه فقال دعوه حتى يأتي صاحبه فجاء رجل من بهز فقال يا رسول الله هذه رميتي فهى لك فأمر أبا بكر رضي الله عنه أن يقسمها بين الرفاق والحديث الذى روى أنه رده تصحيف وقع من الرواى والصحيح أنه أهدى إليه حمار وحش ولئن صح فليس المراد بالرجل القطعة من اللحم بل هو العدد من حمار الوحش كما يقال رجل جراد للجماعة منه وكان مالك رحمه الله تعالى يقول ان اصطاد الحلال لاجل المحرم فليس للمحرم أن يتناول منه لما روى أن النبي قال للمحرمين صيد البر حلال لكم الا ما اصطدتموه أو صيد لكم ولكنا نقول هذه اللام لام التمليك فانما يتناول ما كان مملوكا للمحرم صيدا وسواء اصطاد الحلال لنفسه أو لمحرم فهو لم يصر مملوكا للمحرم صيدا وانما يصير مملوكا للمحرم حين يهديه إليه بعد الذبح وهو عند ذلك لحم لا صيد فيه فلهذا حل تناوله (قال) محرم كسر بيض صيد فعليه قيمته وقال ابن أبى ليلى رضى الله عنه عليه درهم ومذهبنا مروى عن على وابن عباس رضى الله عنهم والمعنى فيه وهو ان البيض أصل الصيد فانه معد ليكون صيدا ما لم يفسد فيعطى له حكم الصيد في ايجاب الجزاء المحرم بافساده كما ان الماء في الرحم جعل بمنزلة الولد في حكم العتق والوصية ولانه منع حدوث معنى الصيدية فيه فيجعل كالمتلف بعد الحدوث بمنزلة المغرور يضمن قيمة الولد لانه منع

[ 88 ] حدوث الرق فيه فان كان فيه فرخ ميت فعليه قيمة الفرخ حيا وهذا استحسان وفى القياس لا يغرم الا قيمة البيصة لانه لم تعلم حياة الفرخ قبل كسره ولكنه استحسن فقال البيض ما لم يفسد فهو معد ليخرج منه فرخ حى والتمسك بهذا الاصل واجب حتى يظهر خلافه ولان كسر البيضة سبب لموت الفرخ إذا حصل قبل أوانه فإذا ظهر الموت عقيب هذا السبب يحال به عليه وكذلك لو ضرب بطن ظبية فطرحت جنينا ميتا ثم ماتت فعليه جزاؤهما جميعا أخذا فيه بالثقة لان الضرب سبب صالح لموتهما وقد ظهر الموت عقيبه وانما أراد بقوله أخذا بالثقة الاشارة إلى الفرق بين هذا وبين الضمان الواجب لحق العباد فان من ضرب بطن جارية فالقت جنينا ميتا وماتت لما وجب هناك ضمان الاصل لم يجب ضمان الجنين لان الجنين في حكم الجزء من وجه وجه وفى حكم النفس من وجه والضمان الواجب لحق العباد غير مبنى على الاحتياط فلا يجب في موضع الشك فاما جزاء الصيد مبنى على الاحتياط فلهذا رجح شبه النفس في الجنين فاوجب عليه جزاءهما (قال) وإذا عطب الصيد بفسطاط المحرم أو بحفيرة حفرها للماء فلا شئ عليه بخلاف ما إذا نصب شبكة أو حفر حفيرة لاخذ الصيد لانه متسبب في الموضعين الا أن التسبب إذا كان تعديا يكون موجبا للضمان كحفر البئر على الطريق وإذا لم يكن تعديا لا يكون موجبا للضمان كحفر البئر في ملك نفسه ونصب الشبكة من المحرم تعد لانه قصد به الاصطياد فاما ضرب الفسطاط ليس بتعد إذ لم يقصد به الاصطياد الا ترى ان الحلال لو نصب شبكة فتعقل بها صيد ملكه حتى لو أخذه غيره كان له ان يسترده منه بخلاف ما إذا ضرب فسطاطا وعلى هذا إذا فزع منه الصيد فاشتد فانكسر لم يلزمه شئ بخلاف ما إذا أفزعه هو أو حركه فانه وجد بسبب هو فيه متعد فيكون هو ضامنا (قال) محرم اصطاد صيدا فأرسله محرم آخر من يده فلا شئ عليه لان الصيد محرم العين على المحرم بالنص قال الله تعالى وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما فلم يملكه بالاخذ كمن اشترى خمرا لا يملكها لانها محرمة العين فإذا لم يملكه لم يكن المرسل من يده متلفا عليه شيئا ولانه فعل عين ما يحق عليه فعله شرعا فهو كمن أراق الخمر على لمسلم (قال) ولو قتله في يده فعلى كل واحد منهما جزاؤه اما القاتل فلانه جنى على احرامه بقتل الصيد واما الآخذ فلانه كان متلفا لمعنى الصيدية فيه حكما باثبات يده ثم يرجع الآخذ بما ضمن من الجزاء على القاتل عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى لا يرجع عليه بشئ لان الآخذ لم يملك الصيد ولا كانت له

[ 89 ] فيه يد محترمة ووجوب الضمان له على القاتل باعتبار أحد هذين المعنيين ولانه بالقتل لزمته كفارة يفتى بها ويخرج بالصوم منها فلو رجع عليه انما يرجع بضمان المالية ويطالب به ويحبس به ولا يجوز له ان يرجع عليه بأكثر مما لزمه وحجتنا في ذلك ان اليد على هذا الصيد كانت يدا معتبرة لحق الآخذ لانه يتمكن به من الارسال واسقاط الجزاء به عن نفسه والقاتل يصير مفوتا عليه هذه اليد فيكون ضامنا له وان لم يملكه الآخذ كغاصب المدبر إذا قتله انسان في يده يدل عليه انه قرر عليه ما كان على شرف السقوط وذلك سبب مثبت للرجوع عليه كشهود الطلاق إذا رجعوا قبل الدخول والذى قال يفتى به ويخرج عنه بالصوم فذلك ليس لمعنى راجع إلى نفس الحق بل لمعنى ممن له الحق فان حقوق الله تعالى على عباده بطريق الفتوى والخروج عنه بالصوم لان الله تعالى غني عن مال عباده انما يطلب منهم التعظيم لامره ومثل هذا التفاوت لا يمنع الرجوع كالاب إذا غصب مدبر ابنه فغصبه منه آخر ثم ان الابن ضمن اباه رجع الاب على الغاصب منه وان كان هو لا يحبس فيما لزمه لابنه ويكون له أن يحبس الغاصب منه فيما يطالبه به (قال) ولو أحرم وفي يده ظبى فعليه أن يرسله لان استدامة اليد عليه بعد الاحرام بمنزلة الانشاء فان اليد مستدامة وكما ان انشاء اليد متلف معنى الصيدية فيه فالاستدامة كذلك (قال) فان أرسله انسان من يده فعلى المرسل قيمته في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لذى اليد وهو القياس وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا شئ عليه استحسانا وهو نظير اختلافهم فيمن أتلف على غيره شيئا من المعازف فأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قالا فعله أمر بالمعروف ونهى عن المنكر لانه مأمور شرعا بارساله فإذا كان ذلك مما يلزمه شرعا ففعل ذلك غيره لا يكون مستوجبا للضمان كمن أراق خمر مسلم وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول الصيد قبل الاحرام كان ملكا له متقوما ولم يبطل ذلك بالاحرام. ألا ترى أن الصيد لو كان في بيته بقى مملوكا متقوما على حاله فالذي أرسله من يده أتلف عليه ملكا متقوما فيضمن له بخلاف اراقة الخمر على المسلم ثم الواجب عليه رفع يده ولو رفع بنفسه يرفعه عليه وجه لا يفوت ملكه بعد ما يحل من احرامه فإذا فوت هذا المرسل ملكه فقد زاد على ما يحق عليه فعله فيكون ضامنا له وهذا طريقه أيضا في اتلاف المعازف وفرق بين هذا وبين ما إذا أخذ الصيد وهو محرم فقال هناك لم يملكه بالاخذ فالمرسل لا يكون

[ 90 ] مفوتا عليه ملكا متقوما وهنا بالاحرام لم يبطل ملكه على ما قررنا والدليل على الفرق أن المحرم إذا أخذ صيدا ثم أرسله فأخذه غيره ثم وجده المحرم في يده بعد ما حل فليس له أن يسترده منه ولو أحرم وفى يده صيد فأرسله ثم وجده بعد ما حل في يد غيره كان له أن يسترده منه فدل على الفرق بين الفصلين (قال) محرم قتل سبعا فان كان السبع هو الذى ابتدأه فآذاه فلا شئ عليه والحاصل أن نقول ما استثناه رسول الله من المؤذيات بقوله خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم وفي حديث آخر يقتل المحرم الحية والفأرة والعقرب والحدأة والكلب العقور فلا شئ على المحرم ولا على الحلال في الحرم بقتل هذه الخمس لان قتل هذه الاشياء مباح مطلقا وهذا البيان من رسول الله كالملحق بنص القرآن فلا يكون موجبا للجزاء والمراد من الكلب العقور الذئب فأما ما سوى الخمس من السباع التى لا يؤكل لحمها إذا قتل المحرم منها شيئا ابتداء فعليه جزاؤه عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا شئ عليه لان النبي انما استثنى الخمس لان من طبعها الاذى فكل ما يكون من طبعه الاذى فهو بمنزلة الخمس مستثنى من نص التحريم فصار كان الله تعالى قال لا تقتلوا من الصيود غير المؤذى ولو كان النص بهذه الصفة لم يتناول الا ما هو مأكول اللحم غير المؤذى ولان النبي استثنى الكلب العقور وهذا يتناول الاسد الا ترى أنه حين دعا على عتبة بن أبى لهب قال اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فافترسه اسد بدعائه ولان الثابت بالنص حرمة ممتدة إلى غاية وهو الخروج من الاحرام لان الله تعالى قال وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما وهذا يتناول ماكول اللحم فاما غير مأكول اللحم محرم التناول على الاطلاق فلا يتناوله هذا النص وحجتنا في ذلك قوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم واسم الصيد يعم الكل لانه يسمى به لتنفره واستيحاشه وبعده عن أيدى الناس وذلك موجود فيما لا يؤكل لحمه والدليل عليه ان لفظة الاصطياد بهذا المعنى تطلق على اخذ الرجال قال القائل صيد الملوك ثعالب وأرانب * وإذا ركبت فصيدى الابطال ثم النبي نص على ان المستثنى من النص خمس فهو دليل على ان ما سوى الخمس فحكم النص فيه ثابت والدليل عليه وهو أنا لو جعلنا الاستثناء باعتبار معنى الايذاء خرج المستثنى من أن يكون محصورا بعدد الخمس فكان هذا تعليلا مبطلا للنص ثم ما سوى

[ 91 ] الخمس في معنى الاذى دون الخمس لان الخمس من طبعها البداءة بالاذى وما سواها لا يؤذى الا ان يؤذى فلم يكن في معنى المنصوص ليلحق به والذى قال الحرمة ثابتة بالنص إلى غاية فحرمة الاصطياد هكذا لان النص يثبت حرمة لاصطياد لا حرمة التناول وحرمة الاصطياد بهذه الصفة تثبت في غير مأكول اللحم كما تثبت في مأكول اللحم ثم لا اختلاف بيننا وبين الشافعي رحمه الله تعالى ان الجزاء يجب بقتل الضبع على ؟ ؟ لان عنده الضبع مأكول اللحم وعندنا هو من السباع التى لم يتناولها الاستثناء وفيه حديث جابر رضى الله عنه حين سئل عن الضبع أصيد هو فقال نعم فقيل أعلى المحرم الجزاء فيه قال نعم فقيل له اسمعته من رسول الله قال نعم ولكن السبع ان كان هو الذى ابتدأ المحرم فلا شئ عليه في قتله عندنا وقال زفر رحمه الله تعالى عليه الجزاء لان فعل الصيد هدر قال العجماء جبار من غير ذكر الجرح أي جرح العجماء جبار فوجوده كعدمه فيما يجب من الجزاء بقتله على المحرم. ألا ترى أن في الضمان الواجب لحق العباد إذا كان السبع مملوكا لا فرق بين أن تكون البداءة منه أو من السبع فكذلك فيما يجب لحق الله تعالى وحجتنا في ذلك حديث عمر رضى الله تعالى عنه فانه قتل ضبعا في الاحرام فأهدى كبشا وقال انا ابتدأناه ففى هذه التعليل بيان ان البداءة إذا كانت من السبع لا يوجب شيئا ولان صاحب الشرع جعل الخمس مستثناة لتوهم الاذى منها غالبا وتحقق الاذى يكون أبلغ من توهمه فتبين بالنص أن الشرع حرم عليه قتل الصيد وما ألزمه تحمل الاذى من الصيد فإذا جاء الاذى من الصيد صار مأذونا في دفع أذاه مطلقا فلا يكون فعله موجبا للضمان عليه وبهذا فارق ضمان العباد فان الضمان يجب لحق العباد ولم يوجد الاذن ممن له الحق في اتلافه مطلقا حتى يسقط به الضمان بخلاف ما نحن فيه ولا يدخل على ما ذكرنا قتل المحرم القمل فانه يوجب الجزاء عليه وان كان يؤذيه لان المحرم إذا قتل قملة وجدها على الطريق لم يضمن شيئا لانها مؤذية ولكن إذا قتل القمل على نفسه انما يضمن لمعنى قضاء التفث بازالة ما ينمو من بدنه عن نفسه وهذا بخلاف المحرم إذا كان مضطرا فقتل صيدا لان الاذن ممن له الحق هناك مقيد وليس بمطلق فان الاذن في حق المضطر في قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه الآية والاذن عند الاذى ثابت بالنص مطلقا في حق الصيد فلا يكون موجبا للضمان عليه فاما إذا كان هو الذى ابتدأ السبع يلزمه قيمته لا يجاوز بقيمته شاة عندنا وعلى قول زفر

[ 92 ] رحمه الله تعالى تجب قيمته بالغة ما بلغت على قياس ما يؤكل لحمه من الصيود هكذا ذكر أصحابنا هذا الخلاف وذكر ابن شجاع رحمه الله تعالى في شرح اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى ان عند زفر فيما هو مأكول اللحم لا يجاوز بقيمته شاة والحاصل ان زفر رحمه الله تعالى يقول بان الضمان الواجب لحق الله تعالى معتبر بالواجب لحق العباد وهناك لا فرق بين مأكول اللحم وبين غير مأكول اللحم فهنا لا فرق بينهما أيضا فاما ان يقال تجب القيمة بالغة ما بلغت في الموضعين جميعا أو لا يجاوز بالقيمة شاة في الموضعين جميعا وحجتنا في ذلك ان فيما لا يؤكل لحمه وجوب الجزاء باعتبار معنى الصيدية فقط لا باعتبار عينه فانه غير مأكول وباعتبار معنى الصيدية يكون مرتكبا محظور احرامه فلا يلزمه أكثر من شاة كسائر محظورات الاحرام فاما في مأكول اللحم وجوب الجزاء باعتبار عينه لانه مفسد للحمه بفعله فتجب قيمته بالغة ما بلغت وكذلك في حقوق العباد وجوب الضمان باعتبار ملك العين فيتقدر بقيمة العين وهذا لان زيادة القيمة في الفهد والنمر والاسد لمعنى تفاخر الملوك به لا لمعنى الصيدية وذلك غير معتبر في حق المحرم فلهذا لا يلزمه أكثر من شاة ان كان مفردا بالحج أو العمرة وان كان قارنا لا يجاوز بما يجب عليه شاتين لانه محرم باحرامين (قال) وكل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير في هذا الحكم سواء على ما بينا. وذكر في بعض الروايات في الحديث المستثني مكان الحدأة الغراب والمراد به الابقع الذى يأكل الجيف ويخلط فانه يبتدئ بالاذى فأما العقعق يجب الجزاء بقتله على المحرم لانه لا يبتدئ بالاذى غالبا والخنزير والقرد يجب الجزاء بقتلهما على المحرم في قول أبى يوسف رحمه الله تعالى وقال زفر رضى الله تعالى عنه لا يجب لان الخنزير بمنزلة الكلب العقور مؤذ بطبعه وقد ندب الشرع إلى قتله قال النبي بعثت لكسر الصليب وقتل الخنزير ولكن أبو يوسف رحمه الله تعالى يقول بأنه متوحش لا يبتدئ بالاذى غالبا فيكون نص التحريم متناولا له وكذلك السمور والدلق يجب الجزاء بقتلهما على المحرم والفيل كذلك إذا كان وحشيا فأما الفأرة مستثناة في الحديث وحشيها وأهليها سواء والسنور كذلك في رواية الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا يجب الجزاء بقتله أهليا كان أو وحشيا. وفى رواية هشام عن محمد رحمهما الله تعالى ما كان منه بريا فهو متوحش كالصيود يجب الجزاء بقتله على المحرم فأما الضب فليس في معنى الخمسة المستثناة لانه لا يبتدئ بالاذى فيجب الجزاء على المحرم

[ 93 ] بقتله وكذلك الارنب واليربوع يجب بقتلهما القيمة على المحرم فأما ما كان من هوام الارض فلا شئ على المحرم في قتله غير أن في القنفذ روايتين عن أبى يوسف رحمه الله تعالى في احدى الروايتين قال هو نوع من الفأرة وفى رواية جعله كاليربوع فإذا بلغت قيمة شئ من هذه الحيوانات حملا أو عناقا لم يجزه الحمل ولا العناق من الهدى في قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى وأدنى ما يجزى في ذلك الجذع العظيم من الضأن أو الثنى من غيرها فان كان الواجب دون ذلك كفر بالاطعام أو الصيام وجعل هذا قياس الاضحية فكما لا يجزى هناك التقرب باراقة دم الحمل والعناق مقصودا فكذلك هنا ولان الواجب بالنص هنا الهدى قال الله تعالى هديا بالغ الكعبة فهو بمنزلة هدى المتعة والقران فكما لا يجزئ الحمل والعناق في هدى المتعة والقران لا يجزئ هنا وأبو يوسف ومحمد وابن أبى ليلى رحمهم الله تعالى جوزوا ذلك في جزاء الصيد استحسانا بالآثار التى جاءت به فان الصحابة رضى الله عنهم قالوا في الارنب عناق وفى اليربوع جفرة ولان الرجل قد يسمى الدراهم والثوب هديا ألا ترى أن الرجل لو قال الله علي أن أهدى هذه الدراهم يلزمه أن يفعل ذلك فالحمل والعناق أولى في ذلك ولا يستقيم قياسه على هدى المتعة لانه قياس المنصوص بالمنصوص ولان الهدى قد يكون عناقا وفصيلا وجديا ألا ترى أنه لو أهدى ناقة فنتجت كان ولدها هديا معها ينحر ولو كان غير هدى لكان يتصدق به كذلك قبل النحر ولكن أبو حنيفة رحمه الله تعالي يقول أجوزه هديا تبعا لا مقصودا كما يجوز به التضحية تبعا لا مقصودا إذا نتجت الاضحية (قال) وفى بيض النعامة على المحرم القيمة وفى الكتاب رواه عن عمر وابن مسعود رضى الله عنهما أنهما أوجبا في بيض النعامة القيمة (قال) ولو أن المحرم رمى صيدا فجرحه ثم كفر عنه ثم رآه بعد ذلك فقتله فعليه كفارة أخرى لانه صيد على حاله بعد الجرح الاول وقد انتهى حكم ذلك الجرح بالتكفير فقتله الآن جناية أخرى مبتدأة فيلزمه به كفارة أخرى وان لم يكفر عنه في الاولى لم يضره ولم يكن عليه في ذلك شئ إذا كفر في هذه الاخيرة الا ما نقصه الجرح الاول يريد به إذا كفر بقيمة صيد مجروح فاما إذا كفر بقيمة صيد صحيح فليس عليه شئ آخر لان الفعلين منه جناية في احرام واحد على محل واحد فيكون بمنزلة فعل واحد فلهذا لا يجب عليه الا كفارة واحدة وهذا لان حكم الفعل الاول قبل التكفير باق فيجعل الثاني اتماما له فاما بعد التكفير قد انتهى حكم الفعل الاول فيكون الفعل الثاني جناية مبتدأة (قال)

[ 94 ] محرم جرح صيدا ثم كفر عنه قبل ان يموت ثم مات أجزأته الكفارة التى أداها لان سبب الوجوب عليه جنايته على الاحرام بجرج الصيد فانما أدى الواجب بعد ما تقرر سبب الوجوب فإذا تم الوجوب بذلك السبب جاز المؤدى كما لو جرح مسلما ثم كفر ثم مات المجروح (قال) وإذا أحرم الرجل وله في منزله صيد لم يكن عليه ارساله عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى يلزمه ارساله لانه متعرض للصيد بامساكه في ملكه وذلك حرام عليه بسبب الاحرام فيلزمه ارساله كما لو كان الصيد في يده بحضرته ولكنا نستدل عليه بالعادة الظاهرة لان الناس يحرمون ولهم في بيوتهم بروج الحمامات وغيرها ولم يتكلف أحد الارسال ذلك قبل الاحرام ولا أمر بذلك وهذا لان المستحق عليه ترك التعرض للصيد لا إزالة الصيد عن ملكه وتعرضه انما يتحقق إذا كان الصيد في يده بحضرته فاما إذا كان الصيد غائبا عنه في بيته لا يكون هو متعرضا له فلا يلزمه ارساله الا ترى انه كما يحرم عليه التعرض للصيد يحرم عليه التطيب ولبس المخيط ولا يلزمه اخراج شئ من ذلك من ملكه (قال) وللمحرم ان يذبح الشاة والدجاجة لان هذا ليس من الصيود فان الصيد اسم لما يكون ممتنعا متوحشا فما لا يكون جنسه ممتنعا متوحشا لا يكون صيدا (قال) وكذلك البط الذى يكون عند الناس والمراد منه الكسكرى الذى يكون في الحياض هو كالدجاج مستأنس بجنسه فاما البط الذى يطير فهو صيد يجب الجزاء فيه على المحرم والحمام أصله صيد يجب على المحرم الجزاء في كل نوع منه وقال مالك رحمه الله تعالى ليس في المسرول من الحمام شئ على المحرم لانه مستأنس لا يفر من الناس ولكنا نقول الحمام بجنسه ممتنع متوحش فكان صيدا وان كان بعضه قد استأنس كالنعامة وحمار الوحش وغيرهما (قال) والذى يرخص للمحرم من صيد البحر هو السمك خاصة فاما طير البحر لا يرخص فيه للمحرم ويجب الجزاء بقتله وهذا لان الله تعالى أباح صيد البحر مطلقا بقوله عزوجل أحل لكم صيد البحر الآية فالمحرم والحلال فيه سواء ولان المحرم بالنص قتل الصيد على المحرم والقتل في صيد البحر لا يتحقق ولان صيد البحر ما يكون بحرى الاصل والمعاش كالسمك فاما الطير فهو برى الاصل بحرى المعاش لان توالده يكون في البر دون الماء فيكون من صيد البر الا ترى ان ما يكون مائى الاصل وان كان قد يعيش في البر كالضفدع جعل مائيا باعتبار أصله حتى لا يجب على المحرم بقتله شئ فكذلك ما يكون برى الاصل لا يرخص للمحرم فيه (قال) محرم اصطاد

[ 95 ] ظبية فولدت عنده قبل أن يحل أو بعد ما حل ثم ذبحها وولدها في الحل أو في الحرم فعليه جزاؤها جميعا لانه حين أخذ الظبية وجب عليه ارسالها لازالة جنايته وذلك حق مستحق عليه في الحل شرعا فيسرى إلى الولد ويجب عليه إرسال ولدها معها وما كان من الحق المستحق عليه في العين أو في المعنى لا يرتفع بخروجه عن الاحرام فإذا ذبحهما فقد فوت الحق المستحق فيهما شرعا فلهذا وجب عليه جزاؤهما جميعا الا ترى أنه لو كان الصيد مملوكا لغيره لكان الرد فيهما مستحقا عليه لحق المالك فبذبحهما يلزمه قيمتهما فهذا مثله أو أولى (قال) وأكره للمحرم أن يشترى الصيد وأنهاه عنه لان الصيد في حقه محرم العين فلا يكون مالا متقوما كالخمر فلهذا لا يجوز شراؤه أصلا وان اشتراه من محرم أو حلال فعليه أن يخلي سبيله بمنزلة ما لو أخذه فان عطب في يده فعليه جزاؤه لجنايته على الصيد باثبات يده عليه وانه اتلاف لمعنى الصيدية فيه ويجب على البائع جزاؤه أيضا ان كان محرما لانه جان على الصيد بتسليمه إلى المشترى مفوت لما كان مستحقا عليه من تخلية سبيله فكان ضامنا للجزاء (قال) وان اصطاد المحرم صيدا فحبسه عنده حتى مات فعليه جزاؤه وان لم يقتله لانه متلف معنى الصيدية فيه معنى باثبات يده عليه والاتلاف الحكمى بمنزلة الاتلاف الحقيقي في ايجاب الضمان عليه كما لو قطع إحدى قوائم الظبى (قال) محرم أو حلال أخرج صيدا من الحرم فانه يؤمر برده على الحرم لانه كان بالحرم آمنا صيدا وقد أزال ذلك الامن عنه باخراجه فعليه اعادة أمنه بأن يرده إلى الحرم فيرسله فيه وهذا لان كل فعل هو متعد في فعله نسخ ذلك الفعل قال على اليد ما أخذت حتى ترد ونسخ فعله بأن يعيده كما كان (قال) فان أرسله في الحل فعليه جزاؤه لانه ما أعاده آمنا كما كان فان الامن كان ثابتا بسبب الحرم فما لم يصل إلى الحرم لا يعود إليه ذلك الامن ولا يخرج الجاني عن عهدة فعله بمنزلة الغاصب إذا رده على غير المغصوب منه الا أن يحيط العلم بأنه وصل إلى الحرم سالما فحينئذ يبرأ عن جزائه كما إذا وصل المغصوب إلى يد المغصوب منه (قال) وكل شئ صنعه المحرم بالصيد مما يتلفه أو يعرضه للتلف فعليه جزاؤه الا أن يحيط علمه بأنه سلم منه فحينئذ يتم انتساخ حكم فعله وذلك بأن يجرحه فتندمل الجراحة بحيث لا يبقى لها أثر أو ينتف ريشه فينبت مكانه آخر أو يقلع سنه فينبت مكانه آخر فحينئذ لا يلزمه شئ في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقاسا هذا بالضمان الواجب في حق العباد فان

[ 96 ] ذلك يسقط إذا لم يبق للفعل أثر في المحل فكذا هنا وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى يلزمه صدقة باعتبار ما أوصل من الالم إلى الصيد لان باندمال الجراحة لم يتبين أن الالم لم يصل إليه وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى اعتبار الالم أيضا في الجناية على حقوق العباد حتى أوجب على الجاني ثمن الدواء وأجرة الطبيب إلى أن تندمل الجراحة (قال) ولا ينبغي للحلال أن يعين المحرم على قتل الصيد لان فعل المحرم معصية والاعانة على المعصية معصية فقد سمى رسول الله المعين شريكا ولان لواجب عليه أن يأمره بالمعروف وينهاه عن التعرض للصيد فإذا اشتغل بالاعانة فقد أتى بضد ما هو واجب عليه فكان عاصيا فيه ولكن ليس عليه شئ سوى الاستغفار لان الاصطياد ليس بحرام عليه انما المحرم عليه الاعانة على المعصية وذلك موجب للتوبة (قال) وكذلك لا ينبغي له أن يشتريه منه لان بيعه حرام على المحرم ولان في امتناعه عن الشراء زجرا للمحرم عن اصطياده فانه تقل رغبته في الاصطياد إذا علم أنه لا يشترى منه الصيد وسواء أصاب المحرم الصيد عمدا أو خطأ فعليه الجزاء عندنا وهو قول عمر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص رضى الله عنهم وقال ابن عباس رضى الله عنهما ليس على المحرم في قتل الصيد خطأ جزاء لظاهر قوله تعالى ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم الآية فالتقييد بالعمدية لايجاب الجزاء يمنع وجوبه على المخطئ ولكنا نقول هذا ضمان يعتمد وجوبه الاتلاف فيستوى فيه العامد والخاطئ كغرامات الاموال وهذه كفارة تجب جزاء للفعل فيكون واجبا على المخطئ كالفكارة بقتل المسلم وهذا لان الله تعالى حرم على المحرم قتل الصيد مطلقا وارتكاب ما هو محرم بسبب الاحرام موجب للجزاء عمدا كان أو خطأ فاما تقييده بالعمد في الاية فليس لاجل الجزاء بل لاجل الوعيد المذكور في آخر الآية بقوله عزوجل ليذوق وبال أمره إلى قوله ومن عاد فينتقم الله منه وهذا الوعيد على العامد دون المخطئ ثم ذكر العمد هنا للتنبيه لان الدلالة قد قامت على أن صفة العمدية في القتل مانعة من وجوب الكفارة لتمحض الحظرية فذكره الله هنا حتى يعلم أنه لما وجبت الكفارة هنا إذا كان الفعل عمدا وجب إذا كان خطأ بطريق الاولى وكذلك ان كان هذا القتل أول ما أصاب أو أصاب قبله شيئا فعليه الجزاء في الوجهين جميعا وكأن ابن عباس رضى الله عنه يقول يجب الجزاء على المبتدى بقتل الصيد فأما العائد إليه لا يلزمه الجزاء ولكن يقال له اذهب فينتقم الله منك لظاهر

[ 97 ] قوله تعالى ومن عاد فينتقم الله منه ولكنا نقول بأن الاتلاف لا يختلف بين الابتداء والعود إليه وجزاء الجناية يجب عند العود إليها بطريق الاولى لان جناية العائد أظهر من جناية المبتدى بالفعل مرة فاما الآية فالمراد من عاد بعد العلم بالحرمة كما في قوله تعالى في آية الربا ومن عاد فأولئك أصحاب النار يعنى من عاد إلى المباشرة بعد العلم بالحرمة لا أن يكون المراد العود إلى القتل بعد القتل (قال) وإذا قتل الحلال الصيد في الحرم فعليه قيمته الا على قول أصحاب الظواهر وهذا قول غير معتد به لكونه مخالفا للكتاب والسنة والاجماع اما الكتاب فقوله تعالى لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم يقال في اللغة احرم إذا دخل في احرم كما يقال أشتى إذا دخل في الشتاء وقال ان مكة حرام حرمها الله تعالى يوم خلق السموات والارض لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها ولا ينفر صيدها فإذا ثبت أمن صيد الحرم بهذه النصوص كان القاتل جانيا باتلافه محلا محترما متقوما فيلزمه جزاؤه والجزاء قيمة الصيد كما في حق المرحم الا أن المذهب عندنا ان جزاء صيد الحرم يتأدى باطعام المساكين ولا يتأدى بالصوم وفى التأدى بالهدى روايتان وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يتأدي بالصوم أيضا والمذهب عنده ان الواجب هنا الكفارة كالواجب على المحرم لان الوجوب لمحض حق الله تعالى فيكون الواجب جزاء الفعل بطريق الكفارة بمنزلة ما يجب على المحرم فكما ان ذلك يتأدى بالصوم إذا لم يجد المال عنده فكذلك هنا والمذهب عند الشافعي رحمه الله تعالى ان معنى الغرامة والمقابلة بالمحل يغلب في الفصلين جميعا لان الواجب مثل المتلف بالنص اما من حيث الصورة أو من حيث القيمة ومثل الشئ انما يجب في الاصل ليقوم مقامه فكان جانب المحل هو المراعى في الفصلين جميعا وقد ثبت في حق المحرم ان الواجب يتأدى بالصوم بالنص فكذلك في صيد الحرم واما عندنا الواجب على المحرم بطريق الكفارة فالمعتبر فيه معنى جزاء الفعل لانه لا حرمة في المحل انما المحرم في المباشر وهو احرامه الا ترى أنه بعد ما حل من احرامه يجوز له الاصطياد وان لم يتبدل وصف المحل وجزاء الفعل يجب بطريق الكفارة فأما في صيد الحرم وجوب الجزاء باعتبار وصف ثابت في المحل وهو صفة الامن من الثابت للصيد بسبب الحرم ألا ترى أنه انما يتغير هذا الحكم بتغير وصف المحل بخروجه من الحرم الا الحل ألا ترى أنه كما يجب ضمان الصيد بسبب الحرم يجب ضمان النامى من الاشجار النامية في الحرم لما فيها من حياة مثلها وثبوت الامن

[ 98 ] لها بسبب الحرم ولا شك أن ما يجب بقطع الاشجار يكون غرم المحل فكذلك ما يجب بقتل صيد الحرم يكون غرم المحل فكان هذا بغرامات المالية أشبه فكما لا مدخل للصوم في غرامات الاموال وان كان وجوبها لحق الله تعالى كاتلاف مال الزكاة والعشر فكذلك لا مدخل للصوم في جزاء صيد الحرم يقرره وهو انه لما أزال الامن عن محل أمن لحق الله تعالى فيلزمه بمقابلته اثبات صفة الامن عن الجوع للمسكين حقا لله تعالى وذلك بالاطعام يحصل دون الصيام فاما في صيد الاحرام لما كان الواجب لارتكابه فعلا محرما حقا لله تعالى يتأدي ذلك بفعل ما هو مأمور به حقا لله تعالى وهو الصيام وفي الهدى روايتان هنا في احدى الروايتين يقول لا يتأدى الواجب باراقة الدم بل بالتصدق باللحم حتى يشترط ان تكون قيمة اللحم بعد الذبح مثل قيمة الصيد فان كان دون ذلك لا يتأدى الواجب به وكذلك ان سرق المذبوح لانه لا مدخل لاراقة الدم في الغرامات وانما المعتبر فيه التمليك من المحتاج وذلك يحصل في اللحم وفى الرواية الاخرى يقول يتأدى الواجب باراقة الدم حتى إذا سرق المذبوح لا يلزمه شئ ويشترط ان تكون قيمة قبل الذبح مثل قيمة الصيد لان الهدى مال يجب لله تعالى واراقة الدم طريق صالح لجعل المال خالصا لله تعالى بمنزلة التصدق ألا ترى أن المضحي يجعل الاضحية خالصا لله تعالى باراقة دمها فكذلك هنا (قال) ومن دخل الحرم بصيد فعليه ان يرسله عندنا وقال الشافعي رحمه الله تعالى ليس عليه إرساله لان الامن بسبب الحرم يثبت لحق الشرع فانما يثبت في المباح دون المملوك كالاشجار فان ما ينبته الناس في الحرم لا يثبت فيه حرمة الحرم وقاس هذا بالاسترقاق فان الاسلام يمنع الاسترقاق لحق الشرع ثم لا يزيل الرق الثابت قبله فكذا هذا ولكنا نقول حرمة الحرم في حق الصيد كحرمة الاحرام فكما ان الحرمة بسبب الا حرام تثبت في حق الصيد المملوك حتى يجب ارساله فكذلك الحرمة بسبب الحرم وليس هذا نظير الاشجار لان ما ينبته الناس ليس بمحل لحرمة الحرم أصلا بمنزلة الاهلى من الحيوانات كالابل والبقر والغنم فاما الصيد مملوكا كان أو غير مملوك فهو محل لثبوت الامن له بسبب الحرم فان باع الصيد بعد ما أدخله الحرم كان البيع فاسدا يرد ان كان الصيد قائما وان كان فائتا فعليه جزاؤه لان حرمة الحرم في الصيد مانعة من بيعه كحرمة الاحرام (قال) رجل أدخل الحرم بازيا أو صقرا فعليه ارساله لانه صيد ممتنع فيثبت فيه الامن بسبب الحرم فعليه ارساله كما لو أخذه في الحرم

[ 99 ] فان أرسله فجعل يقتل حمامات الحرم لم يكن عليه في ذلك شئ لانه بارسال ما قصد الاصطياد وانما قصد مباشرة ما هو مستحق عليه وهو رفع اليد عن الصيد الآمن فلا يكون عليه عهدة ما يفعله الصيد بعد ذلك كمن أعتق عبدا عن كفارته فجعل العبد يرتكب الكبائر لا يكون على المعتق شئ من ذلك فهذا مثله (قال) ولا خير فيما يرخص فيه أهل مكة من الحجل واليعاقيب ولا يدخل الحرم شيئا منها لحديث ابن عمر رضى الله عنه ان عبد الله بن عامر رضى الله عنه أهدى إليه بمكة بيض نعام وظبيين حيين فلم يقبلهما وقال أهديتهما إلى آمنين ما كانا أي ماداما يريد به أنهما صارا آمنين بادخالهما في الحرم حيين والحجل واليعاقيب من الصيود فبادخال الحرم اياهما حيين يثبت الامن فيهما فلا يحل تناول شئ منهما وذلك مروى عن عائشة والحسين بن على رضى الله تعالى عنه وعادة أهل مكة في هذا الترخيص بخلاف النص فيكون ساقط الاعتبار فان ذبحهما قبل أن يدخلهما الحرم فلا بأس بتناولهما في الحرم لانه انما أدخل اللحم في الحرم واللحم ليس بصيد (قال) وان رمي صيدا بعض قوائمه في الحل وبعضها في الحرم فعليه جزاؤه لان جزاء صيد الحرم مبنى على الاحتياط ولانه إذا اجتمع المعنى الموجب للاباحة في شئ واحد يغلب الموجب للحظر لقوله ما اجتمع الحلال والحرام في شئ الاغلب الحرام الحلال فلا يحل تناول هذا الصيد لهذا المعنى أيضا قال وان كان الرامى في الحرم والصيد في الحل فقد بينا أن الاصطياد محرم على من كان في الحرم كما هو محرم على المحرم فهذا وما لو كان الصيد في الحرم سواء وان كان الرامى في الحل والصيد في الحل الا أن بينهما قطعة من الحرم فمر فيها السهم فلا شئ عليه ولا بأس بأكله لانا ان اعتبرنا الرامى فهو حلال في الحل وان اعتبرنا جانب الصيد فهو صيد الحل وبمرور السهم في هواء الحرم لا تثبت حرمة الحرم في حق الصيد ولا في حق الرامى والسهم ليس بمحل حرمة الحرم فلهذا لا يجب على الرامى شئ ولا بأس بأكله (قال) وان جرح صيدا في الحل وهو حلال فدخل الحرم ثم مات فيه لم يكن عليه جزاؤه لان فعله في وقت الجرح كان مباحا والسراية أثر الفعل فإذا لم يكن أصل فعله موجبا للجزاء لا يكون أثره موجبا كمن جرح مرتدا فأسلم ثم مات وفى القياس لا بأس بأكل هذا الصيد لان فعله كان مذكيا له موجبا للحل حتى لو مات منه في الحل حل تناوله ولكنه كره أكله استحسانا لما بينا أن حل التناول حكم يثبت عند زهوق الروح عنه وعند ذلك هو صيد

[ 100 ] الحرم فاعتبار هذا الجانب يحرم التناول واعتبار جانب الجرح يبيع تناوله فيترجح الموجب للحرمة على الموجب للحل (قال) وإذا ذبح الهدى في جزاء الصيد بالكوفة وتصدق به لم بجزه من الهدى لان اراقة الدم لا يكون قربة الا في وقت مخصوص أو مكان مخصوص وهو الحرم كيف وقد نص الله تعالى على التبليغ إلى الحرم هنا بقوله عزوجل هديا بالغ الكعبة ولكن ان كانت قيمة اللحم بعد الذبح مثل قيمة الصيد أجزأه من الطعام إذا أصاب كل مسكين قيمة نصف صاع على قياس كفارة اليمين إذا كسى عشرة مساكين ثوبا واحدا أجزأه من الطعام دون الكسوة ان كانت قيمة ما أصاب كل مسكين قيمة نصف صاع من حنطة أو أكثر (قال) وإذا أراد الصوم بالكوفة فذلك جائز في حق المحرم لان الصوم قربة في أي موضع كان فأما صيد الحرم في حق الحلال فقد بينا أنه لا مدخل للصوم فيه الا أن يكون محرما أصاب الصيد في الحرم فحينئذ تتأدى كفارته بالصوم لان في حق المحرم لا يظهر حرمة الحرم فالواجب عليه كفارة ألا ترى أنها لا تتجزى فلهذا يتأدى بالصوم وعلى هذا لو دل محرم على صيد في الحرم وجب عليه الجزاء بخلاف الحلال إذا دل على صيد في الحرم لا يلزمه الجزاء كالمحرم بناء على أصله أن الواجب عليه كفارة حتى تتأدى بالصوم فيكون الدال فيه كالمباشر وقد روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى في هذا الفصل مثل قول زفر رحمه الله تعالى (قال) وإذا أكل المحرم من جزاء الصيد فعليه قيمة ما أكل لان حق الله تعالى بالتصدق تعلق بالمذبوح فإذا صرفه إلى حاجته صار ضامنا قيمته للمساكين وكذلك ان أكله بعد ما ذبحه بمكة فعليه قيمته مذبوحا بخلاف ما إذا سرق فان الهدى قد بلغ محله حين ذبحه بمكة وبقى وجوب التصدق معلقا بعين المذبوح فإذا هلك من غير صنعه لا يلزمه شئ وإذا استهلكه بالاكل فعليه ضمان قيمته للفقراء بمنزلة مال الزكاة فإذا تصدق بهذه القيمة على مسكين واحد أجزأه بمنزلة اللحم إذا تصدق به على مسكين بخلاف ما إذا اختار التكفير بالاطعام فانه لا يجزيه الا أن يطعم كل مسكين نصف صاع لان طعام الكفارة في حق كل مسكين مقدر بنصف صاع كما في كفارة ليمين فاما في الهدى التكفير يحصل باراقة الدم دون التصدق باللحم ثم التصدق بعد ذلك يلزمه باعتبار أنه صار لله تعالى خالصا فهو بمنزلة الزكاة فان شاء صرف الكل إلى مسكين واحد وان شاء فرقه على المساكين وفى التكفير بالطعام إذا أعطى كل مسكين نصف صاع ففضل

[ 101 ] مد تصدق به على مسكين واحد بمنزلة ما لو كان الواجب هذا المقدار يتصدق به على مسكين واحد وان اختار الصوم يصوم باعتبار هذا المد يوما كاملا أو يطعم لان الصوم لا يكون أقل من يوم وله أن يفرق الصوم في جزاء الصيد لانه مطلق في كتاب الله عز وجل قال الله تعالى أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره فان شاء تابع وان شاء فرق (قال) وإذا قتل المحرم الجراد فعليه فيه القيمة لان الجراد من صيد البر وقد روي عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال تمرة خير من جرادة وقصة هذا الحديث ان أهل حمص أصابوا جرادا كثيرا في احرامهم فجعلوا يتصدقون مكان كل جرادة بدرهم فقال عمر رضى الله عنه أرى دراهمكم كثيرة يا أهل حمص تمرة خير من جرادة (قال) وليس على المحرم في قتل البعوض والذباب والنمل والحلمة والقراد شئ لان هذه الاشياء ليست من الصيود فانها لا تنفر من بني آدم ولو كانت من الصيود كانت مؤذية بطبعها فلا شئ على المحرم فيها وقد روى عن عمر رضى الله عنه أنه كان يقرد بعيره في إحرامه وقال ابن عباس رضى الله لعكرمة مولاه قم فقرد البعير فقال أنا محرم فقال لو أمرتك بنحره هل كنت تنحره قال نعم فقال كم من قراد وحمنانة تقتل بالنحر بين انه ليس على المحرم في القراد والحمنانة شئ ويكره له قتل القملة لا لانه صيد ولكن لانه ينمو من بدنه فيكون قتله من قضاء التفث والمحرم ممنوع من ذلك بمنزلة ازالة الشعر فان قتلها فما تصدق به فهو خير من القملة إذ لا خير في القمل كما قال على رضى الله عنه القملة ضالة لا تلتمس فلهذا يخرج عن الواجب بما يتصدق به من قليل أو كثير (قال) ولا بأس للمحرم ان يغتسل فان عمر رضى الله عنه اغتسل وهو محرم وانما أورد هذا لان من الناس من كره ذلك ويقول إن الماء يقتل هوام الرأس وليس كذلك بل الماء لا يزيده الا شعثا (قال) ولو ان حلالا أصاب بيضا من بيض الصيد فأعطاه محرما فشواه فعلى المحرم جزاؤه لان البيض أصل الصيد وقد أفسده المحرم بفعله فعليه جزاؤه ولا بأس بأكله بخلاف الصيد إذا قتله المحرم لانه انما يحرم بفعل المحرم ما يحتاج في حله إلى الذكاة ولا حاجة إلى الذكاة في حل تناول البيض الا ترى ان المسلم والمجوسي فيه سواء فكذا المحرم والحلال ووجوب الجزاء على المحرم لا يوجب الحرمة كما لو دل حلالا على صيد يلزمه الجزاء ولا يحرم به تناول الصيد (قال) محرم أصاب صيدا كثيرا عمل قصد الاحلال والرفض لاحرامه فعليه لذلك كله دم عندنا وقال الشافعي رحمه

[ 102 ] الله تعالى عليه جزاء كل صيد لانه مرتكب محظور الاحرام بقتل كل صيد فيلزمه جزاؤه كما لو لم يقصد رفض الاحرام وهذا لان قصده هذا ليس بشئ لان احرامه لا يرتفض بقتل الصيد فكان وجود هذا القصد كعدمه وهو بناء على أصله ان في وجوب الجزاء العبرة للمحل دون الفعل فلا معتبر بقصده إلى الرفض بفعله ولكنا نقول ان قتل الصيد من محظورات الاحرام وارتكاب محظورات العبادة يوجب ارتفاضها كالصوم والصلاة الا ان الشرع جعل الاحرام لازما لا يخرج منه الا بأداء الاعمال الا ترى انه حين لم يكن لازما في الابتداء كان يرتفض بارتكاب المحظور وكذلك الامة إذا أحرمت بغير اذن مولاها أو المرأة إذا أحرمت بغير اذن زوجها بحجة التطوع لما لم يكن ذلك لازما في حق الزوج كان له ان يحللها بفعل شئ من المحظورات بها فكان هو في قتل الصيود هنا قاصدا إلى تعجيل الاحلال لا إلى الجناية على الاحرام وتعجيل الاحلال يوجب دما واحدا كما في حق المحصر بخلاف ما إذا لم يكن على قصد رفض الاحرام لانه قصد الجناية على الاحرام بقتل كل صيد فيلزمه جزاء كل صيد وقد بينا ان حكم جزاء الصيد في حق المحرم ينبني على قصده حتى ان ضارب الفسطاط لا يكون ضامنا للجزاء بخلاف ناصب الشبكة (قال) ولا يتصدق من جزاء الصيد على والده وولده بمنزلة الزكاة وصدقة الفطر فانه مال وجب التصدق به لحق الله تعالى وان أعطى منه ذميا أجزأه الا ان في رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى حيث كل صدقة واجبة لا يجوز صرفها إلى فقراء أهل الذمة وقد بينا هذه الفصول في كتاب الصوم فهو على ما ذكرناه ثمة (قال) وإذا بلغ جزاء الصيد جزورا فهو أحب إلى من أن يشترى بقيمته أغناما لان المندوب إليه التعظيم في الهدايا قال الله تعالى ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب فما كان أقرب إلى التعظيم فهو أولى وان اشترى أغناما فذبحها تصدق بها أجزأه على قياس سائر الهدايا نحو هدى الاحصار وهدى المتعة (قال) وليس عليه أن يعرف بالجزور في جزاء الصيد ولا أن يقلده لان سنة التقليد والتعريف فيما يكون نسكا وهذا دم كفارة فلا يسن فيه التعريف والتقليد وان كان لو فعل ذلك لا يضره وعلى هذا هدى الاحصار والكفارات وكان المعنى فيه أن ما يكون نسكا فالتشهير فيه أولى ليكون باعثا لغيره على أن يفعل مثل ما فلعه فأما ما يكون كفارة فسببه ارتكاب المحظور فالستر على نفسه في مثله أولى من التشهير قال من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر يستر الله

[ 103 ] تعالى عليه (قال) وإذا رمى الصيد وهو حلال ثم أحرم فليس عليه في ذلك شئ لان فعله في الرمى كان مباحا مطلقا ولان الجناية على الاحرام بما يتعقبه لا بما يسبقه قال وإذا رمى طائرا على غصن شجرة أصلها في الحرم أو في الحل لم ينظر إلى أصلها ولكن ينظر إلى موضع الطائر فان كان ذلك الغصن في الحل فلا جزاء عليه وان كان في الحرم فعليه فيه الجزاء لان قوام الصيد ليس بالغصن قال الله تعالى أو لم يروا إلى الطير مسخرات في جو سماء ما يمسكهن الا الله فكان المعتبر فيه موضع الصيد فان كان ذلك الموضع من هواء الحرم فالصيد صيد الحرم وان كان من هواء الحل فالصيد صيد الحل فأما في قطع الغصن فينظر إلى أصل الشجرة فان كان في الحل فله أن يقطعه وان كان في الحرم فليس له أن يقطعه لان قوام الاغصان بالشجرة فينظر إلى أصل الشجرة فيجعل حكم الاغصان حكم أصلها وان كان بعض الاصل في الحرم وبعضه في الحل فهو من شجر الحرم أيضا لانه اجتمع فيه المعنى الموجب للحظر والموجب للحل فهو بمنزلة صيد قائم بعض قوائمه في الحل وبعضها في الحرم يكون من صيد الحرم بخلاف ما إذا كانت قوائم الصيد في الحل ورأسه في الحرم فان قوامه بقوائمه دون رأسه الا أن يكون نائما ورأسه في الحرم فحينئذ قوامه بجميع بدنه فإذا كان جزء منه في الحرم فهو بمنزلة صيد الحرم ثم الاصل في حرمة أشجار الحرم قوله لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها. قال هشام سألت محمدا رحمه الله تعالى عن معنى هذا اللفظ فقال كل ما لا يقوم على ساق. وروى أن عمر رضى الله تعالى عنه قطع دوحة كانت في موضع الطواف تؤذى الطائفين فتصدق بقيمتها وحرمة أشجار الحرم كحرمة صيد الحرم فان صيد الحرم يأوى إلى أشجار الحرم ويستظل بظلها ويتخذ الاوكار على أغصانها فكما تجب القيمة في صيد الحرم على من أتلفه فكذلك تجب القيمة على من قطعه وشجر الحرم ما ينبت بنفسه لا ما ينبته فأما ما ينبته الناس عادة ليس له حرمة الحرم سواء أنبته انسان أو نبت بنفسه لان الناس يزرعون ويحصدون في الحرم من لدن رسول الله إلى يومنا هذا من غير نكير منكر ولا زجر زاجر فأما مالا ينبته الناس عادة إذا أنبته انسان فلا شئ عليه في قطعه أيضا لانه ملكه والتحق فعله بما ينبته الناس عادة فأما إذا نبت بنفسه فله حرمة الحرم وان كان مملوكا لانسان بأن نبت في ملكه حتى قالوا لو نبت في ملك رجل أم غيلان فقطعه انسان فعليه قيمته لمالكه وعليه قيمة لحق الشرع

[ 104 ] بمنزلة مالو قتل صيدا مملوكا في الحرم (قال) وان قطع رجلان شجرة من شجر الحرم فعليهما قيمة واحدة على قياس صيد الحرم إذا قتله رجلان الا ان هنا يستوى ان كانا محرمين أو حلالين بخلاف صيد الحرم لان حرمة الصيد في حق ا لمحرم بسبب الاحرام فيتكامل على كل واحد منهما فاما حرمة الشجرة بسبب الحرم لان الاحرام يمنع قطع الشجرة فلهذا كان المحرم والحلال في ذلك سواء ويكون الواجب على كل واحد منهما نصف القيمة ولا يجزى فيه الصيام انما يهدى أو يطعم على قياس ما بينا في صيد الحرم في حق الحلال (قال) ولا أحب له ان ينتفع بتلك الشجرة التى أدى قيمتها لانه لو أبيح له ذلك لتطرق الناس إلى مثله فلا تبقى أشجار الحرم وفى ذلك ايحاش صيد الحرم ولكنه لو انتفع بها فلا شئ عليه لان المقطوع صار مملوكا له بما غرم من القيمة وليس للمقطوع حرمة الحرم بعد القطع فلا شئ عليه في الانتفاع الا ترى أنه لو ذبح صيد الحرم ثم تناوله بعد ما أدى الجزاء لم يلزمه بالتناول شئ فهذا مثله فان غرسها فنبتت فله أن يقطعها ويصنع بها ما شاء لان المقطوع ملكه وهو الذى انبته وقد بينا ان ما ينبته الناس لا يثبت فيه حرمة الحرم (قال) وما تكسر من شجر الحرم ويبس حتى سقط فلا بأس بالانتفاع به لان ثبوت الحرمة بسبب الحرم بما يكون ناميا فيه حياة مثله والمتكسر وما يبس ليس فيه معنى النمو فلا بأس بالانتفاع به (قال) ولا يختلى حشيش الحرم ولا يقطع الا الاذخر فانه بلغنا عن رسول الله انه رخص فيه وانما أراد به ما روى أن العباس رضى الله عنه لما قال رسول الله لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها قال الا الاذخر يا رسول الله فانها لقبورهم وبيوتهم أو لبيوتهم وقبورهم فقال الا الاذخر وتأويل هذا أنه كان من قصده ان يستثنى الا أن العباس سبقه لذلك أو كان أوحى إليه أن يرخص فيما يستثنيه العباس رضى الله عنه وكما لا يرخص في قطع الحشيش في الحرم بالمنجل فكذلك لا يرخص في رعى الدواب في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا بأس بالرعى لان الذين يدخلون الحرم للحج أو العمرة يكونون على الدواب ولا يمكنهم منع الدواب من رعى الحشيش ففي ذلك من الحرج ما لا يخفى فيرخص فيه لدفع الحرج وعلى قول ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى لا بأس بأن يحتش ويرعى لاجل البلوى والضرورة فيه فانه يشق على الناس حمل علف الدواب من خارج الحرم ولكن أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى استدلا بقوله

[ 105 ] لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها وفى الاحتشاش ارتكاب النهى وكذلك في رعي الدواب لان مشافر الدواب كالمناجل وانما تعتبر البلوى فيما ليس فيه نص بخلافه فاما مع وجود النص لا معتبر به (قال) ولا بأس بأخذ الكمأة في الحرم لانه ليس من نبات الارض بل هو مودع فيه وكذلك لا بأس بأخذ حجارة الحرم وقد نقل عن ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهما انهما كرها ذلك ولكنا نأخذ بالعادة الجارية الظاهرة فيما بين الناس باخراج القدور ونحوها من الحرم ولان الانتفاع بالحجر في الحرم مباح وما يجوز الانتفاع به في الحرم يجوز اخراجه من الحرم أيضا ثم حرمة الحرم خاصة بمكة عندنا وليس للمدينة حرمة الحرم في حق الصيود والاشجار ونحوها وقال الشافعي رحمه الله تعالى للمدينة حرمة الحرم حتى ان من قبل صيدا فيها فعليه الجزاء لقوله ان إبراهيم عليه السلام حرم مكة وأنا أحرم ما بين لابتيها يعنى المدينة وقال من رأيتموه يصطاد في المدينة فخذوا ثيابه وحجتنا في ذلك ما روى أن رسول الله اعطى بعض الصبيان بالمدينة طائرا فطار من يده فجعل يتأسف على ذلك ورسول الله يقول يا أبا عمير ما فعل النغير اسم ذلك الطير وهو طير صغير مثل العصفور ولو كان للصيد في المدينة حرمة الحرم لما ناوله رسول الله صبيا ولان هذه بقعة يجوز دخولها بغير احرام فتكون قياس سائر البلدان بخلاف الحرم فانه ليس لاحد ان يدخلها الا محرما (قال) وإذا قتل المحرم البازى المعلم فعليه فيه الكفارة غير قيمته معلما لان وجوب الجزاء باعتبار معني الصيدية فكونه معلما صفة عارضة ليس من الصيدية في شئ لان معني الصيدية في تنفره وبكونه معلما ينتقص ذلك ولا يزداد لان توحشه من الناس يقل إذا كان معلما فلا يجوز ان يكون ذلك زائدا في الجزاء بخلاف ما إذا كان مملوكا لانسان فان متلفه يغرم قيمته معلما لان وجوب القيمة هناك باعتبار المالية وماليته بكونه متنفعا به وذلك يزداد بكونه معلما وكذلك الحمامة إذا كانت تجئ من موضع كذا ففى ضمان قيمتها على المحرم لا يعتبر ذلك المعنى وفى ضمان قيمتها للعباد يعتبر فاما إذا كانت تصوت فتزداد قيمتها لذلك ففي اعتبار ذلك في الجزاء روايتان في احدى الروايتين لا يعتبر لانه ليس من معنى الصيدية في شئ وفى رواية أخرى يعتبر لانه وصف ثابت بأصل الخلقة بمنزلة الحمام إذا كان مطوقا (قال) وإذا اضطر المحرم إلى قتل الصيد فلا بأس بان يقتله ليأكل من لحمه ويؤدى الجزاء وقد بينا هذا فيما

[ 106 ] سبق أورد في كتاب اختلاف زفر ويعقوب رحمهما الله تعالى انه إذا اضطر إلى ميتة أو صيد فعلى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى يتناول من هذا الصيد ويؤدى الجزاء وعلى قول زفر رحمه الله تعالى يتناول من الميتة لانه لو قتل الصيد صار ميتة فيكون جامعا بين أكل الميتة وقتل الصيد وله عن أحدهما غنية بان يتناول الميتة ولكنا نقول حرمة الميتة أغلظ الا ترى ان حرمة الصيد ترتفع بالخروج من الاحرام وحرمة الميتة لا فعليه أن يتحرز عن أغلظ الحرمتين بالاقدام على أهونهما وقتل الصيد وان كان محظور الاحرام ولكنه عند الضرورة لا بأس به كالحلق عند الاذى فلهذا يقتل الصيد ويتناول من لحمه ويؤدى الجزاء والله سبحانه وتعالى أعلم باب المحصر (قال) رضى الله عنه الاصل في حكم الاحصار قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله فان أحصرتم أي منعتم من اتمامهما فما استيسر من الهدى شاة تبعثونها إلى الحرم لتذبح ثم تحلقون لقوله تعالى ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدى محله فعلى المحصر إذا كان محرما بالحج أن يبعث بثمن هدى يشترى له بمكة فيذبح عنه يوم النحر فيحل من احرامه وهذا قول علمائنا رحمهم الله تعالى أن هدى الاحصار مختص بالحرم وعلى قول الشافعي رضى الله عنه لا يختص بالحرم ولكن يذبح الهدى في الموضع الذى يحصر فيه وحجته في ذلك حديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي خرج مع أصحابه رضى الله عنهم معتمرا فأحصر بالحديبية فذبح هداياه وحلق بها وقاضاهم على أن يعود من قابل فيخلو له مكة ثلاثة أيام بغير سلاح فيقضى عمرته فانما نحر رسول الله الهدى في الموضع الذى احصر فيه ولانه لو بعث بالهدى لا يأمن أن لا يفى المبعوث على يده أو يهلك الهدى في الطريق وإذا ذبحه في موضعه يتيقن بوصول الهدى إلى امحله وخروجه من الاحرام بعد اراقة دمه فكان هذا أولى وحجتنا في ذلك قوله تعالى ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدى محله والمراد به الحرم بدليل قوله تعالى ثم محلها إلى البيت العتيق بعد ما ذكر الهدايا ولان التحلل باراقة دم هو قربة واراقة الدم لا يكون قربة الا في مكان مخصوص وهو الحرم أو زمان مخصوص وهو أيام النحر ففى غير ذلك المكان والزمان لا تكون قربة ونقيس هذا

[ 107 ] الدم بدم المتعة من حيث انه تحلل به عن الاحرام وذلك يختص بالحرم فكذا هذا وأما ما روى فقد اختلفت الروايات في نحر رسول الله الهدايا حين أحصر فروى أنه بعث الهدايا على يدي ناجهية لنحرها في الحرم حتى قال ناجية ماذا أصنع فيما يعطب منها قال انحرها واصبغ نعلها بدمها واضرب بها صفحة سنامها وخل بينها وبين الناس ولا تأكل أنت ولا رفقتك منها شيئا وهذه الرواية أقرب إلى موافقة الآية قال الله تعالى هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله فأما الرواية الثانية ان صحة فنقول الحديبية من الحرم فان نصفها من الحل ونصفها من الحرم ومضارب رسول الله كانت في الحل ومصلاه كان في الحرم فانما سيقت الهدايا إلى جانب الحرم منها ونحرت في الحرم فلا يكون للخصم فيه حجة وقيل ان النبي كان مخصوصا بذلك لانه ما كان يجد في ذلك الوقت من يبعث الهدايا على يده إلى الحرم (قال) ثم إذا بعث بالهدى إلى الحرم فذبح عنه فليس عليه حلق ولا تقصير في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى خلافا لابي يوسف رحمه الله تعالى وقد بينا هذا وقال الشافعي رحمه الله تعالى تعالى الحلق نسك فعلى المحصر أن يأتي به ثم عليه عمرة وحجة هكذا روى عن ابن عباس وابن عمر رضى الله تعالى عنهما أما قضاء الحج فان كان محرما بحجة الاسلام فقد بقيت عليه حين لم تصر مؤداة وان كان محرما بحجة التطوع فعليه قضاؤها عندنا لانه صار خارجا منها بعد صحة الشروع قبل أدائها وعند الشافعي رضى الله عنه لا يجب عليه القضاء وهو نظير الشارع في صوم التطوع إذا أفسده وقد بيناه في كتاب الصوم وأما قضاء العمرة فلانه صار في معنى فائت الحج حين كان خروجه بعد صحة الشروع قبل اداء الاعمال وعلى فائت الحج أعمال العمرة فإذا لم يأت بها كان عليه قضاء العمرة أيضا (قال) وإذا بعث بالهدى فان شاء أقام مكانه وان شاء رجع لانه لما صار ممنوعا من الذهاب يخير بين المقام والانصراف وهذا إذا كان محصرا بعد وفان كان محصرا بمرض أصابه فعندنا هو والمحصر بالعدو سواء يتحلل ببعث الهدي وعند الشافعي رحمه الله تعالى ليس للمريض أن يتحلل الا أن يكون شرط ذلك عند احرامه ولكنه يصبر إلى أن يبرأ فان هذا حكم ثابت بالنص من الكتاب والسنة والاية في الاحصار بالعدو بدليل قوله تعالى في آخر الآية فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج وكذلك كان رسول الله محصرا بالعدو ففيما لم يرد

[ 108 ] فيه النص يتمسك بالاصل وهو لزوم الاحرام إلى أن يؤدى الافعال الا أن يشترط ذلك عند الاحرام فحينئذ يصير التحلل له حقا بالشرط لما روى ان ضباعة عمة رسول الله ورضى الله عنها كانت شاكية فقال لها أهلى بالحج واشترطي أن تحلى حيث حبست فلو كان لها أن تتحلل من غير شرط لما أمرها رسول الله صلي الله عليه وسلم بالشرط والمعني فيه أن ما ابتلى به لا يزول بالتحلل فلا يكون له أن يتحلل كالذي ضل الطريق أو أخطأ العدد أو سرقت نفقته بخلاف المحصر بالعدو فان ما ابتلى به هناك يزول بالتحلل لانه يرجع إلى أهله فيندفع شر العدو عنه وحجتنا في ذلك قوله تعالى فان أحصرتم فان أهل اللغة يقولون ان الاحصار لا يكون الا في المرض ففي العدو يقال حصر فهو محصر وفى المرض يقال أحصر فهو محصر وقال الفراء رحمه الله تعالى يقال في العدو والمرض جميعا أحصر وحصر في العدو خاصة فقد اتفقوا على ان لفظة الاحصار تتناول المرض وقوله فإذا أمنتم لا يمنع من حمله على المرض ومعناه إذا برئتم قال الزكام أمان من الجذام والدمامل أمان من الطاعون فعرفنا ان لفظة الامن تطلق في المرض. وفي الحديث عن الحجاج بن عمر رحمه الله تعالى أن النبي قال من كسر أو عرج فعليه الحج من قابل فذكر ذلك لابن عباس وأبي هريرة رضى الله تعالى عنهما فقالا صدق وعن الاسود بن يزيد قال خرجنا من البصرة عمارأ أي معتمرين فلدغ صاحب لنا فأعرضنا الطريق لنسأل من نجده فإذا نحن بركب فيهم ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فسألناه عن ذلك فقال ليبعث صاحبكم بدم ويواعد المبعوث على يديه أي يوم شاء فإذا ذبح عنه حل والمعنى فيه ان المعنى الذى لاجله ثبت حق التحلل للمحصر بالعدو موجود هنا وهو زيادة مدة الاحرام عليه لانه انما التزم إلى أن يؤدى أعمال الحج وبتعذر الاداء تزداد مدة الاحرام عليه ويلحقه في ذلك ضرب مشقة فأثبت له الشرع حق التحلل وهذا المعنى موجود هنا فقد يزداد عليه مدة الاحرام بسبب المرض والمشقة عليه في المكث محرما المرض أكثر فيثبت له حق التحلل بطريق الاولى والدليل على أن المعنى هذا لاما قال ان العدو إذا أحاطوا به من الجوانب الاربعة أو حبسوه في موضع لا يزول ما به بالتحلل بأن ان كان لا يمكنه الرجوع إلى أهله مع ذلك يثبت له حق التحلل عرفنا أن المعنى ما قلنا فأما الذي ضل الطريق عندنا فليس محصرا لانه ان وجد من يبعث بالهدى على يده فذلك الرجل يهديه إلى الطريق فلا حاجة به إلى

[ 109 ] التحلل وان لم يجد من يبعث بالهدى على يديه فانما يتحلل لعجزه عن تبليغ الهدى محله والذى أخطأ العدد فائت الحج وفائت الحج يتحلل باعمال العمرة فأما إذا سرقت نفقته فذكر ابن سماعة عن محمد رحمه الله تعالى أنه ان كان يقدر على المشى فليس له أن يتحلل بالهدى وان كان لا يقدر على المشى فهو محصر يتحلل بالهدي وهكذا قال أبو يوسف رحمه الله تعالى الا انه قال ان كان يعلم انه يقدر على المشى إلى البيت يلزمه المشي والا فلا ولا يبعد ان لا يلزمه المشى في الابتداء ويلزمه بعد الشروع كما لا يلزمه حجة التطوع ابتداء ويلزمه الاتمام إذا شرع فيها والفقير لا يلزمه حجة الاسلام ويلزمه الاتمام إذا شرع فيها (قال) وإذا كان محرما بعمرة فاحصر يتحلل بالهدى الا على قول مالك رحمه الله تعالى فانه يقول حكم الاحصار لمن يخاف الفوت والمعتمر لا يخاف الفوت ولكنا نقول رسول الله حين أحصر بالحديبية كان محرما بالعمرة وقد بينا حديث ابن مسعود رضى الله عنه في الملدوغ والمعنى فيه زيادة مدة الاحرام عليه والمعتمر في هذا كالحاج فيتحلل بالهدى الا انه إذا بعث بالهدى هنا يواعد صاحبه يوما أي يوم شاء لان عمل العمرة لا يختص بوقت فكذا الهدى الذى يتحلل به عن احرام العمرة بخلاف المحصر بالحج على قولهما لان اعمال الحج مختصة بوقت الحج فكذلك الهدى الذى به يتحلل مؤقت بيوم النحر وإذا حل من عمرته فعليه عمرة مكانها لان الشروع فيها قد صح (قال) والقارن يبعث بهديين لانه محرم باحرامين وتحلله عن كل واحد منهما يحصل قبل أداء الاعمال فلهذا يبعث بهديين وإذا تحلل بهما فعليه عمرتان وحجة يقضيهما بقران أو افراد لما بينا ان احدى العمرتين تلزمه للتحلل عن العمرة بعد الشروع فيها والاخرى للتحلل عن احرام الحج وقد بينا في المفرد بالحج ان عليه عمرة وحجة إذا تحلل بالهدى (قال) وان بعث القارن بهدى واحد ليتحلل به من أحد الاحرامين لا يصح ذلك ولا يتحلل به لان أوان التحلل من الاحرامين في حق القارن واحد كما قال فلا أحل منهما وبالهدى الواحد لا يتحلل منهما فلا يكون له ان يتحلل أصلا (قال) وإذا بعث بهديين فلا يحتاج إلى ان يعين الذى للعمرة منهما والذي للحج لان هذا التعيين غير مفيد فلا يعتبر أصلا ثم المذهب عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ان دم الاحصار لا يختص بيوم النحر حتى لو واعد المبعوث على يده بان يذبح عنه في أول أيام العشر جاز وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يختص بيوم الحر فالاهداء دم يتحلل به من احرام الحج فيختص بيوم النحر كهدى


[ 110 ] عدل

المتعة والقران وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول ان الله تعالى نص في هدى الاحصار على مكان بقوله حتى يبلغ الهدى محله فالتقييد بالزمان يكون زيادة عليه فلا يثبت بالرأى ثم هذا بمنزلة دماء الكفارات فانه يجب للاحلال قبل أوانه ولهذا لا يباح التناول منه ودماء الكفارات تختص بالحرم ولا تختص بيوم النحر بخلاف دم المتعة والقران فانه نسك يباح التناول منه بمنزلة الاضحية إذا عرفنا هذا فنقول إذا بعث بالهدى ثم زال الاحصار فالمسألة على ثلاثة أوجه ان كان يقدر على ادراك الحج والهدى جميعا فعليه ان يتوجه لاداء الحج وليس له ان يتحلل بالهدى لان ذلك كان للعجز عن أداء الحج فكان في حكم البدل وقد قدر على الاصل قبل حصول المقصود بالبدل فسقط اعتبار البدل ويلزمه ان يتوجه فإذا أدرك هديه صنع به ما شاء لانه ملكه وقد كان عينه لمقصود وقد استغني عنه وان كان لا يقدر على ادراك الحج والهدي جميعا لا يلزمه التوجه لان العجز عن أداء الاعمال لم ينعدم بزوال الاحصار فكان له ان يتحلل بالهدي وان توجه ليتحلل باعمال العمرة فله ذلك لانه فائت الحج وفائت الحج يتحلل باعمال العمرة وله في هذا التوجه غرض وهو ان لا يلزمه قضاء العمرة وأما إذا قدر على ادراك الحج ولم يقدر على ادراك الهدى وانما يتصور هذا عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا عندهما لان عندهما هذا الهدى يختص بيوم النحر فلا يتصور ادراك الحج دون الهدى ثم في القياس على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى يلزمه أن يتوجه وليس له أن يتحلل بالهدى وهو قول زفر رحمه الله تعالى لان العجز عن أداء الاعمال قد ارتفع بزوال الاحصار وقد بينا أن حكم البدل يسقط اعتباره إذا قدر على الاصل فيلزمه أن يتوجه ولكنه استحسن فقال له أن يتحلل بالهدى لانه لو توجه ضاع ماله فان الهدى ملكه جعله لمقصود وهو التحلل فان كان لا يدركه ولا يتحلل به يضيع ماله وحرمة المال كحرمة النفس فكما كان الخوف على نفسه عذرا له في التحلل فكذلك الخوف على ماله والافضل له أن يتوجه لانه أقرب إلى الوفاء بما وعد وهو أداء ما شرع فيه (قال) وكذلك المرأة تحرم بالحج وليس لها محرم ولا زوج يخرج معها فهى بمنزلة المحصر وهذا بناء على أن المرأة لا يجوز لها أن تخرج لسفر الحج الا مع محرم أو زوج عندنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى إذا وجدت رفقة نساء ثقات فلها أن تخرج وان لم تجد محرما واحتج في ذلك بأن النبي فسر الاستطاعة بالزاد أو الراحلة فاشتراط المحرم يكون زيادة على النص ومثل هذه الزيادة