مبسوط السرخسي - الجزء السابع و العشرون2

[ 83 ] على مال فهو جائز ويلزمه المال ما لم يعجز فإذا عجز قبل أداء المال بطل عنه المال في قول أبي حنيفة وفي قول أبي يوسف ومحمد هو لازم يباع فيه لان هذا دين لزمه في حال الكتابة فيكون بمنزلة سائر ديونه يباع؟ فيه بعد العجز الا أن يقضي المولى عنه وأبو حنيفة يقول لا تأثير لعقد الكتابة في اطلاق الحجر عنه في الجناية والصلح عن دم العمد فكان هو في حق المولى بمنزلة العبد المحجور عليه الا أن في حال قيامه بالكتابة المال انما يؤدي من كسبه وهو أحق بكسبه فكان اقراره معتبرا في حقه وكذلك قبوله بسبب الصلح فإذا عجز صار الحق لمولاه واقراره في حق المولى باطل وكذلك قبوله المال بالصلح عن دم العمد لانه ملتزم مالا لا بازاء مال وذلك غير صحيح في حق المولى فلا يطلب بشئ منه ولا يباع فيه بخلاف سائر الديون فان ذلك لزمه بسبب صار هو يعقد الكتابة منفك الحجر فكذلك السبب في حق المولى قال وإذا قتل المكاتب رجلا عمدا وله وليان فعفا أحدهما يسعى للاخر في نصف القيمة فان وقع رجل في بئر حفرها المكاتب في الطريق قبل القتل فعليه نصف قيمة أخرى لصاحب البئر لانه قد غرم نصف القيمة وجناياته لا تلزمه الا قيمة واحدة فكان عليه نصف قيمة أخرى لصاحب البئر وشاول صاحب البئر صاحب القتيل فيأخذ منه نصف ما أخذ في قول أبي يوسف ومحمد وفي قول أبي حنيفة قسمت القيمة بينهما اثلاثا كما بينا وإذا قتل ابن المكاتب رجلا خطأ ثم ان المكاتب قتل ابنه وهو عبد وقتل آخر خطأ فعليه القيمة يضرب فيها أولياء القتيل الاخر بالدية وأولياء قتيل الابن بقيمة الابن لان الجنايتين إذا حصلتا من المكاتب قبل قضاء القاضي لا يلزمه الا قيمة واحدة وانما يضرب كل واحد منهما في تلك القيمة بمقدار حقه وحق أولياء الحر في الدية وحق أولياء قتيل الابن كان في الدية ولكن بجناية الابن فأما بجناية المكاتب فلا حق لهم قبله الا في قيمة الابن لان المكاتب ما جنى على وليهم انما جنى على الابن الذي كان مستحقا لهم بجنايته فلهذا ضربوا في قيمته بقيمة الدين قال وإذا جنى المكاتب جناية ثم اختلف المكاتب وولي الجناية في قيمة المكاتب وقد علم انها ازدادت أو نقصت فالقول في القيمة قول المكاتب لانكاره الزيادة وعلى المولى اثبات الزيادة بالبينة وانما شرط العلم بانها زادت أو نقصت لانه إذا لم يعلم ذلك ففي قول ابي يوسف الاول يحكم بقيمته في الحال على قياس المدبر كما بينه في أول الجنايات وكذلك لو فقئت عين المكاتب فقال المكاتب جنيت بعد مافقئت عيني فالقول قوله لان المولى يدعي سبق تاريخ في جنايته إلى ما قبل فق ء العين وهو منكر ولان

[ 84 ] الولي يدعي ثبوت حقه في العين المفقوءة والمكاتب منكر لذلك والقول قول المنكر مع يمينه وعلى المولى اثبات ما يدعيه بالبينة والله أعلم بالصواب (كتاب الجنايات) (قال الشيخ الامام الاجل الزاهد رحمه الله) ورضي عنه وعن أسلافه اعلم بان الجناية اسم لفعل محرم شرعا سواء حل بمال أو نفس ولكن في لسان الفقهاء يراد باطلاق اسم الجناية الفعل في النفوس والاطراف فانهم خصوا الفعل في المال باسم وهو الغصب والعرف غيره في سائر الاسامي ثم الجناية على النفوس نهايتها ما يكون عمدا محضا فانها من أعظم المحرمات بعد الاشراك بالله تعالى قال الله تعالى من أجل ذلك كتبتا على بني إسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا فقد جعل قل؟ نفس واحدة كتخريب العالم ان لو كان ذلك في وسع البشر وانما جعله كذلك لان الواحدة يقوم مقام الجماعة في الدعاء إلى الدين وفي الاعانة لكل من ستعان به فان التعاون بين الناس ظاهر فالذي يقتل الواحد يكون قاطعا لهذه المنفعة وأيد هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام لزوال الدنيا أهون على الله تعالى من قتل امرئ مسلم وقال عليه السلام سيات المؤمن فسق وقتاله كفر وهذا وان كان تأويله قتاله لايمانه فظاهره يدل على عظم الجناية في قتل المسلم ولهذا كان ابن عباس رضي الله عنه لا يرى التوبة القاتل العمد ولم يؤخذ بقوله حتى روى ان رجلا سألة فقال ما تقول في من يقتل مؤمنا متعمدا فقال جزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما فقال الا من تاب وعمل صالحا ثم اهتدى فقال وأني يكون له الهدى سمعت رسول الله يقول يؤتى بقاتل العمد يوم القيامة عند عرش الرحمن والمقتول متعلق به ويقول يا رب سل هذا فيم قتلني وفي ذلك نزل قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا وما نسخها شئ بعد نبيكم ولعظم الجناية في قتل العمد لم ير علماؤنا الكفارة على قاتل العمد لان الوعيد المنصوص عليه لا يرتفع بالكفارة والذنب فيه أعظم من أن ترفعه الكفارة ويستوي فيه ان كان عمدا يجب فيه القصاص أولا يجب كالاب إذا قتل ابنه عمدا والرجل إذا قتل من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر الينا عمدا والشافعي يوجب الكفارة باعتبار القتل ولكن لا يقول ان ما يلحقه من المآ ثم يرتفع بالكفارة وكيف يقول ذلك والوعيد منصوص عنده عليه واستدل لايجاب الكفارة

[ 85 ] بالقتل ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة والمراد ايجاب الكفارة بالقتل لا بصفة الخطأ لانه عذر مسقط وربما يقول المراد بالخطأ ما يضاد الصواب قال الله تعالى ان قتلهم كان خطأ كبيرا أي ضد الصواب ويقال فلان أخطا في مسألة كذا إذا لم يصب والعمد ضد الصواب فتتناوله الاية والدليل عليه قوله تعالى فان كان من قوم عدو لكم الاية وانما يقتل المرء عدوه عمدا فعرفنا ان المراد ايجاب الكفارة بقتل العمد وفي حديث وائلة ابن الاسقع قال أتينا رسول الله بصاحب لنا أوجب القتل بالنار فقال عليه السلام اعتقوا عنه رقبة يعتق الله تعالى بكل عضو منها عضوا منه من النار وايجاب النار انما يكون بقتل العمد والمعنى فيه انه قتل آدمى مضمون فيكون موجبا للكفارة كالخطأ وشبه العمد وهذا على أصله صحيح لان اثبات الكفارة بالقياس جائز والزيادة على النص بالقياس جائزة عنده وقياس المنصوص على المنصوص مستقيم عنده وشئ من ذلك لا يجوز عندنا صحيح علينا نفصل الخطأ على طريق الاستدلال وهو أن الكفارة انما وجبت على الخاطئ لانه نقص بفعله من عدد المسلمين أحدهم ممن كان يحضر الجمعة والجماعاة فعليه اقامة نفس مقامها وليس في وسعه ذلك بطريق الاحياء فالزمه الشرع ذلك بطريق التحرير لان الحرية حياة والرق تلف في حق أحكام الدينا وفي هذا المعنى العامد والمخطئ سواء وحجتنا في ذلك قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤة جهنم خالدا فيها فهذا يقتضي أن يكون المذكور في الاية جميع أجزائه ولو أو جبنا عليه الكفارة لكان المذكور بعضى جزئه فيكون فسخا لهذا الحكم ولا وجه لحمل الاية على المستحل لان المذكور في الاية جزاء قتل العمد وإذا حمل على المستحل كان المذكور جزأ لرده وتبين بهذه الاية ان المراد بقوله ومن قتل مؤمنا خطأ الخطأ الذي هو ضد القصد لانه عطف عليه العمد ولا يعطف الشئ على نفسه ولانه قابله بالعمد ومتى قوبل الخطأ بالعمد فالمراد ما يضاد القصد قال الله تعالى وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولانه استثنى الخطأ من التحريم بقوله الاخطأ والاستثناء من التحريم أباحة فلو حمل هذا على ضد الصواب أدى إلى أن يكون القتل الصواب هو المحرم وهذا محال فعرفنا أن المراد الخطأ الذي هو ضد القصد فان أصل ذلك الفعل غير محرم لكونه رمى إلى قصد الصيد أو الحربي لكنه باتصاله بالمحل المحترم يصير محرما ولكن لا يلحقه اثم نفس الفعل لكونه موضوعا عنه كما قال تعالى ولاجناح عليكم فيما أخطأتم به وانما يلحقه به نوع مأثم بسبب ترك التحرز والكفارة

[ 86 ] تلزمه لمحو ذلك الاثم والاثم في حق قاتل العمد ليس من ذلك الجنس حتى تمحوه الكفارة ثم ان الله تعالى ذكر أنواع قتل الخطأ ما يكون منه بين المسلمين وما يكون في دار الحرب لقوله تعالى فان كان من قوم عدو لكم أي في قوم عدو لكم وما يكون في حق أهل الذمة لقوله وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ونص على ايجاب الكفارة في كل نوع ففيه أشاره الا أنه لا مدخل للقياس فيه إذ لو كان للقياس مدخل لنص على الكفارة في نوع من الخطأ ليقاس عليه سائر الانواع وقال عليه السلام خمس من الكبائر لا كفارة فيهن ومن جملتها قتل نفس بغير حق والمشهور من حديث وائلة أتينا رسول الله بصاحب لنا قد أوجب النار فيحتمل أن ذلك بسبب آخر غير القتل ولان صح قوله بالقتل فهو محمول على القتل بالحجر والعصا الكبير ثم مراد رسول الله التطوع بالاعتاق عنه (ألا ترى) أنه خاطب به غير القاتل والكفارة لا تجب على غير القاتل والمعنى فيه أن هذا محظور محض فلا يكون سببا لايجاب الكفارة كالزنا والسرقة وتفسير الوصف انه حرام ليس فيه شبهة الاباحة وتأثيره أن الكفارة دائرة بين العباد والعقوبة فسببهما ما يكون دائرا بين الحظر والاباحة فكما أن المباح المحض وهو القتل بحق لا يصلح سببا للكفارة فكذلك المحظور المحض وانما السبب القتل الخطأ لانه باعتبار اصل الفعل مباح وباعتبار المحل الذي أصابه محظور فكان جائزا وشبه العمد كذلك فان القصد به التأديب والتأديب مباح والقتل بالحجر الكبير عند أبي حنيفة ليس بمحظور محض أيضا من حيث أن الالة باعتبار جنسها ليس بآلة القتل فتتمكن فيه الشبهة ولهذا لم يجعله موجبا للقود ولا يدخل على هذا قتل الاب ابنه عمدا فانه محظور محض وانما لم يكن موجبا للقصاص لانعدام الاهلية فيمن يجب عليه وكذلك قتل المسلم الذي لم يهاجر الينا محظور محض وانما لا يكون موجبا للضمان لانعدام الاحراز بالدار وبه لا تخرج الفعل من أن يكون محظوار محضا وكذلك المسلم يقتل المستأمن عمدا فان الفعل محظور محض وانما لم يجب القصاص به لانعدام تمام لاحراز ثم قد بينا أنه لا مدخل للقياس في هذه المسألة عندنا من الوجوه الذي بيناها وكلامه على طريق الاستدلال ممنوع فان الكفارة وجبت عندنا بطريق الشكر لان الشرع لما عذره بالخطأ وسلم له نفسه فلم يلزمه القصاص مع تحقق الفعل منه كان عليه أن يقيم نفسا مقام نفسه شكرا لله تعالى وذلك في أن يحرر شبحا ليتفرغ لعبادة الله تعالى فإذا عجز عن ذلك شغل نفسه بعبادة

[ 87 ] الله فصام شهرين متتابعين هذا المعنى لا يوجب في حق العامد فان الشرع ألزمه القصاص وما سلم له نفسه والدليل على أن المعنى ليس ما قلتم انه لو قتل مستأمنا أو ذميا خطأ يلزمه الكفارة أيضا وما نقص فيه من عدد المسلمين أحدهم يوضحه ان في نفس المقتول حرمتان والمال في الخطا وجب باعتبار حرمة صاحب النفس فقط فتجب الكفارة باعتبار حرمة حق الله تعالى فاما في العمد الواجب هو العقوبة ولا يجب العقوبة الا باعتبار الحرمتين جميعا لان الفعل لو لم يكن موجبا للعقوبة انما يكون حراما لعينه لمجموع الحرمتين فلا يمكن اثبات الكفارة مع ذلك مع أحكام الدنيا إذا عرفنا هذا فنقول جناية القتل أنواع ثلاثة عمد وخطأ وشبه عمد وقد يكون ذلك من الاحرار وقد يكون من المماليك وكذلك يعرف على الاحرار تارة وعلى المماليك تارة وقد ذكرنا في كتاب الديات عامة أحكام هذه الانواع الا انه ذكر في هذا الكتاب بعض ما لم يذكر هناك من الاحكام وفرع على بعض ما ذكرنا من الاصول هناك فبدأ الكتاب بجناية المدبر وروي عن معاذ بن جبل ان أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما جعل جناية المدبر على سيده وعن عمر بن عبد العزير انه جعل جناية المدبر على مولاه وعن إبراهيم وعن عامر رضي الله عنهما قالا جناية المدبر على مولاه والمراد به ما يكون موجبا للمال من جنايته كالخطأ والعمد فيما دون النفس فأما ما يكون موجبا للقصاص فعلى الجاني خاصة ليس على المولى منه شئ والمراد بايجاب القيمة على المولى بجناية المدبر الا بايجاب الدية على المدبر لان المدبر مملوك والمستحق بجناية المملوك نفسه يدفع بها الا أنه بالتدبير السابق منع دفعه على وجه لم يصر مختارا لانه ما كان يعلم انه يجني ولو منعه بالتدبير بعد الجناية على وجه لم يصر مختارا بان لم يكن عالما بالجناية كان عليه قيمته فكذلك ان منعه بتدبير قبل الجناية وهذه القيمة في مال المولى لا تعقله العاقلة لان وجوبها بجناية مملوكة ووصلة الملك بين المملوك والمالك وهذه القيمة في ذمة المولى لا في ذمة المدبر لان جناية القن لا تتعلق بذمته فكذلك جناية المدبر وعند كثرة قيمة المدبر لا يجب على المولى أكثر من عشرة آلاف الا عشرة لان قيمته بعد الجناية عليه لا تزيد على هذا المقدار فكذلك قيمته عند الجناية منه ويستوى جنايته على النفس وما دونها لان فيما دون النفس الواجب على المولى الاقل من قيمته ومن ارش الجناية لانه لو كان ماكان الواجب دفعه أو فداه بارش الجناية فالقيمة هنا بمنزلة الدفع هناك الا أن التخيير بين القليل والكثير في الجنسين مستقيم وفي جنس واحد لا يستقيم عليه الخلوه عن

[ 88 ] الفائدة فأوجبنا الاقل لهذا فان مات المدبر بعد الجناية فعلى المولى قيمته في ماله لان جنايته ما تعلقت بنفسه ولا بذمته وانما أوجبت القيمة دينا على المولى فبقاء المدبر وموته في ذلك سواء وان اختلفوا في مقدار قيمته بعد موته فالقول قول المولي لانكاره الزيادة وعلى ولي الجناية اثبات ما يدعيه بالبينة وإذا اختلفوا في قيمة وقت جنايته وهو حي وقيمته ألف فقال المولى لم تزل هذه قيمته منذ جنى وقال المولى كانت قيمته يوم الجناية أقل من هذه ولا يعلم متى كانت الجناية لم يصدق واحد منهما وأخذ بالقيمة على ما وجد عليه اليوم على أبي يوسف الاول وقال محمد إذا أقر المجني عليه ان الجناية وقعت قبل اليوم في وقت لا يدرى كم كانت قيمته فيه فالقول قول السيد وهو قول أبي يوسف الا آخر ولو لم يعلم وقت الجناية عليه تجب قيمته للحال اضافة للحادث إلى أقرب الاوقات ولو علم وقت الجناية وعلم انها كانت سابقة فعلى قول أبي يوسف الاول يحكم بقيمته في الحال ولا يصدق المولى في النقصان ولا في قيمته وفي قوله الاخر وهو قول محمد إذا أقر المجني عليه ان الجناية كانت قبل اليوم في وقت لا يدرى كم كانت قيمته يومئذ فالقول قول المولى وجه قوله الاول ان قيمته للحال معلوم وفيما مضى مسببه فيرد المسبب إلى المعلوم ويجعل في الحال شاهدا على ما مضى باعتبار الظاهر فيكون القول قول من شهد له الظاهر كما إذا اختلف رب الماء مع المستأجر في انقطاع الماء في المدة فانه يحكم الحال فيه (ألا ترى) انه لو كان عجل الدفع كان مدفوعا بالجناية في الحال فكذلك إذا لم يكن عجل الدفع كان الواجب على المولى قيمته في الحال الا أن يعلم ان قيمته وقت الجناية كانت دون هذا وجه قوله الاخر ان جنايته لا تتعلق برقبته وانما يقوم في الحال ليتبين به حكم متعلق برقبته ولكن موجب جنايته قيمته في ذمة المولى وقت الجناية وقيمته في الحال لا يكون دليلا على قيمته وقت الجناية إذا القيمة تزاد تارة وتنقص الاخرى فان بقي بينهم الدعوى والانكار فالمولى يدعي الزيادة فيما هو دين له في ذمة المولى والمولى ينكر ذلك فكان القول قول المولى كما في سائر الدعاوي ثم ذكر في الاصل في الدعاوي الجناية على طرف العبد وقد بينا هذا في الزيادات فزاد هاهنا رواية عن أبي يوسف إذا قطع يد عبد كثير القيمة فصالح على عشرة آلاف فاني أرد من الصلح أحد عشر درهما وقال محمد لا يزاد يدل على يد العبد على خمسة آلاف الا خمسة وكان أبو يوسف يقول لما تعذر بدل نفسه بعشرة آلاف فلا بد من أن ينقص بدل طرفه عن بدل نفسه ولانص في مقدار هذا النقصان فقدره بدرهم واحد اعتبارا

[ 89 ] للادمي ومحمد جعل بدل طرفة النصف من بدل نفسه كما في الحر وسوى هذا رواية عن محمد ان الواجب في بدل طرف المملوك نقصان القيمة فقط وهو رواية عن أبي يوسف أيضا وعلى قول أبي حنيفة بدل طرف المملوك يتقدر بنصف بدل نفسه إذا لم يتجاوز الدية الا ان في رواية الحسن عن أبي حنيفة عم جميع الاطراف في ذلك وفي رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة استثنى الاذن والشعر كالحاجب وشعر الرأس واللحية فقال أستقبح اعتبار المملوك بالحر في هذا وأوجب نقصان القيمة وجه قول محمد ان طرف المملوك في حكم المال بدليل انه لا يجرى فيه القصاص بحال ويتحمله العاقلة بالجناية عليه بمنزلة الجناية على سائر الاموال في أنها توجب نقصان المالية بدلا مقدار وجه رواية الحسن عن حنيفة رحمه الله أن الاطراف تابعة للنفس المملوك والحر في ذلك سواء فكما أن موجب الجناية على طرف الحر نصف بدل نفسه فكذلك موجب الجناية على طرف العبد وجه رواية ابي يوسف ان البدل المقدر في الحر تارة يجب لتفويت الزينة وتارة يجب لتفويت الزينه وتارة يجب لتفويت المنفعة ومعنى الزينة في المملوك غير المطلوب وانما المطلوب المنفعة ففي كل طرف يجب بدله باعتبار تفويت المنفعة كان العبد فيه كالحر وفي كل ما يجب في الحر باعتبار تفويت الزينة والجمال كالشعر وقطع الاذن المملوك فيه لا يحلق بالحر ولكن يحلق بالمال فيجب النقصان وهذا لان المملوك يشبه الحر من وجه والمال من وجه والسبيل فيما يردد بين أصلين أن يوفر عليه حظهما وإذا حفر المدير بئرا في الطريق فوقعا فيها رجل فمات فعلى المولى قيمته لانه بالحفر السابق جان على من وقع في البئر بطريق التسبب فان دفع المولى قيمته إلى وليه بقضاء قاض فوهب الولي نصف القيمة للمولى ثم وقع فيها آخر قال يدفع الولي النصف الذي في يده كله إلى الاخر لانه تبين أن القيمة المقبوضة كانت مشتركة بينهما نصفين فهبة المولى النصف ينصرف إلى نصيبه خاصة دون نصيب شريكة فما بقي في يده كله نصيب شريكه ولانه صار مستهلكا كالقائم من القيمة إذ لا فرق بين أن يهب ذلك من المولى وبين أن يهب من أجنبي آخر وما استهلكه كالقائم في يده حكما فعليه أن يدفع نصف قيمته إلى شريكه فان وقع فيها ثالث وقد غرم الواهب نصف القيمة للثاني بأمر القاضي فعلى الواهب لولي الثالث سدس القيمة لانه تبين أن القيمة الواجبة كانت بينهم اثلاثا وان حق الثالث في ثلث القيمة الا ان نصف ذلك في النصف الذي هو في يد الثاني ولاضمان على الاول فيه لانه دفعه بقضاء قاض فيرجع به على الثاني ويأخذ منه ثلث ما في يده ونصف حقه وهو سدس القيمة كان

[ 90 ] في النصف الذي وهبه الاول وهو مستهلك لذلك فلهذا يغرم له سدس القيمة ولا سبيل له على المولى لان المولى قد أدى ما عليه من القيمة وانما يملك الموهوب بتملك صحيح من الواهب ولا سبيل لاحد عليه وان حفر المدبر بئرا في الطريق فوقع فيها رجل فمات ثم كاتب المولى المدبر ثم وقع فيها رجل آخر فعلى المولى قيمته بينهما نصفان ولا شئ على المكاتب لانه انما صار جانيا بالحفر السابق وقد كانت تلك الجناية قبل الكتابة فلهذا لا يجب على المكاتب شئ (ألا ترى) أنه لو أعتقه مولاه أو أدى بدل الكتابة فعتق ثم وقع فيها رجل كان على المولى قيمته ولا شئ على المعتق ولا على عاقلته وعلى هذا يعتبر قيمته يوم الحفر لانه صار بذلك الحفر (ألا ترى) ان عند الوقوع قد يكون المدبر ميتا ولا تتحقق الجناية من الميت وعلى هذا لو أعتقه المولى بعد الحفر ثم وقع المولى في البئر فمات كان دمه هدرا لانه صار جانيا بالحفر وهو كان مملوكا للمولى عند ذلك وجناية المملوك على المالك فيما يوجب المال هدر وكذلك لو وقع فيها عبد للمولي عند ذلك والمولى وارثه أو ابنه أو بعض من لا يرثه الا المولى فدمه هدر لانه لو اعتبر كان موجبا للمولى على نفسه الا المكاتب فان على المولى الاقل من قيمة المكاتب يوم وقع فيها ومن قيمة المدبر يوم حفر البئر يؤدى من ذلك مكاتبته وما بقي فهو ميراث لان المكاتب إذا ترك وفاء فهو في حكم الاجنبي عن المولى فتعتبر الجناية عليه في ايجاب الاقل من قيمته يوم وقع في البئر ومن قيمة المدبر يوم حفر ليؤدي منه المكاتبة فتحصل له الحرية ثم ما بقي ميراث فان كان للمكاتب ولد حر فهو ميراث له والا فهو للمولى بالولاء ويستوي ان كان حفر المدبر البئر قبل أن يكاتب المولى هذا العبد أو بعده لان جنايته فيما اتصلت به حين وقع في البئر وهو مكاتب في هذه الحالة وان كان الواقع فيها ابن المولى وله وارث غير المولى فهو ضامن حصة من يرث معه من قيمة العبد ويسقط حصة بمنزلة دين آخر واجب للابن على الاب ثم مات الابن فانه يسقط حصته من ذلك ويؤدي حصة الابن الاخر ولو حفر المدبر البئر ثم أعتقه المولى ثم مات المولى وقع في البئر انسان فمات كانت قيمة المدبر في مال المولى لان الحفر كان جناية منه في حال كونه مملوكا للمولى وكان موجبه القيمة على المولى إذا اتصل الوقوع به فيكون هذا نظير ما لو حفر المولى بنفسه ثم وقع فيها دابة بعد موته فكما ان هناك قيمة الدابة تكون في تركة المولى فيها هنا قيمة المدبر كذلك وان لم يترك المولى شيأ فلا شئ على ورثته ولا على المعتق لما بينا ان موجب هذه

[ 91 ] الجناية الدين في ذمة المولى وليس على الوارث قضاء دين المورث من مال نفسه ولا على المعتق شئ من دين المعتق مدبر قتل دابة رجل وأحرق ثوب آخر فعليه السعاية في قيمته ذلك كله لان جنايته على المال توجب الضمان دينا في ذمته يقضي من كسبه وسعايته ولكن بصير بهذا مأوذنا له في التجارة حتى لا ينفذ سائر تصرفاته لان انفكاك الحجر منه يعتمد الرضا له من المولى به صريحا أو دلالة ولم يوجد وحاله هاهنا كحال العبد المحجور عليه يلزمه دين بالاستهلاك فلا يصير به مأذونا ولكنه لو اكتسب كسبا أو وهبت له هبة فذلك كله مصروف إلى دينه فان قضى به دين أحدهما كان للاخر أن يشارك فيه لان القاضي لما قضى لهما موجبا الدين في ذمته فقد تعلق حقهما بكسبه فلا يملك تخصيص أحدهما بقضاء دينه وابطال حق الاخر بمنزلة العبد المحجور عليه يخص بعض غرمائه بقضاء الدين من كسبه وهناك حق الباقين حق المشاركة معه ولو ان رجلا أعتق عبدا في مرضه ولا مال له غيره أو ماله غيره يخرج العبد من ثلثه ثم ان العبد قتل سيده خطأ فعليه أن يسعى في قيمتين في قول أبي حنيفة احداهما رد الوصية فان العتق في المرض وصية ولا وصية للقاتل والاخرى لاجل الجناية لان المستسعى في قيمة عبده مكاتب وجناية المكاتب على مولاه خطأ كجناية الاجنبي فيلزمه قيمته كذلك وعند أبي يوسف ومحمد عليه قيمة واحدة لرد الوصية والدية على عاملته لان المستسعى عندهما حر عليه دين فجنايته خطأ تكون على عاقلته ولو أن عبدا جرح مولاه فاعتقه مولاه ثم مات من تلك الجراحة فان كان المولى صاحب فراش سعى العبد في قيمته لورثته وان كان المولى يجئ‌ئ ويذهب فالعبد حر لا سبيل عليه لانه إذا كان صاحب فراش فهو مريض والاعتاق منه بمنزلة الوصية ولا وصية لقاتل وإذا كان يذهب ويجئ فهو بمنزلة الصحيح ينفذ اعتاقه لا بطريق الوصية (ألا ترى) ان رجلا لو جرح رجلا جراحة وأقر له بدين وهو يجئ ويذهب جاز وان كان صاحب فراش لم يجز وحصل ذلك بمنزلة الوصية منه للقاتل ولو ان مدبرة قتلت مولاها خطأ وهي حبلى ثم ولدت بعد موته فلا سعاية على ولدها في شئ من قيمته لانه وجب عليها السعاية في قيمتها لرد الوصية فكانت كالمكاتبة عند أبي حنيفة والمكاتبة إذا ولدت ولدا فالولد يدخل في كتابتها ويعتق بعتقها وليس عليه شئ من بدل الكتابة وعندهما هي حرة والولد ينفصل عنها حرا ولو جرحت مولاها ثم ولدت ثم مات المولى من تلك الجراحة فعليها السعاية في قيمتها لرد الوصية ويعتق الولد من الثلث لان الولد انفصل عنها وهي مدبرة فان المولى حي حين ولدت وهي انما

[ 92 ] تعتق بموت المولى وولد المدبرة مدبر ولم يوجد من الولد ما يحرمه من الوصية فكان هذا من الثلث مدبر تاجر عليه دين قتل مولاه خطأ فعليه أن يسعى في قيمة رقبته لغرمائه وما بقي من الدين عليه على حاله أما وجوب السعاية عليه في قيمتة رقبته فلرد الوصية حين قتل مولاه ثم غرماؤه أحق بهذه القيمة من المولى لان المولى صار ضامنا لهم شيأ فان حقهم كان في كسبه (ألا ترى) ان المولى لو أعتقه في حياته لم يغرم لهم شيأ فكذلك إذا أعتق بموته ولكن هذه القيمة بدل ماليته وغرماؤه أحق بمكاتبته من مولاه (ألا ترى) انه لو قتل في حياة مولاه كانت قيمته لغرمائه دون مولاه وأما وجوب ما بقي من الدين عليه فلان في حال حياة المولى كان الدين واجبا بمعاملته فبقي بعد موت المولى على حاله وكذلك لو كان عبدا مأذونا عليه دين جرح مولاه ثم أعتقه المولى وهو صاحب فراش ثم مات من جراحه ولا مال له غيره لانه أعتقه وهو مريض فيكون ذلك بمنزلة الوصية ولا وصية لقاتل وان أعتقه وهو يجئ ويذهب فان كان ترك مالا فغرماء العبد بالخيار ان شاؤا أخذوا قيمة العبد من تركته لان المولى أتلف عليهم مالية رقبته بالاعتاق ويأخذون قيمته من تركته ويتبعون العبد ببقية دينهم وان شاؤا باعوا العبد بجميع دينهم لكن الدين واجب بمعاملته في ذمته ولا سعاية على العبد لورثة المولى لان المولى أعتقه في صحته مدبر ضرب مولاه ورجلا أجنبيا خطأ بدئ باحدهما قبل الاخر الا ان كان الاجنبي مات قبل المولى فلورثة الاجنبي قيمة المدبر في مال المولى لانه صار قاتلا له وهو مدبر فيجب قيمته دينا في ذمة المولى ويستوفي من تركته بعد موته ويسعى المدبر في قيمته لورثته لانه صار قاتلا لمولاه فصار محروما من الوصية فعليه رد قيمته للورثة لبطلان الوصية وكذلك لو مات المولى قبل الاجنبي لان المدبر انما صار قاتلا للاجنبي بالضربة وقد وجدت منه في حال حياة المولى فيكون موجبها القيمة على المولى (ألا ترى) ان مدبرا لو جرح رجلا ثم مات المولى بعد ذلك كانت القيمة في مال المولى وكذلك ان لم يعلم انهما ماتا أولا لا ان قد علمنا ان الجناية من المدبر لان قيمته كانت دينا لهم على المولى وما يسعى فيه المدبر ملك المولى وحق غرمائه في ملكه مقدم على حق ورثته وان كان لرجلين مدبران لكل واحد منهما مدبر فقطع كل واحد منهما يد صاحبه فيرثا جميعا فان سيد كل واحد منهما يضمن نصف قيمة مدبر صاحبه يوم جنى عليه مدبره الا أن يكون قيمة مدبره أقل من ذلك لان موجب جناية المدبر الاقل من قيمته مدبرا ومن ارش الجناية فان ماتا جميعا ضمن كل واحد منهم قيمة مدبره الا أن يكون قيمة

[ 93 ] مدبر صاحبه أقل فحينئذ يلزمه ذلك لان كل منهما صار قاتلا لصاحبه بفعل كان منه في حياته فموته بعد ذلك لا يمنع وجوب القيمة على المولى وان مات أحدهما دون الاخر فعلى مولى الباقي الاقل من قيمة مدبره ومن قيمة المقتول وعلى مولى المقتول الاقل من قيمة الميت ومن نصف قيمة الحي لان ارش الجناية عليه هذا المقدار وان أعتقهما مولاهما بعد الجناية كان على كل واحد منهما الاقل من قيمة مدبره وارش جنايته على صاحبه إلى يوم أعتق الاخر سيده ولا يضمن الفضل الذي حدث في الجناية بعد العتق لان اعتاق المجني عليه بمنزلة البرء في انقطاع السراية به لمعنى يبدل المستحق وقد بيناه في الديات مدبر بين رجلين أثلاثا جنا جناية فعليهما قيمته على قدر حصتهما فيه لان وجوب القيمة على المولى لمنعه دفع الرقبة بالتدبير السابق وانما منع كل واحد منهم بقدر ملكه فيلزمه من القيمة بقدر ذلك وكذلك لو كان أحدهما دبر نصيبه منه وأختار الاخر تركه على حاله في قول أبي حنيفة لان التدبير عنده يتجزأ الا أن الاخر لا يخاطب بالدفع أو الفداء في نصيبه لان مدبر البعض لا يحتمل التمليك كمعتق البعض فيتعذر عليه دفع نصيبه كما يتعذر عليه نصيبه مدبر بين رجلين على أحدهما جناية فعلى الاخر نصف قيمته له لان قيمته نصيب المجني عليه فما يكون موجبا للمال عليه هدر وجناية نصيب صاحبه عليه معتبرة (ألا ترى) أنه لو كان محل الدفع كان يخاطب صاحبه بدفع نصيبه إليه فكذلك يخاطب بدفع نصف القيمة إليه إذا كان نصيبه مدبرا فان أعطى ذلك بامر القاضي ثم جنى المدبر على أجنبي فعلى المولى المجني عليه نصف قيمة المدبر للاجنبي لان الجناية الاولى لم تثبت في نصيبه فكأنه لم يوجد من نصيبه الا هذه الجناية على الاجنبي فيغرم نصف قيمته له فيكون النصف الباقي فيما أخذه المولى المجني عليه من صاحبه يقتسمانه على مقدار انصاف جنايتهما لانه اجتمع في ذلك النصف جنايتان والمولى لا يغرم بجنايات المدبر وان كثرت الا قيمة واحدة وقد غرم قيمة نصيبه للمجني عليه مرة فلا يغرم شيأ آخر ولكن ما غرم يكون مشتركا بينهما لان الاجنبي قد وصل إليه نصف حقه فان ما بقي نصف حقه والمولى المجني عليه ما تثبت من الجناية عليه الا نصفه فكان هذا النصف بينهما نصفان فان جنى المدبر بعد ذلك جناية مالية لم يكن على الموليين بسبب هذه الجناية شئ آخر لان كل واد منهما غرم قيمة نصيبه مرة ولكن الاخر يتبع المولى المجني عليه الاول فيكون ما أخذه المولى والاول بينهما وبين هذا الاخر يضرب فيه كل واحد منهم بنصف حقه ويكون ما أخذ الاول أيضا من المولى المجني عليه بينه وبين هذا الاخر

[ 94 ] يضرب كل واحد منهما فيه بنصف الجناية لاستواء حقهما فيه وكذلك ان جنى بعد ذلك جناية أخرى فهو على هذا القياس والمعنى الذي بينا يعم الفصول كلها وإذا جنى المدبر على أحد مولييه جناية تزيد على قيمته فغرم شريكه له نصف قيمته بامر القاضي ثم جنى المدبر على الاخر فغرم شريكه له نصف قيمته بامر القاضي ثم جنى على اجنبي جناية فانه يضرب مع كل واحد من الموليين فيما في يده بنصف الجناية لان كل واحد من الموليين غرم قيمة نصيبه بجنايته المدبر مرة فلا يغرم شيأ آخر ثم حق الاخر استوى بحق كل واحد من الموليين في النصف الذي وصل إليه من القيمة فكذلك يقسم لك نصف بينه وبين من في يده نصفان رجل مات وترك مدبرا لا مال له غيره فجنى المدبر جناية فعليه أن يسعى في الاقل من قيمته ومن ارش الجناية ويسعى المدبر في ثلثي قيمته في قول أبي حنيفة لان بموت المولى عتق ثلثه بالتدبير ولزمه السعاية في ثلثى قيمته والمستسعى بمنزلة المكاتب عنده وجناية المكاتب توجب عليه في كسبه الاقل من قيمته ومن ارش الجناية وعلى قولهما حر عليه دين فجنايته تكون على عاقلته وعاقلته عاقلة مولاه ثم عند أبي حنيفة حكمه في الجناية كحكم المكاتب حتى إذا جنى جنايتين قبل ان يقضي القاضي عليه بشئ فليس عليه الا قيمة واحد الا أن يكون القاضي قضى عليه للاول بالقيمة ثم جنى جنايته أخرى فحينئذ تلزمه القيمة للثاني وعلى قول زفر لا فرق بين ما قبل القضاء وبين ما بعده وهو قول أبي يوسف الاول وقد بينا هذا في الديات وفيه اشكال هاهنا فان في المكاتب جعلنا جنايته في رقبته لتوهم دفعه بالجناية بعد العجز وهذا لا يتحقق في معتق البعض فكان ينبغي أن يكون موجب جنايته القيمة في ذمته ابتداء سواء قضى بها القاضي أو لم يقض ولكنا نقول الدفع هاهنا متوهم أيضا فان من العلماء من يقول معتق البعض يستدام فيه الرق فيما بقي منه ويكون محتملا للتمليك والتملك فان اجتهد القاضي هذا القول حكم به عند عجزه عن الاداء بعد حكمه فلهذا تتعلق بجنايته برقبته كما تتعلق بجناية المكاتب الا أنهما يفترقان في فصل وهو أن هذا المدبر لو مات بعد جنايته قبل أن يسعى في ثلثي قيمته للورثة وعليه دين فان ما تركه بين أصحاب الجناية وأصحاب الدين الذين لهم عليه بالحصص بخلاف المكاتب فقد بينا أن هناك إذا لم يقض القاضي بالجناية على المكاتب حتى مات وعليه دين كان صاحب الدين مقدما على صاحب الجناية لان هناك بموته عاجزا تنفسخ الكتابة ويبطل حق ولي الجناية فكان صاحب الدين أقوى من هذا الوجه وهذا المعنى لا يوجد هنا فان بموته لا ينفسخ السبب الموجب للسعاية

[ 95 ] عليه ولكن يتحول حق ولي الجناية إلى القيمة باعتبار الناس عن الدفع سواء كان قضى القاضي بالدفع أو لم يقض فلهذا كان مساويا لصاحب الدين ولو ترك ولدا له من ابنه ولم يترك مالا يسعى الولد فيما على أبيه لانه بمنزلة ولدا لمكاتبة وقد بينا أن الولد هناك بعد موت أبيه يسعى في بدل الكتابة وفيما كان على ابنه لاصحاب الدين والجناية فان كان المدبر قد سعى فيما قد كان للورثة ولم يقض القاضي عليه بالجناية حتى مات الاب يسعى في ثلثي قيمة أبيه لان هذا بمنزلة بدل الكتابة وفيما على أبيه لاصحاب الدين والجناية فان كان المدبر قد سعى فيما قد كان للورثة ولم يقض القاضي عليه بالجناية حتى مات الاب لم يسع الابن في شئ لان الاب عتق باداء ثلثي قيمته إلى ورثته والولد عتق بعتقه وانما كان يجب عليه السعاية لتنفيذ العتق بالاداء فإذا عتق بالاول في حياته بشئ من دين أبيه كما لا يطالب به سائر ورثة أبيه رجل أوصي بعتق عبد له يخرج من ثلثه ثم مات الموصى فجني العبد جناية بعد موته قال يدفعه إلى الورثة وتبطل الوصية أو يفدونه متطوعين من أموالهم ويعتقونه عن الميت لان الوصية بالعتق لا تصير منفذة بدون التنفيذ فجنى بعد موت المولى قبل أن يعتق كان هو بمحل الدفع وهو مبقي على محل ملك المولى فيخاطب من يخلف المولى بالدفع وإذا دفعه بطلت الوصية لفوات محلها فإذا اختار فداه فهو متطوع في ذلك في غير محله عليه فهو كما لو تبرع أجنبي بالفداء عنه وإذا ظهر عن الجناية يعتق عن الميت كما كان يعتق قبل الجناية فان لم يكن له مال غيره وفدوه أعتق واستسعى في ثلثي قيمته لان الوصية بالعتق انما تنفذ من ثلثه وجناية المدبر الذمي بمنزلة جناية مدبر المسلم لانه مانع دفع الرقبة بالتدبير السابق كالمسلم فان الذمي ملزم أحكام الاسلام فيما يرجع إلى المعاملات فليس له أن يتبع مدبره كما ليس له أن يتبع أم ولده وسواء ما جنبي قبل اسلامه وما جنى بعد اسلامه ما لم يقض عليه بالسعاية لمولاه الذمي من أجل اسلام المدبر لان نفس الاسلام لا يضر ما لم يقض عليه بالسعاية (ألا ترى) ان مولاه لو أسلم بقى مدبرا له على حاله فيكون موجب جنايته على مولاه فان قضى القاضي عليه بالسعاية في قيمته ثم جنى كان عليه في كسبه الاقل من قيمته ومن ارش الجناية لانه صار بمنزلة المكاتب بقضاء القاضي (ألا ترى) ان مولاه لو أسلم بعد هذا بقى هو في حكم المكاتب يعتق باداء القيمة الا ان يعجز عنها فيكون هو في جنايته كالمكاتب وهذا بالاجماع أما عند أبي حنيفة فلان المستسعى بمنزلة المكاتب بقضاء القاضي وأما عندهما فلانه انما يسعى ليعتق بخلاف معتق البعض وأما مدبر

[ 96 ] العبد الحربى المستأمن فان كان دبره في دار الحرب ثم جنى العبد في دار الاسلام قيل للحربي ادفعه أو افده لان التدبير في دار الحرب باطل بمنزلة الاعتاق فان الحربي إذا أعتق عبده في دار الحرب كان عتقه باطلا وأذا أخرجه إلى دار الاسلام كان له أن يتبعه فكذا إذا دبره في دار الحرب كان له أن يتبعه في دار الاسلام وان كان بمحل التبع يخاطب مولاه في جنايته بالدفع أو الفداء وان كان دبره في دار الاسلام فهو بمنزلة مدبر الذمي لان تدبيره في دار الاسلام صحيح كاعتاقه فيتعذر به دفع الرقبة ويلزمه القيمة بجنايته دينا عليه فان دبره في دار الاسلام ثم لحق الحربي بدار الحرب والعبد في دار الاسلام ثم جنى جناية لم يكن على العبد منها شئ لان موجب جناية المدبر القيمة دينا في ذمة مولاه والدين في ذمة الحربي لا تعلق له بمدبره فان رجع الحربي بامان أو مسلما أو أسلم أهل داره أخذه بقيمته كما يؤخذ بسائر الديون الواجبة عليه فان سبى الحربي فالمدبر حر لان نفسه تبدلت بالسبي من صفة المالكية إلى صفة المملوكية وذلك كموته حكما فيعتق به مدبره لان الحرية حياة والرق تلف ولانه بالرق خرج من أن يكون أهلا للملك فلا يبقى المدبر على ملكه ولا يحتمل أن النقل إلى غيره فيعتق لهذا والجناية تبطل لانها كانت دينا عليه والحربي إذا سبي عليه دين يبطل وقد بينا هذا في المأذون وان قتل المولى ولم يسب أو مات فالمدبر وليس عليه شئ من السعاية للمسلمين ولا لورثة الحربى لان حكم الامان باق في هذا المدبر ولا حرمة لحق ورثته من أهل الحرب فلا يجب على المدبر السعاية لحقهم ولكنه مدبر مات مولاه لا وراث له فيعتق كله من غير سعاية وإذا فقأ الحر عين مدبر أو أم ولد أو مكاتب أو قطع يديه أو أذينه أو رجليه كان عليه نقصان ذلك لان ايجاب جميع القيمة على الجاني غير ممكن هاهنا فان شرط وجوب جميع قيمة الدية دفع الجثة بدليل انه لو كان قنا فغرم الجاني جميع القيمة بهذه الجناية سلمت له الجثة و اتخاذ هذا الشرط متعذر في هؤلاء فيكون الواجب نقصان المالية بمنزلة ما لو جنى على المملوك جناية لها ارش مقدر فانه يجب نقصان ولو فعل ذلك بعبد بأن فقأ عينه أو قطع بدية كان عليه قيمته كاملة فإذا أخذها المولى دفع إليه الجثة عندنا وقال الشافعي ليس عليه دفع الجثة إلى الجاني ولكن يأخذ منه القيمة ويسلم له الجثة لان القيمة بدل عن الفائت خاصة فان الجناية على المماليك بمنزلة الجناية على الاحرار ولهذا يقدر بدل طرفه بكمال بدل نفسه كما في الحريم الواجب في حق الحر يكون بدلا عن الفائت دون القائم فكذا منه في حق العبد وهذا على أصله مستقيم فانه يجعل

[ 97 ] طرف العبد مضمونا بالقصاص بطرف الحر ولا أجمعنا على أنه لو قطع إحدى اليدين من العبد بغرم نصف القيمة ولا يملك به شيأ من الجثة بل يكون ذلك بدلا عن الفائت خاصة فكذلك إذا قطع اليدين اعتبارا للكل بالبعض وأصحابنا يقولون يوفر على المولى كمال بدل ملكه وملكه محتمل للنقل فلا يحتمل للبدل على نفسه على ملكه كالغاصب إذا أخذ منه المغصوب القيمة بطريق الصلح بالاتفاق أو بقضاء القاضي عندنا وهذا لان البدل والمبدل لا يجتمعان في ملك رجل والضمان انما يجب جبرا للفائت فمع بقاء أصل ملكه في العين لا يملك ايجاب الضمان بطريق الجبران ثم الدليل على أن الواجب هاهنا بدل عن جميع العبد لان الواجب يقدر بمالية العبد وان العبد صارفي حكم المستهلك لفوات منفعة الجنس منه ولو كان مستهلكا حقيقة كان الواجب من القيمة بدلا عنه فكذلك إذا صار مستهلكا حكما وإذا ثبت ان الواجب بدل عن الكل فيملك به ما يحتمل دون مالا يحتمله والجثة وان كانت مستهلكة حكما فهي محل التمليك بخلاف ما إذا كانت مستهلكة حقيقة فأما في الحر لا يمكن أن يجعل بمقابلة الجثة إذ لا قيمة للحربي الحر لان جعل القيمة بمقابلة الجثة انما يجعل ليتملك والحر لا يحتمل ذلك فلو جعلنا الدية بمقابلة الجثة انما يجعل ليتمكن من اتلافه الجثة وهذا لا وجه له فأما إذا قطع احدى اليدين من العبد فهناك الجثة قائمة حقيقة وحكما لبقاء منفعتها فيجعل الواجب بمقابلة المتلف خاصة وهذا لان الواجب جزء من مالية المعتق والفائت جزء من العين فيمكن جعل الجزء بمقابلة الجزء وهاهنا الواجب جميع مالية العين والفائت جزء من العين حقيقة وجميع المالية لا يمكن أن تجعل بمقابلة الجزء فلهذا جعلنا القيمة بمقابلة الكل يوضحه أنه إذا غرم نصف القيمة بقطع احدى اليدين فأما أن ملك نصفا معينا من جانب اليد المقطوعة ولحيوان لا يحتمل ذلك أو نصفا شائعا من جميع العبد فيكون ذلك ثلاثة ارباعه معنى لان اليد من الآدمى نصفه وقد فات النصف وملك نصف ما بقي فذلك ثلاثة أرباع ولايجوز أن يسلم ثلاثة أرباعه بضمان نصف القيمة فأما هاهنا الواجب جميع مالية العين ولا يسلم له الا جميع مالية العين تمليكا واتلافا فان أبي المولى ان يدفع الجثة فلم يكن له أن يرجع بشئ على الجاني في قول أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله له أن يرجع بنقصان المالية وفي ظاهر المذهب عندنا الخيار ثبت للمولى بين أن يدفع الجثة ويأخذ القيمة وبين أن يمسك ويأخذ النقصان وكان أبو بكر الاعمش رحمه الله يقول الخيار للجاني بين أن يأخذ الجثة ويغرم القيمة وبين أن يغرم النقصان

[ 98 ] ولا يأخذ الجثة لان الضمان عليه فالخيار في مقدار ما يلزمه من الضمان إليه والاصح هو الاول ووجه قولهما أن العبد في حكم الجناية على أطرافه بمنزلة المال حتى لا يتعلق القصاص بالجناية على أطرافه بحال ولا تتحمله العاقلة وتجب بالغة ما بلغت فعرفنا انه بمنزلة المال وفي الجناية على الاموال يثبت الخيار للمالك بمنزلة ما لو خرق ثوب انسان خرقا فاحشا أو قطع بعض قوائم دابة الغير كان لصاحبها الخيار بين أن يضمنه جميع القيمة ويسلم العين إليه وبين أن يضمنه النقصان فهذا مثله وهذا بخلاف الجناية على الحر لانه لا يمكن النقصان في بدل نفسه بالجناية على طرفه وها هنا يمكن النقصان من بدل نفسه بالجناية على طرفه فيعتبر النقصان ها هنا (ألا ترى) أن في الجناية على المدبر يعتبر نقصان المالية لتعذر الدفع فكذلك في الجناية على القن فإذا امتنع دفع الرقبة التحق بما لو كان الدفع متعذرا والدليل أن البائع لو قطع يدي المبيع قبل القبض واختار المشتري امضاء العقد فانه يسقط عنه من الثمن حصة نقصان المالية لهذا المعنى ان يقطع اليدين النقصان في بدل نفسه فيعتبر ذلك النقصان من قيمة الثمن فكذلك هاهنا وأبو حنيفة يقول الجناية على بني آدم ان أوجبت كمال بدل النفس لا يكون موجب النقصان كما في الجناية على الاحرار وهذا لان كمال بدل النفس وجويه بالنص والنقصان انما يكون بطريق الاجتهاد والحذر والاجتهاد في غير موضع النص فمع وجود النص لا معنى لاعتبار النقصان وبه فارق المدبر ان ما وجب هناك جميع بدل النفس بالجناية على أطرافه (ألا ترى) انه ليس للمولى أن يأخذ القيمة فوجب اعتبار النقصان بطريق المصير إلى الاجتهاد في غير موضع النص وكذلك في جناية البائع لان مع امضاء المشتري العقد لا يجب جميع بدل النفس بجناية البائع فاعتبرنا منها النقصان لذلك وحقيقة المعنى فيه وهو ان الجناية على اطراف المماليك من وجه بمنزلة الجناية على الاموال ومن وجه بمنزلة الجناية على الاحرار (ألا ترى) انه يجب جميع بدل النفس بقطع الطرف وان الاطراف تابعة للنفس فإذا كان معنى النفسية معتبرا في الجناية على نفس المملوك فكذلك في الجناية على أطرافه وما تردد بين أصلين توفر حظه عليهما فلشبهه بالجناية على الاموال قلنا إذا لم يكن محل الدفع يجب النقصان ولشبهه بجناية الاحرار قلنا إذا وجب كمال النفس لا يعتبر النقصان فإذا ثبت ان الواجب هاهنا هو القيمة دون النقصان عن شرط استيفاء جميع القيمة تسلم الجثة فإذا منع المولى هذا الشرط باختياره لم يكن له أن يرجع بشئ كما لو كسر قلب فضه لانسان فان لصاحب القلب أن يضمنه

[ 99 ] قيمة القلب مصوغا من الذهب ويسلم إليه المكسور وإذا أمسك المكسور لم يكن له أن يرجع عليه بشئ لانه منع ايجاد شرط سلامة القيمة له فيكون كالمبرئ له عن ضمان القيمة فكذلك هاهنا رجل غصب مدبر رجل فقتل عنده قتيلا خطأ ثم رده على المولى فعلى الولى قيمته ويرجع به على الغاصب لان ذلك لزمه بجناية كانت عنده (ألا ترى) ان المغصوب لو كان عبدا فدفعه المولى بالجناية رجع بقيمته على الغاصب وكذلك لو كانت جنايته على نفس عمدا فقتله عند المولى رجع على الغاصب بقيمته قنا كان أو مدبرا لانه تلف بسبب كان عنده فان غصب المدبر رجل آخر فقتل عنده قتيلا آخر خطأ فليس على المولى شئ لانه غرم القيمة بسبب جنايته مرة ولكن ولي الجناية الثانية يتبع ولي الجناية الاولى فيأخذ منه نصف تلك القيمة ثم يرجع المولي على الغاصب الاخر بنصف القيمة وهو ما أخذه ولي الجناية الثانية فيدفعه إلى ولي الجناية الاولى لان الاول استحق جميع القيمة فارغا ولان الثاني انما يستحق نصف الجناية على الاول بجناية المدبر عند الغاصب الثاني الا أن الرجوع بسبب الغصب وقد كان بين المولى والغاصب الثاني فهو الذي يرجع بنصف القيمة ويدفعه إلى ولي الجناية ولو غصب مدبرا فقتل المدبر الغاصب أو عبده أو رجلا هو وارثة لم يكن على المولى المدبر من ذلك شئ في قول أبي حنيفة لان المدبر يضمن بالغصب وقد بينا في كتاب الديات ان جناية العبد المغصوب على الغاصب وعلى ماله هدر عند أبي حنيفة لان اعتبارها لا يفيد شيأ فقرار الضمان يكون على الغاصب فكذلك المدبر ولو جنى المدبر عند الغاصب على مولاه جناية ففي قول أبي حنيفة يعتبر جنايته فيجب الضمان على الغاصب وفي قول أبي يوسف ومحمد جنايته على مولاه وعلى مال مولاه هدر وقد بينا ذلك في الديات في العبد فكذلك في المدبر وكلامهما فيه أوضح فالمدبر بالضمان لا يصير مملوكا للغاصب وأم الولد في جناياتها والجناية عليها بمنزلة المدبر لانه يتعذر دفعها بالجناية بسبب لم يصر المولى به مختارا وفي وجوب ضمان أم الولد بالغصب اختلاف معروف بين أبي حنيفة وضاحبيه رحمهم الله وكذلك في وجوب السعاية عليها بعد ما عتق نصيب أحد الشريكين منها ولو أن أمة بين رجلين دبرها أحدهما ثم وطئها الاخر فجاءت بولد فادعاه الواطئ ثبت نسبه منه في قول أبي حنيفة لان التدبير عنده يتجزأ فنصيب المستولد باق على ملكه وذلك كاف لثبوت نسب الولد منه بالدعوة وعليه نصف قيمة الولد ونصف قيمة عقر الام لانه وطئها وهي مشتركة ولم يتملك نصيب شريكه منها لاجل التعبير فيصير الولد مقصودا

[ 100 ] بالاتلاف ولهذا يضمن نصف قيمة الولد مع نصف العقر لشريكه وجنايتها عليهما أو على غيرهما بمنزلة جناية مدبر هو بين اثنين في الحكم فان مات الواطئ منهما عتق نصيبه منها ويسعى للاخر في نصف قيمتها مدبرة لان الاستيلاد لم يثبت في نصيب الشريك فان مات المدبر منهما عتق نصيبه إذا كان يخرج من ثلثه ولا سعاية عليها للمستولد لان نصيبه أم ولد ولاسعاية على أم الولد لمولاها عنده وفي قول أبي يوسف ومحمد هي مدبرة كلها للاول لان التدبير عندهما لا يتجزأ وعليه نصف قيمتها للواطئ لانه يملك نصيبها منه بالتدبير وجنايتها عليه وولدها له لم يثبت نسبه من الواطئ لانه انما استولد مدبرة للغير الا أن الحد يسقط عنه للشبهة فيلزمه العقر للمدبر ولا يثبت نسب الولد من الواطئ وإذا جنى المكاتب جنايات ثم أعتقه سيده فعلى المكاتب الاقل من قيمته ومن ارش الجناية دينا في ذمته لان جناياته كانت متعلقة برقبته وقد تحولت إلى ذمته لوقوع الناس عن دفعه بسبب العتق الا أن المولى لا يصير ضامنا شيأ لانه ما أتلف على أولياء الجناية شيأفانهم قبل العتق كانوا يطالبون المكاتب بالاقل من قيمته ومن ارش الجناية في كسبه وذلك باق لهم بعد العتق فان قضى عليه بذلك فرضى بعضهم جاز ما فعل ولم يشركهم الاخرون في ذلك لان دين كل واحد منهم في ذمته وهو حر والحر يملك تخصيص الغرماء بقضاء دينه وهو كدين آخر على المكاتب لا ناس وكذلك لو فعل ذلك وهو مكاتب لان حق كل واحد منهم في ذمته وهو قضاء ديونه من اكسابه بمنزلة الحر ولو لم يقض عليه بالجناية حتى عجز فأعتقه المولى وهو يعلم بها كان مختارا لانه بعد العجز كان مخيرا بين الدفع والفداء فإذا منع أحدهما صار مختارا للاخر إذا كان عالما بها وان لم يكن عالما فقد صار مستهلكا للرقبة فعليه قيمته وكذلك لو جنى وهو مكاتب ثم عجز قبل القضاء فجنى جناية أخرى فهما سواء فيه لان جنايته متعلقة برقبته فيخلص المولى يدفع الرقبة اليهما قبل الاعتاق ويدفع القيمة بعد الاعتاق ان كان لا يعلم بالجناية وان كان يعلم بها فهو مختار للارش فيها مكاتبة جنت جناية ثم جنى عليها بعد ذلك ثم عجزت قبل أن يقضى عليها وليها فالمولى بالخيار ان شاء دفعها وان شاء فداها فان فداها فقد ظهرها عن الجناية فيتبع الجاني عليهما بالارش ان كان ذلك لم يأت على جميع قيمتها وان أتى على جميع قيمتها من نحو فق ء العينين أو قطع اليدين أو جدع الانف وقد برات من ذلك فالمولى بالخيار ان شاء دفعها إلى الجاني وأخذ منه قيمتها وان شاء أمسكها ولا شئ عليه في قول أبي حنيفة وفي قولهما يرجع عليه بنقصان قيمتها وقد بينا هذا

[ 101 ] وان اختار دفعها إلى المجني عليه قام المجني عليه في الجناية عليها مقام المالك فيتبع الجاني بارش الجناية ان كان لا يأتي على جميع قيمتها وان كان يأتي على جميع ذلك فهو بالخيار ان شاء دفعها إليه وان شاء أخذ قيمتها وان شاء أمسكها ولا شئ له بمنزلة عبد جنى على رجل جناية ثم جنى عليه جناية ثم دفعه المولى بجنايته كانت الجناية على العبد المدفوع إليه العبد فكذلك في المكاتب والارش مخالف للولد فان المكاتبة لو ولدت بعد الجناية ثم عجزت فدفعها المولى كان الولد للمولى وارش الجناية يكون للمجني عليه لان الارش بدل جزء وكان تعلق حق المجني عليه به وحكم البدل حكم المبدل والولد ليس ببدل عن شئ تعلق به حق المجني عليه ولكنه زيادة تولدت على ملك المولى فيكون سالما للمولى وإذا جنى المكاتب جناية فقضي عليه بها ثم جنى أخرى فلم يقض عليه بها حتى عجز أو جناها بعد العجز وعليه دين قان المولى يدفعه بهذه الجناية ويتبعه صاحب الدين والجناية المقضي بها فيباع فيهما لان جنايته متعلقة برقبته ما لم يتصل به القضاء وقد صارت الاولى دينا في ذمته بالقضاء فقد اجتمع بعد العجز دين وجناية فيبدأ بالدفع بالجناية ثم يباع في الدين لمراعاة الحقين وجناية المكاتب على مولاه وعلى الاجنبي سواء ما لم يعجز لان موجب جنايته في كسبه والمولى في كسبه كأجنبي آخر قبل العجز فإذا عجز بطلت جنايته على المولى لان المولى صار أحق بكسبه فلا يجوز أن يجب له الحق في كسبه بسبب الجناية (ألا ترى) انه لو جنى عليه بعد العجز كان هدرا فكذلك إذا جنى قبل العجز ثم عجز فان كان قد قضي عليه بجناية المولى والاجنبي وهما سواء ثم عجز بيع نصفه في جناية الاجنبي العبد لان حق كل واحد منهما كان في نصف القيمة دينا عليه وبالعجز يسقط نصيب المولى لان المولي لا يستوجب على عبده دينا ولكن لا يزداد به حق الاجنبي فيباع نصفه في دين الأجنبي لهذا لا أن يقضى المولى عنه نصف القيمة وان كان قضى بجنايته المولى عليه ثم جنى على الاجنبي فقضى بها أيضا ثم عجز بيعت رقبته كلها في جناية الاجنبي لان كل واحد منهما استوجب جميع القيمة دينا في ذمته وبالعجز يسقط دين المولى ويبقى دين الاجنبي فيباع فيه الا أن يقضي المولى عنه رجل قطع يد مكاتبه فقضى عليه بذلك والمكاتبة إلى أجل ثم جنى المكاتب جناية على رجل فقضى عليه بها ثم عجز فرد في الرق قال لا تبطل جناية المولى على المكاتب ويباع المكاتب في جناية الاجنبي فان لم يف تمنه أو قطع بها رجع فيما على المولى لان نصف القيمة كان دينا له على المولى بمنزلة كسبه وكسبه بعد العجز لا يسلم للمولى ما بقي عليه

[ 102 ] دين والقيمة لولي جنايته دين عليه فيباع فيه فإذا لم يف ثمنه بالقيمة رجع بما بقى على المولى وهو بمنزلة مكاتب استهلك له مولاه ألف درهم وعليه دين أو ليس عليه دين ثم استدان بعد ذلك دينا ومكاتبته إلى أجل ثم عجز أو مات اتبع المولى بذلك فكان بين سائر غرمائه بالحصص لان كسبه لا يسلم لمولاه ما لم يفرغ من دينه فان كان المكاتب جنى على أجنبي وقضى عليه بذلك ثم جنى عليه المولى جناية فقضى عليه بها ثم عجز بيع العبد في دين الاجنبي فان وفي والا نظر إلى ما نقص من قيمة العبد يوم جنى المكاتب فيضمن المولى للاجنبي الاقل منه ومن ارش جنايته لان المولى بجنايته أتلف جزأ قد تعلق به حق ولي الجناية وبقضاء القاضي صارت القيمة دينا في ذمته لولي الجناية فيقضي من ثمنه وكسبه وما وجب على المولى بمنزلة كسبه فإذا لم يف ثمنه بدينه ضمن المولى ذلك لولي الجناية (ألا ترى) ان عبدا لو جنى جناية جنى عليه المولى وهو لا يعلم بجنايته ثم اختار دفعه ضمن ما جنى عليه واستوضح هذا كله بمكاتب عليه دين ألف درهم واستهلك له مولاه ألف درهم ثم أستدان بعد ذلك القائم مات ولم يترك مالا غير الدين الذي على مولاه أتبع الغرماء جميعا الاولون والاخرون المولى بتلك الالف حتى يأخذونها فيقسمونها ولو كان الدين يبطل فيما سبق عن المولى لم يكن على المولى في هذه الفصول شيأ الا للغرماء الاولين فهذا يوضح لك جميع ما سبق رجل جنى على مكاتبه جناية ثم مات المكاتب وترك ولدا ولد في المكاتبة ولم يدع شيأ فانه يرجع على الابن من الكاتبة بقدر ارش الجناية لان ذلك كان دينا على المولى للمكاتب وقد بقيت الكتابة لما خلف ولدا فيصير المولى مستوفيا ذلك القدر من بدل الكتابة بطريق المقاصة لان في حال الحياة المكاتب انما كان لا تقع المقاصة لمكان الاجل في بدل الكتابة وبموته سقط الاجل في المال الذي خلفه كما لو ترك وفاء وإذا صار المولى مستوفيا ذلك على الولد ان يسعى فيما بقي من بدل الكتابة فان كان على المكاتب دين يقضى على المولى بالارش فيؤخذ منه ويؤدى إلى غريم المكاتب لان ما على المولى بمنزلة كسب المكاتب والدين في كسبه مقدم على بدل الكتابة بعد موته فيمنع ذلك وقوع المقاصة ولكن يأخذه الغريم من المولى ويسعى الولد فيما بقى من الدين والمكاتبة لانه قائم مقام أبيه فيما كان واجبا على أبيه ولو جنى المكاتب على مولاه جناية فقضي عليه بقيمته والجناية أكثر من القيمة ثم أعتق المولى نصفه فهذا وما لو أعتق كله سواء ولو أعتق كله بعد القضاء عليه بالجناية بقى ذلك دينا عليه يسعى فيه لمولاه لانه قبل العتق كان يسعى فيه فلا يزيده العتق الا

[ 103 ] وكادة فكذلك إذا أعتق نصفه ويسعى في قول أبي حنيفة مع ذلك في الاقل من نصف القيمة ومن نصف المكاتبة لان العتق عنده يتجزأ فيجب اخراج الباقي إلى الحرية بالسعاية وانما يلزمه الاقل لانه هو المتبقن؟ به وإذا قتل العبد رجلا خطأ ثم كاتبه المولى فالكتابة جائزة ان علم المولى بالجناية أو لم يعلم لانه باق على ملكه بعد الجناية والمولى متمكن من التصرف فيه (ألا ترى) انه لو وهبه أو باعه بعد ذلك منه لم تكن الجناية بعضها فكذلك إذا كاتبه فان كان المكاتب يعلم بالجناية فهو ضامن للارش لانه منع بالكتابة دفع الرقبة فيصير به مختارا للارش ويستوي ان عجز المكاتب أو لم يعجز وعن أبي يوسف قال ان لم يخاصم في الارش حتى عجز كان للمولى أن يدفعه بالجناية بخلاف ما إذا خوصم وقضى القاضي بالارش لان الكتابة لا تزيل ملك المولى وهو يعرض الفسخ ففيه لا يكون اختيارا للارش وانما يتم به الاختيار إذا تأكد بقضاء القاضي لان المنع من دفع الرقبة انما يتحقق بعد المطالبة فإذا عجز قبل القضاء صارت الكتابة كان لم تكن والكتابة كانت تمنعه من دفعه بالجناية واقدامه عليه مع علمه بالجناية يكون اختيارا للفداء لبيعه رقبته من انسان فانه وان فسخ البيع بقضاء القاضي لم يسقط الارش عن المولى وان كان كاتبه وهو لا يعلم بجنايته فعجز قبل الخصومة في الجناية خير المولى بين الدفع والفداء لان المولى ما صار مختارا شيأ هاهنا وانما يغرم القيمة لاستهلاك الرقبة فإذا ارتفع المانع من الدفع قبل قضاء القاضي فقد انقدم الاستهلاك فيخير بين الدفع والفداء بمنزلة ما لو باعه وهو لا يعلم بالجناية ثم فسخ البيع بسبب هو فسخ من كل وجه قبل أن يخاصم في الجناية فان يخير بين الدفع والفداء وان كاتبه بعد ما قضى به لاصحاب الجناية قبل أن يقبضوه كان باطلا لان بقضاء القاضى تحول إلى ملك ولي الجناية فانما كاتب ما لا يملك (ألا ترى) انه لو أعتقه أو باعه في هذه الحالة كان باطلا فكذلك إذا كاتبه ولو كاتبه وهو لا يعلم بالجناية فلم يقض بها حتى مات المكاتب ولم يدع شيأ فلا ضمان على المولى لانه لما أشرف على الموت تحقق عجزه عن اداء بدل الكتابة فانفسخت الكتابة فزال المانع من الدفع فخرج المولى من أن يكون مستهلكا وصار بمنزلة ما لو عجز في حال حياته ثم مات بعد ذلك فيبطل حق ولي الجناية لفوات محل حقه ولو مات عن وفاء كانت عليه القيمة لان عقد الكتابة يبقى بعد موته فيتحقق من المولى استحقاق الرقبة بعقد الكتابة فيلزمه القيمة لهذا وكذلك ان ترك ولدا يسعى في الكتابة لان عقد الكتابة يبقى ببقاء الولد كما يبقى باعتبار مال خلفه فان عجز فرد في الرق لم

[ 104 ] تبطل القيمة عن السيد قال لاني الزمتها اياه ومراده إذا عجز بعد ما قضى بالقيمة على الولد فأما إذا عجز قبل قضاء القاضي بالقيمة فقد بطلت الجناية لان الولد قائم مقام أبيه وقد بينا أن الاب لو مات عاجزا قبل قضاء القاضي بالقيمة يبطل حق ولي الجناية بخلاف ما إذا مات بعد القضاء فكذلك إذا عجز الولد وليس في عنق الولد شئ من حق ولي الجناية لما بينا أن حق ولي الجناية لا يسرى إلى الولد وإذا كان العبد بين رجلين فجنى جناية فكاتبه أحدهما بغير اذن شريكه فأدى إليه المكاتبة ثم جاء أصحاب الجناية فان كان علم بالجناية فهو ضامن لنصف الارش ولو لم يعلم فهو ضامن نصف قيمة العبد لانه في نصيبه كان مخيرا بين الدفع والفداء وكتابته في نصيبه تنفذ في حق ولي الجناية ويتأكد باداء البدل فهو وما لو كان العبد كله سواء وأما الذي لم يكاتب فلا شئ عليه لانه ما أحدث بعد جنايته شيئا يصير به مختارا ولكنه يرجع على شريكه بنصف ما قبض من بدل الكتابة لانه كسب عبد مشترك بينهما ويضمنه قيمة أيضا ان كان موسرا ويسعى العبد فيه ان كان معسرا ثم يدفع ذلك إلى أصحاب الجناية لان نصيبه من العبد فات وأخلف بدلا فيدفع إلى ولي الجناية الا أن يكون الارش أقل من ذلك وان أعتق نصيبه ضمن نصف القيمة لاصحاب الجناية لانه صار ذلك متلفا عليهم باعتاقه ولا سبيل لاصحاب الجناية على ما أخذه من المكاتب من نصف ما قبض من بدل الكتابة لان ذلك كسب نصيبه وليس لولي الجناية على كسب الجاني سبيل وان كاتب كل واحد منهما وهما يعلمان بالجناية أو كاتبه أحدهما باذن شريكه وهما يعلمان بالجناية فكذلك الجواب عند أبي يوسف ومحمد لان الكتابة عندهما لاتتجزأ وعند أبي حنيفة المكاتب يصير مختارا لنصيبه فأما الاذان لا يصير مختارا لان الكتابة عنده تتجزأ في نصيبه فكان هذا في حكم الجناية وما لو كاتبه بغير اذن شريكه سواء رجل كاتب عبدا وقد جنى جناية ولم يعلم بها ثم جنى جناية أخرى فقضى عليه بها ثم عجز ثم حضر أصحاب الجناية الاولى قال يدفعه المولى إليهم ويبيعه صاحب الجناية الثانية المقضى بها فيباع له فيها لان الجناية الاولى باقية في رقبته بعد عقد الكتابة فان المولى لم يكن عالما بها (ألا ترى) أنه لو عجز قبل القضاء دفع بها فكان وجود تلك الجناية قبل الكتابة وبعده سواء وقد تحول حق ولي الجناية الثانية لان القيمة بقضاء القاضي فحين عجز كان عبدا قد اجتمع في رقبته دين وجناية فيدفع بالجناية أولا ثم يباع في الدين لمراعاة الحقين وان لم يقض القاضي بشئ حتى عجز خير المولى بين أن يدفعه

[ 105 ] بالجنايتين أو يفديه با لارش منهما وإذا قتل المكاتب رجلا خطأ ثم قتل رجلا آخر خطأ ثم جاء ولي أحدهما فقضى له بقيمة العبدو لم يعلم بالجناية الاخرى ثم عجز المكاتب فان نصف قيمة العبد دين للمقضى له في نصف العبد وجميع الجناية الاخرى في النصف الباقي فان شاء مولاه فداه وان شاء دفعه لان الجنايتين اجتمعتا عليه في حالة الكتابة فيكون حق كل واحد منهما في نصف القيمة وانما قضى القاضي للاول بجميع القيمة لجهله بالجناية الثانية فحين علم بها تبين ان قضاءه فيما زاد على النصف للمقضي له كان باطلا فكأنه ما قضى له الا بنصف القيمة فإذا عجز كان نصف القيمة دينا له في نصف العبد يباع فيه وحق ولي الجناية الثانية في النصف الثاني لا نعدام المحول إلى القيمة وهو قضاء القاضي فيخير المولى فيه بين الدفع والبقاء ولو لم يعجز وأخذ المقضى له فيه جميع القيمة ثم حضر الاخر فانه يقضي للاخر على المكاتب بنصف القيمة ويرجع المكاتب على الاول بنصف القيمة لانه تبين انه استوفى منه فوق حقه فان حقه كان في نصف القيمة والنصف الاخر للثاني بخلاف ما إذا كانت احدى الجنايتين قبل الكتابة وقد غرم المكاتب ما كان منه قبل الكتابة لان هناك موجب الجناية الاولى على مولاه وموجب الجناية الثانية على المكاتب فلم يجتمعا في حق المكاتب ولهذا كان قضاء القاضي للثاني بجميع القيمة صحيحا وهاهنا موجب الجنايتين على المكاتب والمكاتب لا يلزمه بجناياته الا الاقل من قيمته ومن أرش الجناية * مكاتب قتل رجلا خطأ ثم قتل رجلا آخر خطأ فقضي عليه باحدى الجنايتين ثم قتل آخر خطأ فانه يكون للمقضى له نصف القيمة التي قضى له بها لان عند القضاء كان الموجود منه جنايتين فحق كل واحد من الموليين في نصف القيمة وقد تحول حق المقضي له إلى نصف القيمة بقضاء القاضي ثم قضى للثالث بنصف قيمة العبد خاصة لان نصف القيمة فرغ من الجناية بتحويل القاضي حق الثاني إلى نصف القيمة فيتعلق حق ولي الجناية الثانية بذلك النصف فلهذا يقضي له بنصف القيمة ويقضي أيضا بنصف القيمة للذي لم يقض له بشئ بينه وبين الثالث اثلاثا ثلثاه للاوسط وثلثه للثالث لان في هذا النصف اجتمع حق الاوسط وحق الثالث فان المحول لم يوجد وفي حق كل واحد منهما جنى الا أن يقضى لهما بنصف القيمة الا أن الثالث قد وصل إليه نصف حقه فلا يضرب في هذا النصف الا بما بقى له والاوسط ما وصل إليه شئ من حقه فهو يضرب بجميع حقه في هذا النصف فلهذا كان النصف بينهما أثلاثا ولو عجز قبل القضاء بالجناية الثالثة فاختار دفعه كان

[ 106 ] نصفه بين الثالث والاوسط اثلاثا ثلثاه للاوسط وثلثه للثالث ويكون النصف الباقي للثالث خاصة ويكون حق المقضى له دينا في هذا النصف لان حق الاول تحول إلى ذمته في هذا النصف فتعلق به حق الثالث فعند العجز اجتمع في هذا النصف دين وجناية فيدفع بالجناية ثم يباع بالدين في النصف الاخر فقد اجتمع في هذا نصف وحق الاوسط فيدفع اليهما ويضرب فيه الاوسط بجميع حقه والثالث بنصف حقه لانه قد وصل إليه نصف حقه فلهذا كان النصف بينهما أثلاثا * مكاتب قتل رجلا خطأ ثم فقأ عين رجل فقضى للمفقوءة عينه بثلث القيمة عليه ثم عجز قال يباع الثلث في دين المفقوءة عينه ويدفعه المولى إلى ولي النفس أو يفديه بجميع الدية لان حقهما كان تعلق به أثلاثا فان حق المفقوءة عينة في خمسة آلاف وحق ولي النفس في عشرة آلاف (ألا ترى) أنه لو كان بمحل الدفع كان يدفع اليهما أثلاثا فكذلك القيمة في المكاتب يكون بينهما اثلاثا ثم المحول وهو القضاء وجد في حق المفقوءة عينه فيصير ثلث القيمة دينا له في مالية ثلث الرقبة يباع فيه بعد العجز والثلثان حق مولى النفس ولم يوجد المحول فيه حتى عجز فيخاطب المولى بان يدفع إليه ثلثيه أو يفديه بجميع الدية فان لم يعجز حتى قتل رجلا خطأ ثم عجز فاختار دفعه فاما المقضي له فله ثلث القيمة دينا في ثلث العبد وقد تعلق حق ولي الثالث بذلك الثلث فاجتمع في ذلك الثلث دين وجناية فيدفع في الجناية ثم يباع في الدين وأما الثلثان فقد اجتمع فيهما حق ولي الاول وحق ولي الاخر ولم يوجد المحول في حق واحد منهما يدفع اليهما ثم يضرب فيه الاول بالدية والاخر بثلثي الدية لانه قد وصل إليه ثلث حقه فانما يقسم ثلثا الرقبة بينهما أخماسا على قدر حقهما ولو جنى المكاتب جنايتين فقضى لاحدهما بنصف القيمة فاداها إليه المكاتب ثم قضى للاخر وسلم ما استوفى لا شركة للثاني مع الاول فيما قبض لان حق أحدهما تميز عن حق الاخر (ألا ترى) انه تحول حق القيمة إلى القيمة وحق الاخر في نصف العبد حتى لو عجز قبل القضاء يدفع إليه نصفه فلا يكون له حق مشاركة المستوفى فيما استوفى سواء مات المكاتب أو لم يمت عجز أو لم يعجز * مكاتبة قتلت رجلا خطا ثم فقأت عين آخر ثم ولدت ولدا فقضى عليها للمفقوءة عينه بثلث قيمتها ثم عجزت فان حق ولي النفس في ثلثي رقبة الام يدفع أو يفدى لان المحول وهو القضاء لم يوجد في حقه ويباع الثلث في دين المقضي له فان لم يف الثلث بحقه بيع ثلث الولد فيه أيضا لان حق الغريم حق قوى في الام فيسري إلى الولد (ألا ترى) ان أمة مديونة لو ولدت بيع ولدها معها في

[ 107 ] الدين بخلاف حق ولي الجناية وحق المفقوة عينه صار دينا بقضاء القاضي في الثلث فيثبت في ثلث الولد أيضا فهو نظير مكاتبة عجزت وعليها دين وقد ولدت في مكاتبتها فبيعت في دينها فلم يف ثمنها به بيع ولدها فيه أيضا بخلاف حق ولي النفس * والذي يوضح الفرق أن حق صاحب الدين يثبت في الكسب فكذلك يثبت في الولد بخلاف حق ولي الجناية وان كان انما قضى لولي المقتول على المكاتبة بالسعاية في ثلثى قيمتها ثم عجزت وقد ولدت في مكاتبتها فحق المفقوءة عينه في ثلث رقبتها ان شاء دفعه وان شاء فداه ولا سبيل له على شئ من ولدها ويباع ثلثها للمقضي له فان وفي والا بيع ثلثا الولد لان حق صاحب الولد صار دينا بقضاء القاضي والدين يسرى إلى الولد وحق صاحب العين في الجناية لم يصر دينا بعد فلا يسرى إلى الولد * مكاتب قتل رجلا خطأ فقضى عليه بها ثم جنى جنايتين فقضى عليه باحداهما ثم عجز والجنايات مستوية وكل واحدة منها تأتي على قيمته فان القيمة للمقضى له دين في جميع الرقبة لانه حين تحول حق الاول إلى القيمة بقضاء القاضى لم يكن في رقبته جناية سواها فيثبت حقه في جميع القيمة دينا في جميع الرقبة ثم لا يتغير ذلك الحكم بما يكون له من الجناية ونصف القيمة للمقضى له الاخر دين في نصف الرقبة لان الجنايتين الاخريين تعلقتا برقبته فيكون حق كل واحد من الموليين في النصف وقد تحول حق المقضي له إلى نصف القيمة بقضاء القاضى وبقي حق الاخر في نصف العبد فيخاطب المولى بدفعه إلى من لم يقض له أو الفداء فان فداه طهر هذا النصف عن حق الثالث وانما بقي فيه حق الاول في نصف قيمته فيباع هذا النصف له خاصة وأما النصف الاخر فقد وجب فيه دينان دين المقضى له الاول ودين المقضي له الثاني فيباع هذا النصف ويقسم لثمن بين الاول والثانى أثلاثا لان الاول يضرب فيه بخمسة آلاف فقد وصل إليه نصف حقه والثانى يضرب فيه بعشرة آلاف فانه لم يصل إليه شئ هكذا ذكره الحاكم رحمه الله في المختصر قال والاوضح عندي ان هذا النصف بينهما نصفان لان حق كل واحد منهما بقضاء القاضى حول إلى نصف القيمة في هذا النصف فكانا مستويين في ذلك فيكون ثمن هذا النصف بينهما نصفين وان دفع المولى نصفه بالجناية بيع النصف المدفوع في دين الاول خاصة لانه اجتمع في هذا النصف دين وجناية فيدفع أولا بالجناية ثم يباع في الدين وبيع النصف الباقي للاخرين نصفين لما بينا أن حقهما في هذا النصف تحول إلى القيمة وهما مستويان فيه وبهذا تبين ان ما ذكره الحاكم في الفصل الاول من القيمة بينهما أثلاثا غلط ولو كان قضي

[ 108 ] للاخرين أيضا بقيمة العبد ثم عجز بيع العبد فكان نصفه ثمنه للاول ونصفه للاخرين لان حق الاول ثبت في جميع القيمة وحق الاخرين بقضاء القاضى انما ثبت في قيمة واحدة أيضا * مكاتب قتل ثلاثة أنفس خطأ فقضى لاحدهم بثلث قيمته ثم ان أحد الاخرين وهب جنايته للمكاتب ثم عجز المكاتب قال يباع ثلثه في دين المقضى له لان حقه بقضاء القاضى تحول إلى ثلث القيمة دينا في ثلث المالية ثم يباع الثلث في دينه بعد العجز ويدفع المولى ثلثه إلى الثالث ويبقى ثلثه للمولى لاحق لهما فيه لان القاضي حين قضى لاحدهم بثلث القيمة فقد قضى بالقيمة بينهم أثلاثا الا أن حق الثاني لم يتحول إلى القيمة بعد فان عجز دفع المولى إليه من العبد بمقدار حقه وهو الثلث والثلث منه كان حق الوهب وقد اسقطه بالهبة فيبقى للمولى (ألا ترى) أن عبد الوجنى جنايتين فعفا أحدهما عن جنايته كان نصفه للسيد لهذا المعنى إذا حق كل واحد منهما في نصفه فحصة العافي تسلم للمولى وفي حصة الاخر يخاطب المولى بالدفع أو الفداء وكذلك ان كان المكاتب جنى جنايتين فعفا أحدهما عنه وقضى للاخر بحقه ثم عجز بيع للاخر نصفه في دينه منه ويبقى العبد سالما للمولي وهو حصة العافى وكذلك ان كان في يد المكاتب مال يفي بدين المقضى له قضى دينه ويبقى سالما للمولي ان كان الاخر قد عفا وان لم يكن عفا خوطب المولى بدفع نصيبه إليه أو الفداء وان كان ما في يده لا يفي بحق المقضى له بذلك ثم بيع في بقدر نصيبه ثلثا كان أو نصفا فيما بقي له من الدين فان كان عليه دين سوى ذلك تحاصا في هذا المال لاستواء حقهما فيه ثم يباع ما بقى من العبد في دين صاحب الدين لان دينه تعلق بجميع الرقبة فلا يسلم شئ من الرقبة للمولى ما لم يصل إلى الغريم كمال حقه وإذا ولد للمكاتب في كتابته من أمة له ولد فقتله رجل خطأ كانت قيمته للمكاتب لان من دخل في كتابته صار تبعا له (ألا ترى) أنه أحق بكسبه يأخذه فيقضي به من دين الكتابة فكذلك هو أحق ببدل رقبته وإذا كان للمكاتبة ولد ولدته في المكاتبة فجنى الولد جناية قضى عليه بالجناية ولم يلحق الام منها شئ لان الولد لما دخل في كتابتها صار مكاتبا للمولى لانه لو أعتقه ينفذ عتقه فيه وجناية المكاتب توجب عليه الاقل من قيمته ومن أرش الجناية ولايقال ان الام أحق بكسبه فينبغي أن يكون موجب جنايته عليها لانها انما كانت أحق بكسبه لتؤدي منه بدل الكتابة فتجعل العتق لنفسها وله حتى ان ما رواء ذلك من الكسب يكون للولد بمنزلة مكاتب آخر للمولى وضمان المكاتبة دينا على المكاتب باطل في رقها فان عتقت جاز ذلك الضمان

[ 109 ] بمنزلة العبد إذا ضمن مالا عن انسان ثم عتق أخذ بذلك الضمان وكذلك ان ضمنت دينا آخر على الولد منه لم يصح ضمانها في حال رقها فان عتقت كان ضمانها صحيحا لزوال المانع وهو الرق وإذا كان العبد وامرأته مكاتبين كتابة واحدة فولدت ولدا ثم قتله الاب فعليه قيمته للام لان الولد دخل في كتابتها فانه جزء منها يتبعها في الرق والحرية فكذلك بدل الرقبة وكذلك في الكتابة وجناية الاب على الولد كجناية أجنبي آخر ولو قتله أجنبي آخر كان عليه قيمته للام لان بدل الرقبة بمنزلة الكسب وكسب الولد للام دون الاب فكذلك بدل الرقبة وكذلك لو أديا فعتقا فانه لا يسقط عنه شئ من ذلك لانه واجب عليه لها وبالعتق يتأكد حقهما قبله وكذلك لو قتل الابن أباه كان الضمان في قيمته لانه صار مكاتبا للمولى تبعا لامه فجنايته على أبيه كجناية مكاتب آخر فليزمه السعاية في قيمته وليس على الام من ذلك شئ وليس عليه من بدل الكتابة شئ لانه تبع للام في الكتابة فان أدت الام عتقوا جميعا وكانت القيمة الواجبة عليه ميراثا عن الاب بمنزلة سائر أكسابه ولو لم يقتل الولد الاب ولكن الام قتلت الولد لم يلزمها شئ لان الولد جزء منها ولو قتله غيرها كانت القيمة واجبة لها فإذا كانت هي الذي قتلته لو وجبت القيمة وجبت لنفسها وذلك لا يجوز وكذلك لو قتل الولد الام فليس عليه بسبب الجناية شئ لانه جزء منها فجنايته عليها كجنايته على نفسه الا أنه يلزمه الكتابة بمنزلة ما لو كانت الام باقية ولانه قائم مقامها فان الكتابة تبقى بموتها حتى يؤدي البدل فعليه أن يسعى فيما كانت الام تسعى فيه وان قتل الاب الولد كان عليه الاقل من قيمته ومن قيمة أبيه بسبب جنايته وليس عليه من بدل الكتابة شئ لانه ما كان داخلا في كتابة أبيه فلا يقوم مقامه بعد موته والام حية تسعى في الكتابة فلا حاجة للولد إلى السعاية فيما على أبيه فان أدت الام جميع الكتابة عنقا جميعا والسعاية الواجبة على الولد بجنايته على الاب تكون ميراثا عنه تأخذ الام حصتها فما أدت عنه بمنزلة كسب آخر يخلفه الاب وما بقى هو ميراث لورثة الاب ليس لهذا الولد منه شئ لانه قاتل الا أن يكون صغيرا فحينئذ لا يحرم الميراث بقتله عندنا وقد بينا هذا في الديات وأن حرمان الميراث بسبب القتل انما يثبت في حق من ينسب إلى تقصير في التحرز وذلك لا يتحقق في حق الصبي والمجنون ولان حرمان الميراث جزاء الفعل المحظور وذلك ينبي على الخطاب فلا يثبت في حق الصبي وعند الشافعي الصبي بمنزلة البالغ في حرمان الميراث بسبب القتل كما هو بمنزلة البالغ في الكفارة على مذهبه ولو أن رجلا كاتب عبدين مكاتبة واحدة

[ 110 ] فولد لاحدهما ولد من أمته ثم جنى الاب على ولده أو جنى عليه فالجناية باطلة لانه دخل في كتابة أبيه فكان مانعا له فجناية كل واحد منهما على صاحبه بمنزلة جنايته على نفسه لانهما كشخص واحد في حكم الكتابة فلو اعتبرنا جناية احدهما على صاحبه بمنزلة جنايته على آخر كانت القيمة واجبة على واحد منهما وذلك لا يجوز ولو جنى المكاتب الاخر على الولد لزمته الجناية للاب لان المكاتب الاخر من هذا الولد كاجنبي آخر ولان المكاتب الاخر لو جنى على الاب كانت جنايته معتبرة فكذلك ان جنى على الولد الذي لم يبع له في الكتابة وإذا ولدت المكاتبة ولدا ثم أقرت عليه بجناية أو دين لم تصدق عليه لان الولد صار بمنزلة المكاتب للمولى حين دخل في كتابتها واقرارها علي مكاتب المولي بالدين والجناية باطل وكذلك ان أدت فعتقت لان الولد ازداد بعد اعنها فان مات الولد قبل أن تؤدي من ماله أخذت باقرارها من ذلك المال لانها أحق بالمال الذي خلفه الولد وقد أقرت أن ذلك المال مشغول بحق صاحب الدين والجناية وان حقهما مقدم على حقها فتؤاخذ باقرارها وتجعل كأنها جددت الاقرار بدين بعد موت الولد كمن أقر على مورثه بدين في حياته ثم مات فصار المال ميراثا له وكذلك لو قتل الولد فاخذت قيمته لان قيمة نفسه بمنزلة كسبه في انه يسلم لها إذا فرغ من دينه وجنايته فيكون اقرارها صحيحا فيه إذا خلص الحق لها (ألا ترى) ان الدين لو كان ثابتا على الولد بالبينة كان الغريم أحق بكسبه وقيمته إذا قتل ولو أقر الولد على الام بجناية أو دين لم يصدق لانه لو جاز كان على الام دونه ولا ولاية له على أمه في أنه يلزمها دينا فان ماتت الام عن مال بدئ بالكتابة فقضيت لان اقرار الام كما لا يصح في حق الولد لا يصح في حق المولى وحق استيفاء بدل الكتابة من تركتها بعد موتها فإذا قضت الكتابة وحكم بعتقها كان الباقي ميراثا منها للابن فيؤاخذ باقراره فيما ورثة كما لو جدد الاقرار عليها بذلك بعد ما صار المال ميراثا له وان لم تدع الام شيأ فقضى على الولد أن يسعى فيما على أمه من الكتابة وهو مقر اليوم بالجناية التى كان أقر بها على الام فانه يقضي عليها بالسعاية فيها أيضا لان المقر يعامل في حقه نفسه كأن ما أقر به حق والثابت بالاقرار المقر كالثابت بالمعاينة ولو ثبت في الكسب القائم في يده ولو ثبتت الجناية بالبينة كان على الولد السعاية بعد موتها في الاقل من قيمتها ومن ارش الجناية مع بدل الكتابة فان عجز وقد أدى بعض الكتابة لم يستر دما أدى ويبطل ما بقى لان بالعجز صار كسبه ورقبته حقا للمولى واقراره في حق المولى غير صحيح الا أنه لا يسترد من القابض ما أدى

[ 111 ] لان حق المولى عنده عجزه انما ثبت في الكسب القائم في يده وذلك خرج من ملكه إلى ملك القابض بسبب صحيح فلا يثبت فيه حق المولى ولو أقرت المكاتبة علي ولدها بدين وعلى الولد دين ببينة وفي يده مال قد أكتسبه فصاحب البينة أحق بماله لان دينه ثابت بحجة هي حجة في حق الكل ودين الاخر انما ثبت باقرار المكاتبة واقرارها ليس بحجة على غيرها فان قضى صاحب البينة وفضل شئ كان للذي أقرت له الام لان الولد بمنزلة عبدها من حيث انها أحق بكسبه إذا فرغ من دينه وقد أقرت بان حق المقر له فيه مقدم على حقها فان عجزت أو عتقت لم يلزم رقبة الولد من اقرارها شئ لان بالعجز صار الولد عبدا للسيد فلا يجوز اقرارها عليه وبالعتق صار الولد حرا ولم يبق لها حق في كسبه فلا يجوز اقرارها عليه في ذمته ولا في كسبه ولو قتل الولد وهي مكاتبة وأخذت قيمته صرفت في الدين بمنزلة كسب خلفه الولد لانها أحق بجميع ذلك فان صرفت في الدين ثم عجزت لم يسترد من ذلك شئ من المقر له لما بينا أن حق المولى انما ثبت بعد عجزها فيما بقى في يدها فأما المصروف إلى الدين فقد خرج من ملكها إلى ملك المقر له فلا يثبت حق المولى في شئ منه * ولو غصب المكاتب عبدا فهلك عنده ضمن قيمته بالغة ما بلغت وكذلك سائر الاموال لان ضمان الغصب بمنزلة ضمان العقد من حيث انه يوجب الملك في المضمون والمكاتب في ذلك بمنزلة الحر بخلاف ضمان الجناية فانه لا يجب على المكاتب بسبب الجناية الا الاقل من قيمته ومن أرش الجناية اعتبارا للمكاتب بالقن وضمان المال بسبب الغصب والاستهلاك يجب على القن في ذمته بالغا ما بلغ وضمان الجناية لا يوجب على المولى الا دفع الرقبة بها فكذلك في حق المكاتب فان غصب المكاتب عبدا فيمته ألف درهم فصارت قيمته في يده ألفين ثم قتله وقتل آخر خطأ فمولى العبد بالخيار لانه وجد من المكاتب في عبده سببان موجبان للضمان الغصب والقتل فكان له أن يضمنه باي السببين شاء فان اختار تضمينه بالقتل قضى على المكاتب بقيمته واقتسم المولى العبد المغصوب وولى الحر يضرب فيه المولى بالفى درهم قيمته وقت القتل وولى الحر بالدية لانه لما اختار تضمينه بالقتل فقد أبرأه عن ضمان الغصب فيجعل كما لو قتله في يد مولاه وان أراد المولى أن يضمنه بالغصب ضمنه قيمته يوم غصبه ألف درهم وقضى عليه لولى الحر بقيمته المكاتب بسبب جنايته على الحر ولا يشتركان في ذلك لان ما وجب بسبب الغصب يكون دينا في ذمته وما وجب بسبب القتل يكون في رقبته فلا تتحقق المشاركة فيه بخلاف

[ 112 ] الاول فهناك الواجب عليه لهما بسبب الجناية فيشتركان في القيمة الواجبة على المكاتبة بقدر حقهما وكذلك لو كانت قيمته يوم غصب أكثر القيمتين فهذا والاول في التخريج سواء * رجل كاتب نصف عبد له فاستلك العبد مالا لرجل فذلك دين في عنقه يسعى فيه ولا يباع شئ منه في الدين لان عندهما صار الكل مكاتبا وعند أبي حنيفة رحمه الله النصف منه مكاتب ومكاتب النصف لا يحتمل البيع كمكاتب الجميع فيكون عليه ولو ان مكاتبا قتل عمدا وله وارث في كسبه غير المولى أو ليس له وارث غيره ولم يترك وفاء في قيمته ولا وفاء بالمكاتبة فلا قصاص فيه لان في ايجاب القصاص ضررا على المكاتب وفي ايجاب القيمة توفر المنفعة عليه لانه يؤدي عنه كتابته فيحكم بحريته وحق المقتول في بدل نفسه مقدم على حق غيره فايجاب ما ينتفع به المقتول أولى من ايجاب القصاص الذي لا منفعة فيه للمقتول ولا لمن له القصاص بسببه إذا ترك وارثا غير المولى واشتباه من له القصاص يمنع وجوب القصاص وان ترك وفاء وله ولد حر فلا قصاص فيه أيضا وان اجتمع في طلبه الولى والولد لاشتباه المستوفى كان على قول علي وابن مسعود رضي الله عنه يؤدي كتابته فيحكم بحريته والقصاص لولده وعلى قول زيد بن ثابت رضي الله عنه يموت عبدا فيكون القصاص لمولاه واختلاف الصحابة يورث الشبهة ولان المولى يأخذ بدل الكتابة من تركته فيحكم بحريته فباعتبار ابتداء القتل القصاص للمولى لانه جناية على ملكه وباعتبار المآل القصاص للوارث لانه يحكم بموته حرا فلاشتباه المستوفي كذلك وكذلك ان اجتمعا على استيفاء القصاص لان أصل الفعل لم يكن موجبا للقصاص فباجتماعهما لا يصير موجبا وان لم يدع المكاتب شيأ فلا قصاص في هذا الوجه للمولى ومراده من هذا الفصل إذا لم يكن في قيمته وفاء بالكتابة أما إذا كان في قيمته وفاء بها فقد ذكر قبل هذا أنه لا يجب القصاص أيضا وان ترك وفاء ولا وارث له غير المولي فللمولى القصاص في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لانه متعين للاستيفاء مات حرا أو عبدا وفي قول محمد رحمه الله لا قصاص فيه لاشتباه السبب وقد بينا المسألة في كتاب المكاتب * رجل قطع يد مكاتب ثم جنى المكاتب على القاطع جناية ثم عجز فعلى الحر أرش الجناية للمولى ويدفع المولى عبده مقطوعا أو يفديه لان ما وجب على الحر بجنايته بمنزلة كسب المكاتب وكسبه للمولى بعد العجز ثم حق المجني عليه تعلق العبد مقطوعا لان الجناية وجدت منه وهو أقطع اليد فيخاطب مولاه بالدفع لذلك بعد العجز أو الفداء وان كانت جناية المكاتب على الحر قبل

[ 113 ] جنايته عليه قيل للمولى ادفعه أو افده فان دفعه بطلت جناية الحر عليه لانه جنى على الحر ويده صحيحة فيتعلق حق ولي الجناية بيده ثم يحول إلى بدله بالجناية عليه فإذا اختار المولى دفعه كان عليه ان يدفع ارش اليد معه لو كان الجاني أجنبيا آخر فإذا كان هو المجني عليه فقد ملك ما عليه من ارش اليد فيسقط ذلك عنه وان فداه أخذ المولى من الحر أرش جنايته على العبد لانه وصل إلى المجني عليه كمال حقه وطهر العبد من الجناية فيكون ارش يده خالص حق المولى * رجل كاتب نصف عبده ثم قطع رجل يديه فعليه ضمان النقصان لان مكاتب النصف مكاتب الكل في أنه يتعذر تسليم الجثة إلى الجاني وقد بينا في الديات ان ذلك يمنع وجوب ضمان جميع القيمة على الجاني فانما يلزمه ضمان النقصان ثم نصف ذلك للمولى ونصفه للمكاتب لان النصف منه مكاتب والنصف مملوك للمولى غير مكاتب في قول أبي حنيفة وضمان النقصان وبمنزلة كسب اكتسبه المكاتب فيكون نصفه لمولاه ونصفه للمكاتب وإذا قتل عبد المكاتب رجلا خطأ فاختار المكاتب فداه بالدية وقضى عليه بها فهو دين في عنق المكاتب لان المكاتب في عبده بمنزلة الحر وفي اختيار الفداء منفعة له هو استخلاص عبده عن الجناية فيكون هو فيه كالحر وتكون الدية عليه دينا بقضاء القاضي بمنزلة سائر ديونه ويطالبه به في حال الكتابة وان عجز بيع فيه الا أن يؤديه المولى عنه وعلى هذا لو أقر المكاتب على عبده بجناية جاز اقراره عليه ويخير المكاتب فيه بين الدفع والفداء بمنزلة الحر يقر على عبده بذلك وكذلك لو صالح عن جناية على عبده فهو في ذلك بمنزلة الحر وقد بينا حكم هذا فيما إذا عجز وأدى في الديات * رجل كاتب نصف عبده ثم جنى المكاتب جناية ضمن المولى نصفها وسعى المكاتب في نصفها لان المكاتب أحق بنصف كسبه فيكون موجب الجناية عليه في ذلك النصف والمولى أحق بنصف كسبه باعتبار ملكه فيكون موجب الجناية على في ذلك النصف و انما يلزمه الاقل من نصف القيمة ومن نصف الارش لانه صار مانعا دفع هذا النصف بالكتابة السابقة ولم يصر مختارا بذلك فيكون مستهلكا ضامنا للقيمة كما في جناية المدبر وأم الولد فان قضى بذلك عليهما ثم عجز بيع نصفه في النصف الذي قضى به عليه وكان النصف الاخر دينا على المولى لان الحق بقضاء القاضى تحول من نصف نفسه إلى نصف القيمة دينا في ذمته فيباع ذلك النصف فيه بعد عجزه فاما النصف الاخر فانما قضى به دينا في ذمة المولى فلا يتغير ذلك بعجزه لانه حين قضى به كان السبب القضاء وهو تعذر الدفع قائما فان لم يعجز ولكن قتل آخر خطأ فانه

[ 114 ] يقضى على المكاتب بنصف قيمة أخرى لانه في النصف هو مكاتب فيه وقد تحول حق الاول إلى القيمة بالقضاء فيتعلق حق الثاني بهذا النصف فيقضي عليه بنصف قيمة لهذا ويدخل الثاني مع الاول في نصف القيمة الذي قضى به على المولى لان المولي ما منع بالكتابة السابقة الا نصف الرقبة فلا يغرم باعتباره الا نصف القيمة وقد أدى ذلك النصف إلى الاول فليس عليه شئ آخر ولكن الثاني يشارك الاول فيما قبض من المولى من نصف القيمة وان عجز قبل أن يقضي للثاني قيل للمولى ادفعه إلى الثاني أو افده لان الجناية الثانية تعقلت برقبته باعتبار توهم الدفع بعد العجز فان دفعه تبعه الاول بنصف القيمة دينا في ذمته لان حق الاول تحول إلى نصف القيمة بقضاء القاضي فاجتمع في ذلك النصف دين وجناية فيدفع الجناية ثم يباع في الدين ويكون للاول على المولى نصف القيمة لقضاء القاضي له بذلك * رجل كاتب نصف أمته ثم ولدت ولدا فجنى الولد جناية فانه يسعى في نصف جنايته ويكون نصفها على المولى لان الولد بمنزلة الام نصفه مكاتب ونصفه مملوك ففي النصف الذي هو مكاتب موجب جنايته عليه وفي النصف الاخر موجب جنايته على المولى الا أن الدفع للمولى متعذر بسبب الكتابة السابقة فعليه نصف قيمته فان أعتق السيد الام بعد ما جنى الولد عتق نصف الولد وسعى في نصف قيمته للمولى لان نصف الولد كان مكاتبا تبعا لامه فيعنق بعتقها والنصف الاخر كان مملوكا للمولى وقد تعذر استيفاء الملك له بسبب عتق النصف فعليه السعاية في نصف القيمة للمولى ونصف الجناية على الولد باعتبار أن نصفه كان مكاتبا وقد تأكد ذلك بالعتق وكذلك حكم الجناية إذا أعنق المولى الولد الا أن هناك لا سعاية على الولد لانه انما عتق باعتاق المولى اياه وفي الاول انما عتق بحكم السعاية في الكتابة وذلك كان في النصف منه دون النصف ولو لم يعنق أحد منهما ولم يجنيا على الاجنبي ولكن جنى أحدهما على الاخر لزم كل واحد منهما من جنايته الاقل من قيمته ومن نصف الجناية باعتبار الكتابة في النصف ثم نصف ذلك على المولى باعتبار أن النصف مملوك له وهو مستهلك بالكتابة السابقة ونصفه على الجاني للمولى باعتبار أن المجني عليه نصفه مملوك للمولى غير مكاتب فيصير بعضه بالبعض قصاصا لانه وجب لكل واحد منهما على صاحبه مثل ما لصاحبة ولو جنت الام ثم ماتت قبل أن يقضى عليها ولم تدع شيأ فولدها بمنزلها يسعى في نصف الجناية والكتابة لان نصف الولد مكاتب معها ولو كان الكل تبعا لها كان يقوم مقامها في السعاية فيما عليها من بدل الكتابة وموجب الجناية

[ 115 ] فكذلك إذا كان دينا في ذمة المولى ابتداء فلا يسقط ذلك بموتها كجناية المدبر ويستوى ان كان قضى عليها بالجناية أو لم يقض أما في النصف الذي هو على المولى فغير مشكل وفي النصف الذي هو عليها فلان الكتابة بقيت ببقاء من يؤدي البدل وتصير جنايتها دينا بموتها عمن يؤدي كما تصير دينا بموتها عمن يؤدي له بدل الكتابة فكان القضاء وغير القضاء فيه سواء فان جنى الولد بعد ذلك جناية ثم عجز وقد كان قضى عليه بجناية أمه فان الذي قضى به عليه من جناية أمه دين في نفسه غير أن للمولى أن يدفعه بجنايته لان حق ولي جنايته تعلق برقبته وزال المانع من دفعه بعجزه قبل القضاء فيكون للمولى أن يدفعه بجنايته وان شاء فداه فان فداه بيع نصفه في الدين الذي على أمه وان دفعه لم يتبعه في هذا الدين لانه دين أمه وحق ولي جنايته مقدم على حق صاحب دين أمه فلهذا لم يتبعه المقضى له بنصف القيمة في ملك المدفوع إليه * رجل كاتب نصف عبده فجنى جناية ثم كاتب النصف الباقي فجنى جناية أخرى ولم يكن قضي للاول فان على الاول نصف الجناية الاول ويقضى على المكاتب بقيمته لانه حين جنى على الاول كان النصف منه مملوكا للمولى غير مكاتب فكان الدفع منه متعذرا فوجب على المولى نصف قيمته لولي تلك الجناية دينا ذمته ثم جنى على الثاني وهو مكاتب كله فيقضى عليه بقيمته وتكون نصف هذه القيمة لولى الجناية الثانية خاصة لان الذي كوتب منه آخرا ما ثبت فيه الا حق ولي الجناية الثانية فقيمة هذا النصف عند قضاء القاضي تكون له خاصة والنصف الاخر وهو الذي كوتب منه أو لا قد تعلق به الجنايتان جميعا فقيمة ذلك النصف إذا قضى به القاضي يكون بينهما نصفين لاستواء حقهما فيه فقد وصل إلى كل واحد منهما نصف حقه وانما بقى له نصف حقه فان عجز قبل قضاء القاضي دفعه اليهما أو فداه فان كان قضى عليه بالجناية الاولى قبل أن يجني الثانية ثم عجز فان للمقضى له نصف ما قضى له على المولى ونصفه دين في نصف العبد ويدفع العبد إلى الثاني أو يفديه لانه حين جنى على الثاني كانت الرقبة فارغة عن الجناية الاولى فيتعلق حق ولي الجناية الثانية به فيدفع إليه بعد العجز أو يفدى بالدية فان دفعه تبعه الاول فيباع له في نصف قيمته لما قلنا ان نصف القيمة صار دينا في ذمته بقضاء القاضي فيتبعه ذلك في ملك المدفوع إليه ويباع فيه الا أن يقضيه عنه ولو كاتب نصف عبده فجنى جناية ثم كاتب النصف الباقي فجنى جناية ثم عجز عن المكاتبة الاولى يرد ذلك النصف إلى الرق لان كل نصف بمنزلة شخص على حدة فالعجز في النصف الاول لا يوجب العجز

[ 116 ] في النصف الثاني وانما تنفسخ الكتابة فيما تقرر فيه سببه ثم يقضى على المولى للاول خاصة بنصف جنايته ونصفها بينه وبين الثاني يضرب كل واحد منهما فيه بنصف جنايته لان الجناية الاولى كان قد أوجب على المولى نصف القيمة لانه حين جنى تلك الجناية كان النصف منه للمولى ملكا فلا يتغير ذلك الحكم لعجزه وفي النصف الاخر كانت الجناية على الاول متعلقة بنصف الرقبة وقد تعلق أيضا بجنايته على الثاني بذلك النصف وكان على المولى دفع ذلك النصف بالجنايتين بعد عجزه عن المكاتبة الاولى لولا الكتابة الثانية وهو بالكتابة الثانية صار مانعا دفع ذلك النصف على وجه لم يصر مختارا فعليه نصف القيمة بين ولي الجنايتين نصفين وعلى المكاتب نصف القيمة أيضا لولي الجناية الثانية لانه جنى عليه والنصف الباقي مكاتب فموجب جناية عليه في هذا النصف ما بقيت الكتابة وهي باقية وان عجز عن المكاتبة الثانية خاصة ولم يعجز عن الاولى فعلى المولى هنا الاقل من نصف قيمته ونصف الجناية الاولى وهو للاول خاصة ونصف الجناية الاخيرة فيضرب كل واحد منهما بنصف جنايته ويقضى على المكاتب في النصف الذي كوتب أخيرا بالاقل من نصف قيمته ومن انصاف جنايتهما وهذا كله على قياس قول أبي حنيفة رحمه الله فاما عندهما إذا كاتب الرجل نصف عبده فهو مكاتب كله والحكم في جنايته كالحكم في جناية المكاتب على ما سبق * رجل كاتب عبدين له مكاتبة واحدة ثم جنى أحدهما جناية سعى في الاقل من قيمته ومن أرش الجناية ولم يلزم صاحبه منها شئ ان عاش هذا أو مات لان كل واحد منهما مقصود بعقد الكتابة بمقابلة بعض البدل فاتحاد العقد واختلاف العقد فيما يلزم كل واحد منهما بالجناية والدين سواء ولو كوتب كل واحد منهما يعقد على حدة لم يلزم أحدهما شئ مما على صاحبه من جناية أو دين فكذلك إذا كوتبا بعقد واحد وانما صار كل واحد منهما مطالبا بجميع بدل الكتابة لاجل الضمان ولانه لا يتوصل إلى العتق الا باداء جميع البدل وهذا المعنى غير موجود في الدين والجناية وعلى هذا لو قتل أحدهما صاحبه خطأ وقيمتها سواء فعليه قيمة المقتول بمنزلة ما لو كانا مكاتبين في عقدين ثم الحي منهما يسعى في جميع الكتابة وتبقى الكتابة في حق الميت لانه مات عمن يؤدي البدل ولان العقد واحد فلا يمكن فسخه في حق الميت مع ابقائه في حق الحي ولا بد من ابقاء العقد في حق الحى وهذا لا يتوصل إلى الحرية الا باداء جميع البدل وإذا أداها عتق واستوجب الرجوع على صاحبه بما يؤدي عنه من حصته فيصير ذلك قصاصا بما لصاحبه عليه من القيمة

[ 117 ] ويؤدى فضلا ان بقى عليه ويرجع بفضل ان كان بقي له ولو كاتب أمتين له مكاتبة واحدة فولدت احداهما ولدا ثم جنى الولد على الاخرى فادت أمه المكاتبة عتقوا فان الام ترجع على صاحبتها بحصتها من المكاتبة لانه أدت ذلك عنها بحكم صحيح بامرها ويسعى الولد في الجناية لان الولد كان مكاتبا وجناية المكاتب تلزمه الاقل من قيمة ومن أرش الجناية ويتقرر ذلك عليه بالعتق لوقوع الناس عن الدفع به فان كان في يد الولد مال حين عتق كان ذلك للام ان لم يكن قضى بالجناية على الولد لان جناية المكاتب قبل العتق لا تصير دينا الا بقضاء القاضي لتوهم الدفع بعد العجز وكسب الولد المولود في الكتابة سالم لها بشرط الفراغ عن دينه لما قلنا ان في حكم الكسب ولدها بمنزلة عبدها والجناية انما صارت دينا عليه بعد العتق فلا يكون ذلك مانعا من سلامة الكسب لها الا أن يكون قضى عليه بها قبل العتق فحينئذ موجب الجناية من قيمة أو أرش بمنزلة دين آخر على الولد ودينه في كسبه مقدم على حق أمه بمنزلة دين العبد فيؤخذ الدين أولا من ذلك المال فان فضل شئ فهو للام ولو كانت الاخرى جنت على الولد كان أرش ذلك عليها للام لان ارش الجناية عليها بمنزلة كسبه والمعنى فيهما أن الولد انما يجعل ملكا للمولى ضرورة التبعية في الكتابة كما يكون خارجا من حكم الكتابة لا تتحقق فيه هذه الضرورة فجعل ذلك لها وارش طرفه خارج من الكتابة وكذلك كسبه فيسلم ذلك كله للام بمنزلة كسبها وارش طرفها فان أدت في الكتابة صار ما أدت عن صاحبتها قصاصا بالارش ويتراجعان بالفضل انه استوجب الرجوع على صاحبتها بارش الجناية وصاحبتها استوجبت الرجوع عليها بما أدت عنهامن بدل الكتابة فتقع المقاصة كذلك عبد بين رجلين جنى جناية فكاتبه أحدهما وهو لا يعلم والاخر يعلم فبلغ المولى الذي لم يكاتب كتابة صاحبه فاجازها لم يكن مختارا بالاجازة وهو لا يعلم بالجناية فلا يصير به مختارا وأما المجيز فقد كان الدفع متعذرا في نصيبه قبل الاجازة لما بينا ان عقد الكتابة في النصف كعقد الكتابة في الكل في المنع عن الدفع بالجناية فان قيل لا كذلك فالمجيز قبل الاجازة كان متمكنا من فسخ الكتابة ودفع نصيبه بالجناية وانما يتعذر ذلك باجازته الكتابة فينبغي ان يصير ذلك مختارا للارش * قلنا هو بالاجازة أسقط حقه في الفسخ فلا يتصرف في المحل بالمستحق بالجناية والاختيار انما يحصل بتصرفه في المحل المستحق بالجناية على معنى انه مخير بين شيئين فإذا فوت أحدهما تعين الاخر وهذا غير موجود هنا فانه ما تصرف في نصيب نفسه بشئ وانما أسقط حقه في فسخ

[ 118 ] كتابة صاحبه في نصيبه وما كان دفع نصيب صاحبه مستحقا عليه فلهذا لا يجعل بهذا الاجازة مختارا للفداء ولكن يكون عليهما الاقل من قيمته ومن ارش الجناية بمنزلة ما لو كتباه وهما لا يعلمان بالجناية * عبد جنى على حر بقطع يده ثم قطع يد العبد رجل حر ولا يعلم أي الجنايتين قبل فقال الحر كانت جناية العبد على قبل الجناية عليه وقال المولى بل كان ذلك بعد الجناية عليه فالقول قول المولى في ذلك لان سبب استحقاق المولى ارش يد العبد ظاهر وهو ملكه رقبته والمجني عليه يدعي استحقاق ذلك عليه بدعواه سبق جناية العبد عليه فعليه اثبات ما يدعي بالبينة؟ وان لم يكن له بينة فعلى المولى اليمين لان الحر يدعي تاريخا سابقا في جناية العبد عليه وهذا التاريخ لا يثبت الا ببينة فإذا لم يكن له بينة وحلف المولى خير فان شاء دفع العبد إلى المجني عليه وان شاء فداه بجميع الارش قال (ألا ترى) ان عبدا لو قطع يد حر وجرح المولى عبده فقال المولى قبلت ذلك قبل جناية عبدي عليه وقال المجني عليه بل فعلته بعد ذلك كان القول قول المولى لان المجني عليه يدعي اختيار الفداء والمولى منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه فكذلك ما سبق وان التقى عبد وحر ومع كل واحد منهما عصا فشج كل واحد منهما صاحبه موضحة فبرئا جميعا ولا يدرى أيهما بدأ بالضربة فقال المولى للحر أنت بدأت بالضربة وقال الحر بل العبد بدأ بها فالقول قول المولى لما بينا من المعنيين ان الحر يدعي سبق تاريخ في جناية العبد عليه ويدعي استحقاق ارش الجناية على العبد فإذا حلف المولى كان على الحر نصف عشر قيمة العبد للمولى أرش الموضحة ويدفع المولى عبده بجنايته أو يفديه وكذلك ان كان مع العبد سيف فمات العبد وبرأ الحر لانه لا قصاص على العبد هاهنا فانه لا قصاص بين العبيد والاحرار فيما دون النفس والحر انما جنى على العبد بالقصاص فلا يجب عليه القصاص فان مات العبد من ذلك فكان الواجب الارش كما في المسألة الاولى وإذا ثبت أن القول قول المولى في انكار التاريخ كان على عاقلة الحر جميع قيمة العبد لان نفس العبد تحمله العاقلة فيكون مقدار ما تقتضيه ضربة الحر في قيمته إلى الوقت الذي ضرب العبد الحر وهو الوقت الذي يفديه المولى ذلك يكون للمولى ويكون في الباقي أرش جنايته على الحر لا ان الحر استحق نفسه بجنايته عليه وقد مات وأخلف بدلا فيقوم البدل مقامه ويؤمر المولى بدفع ذلك القدر إلى الحر الا أن يكون أرش جنايته عليه أقل من ذلك فحينئذ يدفع إليه مقدار ارش جنايته والباقي للمولى وان كان السيف مع الحر والعصا مع معبد وقد مات العبد وأرش جراحة الحر

[ 119 ] أكثر من قيمة العبد فقال المولى أنت بدات فضربت عبدي وقال الحر بل العبد بدأ فضربني فالقول قول المولى لانه منكر سبق التاريخ في جناية عبده عن الحر يكون له أن يقتل الحر قصاصا لانه قتل عبده بالسيف وبطل حق الحر لان المستحق له بجناية العبد نفس العبد وقد مات ولم يخلف بدلا يمكن استيفاء حقه منه لانه انما أخلف القصاص وابقاء موجب جناية العبد على الحر فيما دون النفس من القصاص غير ممكن * فان قيل كان ينبغي أن لا يجب القصاص على الحر لانه ان كان الحر جنى على العبد أولا فقد استحق نفسه بجنايته ثم أقدم على قتل نفس هي مستحقة له بالجناية فصير ذلك شبهة في اسقاط القود عنه في الوجهين * قلنا لا كذلك فان عبد الوجنى على الحر ثم جنى الحر عليه وقتله يجب عليه القصاص لان موجب جناية العبد على مولاه على ما بينا أن جناية الخطأ تتباعد عن الجاني وتتعلق باقرب الناس إليه وأقرب الناس إلى العبد مولاه ولهذا خير المولى بين الدفع وبين الفداء وحق المجني عليه في العبد حق ضعيف حتى لا يمنع بقود شئ من تصرفات المولى فيه ومثل هذا الحق الضعيف لا يعتبر شبهة في اسقاط القود فان أقام الحر البينة على العبد انه بدأ فضربه فهذا مثل الاول لما بينا أن حقه في العبد بسبب جنايته حق ضيف؟ فلا يمنع ذلك وجوب القصاص عليه بقتله اباء وقد فات محل حق الحر فبطل حقه * ولو التقى عبد وحر ومع كل واحد منهما عصا فاضطربا فشج كل واحد منهما صاحبه موضحة فبرآ منها واتفق المولى والحر انهما لا يدريان أيهما بدأ فان المولى يدفع المولى أو يفديه لان جناية العبد على الحر معلومة وهي تثبت الخيار للمولى فان دفعه رجع على الحر بنصف أرش جناية الحر عليه لان جناية الحر عليه ان سبقت فللمولى الارش وان تأخرت فليس للمولى عليه شئ لان الارش مدفوع مع العبد بجنايته فلا عتبار الاحوال قلنا يرجع على الحر بنصف أرش جنايته على العبد وان فداه رجع على الحر بجميع ارش جنايته على العبد لانه بالفداء طهره عن جنايته وارش جناية الحر عليه سالم له بعد الفداء وان تقدمت جناية العبد على الحر * ولو كانا عبدين فشج كل واحد منهما صاحبه معا وبرآ خير مولى كل واحد منهما فان شاء دفعه وان شاء فداه بجناية مملوكه على مملوك صاحبه فان اختار الدفع صار عيد كل واحد منهما للاخر فلا يتراجعان بشئ سوى ذلك لان كل واحد منهما وصل إلى ما كان مستحقا له وان اختار الفداء أدى كل واحد منهما أرش جناية الاخر تاما وان سبق أحدهما بالضربة قيل لمولى البادي بالضربة ادفعه أو افده لان عبده سبق بالجناية فيخير هو أولا فان دفعه صار العبد

[ 120 ] للمدفوع إليه ولا يرجع الدافع عليه بشئ لانه لو رجع بشئ لزمه دفع ذلك مع عبده عن الجناية فتبقى جناية عبد الاخر عليه معتبرة فان مات البادي من الضربة وبرئ الاآخر وقيمة كل واحد منهما خمسة آلاف فان قيمة الميت في عنق الحي يدفع بها أو يفدى فان فداه بقيمة الميت رجع في تلك القيمة بارش جناية عبده لان حقه كان ثابتا في رقبة الميت باعتبار جنايته على ملكه وقد مات وأخلف بدلا فيكون له أن يرجع في ذلك البدل بارش جراحة عبده وان دفعه رجع بارش شجة عبده في عنقه ويخير المدفوع إليه بين الدفع والفداء لان الجناية من عبده كانت بعد الشجة فلا يتعلق حق مولى المجني عليه بارش تلك الشجة وقد كان قبل جنايته مولى المجني عليه مخيرا بين الدفع والفداء فكذلك بعد جنايته (ألا ترى) أن عبدا لوشج عبدا موضحة ثم جاء عبد آخر فقتل الشاج خطأ خير مولاه بين الدفع والفداء فان فداه كان أرش جراحة المشجوج في ذلك الفداء وان دفعه خير مولى العبد الميت فان شاء دفعه على ما سبق وقد أعاد جواب هذا السؤال بعد هذا باسطر وقال مولى الميت بالخيار ان شاء دفع ارش جناية الحي مكان قيمة عبده في عنق الباقي ويخير مولاه فان شاء دفعه وان شاء فداه وان أبى أن يدفع المولى ارش جناية الحي فلا شئ له في عنق الحي لان عبده هو البادي بالجناية فلا يكون له في عنق الحي شئ حتى يؤدي ارش جنايته (ألا ترى) أن عبده لو كان حيا بدى به فقيل له ادفعه أو افده فكذلك إذا كان ميتا ولو برأ الاول ومات الاخر من الجناية خير مولى الاول بين الدفع والفداء لان عنده هو الذي بدأ بالجناية فان فدى عبده كان ارش جناية عبده في الفداء بعد ما يدفع منه أرش موضحة العبد الاخر لان العبد الاخر جنى على عبده وهو مشجوح فلا يتعلق به حقه بارش الشجة وانما كان حقه في العبد مشجوجا وقد مات وأخلف عوضا وان دفع عبده فلا شى له عليه لان حقه بالدفع يسقط عن ارش جناية العبد الاخر على عبده فإذا استوفى ذلك لزمه دفعة مع عبده فلا يكون استيفاؤه مفيدا شيأن ولو تضارب العبد * بالعصا فشج كل واحد منهما صاحبه موضحة فبرآ والبادئ معروف ثم ان عبد الرجل قتل البادئ منهما خطأ قيل لمولاه ادفعه أو افده فان فداه بقيمته أدى مولاه من تلك القيمة أرش جراحة العبد الباقي والفضل له من قبل أن مولى البادي هو المخاطب أولا وحكم جناية مملوكه انما يتبين باختيار مولى العبد الثالث الدفع أو الفداء فلهذا بدئ به ولما اختار الفداء فقد اختلف البادي قيمته فلمولى العبد الباقي في تلك القيمة ارش الجناية على عبده والفضل لمولى

[ 121 ] البادي ثم يرجع مولى البادى بارش جراحة عبده في عتق العبد الباقي فيدفع بها أو يفدي لانه قد وصل إلى مولى العبد الباقي كمال حقه وان دفع مولى القاتل عبده قام المدفوع مقام المقتول وقد بينا ان المقتول لو كان الباقي كان يخير مولاه أولا فان دفعه لم يكن له على المولى المدفوع إليه من ارش جراحة عبده وشئ وان فداه رجع في عنق صاحبه بارش جراحة عبده فكذا هنا ولو كان العبد الثالث قتل الاخر منهما فدفعه مولاه قام المدفوع مقام المقتول فان فداه بقيمته خير مولى البادي بين الدفع والفداء فان دفعه إليه شئ له على مولى المقتول ولا في قيمته لان عند اختياره الدفع يكون حق مولى المقتول ثابتا في ارش الجناية على العبد البادي فلا يفيد رجوع مولاه عليه شيأ لان ما قبضه منه يلزمه رده عليه وان فداه فقد طهر عبده من الجناية وقد فات المقتول وأخلف قيمة فيرجع في تلك القيمة بارش جراحة عبده وان مات العبد القاتل خير مولى العبد البادئ فان شاء دفع ارش شجة المقتول وان شاء دفع نفسه وأيهما فعل فقد بطل حقه لان حقه كان في المقتول مشجوجا وقد فات ولم يخلف عوضا لان عوضه كان العبد القاتل وقد فات وصار كان لم يكن مات البادئ بالضربة من شئ آخر وبقى الاخر فان مولى البادئ بالخيار ان شاء دفع إلى مولى الثاني ارش جناية عبده ويتبع عبده بارش جناية عبده لان بالفداء طهر عبده عن الجناية وقد جنى العبد الاخر على عبده فيتبعه بارش ذلك ويخير مولى العبد بين أن يدفع بذلك أو يفديه وان أبى أن يدفع الارش فلا شئ له في عنق العبد الحي لما بينا أنه كان هو المخاطب ابتداء لبداءة عبده بالجناية وشرط وجوب الجناية بوجه الخطاب له على مولى الباقي أن يدفع ارش جناية عبده عليه فإذا انعدم هذا الشرط بابائه لم يكن له أن يرجع عليه بشئ كما قال أبو حنيفة رحمه الله في مولى المفقوءة عيناه إذا دفع الشجة لم يكن له أن يرجع على الباقي بشئ * ولو أن عبدين التقيا ومع كل واحد منهما عصا فشج كل واحد منهما صاحبه موضحة وأحدهما بدأ بالضربة وهو معلوم فمات الضارب الاول منهما من ضربة صاحبه وبرأ الاخر فمولى العبد الميت بالخيار ان شاء دفع ارش جناية الحي فكانت قيمة عبده في عنق الحي وخير مولاه بين أن يدفعه أو يفديه لانه بالفداء طهر عبده وان شاء قتل العبد الباقي ويخير مولاه بين الدفع والفداء ولا يتعلق حقه بذلك لان العبد الباقي انما قتل الضارب الاول وهو مشجوج وان أبى مولى الميت أن يدفع أرش جناية الحي فلا شئ له في عنق الحي لتفويته شرطه كما بينا ولو كانا برئا من الموضحتين ثم ان

[ 122 ] البادي منهما قتل الاخر خطأ خير مولاه فان شاء دفعه وان شاء فداه بارش الموضحة وبالقيمة لانه تخلل بين الجنايتين برء فتكون جنايته الثانية على المجني عليه الاول بمنزلة جنايته على غيره فإذا فداه فلا شئ له لان عند اختيار الدفع يلزمه أن يدفع ارش الجناية على عبده معه فلا يكون استيفاؤه مفيدا شيأ وان فداه كان أرش شجة المقتول لمولاه خاصة ويكون ارش شجة الحي في هذه القيمة المقبوضة يأخذه مولاه منها لان حقه كان ثابتا في المقتول وقد فات وأخلف قيمة فيثبت حقه في تلك القيمة وذلك بقدر ارش شجة الحي وان كان الاخر هو الذي قتل البادي خطأ فانه يخير مولى المقتول فان شاء أبطل جنايته ولا شئ لواحد منهما على صاحبه وان شاء فداه بارش موضحة الحي ثم يخير مولى الحي بين أن يدفع عبده أو يفديه بقيمة المقتول وهذا نظير ما سبق على معنى أن مولى البادي هو المخاطب أولا وشرط ثبوت حق الرجوع له ان يفدي عبده بموضحة العبد الحي فان وجد منه هذا الشرط يكون له أن يطالب مولى الحي بموجب جناية عبده على عبده فان أبى ايجاد هذا الشرط كان مبطلا حقه فلا شئ لواحد منهما على صاحبه وان اختار مولى العبد الاخر دفع عبده فدفعه فان ارش الشجة التي شجها الاول في عنقه فان شاء المدفوع إليه فداه وان شاء دفعه المولى إلى المدفوع فهو قائم مقام المقتول وسواء دفعه أو فداه لم يكن للاول شئ لان الجناية من الاخر على الاول كانت وهو مشجوج فلا يتعلق حق مولى الاول ببدل تلك الشجة قال الحاكم رحمه الله أراد أن الاخر يسبق إلى الدفع قبل أن يختار الاول شيأ فالحكم ما بينة أولا وان كان لا يعرف البادئ من العبدين بالضربة ثم قتل أحدهما صاحبه بعد ما برئا فانه يخير مولى القاتل فان شاء دفع عبده وان شاء فداه بقيمة المقتول المشجوج صحيحا لانا تيقنا جناية القاتل على المقتول وكنا قد علمنا أن المقتول كان صحيحا واشتبه حال وقت القتل فيجب التسمك بما كان معلوما فلهذا يفديه بقمية صحيحا ان اختار الفداء فان دفعه كان له نصف ارش شجته في عنقه باعتبار الاحوال كما بينا فان شاء فداه المدفوع إليه بذلك وان شاء دفع منه حصة قيمة العبد مشجوجا من العبد الذي دفعه أو يفديه فان فداه بقيمته رجع عليه بارش الشجة في الفداء الذي دفعه بعد ما يدفع العبد المقتول نصف ارش شجته لان ذلك القدر لا يتعلق به حق الذي فدى عبده بقيمته باعتبار الاحوال فيه فيسلم ذلك لمولى العبد المقتول من الفداء أو يرجع فيما بقي منه بارش شجة عبده * ولو التقى عبدان وتضاربا فقطع كل واحد منهما يد صاحبه معا

[ 123 ] فبرئا فانه يخير مولى كل واحد منهما فان شاء دفع عبده وأخذ عبد صاحبه وان شاء أمسك عبده ولا شئ له في قول أبي حنيفة وقد تقدم بيان هذه المسألة في الحر كان هو القاطع ليد العبد فكذلك في العبدين * ولو أن أمة قطعت يد رجل ثم ولدت ولدا فقتلها ولدها خطأ فان المولى بالخيار ان شاء دفع الولد إلى المقطوعة يده وان شاء فداه وأيهما فعل خير مولى المقطوعة يده بين دفع الاقل من دية العبد ومن قيمة الام لان حق المقطوعة يده كان ثابتا في الام والولد ما انفصل عنها بمنزلة عبد آخر جنى عليها فتعتبر جنايته لحق صاحب اليد ويخير كما بينا ولو أن عبدا قتل رجلا خطأ ثم ان عبد الرجل قطع يد هذا العبد خطأ فبرآ فمولي القاطع بالخيار ان شاء دفع عبده وان شاء فداه وأيهما فعل خير مولى المقطوعة يده فان شاء دفع عبده وما أخذ بجنايته معه وان شاء فداه لان عبده كان صحيحا حين قتل الرجل فحق وليه كان ثابتا في الجزء الفائت منه بقطع العبد يده إلى بدل فيثبت حقه في بدله أيضا فإذا اختار دفعه فعليه بذلك ذلك ولم يكن هذا اختيارا للاخر لان نفس كل واحد منهما انما استحقت بجنايته وأحدهما منفصل عن الاخر فكان هذا وما لو كانت جنايتهما على شخصين سواء فلا يكون اعتاقه أحدهما اختيارا في حق الاخر لانه لا يتعذر دفع الاخر بجنايته بسبب هذا الاعتاق وهذا بخلاف ما سبق فان المولى لو أعتق العبد المدفوع باليد المقطوعة كان ذلك منه اختيارا للفداء لان دفعهما كان باعتبار جناية واحدة وفي الجناية الواحدة اختياره في البعض يكون اختيارا في الكل * ولو أن رجلا قطع يد رجل فأعتقه مولاه قبل أن يبرأ وهو يعلم بذلك أو لا يعلم فلا شئ له في قول أبي حنيفة وله أن يرجع بنقصان قيمة عبده في قولهما وهذا بناء على ما سبق فان بالاعتاق فوت بتسليم الجثة ولو منع ذلك عند أبي حنيفه لم يرجع بشئ فكذلك إذا فوته وعندهما له أن يمتنع عن تسيلم الجثة ويرجع بنقصان القيمة فكذلك إذا فوت ذلك بالعتق * أم ولد بين رجلين كاتباها فقتلت أحد الموليين خطأ فعليهما الاقل من القيمة ومن الدية لان جناية المكاتبة على مولاها كجنايتها على أجنبي آخر وقد جنت وهي مكاتبة فعليها الاقل من قيمتها ومن أرش الجناية فان قتلت الاخر بعده فعلى عاقلتها الدية لانها عتقت حين قتلت الاول منهما على اختلاف الاصلين لان عندهما وان لزمها السعاية في نصيب الاخر فالمستسعى حر وعند أبي حنيفة لا سعاية على أم الولد لمولاها فعرفنا أنها قتلت الاخر منهما وهي حرة فعليها الدية وعليها كفارتان لان الكفارة بالقتل تجب على المملوكة كما

[ 124 ] تجب على الحر وان قتلتهما معا فعليها قيمتهما لانها جنت على كل واحد وهي مكاتبة وانما عتقت بعد ذلك ولو جنت على أجنبيين ثم عتقت كان عليها قيمتها لهما فكذلك ان جنت على مولييها وإذا قطع الرجل يد عبد قيمته ألف درهم فلم يبرأ حتى زادت قيمته فصارت ألفي درهم ثم قطع آخر رجله من خلاف ثم مات منهما جميعا قال على الاول ستمائة وخمسة وعشرون درهما وعلى الاخر سبعمائة وخمسون درهما قال الحاكم رحمه الله وفي جواب هذه المسألة نظر وانما قال ذلك لانه أجاب في نظير هذه المسألة في كتاب الديات بخلاف هذا وقد بينا تمامه * قال الشيخ الامام الاجل الزاهدي رحمه الله وعندي ما ذكر هاهنا صحيح وتأويله أن قيمته صارت ألفي درهم صحيحا لا مقطوع اليد فعلى هذا التأويل الجواب ما ذكره في الكتاب من قبل أن الاول حين قطع يده وقيمته ألف لزمه بالقطع خمسمائة ثم الثاني بقطع الرجل أتلف نصف ما بقي فيلزمه أيضا خمسمائة لانه إذا كان قيمته صحيحا ألفي درهم فقيمته مقطوع اليد ألف درهم وقد أتلف نصفه بقطع الرجل وهو مقطوع اليد فيلزمه خمسمائة فحين مات منها فقد صار كل واحد منهما متلفا نصف ما بقى منه بسراية جنايته الا أن في حق الاول لا معتبر بزيادة القيمة فيكون عليه نصف هذا من القيمة الاولى كانت ألف درهم وربع تلك القيمة مائتان وخمسون فعليه بالسراية نصف ذلك الربع وهو مائة وخمسة وعشرون فإذا ضممت ذلك إلى خمسمائة يكون ستمائة وخمسة وعشرين وقد أوجب على الاول هذا المقدار والاخر منهما لزمه بالسراية قيمة ما تلف بسراية فعله وذلك معتبر من قيمة وقت جنايته ألفي درهم وربع تلك القيمة خمسمائة فنصف الربع مائتان وخمسون وقد وجب عليه باصل الجناية خمسمائة وبالسراية مائتان وخمسون فذلك سبعمائة وخمسون درهما والله أعلم بالصواب (كتاب المعاقل) قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة أبو بكر محمد بن سهل السرخسى رحمه الله إملاء يوم الاربعاء الرابع عشر من شهر ربيع الاخر سنة ست وستين واربعمائة الاصل في ايجاب الدية على العاقلة في الخطأ وشبه العمد قضاء رسول الله على ما روي في حديث حمل بن مالك أن النبي عليه السلام قال لاولياء الضاربة قوموا فدوه قال أخوها

[ 125 ] عمرن بن عويمر الاسلمي أندى من لا عقل ولا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل ومثل دمه بطل فقال عليه السلام أسجع كسجع الكهان أو قال دعني وأراجيز العرب قوموا فدوه فقال ان لها بيتاهم سراة الحي وهم أحق بها مني فقال أنت أحق بها قم فدوه وشئ من المعقول يدل عليه وهو أن الخاطئ معذور وعذره لا يعدم حرمة نفس المقتول ولكن يمنع وجوب العقوبة عليه فأوجب الشرع الدية صيانة لنفس المقتول عن الهدر وفي ايجاب الكل على القاتل اجحاف به واستئصال فيكون بمنزلة العقوبة وقد سقطت العقوبة عنه للعذر فضم الشرع إليه العاقلة لدفع معنى العقوبة عنه وكذلك في شبه العمد باعتبار أن الالة آلة التأديب ولم يكن فعله محظورا محضا ولهذا لا يجب عليه القصاص فلا يكون جميع الدية عليه في ماله لدفع معنى العقوبة عنه ولكن الشرع أوجب الدية هاهنا مغلظة ليظهر تأثير معنى العمد وأوجبها على العاقلة لدفع منع العقوبة عن القاتل ثم هذا الفصل لا يحصل الا بضرب استهانة وقلة مبالاة وتقصير في التحرز وانما يكون ذلك بقوة يجدها المرء في نفسه وذلك بكثرة أعوانه وأنصاره وانما ينصره عاقلته فضموا إليه في إيجاب الدية عليهم وان لم يجب لهذا المعنى وكل أحد لا يأمن على نفسه أن يبتلى بمثله وعند ذلك يحتاج إلى اعانة غيره فينبغي أن يعين من ابتلى ليعينه غيره إذا ابتلى بمثله كما هو العادة بين الناس في التعاون والتوادد فهذا هو صورة أمة متناصرة وجبلة قوم قوامين بالقسط شهداء لله متعاونين على البر والتقوى وبه أمر الله تعالى الامة هذه ثم كانت للعرب في الجاهلية أسباب للتناصر منها القرابة ومنها الولاء ومنها الحلف ومنها ممالحة العدو وقد بقي ذلك إلى زمن رسول الله ليكونوا حلفاء له كما كانوا حلفاء لجده عبد المطلب ودخل بنو بكر في عهد قريش ليكونوا حلفاء لهم الحديث فكانوا يضلون عن حليفهم وعديدهم ويعقل عنهم حليفهم وعديدهم ومولاهم باعتبار التناصر كما يعقلون عن أنفسهم باعتبار التناصر فلما كان في زمن عمر رضي الله عنه ودون الدواوين صار التناصر بينهم بالديوان فكان أهل ديوان واحد ينصر بعضهم بعضها وان كانوا من قبائل شتى فجعل عمر العاقلة أهل الديوان بيانه في الحديث الذي بدأ به الكتاب فقال بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرض العقل على أهل الديوان لانه أول من وسع الديوان فجعل العقل فيه وكان قبل ذلك على عشيرة الرجل في أموالهم وبهذا أخذ علماؤنا رحمهم الله فقالوا العقل على أهل الديوان من العاقلة وأبي الشافعي ذلك فقال هو على العشيرة فقد كان عليهم في عهد رسول الله صلى الله عليه

[ 126 ] وسلم ولا نسخ بعد رسول الله ولكنا نقول قد قضى به عمر رضي الله عنه على أهل الديوان بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه منكر فكان ذلك اجماعا منهم * فان قيل كيف يظن بهم الاجماع على خلاف ما قضى به رسول الله * قلنا هذا اجتماع على وفاق ما قضى به رسول الله فانهم علموا أن رسول الله قضى به على العشيرة باعتبار النصرة وكان قوة المرء ونصرته يومئذ بعشيرته ثم لما دون عمر رضي الله عنه الدواوين صارت القوة والنصرة بالديوان فقد كان المرء يقاتل قبيلته عن ديوانه على ماروي عن علي رضي الله عنه أن يوم الجمل وصفين جعل بازاء كل قبيلة من كان من أهل تلك القبيلة ليكونوا هم الذين يقاتلون قومهم فلهذا فضوا بالدية على أهل الديوان ثم الشافعي يقول؟ الزام الدية العاقلة بطريق الصلة والصلة المالية مستحقة بوصلة القرابة دون الديوان كالنفقة والميراث ونحن نقول الوجوب عليهم بطريق الصلة كما قال وايجابه فيما هو صلة أولى وأهل ديوان واحد فيما يخرج من الصلة لهم بعين العطاء كنفس واحدة وايجاب هذه الصلة فيما يصل إليهم بطريق الصلة أولى في ايجابه ومن أصول أموالهم ثم لاشك ان المعبتر النصرة ففي حق كل قاتل يعتبر ما به تتحقق النصرة وتناصر أهل الديوان يكون بالديوان فان كان القاتل من قوم يتناصرون بالحلف فذلك هو المعتبر لان المعنى متى عقل في الحكم الشرعي تعدى الحكم بذلك المعنى إلى الفروع ثم القاتل أحد العواقل يلزمه من الدية مثل ما يلزم أحد العاقلة عندنا وعند الشافعي ليس على القاتل شئ من الدية لان الخطأ مرفوع قال الله تعالى وليس عليكم جناح فيما أخطاتم به وقال عليه السلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وانما يتحقق ذلك إذا لم يكن عليه شئ من الدية ثم هذا الجزء كسائر الاجزاء فبالمعنى الذي نوجب سائر الاجزاء على العاقلة من نصرة أو صلة نوجب؟ هذا الجزء عليهم أيضا ولكنا نقول الايجاب على العاقلة لدفع الاجحاف والاستئصال عن القاتل والتخفيف عليه وذلك في الكل لا في الجزء ثم الوجوب عليهم باعتبار النصرة ولاشك انه ينصر نفسه كما ينصر غيره وكما انه معدور؟ غير مؤاخذ شرعا فالعاقلة لا يؤاخذون بفعله أيضا قال الله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى ومن لم يجن فهو أبعد من المؤاخذة من الجاني المعذور فإذا أوجبنا على كل واحد من العاقلة جزأ من الدية فلان نوجب عليه مثل ذلك أولى وهذا لان محل أداء الواجب العطاء الذي يخرج لهم بطريق الصلة وهم في ذلك كنفس واحدة فكما يخرج العطاء لغير القاتل يخرج للقاتل وذكر عن المعرور بن سويد قال

[ 127 ] فرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه الدية تؤخذ في ثلاث سنين فالنصف في سنتين وما دون الثلث في سنة وبه نأخذ فنقول جميع الدية متى وجبت بنفس القتل كانت مؤجلة في ثلاث سنين سواء كانت على العاقلة أو في مال القاتل كالاب يقتل ابنه عمدا وقد بينا هذا في الديات وإذا كان جميع الدية في ثلاث سنين فكل ثلث منه في سنة ومتى كان الواجب بالقتل ثلث بدل النفس أو أقل من ذلك كان في سنة واحدة وما زاد على الثلث إلى تمام الثلثين في السنة الثانية وما زاد على ذلك إلى تمام الدية في السنة الثالثة وهذا لان تقوم النفس بالمال غير معقول وانما عرف ذلك شرعا والشرع انما ورد بايجاب الدية مؤجلة في ثلاث سنين فعلينا اتباع ذلك واتباع الاجزاء بالجملة في مقدار ما يثبت فيها من الاجل والشافعي يجعل التأجيل لمعنى التخفيف كالايجاب على العاقلة معن التخفيف معقول فأما في التأجيل فمعنى نقصان المالية لان المؤجل في المالية أنقص من الحال وبسبب صفة العمدية يخرج من أن يكون متسحقا للتخفيف ولكن ليس لهذه الصفة تأثير في ايجاب زيادة على قيمة المتلف ولو اوجبنا الدية عليه حالا كان ذلك زيادة * فان قيل أليس في شبه العمد أن الدية تجب مغلظة وفيه ايجاب زيادة المالية باعتبار صفة العمد * قلنا نعم ولكناانما ننكر ايجاب الزيادة بالرأي فيما لا مدخل للرأي فيه وتلك الزيادة انما أوجبناها بالنص كاصل المال بمقابلة النفس أو جبناه بالنص بخلاف القياس وعن إبراهيم قال في دية الخطأ وشبه العمد في النفس على العاقلة على أهل الديوان في ثلاثة أعوام في كل عام الثلث وما كان من جراحات الخطأ فعلى العاقلة على أهل الديوان إذا ثلاثة أعوام في كل عام الثلث وما كان من جراحات الخطأ فعلى العاقلة على أهل الديوان إذا بلغت الحاجة ثلث الدية ففي عامين وان كان النصف فكذلك وان كان الثلث ففي سنة واحدة وذلك كله على أهل الديوان وبه نقول فان الواجب وما دون ذلك بمنزلة ضمان المال يكون على الجاني والشافعي يسوي بين القليل والكثير والقياس فيه أحد السببين أما التسوية فكما ذهب إليه الشافعي في ايجاب الكل على العاقلة والتسوية في أن لا يوجب شئ على العاقلة كما في ضمان المال ولكنا تركنا القياس بالسنة وانما جاءت السنة في أرش الجنين بالايجاب على عاقلته وأرش الجنين نصف عشر بدل الرجل فيقضى بذلك على العاقلة وفيما دونه يؤخذ بالقياس وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله لا تعقل عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون أرش الموضحة

[ 128 ] وارش الموضحة نصف عشر بدل النفس ففيما دونه يؤخذ بالقياس وهذا لان الايجاب على العاقلة كان لمعنى دفع الاجحاف عن الجاني وذلك في الكثير دون القليل فلهذا أوجبنا الكثير على العاقلة دون القليل والفاضل بينهما يكون مقدرا وأدنى ذلك ارش الموضحة قال وليس على النساء والذرية ممن كان له عطاء في الديوان عقل لانه بلغنا عن عمر رضي الله عنه قال لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة وانما جعل الفضل فيما يؤدى والله أعلم على عشيرة الرجل ولم يجيؤا على وجه العون لصاحبهم لانهم أهل يد واحدة ونصرة واحدة على غيرهم وهذه النصرة انما تقوم بالرجال دون النساء فبنية المرأة لا تصلح لهذه النصرة وكذلك النصرة لا تقوم بالصبيان (ألا ترى) ان الشرع نهى عن قتل النساء والصبيان من أهل الحرب لا نهم يقاتلون لدفع من يقاتلهم وتناصرهم فيما بينهم وذلك لا يحصل بالنساء والصبيان وكذلك الجزية التي خلت عن النصرة لم توجب على النساء والصبيان فكذلك تحمل العقل وعلى هذا لو كانت المرأة هي القاتلة أو الصبي لم يكن عليهما شئ من الدية بخلاف الرجل لان وجوب جزء على القاتل باعتبار انه أحد العواقل وهو لا يوجد في النساء والصبيان ولا ينظر إلى مالهم من فرض العطاء في الديوان لان ذلك ليس باعتبار النصرة بل باعتبار المؤنة كما فرض عمر رضي الله عنه لازواج رسول الله العطاء في الديوان فكان يوصله لهن في كل سنة * وإذا قتل الرجل خطأ فلم يرفع إلى القاضي حتى مضت سنون ثم رفع إليه فانه يقضي بالدية على عاقلته في ثلاث سنين من يوم يقضي لان ثبوت الاجل يبنى على وجوب المال والمال انما يجب بقضاء القاضي فاما قبل القضاء فالمال ليس بواجب لان ضمان المتلفات يكون بالمثل بالنص ومثل النفس نفس الا انه إذا رفع إلى القاضي فيتحقق العجز عن استيفاء النفس لما فيه من معنى العقوبة وتحول الحق بقضائه إلى المال كما في ولد المغرور فان قيمته انما تجب على المغرور بقضاء القاضى وان كان رد عينه متعذرا قبل القضاء ولكن في الحكم جعل الواجب رد العين إلى أن يحوله القاضي إلى القيمة بقضائه لتحقق العجز عن رد العين ولهذا لو هلك الولد قبل القضاء لم يضمن شيأ واعتبر قيمة الولد يوم القضاء لهذا وهو نظير الاجل في حق العين فانه لا يعتبر ما مضى من المدة قبل الخصومة وانما يكون ابتداء التأجيل من وقت قضاء القاضي فكذلك هاهنا ابتداء التأجيل يكون من وقت قضاء القاضي فان كانوا أهل ديوان قضى بذلك في اعطياتهم فيجعل الثلث في أول عطاء يخرج لهم بعد قضائه وان لم يكن بين القتل وقضائه وبين خروج

[ 129 ] أعطياتهم الاشهر أو أقل من ذلك لان التأجيل في حق العاقلة كان لمعنى تأخر خروج العطاء ومحل قضاء الدية منه العطاء فانما يعتبر خروج العطاء بعد القضاء (ألا ترى) انه لو لم يخرج سنين لم يطالبوا بشئ فكذلك إذا خرج بعد قضاء القاضي بشهر أو أقل يؤخذ منه ثلث الدية والثلث الثاني في العطاء الاخر إذا خرج ان أبطأ بعد الحول أو عجل قبل السنة وكذلك الثلث الثالث فان عجل للقوم العطاء فخرجت لهم ثلاثة أعطية مرة وهي أعطية استحقوها بعد قضاء القاضي بالدية فان الدية كلها تؤخذ من تلك الاعطية الثلاثة لوصول محل اداء الدية منه إلى يد العاقلة قال ولا يقضى بالدية على القوم حتى يصيب الرجل في عطائه من الدية كلها أربعة دراهم أو ثلاثة أو أقل من ذلك عندنا وقال الشافعي ما يقضي به على كل واحد منهم لا يكون أقل من نصف دينار لانها صلة واجبة شرعا فيعتبر بالزكاة وأدنى ما يجب في الزكاة نصف دينار أو خمسة دراهم فقد كان ذلك بمعنى نصف دينار في زمن رسول الله ولكنا نقول الايجاب عليهم للتخفيف على القاتل وانما يجب على وجه لا يتعسر ذلك عليهم وذلك في ايجاب القليل دون الكثير ثم هذه صلة يؤمرون بادائها على وجه التبرع فلا يبلغ مقدارها مقدار الواجب من الزكاة بل ينقص من ذلك (ألا ترى) انه لا تجب هذه الصلة في أصول أموالهم وانما تجب فيما هو صلة لهم وهو العطاء فعرفنا أنه مبنى على التخفيف من كل وجه وقد ظن بعض أصحابنا رحمهم الله ان التقدير بثلاثة دراهم فيما يؤخذ منهم في كل سنة وذلك غلط فقد فسرها هنا فقال حتى يصيب الرجل في عطائه من الدية كلها أربعة دراهم أو ثلاثة دراهم فعرفنا انه لا يؤخذ في كل سنة من كل واحد منهم الا درهم أو درهم وثلث فان قلت العاقلة فكان يصيب الرجل أكثر من ثلاثة دراهم أو أربعة ضم إليهم أقرب القبائل في النسب من أهل الديوان حتى يصيب الرجل في عطائه ما وصفنا وهذا لان ايجاب الزيادة عليهم اجحاف بهم فلا يجوز فلذلك ضم إليهم أقرب القبائل كما ضممنا العاقلة إلى القبائل للتحرز عن الاجحاف بهم ولانه متى حزبهم أمر ولا يتمكون من دفع ذلك عنهم بانفسهم فانما يستعينون باقرب القبائل إليهم فإذا كانوا في بعض الاحوال يستنصرون بهم عند الحاجة فكذلك يضمون إليهم في تحمل العقل عند الحاجة قال ولا يستحقون العطاء عندنا الا بآخر السنة فلذلك قلنا إذا خرج العطاء بعد القضاء بشهر أو أقل أخذ منه ثلث الدية ومعنى هذا أن العطاء انما يخرج لهم في العادة في كل سنة واستحقاق ذلك عند تمام السنة لانهم يستحقون

[ 130 ] ذلك بطريق الصلة والتبرع إلى آخر المدة في حكم المعاوضات دون الصلات وانما يكون استحقاق الصلة عند تمام المدة ولا يثبت الملك فيها الا بالقبض بمنزلة الجزية ولهذا قلنا ان من مات من أهل الذمة أو أسلم لم يكن عليه شئ من الجزية وفي حق أهل الديوان ان من مات منهم قبل خروج العطاء وقبل تمام السنة لم يصر عطاؤه ميراثا لورثته فعرفنا ان وجوبه باعتبار آخر السنة فمتى كان يجئ ذلك الوقت بعد القضاء كان العطاء الواجب باعتبار ذلك الوقت محلا لاخذ الدية منه وإذا لم يقض عليهم بالدية حتى مضت سنون ثم قضى بها ولم يخرج للناس أعطياتهم الماضية لم يكن فيها من الدية شئ لان وجوب هذه الاعطية باعتبار مدة مضت قبل قضاء القاضي وقد بينا أن وجوب الدية بقضاء القاضي فمحل الاداء الاعطيات التي تجب بعد القضاء فلهذا لا يستوفي من الاعطيات الماضية شئ من الدية ويستقبل بصاحب الدية الاعطية المستقبلة بعد القضاء ولو كانت عاقلة الرجل أصحاب رزق يأخذونه في كل شهر قضى عليهم بالدية في ارزاقهم في ثلاث سنين في كل سنة الثلث لان الرزق في حقهم قائم مقام العطاء فان العطاء انما كان محلا لقضاء الدية منه لانه صلة يخرج لهم من بيت المال ولاجله اجتمعوا واثبتوا أسماءهم في الديوان وهذا موجود في الرزق إذا كانوا أصحاب رزق ثم ينظر ان كانت أرزاقهم تخرج في كل سنة فكلما خرج رزق يؤخذ منه الثلث وان كان يخرج في كل شهر فمقدار نصف سدس الثلث يؤخذ من كل رزق حتى يكون المستوفى في كل سنة مقدار الثلث يؤخذ من كل رزق وان خرج الرزق بعد قضاء القاضي بيوم أو أكثر أخذ من رزق ذلك الشهر بحصة الشهر كما بينا فان كانوا يأخذون الارزاق في كل ستة أشهر فخرج لهم رزق ستة أشهر بعد القضاء أخذ منهم سدس الدية وان كانت لهم أرزاق في كل شهر ولهم أعطية في كل سنة فرضت عليهم الدية في أعطياتهم دون أرزاقهم لان الارزاق انما كانت خلفا عن الاعطيات ولا يعتبر الخلف مع وجود الاصل وهذا لان الارزاق لهم لكفاية الوقت فاخذ شئ من ذلك منهم يؤدي إلى اضرار بهم وبعيالاتهم فيشق ذلك عليهم عادة فأما الاعطيات فليست لكفاية الوقت ولكن لتألفهم حتى يكونوا مجتمعين في الديوان يقومون بالنصرة فلا يشق عليهم الاداء من الاعطيات فلهذا قلنا عند الاجتماع بفرض الدية من الاعطيات دون الارزاق ومن جنى عليهم من أهل البادية وأهل الثمن الذين لا ديوان لهم فرضت الدية على عواقلهم في أموالهم في ثلاث سنين على الاقرب فالاقرب منهم يوم يقضي القاضي بالدية لان تناصرهم

[ 131 ] بالقرب وانما يعتبر ذلك عند القضاء بالدية كما في حق أهل الديوان ويضم إليه أقرب القبائل في النسب حتى يصيب الرجل من الدية في السنين الثلاثة ثلاثة دراهم أو أربعة دراهم لتحقق معنى التخفيف عليهم وهذا المعنى هنا أولى بالاعتبار منه في حق أهل الديوان لان المأخوذ من أموالهم هاهنا والاداء من الاعطيات يكون أيسر من الاداء من أصول الاموال ومن أقر بقتل خطأ ولم يرتفعوا إلى القاضي سنين ثم ارتفعوا قضى عليه بالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضي لان ما يثبت بالاعتراف لا تتحمله العاقلة لقوله عليه السلام ولا صلحا ولا اعترافا وهذا لان اقراره في حقه محمول على الصدق وفي حق عاقلته محمول على الكذب لكونه متهما في حقهم ثم موجب الجناية في الاصل على الجاني ثم تحمل العاقلة للتخفيف عليه فإذا لم يثبت التسبب في حق العاقلة ففي الواجب عليه باعتبار الاصل والتأجيل فيه من وقت القضاء لا من وقت الاقرار لان الثابت بالاقرار من القتل لا يكون أقوى من الثابت بالمعاينة وفي القتل المعاين الدية انما تجب بقضاء القاضي فيها أولا ولو أقر انه قتل ولي هذا الرجل وأقر أنه خاصمه إلى قاضي بلد كذا فقامت بذلك البينة فقضى به القاضي على عاقلته من أهل ديوان الكوفة وصدقه ولي الجناية في ذلك وكذبه العاقلة فلا شئ على العاقلة لان تصادقهما ليس بحجة على العاقلة ولم يكن عليه شئ في ماله لانهما تصادقا على أن الواجب بقضاء القاضي تقرر على العاقلة وبعد تقرره على العاقلة لا يبقي عليه وتصادقهما حجة في حقهما بخلاف الاول فهناك السبب الموجب للدية على العاقلة هو قضاء القاضي ولم يوجد أصلا فيقضى بها في مال المقر قال الا أن يكون له عطاء معهم فتكون عليه حصته من ذلك لانه في مقدار حصته يقر على نفسه وفي حصة عواقلهم يقر عليهم فيؤخذ بما أقر به على نفسه وهذا يبين أن القاتل انما يكون أحد العواقل عندنا وإذا كان له عطاء في الديوان فأما إذا لم يكن فليس عليه من الدية شئ لان الدية تؤخذ من الاعطيات * فان قيل لما كان أصل الوجوب عليه وقد تحول بزعمه إلى عاقلته بقضاء القاضي فإذا توى ذلك على العاقلة بجحودهم ينبغي أن يقضي بالكل عليهم كما إذا توى الدين على المحال عليه بجحوده عاد الدين إلى ذمة المحيل * قلنا هذا مستقيم فيما إذا كان أصله دينا لدفع التوى عن مال المسلم وهذا أيضا لم يكن دينا عليه وانما كان بطريق الصلة لصيانة دم المقتول عن الهدر وبعد ما تقرر على العاقلة بقضاء القاضي لا يتحول إليه بحال سواء استوفى من العاقلة أو لم يستوف والعمد الذي لا قود فيه يقضي بالدية من مال القاتل في ثلاث سنين من يوم يقضي بها القاضي لقوله

[ 132 ] عليه السلام لا تعقل العاقلة عمدا ولان ذلك للتخفيف ودفع الاجحاف عن القاتل والعامد لا يستحق ذلك ولو قتل عشرة رجلا فعلى العاقلة كل واحد منهم عشر الدية في ثلاث سنين لان ما يجب على كل واحد منهم بدل النفس وبدل النفس يكون مؤجلا في ثلاث سنين فيعتبر الجزء منه بالكل ولا يعقل أهل مصر عن أهل مصر آخر وانما يريد به إذا كان لاهل مصر ديوان على حدة أو كان تناصرهم باعتبار القرب في السكنى وأهل مصر أقرب إليه من أهل مصر آخر ويعقل أهل كل مصر عن أهل سوقهم وقراهم لانهم اتباع لاهل مصر فإذا حزبهم أمر استنصروا بهم فأهل مصر يعقلون عنهم باعتبار معنى القرب والنصرة ومن كان منزله بالبصرة وديوانها بالكوفة عقل عنه أهل الكوفة لانه انما استنصر باهل ديوانه لابجير انه (ألا ترى) أن القرب في السكنى لا يكون أقوى من قرب القرابة * ولو أن اخوين لاب وأم ديوان أحدهما بالكوفة وديوان الاخر بالبصرة لم يعقل أحدهما عن صاحبه وانما يعقل عن كل واحد منهما أهل ديوانه فكذلك ما سبق ولو أن قوما من أهل خراسان أهل ديوان واحد مختلفين في انسابهم منهم من له ولاء ومنهم القربى ومنهم من لا ولاء له جنى بعضهم جناية عقل عنه أهل رايته وأهل فنائه وان كان غيره أقرب إليه في النسب لان استنصاره باهل رايته أظهر ومن كان أهل الديوان لا يرجع في استنصاره إلى عشيرته عادة ولان عطاء أهل راية واحدة انما يخرج من بيت المال جملة واحدة فهم في ذلك كنفس واحدة وان كان عدد أهل رايته قليلا ضم إليهم الامام من رأى من أهل الديوان حتى يجعلهم عاقلة واحدة لدفع الاجحاف عن أهل رايته وانما يضم إليهم الامام من يكون أقرب إليهم في معنى النصرة إذا خربهم أمر في ذلك وانما يعرف ذلك الامام فجعل مفوضا إلى رأيه لهذا ومن لا ديوان له من أهل البادية ونحوهم تعاقلوا على الانساب وان تباعدت منازلهم واختلفت الباديتان لان تناصرهم بالانساب ولان حالهم في معنى الذين كانوا على عهد رسول الله وقد بينا أنه قضى بالعقل على الاقارب ولا يعقل أهل البادية عن أهل الامصار الذين عواقلهم في العطاء لان أهل الامصار انما يقوم بنصرتهم والذب عنهم أهل العطاء من أهل ديوانهم لا أهل اخوة البادية وهم انما يتقوون بأهل العطاء وكذلك لا يعقل أهل العطاء؟ عن أهل البادية لانهم يتقوون بهم ولا ينصر بعضهم بعضا وان كانوا اخوة لاب وأم وانما ينصر كل واحد منهم أهل العطاء ومن جنى جناية على أهل المصر وليس في عطاء وأهل البادية

[ 133 ] أقرب إليه ومسكنه المصر عقل عنه أهل الديوان من ذلك المصر لانهم من الذين يقومون بنصرة أهل المصر والدفع عنهم ولا يخصون بذلك من كان له في المصر عطاء دون من لا عطاء له فلهذا كانوا عاقلة لجميع أهل المصر وذلك لا يعقل عن صاحب العطاء أهل البادية وان كان فيهم نازلا وأصحاب الارزاق الذين لا اعطيات لهم بمنزلة أهل العطاء في جميع ذلك لكون الارزاق خلفا عن الاعطيات في حقهم * وان كان لاهل الذمة عواقل معروفة يتعاقلون بها فقتل أحدهم قتيلا خطأ فديته على عواقلهم بمنزلة المسلم لانهم التزموا أحكام الاسلام في المعاملات ومعنى التناصر الذي يبنى عليه العقل يوجد في حقهم كما يوجد في حق المسلمين وان لم يكن لهم عاقلة معروفة يتعاقلون بها فالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى بها عليه لما بينا أن أصل الوجوب على القاتل وانما يتحول عنه إلى العاقلة إذا وجدت فإذا لم توجد بقيت عليه بمنزلة مسلم في دار الحرب قتل مسلما خطأ وهما أجنبيان منها فانه يقضى بالدية عليه في ماله لان من يكون في دار الحرب فأهل دار الاسلام لا يعقلون عنه وتمكنه من هذا الفعل لم يكن بنصرتهم ولا يعقل مسلم عن كافر ولا كافر عن مسلم والكفار يتعاقلون فيما بينهم وان اختلفت ملتهم لان التعاقل ينبنى على الموالاة والتناصر وذلك ينعدم عند اختلاف الملة قال الله تعالى والذين كفروا بعضهم أولياء بعضهم وقال والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا فلما انقطعت الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر حين كانت الهجرة فريضة كان ذلك قطعا للموالاة بين الكفار والمسليمن وحكم الميراث والنفقة يؤيد ما ذكرنا * ولو كان القاتل من أهل الكوفة وله بها عطاء فلم يقض بالدية على عاقلته حتى جعل ديوانه إلى البصرة فانه يقضى بالدية على عاقلته من أهل البصرة وعلى قول زفر يقضى على عاقلته من أهل الكوفة وهو رواية عن أبي يوسف أيضا لان الموجب للمال الجناية عند قضاء القاضي وقد تحققت منه وعاقلته أهل ديوان الكوفة وبعد ما تحول إلى ديوان البصرة لم يوجد منه جناية وانما تعقل العاقلة عند جنايته (ألا ترى) ان القاضي لو قضي بالبينة على عاقلته بالكوفة ثم تحول إلى ديوان البصرة قبل استيفاء شئ كانت الدية على عاقلته من أهل الكوفة فكذلك قبل قضاء القاضي لوجهين. أحدهما ان وجوب الدية في القتل الخطأ ثابت بالنص فيستوي فيه القضاء وغير القضاء. والثاني على أن الدية * العاقلة بطريق الصلة والصلات لا تصير دينا بقضاء القاضي قبل الاستيفاء كنفقة الاقارب. وجه قولنا ان المال لا يجب بنفس القتل وانما يجب بقضاء

[ 134 ] القاضي على ما قررنا ان العجز عن استفياء المثل انما يتقرر بقضاء القاضي ثم أصل الوجوب على القاتل وبعد ما وجب عليه تتحمل عنه عاقلته (ألا ترى) انه لو أقر بقتل خطأ كانت الدية عليه خاصة ولو كان الوجوب على العاقلة ابتداء وجبت عليه بذلك عند الاقرار فإذا ثبت ان الوجوب عليه عند قضاء القاضي فانما تتحمل عنه من يكون عاقلة له عند القضاء وهم أهل ديوان البصرة بخلاف ما إذا قضى بها على عاقلته بالكوفة لان هناك قد تقرر الوجوب عليهم فلا يتحول إلى غيرهم بعد ذلك ثم إذا تحول بعد قضاء القاضي تؤخذ منه في عطائه بالبصرة حصته لان في مقدار حصته محل الاداء وعطاؤه من ديوان البصرة عند الاداء فيؤخذ ذلك القدر منه وفيما زاد على ذلك محل الاداء عطاء أهل الكوفة لان ذلك التقدير عليهم بقضاء القاضي ولو قلت العاقلة بعد القضاء عليهم وتعذر الاخذ منهم ضم إليهم أقرب القبائل في النسب حتى يعقلوا معهم لدفع الاجحاف عنهم ولا يشبه قلة العاقلة بعد القضاء تحول الرجل بعطائه من بلد إلى بلد لان الذين يضافون إليهم عاقلة واحدة وهذه عاقلة مستقلة يعنى ان الذين يضمون إليهم يكونون بمنزلة الاتباع لهم فلا تتبدل العاقلة باعتبارهم * يوضحه ان الضم لدفع الاجحاف عنهم وذلك عند الاداء فيصار فيه إلى وقت الاداء وأما القضاء على العاقلة ففي حكم وجوب الدية وذلك يثبت بقضاء القاضي فيعتبر فيه وقت القضاء ولو كان رجل مسكنه بالكوفة فقتل رجلا خطأ فلم يقض عليه حتى تحول عن الكوفة واستوطن البصرة فانه يقضى بالدية على عاقلته بالبصرة ولو كان قضى بها بالبصرة على عاقلته بالكوفة ولم ينتقل عنهم لان من لا عطاء له إذا كان يسكن مصرا فعاقلته أهل ديوان ذلك المصر بمنزلة من له عطاء وكذلك البدوي إذا التحق بالديوان بعد القتل قبل قضاء فانه يقضى بالدية على أهل الديوان وان كان ذلك بعد القضاء على عاقلته بالبادية لم يتحول عنهم لان الجناية لم تجنها العاقلة وانما جناها الرجل فانما يكون على عاقلته إذا قضى بها عليهم (ألا ترى) ان التأجيل في الدية يعتبر من وقت قضاء القاضي ولو قلنا تتحول بتحويله إلى ديوان آخر بعد القضاء لكان إذا تحول بعد مضى سنة يؤخذ الثلث من الديوان الذي انتقل إليهم حالا وذلك ممتنع وفي اعتبار الاجل من وقت قضاء القاضي دليل ظاهر على أن الجناية انما توجب المال بقضاء القاضى ولو أن قوما من أهل البادية قضى عليهم بالدية في أموالهم في ثلاث سنين فأدوا الثلث أو الثلثين أو لم يؤدو أشياء حتى جعلهم الامام في العطاء صارت الدية عليهم في أعطياتهم وان كان قد قضى بها أول مرة

[ 135 ] في أموالهم لان العطاء من أموالهم فليس في أخذ ذلك من العطاء يعتبر القضاء الاول لان العطاء محل الاداء فيكون المعتبر فيه وقت الاداء لا وقت القضاء والاخذ من العطاء بمعنى التيسير عليهم فهو بمنزلة أقرب من القبائل إليهم عند قلتهم فانه يعتبر فيه وقت الاداء لا وقت قضاء القاضي ولكنه يقضى عليهم في اعطياتهم بما كان قضى عليهم بالبادية حتى ان كان قضى بالابل لم يتحول عن ذلك لان في القضاء بشئ آخر ابطال القضاء الاول وذلك لا يجوز وليس في القضاء به في اعطياتهم ابطال القضاء الاول * وإذا قتل ابن الملاعنة رجلا خطأ فعقلت عنه عاقلة الام ثم ادعاه الاب وثبت نسبه منه فرجعت عاقلة الام بما ادت على عاقلة الاب في ثلاث سنين من يوم قضى القاضي لعاقلة الام على عاقلة الاب بهالان النسب كان ثابتا منه بالفراش وقد انقطعت النسبة عنه بقضاء القاضى ولكن بقي أصل النسب موقوفا على حقه حتى إذا ادعاه غيره لم يثبت منه وإذا ادعاه هو ثبت النسب منه مع كونه مناقضا وان كذبته الام في ذلك وانما يثبت النسب من وقت العلوق لا من وقت الدعوى فتبين أنه عقل جناية كانت على عاقلة أبيه وعاقلة الام ما كانوا متبرعين فيما أدوا بل أجبروا عليه بقضاء القاضي فيثبت لهم حق الرجوع على عاقلة الاب ويصير حالهم مع عاقلة الام كحال ولي الجناية وقد بينا ان ولي الجناية لو كان هو المقضي له بالدية عليهم كان التأجيل فيه معتبرا من وقت قضاء القاضي لا من وقت الجناية فكذلك إذا قضى به لعاقلة الام عليهم يعتبر التأجيل فيه من وقت قضاء القاضي لا من وقت دعوى الاب وهذا لان التأجيل لتأخر المطالبة وذلك بعد تقرر الوجوب عليهم وانما يتقرر بقضاء القاضي وكذلك إذا مات المكاتب عن ولد حر ووفاء فلم يؤد الكتابة حتى جنى ابنه وابنه من امرأة حرة مولاه لبنى تميم والمكاتب لرجل من همدان فعقل عنه جنايته قوم أمه ثم أدى الكتابة فان عاقلة الام يرجعون بما أدوا على عاقلة الاب لان عتق المكاتب عند اداء البدل يستند إلى حال حياته فتبين انه كان للولد ولاء من جانب الاب حين جنى وان موجب جنايته على موالي أبيه وموالى أمه ما كانوا متبرعين عنه في الاداء فيرجعون بالمؤدى على موالى الاب * وكذلك رجل أمر صبيا أن يقتل رجلا فقتله فضمنت عاقلة الصبي الدية رجعت بها على عاقلة الامر لان الآمر متسبب متعد فانه استعمل الصبي في أمر لحقه فيه تبعة فيثبت لعاقلته حق الرجوع بما أدوا على الامر غير انه ان كان الامر يثبت الامر بالبينة فرجوعهم على عاقلة الآمر لان التسبب في الجناية لا يكون فوق المباشرة وان

[ 136 ] كان الآمر ثبت باقراره فانهم يرجعون عليه في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضي بها القاضي على الآمر أو على عاقلته فان اقراره ليس بحجة على العاقلة وان كانوا اجتمعوا في أول الامر وقضى القاضي بها لولى الجناية على عاقلة الصبي ولعاقلة الصبى على عاقلة الآمر لان القضاء باعتبار السبب والسبب هو الجناية وذلك قد وجد من الصبي فيقضى للمولى على عاقلة الصبى ثم الرجوع على عاقلة الآمر بسبب الامر وذلك بين الآمر والصبي فيقضى لعاقلة الصبى على عاقلة الآمر مثل ذلك فكلما أخذ ولي الجناية من عاقلة الصبي شيأ أخذت عاقلة الصبي من عاقلة الآمر بمثل ذلك لان الرجوع لدفع الغرم عن عاقلة الصبي وانما يتحقق الغرم بالاداء فيرجعون بقدر ما أدوا بمنزلة رجوع الكفيل على الاصيل إذا كان كفل عنه بامره * ولو أن ابن الملاعنة قتل رجلا خطأ فقضى القاضي بالدية على عاقلة الام فأدوا الثلث ثم ادعاه الاب وحضروا جميعا فانه يقضى لعاقلة الام بالثلث الذي أدوا على عاقلة الاب لانهم ما كانوا متبرعين في اداء ذلك ويبدأ بهم في سنة مستقبلة قبل أهل الجناية ويبطل الفضل عن عاقلة الام ويقضى بالثلثين الباقيين على عاقلة الاب في السنتين بعد السنة الاولى ولا يسترد من ولي الجناية ما أخذ من عاقلة الام لانه ملك ذلك بسبب صحيح فان القاضي قضى بذلك على عاقلة الام فكان قضاؤه ذلك حقا يومئذ وانما يبطل الفضل على عاقلة الام لانه تبين بالقضاء بثبوت نسبه من أبيه أن جنايته على عاقلة أبيه لا عاقلة أمه ولا فائدة في استيفاء ما بقي من عاقلة الام ثم القضاء بالرجوع لهم على عاقلة الاب بل يستوفي ما بقي من عاقلة الاب بخلاف ما تقدم في مسألة الآمر مع الصبي فان هناك السبب بين ولي الجناية وبين الامر وهنا السبب بين ولى الجناية وعاقله الاب قد ظهر بدعوى السبب فلهذا قضى بالباقي عليهم ثم في السنة الاولى بعد القضاء ليس لولي الجناية أن يستوفي منهم شيأ لانه قد ثبت لعاقلة الام حق الرجوع عليهم بما أدوا في هذه السنة وحقهم مقدم فانهم يرجعون بما استوفاه ولي الجناية فلو قلنا بأن ولي الجناية يستوفي منهم في هذه السنة أيضا شيأ أدى إلى أن يستوفي منهم ثلثي دية واحدة في سنة واحدة وفيه اجحاف بهم وعلى هذا ابن المكاتب الذي وصفناه لانه بمنزلة ابن الملاعنة حين استندت حرية ابنه إلى حياة أبيه وإذا كان المرأة حرة ومولاه لبني تميم تحت عبد لرجل من همدان فولدت غلاما فعاقلة الابن عاقلة أمه لانه لا ولاء له من جهة أبيه فانه عبد والولاء كالنسب فيتبع الولد فيه أمه إذا انعدم من قبل الاب كما في النسب فان جنى جناية فلم يقض بها القاضي

[ 137 ] على عاقلة الام حتى عتق الاب فان القاضي يحول ولاءه إلى موالي أبيه لانه ظهر له ولاء في جانب الاب وهو الاصل كما في النسب ثم يقضي القاضي بالجناية التي قد جناها على عاقلة أمه ولا يحولها عنهم * وكذلك لو كان حفر بئرا قبل عتق أبيه ثم سقط فيها انسان بعد عتق أبيه وما خاصم في ذلك حتى قضى بالدية على عاقلة الام ان كان بالغا وان كان صغيرا فأبوه لان مباشرة السبب كانت منه فهو الخصم بالقضاء بالسبب عليه والحكم يبنى على السبب ثم انما يقضى هاهنا على عاقلة الام بخلاف ما تقدم في ابن الملاعنة وابن المكاتب لان هذا ولاء حادث حدث بعد الجناية ولم يستند إلى وقت سابق فلم يتبين به انه عند جنايته لم تكن على عاقلة موالى أمه وفي مسألة النسب لم يثبت من وقت الدعوى وانما ثبت من وقت العلوق وذلك عتق المكاتب الميت عند أداء بدل الكتابة لا يثبت مقصورا على حالة الاداء بل يستند إلى حال حياته فلهذا كان القضاء هناك على عاقلة أبيه وهاهنا على عاقلة الام وكذلك في مسألة حفر البئر لان عند الوقوع انما يصير جانيا بالحفر السابق وقد كانت عاقلته في الوقت قوم أمه * ولو أن امرأة مسلمة مولاة لبني تميم جنت جناية أو حفرت بئرا فلم يقض بالجناية حتى ارتدت ولحقت بدار الحرب ثم سبيت فأعتقها رجل من همدان ثم وقع في البئر رجل فمات قضى بتلك الجناية على بنى تميم لانه انما حدث لها ولاء بسبب الاعتاق بعد الجناية أو الحفر فلا أثر لهذا الولاء في الجناية التي كانت منها قبل ذلك كما في المسألة المتقدمة وعلل في الكتاب فقال لان الحالة الثانية غير الحالة الاولى يعنى ان حالها تبدل بالسبي والعتق فكانت في حكم شخص آخر وانما يقضى بالجناية الاولى على عاقلة الجانية وعاقلة الجانية بنو تميم فاما همدان فعاقلة امرأة أخرى في الحكم لانها تبدل حالها حين صارت في حكم امرأة أخرى * حربي أسلم ووالى مسلما في دار الاسلام ثم جنى جناية عقلت عنه عاقلة الذي والاه فان ولاء الموالاة عندنا بمنزلة ولاء العتق في حكم عقل الجناية وقد بينا هذا في كتاب الولاء ثم لا يكون له أن يتحول بولائه بعد الجناية لانها تأكدت بفعل الجناية فان عقلوا عنه أو لم يقض بها حتى أسر أبوه من دار الحرب فاشتراه رجل وأعتقه جر ولاء ابنه لان ولاء العتق أقوى من ولاء الموالاة فبعد ما ظهر لابيه ولاء عتق لا يبقي ولاء الموالاة في حقه بل يلغي حكما وتأكده لا يمنع من ذلك بمنزلة الولد الثابت ولاؤه لموالي أمه عليه ثم لا ترجع عاقلة الذي كان والاه على عاقلة موالي الاب بشئ فلا تزول تلك الجناية عنهم وان لم يكن قضى بها عليهم لان هذا ولاء حادث بسبب

[ 138 ] جديد وهو اعتاق الاب فلا يظهر أثره في الجناية الثانية وكذلك لو حفر بئرا أن يؤسر أبوه ثم وقع فيها انسان بعد عتق الاب فان ذلك على عاقلة الذي والاه دون عاقلة أبيه والخصومة في سببه مع الجاني لان مباشرة السبب كانت منه * ذمي أسلم ولم يوال أحدا حتى قتل قتيلا خطأ فلم يقض به حتى والى رجلا من بني تميم ثم جنى جناية أخرى فانه يقضى بالجنايتين على بيت المال ويجعل ولاؤه لجماعة المسلمين وتبطل موالاته مع الذي والاه لان الذي أسلم ولم يوال أحدا فولاؤه لبيت المال حتى يكون ميراثه لو مات لبيت المال فإذا جنى جناية تعقل وجب على بيت المال وتأكد به حكم ذلك الولاء ولا يصح منه عقد الموالاة بعد ذلك مع أحد فلهذا كان موجب جنايته على بيت المال * وكذلك لو رمى بسهم أو حجر خطأ قبل أن يوالي أحدا فلم تقع الرمية حتى والى رجلا ثم وقعت فقتلت رجلا كانت موالاته باطلة لانه بالرمي جان (ألا ترى) ان المعتبر حالة الرمي حتى لو رمى إلى صيد وهو مسلم ثم ارتد فأصابه السهم حل تناوله وإذا كان بالرمي جانيا وذلك حصل منه قبل الموالاة تأكد به الولاء لبيت المال * ولو حفرا بئرا في الطريق فلم يقع فيها أحد حتى والى رجلا ثم وقع فيها رجل فمات فان دية القتيل عليه في ماله وولاء الذي والاه صحيح ولا يشبه هذا ما مضى قبله من الرمية والجناية لان مجرد الحفر ليس بجناية يجب بها أرش حتى يعطب فيها انسان فقد والى وليس في عنقه جناية فصحت الموالاة والرمية كانت جناية منه فانما والاه وفي عنقه جناية وبيان هذا الفرق أن الرامي مباشر ولا تتحقق المباشرة الا باعتبار فعله (ألا ترى) انه بالرمي ملتزم القود إذا كان عمدا والكفارة إذا خطاء فعرفنا انه جان حين رمى وأما الحافر فليس بمباشر للقتل ولهذا لا تلزمه الكفارة ولا يحرم الميراث ولكنه متسبب وانما يتم هذا السبب عند وقوع الواقع في البئر فقد والى وليس في عنقه جناية فصحت الموالاة ثم دية هذا الواقع في البئر لا تكون على من والاه لانه عند الوقوع صار جانيا عليه بالحفر السابق وقد كان ذلك قبل الموالاة ومن والاه لم يتحمل عنه موجب أفعاله قبل الموالاة ولا يعقل عنه بيت المال لانه ان جعل ذلك على بيت المال بطل ولاؤه ولا وجه لا بطال الولاء المحكوم بصحته فلنا ان وجب عليه دية القتيل في ماله بمنزلة من لاعاقلة له وكذلك الرجل يسلم ويوالي رجلا ثم يجنى أو يرمي أو يحفر بئرا ثم ينتقل بولائه فهو بمنزلة ما تقدم لان الاول في المعنى تحول بالولاء فانه كان مولى لبيت المال فلا فرق بين أن يتحول بولاء كان ثابتا عليه لبيت المال وبين أن يتحول بولاء

[ 139 ] كان ثابتا عليه لانسان بعقده (ألا ترى) أن حافر البئر لو لم يقع في البئر أحد حتى تحول بولائه إلى رجل فوالاه وعاقده ثم جنى جنايات كثيرة كان عقلها على عاقلة المولى الاخر علم بالحفر أو لم يعلم لانه لم يدر انه يقع في البئر انسان أولا يقع فيكون ولاؤه مع الثاني صحيحا وعقل جنايته عليه فبعد ما عقلوا إذا وقع في البئر رجل لو قلنا بان ديته على عاقلة المولى الاول أو على بيت المال بطل هذا كله وذلك لا يستقيم ثم اشتغل في الكتاب بالكلام مع زفر رحمه الله فقال ان قال قائل فكيف لم يشتبه الولاء المنتقل بعتق الاب قبل القضاء للعاقلتين اللتين تكون احداهما عاقلة ثم لا يتحول إلى العاقلة الاخرى وقد قلت إذا تحول من ديوان إلى ديوان قبل قضاء القاضي انه يقضى بالدية على أهل الديوان الذي انتقل إليهم ثم أشار إلى الفرق فقال إذا انتقل من ولاء إلى ولاء صارت الحالة الثانية في حقه غير الحالة الاولى فيكون ذلك بمنزلة نفسه ونظيره ما بينا في المرأة الجانية إذا ارتدت فسبيت وأعتقت وصاحب العاقلتين لم يتحول حاله بل حاله واحدة وان تحولت عاقلته بتحوله من ديوان إلى ديوان فلهذا كان المعتبر عاقلته وقت القضاء واستوضح هذا بما بينا ان نفس القتل الواجب عليه النفس فانما يتحول إلى الدية بقضاء القاضي وعند القضاء العاقلة يتحملون عنه فمن ضرورته أن يكون الوجوب عليه أولا والدليل عليه ما ذكرنا من الاقرار بقتل الخطأ ثم استوضح بهذا بمسألة مبتدأة فقال كان أبو حنيفة رحمه الله يقول لو أن رجلا قتل رجلا خطأ فلم يقض عليه بالدية حتى صالحه على عشرين ألف درهم أو على ألفي دينار أو على مائتي بعير أو ثلاثة آلاف شاه أو ثلثمائة؟ بقرة لم يجز ذلك ورد إلى الدية ولو قضى القاضي عليه بالف دينار فصالح على عشرين ألف درهم أو على مائتي بعير باعيانها كان جائزا فبهذا يتبين ان النفس انما تصير ما لا بقضاء القاضي فالقضاء ما يقع عليه الصلح بدل النفس وبدل النفس شرعا مقدر بعشرة آلاف درهم أو مائة من الابل فالصلح على أكثر من ذلك باطل وبعد قضاء القاضي بالدنانير قد وجبت الدنانير فانما يقع الصلح بعد ذلك من الدنانير على الدراهم أو الابل ثم هذه المسألة لا يستقيم جوابها على أصل أبي حنيفة فان عنده البقر والغنم ليسا بأصل في الدية ولا يدخلهما التقدير فينبغي أن يجوز الصلح عنده على أي مقدار كان منها وقيل بل هو مستقيم لان عنده القاضي لو قضى في الدية بالبقر والغنم كان قضاؤه نافذا فيما يقضي بالفى شاة ومائتي بقرة لان ذلك مجتهد فيه فينفذ قضاء القاضي به وكذلك إذا اصطلح الخصمان لان صحلهما في حقهما كقضاء القاضى به ولو قضى القاضى في الدية بثلاثة

[ 140 ] آلاف شاة أو ثلثمائة بقرة لم يجز قضاؤه فكذلك إذا اصطلح الخصمان على ذلك * ولو أقر رجل بقتل رجل خطأ عند القاضي وأقام ولي الجناية عليه البينة قضى بالدية على العاقلة لان الولي محتاج إلى هذه البينة فوجب قبولها وبه يبتين ان المال لا يجب بدون القضاء لان الاقرار موجب بنفسه فلو وجب المال به عليه لا يستقيم قبول البينة من الولي بعده والقضاء به على العاقلة فان قال الولي بعد الاقرار به لا أعلم لي بينة فاقض لي بها عليه في ماله فقضى القاضي بها في مال المقر ثم وجد ولي الجناية بينة فاراد أن يحول ذلك إلى العاقلة لم يكن له ذلك لان المال قد وجب عليه بقضاء القاضي فلا يكون للولى أن يبطل قضاءه ببينته فتحول ذلك إلى العاقبة ولو قال الولي لا تعجل بالقضاء في ماله لعلى أجد بينه فاخره القاضي ثم وجد بينة قضى له على العاقلة لما بينا * ولو أن رجلا من أهل البادية حفر بئرا في الطريق ثم ان الامام نقل أهل البادية إلى الامصار فتفرقوا فيها وصاروا أصحاب أعطية ثم وقع في تلك البئر انسان كانت الدية على عاقلته يوم وقع الرجل في البئر لان عند الوقوع في البئر يصير جانيا بالحفر السابق وأورد هذا النوع لا يضاح ما سبق من الفرق بين هذا الحفر وغيره * قال وكذلك لو حفر وهو من أهل العطاء ثم أبطل الامام عطاءهم وردهم إلى انسابهم فتعاقلوا عليها زمانا طويلا ثم مات انسان في البئر كان عليه اليوم الذي وجب المال فيه لما بينا ان الرجل لم يخرج من نسبه وان أثبت له في الديوان عطاء ولم يتحول إلى حالة أخرى وانما انتقلت عاقلته فلا تتبدل به نفسه * ولو أن أهل عطاء الكوفة جنى رجل منهم جناية وقضى بها على عاقلته ثم ألحق بقوم من قومه من أهل البادية أو من أهل المصر لم يكن لهم ديوان وجعلوا مع قومهم عقلوا معهم ودخلوا فيما قضى به من الجناية ولم يدخلوا فيما أدوا قبل ذلك وهذا بمنزلة ما لو قلت العاقلة حتى ضم الامام إليهم أقرب القبائل في النسب والاصل في هذا كله أن حال الجاني إذا تبدل حكما وانتقل من ولاء إلى ولاء بسبب حادث لم ينتقل جنايته عن الاولى كان قضى بها أو لم يقض وان ظهرت حالة حقيقية مثل دعوى الملاعنة حولت الجناية إلى الاخرى وقع القضاء بها أو لم يقع ولو لم تختلف حالة الجاني ولكن العاقلة تبدلت كان الاعتبار في ذلك الوقت بالقضاء فان كان قضى على الاولى لم ينتقل إلى الثانية وان لم يكن قضى بها على الاولى فانه يقضى بها على الثانية وإذا كانت العاقلة واحدة فلحقها زيادة أو نقصان اشتركوا في حكم الجناية قبل القضاء وبعده الا فيما سبق أداؤه * ولو أن رجلا من أهل البادية من أهل الابل جنى جناية فلم يقض

[ 141 ] بها حتى نقله الامام وقومه فجعلهم أهل عطاء وجعل عطاءهم الدنانير ثم رفع إلى القاضي قضى عليهم بالدينانير دون الابل لان وجوب المال بقضاء القاضي وعند قضاء القاضي ما لهم عطاء فيقضي بالدية من جنس ذلك ولو كان قضى عليهم بمائة من الابل ثم نقله الامام وقومه إلى العطاء وجعل عطاءهم الدنانير أخذوا بالابل أو بقيمتها وان لم يكن لهم مال غير العطاء أخذت قيمة الابل من اعطياتهم قلت القيمة أو كثرت لان الابل تعينت دية بقضاء القاضي والحيوان لا يثبت دينا في الذمة ثبوتا صحيحا بل يتردد بينه وبين القيمة فلا يتغير حكم ذلك القضاء بصيرورتهم من أهل العطاء ولكنهم يؤخذون بما قضى به عليهم في أموالهم فان لم يكن لهم مال غير العطاء أخذت قيمة الابل من اعطياتهم لان ذلك ما لهم وقد ذكر قبل هذا إذا قضى عليهم بالدية ثم جعلهم الامام أهل العطاء صارت الدية عليهم في اعطياتهم ومن أصحابنا رحمهم الله من بين في هذه المسألة روايتين كلتاهما في هذا الكتاب ومنهم من وفق فقال هناك أبهم الجواب أنه يؤخذ من اعطياتهم للتيسير عليهم ولم يبين ماذا يؤخذ ثم فسر ذلك هاهنا فقال تؤخذ قيمة الابل من أعطياتهم وتأويل ما ذكر هناك انه قضى من جنس العطاء عليهم بالدية ولم يعين جنسا منها بقضاء حتى صاروا أهل عطاء وانما يعين عليهم بعد ذلك ما هو من جنس العطاء ويأخذه من العطاء وهاهنا عين الجنس عند قضائه وقضى عليهم بمائة من الابل والعطاء وليس من جنس الابل فيكون الرأي إليهم ان شاؤا أدوا الابل من أموالهم وان شاؤا القيمة فإذا لم يكن لهم مال غير العطاء تؤخذ القيمة من أعطياتهم * ولو أن ذميا أسلم ووالى رجلا ثم جنى جناية خطأ فلم يقض بها القاضي على العاقلة بشئ حتى أبرأ أولياء المجني عليه الجاني من الجناية فللجاني أن يتحول بولائه عن الذي والاه لان بابرائه سقط موجب الجناية ولم يجب شئ على الذي والاه لان الوجوب عليه بقضاء القاضي ولو كان الابراء بعد ما قضى القاضى على العاقلة بالدية لم يكن له أن يتحول بولائه لان بقضاء القاضي وجبت الدية على العاقلة لتأكد الولاية ثم بسقوطه عن العاقلة بالابراء وسقوطه بالاستيفاء سواء ومعنى هذا الفرق أن موجب الجناية قبل القضاء على الجاني فالابراء يكون اسقاطا عن العاقلة وهذا بخلاف ما تقدم إذا لم يوجد الابراء ولا القضاء حتى تحول بولائه إلى غيره لان هناك موجب الجناية الاولى الباقية فانما يقضى القاضي به على عاقلة الاولى فلا يمكن أن يتحول حتى لو كان أقر الجاني بالجناية كان له أن يتحول سواء قضى بها عليه في ماله أو لم يقض لان موجب الجناية الثانية باقراره يكون عليه

[ 142 ] لا على عاقلته فلم يوجد في حق العاقلة ما يتأكد به الولاء ولو لم يجن ولكنه التحق معهم في ديوانهم فجنى بعضهم فعقل عنه معهم لم يكن له أن يتحول بولائه عنهم لان الذي والاه ليس له أن يحول إذا عقل عنهم فكذلك لا يكون له أن يتحول عنهم (ألا ترى) ان المولى بعد ما عقل عنه لم يكن له أن يبرأ من ولائه كما ليس له أن يتحول بالولاء عنه وقد كان قبل العقل لكل واحد منهما ذلك فإذا لم يكن لاحدهما أن يتحول بعد عقل الجناية لم يكن للاخر أن يحوله أيضا ولو أخذ معهم العطاء ولم يعقل عنهم كان له أن يتحول عنهم لان بأخذ العطاء لا يتأكد حكم الولاء بينه وبينهم أنما يتأكد ذلك بعقل الجناية اعتبار الولاء الموالاة فان ذلك انما يتأكد بعقل الجناية حتى ان عقل عقل الجناية لكل واحد منهما أن يتحول بولائه وليس له ذلك بعد عقل الجناية من جانب واحد أو من جانبين والله أعلم بالصواب (كتاب الوصايا) (قال) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسى رحمة الله عليه إعلم بان الوصية عقد مندوب إليه مرغوب فيه ليس بفرض ولا واجب عند جمهور العلماء وقال بعض الناس الوصية للوالدين والاقربين إذا كانوا ممن لا يرثونه فرض وعند بعضهم الوصية واجبة على أحد ممن لم يرثوه واستدلوا بقوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين والمكتوب علينا يكون فرضا وقال عليه السلام لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الاخر إذا كان له مال يريد الوصية فيه ان يبيت ليلتين الا وصيته مكتوبة عند رأسه وحجتنا في ذلك أن الوصية مشروعة لنا لا علينا قال عليه السلام ان الله تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم فضعوه حيث شئتم أو قال حيث أحببتم والمشروع لنا ما لا يكون فرضا ولا واجبا علينا بل يكون مندوبا إليه بمنزلة النوافل من العبادات ثم التبرع بعد الوفاة معتبر بالتبرع في حالة الحياة وذلك احسان مندوب إليه وكذلك التبرع بالوصية بعد الموت وأما الاية فقد اتفق أكثر أهل التفسير على أن ذلك كان في الابتداء قبل أن ينزل آية المواريث ثم انتسخ وتكلموا في ناسخه وكان أبو بكر الرازي رحمه الله يقول انما انتسخ بقوله من بعد وصية يوصى بها أو دين فانه نص على الميراث بعد وصية منكرة فلو كانت الوصية للوالدين والاقربين ثابتة بعد نزول هذه الاية

[ 143 ] لذكر الارث بعد الوصية المعرفة لان تلك وصية معهودة وهذا قول الشافعي أيضا بناء على مذهبه أنه لا يجوز نسخ الكتاب بالسنة والرزاي كان لا يجوز نسخ الكتاب الا بالخبر المتواتر وأكثر مشايخنا رحمهم الله يقولون انما انتسخ هذا الحكم بقوله عليه السلام ان الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث وهذا حديث مشهور تلقته العلماء بالقبول والعمل به ونسخ الكتاب جائز بمثله عندنا لان ما تلقته العلماء بالقبول والعمل به كالمسموع من رسول الله ولو سمعناه يقول لا تعملوا بهذه الاية فان حكمها منسوخ لم يجز العمل بها ولاجل شهرة هذا الحديث بدأ الكتاب به ورواه عن أبي قلابة ان رسول الله قال لا وصية لوارث وفي بعض الرواية قال الا أن يجيزه الورثة وفي هذه الزيادة بيان ان المراد نفى الجواز لا نفي التحقيق ومن ضرورة نفي الجواز نفي الفرضية والوجوب والحديث مرسل بالطريق الذي رواه ولكن المراسيل حجة عندنا كالمسانيد أو أقوى من المسانيد لان الراوي إذا سمع الحديث من واحد لا يشق عليه حفظ اسمه فيرويه مسندا وإذا سمعه من جماعة يشق عليه حفظ الرواية فيرسل الحديث فكان الارسال من الراوي المعروف دليل شهرة الحديث فاما الحديث الذي رواه فهو شاذ فيما تعم به البلوى والوجوب لا يثبت بمثله ثم هو محمول على ما كان ابتداء قبل نزول آية المواريث أو المراد أن ذلك لا يليق بطريق الاحتياط والاخذ بمكارم الاخلاق لقوله عليه السلام لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الاخر ان يبيت شبعانا وجاره طاو إلى جنبه والمراد ما بينا ثم الوصية تتقدر بقدر الثلث من المال وهي مأخوذة من الدين لحديث رضى الله عنه قال انكم تقرؤن الوصية قبل الدين وكان رسول الله يبدأ بالدين قبل الوصية وهكذا نقل عن أبن عباس رضى الله عنهما فهذا منهما إشارة إلى معنى التقديم والتأخير في الاية ثم قضاء الدين من أصول حوائج المرء لانه تفرغ به ذمته والوصية ليست من أصول حوائجه وحاجته مقدمة في تركته (ألا ترى) انه يقدم جهازه وكفنه لحاجته إلى ذلك فكذلك قضاء الدين ثم زعم بعض أصحابنا أن الوصية بعد الدين تقدم على الميراث لظاهر الاية وأكثرهم قالوا التقديم لا يظهر في الوصية بل الوارث يستحق الثلثين ارثا في الوقت الذي يستحق الموصى له الثلث بالوصية والمراد من الاية تقديم الوصية على الميراث في الثلث لانه محل للارث إذا لم يوص فيه بشئ فإذا أقضى كانت الوصية في الثلث مقدمة على الميراث والدليل على أن محل الوصية النافذة شرعا ثلث

[ 144 ] المال ما رواه من حديث سعد بن مالك قال يارسول الله أوصى بمالي كله فقال لا قال فبنصفه قال لا قال فبثلثه قال الثلث والثلث كثير انك ان تدع ورثتك أغنياء خير أن من تدعهم فقراء يتكففون الناس وفي رواية يتكفكفون وأصل هذا الحديث ماروى أن سعدا رضي الله عنه مرض بمكة عام حجة الوداع فدخل عليه رسول الله يعوده فقال يا رسول الله خلف عن دار الهجرة فأموت بمكة فقال أني لارجو أن يبقيك الله ينتفع بك أقوام ويضربك آخرون لكن البائس سعد بن خولة يرثى له ان مات بمكة قيل هذا من النبي عليه السلام إشارة إلى ما جرى عن الفتوح على يد سعد في زمن عمر رضى الله عنه ثم قال يا رسول اني لا يرثني الا ابنة لى أفأوصى بمالي كله الحديث وفيه دليل على انه لا ينبغى للمرء أن يوصى باكثر من ثلثه لان النبي عليه السلام ذم المعتدين في الوصية والتعدي في الوصية مجاوزة حدها قال الله تعالى ومن يتعد حدود الله فاولئك هم الظالمون وفي الحديث الحيف في الوصية أكبر الكبائر والحيف هو الظلم والميل وذلك بمجاوزة الحد المحدود شرعا بان يوصى لبعض ورثته أو يوصي بأكثر من ثلث ماله على قصد الاضرار بورثته والدليل على ان محل الوصية الثلث ما روينا من قوله ان الله تصدق عليكم بثلث أموالكم ثم بين المعنى بقوله انك تدع عيالك أغنياء معناه ورثتك أقرب اليك من الاجانب فترك المال خير لك من الوصية فيه وفي هذا دليل أن التعليل في الوصية أفضل وذلك مروى عن أبي بكر وعمروقال لان يوصى بالخمس أحب الينا من أن يوصى بالربع ولان يوصى بالربع أحب الينا من أن يوصى بالثلث وعن علي رضى الله عنه مثل ذلك وزادو قال من أوصى بالثلث فلم يترك شيأ يعني لم يترك شيأ مما جعل له الشرع حق الوصية فيه فعرفنا ان القليل في الوصية أفضل لان ذلك أبعد عن وحشة الورثة فانه إذا أوصى بجميع الثلث قال الوارث لا منة له علي فانه ما ترك الوصية بما زاد على الثلث الا لعجزه عن تنفيذه شرعا وحق الوارث ثبت في ماله شرعا قال عليه السلام ان أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر حتى إذا بلغ هذا وأشار إلى التراقي قلت لفلان كذا ولفلان كذا كان ذلك وان لم يقل وانما تحل الوصية بالثلث شرعا لمن يترك مالا كثيرا يستغني ورثته بثلثيه اما لكثرة المال أو لقلة الورثة هكذا روي ان عليا استأذنه رجل في الوصية لمن يترك خيرا يريد قوله تعالى ان ترك خيرا ثم يستدل بظاهر هذا الحديث من يقول بان الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر فان النبي عليه السلام قدم صفة الغني لوارثة سعد فقال

[ 145 ] انك ان تدع عيالك أغنياء ولكنا نقول قدم صفة الغني لهم واختار الفقر لنفسه والافضل ما اختاره رسول الله لنفسه ثم انما قدم الغني على الفقير الذي يسأل كما قال من أن تدعهم فقراء يتكففون الناس أي يلحون في السؤال ونحن انما نقدم الفقير الصابر دون الذي يسأل كما وصفهم الله بقوله تعالى يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس الحافا وهذا لان الفقير مع الصبر أسلم للمرء وأزين للمؤمن قال عليه السلام الفقر أزين للمؤمن من العذار الجيد على جلد الفرس فأما الغني فسبب للطغيان والفتنة قال الله تعالى كلا ان الانسان ليطغى أن رآه استغنى وروى أن حمزة بن عبد المطلب أوصي إلى زيد بن حارثة يوم أحد وان عليا رضى الله عنه أوصى إلى الحسن رضى الله عنهم وفيه دليل ان اللمرء أن يوصى إلى غيره في القيام بحوائجه بعد وفاته وهذا من نظر الشرع له أيضا فقد يفرط في بعض حوائجه في حياته أو تحترمه المنية فيحتاج إلى من يقوم مقامه في القيام بحوائجه بعد موته والايصاء إلى الغير كان مشهورا بين الصحابة رضي الله عنهم فان أبا بكر رضي الله عنه استخلف عمر وأوصى إلى عائشة رضي الله عنها في حوائجه وعمر أوصى إلى حفصة وتكلم الناس في أن رسول الله هل أوصى إلى أحد والصحيح عندنا انه لم يوص إلى أحد بشئ انما أمر أبا بكر أن يصلي بالناس وبه استدلوا على خلافته فقالوا ما اختاره لامر ديننا الا وهو يرضي به لامر دنيانا وينبغي أن يوصي إلى من هو أقرب إليه إذا كان أهلا لذلك كما أوصى علي إلى ولده الحسن رضي الله عنه وأوصى حمزة إلى زيد بن حارثة وكان رسول الله قد آخى بينهما حين قدم المدينة وذكر عن ابن مسعود انه سئل عن انسان أوصى بسهم من ماله فقال هو السدس وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقال مطلق لفظ السهم في الوصية والاقرار ينصرف إلى السدس وهو مروى عن جماعة من أهل اللغة منهم اياس بن معاوية قالوا السهم السدس وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله قالا للموصى له سهم مثل أخس سهام الورثة وروى ذلك في الكتاب عن شريح لان ماله يصير سهاما بين ورثته فذكر السهم ينصرف إلى ذلك وأخس السهام متيقن فيه الا أن يجاوز السهم فحينئذ لا تنفذ الوصية فيما زاد على الثلث بدون اجازة الورثة وأبو حنيفة يقول هذا ان لو ذكر السهم معرفا وقد ذكره منكرا بقوله أوصيت لكم بسهم من مالي فينصرف إلى ما فسر أهل اللغة السهم به * وبيان المسألة يأتي في موضعه وعن عمر رضي الله عنه قال إذا أوصى الرجل بوصيتين فالاخيرة منهما أملك وبظاهره

[ 146 ] أخذ الشافعي فقال الوصية الثانية بالثلث أو بالعتق للذي أوصى به لغيره يكون دليل الرجوع عن الوصية الاولى ولكنا نقول المراد وصيتان بينهما منافاة بان يوصى ببيع عبده من انسان ثم يوصى بعتقه أو على عكس ذلك فان بين هاتين الوصيتين في محل واحد منافاة فالثانية منهما دليل الرجوع عن الاولى فأما إذا أوصى إلى انسان بعبد بعينه ثم أوصى لاخر بذلك العبد فلا منافاة بين الوصيتين في المحل ومراده ان يكون كله لاحدهما ان لم يقبل الاخر الوصية أو لم يبق إلى ما بعد موت الموصى وان لم يكن مشتركا بينهما ان قبلا جميعا الوصية فلا تكون الثانية منهما دليل الرجوع عن الاولى وان لم يستحق الموصى له الاول الترجيح بالسبق فلا أقل من أن يزاحم الموصي له الثاني وعن إبراهيم في الرجل يموت ولم يحج قال ان أوصى أن يحج عنه فمن الثلث وان لم يوص فلا شئ وبهذا نأخذ وقد بينا المسألة في كتاب المناسك فنقول فيما يجب حقا لله تعالى خالصا كالزكاة والحج لا يصير دينا في التركه بعد الموت مقدما على الميراث ولكنه ينفذ من الثلث ان أوصى به كما ينفذ بسائر التبرعات وان لم يوص به فهو يسقط بالموت في أحكام الدنيا وان كان مؤاخذا في الاخرة بالتفريط في الاداء بعد التمكن منه وعلى قول الشافعي يصير ذلك دينا في تركته مقدما على الميراث أوصى به أو لم يوص وقد بينا المسألة في كتاب المناسك والزكاة وعن إبراهيم في الرجل يوصي بثلث ماله يحج به عنه أو يعتق به رقبة فلم تتم الحجة ولا الرقبة قال يتصدق عنه ولسنا نأخذ بهذا فاين تنفذ الوصية تجب على ما أوجبه الموصى بحسب الامكان والتحرز عن التبديل واجب بالنص قال تعالى فمن بدله بعد ما سمعه الاية وانما يحج بثلثه من حيث يبلغ وان كان الثلث لقلته بحيث لا يمكن أن يحج به عنه فهو لورثته وكان إبراهيم ذهب في ذلك إلى ان مقصود الموصى التقرب إلى الله تعالى بثلث ماله ونيل الثواب في ذلك القدر من المال فيجب تحصيل مقصوده؟ بحسب الامكان وذلك في التصديق به ولكنا نقول اعتبار التعبير في ألفاظ الشرع يجب لانها لا تخلو عن حكمه حميدة فاما في أوامر العباد فيعتبر اللفظ (ألا ترى) انه لو أمر انسانا بان يطلق امرأته للسنة فطلقها بغير السنة لم يقع والشرع أمر بايقاع الطلاق للسنة ومن طلق امرأته لغير السنة كان طلاقه واقعا وعن إبراهيم قال لا بأس بأن يوصى المسلم للنصراني أو النصراني للمسلم فيما بينه وبين الثلث وهكذا عن شريح وبه نأخذ فان الوصية تبرع بعد الوفاه بعقد مباشرة فيعتبر بالتبرع في حياته ولا بأس بعقد الهبة بين المسلم والذمى في حال الحياة والاصل فيه قوله

[ 147 ] تعالى لا ينهاكم الله إلى قوله ان تبروهم وتقسطوا إليهم وان أراد بهذا بيان الفرق بين الوصية والميراث فان الارث لا يجرى مع اختلاف الدين لان الارث طريقه طريق الولاية والخلافة على معنى أنه يبقى للوارث المال الذي كان للمورث واختلاف الدين يقطع الولاية فاما الوصية فتمليك بعقد مبتدأ ولهذا لا يرد الموصى له بالعيب ولا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصى بخلاف الوارث وعن إبراهيم في الرجل يستأذن ورثته في الوصية فيأذنون له ثم يرجعون بعد موته قال لهم ذلك ان شاؤا رجعوا وبه نأخذ فان الاجازة من الورثة معتبرة في الوصية بما زاد على الثلث أو في الوصية للوارث وانما تعتبر اجازتهم بعد موت الموصى فأما في حياته فلا تعتبر لان الاجازة اما أن تكون بمنزلة التمليك منهم أو بمنزلة اسقاط الحق وانما ثبت ذلك كله لهم بعد موت الموصى فتمليكهم قبل ان يملكوا أو اسقاطهم لحقهم قبل أن يتقرر وجوب الحق لهم يكون لغوا ثم اجازتهم في حالة الحياة لا تكون دليل الرضى منهم بهذا بل الظاهر أنهم كارهون له الا أنهم احتشموا المورث فلم يجاهروه بالاباء فلو لزمهم حكم الاجازة في حالة الحياة تضرروا بخلاف ما بعد الموت فاجازتهم بعد الموت دليل الرضى منهم وعن إبراهيم في رجل أوصى لغير وارث بدين أو أقر به قال هو جائز ولو أحاط بماله ومراده الاقرار بالدين لا الوصية وانما سماه وصية لذكره اياه فيما بين الوصايا وفي موضع الوصية وبهذا نأخذ فنقول الاقرار لغير الوارث بالدين صحيح وان أحاط بماله وهو مروى عن ابن عمر رضي الله عنه وقد روى مرفوعا إلى رسول الله وبيناه في كتاب الاقرار وعن الشعبي انه سئل عن رجل له ثلاث بنين فأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم قال له الربع وبه نأخذ لان مثل الشئ غيره فهو جعل نصيب أحد البنين معيارا لما أوجب الوصية فيه وجعل وصيته بمثل ذلك فاما أن يقال يصير الموصى له بالايجاب كابن آخر له مع البنين الثلاثة فله الربع أو يقال ينظر في نصيب أحد البنين فيزاد على أصل السهام مثل ذلك الموصى له والمال بين البنين الثلاثة على ثلاثة أسهم لكل واحد منهم سهم فإذا زدنا للموصى له سهما على الثلاثة كانت السهام أربعة ثم نعطيه ذلك السهم فيكون له الربع ولايجوز له أن يعطى الثلث بهذا الايجاب لان ذلك حينئذ ينفذ الوصية له في نصيب أحد البنين لا في مثل نصيب أحدهم وهو انما أوصى له بمثل نصيب أحدهم وعن إبراهيم والشعبي قالا في رجل أوصى لرجلين بالنصف والثلث فردوا إلى الثلث أن الثلث بينهم على خمسة أسهم لصاحب النصف ثلاثة ولصاحب

[ 148 ] الثلث اثنان وهذا قول أبي يوسف ومحمد وابن أبي ليلى رحمهم الله فأما عند أبي حنيفه رحمه الله فالثلث بينهما نصفان والاصل عند أبي حنيفة أن الوصية بما زاد على الثلث عند عدم اجازة الورثة تبطل في حق الضرب بها في الثلث وبيانه إذا أوصى لرجل بجميع ماله والاخر بثلث ماله فلم تجز الورثة أو أوصي لرجل بجميع ماله والاخر بنصف ماله فلم تجز الورثة فعند أبي حنيفة الثلث بينهما نصفان في الفصلين جميعا وعندهما في الفصل الاول يكون الثلث بينهما ارباعا على أن يضرب الموصى له بالجميع بالثلث في سهام جميع المال الثلاثة والموصى له بالثلث بسهم واحد وفي الفصل الثاني يكون الثلث بينهما أثلاثا على أن يضرب الموصى له بالجميع بسهمين والموصى له بالنصف بسهم فهما يقولان ما يوجبه الموصى بعد موته معتبر بما أوجبه الله تعالى من السهام للورثة بعد الموت والله تعالى أوجب للزوج النصف وللاخت النصف واللام الثلث فكان موجب استحقاق كل واحد منهم بما أوجب له عند الانفراد والضرب بجميع ما سمى له بالوصية في محل الميراث عند المزاحمة فذلك فيما أوجب الموصي المقصود استحقاق كل واحد منهما لما أوجبه له عند الانفراد واجازة الورثة * يوضحه ان الموصى قصد سلامة ما سمى لكل واحد منهما بكماله وتفضيل أحدهما على الاخر ففي أحد الحكمين تعذر تحصيل مقصودة عند عدم اجازة الورثة وفي الحكم الاخر ما تعذر تحصيل مقصوده فيجب تحصيله كما لو قال أوصيت بهذه الالف لفلان منهما بستمائة ولفلان منها بسبعائة تعتبر تسميته لكل واحد منهما وفي القدر الذي سمى التفضيل بينهما وان تعذر اعتباره في استحقاق جميع المسمى لكل واحد منهما لضيق المحل ثم وصيته بالنصف والثلث ينصرف كل واحد منهما إلى جزء شائع في جميع ماله وفيما ذهب إليه أبو حنيفة تنفذ وصية أحدهما بجميع الثلث الذي له أن يوصى به وجعل الزيادة فيما أوصى لا حدهما بثلث ماله للاخر خاصة حتى يبطل بعدم اجازة الورثة وذلك خلاف ما أوجبه الموصى (ألا ترى) انه لو أوصي لاحدهما بثلث ماله ولاخر بسدس ماله ولاحدهما بالثلث وللاخر بالربع ان لكل واحد منهما أن يضرب بجميع ما أوصى به له في الثلث وكذلك لو أوصى لاحدهما بالف درهم وللاخر بالفين وثلث ماله ألف وضرب كل واحد منهما في الثلث بجميع ما سمى له وكذلك لو أعتق في مرضه عبدا قيمته ألف وعبدا قيمته ألفان وثلث ماله ألف أو باع من انسان عبدا وحاباه بالف وباع من أحد شيأ وحاباه بالفين وضرب كل واحد منهما في الثلث بجميع ما حاباه وان كان أكثر من ثلث

[ 149 ] ماله فكذلك فيما سبق ولابي حنيفة رحمه الله طريقان أحدهما أن الوصية بما زاد على الثلث عند عدم اجازة الورثة مفسوخة بتغيير الوصية المفسوخة كالمرجوع فلا يستحق الضرب بها كالوصية بمال الجار وانما قلنا ذلك لانها كانت موقوفة على اجازة الورثة فتنفسخ بردهم كالبيع الموقوف على اجازة المالك ينفسخ برده وتأثيره ان حق الضرب فيه بناء على صحة الايجاب وقد بطل ذلك بالانفساخ فلا معنى للضرب به في مزاحمة وصية الايجاب فيها صحيح ولهذا فارق المواريث فان ما أوجبه الله تعالى لكل وارث صحيح قطعا ويقينا فعرفنا ان المراد المضاربة بها عند ضيق المحل لعلمنا ان المال الواحد لا يكون له نصفان وثلث وبه فارق الوصية بالثلث والسدس لان كل واحد منهما ايجاب صحيح لا ينفسخ برد الوارث فان كل واحد منهما ايجاب بتسمية يوجد ذلك فيما هو محل الوصية وهو الثلث فاما هذا فايجاب بتسمية لا توجد تلك التسمية الا فيما هو حق الورثة فيبطل بردهم الايجاب فيما يتناول حقهم وكذلك الوصية بالالف والالفين فانها ما وقعت في حق الورثة بهذه التسمية لان حق الورثة في أعيان التركة دون الالف المرسلة (ألا ترى) انه يتصور تنفيذ جميع هذه الوصية على ما سمى الموصى من غير اجازة الورثة بان يكثر مال المورث فكذلك في مسألة العتق فان ذلك وصية بالبراءة عن السعاية والسعاية بمنزلة الالوف المرسلة (ألا ترى) انه يتصور تنفيذ الوصية لكل واحد منهما بدون اجازة الورثة بان يكثر مال الميت وكذلك في مسألة المحاباة فالوصية بالمحاباة تكون من الثمن وذلك بمنزلة المال المرسل حتى يتصور تنفيذه واحد منهما بدون اجازة الورثة عند كثره المال * فان قيل هذا فاسد فان الخلاف ثابت فيما إذا أوصى بعبد بعينه لانسان قيمته ألف وبعبد آخر بعينه لانسان قيمته ألفان ولا مال له سواهما وهنا يتصور تنفيذ الوصية لكل واحد منهما في جميع ما سمى له بغير اجازة الورثة بان يكثر مال الميت فيخرج العبدان من الثلث * قلنا نعم ولكن وصيتهما بعين التركة حق الورثة فكانت تلك الوصية واقعة في حق الورثة (ألا ترى) انها لا تصح الا بعد قيام ملكه في العين عند الوصية بخلاف الوصية بالالف المرسلة فانها صحيحة ان لم يكن في ملكه مال عند الوصية والطريق الاخر لابي حنيفة أن الوصية بما زاد على الثلث وصية ضعيفة حتى لا يجب تنفيذها الا باجازة الورثة والوصية بالارث وصية قوية ولا مزاحمة بين الضعيف والقوي في الاستحقاق ولكن الضعيف في مقابلة القوي كالمعدوم بمنزلة الوصية للوارث مع الوصية للاجنبي فانه لا تثبت المزاحمة بينهما والمضاربة عند

[ 150 ] عدم اجازة الورثة وبه فارق المورايث فقد استوى السهام في القوة وكذلك والوصايا في الثلث فقد استوت في القوة لمصادفة كل واحد منهما محل الوصية وكذلك التركة إذا كانت ألفا وفيها دين ألف ودين ألفان لان الدينين استويا في القوة وكذلك الوصايا في الالوف المرسلة والعتق والمحاباة فانها استوت في القوة حين لم تصح في حق الورثة على ما بينا وقول الموصى قصد تبين قلنا الفصيل بناء على صحة الايجاب في حق الاستحقاق وقد بطل ذلك بالرد على الطريق الاول وهو ضعيف على الطريق الثاني فلا يزاحم القوي وبه فارق مسألة الالف لان مطلق الاضافة اليهما بعقبة تفسير وهو ما سمى من الستمائة لاحدهما والسبعمائة للاخر فيكون الحكم لذلك التفسير استواء الايجاب في القوة وما قالوا ان الايجاب ينصرف إلى جزء شائع هاهنا فاسد فانه إذا أوصي بثلث ماله لابنه استحق الموصى له جميع الثلث ولو انصرف الايجاب إلى ثلث شائع في جميع المال صار له ثلث الثلث لان ذلك القدر صادف محل الوصية وحيث استحق جميع الثلث عرفنا ان تسمية الثلث مطلقا تنفيذ محل الوصية لتصحيح ايجابه في جميعه كالعبد المشترك بين اثنين يبيع أحدهما نصفا مطلقا فانه ينصرف البيع إلى نصيبه خاصة فهذا مثله وعن أبي عاصم الثقفي قال سألني إبراهيم عن رجل أوصي بنصف ماله وثلثه وربعه فأجازوا قلت لا علم لي بها قال لي خذ مالا له نصف وثلث وربع وذلك اثنا عشر فخذ نصفها ستة وثلثها أربعة وربعها ثلاثة فاقسم المال على ذلك وهذا قول أبي يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة رحمه الله بخلاف ذلك ولم يزد على ذلك حتى اختلفوا في تخريج المسألة على قول أبي حنيفة وهذه مسألة معروفة تدعى الثقفية وربما يمتحن من يدعى التحرز في المقدرات من أصحابنا فأما تخريج قولهما فظاهر لان القسمة عندهما على طريق العول والمضاربة فالموصى له بالنصف يضرب بنصف المال ستة من اثنى عشر والموصى له بالثلث يضرب باربعة من اثنى عشر والموصى له بالربع يضرب بثلاثة فمبلغ هذه السهام ثلاثة عشر فحينئذ اجازه الوارثة يقسم جميع المال بينهم على ذلك وعند عدم الاجازة يقسم الثلث بينهم على ذلك وأما عند أبي حنيفة فقسمة المال بينهم عند اجازة الورثة على طريق المنازعة فخرج أبو يوسف رحمه الله قوله على طريق ومحمد رحمه الله على طريق آخر والحسن رحمه الله على طريق آخر وكل واحد منهما روي طريقه عنه وطريق الحسن أوجه فأما طريق أبي يوسف فهو ان الموصي له بالنصف فضل الموصى له بالثلث بسهمين لا تفاوت ما بين النصف والثلث سهمان ولا منازعة في هذين السهمين لصاحب الثلث والربع فيأخذهما صاحب

[ 151 ] النصف ثم لا منازعة لصاحب الربع فيما زاد على الربع إلى تمام الثلث وهو سهم وصاحب الثلث والنصف كل واحد منهما يدعى ذلك وفي المال سعة فيأخذ كل واحد منهما سهما ففي ثمانية استوت منازعتهم فيها يكون بينهم اثلاثا فانكسر بالاثلاث فيضرب أصل المال اثنا عشر في ثلاثة فيكون ستة وثلاثين صاحب النصف أخذ مرة سهمين ومرة سهما وقد ضربنا ذلك في الثلاثة وهي تسعة وصاحب الثلث أخذ سهما وذلك ثلاثة والباقي أربعة وعشرون بينهم لكل واحد منهم ثمانية فحصل لصاحب الربع ثمانية من ستة وثلاثين ولصاحب الثلث أحد عشر ولصاحب النصف سبعة عشر وأما تخريج محمد لقول أبي حنيفة فقريب من هذا ولكنه قال لما أخذ صاحب النصف سهمين بلا منازعة تراجع حقه إلى الثلث فوصاياهم جميعا بعد ذلك اجتمعت في الثلث ومن أصل أبي حنيفة أن الوصايا متى وقعت في الثلث فالقسمة بين أربابها على طريق العول فيضرب صاحب النصف بما بقي من حقه وهو أربعة من اثنى عشر وصاحب الثلث باربعة أيضا وصاحب الربع بثلاثة فيكون بينهم على أحد عشر فالسبيل ان تضرب أصل المال اثنى عشر في احدى عشر فيكون مائة واثنين وثلاثين كان قد أخذ صاحب النصف سهمين وضربنا سهما في أحد عشر وذلك اثنان وعشرون بقى بعد ذلك مائة وعشرة لصاحب الربع من ذلك ثلاثون ولصاحب الثلث أربعون و لصاحب النصف كذلك فجملة ما حصل لصاحب النصف اثنان وستون ولصاحب الثلث أربعون ولصاحب الربع ثلاثون فاما تخريج الحسن رحمه الله لقوله فهو انه اجتمع هاهنا وصيتان وصية في الثلث ووصية فيما زاد على الثلث وأبو حنيفة يرى القسمة على طريق العول في الوصايا في الثلث والقسمة على طريق المنازعة في الوصايا فيما زاد على الثلث فيعتبر كل واحد منهما ويبدأ بقسمة الثلث لان القسمة على طريق العول تكون عن موافقة فهو أقوى مما ينبنى علي المنازعة ولان الوصية في محلها أقوى مما إذا جاوزت محلها فنقول يضرب صاحب النصف في الثلث بجميع الثلث وهى أربعة وصاحب الثلث بمثله وصاحب الربع بينهم فيضرب الثلث بينهم على أحد عشر فيكون جميع المال على ثلاثة وثلاثين ثم يأتي إلى القسمة بطريق المنازعة فنقول صاحب النصف حقه في النصف من جميع المال وذلك ستة عشر ونصف وقد وصل إليه أربعة بقى له من حقه اثنا عشر ونصف وصاحب الثلث كان حقه في أحد عشر وصل إليه أربعة بقى له سبعة فما زاد على سبعة إلى تمام اثنى عشر ونصف لا منازعة فيه لصاحب الثلث فيأخذه صاحب النصف وذلك خمسة ونصف ثم صاحب

[ 152 ] الربع كان حقه في الربع وذلك ثمانية وربع وصل إليه ثلاثة بقى له خمسة وربع فما زاد على خمسة وربع إلى تمام سبعة لا منازعة فيه لصاحب الربع فصاحب الثلث والنصف كل واحد منهما يدعيه وفي المال سعة فيأخذ كل واحد منهما سهما وثلاثة ارباع بلا منازعة فجملة ما أخذا من اثنين وعشرين وهو ثلثا المال تسعة مرة خمسة ونصف ومرتين سهم وثلاثة ارباع وذلك ثلاثة ونصف والباقى ثلاثة عشر استوت منازعتهم فيه فيكون بينهم اثلاثا فانكسر بالاثلاث وكان قد انكسر بالانصاف والارباع الا أن الربع يجزى عن النصف لان النصف يخرج عن مخرج الربع فالسبيل أن يضرب ثلاثة في أربعة فيكون اثنى عشر ثم يضرب أصل المال وذلك ثلاثة وثلاثون في اثنى عشر فيكون ثلثمائة وستة وتسعين الثلث من ذلك مائة واثنان وثلاثون كان لصاحب النصف من ذلك أربعة مضروبة في اثنى عشر وذلك ثمانية وأربعون ولصاحب الثلث مثل ذلك ولصاحب الربع ثلاثة مضروبة في اثنى عشر وذلك ستة وثلاثون وكان ما أخذ صاحب النصف من الثلاثين بلا منازعة خمسة ونصف مضروبة في اثنى عشر فذلك ستة وستون وما أخذه صاحب النصف وصاحب الثلث ثلاثة ونصف مضروبة في اثنى عشر وذلك اثنان وأربعون بينهما نصفان لكل واحد منهما أحد وعشرون وكان الذى لا يستقيم بينهم ثلاثة عشر مضروبة في اثنى عشر فيكون ذلك مائة وستة وخمسين بينهم لكل واحد منهم اثنان وخمسون فصاحب الربع ما وصل إليه من الثلثين الا اثنان وخمسون وصاحب الثلث أخذ مرة اثنين وخمسين ومرة أحدا وعشرين وذلك ثلاثة وسبعون وصاحب النصف أخذ مرة اثنين وخمسين ومرة أحدا وعشرين ومرة ستة وستين فيكون ذلك مائة وتسعة وستين فإذا جمعت بين هذه السهام بلغت سهام ثلثى المال مائتين وأربعة وستين فإذا ضممته إلى الثلث الذى اقتسموه على طريق العول كانت الجملة ثلثمائة وستة وتسعين فاستقام التخريج وعن إبراهيم رحمه الله قال إذا أوصى الرجل وأعتق بدئ بالعتق وبه نأخذ وهو مروى على ابن عمر رضى الله عنه وهذا لان العتق أقوى سببا من سائر الوصايا فانه لا يحتمل الفسخ وهو اسقاط للرق والمسقط يكون متلاشيا وسائر الوصايا يتحمل الفسخ والرجوع عنها وثبوت الحكم بحسب السبب ولا مزاحمة للضعيف مع القوي ثم أبو يوسف ومحمد رحمهما الله أخذا بظاهر هذا الحديث فقد ما العتق على المحاباة المتقدمة وأبو حنيفة رحمه الله خص المحاباة من سائر الوصايا باعتبار انها أقوى سببا فسببها عقد الضمان وعقد الضمان أقوى من التبرع وقوة العتق باعتبار حكم السبب

[ 153 ] فعند البداءة بالمحاباة يترجح بالسبق وبقوة السبب فقال يبدأ بها وعند البداءة بالعتق يستويان من حيث ان للعتق قوة السبق وقوة الحكم وللمحاياة قوة السبب والمعتبر أولا السبب فان الحكم يبنى على السبب فيتحاصان وسيأتى بيان المسألة في موضعها وعن إبراهيم في رجل يوصى إلى رجل فيموت الموصى إليه فيوصى إلى رجل آخر فان وصيتهما جميعا صحيحة وبه نأخذ فان الموصى بعد موت الموصى قائم مقام الموصى في ولايته في المال وقد كانت ولايته في ماله ومال الموصى الاول فيخلفه وصيه في التصرف في المالين لان بعد قبول الوصية التصرف في مال الموصى الاول من حوائج الوصي كالتصرف في مال نفسه وانما يقيم الموصى مقامه فيما هو من حاجته وعن إبراهيم في الرجل يوصى لام ولده في حياته وصحته فيموت قال هو ميراث وان أوصي عند موته لها بوصية فهو لها من الثلث والمراد بوصيته لها في صحته الاقرار والهبة لا الوصية المضافة إلى ما بعد الموت لان حالة الصحة وحالة المرض في ذلك سواء وبه نأخذ فنقول الهبة لام الولد والاقرار لها بالدين باطل من المولى لانها باقية على ملكه وكسبها له بمنزلة القنة فأما وصيته لها مضافة إلى ما بعد الموت فصحيحة لانها تعتق بالموت ووجوب الوصية يكون بعد الموت فالوصية لها بمنزلة الوصية لجارية أجنبية وعن ابن عمر رضى الله عنه قال إذا أقر الرجل عند موته بدين لوارث فانه لا يجوز الا ببينة وان أقر لغير وارث بالدين جاز ولو أحاط بجميع ماله وبه نأخذ في الفصلين وقد روى في بعض الروايات مرفوعا إلى رسول الله وقد بينا ذلك في الاقرار وعن إبراهيم في المرأة يضربها الطلق قال هي بمنزلة المريض في الوصية والتبرع والطلق اسم لوجع الولادة ويسمى ذلك مخاضا أيضا قال الله تعالى فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ومتى أخذها وجع الولادة فهي بمنزلة المريض لانها أشرفت على الهلاك الا أنه قد يأخذها الوجع ثم يسكن فباعتبار ذلك الوجع لا تصير في التبرعات كالمريضة بمنزلة مرض يعقبه برء وانما تصير كالمريضة إذا أخذها الوجع الذى يكون آخره انفصال الولد عنها من سلامتها به أو موتها لان المعتبر مرض الموت ومرض الموت ما يتصل به ومن أوصى بأكثر من ثلث ماله لم يجز في الفضل على الثلث الا ان يجيزه الورثة بعد موته وهم كبار لان حقهم تعلق بماله بمرضه ولكن الشرع جعل الثلث محلا لوصية الموصى ليتدارك به ما فرط في حياته فما زاد على ذلك إذا أوصى به فقد قصد الاضرار بورثته باسقاط حقهم عما تعلق حقهم به وايثار الاجنبي على من آثره الشرع وهو الوارث فللوارث أن يرد عليه

[ 154 ] قصده بأن يأبى الاجازة ولا معتبر باجازته في حياة الموصى عندنا وقال ابن أبي ليلى تصح اجازته في حياته وليس له أن يرجع بعد وفاته لانه سقط حقه بالاجازة وبالمرض قد تعلق حقه بماله فيصح اسقاطه وفقه هذا أن حق الوارث انما يثبت في ماله بالموت ولكن سبب موته المرض فلما أقيم هذا السبب مقام حقيقة الموت في منع المورث من التصرف المبطل لحق الوارث فكذلك قام مقامه في صحة اسقاط الحق من الوارث بالاجازة ولكنا نقول اسقاط الحق قبل وجود السبب لا يجوز ويعتبر المرض بسبب تعلق حقه بماله بل السبب مرض الموت ومرض الموت ما يتصل به الموت فقبل؟ اتصال الموت لا يكون سببا وهذا الاتصال موهوم فيكون هذا اسقاط الحق قبل تقرر السبب ثم الاجازة من الوارث انما تعمل لوجود دليل الرضى منه بتصرف المريض واجازته في حياة الموصى لا تدل على ذلك بل الظاهر انه احتشم المورث فلم يجاهره بالرد من غير أن يكون راضيا بوصيته بخلاف ما إذا أجازه بعد الموت وفي الاجازة بعد الموت ان لم يكن الوارث من أهله بان كان صغيرا فهو باطل أيضا لانه اسقاط الحق بطريق التبرع فأما إذا كان كبيرا فاجازته صحيحة ويسلم المال للموصى له بطريق الوصية من الموصى عندنا وعند الشافعي صحيحة بطريق التمليك من الوارث ابتداء منه حتى لا يتم الا بالقبض على قوله وعندنا يتم من غير قبض الموصى له والشيوع لا يمنع صحة الاجازة وليس للوارث أن يرجع فيه. وجه قوله أن ينفس الموت قد صار قدر الثلثين من المال ملكا للوارث لان الميراث يثبت من غير قبول الوارث ولا يرتد بالرد فاجازته تكون اخراجا للمال عن ملكه بغير عوض وهذا فيه لا يتم الا بالقبض كما لو أوصى بمال جاره فاجازه الجار بعد موته ولكنا نقول تصرف الموصى صادف ملكه وامتنع نفوذه بقيام حقه الغير فيه اجازة من له الحق تكون اسقاطا كاجازة المرتهن بيع الراهن وكذلك ان أجازوا وصية الوارث ولو أوصى بالف درهم من مال رجل أو بعبد أو ثوب فاجاز ذلك الرجل قبل موته أو بعده فله أن يرجع عنه ما لم يدفعه إلى الموصى له فإذا دفعه إليه جاز لان وصيته من مال غيره بمنزلة الهبة كانه وهب مال غير فلا يصح إلى بالتسليم والقبض كما لو وهب مال نفسه بخلاف الوصية من مال نفسه بأكثر من الثلث لانه أوصى بمال نفسه الا أنه لم ينفذ لحق الورثة فإذا أجاوزوا فقد أبطلوا حقهم وجاز من قبل الوصي جواز الوصية فلم يكن التسليم من شرط صحتها وجوازها وإذا أوصى الرجل لرجل بعبد ولاخر بثوب ولاخر بدار والثلث يبلغ الف درهم والوصية تبلغ

[ 155 ] ألفا وخمسمائة أصاب كل واحد منهم ثلثى وصيته وبطل الثلث لانه لابد من ابطال الفضل على الثلث وليس أحدهم بابطالها أولى من الاخر وقد استووا في استحقاق الثلث فكذا في ابطاله فينقص من وصية كل واحد منهما ثلثها ووجه ذلك ان ينظر إلى مبلغ الوصايا والى ثلث ماله فان كانت الزيادة مقدار الثلث ينقص من نصيب كل واحد منهما الثلث وان كان نصفا النصف وتفسيره إذا أوصي لرجل بعبد قيمته ألف درهم ولاخر بثوب قيمته ثلثمائة درهم ولاخر بدار قيمتها مائتان فذلك كلة ألف وخمسمائة وثلث ماله ألف فالزيادة مقدار الثلث فينقص من وصية كل واحد منهم مقدار الثلث فلصاحب العبد ثلثا العبد ولصاحب الدار ثلثا الدراهم ولصاحب الثوب ثلثا الثوب فاستقام الثلث والثلثان وإذا أوصى لذوى قرابته بالثلث فان ذوى قرابته كل ذى رحم محرم منه * قال رضى الله عنه هنا خمسة ألفاظ اما ان يوصى لذوى قرابته أو لا قاربه أو لانسابه أولا رحامه أو لذوى أرحامه فأبو حنيفة يعتبر خمسة أشياء ذا رحم محرم واثنين فصاعدا ما سوى الوالد والولد ومن لا يرث والاقرب فالاقرب وفي قول أبي يوسف الاول يدخل فيها جميع ذوي رحم محرم منه الاقرب والابعد في ذلك سواء ثم رجع فقال كل من يجمعه وأباه أقصى أب في الاسلام ويدخل في الوصية ذو الرحم وغير ذى الرحم المحرم كلهم سواء وهو قول محمد والاختلاف في موضعين أحدهما أنه يصرف إلى ذوى الرحم المحرم ولا يصرف إلى غيرهم عند أبي حنيفة وعندهما ذو الرحم المحرم وغيره سواء والثاني انه يصرف إلى الاقرب فالاقرب عنده وعندهما يستوى فيه الاقرب والابعد واتفقوا انه لا يدخل فيها الوصية لوارث لقوله عليه السلام لا وصية لوارث وكذلك يعتبر الاثنان بالاتفاق لان ذوى لفظ جمع وأقل الجمع اثنان في الميراث (ألا ترى) ان الاخوين ينقلان الام من الثلث إلى السدس فكذلك في الوصية إذ هي أخت الميراث فلذلك لا يصرف إلى الولد لانهما يسميان قرابة لقوله تعالى ان ترك خيرا لوصية للوالدين والاقربين من بينهما فتبين ان الوالدين غير القرابة فإذا خرج الاب من أن يكون قريبا للابن خرج الابن من أن يكون قريبا للاب وهل يدخل فيها الجدود وولد الولد ففي الزيادات انه يدخل ولم يذكر فيه خلافا وروى الحسن عن أبي حنيفة ان الجد وولد الولد يدخلان في الوصية وكذا روى عن أبي يوسف لان الجد بمنزلة الاب وولد الولد بمنزلة الولد وانما اعتبر أبو حنيفة ذا الرحم المحرم لان الموصى قصد بالوصية صلة الرحم لانه مأمور بها قال الله تعالى ان الله يأمر بالعدل

[ 156 ] والاحسان وايتاء ذي القربى وقال جل وعلا وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فلما كان مأمورا بصلة القرابة وانما تجب الصلة ممن كان ذا رحم محرم منه فانصرفت الوصية إليه دون غيره لان القرابة المطلقة قرابة ذي الرحم المحرم لاختصاصها باحكام مخصوصة من عدم جواز المناكحة والعتق عند الملك وعدم الرجوع في الهبة ووجوب النفقة عند العشرة فانصرفت الوصية إليه وانما اعتبر الاقرب فالاقرب لان كل من كان أقرب إليه فهو أشبه بهذا اللفظ فكان أولى كما في العصبات وذوى الارحام في الميراث والاقرب في الشفعة وجه قول أبي يوسف الاول أنه ينصرف إلى كل ذى رحم محرم منه الاقرب والابعد منه سواء لانهم في استحقاق الاسم سواء (ألا ترى) انه لو أوصى لاخوته وله اخوة بعضهم لاب وأم وبعضهم لاب وبعضهم لام أنهم في الوصية سواء ولا يعتبر الاقرب. وجه قوله الاخر وهو قول محمد انه يدخل فيه ذو والرحم المحرم وغير ذي الرحم المحرم ويصرف إلى كل من يجمعه وأباه أقصى أب في الاسلام ان هذا اللفظ في الابعدين أكثر استعمالا من الاقربين (ألا ترى) انه لا يقال للاخ أو العم هذا قريبى فيدخلون كلهم في الوصية (ألا ترى) إلى ما روى في الخبر لما نزل قوله تعالى وأنذر عشيرتك الاقربين جمع رسول الله أقرباءه سبعين نفسا وقال لهم اني نذير لكم بين يدي عذاب شديد وكان فيهم ذو رحم محرم وغيره فثبت ان كلهم في الوصية سواء الا أنه لا يمكن أن يدخل فيه جميع أولاد آدم عليه السلام فيجعل الحد فيه من يجمعه واياهم أقصى أب في الاسلام لانه لما ورد الاسلام صارت المعرفة بأهل الاسلام وكان قبل ذلك يعرف بقبائل الجاهلية وهما انما قالا ذلك في زمانهما لان في ذلك الوقت ربما يبلغ إلى ثلاثة آباء أو أربعة آباء ولا يجاوز ذلك فتتبين أقرباؤه أما في زماننا فلا يمكن أن يعتبر ذلك لان النسبة قد طالت فتقع الوصية لقوم مجهولين فان ترك عمين وخالين وهم ليسوا بورثة فعند أبي حنيفة الوصية للعمين دون الخالين لان العم أقرب من الخال لانه من قبل الاب بدليل والولاية وعندهما الثلث بينهم بالسوية ولو كان له عم واحد وخالان كان للعم النصف والنصف للخالين عنده لانه أوصى بلفظ الجمع وهو قوله ذوي وأقل الجمع في الوصية اثنان ويصرف النصف إلى الخالين لانهما يستحقان اسم القرابة فإذا خرج العم من الوسط صار كانه لم يترك الا الخالين قال محمد رحمه الله إذا أوصى بثلث ماله لقبيلة دخل الموالي فيه لانهم ينسبون إلى تلك القبيلة وقد روى عن النبي عليه السلام انه قال مولي القوم منهم هذا إذا كانوا يحصون

[ 157 ] فان كانوا لا يحصون فالوصية باطلة لان المقصود من هذه الوصية الصلة (ألا ترى) انه يستوي فيه الغني والفقير فإذا كانوا لا يحصون صاروا مجهولين فبطلت وجه الاحصاء ذكرناه في الشرب والشفعة ولا خلاف في المسألة الا انه نص علي قول محمد وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إذا أوصى لفقراء أهل بيته فلكل من ينسب إلى أقصى جد في الاسلام من قبل الرجال وكذا لمحتاجي أهل بيته أي إذا أوصى لاهل بيته فان كان الموصى من أولاد العباس فكل من كان نسبه إلى العباس من قبل الاب دخل فيه سواء كان هو بنفسه ذكر أو أنثى بعد أن يكونا منسوبين إليه من قبل الاباء ومن كان نسبه إليه من قبل الام لا يدخل فيه لانه لا يسمى من أهل بيته وانما يسمى من أهل بيت آخرين وكذلك الوصية لجنس فلان أو لمحتاجي جنسه لان الجنس وأهل البيت سواء وسواء كانوا يحصون أو لا يحصون لان هذا سبيل الصدقة لانه حصر الفقراء والمحتاجين وجهالة المتصدق عليه لا تمنع؟ الصحة فان قابض الصدقة هو الله تعالى وهذا عندهم الا أن عند أبي حنيفة يعتبر الاقرب فالاقرب ولا يعطى غير ذي الرحم المحرم وعندهما تصرف إلى الكل * ولو أوصى بثلث ماله لاخوته وله ستة اخوة متفرقين وله ولد يجوز ميراثه فالثلث بين اخوته سواء لان الاستحقاق بالاسم وهم في استحقاق الاسم سواء بخلاف ما لو أوصي لاقرباء فلان عند أبي حنيفة لانه يصح أن يقال هذا أقرب من فلان ولا يصح أن يقال هذا أكثر أخوة من فلان بل كلهم في استحقاق الاسم سواء هذا إذا كان له ولد يجوز ميراثه فان لم يكن فلا وصية للوارث وللاخوين لاب ثلث ذلك لانهما لا يرثان * فان قيل وجب ان يصرف جميع الثلث اليهما إذا لم تصح الوصية لهم كما لو أوصى لحي وميت * قلنا الاضافة كانت صحيحة إلى الاخوين لاب وأمين ولاخوين لام (ألا ترى) انه لو أجازت الورثة جازت الا أنهم خرجوا بعد الدخول في الوصية فلا يزداد حق الاخ لاب (ألا ترى) انه لو أوصي لثلاثة نفر فمات اثنان قبل موته كان للباقي ثلث الثلث لصحة الاضافة (ألا ترى) أنه لو قال الثلث الذي أوصيت به لفلان أوصيت به لوارثة فانه يكون رجوعا بخلاف ما لو قال لفلان وفلان وأحدهما ميت لان الميت ليس بمحل بوجه ما فلا يدخل تحت اللفظ (ألا ترى) انه لو قال الثلث الذي أوصيت به فلان فقد أو صيت به لفلان الميت لا يكون رجوعا وإذا أوصى بثلثه لبني فلان فهذا لا يخلو اما أن يكون الاب هو قبيلة مثل تميم وكليب ووائل لا يكون قبيلة بل أب خاص فان كانت قبيلة خاصة دخل

[ 158 ] فيه الذكور والاناث لان المراد بالنسبة والمرأة تقول أنا من بنى فلان كما يقول الرجل لانه لا حقيقة لهذه النسبة وانما ينسب إليها مجازا فيتناول جنس من ينسب إليها حقيقة كان أو مجازا (ألا ترى) أنه لو يدخل فيه الحليف والخليل وإذا كانوا يحصون فان كانوا لا يحصون فهي باطلة لان في القبيلة أغنياء وفقراء والوصية للاغنياء صلة والصلة للمجهول باطلة أما إذا كان فلان أب صلب فان كانوا ذكور دخلوا في الوصية لان لفظ البنين للذكور حقيقة فينصرف إليه ما أمكن وان كن اناثا لا يدخل فيه ذكور واحدة منهن لان اللفظ لا يتناولهن وان كانوا ذكورا واناثا فعند أبي حنيفة وأبي يوسف الوصية للذكور دون الاناث وعند محمد يدخل فيه الذكور والاناث وهو احدى الروايتين عن أبي حنيفة رواه يوسف بن خالد السمين لابي يوسف وأبي حنيفة فعند أبي حنيفة وأبي يوسف ان البنين جمع لابن يقع على الذكور لانه حقيقة (الا ترى) أنهم لو كانوا كلهم اناثا لم يدخلوا في الوصية ومحمد يقول البنين إذا ذكروا مطلقا يقع على الذكور والاناث عند اشتراكهم قال الله تعالى يا بنى آدم ولم يقصر اللفظ على الذكر خاصة لان النسب إلى الجد بمنزلة النسب إلى الاب في الحقيقة لان أكثر الناس ينسب إلى الجد ليعرف دون الاب (ألا ترى) ان ابن أبي ليلي ينسب إلى جده وكذلك أبو نصر بن سلامة ينسب إلى جده لان سلامة جده لا أبوه وإذا كان ينسب إلى الجد صار الحكم أن الصلب والجد سواء ولو أوصى بثلثة لولد فلان وله بنون وبنات كان الثلث بينهم سواء لان الولد اسم الجنس المولود ذكرا كان أو أنثى واحدا كان أو أكثر ولو كانت له امرأة حامل دخل ما في بطنها في الوصية لانه دخل تحت تسمية الولد (ألا ترى) أنه يرث فيدخل تحت الوصية أيضا فان كانت له بنات وبنو ابن فالوصية لبناته دون بنى ابنه لان لفظ الولد يتناول ابنه حقيقة ويتناول أولاد الابن مجازا فمهما أمكن صرفه إلى حقيقته لا يصرف إلى مجازه ولا يدخل أولاد البنات لانهم من قوم آخرين وليسوا من أولاده لان النسب للاباء ولو كان له ولد واحدا ذكر أو أنثى فجميع الوصية له لانه هو المستحق للاسم على الحقيقة فلا يصرف إلى مجازه والولد اسم جنس يتناول الولد الواحد فصاعدا وإذا أوصى لفخذ فلان أو لبطن فلان فالجواب فيه مثل الجواب في قوله لقبيلة فلان يدخل فيه البنون والبنات وهذا إذا كانوا يحصون فأما إذا كانوا لا يحصون فالوصية باطلة لانه للمجهول الا إذا قال لفقرائهم فحينئذ يجوز لان المقصود به التقرب إلى الله تعالى فان كانوا يحصون يدفع إلى جميعهم لانه بمنزلة التسمية لهم وان كانوا

[ 159 ] لا يحصون يجوز أن يدفع إلى بعضهم دون بعض غير أن عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله يجوز صرفه كله إلى فقير واحد وعند محمد لا يجوز الا أن يصرف إلى اثنين لان الوصية أخت الميراث والجمع في باب الميراث اثنان فصاعدا ولهما ان الفقر اسم جنس والجنس يتناول الواحد فصاعدا دل عليه قوله تعالى انما الصدقات للفقراء الاية ولو دفع إلى فقير واحد جاز ولهذا لو قال ان تزوجت النساء فعبدي حر فتزوج امرأة واحدة يعتق * ولو أوصى بثلثه لفلان وفلان أو بني فلان وفلان ثم مات الموصى فالمسألة على ثلاثة أوجه اما أن يموت أحدهما قبل موت الموصى أو بعد موته أو كان ميتا وقت الوصية أما إذا مات بعد موته فانه يكون الثلث بين الحي والميت نصفين ولان الموصى لما مات أولا فقد وجبت الوصية لهما فإذا مات أحدهما صار نصيبه لورثته وان مات أحدهما قبل موته صار نصف الثلث للحي ونصفه مردودا إلى ورثة الموصي لانه مات قبل وجوب الوصية له لان الوصية تملك بعد الموت وقد مات قبل الملك وانما يكون للحي نصف الثلث لان الاضافة اليهما كانت صحيحة وكان لكل واحد منهما نصف الثلث فلا يزاد حقه بموت الاخر فكان لورثة الموصى وأما إذا كان أحدهما ميتا وقت الوصية فان كان الموصى قال بني فلان وفلان فللحي نصف الوصية ولا شئ لورثة الميت لان كلمة بين كلمة تقسيم وتجزئة فصار كانه أوصى لكل واحد منهما بنصف الثلث وإذا بطل نصيب الميت رجع إلى ورثة الموصى ولا يكون للحي الا النصف ولو قال لفلان وفلان وأحدهما ميت فالوصية كلها للحي سواء علم بموته أو لم يعلم ويروى عن أبي يوسف أنه قال ان كان الموصى علم بموته فالثلث كله للحي وان لم يعلم فللحي نصفه لانه إذا لم يعلم بموته كان قصده تمليك نصف الثلث لكل واحد منهما فلا يثبت الا ذلك بخلاف ما إذا علم بموته لانه قصد صلة الحي منهما وجه ظاهر الرواية أنه أضاف الوصية إلى اثنين أحدهما تصلح الاضافة إليه والاخر لا تصلح فبطلت الاضافة إلى من لا تصلح إليه الاضافة وتثبت إلى من تصلح الاضافة (ألا ترى) انه لو قال ثلث مالي لفلان ولهذه الاسراء ولهذه الاسطوانة كان الثلث كله لفلان ولو قال ثلث مالي لفلان ولعقبه فالثلث كله لفلان لان الاضافة إلى العقب فاسدة لان عقبه من يعقبه فإذا كان هو حيا لا يكون له عقب وإذا بطلت الاضافة إلى العقب ثبت ثلث المال إليه ولو قال ثلث مالي لفلان وللمساكين كان نصفه لفلان ونصفه للمساكين عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد ثلثه لفلان وثلثاه للمساكين بناء على ما ذكرنا أن عنده

[ 160 ] المساكين اسم جمع فيتناول الاثنين وعندهما اسم جنس فيقع على الادنى وكذا لو قال ثلث مالي لفلان وللحج كان نصفه للحج لان الوصية للحج وصية لله تعالى فصار كانه أوصى لاثنين وإذا قال حجوا عني حجة وأعتقوا عني نسمة ينفذ من الثلث لان الوصية نفاذها من الثلث فإذا كان لا يسعها ينظر ان كانت الحجة حجة الاسلام بدى بها وان أخره الميت لان حجة الاسلام اقوى من نسمة التطوع ويعلم أن اسقاط الفرض أهم إليه من غيره الا أنه أخره ليقبل قلبه وان كان حجه تطوعا وليس أحدهما باولى من الاخر فيبدأ بما بدأ به الميت لانه أهم عنده هذا إذا أوصى بعتق نسمة منه بغير عينها اما إذا كانت النسبة بعينها فانهما يتحاصان في الثلث لان الوصية بالعتق وصية للعبد إذا كان معينا والوصية بالحج وصية لله تعالى فصار بمنزلة وصيتين مختلفتين فيتحاصان بخلاف ما إذا كانت النسمة بغير عينها لانهما وصيتان لله تعالى وإذا أوصى بالثلث لبنى فلان وهم أربعة فمات منهم اثنان وولد للاب ولد آخر ثم مات الوصي فالثلث لولده يوم يموت الموصى لان الوصية تمليك بعد الموت فانصرف إلى الموجودين بعد الموت (ألا ترى) انه يعتبر ماله يوم الموت لا يوم الوصية وكذا لو قال ثلث مالى لموالى فلان وفلان العربي ثم مات منهم ميت وأعتق فلان منهم عبدا ثم مات الموصى فالثلث لمواليه يوم مات لما ذكرنا ولو كان لفلان موالى أعتقهم وموالى أعتقوه فان لم يكن من العرب ولم يبين لاي الفريقين أوصى فالوصية باطلة لان الموصى له مجهول لان المولى يذكر ويراد به المولى الاسفل ويذكر ويراد به الاعلى ولا يمكن الجمع بينهما لاختلاف المقصود لان المقصود من الوصية للاسفل زيادة انعام ومن الوصية للاعلى الشكر علي النعمة وهما متضادان لا يمكن الجمع بينهما وروى عن أبي حنيفة أن الثلث للمولى الاسفل لان قصده بالوصية البر والناس يقصدون بالبر المولى الاسفل دون الاعلى (ألا ترى) انه لو وقف على مواليه كان للاسفل دون الاعلى كذلك هنا وروى عنه أيضا ان الثلث بين الفريقين نصفان لان الاستحقاق بالاسم وهم في استحقاقه سواء (ألا ترى) انه لو وصى لاخوته وله أخ لاب وأم وأخ لام ان الثلث بينهم لاستحقاق الاسم كذلك هاهنا ولو أوصى بثلث ماله لفلان وله مال فهلك ذلك المال أو لم يكن له مال ثم اكتسب مالا فله ثلث ماله يوم يموت لان الوصية تمليك عند الموت ولان الرجل لا يكون ماله أبدا على حالة واحدة فربما يستفيد وربما يهلك فلما أوصى بثلث ماله مرسلا ولم يقيده صار كانه قال لفلان ثلث مالى الذى

[ 161 ] يكون وقت الموت (ألا ترى) أنه لو ربح في المال ربحا أو زاد في المال شيأ ان له ثلث جميع المال * ولو أوصى له بثلث غنمه فهلكت الغنم قبل موته أو لم يكن له غنم من الاصل فالوصية باطلة وكذا العروض كلها لان الوصية تعلقت به فالهلاك يبطلها وكذلك ان لم يكن موجودا فاستفاد لانه علقه بالعين وأنها غير موجودة وكذا لو قال شاة من غنمي أو قفيز من حنطتي ثم مات وليس له غنم ولا حنطة فالوصية باطلة إذا لم يكن له في الاصل غنم ولا حنطة ومثله لو قال شاة من مالى أو قفيز حنطة من مالى أو ثوب من مالى فالوصية جائزة ويعطى له قيمة شاة لانه أضافها إلى ماله فالمال اسم للجنس يتناول الدراهم والدنانير والعروض ونحوها والشاة ليست من أجزاء هذا المال فعلم أنه أراد قيمة شاة من ماله * ولو أوصي له بشاة ولم يقل من غنمي ولا من مالي فمات وليس له غنم لم تذكر في هذا الكتاب وينبغى أن يعطى له شاة أو قيمة شاة وقد ذكر في السير الكبير مسألة تدل على هذه الحالة قال إذا قال الامام من قتل قتيلا فله جارية من السبى فان كان في السبايا جارية فانه يعطى له وان لم يكن فانه لا يعطى له ولو قال من قتل قتيلا فله جارية ولم يقل من السبي فانه يعطى جارية على كل حال كذلك هنا * ولو أوصى لرجل بثوب ثم قطعه وخاطه قميصا فهذا لا يخلو اما أن يغيره عن جنسه أو يزيد فيه أو ينقصه أما إذا غيره عن جنسه كان رجوعا كما إذا أوصى له بثوب ثم قطعه وخاطه قميصا أو أوصى له بقطن ثم غزله أو بغزل ثم نسجه أو بحديدة ثم صاغ منها اناء أو سيفا أو بفضة ثم صاغ منها خاتما أو غيره كان رجوعا لانه لما غيره عن حاله استدل به أنه أراد الرجوع إذا لو كان من قصده البقاء على الوصية لما كان يغيره عن حاله فالذي أوصى به لم يوجد والذى وجد لم يوص به لانه صار شيأ آخر وأما إذا زاد فيه فان كانت زيادة لها قيمة مثل الثوب إذا صبغه والسويق اذالته بالسمن أو أوصى له بدار وليس فيها بناء فبنى فيها كان ذلك رجوعا لان الموصي له لا يتوصل إليه الا ببذل وقد جعل وصيته بغير بذل فلما لم يتوصل إليه الا ببذل يستدل به أنه أبطل الوصية وأما إذا زاد شيأ يتوصل به إليه بغير بذل كما أوصى بدار ثم جصصها أو طينها فذلك لا يكون رجوعا لان ذلك تحسين وتزيين ويتوصل إليه بغير بذل فلم يكن رجوعا وكان ذلك دليل البقاء على الوصية * وكذلك لو أوصى له بثوب ثم غسله لم يكن رجوعا لانه ليس بزيادة وانما ذلك لازالة الدرن والوسخ وأما إذا نقصه فان كان نقصانا يبقى الغير مع ذلك النقصان لا يكون رجوعا كما إذا أوصى له بثوب ثم قطعه ولم يخطه لان الشئ لم يتغير عن

[ 162 ] حاله لكن انتقص وان كان لا يبقي مع ذلك النقصان كان رجوعا كما إذا أوصى له بشاة ثم ذبحها لان اللحم لا يبقي إلى وقت الموت والانسان وان مرض مرضا شديدا فانه لا ينقضى أجله فلما كان عنده أن اللحم لا يبقى إلى وقت موته فقد قصد الرجوع عن الوصية * ولو أوصى له بقطن ثم حشابه قباء أو ببطانة ثم بطن بها أو بظهارة ثم ظهر بها ثوبا فذلك رجوع لان هذا يعد استهلاكا من طريق الحكم (ألا ترى) أن الغاصب لو فعل هذا انقطع حق المالك فالاستهلاك يدل على الرجوع * ولو أوصى له بعبد أو بثوب ثم باعه ثم اشتراه فبيعه رجوع عن الوصية لانه لما باعه صار بحال لو أوصى به في هذه الحالة لا يصح لانه وصية بملك الغير فكان بيعه دليلا على الرجوع * ولو أوصى لرجل بعبد لا يملكه ان يشترى له ثم تملكه الموصى بهبة أو ميراث أو وصية ثم مات فهو جائز من ثلثه لانه أوصى بشراء ذلك العبد وبدفعه إلى فلان فإذا ملكه بوجه من أسباب الملك دفع بموته الشراء عن الورثة وليس هذا كما إذا قال أوصيت بهذا العبد لفلان والعبد لغيره ثم ملكه أنه لا تنفذ وصيته لانه لو لم يشتر في تلك المسألة لا يجب على الورثة شراؤه فان ذلك بمنزلة هبة عبد الغير ان أجاز صاحبه جاز والا فلا أما في مسئلتنا فلو لم يشتر بنفسه يجب على الورثة شراؤه ان قدروا عليه ودفعه إليه فلما اشترى بنفسه أو ملكه بوجه آخر وجب عليهم نصفين لانه أوصى لكل واحد منهما بجميع العبد الا انه لما تضايق عن حقهما يقضى بينهما لاستوائهما هذا كدار بيعت ولها شفيعان ثبت حق الشفعة لكل واحد منهما علي الكمال الا انه يقضى بينهما الضيق المحل كذلك هنا قال في الاصل انه متى سمى الوصية الاولى وأوصى بها للثاني كان رجوعا عن الوصية الاولى ومتى سمى الوصية به ولم يسم الوصية الاولى لم يكن رجوعا وكان ذلك بينهما * وبيانه إذا أوصى بعبده لرجل ثم قال العبد الذي أوصيت به لفلان أوصيت به لفلان آخر كان رجوعا لانه سمى الوصية الاولى واستأنف الوصية للثاني فكان رجوعا واستئنافا للوصية للثاني وكذلك لو قال العبد الذى أوصيت به لفلان هو لفلان آخر وكذا لو قال العبد الذى أوصيت به لفلان قد أوصيت به فلان آخر لانه سمى الوصية الاولى واستأنف الوصية للثاني بحرف قد لانه للايقاع والابلاغ في الاستئناف فكان رجوعا وكذا لو قال العبد الذى أوصيت به لفلان فقد أوصيت به لفلان آخر ولو قال العبد الذى أوصيت به لفلان وقد أوصيت به لفلان كان بينهما نصفين ولم يكن رجوعا لان الواو للعطف والجمع فقد جمع بينهما في الوصية ولم يستأنف الوصية للثاني أما إذا سمي الموصى

[ 163 ] به ولم يسم الوصية الاولى لم يكن رجوعا ولكن كان بينهما كما إذا أوصى بعبده الرجل ثم أوصي به لاخر لما ذكرنا ولو لم يوص به لاحد ولكنه جحد وصية الاول وقال لم أوص له فهذا رجوع هكذا ذكر هنا في الجامع إذا قال اشهدوا أني لم أوص له لا يكون رجوعا وهذه المسألة علي قياس تلك المسألة ينبغي أن لا يكون رجوعا وبعضهم فرق لاختلاف الوضع أما من جعل في المسألة روايتين فوجه من قال انه رجوع أن الوصية تحتمل الرد والنقص فكان الجحود رجوعا كما إذا جحد الموكل الوكالة كان حجرا على الوكيل والمتبايعين إذا جحدا البيع كان اقالة منهما ووجه الرواية التى لا تكون رجوعا أن الوصية وجوبها بالموت بدليل انه يعتبر القبول والرد بعد الوفاة فإذا قال لم أوص له بشئ فهو صادق في مقالته على معنى انه لم يوجب له الوصية بعد فلا يكون رجوعا ومن فرق لاختلاف الوضع قال هنا جحد الوصية فكان رجوعا وفي الجامع لم يجحد ولكن قال اشهدوا اني لم أوص له بشئ فقد أمر الشهود أن يكذبوا عليه فلا يكون رجوعا والاصح ما ذكره المعلى في نوادره أن على قول أبي يوسف الجحود يكون رجوعا عن الوصية وعلى قول محمد لا يكون رجوعا فما ذكر هنا قول أبي يوسف وما ذكر في الجامع قول محمد. وجه قوله أن الرجوع فسخ ورفع للعقد الثابت وجحود أصل العقد لا يكون تصرفا فيه بالرفع كما ان جحود النكاح من الزوج لا يكون رفعا له بالطلاق. وجه قول أبى يوسف انه بالجحود يبقي العقد في الماضي ومن ضرورته نفى العقد في الحال والثابت بضرورة النص كالثابت بالنص وهو يملك نفى العقد في الحال ان كان لا يملك نفيه في الماضي وبه فارق النكاح لان نفى النكاح من الاصل يقتضى نفى وقوع الطلاق عن المحل الا انه يقتضى ايقاع الطلاق علي المحل في الحال * ولو أوصي له بثلث غنمه أو ابله أو طعامه أو شئ مما يكال أو يوزن من صنف واحد فاستحق الثلثان من ذلك أو هلك وبقى الثلث وله مال كثير يخرج الباقي من ثلثه فللموصي له جميع ما بقى وقال زفر في الاستحقاق كذلك وفي الهلاك للموصى له ثلث ما بقي لانه بالاستحقاق تتبين أنه عند الوصية ما كان يملك الا الثلث وأن تصرفه تناول ذلك الثلث لان وصيته بالعين لا تصح الا باعتبار ملكه في المحل فأما بالهلاك فلا يتبين ان الهالك لم يكن على ملكه وقت الايجاب وانما وجب له الثلث شائعا فما هلك يهلك علي الشركة وما لم يبق يبقى على الشركة ولكنا نقول ان تنفيذ الوصية بعد الموت وعند ذلك محل الوصية هو الباقي في الفصلين

[ 164 ] جميعا فيستحق جميع ما بقى وهذا لان الموصي جعل حاجته في هذه العين مقدمة على حق ورثته بقدر ما سمى للموصي له فكان حق الورثة فيه كالتبع وانما يجعل الهالك من التبع لا من الاصل وهذا بخلاف ما إذا أوصي له بثلث ثلاثة أجناس من المال فاستحق جنسان أو هلك جنسان قبل موت الموصى فان للموصى له ثلث ما بقى لان هناك الموصى له لا يستحق جميع ما بقى بما أوجبه له بحال (ألا ترى) انه لو بقيت الاجناس لم يكن له أن يجبر الورثة على أن يقسم الكل قسمة واحدة فيعطونه أحد الاجناس وفي الجنس الواحد هو مستحق لجميع ما بقى بما أوجبه حتى إذا لم يهلك منه شئ كان له أن يجبر الورثة على القسمة ليأخذ الثلث والباقى هو الثلث * ولو أوصي له بثلث ثلاثة وبثلاثة من الرقيق واستحق البعض أو هلك لم يكن للموصى له الا ثلث الباقي ومن أصحابنا من يقول هو عند أبى حنيفة رحمه الله لانه لا يرى قسمة الجبر في الدور والرقيق فهي عنده كالاجناس المختلفة فما عندهما فينبغي أن يكون للموصى له جميع ما بقى لانها بمنزلة جنس واحد عندهما في أنها تقسم قسمة واحدة والاصح قولهم جميعا لانهما لا يقولان بقسمة لجبر في الدور الا أن يرى القاضى المصلحة في ذلك فلا يكون الموصى له مستحقا للدار الباقية بما أوجب له الموصى وكذلك لا يريان قسمة الجبر في الرقيق الا عند التساوي في المالية ولا يكون ذلك الا نادرا فالتفاوت في بنى آدم كثير في الظاهر فلهذا لا يكون للموصى له الا ثلث ما بقى ولو أوصى لرجل بعبد قيمته خمسمائة ولاخر بثوب قيمته مائة ولاخر بسيف قيمته مائتان وله سوى ذلك ألف درهم أو عروض بقيمة ألف فان الورثة ان لم يجيزوا فلكل واحد منهم ثلاثة ارباع وصيته لان مبلغ الوصايا ثمانمائة درهم وثلث مال الرجل ستمائة فكان الثلث من مبلغ الوصايا بقدر ثلاثة ارباعه فعند عدم الاجازة يبطل من وصية كل واحد منهم الربع فيسلم لصاحب العبد ثلاثة ارباع العبد وقيمته ثلثمائة وخمسة وسبعون ولصاحب الثوب ثلاثة ارباع الثوب وقيمته خمسة وسبعون ولصاحب السيف ثلاثة أرباع السيف وقيمته مائة وخمسون فجملة ما نفذت فيه الوصية ستمائة وحصل للورثة ألف درهم وربع العبد قيمته مائة وخمسة وعشرون وربع الثوب قيمته خمسون ذلك ألف ومائتان فاستقام الثلث والثلثان * ولو أوصى لرجل بسيف قيمته مائة ولاخر بسدس ماله وله خمسمائة درهم سوى السيف كان لصاحب السيف أحذ عشر سهما من اثنى عشر سهما من السيف في قول أبى حنيفة رحمه الله لانه اجتمع في السيف وصيتان وصية بجميعه ووصية بسدسه والقسمة في هذا عند أبى حنيفة

[ 165 ] على طريق المنازعة فخمسة أسداس السيف تسلم لصاحب السيف بلا منازعة وقد استوت منازعتهما في السدس فكان بينهما نصفين وتبين أن سهام السيف صارت على اثنى عشر لحاجتنا إلى سدس ينقسم نصفين وقيمة السيف مائة فكل مائة من الخمسمائة يكون على اثنى عشر أيضا فذلك ستون سهما للموصى له بالسدس سدس ذلك لانه أوصى له بسدس ماله فيستحق به السدس من كل مال وذلك عشرة فتبين أن للموصى له بالسدس أحد عشر سهما عشيرة من الخمسمائة وسهم من السيف ولصاحب السيف أحد عشر فقد بلغت سهام الوصايا اثنين وعشرين وذلك دون الثلث لان سهام المال اثنان وسبعون والسالم للورثة خمسون فكان التخريج مستقيما وفي قول أبي حنيفة ومحمد قسمة السيف بين الموصى لهما على طريق العول فيضرب فيه صاحب السيف بستة وصاحب السدس بسهم فيكون السيف بينهما على سبعة أسهم والخمسمائة الاخرى تجعل كل مائة على سبعة أيضا فذلك خمسة وثلاثون للموصى له بالسدس سدس ذلك وذلك خمسة وخمسة أسداس سهم فقد نفذت الوصية له في هذا القدر من الخمسمائة وفي سهم من السيف وذلك ستة وخمسة أسداس ولصاحب السيف ستة من السيف كلها فذلك اثنا عشر وخمسة اسداس وجملة سهام المال اثنان وأربعون فكانت الوصية بأقل من الثلث فلا حاجة إلى اجازة الورثة ولو كان أوصى مع هذا أيضا بالثلث كان الثلث بينهم يضرب فيه صاحب السدس بسدس خمسمائة وثلث سدس السيف وصاحب السدس بثلث خمسمائة وخمسة أسداس سدس السيف وصاحب السيف بخمسة اسداس السيف الا سدس سدس السيف فما أصاب صاحب السيف كان في السيف وما أصاب صاحب الثلث كان في الدراهم وفيما بقى من السيف وكذلك ما أصاب صاحب السدس في قياس قول أبى حنيفة وهذا لانه اجتمع في السيف ثلاث وصايا وصية بجميعه ووصية بثلثه ووصية بسدسه فتكون القسمة على طريق المنازعة وفي الحاصل تصير سهام السيف على ستة وثلاثين لحاجتنا إلى سدس ينقسم أثلاثا فلصاحب الجميع ثلثاه بلا منازعة أربعة وعشرون وسدس وهو ستة لا منازعة فيه لصاحب السدس فهو بين صاحب الثلث والجميع نصفان لكل واحد منهما ثلاثة وقد استوت منازعتهم في السدس فيكون بينهم ستين أثلاثا لكل واحد منهما سهمان فحصل للموصى له بالسيف بلا منازعة أربعة وعشرون وبالمنازعة خمسة فذلك تسعة وعشرون وهو خمسة أسداس السيف الا سدس سدسه لان كل سدس منه ستة وحصل لصاحب الثلث بالمنازعتين

[ 166 ] خمسة وذلك خمسة أسدس سدس السيف وحصل لصاحب السدس سهمان وهو ثلث سدس السيف كما قال في الكتاب ثم المال الاخر وهو خمسمائة تجعل كل مائة منه على ستة وثلاثين فيصير جملته مائة وثمانين للموصى له بالثلث ثلث ذلك وهو ستون وللموصى له بالسدس سدس ذلك ثلاثون فكان لهما تسعون وظهر ان مبلغ سهام الوصايا مائة وستة وعشرون وهو أكثر من الثلث فالسبيل فيه أن يجعل ثلث المال بينهم على هذه السهام والثلثان ضعف ذلك فجملة المال ثلثمائة وثمانية وسبعون السيف من ذلك سدسه وذلك ثلاثة وستون يأخذ صاحب السيف من ذلك تسعة وعشرين مقدار حقه وصاحب الثلث خمسة وصاحب السدس سهمين ويبقى للورثة من السيف سبعة وعشرون ثم يأخذ صاحب الثلث من سهام الخمسمائة مقدار حقه ستين وصاحب السدس ثلاثين فجملة ما نفذت فيه الوصية لهم مائة وستة وعشرون وحصل للورثة ضعف ذلك مائتان واثنان وخمسون مائتان وخمسة وعشرون من الخمسمائة وسبعة وعشرون من سهام السيف فاستقام الثلث والثلثان ولم يذكر تخريج قولهما في الكتاب وعندهما القمسة على طريق العول فيضرب صاحب السيف في السيف بستة وصاحب الثلث بسهمين وصاحب السدس بسهم فكان السيف بينهم على تسعة وكل مائة من الخمسمائة الباقية تكون على تسعة أيضا فذلك خمسة وأربعون للموصى له بالثلث ثلث ذلك خمسة عشر وللموصى له بالسدس سدس ذلك سبعة ونصف فكان جملة سهام الوصايا أحد وثلاثون ونصف وذلك فوق الثلث فيجعل الثلث بينهم على أحد وثلاثين ونصف والثلثان ضعف ذلك فيكون جملته أربعة وتسعين ونصف السيف من ذلك السدس وذلك خمسة عشر وثلاثة أرباع للموصى له بالسيف ستة كله من السيف وللموصى له بالثلث سهمان وللموصى له بالسدس سهم وبقى للورثة من سهام السيف ستة وثلاث أرباع يأخذ الموصى له بالثلث مما بقى خمسة عشر والموصى له بالسدس سبعة ونصف فإذا جمعت بين ذلك حصل تنفيذ الوصية لهم في أحد وثلاثين ونصف وحصل للورثة ضعف ذلك ثلاثة وستون فاستقام الثلث والثلثان فإذا أردت ازالة الكسر فلا طريق فيه سوى التضعيف * قال رحمه الله وقد خرج شيخنا الامام الحلواني رحمه الله قولهما علي طريق آخر وهو أن السيف لما صار بين الموصي لهم على تسعة باعتبار العول فكل مائة من الخمسمائة الباقية تكون على ستة لانه لا عول في الخمسمائة الباقية فسهام الخمسمائة الباقية اذن وثلاثون للموصى له بالثلث عشرة وللموصي له

[ 167 ] بالسدس خمسة فذلك خمسة عشر فإذا ضممت ذلك إلى سهام السيف تسعة كان أربعة وعشرين فيجعل الثلث بينهم على أربعة وعشرين وجميع المال اثنان وسبعون السيف من ذلك انثا عشر لصاحب السيف ستة ولصاحب الثلث منه سهمان ولصاحب السدس منه سهم يبقى ثلاثة من تسعة للورثة وسهام الخمسمائة ستون للموصى له بالثلث عشرة وللموصى له بالسدس خمسة ويبقى للورثة من ذلك خمسة وأربعون فجملة ما سلم للورثة من المال ثمانية وأربعون وقد نفذت الوصية في أربعة وعشرين فاستقام الثلث * قلت هذا واضح ولكنه غير مستقيم على طريق أهل الحساب لان القسمة الواحدة مع تفاوت مقدار السهام لا تكون فإذا كان السيف وقيمته مائة على تسعة أسهم ثم تجعل كل مائة من الخمسمائة على ستة أسهم بين السهام تفاوت في المقدار فكيف تستقيم قسمة الكل بينهم بهذا الطريق قال هو كذلك ولكن صاحب المذهب نص على هذا الطريق وعليه خرج المسائل إلى آخر الباب تأمل في ذلك تأملته فوجدته كما قال ومن تلك المسائل قال لو أوصى لرجل بالثلث ولاخر بعبد قيمته الف درهم وله ألفا درهم سوى ذلك فان صاحب الثلث يضرب فيه بثلث الالفين وسدس العبد ويضرب صاحب العبد بخمسة أسداس العبد فما أصاب صاحب العبد فهو في العبد وهو النصف وما أصاب الثلث فهو فيما بقى من العبد والمال فيكون له خمس ما بقى من العبد وخمس المال في قول أبى حنيفة لانه اجتمع في العبد وصيتان وصية بجميعه وبثلثه فيسلم ثلثاه لصاحب الجميع بلا منازعة والثلث بينهما نصفان لاستواء منازعتهما فيه وإذا صار العبد على ستة فكل ألف من الالفين كذلك فهما اثنا عشر للموصى له بالثلث أربعة فبلغت سهام الوصايا عشرة فيجعل ذلك ثلث المال وجميع المال ثلاثون العبد من ذلك عشرة هو للموصى له بالعبد خمسة وهى نصف العبد وللموصى له بالثلث خمسة أسهم سهم من العبد وهو خمس ما بقى منه وأربعة أسهم من سهام الالفين وذلك خمس العشرين وحصل للورثة من الالفين ستة عشر سهما ومن العبد أربعة أسهم فاستقام الثلث والثلثان وفي قول أبى حنيفة ومحمد يكون لصاحب الثلث ما بقى من العبد وهو سدس العبد وسدس الالفين وانما يستقيم هذا الجواب عندهما على الطريق الثاني لان الموصى له بالعبد يضرب في العبد بستة والموصى له بالثلث من ذلك بسهمين فسهام العبد ثمانية وكل واحد من الالفين على ستة باعتبار الاصل للموصى له بالثلث من ذلك أربعة فبلغت سهام الوصايا اثنى عشر وذلك الثلث وجميع المال ستة وثلاثون العبد منه اثنا عشر

[ 168 ] للموصي له بالعبد ستة نصف العبد وللموصى له بالثلث من العبد سهمان وهو ثلث ما بقى منه وسدس جميع العبد وله من الالفين أربعة من أربعة وعشرين وهو السدس فاستقام التخريح على هذا الطريق ثم قال في الاصل فأى هذين القولين قلت فهو حسن وهو إشارة إلى أن بين الطريقين في المعنى تفاوتا وبهذا اللفظ يستدل من يزعم أن مذهب المتقدمين من أصحابنا ان كل مجتهد مصيب وليس كما زعموا لانه أراد به أن كل واحد من الطريقين طريق حسن في التخريج عند أهل الحساب لا أن يكون كل واحد من المجتهدين مصيبا للحكم باجتهاده حقيقة ولو أوصى بثلث ماله لرجل وبجميع المال لاخر فان لم تجز الورثة فالثلث بينهما نصفان عند أبى حنيفة رحمه الله وقد بينا هذا وان أجازوا فجميع المال بينهما اسداسا في قول أبى حنيفة على ما رواه أبو يوسف ومحمد باعتبار طريق المنازعة لانه يسلم الثلثان لصاحب الجميع وقد استوت منازعتهما في الثلث فكان بينهما نصفين فحصل لصاحب الجميع خمسة أسداس المال ولصاحب الثلث سدس المال وعندهما القسمة بطريق العول فلصاحب الجميع ثلاثة أرباع المال ولصاحب الثلث ربع المال قال الحسن وهو الصحيح عند أبي حنيفة أيضا على طريق المنازعة لا كما روى أبو يوسف ومحمد رحمهما الله لانه يبدأ بقسمة الثلث بينهما وقد استوت منازعتهما فيه فكان بينهما نصفين ثم يأتي إلى الثلاثين وقد بقي من حق صاحب الثلث السدس فما زاد على ذلك وهو نصف المال يسلم لصاحب الجميع وفي مقدار السدس استوت منازعتهما فكان بينهما نصفين فحصل لصاحب الثلث مرة السدس ومرة نصف السدس فذلك ربع المال والدليل على فساد ما ذهب إليه من تخريج قوله انه يؤدى ذلك إلى أن يكون ما يسلم للموصى له بالثلث عند الاجازة وعدم الاجازة سواء والاجازة كما تؤثر في الزيادة في حق صاحب الجميع فكذلك في حق صاحب الثلث ويؤدى ذلك أيضا إلى أن يكون نصيب صاحب القليل عند عدم الاجازة فوق نصيبه عند الاجازة لانه إذا أوصى لاحدهما بجميع ماله وللاخر بسدس ماله فعند عدم الاجازة الثلث يكون بينهما أثلاثا فيصيب صاحب الثلث تسع المال وعند وجود الاجازة يأخذ صاحب الجميع خمسة أسداس المال بلا منازعة ثم السدس بينهما نصفان فنصيبه نصف سدس المال وذلك دون تسع المال ومن المحال أن يسلم له عند عدم الاجازة أكثر مما يسلم له عند الاجازة فظهر أن تخريج الحسن لقول أبى حنيفة رحمه الله أصح * ولو أوصى لرجل بنصف ماله ولاخر بجميع ماله ولاخر بثلث ماله فأجاز ذلك

[ 169 ] الورثة فالنصف لصاحب الجميع وصاحب النصف نصفان والثلث بينهم أثلاثا في قول أبى حنيفة وفي قول أبى يوسف ومحمد القسمة على طريق العول بينهم على أحد عشر سهما لصاحب الجميع ستة ولصاحب النصف ثلاثة ولصاحب الثلث سهمان وهو قياس ما تقدم * ولو كان له عبدان قيمتها سواء ولا مال له غيرهما فأوصى لرجل بأحدهما بعينه ولاخر بثلث ماله فان الثلث يقسم بينها على سبعة أسهم لصاحب الثلث ثلاثة في العبدين جميعا اثنان في الذى لا وصية فيه للاخر وواحد في الذى فيه الوصية للاخر ولصاحب العبد أربعة أسهم في قول أبى حنيفة لانه اجتمع في العبد الموصى بعينه وصيتان بجميعه وبثلثه فللموصى له بالجميع خمسة اسداس على طريق المنازعة وللموصى له بالثلث سدس والعبد الاخر يصير على ستة أيضا للموصي له بالثلث منه سهمان فكان جملة سهام الوصايا ثمانية الا أن وصية الموصي لله بالعبد زادت على الثلث لان جميع المال اثنا عشر والثلث منه أربعة ووصيته خمسة فما زاد على الثلث تبطل وصيته فيه عند عدم الاجازة ضربا واستحقاقا كما هو أصل أبى حنيفة في الوصية بالعين فيبقى حقه في أربعة وحق صاحب الثلث في ثلاثة سهم منه في العبد الموصى بعينه وسهمان في العبد الاخر فلهذا قال يقسم الثلث بينهما على سبعة وعلى قول أبى يوسف ومحمد الثلث بينهما على خمسة أسهم وهذا انما يستقيم على الطريقة الثانية لهما فان العبد الموصى بعينه يضرب الموصى له بجميعه بثلاثة فيه والموصي له بالثلث بسهم فيكون بيهما على أربعة والعبد الاخر على ثلاثة أسهم لانه لا عول فيه للموصى له بالثلث سهم فحصل له سهمان في العبدين ولصاحبه ثلاثة كلها في العبد الموصى بعينه فلهذا كان الثلث بينهما على خمسة أسهم * ولو أوصى لرجل بعبد وبثلث ماله لاخر وبعبده ذلك أيضا لاخر وبسدس ماله لاخر وقيمة العبد ألف درهم وله ألفان سوى ذلك فان الثلث يقسم بينهم على اثنين وسبعين سهما يضرب فيه صاحبا العبد بأحد وثلاثين سهما وصاحب الثلث بسبعة وعشرين ونصف وصاحب الثلث بثلاثة وعشر ونصف في قول أبى حنيفة لانه اجتمع في العبد أربع وصايا والقسمة عنده على طريق المنازعة فيه فثلثا العبد بين صاحبي العبد نصفان وسدس بينهما وبين صاحب الثلث أثلاثا والسدس الباقي بينهما أرباعا فعند تصحيح هذه السهام ينتهى الحساب إلى اثنين وسبعين سهما لحاجتنا إلى حساب ينقسم سدسه أثلاثا وأرباعا فيسلم للموصى لهما بالعبد الثلثان ثمانية وأربعون والسدس وهو اثنا عشر بينهما وبين صاحب الثلث أثلاثا والسدس الاخر بينهم أرباعا لكل واحد منهم ثلاثة يحصل لكل

[ 170 ] واحد من صاحبي العبد أحد وثلاثون ولصاحب الثلث سبعة ولصاحب السدس ثلاثة ثم صار كل ألف من الالفين على اثنين وسبعين فالالفان مائة وأربعة وأربعون سهما لصاحب الثلث من ذلك الثلث ثمانية وأربعون ولصاحب السدس أربعة وعشرون فإذا جمعت ذلك كله بلغت سهام الوصايا مائة وأربعة وأربعين فهو ثلث المال والثلثان ضعف ذلك فجملة المال أربعمائة واثنان وثلاثون العبد من ذلك مائة وأربعة وأربعون لكل واحد من صاحبي العبد من ذلك مقدار حقه واحد وثلاثون كلها في العبد ولصاحب الثلث من العبد سبعة ومن الالفين ثمانية وأربعون فذلك خمسة وخمسون و لصاحب السدس من العبد ثلاثة ومن الالف أربعة وعشرون وذلك سبعة وعشرون * وفي الكتاب خرجه على النصف من ذلك لانه جوز الكسر بالانصاف وجعل الثلث اثنين وسبعين وحصل لصاحبي العبد أحد وثلاثون لكل واحد منهما خمسة عشر ونصف ولصاحب الثلث سبعة وعشرون ونصف ولصاحب السدس ثلاثة عشر ونصف فاستقام التخريج على ما قلنا * وفي قول أبى يوسف ومحمد الثلث بينهم على أحد وعشرين سهما لان العبد الموصى بعينه يضرب كل واحد منهما فيه بسهام جميعه ستة والموصي له بالثلث يضرب فيه بسهمين والموصي له بالسدس يضرب فيه بسهم فيكون بينهم على خمسة عشر وكل واحد من الالفين يكون على ستة باعتبار الاصل فللموصى له من الالفين الثلث أربعة من اثنى عشر وللموصى له بالسدس سهمان وان ضمنها هذه الستة إلى سهام العبد خمسة عشر كان الكل أحدا وعشرين فلهذا كان الثلث بينهم على أحد وعشرين * ولو أوصى لرجل بعبده ولاخر بنصفه ولاخر بثلث ماله والعبد يساوى ألفا وله ألفان سوى ذلك ولم يجيزوا قسم الثلث بينهم على ثلاثين سهما لصاحب العبد اثنا عشر ونصف في العبد ولصاحب النصف ثلاثة ونصف فيه ولصاحب الثلث أربعة عشر فيما بقى من العبد والمال في قول أبى حنيفة لان نصف العبد يسلم لصاحب العبد بلا منازعة والسدس بينه وبين صاحب النصف نصفان والثلث بينهم أثلاثا فبلغت سهام العبد ستة وثلاثين للموصى له بالعبد مرة ثمانية عشر ومرة ثلاثة ومرة أربعة فذلك خمسة وعشرون وللموصى له بالنصف مرة ثلاثة ومرة أربعة فذلك سبعة وللموصى له بالثلث أربعة ثم كل ألف من الالفين يصير على ستة وثلاثين أيضا فسهام الالفين اثنان وسبعون ولصاحب الثلث ثلث ذلك وهو أربعة وعشرون فبلغت سهام الوصايا ستين فيجعل الثلث بينهم على ذلك والثلثان ضعف ذلك وجملة المال مائة وثمانون * وفي الكتاب خرجه على

[ 171 ] النصف من ذلك فقال يقسم الثلث بينهم على ثلاثين لصاحب العبد اثنا عشر ونصف ما أعطيتاه وهو خمسة وعشرون ولصاحب النصف ثلاثة ونصف نصف ما جعلناه له وهو سبعة كلها في العبد ولصاحب الثلث أربعة عشر نصف ما أعطيناه وهو ثمانية وعشرون وهذه الاربعة عشر له فيما بقى من العبد والمال سدس ذلك في العبد والباقى في المال * قال عيسى رحمه الله هذان الحرفان الاخيران خطأ وانما ينبغى أن يجمع ما بقى من العبد والمال فيقسم ذلك بين الموصى له بالثلث والورثة على أربعة وسبعين سهما فما أصاب أربعة عشر ذلك فهو للموصى له بالثلث وما أصاب ستين سهما فهو للورثة لان الموصى له بالثلث شريك الورثة في التركة فيضرب هو فيما بقى من التركة بسهام حقه والورثة بسهام حقهم وان اعتبرنا الاصل فينبغي أن يكون للموصى له بالثلث مما بقى من العبد سبع حقه لا سدسه لانه كان له من العبد سهمان ومن الالفين اثنا عشر فإذا جمعت الكل كان ماله من العبد سبع حقه * ولو أوصى لرجل بعبد قيمته أكثر من الثلث ولاخر بعد قيمته أقل من الثلث ضرب صاحب الاقل بقيمة عبده وضرب الاخر بمقدار الثلث من قيمة عبده في قول أبى حنيفة وفي قولهما يضرب كل واحد منهما بجميع قيمة عبده وهو بناء على اختلافهم في بطلان الوصية فيما زاد على الثلث عند عدم الاجازة في حق الضرب * ولو أوصى لرجل بمائة درهم بعينها ثم وهبها لاخر وسلمها إليه ثم رجع فيها ومات فالوصية باطلة لانها تعلقت بعين المائة وقد أخرجها عن ملكه بالهبة والتسليم فصار به راجعا والوصية متى بطلت بالرجوع لا تعود الا بالتجديد ولو كان غصبها غاصب ثم رجعت إليه بعينها لم تبطل الوصية لانها باقية على ملك الموصى وان كانت في يد الغاصب واستهلكها الغاصب فقضي عليه بمثلها بطلت الوصية لانها كانت مقصورة على العين فلا يجوز تنفيذها من محل آخر بخلاف ما إذا استهلكها مستهلك بعد موت الموصى لان حق الموصى له تأكد فيها بالموت فيثبت في بدلها وما كان حقه متأكدا فيها قبل موته يبطل بفوات العين ولا يتحول إلى البدل كالموهوب قبل التسليم إذا أتلفه انسان يبطل حق الموهوب له فيه بخلاف ما بعد التسليم ولو كان اشترى بها عبدا فاستحق العبد ورجعت إليه المالية بعينها فالوصية باطلة لانها خرجت عن ملكه فان بدل المستحق مملوك بالقبض فصارت المائة مملوكة لبائع العبد وان استحق العبد ولهذا كان عينا بعد تصرفه فيه بعد الاستحقاق والوصية بعد ما بطلت لا تعود الا بالتجديد والله تعالى أعلم بالصواب

[ 172 ] (باب الوصية في الحج) (قال رحمه الله) وإذا أوصى الرجل أن يحج عنه بمائة درهم وثلثه أقل من مائة فانه يحج عنه بالثلث من حيث يبلغ لان محل الوصية الثلث وللموصى له الوارث المنفعة وهو قصد بهذه الوصية صرف المائة من ماله إلى هذا النوع من القربة فيجب تحصيل مقصوده بحسب الامكان كما لو أوصى أن يتصدق بمائة من ماله وثلثه أقل من مائة يتصدق عنه بقدر الثلث * ولو أوصى أن يحج عنه حجة بمائة درهم وهى ثلثه فاحج الوصي بها فبقى من نفقة الحاج وكسوته واطعامه شئ كان ذلك لورثة الميت لان الحاج عن الغير له أن ينفق على نفسه من ماله في الذهاب والرجوع ولاحق له فيما يفضل من ذلك على ما بينا في المناسك ان الاستئجار على الحج لا يجوز فما يفضل بعد رجوعه فهو من مال الميت وقد فرغ عن وصيته فيكون لورثته فان جامع ففسد حجه فعليه الكفارة ورد ما بقى من النفقة والكسوة ويضمن ما أنفق لانه أذن له في الانفاق بشرط أن يؤدى بسفره حجة صحيحة وقد فوت هذا الشرط بالافساد فعليه رد ما بقي وهو ضامن لما انفق لانه تبين انه اتفق بغير رضى الموصى ثم ذكر ما لو اعتمر قبل الحج أو قرن أو اعتمر عن آخر وقد تقدم بيان هذه الفصول في المناسك ولو أستأجروا رجلا ليحج عنه فحج كان عليه أن يرد ما يفضل في يده من النفقة لان الاستئجار لم يصادف محله فكان باطلا ومنى بطلت الاجارة بقى مجرد الاذن كما في استئجار النخيل لترك الثمار عليها إلى وقت الادراك فعليه أن يرد ما فضل في يده وليس عليه شئ مما أنفق لانه أنفق باذن صحيح وان عجزت النفقة عنه كان عليهم أن يكملوا له نفقة مثله وما لابد منه له وتجزى الحجة عن الميت بمنزلة ما لو أمروه بان يحج عن الميت من غير استئجار * وإذا أوصى أن يحج عنه فالافضل أن يحج من قد حج لانه أقدر على أداء الافعال وأبصر بذلك وهو أبعد عن خلاف العلماء واشتباه الاثار وان حج عنه صرورة جاز عندنا خلافا للشافعي وقد بيناه في المناسك وان أحجوا عنه امرأة فانه يجزيهم ذلك لان الخثعمية حين استأذنت رسول الله في أن تحج عن أبيها أذن لها في ذلك واستحسن ذلك منها فدل على أنه يجوز احجاج المرأة عن الرجل وقد أساؤا في ذلك لنقصان حال النساء في باب الاحرام حتى أن المرأة تلبس المخيط في احرامها ولا ترفع صوتها بالتلبية ولا ترمل في الطواف ولا تسعى في بطن الوادي وتترك طواف الصدر بعذر الحيض ولا ضرورة لهم في احجاجها عن الميت لان فيمن يحج عن الرجال كثرة وان كانت المرأة هي الموصية فأحجوا عنها رجلا أجزأها لان

[ 173 ] الظاهر أن ذلك مجزئ كان مقصودها أو لم يكن مقصودها وإذا أوصى بالحج فانه يحج عنه من بلده لانه لو عزم على الخروج بنفسه للحج كان يخرج من بلده ويتجهز لسفر الحج من بلده فكذلك إذا أوصى به بعد موته فالظاهر ان مقصوده تجهيز من يحج عنه من بلده وان مات في الطريق فان كان خرج للتجارة فانه يحج عنه من بلده أيضا وان خرج هو يريد الحج فمات في الطريق يحج عنه من حيث مات وفي الجامع ذكر القياس والاستحسان في المسألة ففي القياس بحج عنه من بلده وفي الاستحسان وهو قولهما يحج عنه من حيث مات. وجه الاستحسان أنه باشر بعض العمل بنفسه ولم ينقطع ذلك بموته فيبنى عليه كما إذا وصى باتمامه وبيان هذا أن خروجه على قصد الحج قربة وطاعة قال الله تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله الآية ولم ينقطع ذلك بموته لما روى ان النبي عليه السلام قال من مات في طريق الحج كتب له حجة مبرورة في كل سنة وهذا بخلاف ما إذا خرج للتجارة فان سفره ذلك ليس لاداء الحج فلا يصير به مؤديا شيأ من الاعمال وبخلاف ما إذا مات بعد ما أحرم لان احرامه انقطع بالموت ولهذا يخمر وجهه ورأسه ولا يمكن البناء على المنقطع * يوضحه ان في اعتبار هذا الطريق تحصيل مقصوده وفي الاخذ بالقياس تفويت مقصوده لان الذي يحج عنه من بلده ربما يموت فيحتاج إلى أن يحج آخر من بلده أيضا حتى يفنى في ذلك ماله قبل أن يحصل مقصوده وجه قول أبى حنيفة ان عمله قد انقطع بموته ولا بناء على المنقطع كما لو أحرم ثم مات وأوصي أن يحج عنه وبيان هذا من وجهين أحدهما ان النبي عليه السلام قال كل عمل ابن آدم ينقطع بموته الا ثلاثة والخروج للحج ليس من هذه الثلاثة فينقطع بالموت ثم خروجه انما يكون قربة بطريق موصل إلى اداء الحج وقد تبين أن هذا الخروج ما كان يوصله إلى ذلك والدليل عليه انه ظهر بموته ان سفره كان سفر الموت لا سفر الحج لما روى ان النبي عليه السلام قال إذا أراد الله تعالى قبض روح عبد بارض جعل له إليها حاجة فكان هذا في المعنى وخروجه للتجارة سواء ثم هناك يحج عنه من بلده فهنا كذلك وان كان له أوطان مختلفة فمات وهو مسافر وأوصى بالحج عنه فانه يحج عنه من أقرب الاوطان إلى مكة لانه هو المتيقن به وبمطلق اللفظ لا يثبت الا بالتيقن بما هو كامل في نفسه لان الاطلاق يقتضى الكمال فان لم يكون له وطن فمن حيث مات لانه لو تجهز بنفسه للحج انما يتجهز من حيث هو فكذلك إذا أوصي وهذا لان من لا وطن له

[ 174 ] فوطنه حيث حل وان أحجوا عنه من موضع آخر فان كان أقرب إلى مكة فهم ضامنون وان كان بعد فلا ضمان عليهم لان في الاول لم يحصل مقصوده بصفة الكمال والاطلاق يقتضي ذلك وفي الثاني حصلوا مقصوده وزيادة وان أوصى أن يحجوا عنه فأحجوا رجلا فسرقت نفقته في بعض الطريق فرجع عليهم أن يحجوا آخر من ثلث ما بقى في أيديهم من حيث أوصى الميت في قول أبى حنيفة وفي قول أبى يوسف ان بقى من ثلث ماله ما يمكن أن يحج به من حيث أوصى فكذلك الجواب في قول محمد ان لم يبق شئ من ثلث عزل للحج تبطل الوصية وعلى هذا الخلاف لو قال أعتقوا عنى نسمة بمائة درهم فاشتروها فماتت قبل أن تعتق كان عليهم أن يعتقوا من ثلث ما بقى في أيديهم وفي قول محمد بطلت الوصية لان الوصي قائم مقام الموصي والورثة كذلك يقومون مقام المورث في تنفيذ وصيته فكان تعيين الموصى والورثة بعض المال لوصيته كتعيين الموصي ولو عينه بنفسه فهلك ذلك المال بطلت الوصية فكذلك إذا عين ذلك المال لوصيته وقاسم الورثة ثم هلك بطلت الوصية والدليل عليه أن مقاسمة الوصي مع الموصى له على الورثة يصح فلان تصح مقاسمته مع الورثة عن الموصى كان أولى لان الموصى أقامه مقام نفسه باختياره والورثة في تمييز محل الميراث من محل الوصية تصح فأما مقاسمته في تمييز محل الوصية عن البعض لا يجوز فما بقى من الثلث شئ فقد بقى محل الوصية فيجب تنفيذ الوصية باعتبار ما بقى وهو نظير مقاسمة الوصي عن الصغير مع الكبير تصح ومقاسمته بين الصغار لتمييز نصيب بعضهم عن بعض لا تصح وأبو حنيفة يقول مقصود الموصى لم يكن المقاسمة وانما كان لتحصيل القرية له بالعتق ويجعل الهالك على التركة كان لم يكن فتنفذ الوصية في هذه القسمة من ثلث ما بقى وفيه جواب عما قاله محمد رحمه الله ان الوصي انما يقوم مقام الموصى فما فيه تحصيل مقصوده خاصة وهذا بخلاف مقاسمته مع الموصي له لان فيه تحصيل مقصوده فان مقصوده تنفيذ الوصية وفي هذه المسألة تنفيذ الوصية وهذه المسألة في الحقيقة نظير الاولى في المعنى فان السفر كان مقصودة فيدور مع ذلك المقصود جعل ذلك أبو حنيفة وجوده كعدمه وهاهنا التعيين والقسمة لمقصود فإذا لم يحصل ذلك المقصود كان وجود القسمة كعدمها ولو كان الموصي له بالثلث غائبا فقاسم الموصي الورثة على الموصى له لم تجز عليه حتى إذا هلك في يده ما عزله للموصى له

[ 175 ] كان له أن يرجع على الورثة بثلث ما أخذوه بخلاف ما إذا قاسم على الورثة مع الموصى له لان الورثة يخلفون المورث في العين يبقى لهم الملك الذى كان للمورث ولهذا يرد الوارث بالعيب ويصير مغرورا فيما اشتراه مورثه والوصى قائم مقام الموصى فيكون قائما مقام من يخلفه في ملكه وأما الموصى له فيثبت الملك له بايجاب مبتدأ حتى لا يرد بالعيب ولا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصى فلا يقوم الموصى مقامه في تعيين محل حقه ولكن ما هلك مما عزله يهلك على الشركة وما بقى يبقى على الشركة والعزل انما يصح بشرط أن يسلم المعزول للموصى له وأذا أوصى أن يحجوا عنه وارثا لم يجز الا أن يجيزه الورثة لان فيه ايثاره بشئ من ماله لنفقته على نفسه وكما انه لا يجوز ايثاره بشئ من المال تمليكا منه بدون اجازة الورثة فكذلك اباحته له لنفقته على نفسه * ولو أوصي بان يحج عنه بمائة درهم وأوصى بما بقى من ثلثة لفلان وأوصى بالثلث من ماله لاخر والثلث بمائة درهم فنصف الثلث للحج ونصفه لصاحب الثلث لاستواء الوصيتين في القوة والمقدار ولا شئ لصاحب ما بقى لانه لم يبق من الثلث شئ والايجاب بهذا اللفظ يتناول ما بقى وإذا لم يبق من الثلث شئ بطل الايجاب لانعدام المحل وهو بمنزلة العصبة مع أصحاب الفرائض فان للعصبة ما بقى بعد حق أصحاب الفرائض وإذا لم يبق شئ لم يكن له شئ بقول فان مات الموصى له بالثلث قبل موت الموصى فما بقى من الثلث للموصى له بما بقى لان وصية الموصى له بالثلث بطلت بموته قبل موت الموصى فكأنها لم تكن ولكن لا يصح هذا الجواب علي ما وضعه عليه في الابتداء ان الثلث مائة درهم لانه أوصى أن يحج عنه بمائة فيجب تنفيذ هذه الوصية أولا ثم لا يبقى من الثلث شئ لان ذلك لا يكون له بما بقى الا أن يكون الثلث أكثر من مائة فحينئذ يحج عنه بالمائة والفضل للموصى له بما بقى وإذا كانت الوصايا لله تعالى لا يسعها الثلث مثل الحجة والنسمة والبدنة بدئ بالذى بدأ به ما خلا حجة الاسلام أو الزكاة أو شيأ واجبا عليه فانه يبدأ بالواجب وان كان الميت أخره استحسن ذلك ودع القياس فيه وقد تقدم في ترتيب الوصايا من البيان ما هو كاف والله أعلم بالصواب (باب الوصية للوارث والاجنبي والقاتل) (قال رحمه الله) قد بينا أن الوصية للوارث لا تجوز بدون اجازة الورثة لقوله عليه السلام لا وصية لوارث إلى أن يجيزه الورثة فان أوصى لبعض ورثته ولاجنبي جازت حصة

[ 176 ] الأجنبي وبطلت حصة الوارث لان الايجاب تناولها بدليل ان عند اجازة الورثة ثم الاستحقاق لهما فبطلانه في حصة الوارث بعدم الاجازة لا يبطل حصة الاجنبي ولا يزيد في نصيبه بخلاف الوصية لحى وميت فالايجاب في حق الميت غير صحيح أصلا وهذا بخلاف الاقرار لوارثه ولاجنبي لان الاقرار اخبار عن واجب سابق وقد أقر بالمال مشتركا بينهما ولا يمكن اثباته بهذه الصفة لما فيه من منفعة الوارث والوصية ايجاب مبتدأ وانما يتناول ايجابه نصف الثلث في حق كل واحد منهما فأمكن تصحيحه في نصيب الاجنبي كما أوجبه الموصى له وعلى هذا الوصية للقاتل وللاجنبي مع الاقرار لهما لان صفة القتل في المنع عن الوصية والاقرار كصفة الوراثة على ما نبينه ولو أوصى له بشئ وهو وارث يوم أوصي ثم صار غير وارث أو كان غير وارث يوم الوصية ثم صار وارثا ومات الموصي انما ينظر إلى يوم يموت الموصى فان كان الموصى له وارثة لم تجز الوصية وان لم يكن وارثه جازت الوصية لان الوصية عقد مضاف إلى ما بعد الموت وانما تحقق الوجوب له عند الموت ولان المانع صفة الوراثة ولا يعرف ذلك الا عند الموت لان صفة الوراثة لا تكون الا بعد بقاء الوارث حيا بعد موت المورث وكذلك الهبة في المرض والكفالة فان ذلك في حكم الوصية حتى تعتبر من الثلث في حق الاجنبي ولا يصح للوارث أصلا وقد بينا الفرق بين هذا وبين الاقرار في كتاب الاقرار ان هناك ان صار وارثا بسبب تجدد الاقرار كان الاقرار صحيحا وان ورثه بسبب كان قائما وقت الاقرار لم يصح الاقرار * وإذا أوصى لمكاتب وارثة أو لعبد وارثة فهو باطل من أجل أن ذلك ينتفع به الوارث فان المولى يملك كسب عبده وله حق الملك في كسب مكاتبة * ولو أوصى لمكاتبه وقد كاتبه في مرضه أو في صحته جازت الوصية لانه ليس في هذا منفعة لبعض الورثة دون البعض فانه ان اعتق فالوصية سالمة له وهو أجنبي وان عجز فرقبته وكسبه يكون ميراثا بين جميع الورثة قال وبلغنا عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه انه لم يجعل للقاتل ميراثا وعن عمر رضى الله عنه مثله وعن عبيدة السلمانى رضى الله عنه قال لا يورث قاتل بعد صاحب البقرة والوصية عندنا بمنزلة ذلك ولا وصية لقاتل أما الكلام في نفي الارث للقاتل فقد بيناه في الديات وأما الوصية للقاتل فلا تصح عندنا سواء أوصى له قبل الجراحة أو بعدها وقال مالك تصح الوصية له في الوجهين وقال الشافعي ان أوصى له قبل أن يجرحه بطلت الوصية بقتله اياه وان أوصى بعد ما جرحه صحت الوصية وجه قول مالك ان هذا تمليك المال بالعقد فالقتل

[ 177 ] لا يبطله كالتمليك بالبيع والهبة وبان كان يبطل الارث لا يستدل على انه يبطل الوصية كالرق واختلاف الدين فانه ينفى التوريث ولا يمنع الوصية والفرق للشافعي من وجهين أحدهما انه ان كان الجرح بعد الوصية فالظاهر أن الموصى نادم على وصيته راجع عنها وإذا كانت الوصية بعد الجرح فلم يوجد بعد الوصية ما يدل على الرجوع عنها بل الظاهر انه قصد الانتداب إلى ما ندب إليه وهو مقابلة السيئة بالاحسان والثانى انه إذا جرحه بعد الوصية فالموصى له قصد الاستعجال بفعل محظور فيعاقب بالحرمان كالميراث فأما إذا أوصى له بعد الجراحة فلم يتوهم قصد الاستعجال في تلك الجراحة ولا بعد الوصية فبقيت الوصية على حالها وجه قولنا ظاهر قوله عليه السلام ليس للقاتل شئ ويدخل الوصية والميراث جميعا في عموم هذا اللفظ وقال ولا وصية لقاتل ولان الملك بالوصية يثبت بعد الموت فيكون معتبرا بالملك الثابت بالميراث ولا فرق بينهما في المعنى لان بطلان الوصية للوارث لدفع المغايظة عن سائر الورثة وبطلان الوصية للقاتل لهذا المعنى أيضا فانه يغيظهم أن يقاسمهم قاتل أبيهم تركة أبيهم بسبب الارث أو بسبب الوصية وفي هذا المعنى لا فرق بين أن تتقدم الوصية على الجرح أو تتأخر عنه وبه فارق الرق والكفر فان الحرمان بهما لانعدام الاهلية للولاية لا لدفع المغايظة عن سائر الورثة ولا معتبر بالاهلية للولاية في الوصية وبخلاف سائر عقود التمليكات لانها لا تشابه الارث صورة ولا معنى وكذلك لو كان القاتل وارثا فأوصى لله له لم تجز الوصية وهذا تجوز في العبارة فان القاتل لا يكون وارثا وان كان وارثا كالصبي والمعتوه والوصية لمثل هذا القاتل تصح ثم الوجه فيه انه اجتمع فيه وصفان كل واحد منهما بانفراده يجزئ الوصية فاجتماعهما أولى فان أجازت الورثة الوصية للقاتل جازت في قول أبى حنيفة ومحمد ولم تجز في قول أبى يوسف ذكر قوله في الزيادات لان الوصية أخت الميراث ولا ميراث للقاتل وان أوصى به الورثة فكذلك الوصية وهذا لان الحرمان كان بطريق العقوبة حقا للشرع فلا يتغير ذلك بوجود الرضى من الورثة والدليل عليه انه لو أوصى لحربي في دار الحرب لم تجز الوصية لتباين الدارين وان أجازت الورثة وانما امتنعت الوصية للحربى لكونه محاربا حكما والقاتل محارب له حقيقة فلان لا تنفذ الوصية له باجازة الورثة كان أولى وجه قولهما ان الوصية للقاتل أقرب إلى الجواز من الوصية للوارث لان الامر في نفس الوصية للوارث مشهور وفي نفس الوصية للقاتل مسبور و العلماء اتفقوا على أن لا وصية للوارث واختلفوا في جواز الوصية للقاتل ثم باجازة الورثة تنفيذ الوصية

[ 178 ] للوارث فكذلك للقاتل والمعنى فيهما واحد و هو ان المغايظة تنعدم عند وجود الرضى من الوراث بالاجازة في الموضعين جميعا بخلاف ميراث القاتل فان ثبوت الملك بالميراث بطريق الحكم حتى لا يتوقف على القبول ولا يرتد بالرد والاجازة انما تعمل فيما يعتمد القبول ويرتد بالرد وبخلاف الوصية للحربى في دار الحرب لان بطلانها لا نعدام الاهلية في جانب الموصى له فان من في دار الحرب في حق من هو في دار الاسلام كالميت ولهذا تنقطع العصمة بتباين الدارين حقيقة وحكما والميت لا يكون أهلا للوصية له ولا تأثير للاجازة في اثبات الاهلية لمن ليس باهل وكذلك الوصية لعبد القاتل أو لمكاتبة فانها كالوصية للقاتل لما يثبت له من حقيقة الملك أو حق الملك في الموصى به وقال في الاصل إذا كانت الوصية لمولاه أو لعبده أبطلناها وقال الحاكم تأويله عندنا إذا كان المولى هو القاتل فأوصى له أو لعبده فأما إذا كان العبد هو القاتل فالوصية لمولاه وصية صحيحة (ألا ترى) ان عبد الوارث إذا قتل المورث لا يحرم المولي ميراثه وهذا لانه لاحق للعبد في ملك مولاه وليس في حق المولى ما يحرمه الارث والوصية لابن القاتل وأبويه وغيرهم من قرابته جائزة وكذلك لماليك؟ هؤلاء من عبيدهم ومكاتبيهم ومدبريهم وأمهات أولادهم على قياس الارث فان ابن القاتل وأبويه يرثون المقتول وان لم يرثه القاتل وهذا لانه ليس للقاتل في ملك هؤلاء حق الملك ولا حقيقة الملك وإذا أقر لقاتله بدين فان كان مريضا صاحب فراش حتى مات لم يجز وان كان يذهب ويجئ فهو جائز لان الجرح وان كان سبب الهلاك ولكن لا يصير به في حكم المريض ما لم يصر صاحب فراش فان المريض انما يباين الصحيح بهذا لان الانسان لا يخلو عن نوع مرض وان كان صحيحا فإذا لم يصر صاحب فرش كان هو في حكم الصحيح وإذا كان صاحب فراش فهو مريض وان تكلف لمشيه إلى بعض حوائجه وكذلك الهبة إذا قبضها للقاتل وهو مريض فان تصرف المريض كالمضاف إلى ما بعد الموت فأما إذا كان يذهب ويجئ فهو صحيح ينفذ تصرفه في الحال مع القاتل كما ينفذ مع غيره وهكذا الجواب في الاقرار للوارث والهبة له وإذا ضربت المرأة الرجل بحديدة أو بغير حديدة فأوصى لها ثم تزوجها فلا ميراث لها ولا وصية وانما لها مقدار صداق مثلها من المسمى وما زاد على ذلك في معنى الوصية فيبطل بالقتل ولو اشترك عشرة في قتل رجل أحدهم عبده وأوصى لبعضهم بعد الجناية وأعتق عبده فالوصية باطلة لان كل واحد منهم قاتل له على الكمال (ألا ترى) انه يلزمهم القصاص إذا كان عمدا

[ 179 ] والكفارة إذا كان خطأ كما لو تفرد به وان كل واحد منهم يحرم عن الميراث فكذلك الوصية الا أن العتق بعد ما تعذر لا يمكن رده فيكون الرد بايجاب السعاية عليه في قيمته والعفو على القاتل في دم العمد جائز لان الواجب القصاص والقصاص ليس بمال (ألا ترى) ان متلفه بالشهادة باطلة والاكراه على العفو لا يكون ضامنا وانه لا يعتبر من الثلث بحال فيكون صحيحا للقاتل وجعل العفو في الانتهاء بمنزلة الاذن في الابتداء أو أقوى منه ولو كان خطأ فعفا عنه كان هذا منه وصية لعاقلته فيجوز من الثلث لان الواجب في الخطأ الدية على العاقلة وهو مال قلنا أصل الوجوب على القاتل والعاقلة يتحملون عنه فتكون هذه وصية للقاتل قلنا باعتبار المال الوصية تكون للعاقلة وهم المنتفعون بهذه الوصية فان قيل جزؤ من الدية على القاتل ففي ذلك الجزء الوصية منه تكون للقاتل قلنا نعم ولكن تتعذر الوصية في ذلك الجزء لان كل جزء من بدل النفس يتقرر وجوبه على القاتل ففي ذلك الجزء الوصية تتحمله العاقلة كما لو اشترك ألف نفس قتل رجل فالجزء الواجب على كل واحد منهم مع قتله يتحمله العاقلة وكذلك ان كان القاتل عبدا لان الوصية بالعفو تقع لمولاه فان موجب جناية العبد على المولى وهو الذى يخاطب بدفعه أو فدائه (ألا ترى) ان بمد عتق العبد لا يطالب بشئ وإذا أوصي لعبده بثلث ماله صحت الوصية لان رقبته من جملة ماله فيكون موصيا له بجزء منها فان قتله العبد فوصيته باطلة غير انه يعتق ويسعى في قيمته لانه تعذر رد العتق فيكون الرد بايجاب السعاية وعلى هذا المدبر إذا قتل مولاه عمدا أو خطأ فعليه أن يسعى في قيمته لرد الوصية وعليه في العمد القصاص فان كان المقتول وليان فعفى أحدهما عنه انقلب نصيب الاخر مالا فعليه أن يسعى في نصف قيمته للاخر لانها انما صارت مالا بعد ما عتق وصار أحق بمكاسبه الا أن الواجب بسبب جناية كانت منه في حال رقه فيكون الوجوب عليه من القيمة دون الدية بخلاف ما إذا قتل مولاه خطأ لانه حين وجب المال بسب الجناية كان المولي أحق بكسبه وموجب جنايته على غيره يكون على المولى فلا يجب بجنايته على مولاه شئ من ذلك لانه لو وجب وجب على نفسه وأم الولد إذا قتلت سيدها خطأ فليس عليها سعاية في شئ لان عتقها ليس بوصية وموجب جنايتها على غير المولى يكون على المولي فلا يلزمه بالجناية على مولاها خطأ شئ وان قتلته عمدا وليس لها منه ولد كان عليها القصاص فان عفى أحد الوارثين سعت للاخر في نصف قيمتها لان نصيب الاخر انما انقلب مالا يعد ما عتقت وصارت أحق بكسبها وان كان لها منه

[ 180 ] ولد بطل عنها القصاص لصيرورة جزء منه لولدها وعليها أن تسعى في قيمتها لان القصاص انما انقلب مالا بعد موت المولى حين ورث ولدها جزأ منه وإذا أوصى لقاتله بالثلث وأجاز ذلك الورثة بعد موته جاز وان اجازته قبل موته فهو باطل بمنزلة الوصية للوارث وقد تقدم بيانه ولو أوصى لرجل بوصية فقامت البينة عليه انه قاتل وصدقهم بذلك بعض الورثة وكذبهم بعضهم فانه يبرأ من حصة الذين كذبوا من الدية وتجوز وصيته في حصتهم من الثلث ويلزمه حصة الذين صدقوا من الدين وتبطل وصيته في حصتهم من الثلث لان في حق كل فريق يجعل كأن الفريق الاخر في مثل حالة إذ لا ولاية لبعضهم على البعض وإذا قامت عليه بينة بالقتل وأبرأه الميت فابراؤه عفو منه فيصح من الثلث ان كان القتل خطأ ولا وصية له بعد ذلك لان القتل ثبت عليه بالبينة فان في حق الذين كذبوهم حتى لو كذب الورثة الشهود جازت الوصية له بعد وإذا جرح الرجل في مرضه جراحة عمدا أو خطأ فقال المجروح لم يجر حنى؟ فلان ثم مات من ذلك كان القول قوله ولا سبيل للورثة على القاتل لانهم يخلفونه وبعد ما قال لم يجر حنى لا سبيل له عليه في دعوى القتل فكذلك لورثته وان أقام ورثته البينة على القتل لم تقبل بينتهم لان قبول البينة ينبنى على صحة الدعوى منهم وبعد قول المجروح لم يجر حنى فلان لا يصح كما لا يصح الدعوى منه قبل موته بخلاف ما إذا قال لاجراحة لى قبل فلان ثم ادعى عليه القتل وأثبته بالبينه جازت لانه نفى موجب الجرح ودعواه موجب النفس لا تنافى ما أبقاه من موجب الجرح وفي الاول نفى أصل الجرح ومن ضرورته نفى القتل إذ القتل بدون الجرح لا تصور له أما ظاهرا أو باطنا وإذا أوصى الرجل لرجلين بوصية وأقام كل واحد من ورثته البينة على أحد الموصى لهما انه قتل صاحبهما خطأ كان على كل واحد منهما خمسة آلاف للذي أقام عليه البينة ولا وصية له في حصة الذي أقام عليه البينة بالقتل وتجوز له الوصية في حصة الاخر بالحساب لان كل واحد منهما يثبت الحق على المشهود عليه لنفسه ولصاحبه وصاحبه مكذب لشهوده فيخرج كل واحد منهما من ان يكون قاتلا في حق من كذب المشهود عليه ويبقى قاتلا في حق الاخر في حكم الدية والوصية جميعا واذ أوصى الرجل لرجلين لكل واحد منهما بالثلث وأوصى لاخر بعبد فشهد الموصى لهما بالثلث على الموصى له بالعبد انه قاتل فشهادتهما باطلة لانهما يجزآن الثلث إلى أنفسهما ويسقطان مزاحمة الموصى له بالعبد معهما في الثلث ويلزمه الدية أيضا ولهما من ذلك الثلث فكانا شاهدين لا نفسهما والموصى له بالثلث شريك الوارث

[ 181 ] في التركة فهذه الشهادة لا تقبل من الورثة للتهمة فكذلك من الموصى له وكذلك لو شهدا على وارث أو على أجنبي انه قتله خطأ لان المعنى في الكل سواء وإذا أعتق الرجل في مرضه صبيا صغيرا لا مال له غيره ثم قتل الصبى مولاه عمدا فعليه أن يسعى في قيمتين يدفع له من ذلك الثلث وصية له ويسعى فيما بقى لان الصبي لا يحرم الارث بسبب القتل فكذلك لا يحرم الوصية ومحل الوصية الثلث فيلزمه السعاية فيما زاد على الثلث والمعتق في المرض ما دام عليه شئ من السعاية فهو بمنزلة المكاتب فلهذا ألزمه السعاية في قيمته بسبب الجناية وفي قيمته بسبب العتق في المرض بعد أن يسلم له من ذلك الثلث ولو كان كبيرا فقتل مولاه خطأ سعى في قيمتين للورثة ولا وصية له لانه قاتل وهذا أقوى وهذا كله قول أبى حنيفة رحمه الله فأما عندهم عليه السعاية في قيمته لرد الوصية والدية على العاقلة لان المستسعى حر عندهما ولو قتل غيره مولاه خطأ كانت الدية على عاقلته وكذلك إذا قتل مولاه وعند أبى حنيفة هو بمنزلة المكاتب فعليه السعاية في قيمته لاجل الجناية وكذلك قولهما في الصبى أن الدية تجب على عاقلته كما لو قتل غيره مولاه لانه حرفان كان عليه السعاية لم يحسب له قيمته من الثلث بطريق الوصية لان الصبي لا يحرم الوصية وان كان قاتلا والله أعلم (باب الوصية بالغلة والخدمة) (قال رحمه الله) والوصية بخدمة العبد أو غلته أو سكنى الدار وغلتها تجوز عندنا وعلى قول ابن أبى ليلى لا يجوز شئ من ذلك موقتا ولا غير موقت لان الموصى يملك له بايجابه وذلك لا يصح منه فيما ليس بمملوك له والمنفعة والغلة التى تحدث بعد موته ليس بمملوكة له وبايجابه لا يتناول المنفعة والغلة التى تحدث في حال حياته فيبطل وصيته بها ولكنا نقول المنفعة تحتمل التمليك ببدل وبغير بدل في حال الحياة فيجعل التمليك بعد الموت أيضا وهذا لان الموصى تبقي العين على ملكه حتى يجعله مشغولا بتصرفه موقوفا على حاجته فانما يحدث المنفعة على ملكه فإذا ثبت هذا في المنفعة فكذلك في الغلة لانها بدل المنفعة والوصية بخلاف الميراث فالارث لا يجرى في الخدمة بدون الرقبة لان الوراثة خلافة وتفسيره أن يقوم الوارث مقام المورث فيما كان ملكا للمورث وهذا لا يتصور الا فيما يبقى وقتين والمنفعة لا تبقي وقتين فاما الوصية ايجاب ملك بالعقد بمنزلة الاجارة والاعارة فيما أبقي فان أوصى بخدمة عبده سنة

[ 182 ] وليس له مال غيره فان العبد يخدم الورثة يومين والموصى له يوما حتى يستكمل الموصى له سنة لان الوصية لا تنفذ في أكثر من الثلث وفي زمان الخدمة تكون بد الورثة مقصورة عن العبد فلا يمكن قصر يدهم عن جميع المال بسبب الوصية والعبد لا يحتمل القسمة في نفسه فتكون القسمة بطريق المهاياة في الخدمة وحق الورثة في سهمين وحق الموصى له في سهم فيخدمهم يومين والموصى له يوما حتى يستكمل الموصى له سنة وصارت الوصية بالخدمة ما لم يستوف الموصى له كمال حقه بمنزلة الوصية بالرقبة ولو أوصى بسكنى دار سنة ولا مال له غيرها فانه يسكن ثلثها سنة ويسكن الورثة الثلثين لان الدار يمكن قسمتها بالاجزاء وهذا النوع من القسمة أقرب إلى المعادلة لان كل واحد منهما يستوفى نصبيه من السكنى في الوقت الذى يستوفيه صاحبه بخلاف ما إذا تهايأ عن الزمان فان هناك يسبق أحدهما بالاستيفاء فلا يصار إليه الا عند تعذر قسمة السكنى بالاجزاء ولكن ليس للورثة أن يبيعوا ما في أيديهم من ثلثى الدار الا في رواية عن أبى يوسف يقول ان ذلك حقهم على الخلوص فينفذ بيعهم فيه ولكنا نقول حق الموصى له بالسكنى ثابت في سكنى جميعها بدليل أنه لو ظهر للميت مال آخر تخرج الدارمن ثلثه كان هو أحق بسكنى جميعها ولو خرب ما في يده من الدار كان له ان يزاحم الورثة فيما في أيديهم وفي البيع ابطال حقه فكانوا ممنوعين من ذلك ولو أوصي له بغلة عبده سنة وليس له مال غيره كان له ثلث غلته تلك السنة لان الغلة عين مال محتمل القسمة فانما تنفذ الوصية في مقدار الثلث من الغلة في سنة واحدة بخلاف الخدمة فانها لا تحتمل القسمة بالاجزاء فللموصى له أن يستوفى الخدمة بطريق المهايأة إلى أن يكون ما يستوفيه خدمة سنة كاملة كما أوصى لزيد وكذلك ان أوصي له به وكذلك ان أوصي له بغلة داره فهذا وغلة العبد سواء لان الغلة في الموضعين جميعا تحتمل القسمة فلا يسلم للموصى له الا ثلث الغلة في سنة واحدة وأن أراد الموصى له قسمة الدار بينه وبين الورثة ليكون هو الذى يستغل ثلثها لم يكن له ذلك الا في رواية عن أبى يوسف فانه يقول الموصى بمنزلة الشريك فيما يجب تنفيذ الوصية فيه فكما ان للشريك أن يطالب بالقسمة ليكون هو الذى يستغل نصيبه فكذلك الموصى له بالغلة هاهنا ولكنا نقول القسمة تبني على ثبوت حق الموصي له فيما تلاقيه القسمة ولاحق له في عين الدار انما حقه في الغلة وقسمة الدار لا تكون قسمة للغلة فلا يكون له أن يطالب بها وليس للموصى له بسكنى الدار وخدمة العبد أن يؤاجرهما عندنا وقال الشافعي

[ 183 ] له ذلك لان تمليك المنفعة بعقد مضاف إلى ما بعد الموت كتمليك المنفعة في حال الحياة ولو تملك المنفعة بالاستئجار في حال الحياة ملك الاجارة من غيره فكذلك إذا تملك المنفعة بالوصية بعد الموت وهذا لان المنفعة معتبرة بالعين والعين سواء تملكها ببدل أو بغير بدل تملك الاعتياض عنه مع غيره فكذلك المنفعة بخلاف المستعير فانه لا يتملك المنفعة عندي ولكن الاعارة في حكم الاباحة ولهذا قلت المستعير لا يعير من غيره والدليل على الفرق ان الاعارة لا يتعلق بها اللزوم والوصية بالمنفعة يتعلق بها اللزوم كالوصية بالعين وحجتنا في ذلك أن الموصى له بملك المنفعة يتعلق بها اللزوم كالوصية بالعين وحجتنا في ذلك أن الموصى له ملك المنفعة بغير عوض فلا يملك تمليكها من الغير بعوض كالمستعير وهذا لان المستعير مالك للمنفعة فان التملك في حال الحياة أقرب إلى الجواز منه بعد الموت وإذا كانت المنفعة تحتمل التمليك بعد الموت بغير عوض فلان تحتمل ذلك في حال الحياة أولى وتصح بلفظ التمليك حتى لو قال ملكتك منفعة هذه الدار كانت عارية صحيحة وانما لا يتعلق بهذا اللفظ اللزوم لكونها متعرية عن البدل وكذلك الوصية الا أن غير الموصى لا يتمكن من الرجوع بعد موت الموصى والموصى ماتت فلا يتصور رجوعه فيه وهذا لان المنفعة ليست بمال وفي تمليكها بمال احداث معنى المالية فيها فانما تثبت هذه الولاية فيها لمن يملكها تبعا لملك الرقبة أو لمن يملكها بعقد المعاوضة حتى يكون مملكا لها بالصفة التى تملكها فأما إذا تملكها مقصودة بغير عوض ثم ملكها بعوض كان مملكا أكثر مما يملك معنى وليس له أن يخرج العبد من الكوفة الا أن يكون الموصى له وأهله في غير الكوفة فيخرجه إلى أهله للخدمة هنالك إذا كان يخرج من الثلث لان الوصية تنفذ على ما يعرف من مقصود الموصى فإذا كان الموصى وأهله في موضع آخر عرفنا أن المقصود له أن يحمل العبد إلى أهله ليخدمهم وإذا كانوا في بصرة فمقصوده إلى تمكنه من خدمة العبد من غير ان يلزمه مشقة السفر فلا يكون له أن يخرجه من بلدته وقد بينا هذه المسألة في كتاب الصلح وما فيها من اختلاف الروايات ولو أوصى له بخدمة عبده وللاخر برقبته وهو يخرج من الثلث فالرقبة لصاحب الرقبة والخدمة كلها لصاحب الخدمة لانه أوجب لكل واحد منهما شيأ معلوما وما أوجبه لكل واحد منهما يحتمل الوصية بانفراده فيعطف؟ احدى الوصيتين على الاخرى لا يتحقق بينهما مشاركة فيما أوجبه لكل واحد منهما ثم لما صحت الوصية لصاحب الخدمة فلو لم يوص في الرقبة بشئ لصارت الرقبة ميراثا للورثة مع كون الخدمة للموصى له فكذلك إذا أوصي بالرقبة

[ 184 ] لانسان آخر لان الوصية قياس الميراث من حيث ان الملك يثبت بها بعد الموت (ألا ترى) أنه لو أوصى بأمة رجل وبما في بطنها لاخر وهو يخرج من الثلث كان ذلك كما أوصى ولا شئ لصاحب الامة في الولد ولو أوصى لرجل بخاتم ولاخر بفصه كان كما أوصى ولا شئ لصاحب الخاتم من الفص ولو قال هذه القوصرة لفلان وما فيها من التمر؟ لفلان كان كما أوصى فأما إذا فصل أحد الايجابين عن الاخر في هذه المسألة فعلى قول أبى يوسف الجواب كذلك وعلى قول محمد تكون الامة للموصى له بها والولد بينهما نصفان وكذلك الخاتم والفص والقوصرة والتمر. وجه قول أبى يوسف ان بايجابه في الكلام الثاني يبين أن مراده من الكلام الاول ايجاب الامة للموصى له بها دون الولد وهذا البيان منه صحيح وان كان مفصولا لان الوصية لا تلزمه شيأ في حال فيكون حالة البيان الموصول فيه والمفصول سواء كما في الوصية بالرقبة والخدمة فان هناك المفصول والموصول سواء في الحكم ومحمد يقول اسم الخاتم يتناول الحلقة والفص جميعا فاسم الجارية يتناولها وما في بطنها وفي القوصرة كذلك ومن أصلنا أن العام موجبة ثبوت الحكم في كل ما يتناوله على سبيل الاحاطة بمنزلة الخاص فاجتمع في الفص الوصية لكل واحد منهما بايجاب على حدة فيجعل الفص بينهما نصفين ولا يكون ايجاب الوصية للثاني فيه دليل الرجوع عن الاول كما لو أوصي بالخاتم للثاني بخلاف الخدمة مع الرقبة فاسم الرقبه لا يتناول الخدمة ولكن الموصى له بالرقبة انما يستخدمها لان المنفعة تحدث على ملكه ولا حق للغير فيه فإذا أوجب الخدمة لغيره لا يبقى للموصى له بالرقبة حق بخلاف ما إذا كان الكلام موصولا لان ذلك بمنزلة دليل التخصيص أو الاستثناء فتبين أنه أوجب لصاحب الخاتم الحلقة خاصة دون الفص فإذا جنى العبد الموصى له بخدمته ورقبته جناية فالفداء على صاحب الخدمة لان فيما هو المقصود بالعبد وهو الاستخدام هو المختص به كالمالك وبالفداء تسلم الخدمة له ولا يسلم لصاحب الرقبة شئ في الحال فإذا فداه خدمه على حاله لانه طهره عن الجناية وان مات صاحب الخدمة انتقضت الوصية لان الحق للموصي له في الخدمة لا يحتمل التوريث لانها لا تبقى وقتين فلا يتصور أن تكون مملوكة للمورث ثم للوارث فتبطل الوصية بموته عندنا خلافا للشافعي فانه يرى توريث المنفعة وقد بينا هذا في الاجارات ثم يقال لصاحب الرقبة اد إلى ورثته ذلك الفداء لانه ظهر أن صاحب الرقبة هو المنتفع بذلك الفداء فان خدمة العبد تسلم له وقد كان الموصى له مضطرا إلى ذلك الفداء فلا يكون متبرعا فيه فان أبى أن يرد الفداء

[ 185 ] على ورثته بيع فيه العبد وكان بمنزلة الدين في عتقه لانه انما جنى العبد بذلك الفداء ولولاه لكانت نفسه مستحقة بالجناية وإذا أبى صاحب الخدمة في أول الامر أن يفدى لم يجز على ذلك لانه لا يملك شيأ من الرقبة وقد رضى ببطلان حقه في الخدمة حين أبى أن يفدى ويقال لصاحب الرقبة ادفعه أو افده فأيهما صنع بطلت وصية صاحب الخدمة لانه ان دفعه فقد فات محل وصيته وان فداه فانما يفديه بما أسلم له من خدمته والموصى له حين أبى أن يفديه فقد رضى بصيرورة العبد مستهلكا فيما لحقه من الجناية والغرم ولو قتل رجل العبد خطأ ولم يجن العبد فعلى عاقلة القاتل قيمته يشترى بها عند عدم صاحب الخدمة لان القيمة قائمة مقام الرقبة وقد كانت الرقبة للموصى له بها مشغولة بحق الموصى له بالخدمة فيها فكذلك ما يقوم مقامها ولايقال حق الموصى له بالخدمة في المنفعة والمنفعة لا تتقوم بالاتلاف لان الوصية بالخدمة وان تعلقت بالمنفعة فالاستحقاق بها يتعدى إلى العين ولهذا يعتبر خروج العين من الثلث والقيمة بدل العين فيشترى بها ما يقوم مقام العين الاولى ويثبت فيه حق صاحب الخدمة كما كان ثابتا في الاولى وان كان القتل عمدا فلا قصاص فيه الا أن يجتمع على ذلك صاحب الرقبة وصاحب الخدمة أما صاحب الرقبة فلانه هو المالك للعبد وولاية استيفاء القصاص تثبت بملك الرقبة وأما صاحب الخدمة فلان في استيفاء القصاص ابطال حقه في الخدمة وهو حق لازم له فلا يجوز ابطاله بغير رضاه فان اختلفا فيه تعذر استيفاء القصاص فوجب قيمته في مال القاتل يشترى بها عبدا فيخدمه مكانه لان في استيفاء المال مراعاة الحقين ولو فقأ رجل عينيه أو قطع يده دفع العبد وأخذت قيمته صحيحا لان هذه الجناية استهلاك له حكما فيعتبر باستهلاكه حقيقة فيوجب قيمته صحيحا من الجاني بعد تسليم الجثة إليه ويشترى بها عبدا مكانه ولو قطعت يده أو فقئت عينه أو شج موضحة فادى القاتل ارش ذلك فان كانت الجناية تنقص الخدمة اشترى بالارش عبدا آخر يخدم صاحب الخدمة مع العبد الاول لان الارش بدل الفائت بالجناية وقد كان حق الموصي له بالخدمة ثابتا في ذلك الجزء ولما كان فواته ينقص الخدمة فيثبت في بدله أيضا أو يباع العبد فيضم ثمنه أيضا إلى ذلك الارش ويشترى بهما عبد ليكون قائما مقام الاول ولكن هذا إذا اتفقا عليه فان اختلفا في ذلك لم يبع العبد لان رقبته لاحدهما وخدمته للاخر فلا يجوز بيعه الا برضاهما ولكن يشترى بالارش عبد يخدمه معه فان لم يوجد بالارش عبد وقف الارش حتى يصطلحا عليه فان اصطلحا

[ 186 ] على أن يقتسماه نصفين أجزت ذلك بينهما لان الحق لا يعدوهما فإذا تراضيا فيه على شئ كان لهما ذلك ولايكون ما يستوفيه الموصى له بالخدمة من نصف الارش بدلا عن نقصان الخدمة لانه لا يملك الا الاعتياض عن الخدمة ولكن يكون اسقاطا لحقه ذلك بالمال الذى يستوفيه بمنزلة ما لو كان العبد قائما على حاله فصالح الموصى له بالرقبة على مال يستوفيه منه ليسلم العبد إليه فان كانت الجناية لا تنقص الخدمة فالارش لصاحب الرقبة لانه بدل جزء فات من ملكه وظهر أنه لم يكن لصاحب الخدمة حق في ذلك الجزء حين لم يتنقص؟ الخدمة بفواته وكل مال وهب للعبد أو تصدق به عليه أو اكتسبه فهو لصاحب الرقبة لان الكسب يملك بملك الرقبة وهو المختص بملك الرقبة ولو كان مكان العبد أمة كان ما ولدت من ولد لصاحب الرقبة لانه تولد من عينها وعينها ملك صاحب الرقبة ونفقة العبد وكسوته على صاحب الخدمة لانه انما يتمكن من استخدامه إذا أنفق عليه فان العبد لا يقوى الخدمة الا بذلك وهو أحق بخدمته فيلزمه نفقته كالمستعير فانه ينفق على المستعار وينتفع به وان أبى أن ينفق رده على صاحبه فيلزمه نفقته فهذا كذلك أيضا فان كان أوصى بخدمة عبد صغير وبرقبته لاخر وهو يخرج من الثلث فنفقته على صاحب الرقبة حتى يدرك الخدمة فإذا خدم صارت نفقته على صاحب الخدمة لان بالنفقة عليه في حالة الصغر تنمو العين والمنفعة في ذلك لصاحب الرقبة وإذا صار بحيث يخدم فهو بالنفقة يتقوى على الخدمة والمنفعة في ذلك لصاحب الخدمة فلهذا كانت النفقه عليه ثم نفقة المملوك على المالك باعتبار الاصل الا أن يصير معدا لانتفاع الغير به فحينئذ تكون النفقة على المنتفع كالمولى إذا زوج أمته ولم يبؤها بيتا كانت نفقتها على المولى فان بوأها مع الزوج بيتا كانت نفقتها على الزوج ولو أوصى بدابة لرجل وبظهرها ومنفعتها لاخر كانت مثل العبد سواء لاستوائهما في المعنى وإذا كان لرجل ثلاثة أعبد فأوصى برقبة أحدهم لرجل وبخدمة آخر لرجل آخر ولامال له غيرهم وقيمة الموصى بخدمته خمسمائة درهم وقيمة الموصى برقبته ثلثمائة وقيمة الباقي ألف فالثلث بينهما على ثمانية أسهم خمسة لصاحب الخدمة في خدمة العبد الموصي بخدمته فيكون له من خدمته ثلاثة أيام وللورثة يوم ويكون للاخر من رقبة عبده مائتان وخمسة وعشرون لان الوصية بالخدمة في الاعتبار من الثلث والمضاربة بها بمنزلة الوصية بالرقبة وجملة المال ألف وثمانمائة فوصية كل واحد منهما كانت بأقل من الثلث فيضرب كل واحد منهما بجميع وصيته وقيمة العبد الموصى بخدمته خمسمائة درهم فيضرب

[ 187 ] صحابها في الثلث بذلك وصاحب الرقبة بثلث ماله فإذا جعلت كل مائة سهما كان الثلث بينهما على ثمانية ثم ثلث المال بقدر ثلاثة ارباع الوصيتين لان ثلث المال ستمائة ومبلغ الوصيتين ثمانمائة ويقدر لكل واحد منهما ثلاثة ارباع وصيته في الحال فيجتمع في العبد الموصى بخدمته حق الورثة وحق الموصى له بخدمته حقه في ثلاثة ارباعه وحق الورثة في الربع فلهذا قال يخدم الموصى له بخدمته ثلاثة أيام والورثة يوما ولصاحب الرقبة ثلاثة ارباع رقبة عبده وذلك مائتان وخمسة وعشرون فإذا مات صاحب الخدمة استكمل صاحب الرقبة عبده كله لان الوصية بالخدمة قد بطلت وجميع العبد للاخر خارج من الثلث وزيادة وكذلك ان مات العبد الذى كان يخدم لان بموته بطلت الوصية بالخدمة وصار الميت كان لم يكن فيبقى السالم للورثة عند التساوى ألف درهم فيمكن تنفيذ الوصية في عبد يساوى ثلثمائة درهم لان ذلك دون الثلث ولو كانت قيمته العبد سواء كان لصاحب الخدمة نصف خدمة العبد ولصاحب الرقبة نصف رقبة الاخر لان حقهما في الثلث سواء والثلث بقدر رقبة واحدة فينفذ لكل واحد منهما والوصية في نصف الثلث مما أوصى له ولو أوصى بالعبيد كلهم لصاحب الرقبة وبخدمة أحدهم لصاحب الخدمة لم يضرب صاحب الرقاب لا بقيمة واحد منهم ويضرب الاخر بقيمة الاخر فيكون هذا كالباب الذى قبله وهو قول أبى حنيفة بناء على أن الوصية بالعين فيما زاد على الثلث عند عدم الاجازة من الورثة تبطل ضربا واستحقاقا ولو كانوا يخرجون من الثلث كان لصاحب الرقبة ما أوصى له به من الرقاب ولصاحب الخدمة ما أوصى له به لاتساع محل الوصية ويجتمع في العبد الواحد الوصية برقبته وبخدمته فإذا مات صاحب الخدمة رجع ذلك إلى صاحب الرقبة ولو لم يكن له مال غيرهم فأوصى بثلث كل عبد منهم لفلان وأوصى بخدمة أحدهم بعينه لفلان فانه يقسم الثلث بينهما على خمسة لصاحب الخدمة ثلاثة أخماس الثلث في خدمة ذلك العبد وللاخر خمسا الثلث في العبدين الباقيين في كل واحد منهما خمس رقبة لان حق الموصى له بالخدمة في العبد الموصى بخدمته تقدم على حق الاخر (ألا ترى) انه لو كان العبد واحدا فأوصى بخدمته لرجل وبرقبته لاخر لا تثبت المزاحمة لصاحب الرقبة مع صاحب الخدمة فيه فكذلك هاهنا الموصى له بثلث كل عبد لا يزاحم الموصى له بالخدمة في الثلث بشئ من وصيته في هذا العبد وانما يزاحمه وصيته في العبدين الاخرين وقد أوصى له بثلث كل واحد منهما فإذا جعلنا كل ثلث سهما كان حقه في سهمين وحق الموصي له بالخدمة في ثلاثة

[ 188 ] فلهذا كان الثلث بينهم على خمسة والثلث بقدر رقبة واحدة فللموصى له بالخدمة ثلاثة أخمساس ذلك كله في العبد الموصى بخدمته واجتمع فيه حقه وحق الورثة وذلك في خمسة فلهذا كانت المهاباة في الخدمة على خمسة أيام يخدم الورثة يومين والموصى له ثلاثة أيام ويكون للاخر خمسا الثلث في العبدين الباقين فيسلم له من كل واحد منهما خمس الرقبة ولو كان أوصى بثلث ماله لصاحب الرقاب وبخدمة أحدهم بعينه لصاحب الخدمة ولامال له غيرهم قسم الثلث بينهما نصفين لان الموصى له بثلث مال يزاحم الموصى له بالخدمة في الثلث بوصيته في العبد الموصى بخدمته (ألا ترى) انه لو كان العبد واحدا فأوصى بخدمته لانسان وبثلث ماله لاخر تثبت الزاحمة بينهما في العبد بوصيتهما وهذا لان الخدمة نتناولها الوصية بثلث المال كما تتناول الرقبة لان ذلك من ماله بخلاف الاول فان الوصية بالرقبة لا تتناول الخدمة بحال لان الخدمة غير الرقبة إذا ثبت هذا فنقول حقهم في الثلث على السواء فيقسم الثلث بينهما نصفين فما أصاب صاحب الخدمة فهو في العبد الموصي بخدمته وذلك نصفه وما صاب صاحب الثلث وهو نصف العبد كان له والعبيد الثلاثة في كل عبد ثلث ذلك الثلث فيكون دون الخدمة في العبد الموصى بخدمته في كل ستة أيام يخدم الموصى له بالخدمة ثلاثة والورثة يومين والموصى له بالثلث يوما حتى يموت صاحب الخدمة فإذا مات بطلت وصيته فزالت مزاحمته فيكون الموصى له بثلث المال جميع وصيته وهو ثلث كل عبد من العبيد الثلاثة وإذا أوصي بخدمة عبده لرجل وبغلته لاخر وهو يخرج من الثلث فانه يخدم صاحب الخدمة شهرا ويغل على صاحب الغلة شهرا لا ستواء حقهما فيه الا انه في الخدمة جعل المناوبة بالايام لتيسر ذلك وفي الاستغلال جعل النوبة بالشهور لان استغلال العبد لا يكون عادة فيما دون الشهر ويتعذر استغلاله في كل نوبة إذا جعلت بالايام وفي كل شهر طعامه على من له منفعته لان الغرم مقابل بالغنم وبالنفقة يتوصل إلى الخدمة والعمل وكسوته عليهما نصفان لاستواء حقهما فيه وتعذر تجديد الكسوة في كل نوبة وان جنى العبد جناية قيل لهما أفدياه لان تمليكهما من استيفاء حقهما يكون بالفداء فان أبيا فقداه؟ الوارث بطلت وصيتهما لانهما حين أبيا الفداء فقد رضيا بدفعه وصار في حكم المستهلك في حقهما بمنزلة ما لو دفع بجنايته ولو أوصى لرجل من غلة عبده كل شهر بدرهم وللاخر بثلث ماله ولا مال له غير العبد فثلث العبد بينهما نصفان في قول أبى حنيفة لان الوصية بغلة العبد كالوصية برقبته في الاعتبار من الثلث فالموصي له بالغلة موصى له بجميع

[ 189 ] المال ومن أصل ابى حنيفة ان الوصية بما زاد على الثلث عند عدم الاجازة تبطل في حق الضرب فلهذا قال الثلث بينهما نصفان فما أصاب صاحب الثلث فهو له وما أصاب صاحب الغلة استغل بحسب غلته وينفق عليه منها كل شهر درهم كما لو أوصى وانما يحبس جميع تلك الغلة لجواز أن يمرض أو تبطل فلا يعمل في بعض الشهور ويحتاج إلى الانفاق عليه مما هو محبوس لحقه فان مات وقد بقي منها شئ رد على صاحب الثلث ويرجع عليه أيضا مما يحبس على صاحب الغلة من رقبة العبد لان وصيته بطلت بموته فان حقه في بدل المنفعة وهى الغلة وقد بينا ان وارثة لا يخلفه فيما له من الحق في المنفعة فكذلك في بدلها وهذا لانه لم يصر مملوكا له ولكن ثبت له حق يستحق ان لو بقى حيا ومثل هذا لا يورث وإذا بطلت وصيته وزالت مزاحمته سلم جميع الثلث لصاحب الثلث والمحبوس من الغلة بدل منفعة جزء من الثلث فيكون للموصى له بالثلث ولو أوصى لرجل بغلة داره ولا مال له غيرها فاحتاجت الورثة إلى سكناها قسمت الدار ثلاثا ويكون للورثة ثلثاها واستغل ثلثها صاحب الغلة لان الدار تحتمل القسمة وثلثاها خالص حق الورثة فيجب تمكينهم من صرف نصيبهم إلى حاجتهم وهو السكنى وانما يكون ذلك بالقسمة ولو أوصي لرجل بغلة داره ولاخر بعبد ولاخر بثوب فان ثلث مال الميت يقسم بينهم يضرب فيه كل واحد بما سمى له فما أصاب صاحب الدار كان له غلة ذلك لان الموصى أوجبه له فيصرف إليه إلى أن يموت صاحب الغلة فحينئذ تبطل وصيته ويقسم الثلث بينهم وبين من بقي من أهل الوصية لزوال مزاحمته الا أن هاهنا ان كان حصل من الغلة شئ قبل موته فهو لورثته لانه صار مالكا لما حصل من الغلة حتى يتمكن من استيفائها في الحال وهو عين فيخلفه وارثة فيها ولو أوصي بغلة داره وعبده في المساكين جاز ولا يجوز ذلك في السكنى والخدمة الا لانسان معلوم لان الغلة عين مال يتصدق به وهذا وصية بالتصدق على المساكين فأما السكنى والخدمة لا يتصدق بهما بل تعار العين لاجلهما والاعارة لا تكون الا من انسان معلوم ثم المساكين محتاجون إلى ما يسد خلتهم ويحصل ذلك لهم بالغلة وقل ما يحتاجون إلى الخدمة والسكنى وقبل أن ينبغى أن يجوزا على قياس من يجيز الوقف فان هذا في معنى وقف على المساكين ومن أوصى بظهر دابته لانسان معلوم يركبها في حاجته ما عاش فهو جائز لانه وصية بالاعارة منه ولو أوصى بظهرها للمساكين أو في سبيل الله تعالى كان باطلا في قول أبى حنيفة وأبى يوسف وقال محمد هو جائز وهذا لان من أصل أبى حنيفة ان

[ 190 ] الوقف لا يتعلق به اللزوم وان وقف المنقول لا يجوز وان كان مضافا إلى ما بعد الموت وهو قول أبى يوسف فأما عند محمد وقف المنقول جائز فيما هو متعارف بين ذلك في السير الكبير وروى فيه ان ابن عمر رضى الله عنه مات عن ثلثمائة فرس ونيف ومائتي بعير مكتوب على افخاذها حبس لله تعالى فجوز ذلك استحسانا ولو لم يوص به لانسان بعينه وهما أبطلا ذلك الا أن يوصى به لانسان بعينه فيجوز حينئذ لحاجته ولو قال في صحته غلة دارى هذه أو عبدى هذا صدقة في المساكين فان ردت بعد موتى فهى وصية من ثلثى تباع ويتصدق بثمنها جاز ذلك لانا قد بينا أن ابن أبى ليلى لا يجوز الوصية بالغلة أصلا فلا يأمن الموصى من أن يرفع ورثته إلى قاض يعتقد قوله فيبطل وصيته فيحرز عن ذلك بما ذكر من الوصية الثانية وعلقها يرد؟ الاولى والوصية تحتمل التعليق وهذا التعليق فيه فائدة ابقاء الاولى لان الورثة لا يحتالون في ابطال الاولى إذا علموا انهم لا يستفيدون بذلك شيأ ثم المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز فإذا ردت الاولى وجب تنفيذ الوصية الثانية فيباع إذا كان يخرج من ثلثه ويتصدق بثمنه ولو أوصى بداره أو بارضه فجعلها حبسا على الاخر والاخر من ورثته لا يباع أبطلت ذلك وجعلتها ميراثا للحديث لاحبس عن فرائض الله تعالى ولان هذا في معنى الوصية للوارث ولانه ان جعل في معنى الوقف فالوقف على بعض ورثته بعد موته لا يجوز والتأييد من شرط الوقف ولم يوجد ذلك ولو أوصى بغلة داره لانسان وبسكناها لاخر وبرقبتها لاخر وهي الثلث فهدمها رجل بعد موت الموصي غرم قيمة ما هدم من بنائها وتبنى مساكن كما كانت فتؤجر ويأخذ غلتها صاحب الغلة ويسكنها الاخر لان حقه كان تعلق بالبناء الاول فيحول إلى البدل وهو القيمة وطريق ابقاء حقهما منه أن تبنى مساكن كما كانت ليكون الثاني قائما مقام الاول وكذلك البستان إذا أوصى بغلته فقطع رجل نخله أو شجره والحاصل أن الوصية بغلة البستان تتناول الثمار بغلة الدار والعبد يتناول الاجرة وكذلك بغلة الارض تتناول الاجرة والحصة من الخارج إذا وقعت مزارعة وبغلة الامة يتناول الاجرة دون الولد حتى انها لو ولدت لا يكون الولد للموصى له بالغلة وان ما تولد من عينها كالثمار ولكن يستحق بمطلق الاسم ما يطلق عليه اسم الغلة في كل شئ عادة واسم الغلة يطلق على الثمار ولا يطلق على أولادها ولو أوصى لرجل بثلث ماله ولاخر بغلة داره وقيمة الدار ألف وله ألفان سوى ذلك فلصاحب الغلة نصف غلة الدار لانه موصى له بالثلث معنى كالموصي له الاخر بالثلث بينهما

[ 191 ] نصفان نصفه لصاحب الغلة كله في الدار فلهذا كان له نصف غلة الدار ولصاحب الثلث نصف الثلث فيما بقى من المال والدار ان شئت قلت خمس ذلك في الدار وأربعة أخماسه في المال لانه شريك الورثة فيقاسم الورثة بحسب المال والمال المقسوم بينه وبين الورثة نصف الدار وقيمته خمسمائة وألفان فإذا جعلت كل خمسمائة سهما كانت أخماسا وأن شئت قلت ثلثا ذلك في المال وثلثه في الدار لان مزاحمة الموصى له بالغلة قد انعدمت في نصف الدار وحق الموصي له ذلك فلصاحب الغلة نصف غلة الدار لانه موصى له بالثلث معنى كالموصي له الاخر بالثلث بينهما

[ 191 ] نصفان نصفه لصاحب الغلة كله في الدار فلهذا كان له نصف غلة الدار ولصاحب الثلث نصف الثلث فيما بقى من المال والدار ان شئت قلت خمس ذلك في الدار وأربعة أخماسه في المال لانه شريك الورثة فيقاسم الورثة بحسب المال والمال المقسوم بينه وبين الورثة نصف الدار وقيمته خمسمائة وألفان فإذا جعلت كل خمسمائة سهما كانت أخماسا وأن شئت قلت ثلثا ذلك في المال وثلثه في الدار لان مزاحمة الموصى له بالغلة قد انعدمت في نصف الدار وحق الموصي له بالثلث في ثلث الدار بدليل أنه لولا وصية الاخر لكان يسلم له ثلث الدار فإذا فرغ من حق الاخر مقدار حقه وزيادة أخذ جميع حصته من الدار وهو الثلث مما يستوفيه فإذا مات صاحب الغلة فلصاحب الثلث ثلث الدار والمال لان وصية صاحب الغلة قد بطلت فان استحقت الدار بطلت وصية صاحب الغلة لانها كانت وصية بالعين فلا تبقى بعد استحقاق العين وان لم تستحق ولكنها انهدمت قيل لصاحب الغلة ابن نصيبك منها ويبنى صاحب الثلث نصيبه والورثة نصيبهم ليتمكن كل واحد منهم من الامتناع بنصيبهم وأيهم أبى أن يبنى لم يجبر على ذلك ولم يمنع الاخر من أن يبنى ما يصيبه من ذلك ويؤاجره ويسكنه لان الابى منهما قصد الاضرار بنفسه وبغيره وله أن يلزم الضرر في حق نفسه وليس له أن يلزم الضرر غيره ولو أوصى لرجل بسكنى داره أو بغلتها فادعاها رجل وأقام البينة أنها له فشهد الموصى له بالغلة أو السكنى انه أقر أنها للميت لم تجز شهادته لانه يجر إلى نفسه بذلك نفعا وهو أنه يمهد محل حقه وكذلك لو شهد للميت بدين أو بمال أو بقتل خطأ فشهادته باطلة لانه له في مال الميت نصيبا وهو متهم في هذه الشهادة فان مال الميت كلما كثر كان خيرا له وفي وصيته (ألا ترى) أنه لو ظهر على الميت دين كان يقضى من المشهود به ويسلم له وصيته فلهذا لا تقبل شهادته والله أعلم بالصواب (تم الجزء السابع والعشرون من كتاب المبسوط) (ويليه الجزء الثامن والعشرون وأوله باب الوصية بغلة الارض والبستان)