مبسوط السرخسي - الجزء السادس والعشرون
المبسوط السرخسي ج 26
[ 1 ] (الجزء السادس والعشرون من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان
[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (باب البيع على أنه ان لم ينقد الثمن فلا بيع بينهما) (قال رحمه الله) وإذا اشترى المأذون جارية بالف درهم على أنه ان لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فهو جائز منه بمنزلة اشتراط الخيار ثلاثة أيام كما يجوز من الحر وقد بيناه في كتاب البيوع وبينا أنه لو كان الشرط ان لم ينقد الثمن إلى أربعة أيام فلا بيع بينهما كان البيع فاسدا في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وفي قول محمد رحمه الله هو جائز على ما اشترطا ووقع في بعض النسخ وقال أبو يوسف هو جائز علي ما اشترطا وهو غلط والصحيح أن أبا يوسف فرق بين هذا وبين اشتراط الخيار أربعة أيام وبينا ذلك في البيوع وكذلك لو اشتراها وقبضها ونقد الثمن علي أن البائع ان رد الثمن علي المشترى ما بينه وبين ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فهو جائز على ما اشترطا وهو بمنزلة اشتراط الخيار للبائع ولو اشتراها علي أنه ان لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فقبضها وباعها نفذ بيعه لان خيار المشترى لا يمنعه من التصرف فيها والبيع تام لازم من جانب البائع فان مضت الايام الثلاثة قبل أن ينقده الثمن فلا سبيل للبائع على الجارية ولكنه يتبع المشترى بالثمن لان من ضرورة نفوذ بيعه فيها سقوط خياره ولان امتناعه من ايفاء الثمن في آخر جزء من الايام الثلاثة بمنزلة فسخ البيع منه وفسخه للبيع فيها بعد ما باعها باطل فإذا جاز البيع والجارية ملك المشترى الثاني علمنا أنه لا سبيل للبائع عليها ولكنه يتبع المشترى منه بالثمن وكذلك لو قتلها المشترى أو ماتت في يده أو قتلها أجنبي آخر حتى غرم قيمتها في الايام الثلاثة لان حدوث هذه المعاني في يد المشترى في مدة خياره يكون مسقطا خياره لما فيه من فوات محل الفسخ وهذا في الموت ظاهر وكذلك في قتل الأجنبي لان القيمة الواجبة على القاتل لاجل ملك المشترى والعقد فيها فلا ينتهى بالقبض فلا يتحول العقد إلى ملك القيمة (ألا ترى) أنه يجوز الفسخ بالتحالف والرد بالعيب باعتبار القيمة الواجبة على القاتل بعد قبض المشترى فكذلك الفسخ بخيار الشرط فان كان المشترى
[ 3 ] وطئها وهى بكر أو ثيب في الايام الثلاثة أو جنى عليها جناية أو أصابها عيب من غير فعل أحد ثم مضت الايام الثلاثة قبل أن ينقد الثمن فالبائع بالخيار ان شاء أخذها ولا شئ له غيرها وان شاء سلمها للمشتري لان امتناع المشترى من نقض الثمن حتى مضت الايام الثلاثة فسخ منه للبيع ولو فسخ البيع قصدا تخير البائع لحدوث ما حدث فيها عند المشترى فكذلك إذا لم ينقد الثمن حتى مضت الايام ولو كان الواطئ أو الجاني أجنبيا فوجب العقر أو الارش لم يكن للبائع على الجارية سبيل لحدوث الزيادة المنفصلة المتولدة في يد المشترى فان ذلك بمنع الفسخ بعد تمام البيع في جانب البائع حق للشرع وانما له الثمن على المشترى ولو كان حدث فيها عيب من فعل الجاني الاجنبي بعد مضى الايام الثلاثة فالبائع بالخيار ان شاء أخذ الجارية واتبع الجاني بموجب ما أحدثه فيها من وطئ أو جناية وان شاء سلمها للمشترى بالثمن فان سلمها للمشترى بالثمن كان للمشترى أن يتبع الاجنبي بذلك لان بمضي الايام الثلاثة قبل نقد الثمن انفسخ البيع فبقيت الجارية في يد المشترى مضمونة بعد الفسخ فيكون بمنزلة الجارية التى في يد البائع قبل التسليم إذا حدث فيها بفعل الاجنبي شئ من ذلك وهناك يتخير المشترى بين أن يأخذها بالزيادة وبين أن ينقض البيع فيها فكذلك بعد الفسخ يتخير البائع وهذا إذا كان الاجنبي وطئها وهى بكر حتى تمكن نقصان في ماليتها بالوطئ فان كانت ثيبا لم ينقصها الوطئ أخذها البائع وأخذ عقرها من الاجنبي ولا خيار له في تركها لان ثبوت الخيار باعتبار النقصان في المالية في ضمان المشترى ولم يوجد وقد طعن عيسى رحمه الله في هذا الجواب وقال للبائع أن لا يقبلها لان الوطئ كالجناية والمستوفى بالوطئ في حكم جزء من العين وقيل في تخريجه ان قياس قول أبى حنيفة رحمه الله بناء على أن المشترى لو كان هو الواطئ بعد مضى الايام لم يلزمه شئ ولم يتخير البائع فإذا كان الواطئ أجنبيا فوجب العقر وتمكن البائع من أخذها مع العقد أولى ان لا يثبت له الخيار وأصل المسألة في المبيعة إذا وطئها البائع قبل التسليم وهى ثيب لم يتخير المشترى عند أبى حنيفة وكذلك ان وطئها أجنبي أخذها المشترى مع عقرها ولم يتخير فكذلك البائع في هذا الفصل ولو كان المشترى هو الذى قطع يد الجارية أو افتضها وهى بكر بعد مضى الايام الثلاثة فالبائع بالخيار ان شاء سلمها للمشترى بالثمن وان شاء أخذها ونصف ثمنها في القطع لتغير الجارية في ضمان المشترى بعد الفسخ والاوصاف تضمن بالتناول مقصودة فيتقرر على المشترى حصة اليد من الثمن وكذلك كل جناية جنى عليها
[ 4 ] أخذ نقصانها من الثمن إذا اختار البائع أخذها وا ن كان افتضها لم ينظر إلى عقرها ولكن ينظر إلى ما نقصها الوطئ من قيمتها فيكون على المشترى حصة ذلك من ثمنها في قول أبى حنيفة وعندهما ينظر إلى الاكثر من عقرها ومما نقص الوطئ من قيمتها فيكون على المشترى حصة ذلك من ثمنها وان كان لم ينقصها الوطئ شيأ أخذها البائع ولا شئ على المشترى في الوطئ في قول أبى حنيفة وعندهما يقسم الثمن على قيمتها وعلى عقرها فيأخذها البائع وحصة العقر من ثمنها وأصل المسألة في البائع إذا وطئ الجارية المبيعة قبل القبض وقد بينا ذلك في البيوع فحال المشترى ههنا بعد الفسخ كحال البائع قبل التسليم هناك لانها في ضمان ملكه حتى لو هلكت قبل الرد كان هلاكها على ملكه كما في المبيعة قبل القبض فيستوى تخريج الفصلين على الاختلاف الذى بينا ولو كانت ولدت ولدا في الايام الثلاثة ثم مضت الايام وهما حيان ولم ينقد الثمن فالجارية وولدها للمشترى بالثمن ولا خيار للبائع في ذلك لاجل الزيادة المنفصلة المتولدة في يده قبل الفسخ ولو لم تلد ولكنها قد ازدادت في يده كان للبائع أن يأخذها يزيادتها لان الزيادة المتصلة لا معتبر بها في البيع ولا يمنع الفسخ لاجلها كما في الفسخ بسبب العيب وفى رواية الحسن عن أبى حنيفة الزيادة المتصلة هنا كالزيادة المنفصلة وهو نظير ما بينا من اعتبار الزيادة المتصلة في المنع من الفسخ بسبب التحالف وفي المنع من التصرف في الصداق بالطلاق ولو كانت ولدت بعد مضي الايام ونقصتها الولادة فالبائع بالخيار للنقصان الحادث فيها من يد المشترى كما لو تعيبت بعيب آخر وهذا لان الزيادة المنفصلة بعد الفسخ لا تمنع من استردادها وتأثير نقصان الولادة في اثبات الخيار للبائع لا في تعذر الرد به ولو ماتت بعد مضى الايام الثلاثة ولم تلد فعلى المشترى الثمن لان العقد وان انفسخ فقد تعيب في ضمان المشترى فإذا هلكت بطل ذلك الفسخ كما إذا هلكت المبيعة قبل القبض بطل البيع ولو كانت ولدت بعد مضى الايام الثلاثة ثم ماتت وبقى ولدها فالبائع بالخيار ان شاء سلم الولد للمشترى وأخذ منه جميع الثمن وان شاء أخذ الولد ورجع على المشترى بحصة الام من الثمن وهو لان الولد لما صار مقصودا بالاسترداد كان له حصة من الثمن وهو بمنزلة المبيعة إذا ولدت قبل القبض ثم ماتت الام وبقى الولد فكما يتخير المشترى هناك يتخير البائع هنا ولو كان اشترى الجارية بعرض بعينه على انه ان لم يعط البائع ذلك إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فهو جائز بمنزلة شرط الخيار فان حدث بالجارية عيب في يد المشترى أو فقأ عينها أو وطئها وهى بكر
[ 5 ] أو ثيب أو فعل ذلك أجنبي ثم مضت الايام قبل أن يعطه البائع فهذا وما وصفنا من الدراهم سواء لا ستوائهما في المعنى ولو مضت الايام قبل أن يعطى المشترى البائع ما شرطه ثم هلكت الجارية في يد المشترى أو قتلها كان للبائع على المشترى قيمتها ولا سبيل له على ثمنها لان بمضي الايام الثلاثة انفسخ البيع وهلاك أحد العوضين في المقابضة بعد الفسخ لا يمنع بقاء الفسخ لبقاء العرض الآخر وإذا بقي الفسخ تعذر علي المشترى رد عينها فيرد قيمتها بخلاف البيع بالدراهم ولو ذهبت عينها أو فقأها المشترى أخذ البائع الجارية ونصف قيمتها ولا سبيل له على الثمن لان العين من الآدمى نصفه ففوات نصفها بعد الفسخ معتبر بفوات كلها ولو كان أجنبي فقأ عينها أو قتلها كان البائع بالخيار ان شاء أخذ قيمتها في القتل من مال المشترى حالا وان شاء رجع بها علي عاقلة القاتل في ثلاث سنين فان أخذها من المشترى رجع بها علي عاقلة القاتل لانها بعد الفسخ مملوكة للبائع مضمونة في يد المشترى بنفسها كالمغصوبة وأما في فق ء العين فان البائع يأخذ الجارية ويتبع بارش العين المشترى أو الجاني أيهما شاء حالا كما في المغصوبة إذا فقأ انسان عينها في يد الغاصب فان أخذه من المشترى رجع به المشترى على الجاني ولا سبيل للبائع في شئ من هذه الوجوه على الثمن لانه لا يتمكن من أخذ ذلك الا بفسخ ذلك العقد وبقاء أحد العوضين يمنعه من ذلك بخلاف ما إذا كان حدوث هذه المعاني قبل مضي الثلاثة لان هناك العقد قائم بينهما حين حدث ما حدث ومضى الايام الثلاثة بمنزلة الفسخ من المشترى قصدا وفسخه بعد ما تعيب في يده لا يكون ملزما للبائع فمن هذا الوجه وقع الفرق ولو باع المأذون أو الحر جارية بالف درهم فتقابضا على أن البائع ان رد الثمن على المشترى إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما ثم ان المشترى وطئ الجارية أو فقأ عينها في الايام الثلاثة فان رد البائع الثمن على المشترى كان له أن يأخذ جاريته ويضمن المشترى بالوطئ عقرها وفي الفق ء نصف قيمتها لان هذا الشرط بمنزلة خيار البائع والمبيعة قائمة على ملك البائع في يده على خياره فإذا تقرر ملكه بفسخ البيع ظهران جناية المشترى ووطأه حصلا في ملك الغير فعليه العقر والارش وان مضت الايام الثلاثة قبل أن يرد الثمن تم البيع ولا شئ على المشترى من العقر والارش لان خيار البائع إذا سقط ملكها المشترى من وقت العقد بزيادتها فلا يلزمه العقر والارش لان فعله حصل في ملكه حكما ولو كان أجنبي فعل ذلك ثم رد البائع الثمن في الايام الثلاثة أخذ جاريته ونصف قيمتها ففى فق ء العين
[ 6 ] ان شاء من المشترى ويرجع به المشترى على الفاقئ وان شاء من الفاقئ لانها كانت مملوكة للبائع مضمونة بنفسها في يد المشترى كالمغصوبة وفي الوطئ ان كانت بكرا فكذلك الجواب لان الوطئ ينقص ماليتها وهى مضمونة في يد المشترى بنفسها وان كانت ثيبا لم ينقصها الوطئ أخذها البائع واتبع الواطئ بعقرها ولا سبيل له على المشترى لان المضمون على المشترى ماليتها ولم يتمكن نقصان في ماليتها بهذا الوطئ وهى كالمغصوبة إذا وطئها أجنبي في يد الغاصب وهى ثيب ولو لم يرد البائع الثمن حتى مضت الايام الثلاثة تم البيع واتبع المشترى الفاقئ أو الواطئ بالارش والعقر لانه عند سقوط الخيار للبائع ملكها من وقت العقد بزوائدها المنفصلة ولو كان البائع هو الذى وطئها وفقأ عينها فقد انتقض البيع رد الثمن بعد ذلك أولم يرد ويأخذ جاريته لان فعله ذلك تقرير لملكه حين عجز نفسه عن تسليمها كما باعها ولو فعل ذلك بعد مضى الثلاث ولم يرد الثمن فعليه الارش والعقر للمشترى لان بمضي الثلاث تم البيع وتأكد ملك المشترى بكونها في يده ففعل البائع فيها كفعل أجنبي آخر فيلزمه عقرها وأرشها للمشترى والله أعلم (باب الشفعة في بيع المأذون وشرائه) (قال رحمه الله) ولا شفعة للمولى فيما باع عبده المأذون أو اشتراه إذا لم يكن عليه دين لانه يبيع ملك المولي له ولا شفعة في البيع لمن وقع البيع له ولا فائدة في أخذ ما اشتراه بالشفعة لانه متمكن من أخذه لا بطريق الشفعة فانه مالك لكسبه إذا لم يكن عليه دين والاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء وشراؤه كسب عبده إذا لم يكن عليه دين باطل وكذلك لا شفعة للعبد فيما باع مولاه أو اشتراه لانه إذا لم يكن عليه دين فانما يأخذ ما باعه المولى بالشفعة له ولا شفعة للبائع ولا يفيد أخذه بما اشتراه المولى بالشفعة لان المولى متمكن من استرداد ما في يده منه فيكون متمكنا من منعه من اثبات اليد عليه أيضا فان كان على العبد دين فالشفعة واجبة لكل واحد منهما في جميع هذه الوجوه لان كسبه حق غرمائه والمولى كالاجنبي منه فيكون أخذ كل واحد منهما من صاحبه في هذه الحالة مفيدا بمنزلة شرائه ابتداءا لا في وجه واحد وهو ما إذا باع العبد دارا باقل من قيمتها بما يتغابن الناس أو بغير ذلك لم يكن للمولى فيها الشفعة لانه لو وجبت له الشفعة أخذها من العبد قبل التسليم إلى المشترى فيكون متملكا
[ 7 ] عليه الدار باقل من قيمتها ولو باع العبد منه بالغبن لم يجز لحق غرمائه ويستوى في حقهم الغبن اليسير والفاحش كما في تصرف المريض في حق غرمائه ولا يمكن الاخذ بمثل القيمة لان ما لم يكن ثمنا في حق المشترى لا يثبت ثمنا في حق الشفيع ولو باع العبد من مولاه دارا ولا دين عليه والاجنبي شفيعها فلا شفعة له لان ما جرى بينهما ليس ببيع حقيقة فالبيع والثمن كلاهما خالص ملك المولى ومبادلة ملكه بملكه لا تجوز وقد كان متمكنا من أخذها بدون هذا البيع فلا يكون هذا البيع مفيدا والاسباب الشرعية تلغو إذا كانت خالية عن فائدة فإذا كان عليه دين وكان البيع بمثل القيمة أو أكثر فله الشفعة لان هذا بيع صحيح بينهما فالدار كانت حقا لغرمائه وكان المولى ممنوعا من أخذه قبل الشراء وبالشراء يصير هو أحق بها وباعتبار البيع الصحيح تجب الشفعة للشفيع وان باعها بأقل من قيمتها فلا شفعة للشفيع فيها في قول أبى حنيفة لان عنده بيع المأذون من مولاه بأقل من قيمته باطل كبيع المريض من وارثه وهذا لان المولى يخلفه في كسبه خلافة الوارث المورث فتتمكن التهمة بينهما في حق الغرماء والشفعة لا تستحق بالبيع الباطل وعندهما للشفيع أن يأخذها بقيمتها أو يتركها لان من أصلهما ان المحاباة لا تسلم للمولي ولكن لا يبطل أصل البيع بسبب المحاباة بل يتخير المولى بين أن يزيل المحاباة فيأخذها بقيمتها وبين أن يتركها فكذلك الشفيع يتخير في ذلك وهذا لان الاستحقاق بحكم هذا البيع ثابت للمولى بمثل القيمة إذا رضى به فيثبت ذلك للشفيع لان الشرع قدم الشفيع على المشترى في الاستحقاق الثابت بالبيع فان تركها الشفيع أخذها المولى بتمام القيمة ان شاء وان كان المولى هو البائع من غيره بمثل قيمته ولا دين عليه فلا شفعة فيها لان ما جرى بينهما ليس ببيع مفيد وان كان عليه دين كان البيع صحيحا لكونه مفيدا والشفعة واجبة للشفيع وان باعها منه بأكثر من قيمتها فعند أبى حنيفة البيع باطل لاجل الزيادة وكون العبد متهما في حق مولاه (ألا ترى) ان اقراره لمولاه لا يجوز بشئ إذا كان عليه دين فكذلك المحاباة والزيادة منه لمولاه وإذا بطل البيع لم تجب الشفعة للشفيع وعندهما المولى بالخياران شاء سلم الدار للعبد بقدر القيمة وان شاء استردها لان التزام العبد الزيادة لمولاه لم تصح وأما أصل البيع بمثل القيمة فصحيح فثبوت الخيار للمولى لانعدام الرضا منه بذلك فان سلمها له بالقيمة أخذها الشفيع بذلك لان الاستحقاق ثابت بالقيمة عند رضاه بها وان أبى كان للشفيع أن يأخذها من المولى بجميع الثمن ان شاء لان رهنا المولى قد تم بالبيع بجميع الثمن وذلك يكفي
[ 8 ] لوجوب الشفعة كما لو أقر ببيعها وأنكر المشترى ثم عهدة الشفيع على المولى لانه تملكها عليه بالاخذ من يده فهو بمنزلة مالو اشتراها منه ابتداء وإذا سلم المأذون شفعته وجبت له وعليه دين أو لادين عليه فتسليمه جائز لانه يملك الاخذ بالشفعة فيملك تسليمها لان كل واحد منهما من صنيع التجار كما أن الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء فتسليمها بمنزلة ترك الشراء والاقالة بعد ذلك والمأذون مالك كذلك وان سلمها مولاه جاز تسليمها ان لم يكن عليه دين بمنزلة الاقالة فيما اشتراه العبد لانه لو باعها ابتداء من هذا الرجل أو من غيره بعدما أخذها العبد جاز فكذلك إذا سلم شفيعها له وان كان على العبد دين فتسليم المولى باطل بمنزلة اقالته وبيعه ابتداء وهذا لان كسبه حق غرمائه والمولى جعل كالاجنبي بالتصرف فيه فكذلك في اسقاط حقه فان لم يأخذه العبد حتى استوفى الغرماء دينهم أو أبرأوا العبد من دينهم سلمت الدار للمشترى بتسليم المولى الشفعة لان تسليم المولى الشفعة بمنزلة سائر تصرفاته في كسب العبد المديون وذلك كله ينفذ بسقوط حق الغرماء التبرعات والمعاوضات فيه سواء ولو حجر المولى عليه بعد وجوب الشفعة له وفى يده مال وعليه دين أولا دين عليه لم يكن له أن يأخذها بالشفعة كما لا يكون له أن يشتريها ابتداء بما في يده من المال بعد الحجر عليه وان لم يحجر عليه وأراد المولى الاخذ بالشفعة فله ذلك إذا لم يكن علي العبد دين لان العبد انما يأخذ للمولى ولان الاخذ بالشفعة بمنزلة الشراء وللمولى أن يشترى بكسب عبده إذا لم يكن عليه دين كما يكون ذلك للعبد فكذلك حكم الاخذ بالشفعة وان كان عليه دين لم يكن له ذلك الا أن يقضى الغرماء دينهم فان قضاهم ديونهم كان له أن يأخذ بالشفعة لزوال المانع وان كان عليه دين فأراد الغرماء أن يأخذوا بالشفعة لم يكن لهم ذلك لان حق الاخذ بالشفعة باعتبار الجواز وذلك ينبنى على ملك العين والغرماء من ملك عين الدار التى هي كسب العبد كالاجانب حتى لا يكون للغرماء استخلاصها لهم وأما حقم في ماليتها فبمنزلة حق المرتهن ولا يستحقون الشفعة بخلاف المولى فانه مالك للعين إذا لم يكن على العبد دين فيكون له أن يأخذها بالشفعة لتقرر السبب في حقهم ولو حجر عليه بعد وجوب الشفعة ثم أراد المولى أن يأخذها بالشفعة ولا دين على العبد فله أن يأخذها ان سلم العبد بعد الحجر أو لم يسلم لان التسليم انما يصح ممن يملك الاخذ والعبد بعد الاخذ لا يملك الاخذ بالشفعة الا أن يقضى الغرماء دينهم فان فعل ذلك كان له أن يأخذها بالشفعة لزوال المانع سواء سلم العبد الشفعة بعد الحجر أو لم يسلم
[ 9 ] وهذا على أصل أبى حينفة ومحمد ظاهر لان عندهما المولى مالك لكسبه مع قيام الدين عليه وان كان هو ممنوعا منه وعند أبى حنيفة وان لم يكن مالكا فهو أحق بكسبه إذا قضى الدين والشفعة تستحق عليه كالتركة المستغرقة بالدين إذا بيعت دار بجنب منها كان للوارث أن يأخذها بالشفعة بعد ما قضي الدين وإذا اشترى المأذون دارا ولها شفيع يريد أخذها فوكل الشفيع مولى العبد يأخذها له وبالخصومة فيها وعلى العبد دين أو لادين عليه فالوكالة باطلة لانه لو صح التوكيل ملك الوكيل التسليم في مجلس الحكم وفي ذلك منفعة للمولى وهذا لا يصلح أن يكون وكيلا في استيفاء حق الغير من عبده فلهذا النوع من المنفعة له في ذلك كما لو وكله غريم العبد باستيفاء دينه من العبد فان كان عليه دين فسلمها العبد للمولى بالشفعة صارت الدار للشفيع ولا يجوز قبض المولى الدار من العبد علي الشفيع حتى يقبضها الشفيع من المولى والعهدة فيما بين العبد والشفيع ولا عهدة فيما بين المولى وعبده لان الوكالة لما لم تصح صار المولى بمنزلة الرسول للشفيع فإذا سلمها العبد إليه ملكها الشفيع بمنزلة مالو أخذها الشفيع بنفسه وهو نظير مالو وكله بقبض دين له على العبد فانه لا يبرأ العبد بقبض المولى حتى يدفع ذلك إلى الغريم فإذا دفعها إليه برئ العبد بمنزلة مالو قبضها الغريم بنفسه وكذلك لو كان الوكيل بعض غرمائه لان منفعة الغريم في ذلك أظهر من منفعة المولى فان حقه في كسب العبد مقدم على حق المولى ولو كان العبد هو الشفيع فوكل مولاه ان يأخذه بالشفعة له أو بعض غرمائه جازت الوكالة كان عليه دين أو لم يكن بمنزلة مالو وكله العبد بقبض دين له على أجنبي وهذا لان في تسليمه واقراره اضرار بالمولى والغريم ولا منفعة لهما فيه فان سلم المولى الشفعة للمشترى عند القاضى جاز تسليمه وان سلمها عند غير القاضى جاز ان لم يكن على العبد دين وان كان على العبد دين فتسليمه باطل في قول أبى حنيفة رحمه الله وليس له أن يأخذ بالشفعة ولكن العبد هو الذى يأخذها وفي قول أبى يوسف الآخر تسليمه جائز عند القاضى وعند غير القاضى وعند محمد تسليمه باطل عند القاضى وعند غير القاضى إذا كان على العبد دين وأصل المسألة مابينا في الشفعة ان عند أبى حنيفة وأبى يوسف من ملك الاخذ بالشفعة ملك تسليمها وان كان نائبا كالاب والوصى وعند محمد لا يملك ثم عند أبى حنيفة رحمه الله اقرار الوكيل على موكله يجوز في مجلس القاضى ولا يجوز في غير مجلسه فكذلك تسليمه وفي قول أبى يوسف الآخر كما يجوز اقراره عليه في غير مجلس القاضى فكذلك
[ 10 ] يجوز تسليمه فإذا عرفنا هذا فنقول عند أبى حنيفة إذا سلمها في مجلس القاضى جاز لانه مالك للاخذ وإذا سلمها في غير مجلس القاضى فان لم يكن عليه دين جاز باعتبار ان الحق واجب له لا باعتبار الوكالة وان كان عليه دين لا يجوز تسليمه في حق العبد والغرماء ولكن يخرج من الخصومة بمنزلة مالو أقر علي موكله في غير مجلس القاضى وإذا خرج من الخصومة كان العبد على حقه يأخذها بالشفعة ان شاء وفي قول أبى يوسف الآخر يصح تسليمه على كل حال لانه بنفس التوكيل قام مقام الموكل في الاخذ فكذلك التسليم وعند محمد هو قائم مقام الموكل في الاخذ بالشفعة والتسليم اسقاط وهو ضد ما وكله به فلا يصح منه الا إذا لم يكن عليه دين فحينئذ يصح باعتبار ملكه ولو كان وكيل العبد بالاخذ بعض غرمائه فتسليمه في مجلس القاضى جائز في قول أبى حنيفة وكذلك في غير مجلس القاضى عند أبى يوسف وفى قول محمد هو باطل وان أقر عند القاضي أن العبد قد سلمها قبل أن يتقدم إليه فاقراره في مجلس القاضي جائز في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وعند أبى يوسف رحمه الله اقراره بذلك جائز في مجلس القاضى وفي غير مجلس القاضى بمنزلة اقرار وكيل المدعي عليه بوجوب الدين واقرار وكيل المدعى بانه مبطل في دعواه وانه قد أبرأه عن الدين * رجل مات وعليه دين فباع الوصي دارا للميت لها شفيع فوكل الشفيع بعض غرماء الميت أن يأخذ له لم يكن وكيلا في ذلك لان الدار انما بيعت له وكما ان من بيعت له لا يأخذها لنفسه فكذلك لا يأخذها لغيره بوكالته وبهذا الطريق قلنا فيما باعه العبد ان المولى أو الغريم لا يكون وكيلا للشفيع في الاخذ لان تصرفه لغرمائه من وجه ولمولاه من وجه ولو كان الميت اشترى في حياته دارا وقبضها ثم مات وعليه دين وطلب الشفيع شفعته ووكل في الخصومة فيها بعض غرماء الميت لم يكن وكيلا لانه لو صح التوكيل ملك التسليم والاقرار على موكله بالتسليم في مجلس الحاكم وفيه منفعة له فان سلمها الوصي بغير خصومة كانت للشفيع ولم يكن للغريم أن يقبضها ولكن الشفيع هو الذى يقبضها وتكون العهدة فيما بينه وبين الوصي لان الوكالة لما بطلت صار هو بمنزلة الرسول للشفيع وكذلك لو وكل وارثا بذلك فان في التسليم أو الاقرار به على الموكل منفعة الوارث بعد سقوط حق الغريم ولو باع المأذون دارا وسلمها ولها شفيع فوكل الشفيع بخصومة المشترى مولي العبد وعليه دين أو لادين عليه أو وكل بعض غرماء العبد فالوكالة باطلة لان العبد بائع للدار لغرمائه من وجه فان ماليتها حقهم وللمولي من وجه فان كسبه ملك مولاه إذا
[ 11 ] فرغ من الدين ومن بيع له لا يأخذ بالشفعة لغيره كما لا يأخذ لنفسه (ألا ترى) ان الوكيل إذا باع دار الرجل بأمره فوكل الشفيع الآمر بخصومة المشترى في ذلك لم يكن وكيلا لانها بيعت له وكذلك المضارب إذا باع دارا من المضاربة فوكل شفيعها رب المال بالخصومة والاخذ بالشفعة لم يكن وكيلا في ذلك فان سلمها المشترى له بغير خصومة جاز والشفيع هو الذى قبضها والعهدة بينه وبين المشترى لان رب المال بمنزلة الرسول له حين يطلب الوكالة وعبارة الرسول كعبارة المرسل فكان للشفيع أخذها بنفسه والله أعلم (باب بيع المأذون المكيل أو الموزون من صنفين) (قال رحمه الله) وإذا باع المأذون من رجل عشرة أقفزة حنطة وعشرة أقفزة شعير فقال أبيعك هذه العشرة الاقفزة حنطة وهذه العشرة الاقفزة شعير كل قفيز بدرهم فالبيع جائز لان جملة المبيع معلوم والثمن معلوم وكل متى أضيفت إلى ما يعلم منتهاه تتناول الجيمع فان تقابضا ثم وجد بالحنطة عيبا ردها بنصف الثمن علي حساب كل قفيز بدرهم لانه كذلك اشترى وعند الرد بالعيب انما يرد المعيب بالثمن المسمى بمقابلته فإذا كان المسمى بمقابلة كل قفيز من الحنطة درهما ردها بذلك أيضا وكذلك لو قال القفيز بدرهم لان الالف واللام للجنس إذا لم يكن هناك معهود فيتناول كل قفيز من الحنطة وكل قفيز من الشعير بمنزلة قوله كل قفيز ولو قال كل قفيز منهما بدرهم وتقابضا ثم وجد بالحنطة عيبا فانه يردها علي حساب كل قفيز منهما النصف من الحنطة والنصف من الشعير بدرهم وذلك بان يقسم جميع الثمن عشرين درهما على قيمة الحنطة وقيمة الشعير فان كانت قيمة الحنطة عشرين درهما وقيمة الشعير عشرة رد الحنطة بثلثي الثمن لانه أضاف القفيز الذى جعل الدرهم بمقابلته اليهما بقوله منهما ومطلق هذه الاضافة يقتضى التسوية بينهما فيكون نصف كل قفيز بمقابلة الدرهم من الحنطة ونصف من الشعير فلهذا يقسم جملة الثمن علي قيمتها بخلاف الاول فهناك ذكر القفيز مطلقا واطلاقه يقتضي أن يكون بمقابلة كل قفيز من الحنطة درهم وبمقابلة كل قفيز من الشعير درهم وكذلك لو قال القفيز منهما بدرهم فهذا وقوله كل قفيز منهما بدرهم سواء كما بينا ولو قال أبيعك هذه الحنطة وهذا الشعير ولم يسم كيلهما كل قفيز بدرهم فالبيع فاسد في قول أبى حنيفة رحمه الله لان من أصله انه إذا لم تكن الجملة معلومة فان ما يتناول هذا اللفظ قفيزا واحدا وقد بينا له
[ 12 ] هذا الاصل في البيوع ولا يعلم ان ذلك القفيز من الحنطة أو من الشعير ففسد البيع في ذلك أيضا للجهالة حتى يعلم الكيل كله فان علمه فهو بالخيار ان شاء أخذ كل قفيز حنطة بدرهم وكل قفيز شعير بدرهم وان شاء ترك وهكذا يكشف الحال عنده إذا صارت جملة الثمن معلومة له الآن فيتخير بين الاخذ والترك وعندهما البيع جائز كل قفيز من الحنطة بدرهم وكل قفيز من الشعير بدرهم لان جهالة الجملة لا تفضي إلى تمكن المنازعة ولو قال كل قفيز منهما بدرهم كان البيع واقعا في قول أبى حنيفة رحمه الله علي قفيز واحد نصفه من الحنطة ونصفه من الشعير بدرهم لان هذا معلوم وثمنه معلوم وفيما زاد على القفيز الواحد إذا علم بكيل ذلك فهو بالخيار ان شاء أخذ كل قفيز منهما بدرهم وان شاء ترك وفى قول أبى يوسف ومحمد البيع لازم له في جميع ذلك كل قفيز منهما بدرهم نصفه من الحنطة ونصفه من الشعير ولو قال أبيعك هذه الحنطة على أنها أقل من كر فاشتراها على ذلك فوجدها أقل من كر فالبيع جائز لان المعقود عليه صار معلوما بالاشارة إليه ووجده علي شرطه الذى سماه في العقد والثمن معلوم بالتسمية فيجوز العقد وان وجدها كرا أو أكثر من كر فالبيع فاسد لان العقد انما يتناول بعض الموجود وهو أقل من كر كما سمى وذلك مجهول لانه لا يدرى ان المشترى أقل من الكر بقفيزا وقفيزين وهذه الجهالة تقتضي المنازعة وكذلك لو قال على انها أكثر من كر فان وجدها أكثر من كر بقليل أو كثير فالبيع جائز لانه وجدها على شرطه والبيع يتناول جميعها وان وجدها أقل من كرا وكرا فالبيع فاسد لانه لا يدري ما حصة ما نقص منها مما شرط له فانه لا بد من اسقاط حصة النقصان من الثمن وذلك مجهول جهالة تفضى إلى المنازعة ولو قال على انها كرا وأقل منه فان وجدها كرا أو أقل منه فهو جائز لانه وجدها على شرطه وان وجدها أكثر من كر لزم المشترى من ذلك كرا وليس للبائع أن ينقصه من ذلك شيأ لانه لو وجدها كرا كان الكل مستحقا للمشترى فان وجدها أكثر أولى أن يكون مقدار الكر مستحقا للمشترى والزيادة على الكر للبائع لان البيع لا يتنالها ولو قال على انها كرا أو أكثر فوجدها كذلك جاز البيع وان وجدها أقل فالمشترى بالخيار ان شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن إذا قسم على كر وان شاء ترك لان استحقاقه انما يثبت في مقدار الكر بدليل انه لو وجدها كرا لزمه جميع الثمن ولا خيار له فإذا كان أنقص من كر فقد النقصان معلوم وحصته من الثمن معلومة فيسقط ذلك عن المشترى و يتخير لتفرق الصفقة عليه والحاصل ان حرف أو للتخيير
[ 13 ] فانما يثبت الاستحقاق عند ذكر حرف أو في المقدار المعلوم في نفسه سواء ردد الكلام بين ما هو معلوم في نفسه والزيادة عليه أو النقصان عنه الا أن في ذكر النقصان للبائع فائدة وهو أن لا يخاصمه ان وجده أقل فهو بمنزلة البراءة من العيب وفي ذكر الزيادة للمشترى فائدة وهو ان لا يلزمه رد شئ إذا وجده أكثر ولو قال أبيعك هذه الدار على انها أقل من ألف ذراع فوجدها أقل من ذلك أو ألفا أو أكثر فالبيع جائز لان الذرعان في الدار صفة والثمن بمقابلة العين لا بمقابلة الوصف فان وجدها أزيد مما قال وصفا لا يتغير حكم البيع ولو قال علي انها أكثر من ألف ذراع فان وجدها أكثر من ألف بقليل أو كثير فالبيع لازم لانه وجدها على شرطه وان وجدها ألف ذراع أو أقل كان المشترى بالخيار ان اشاء أخذها بجميع الثمن وان شاء ترك لانه وجدها أنقص مما سمي البائع له من الوصف فيتخير لذلك فإذا اختار الاخذ لزمه جميع الثمن لان الثمن بمقابلة العين درن الوصف ولو اشترى ثوبا من رجل بعشرة دراهم على انه عشرة أذرع فوجده ثمانية فقال البائع بعتك على انه ثمانية فالقول قول البائع مع يمينه لان المشترى يدعى زيادة وصف شرطه ليثبت له الخيار لنفسه عند فوته فان الذرعان في الثوب صفة والبائع منكر لذلك والقول قوله مع يمينه وعلى المشترى البينة علي ما ادعاه من الشرط كما لو قال اشتريت العبد علي أنه كاتب أو خباز ولو قال المشترى اشتريته بعشرة على أنه عشرة أذرع كل ذراع بدرهم فوجده ثماينة أذرع فقال البائع بعتك علي أنه ثمانية أذرع بعشرة دراهم ولم أشترط كل ذراع بدرهم تحالفا وترادا لان الاختلاف ههنا بينهما في مقدار الثمن فانه إذا لم يقل كل ذراع بدرهم كان الثمن عشرة دراهم سواء كان ذرعان الثوب عشرة أو ثماينة فإذا كان كل ذراع بدرهم فالثمن ثمانية إذا كان ذرعان الثوب ثمانية فعرفنا أن الاختلاف بينهما في مقدار الثمن والحكم فيه التحالف والتراد فأما في الاول فلم يختلفا في مقدار الثمن وانما ادعى المشترى اثبات الخيار لنفسه لفوت وصف شرطه فهو بمنزلة مالو ادعى انه شرطه كابتا أو ادعى شرط الخيار لنفسه ولا تحالف في ذلك بل يكون القول قول المنكر للشرط والله أعلم (باب عتق المولى عبده المأذون ورقيقه) (قال رحمه الله) وإذا أعتق المولى عبده المأذون وعليه دين أكثر من قيمته وهو يعلم أو لا يعلم فعتقه نافذ لبقاء ملكه في رقبته بعد ما لحقه الدين والمولى ضامن لقيمته بالغة
[ 14 ] ما بلغت وان كانت قيمته عشرين ألفا أو أكثر لانه أتلف المالية بالاعتاق وهذه المالية حق الغرماء فيضمنها لهم بالغة ما بلغت كالراهن إذا أعتق المرهون والدين مؤجل ولم يكن عليه دين ولكنه قتل حرا أو عبدا خطأ فأعتقه المولى فان كان يعلم بالجناية فهو مختار للفداء والفداء الدية ان كان المقتول حرا وقيمة المقتول ان كان عبدا الا أن يزيد على عشرة آلاف درهم فينقص منها عشرة لان بدل نفس المملوك بالقتل لا يزيد على عشرة آلاف الا عشرة وان لم يعلم بالجناية غرم قيمة عبده الا أن تبلغ قيمته عشرة آلاف فينقص منها عشرة لان المستحق بالجناية نفس العبد بطريق الجزاء والمولى مخير بين الدفع والفداء فإذا أعتقه مع العلم بالجناية صار مختارا للفداء بمنع الدفع وان كان لا يعلم بالجناية فهو غير مختار للفداء ولكنه مستهلك للعبد الذى استحقه جزاء على الجناية فيغرم قيمته ولا يزاد قيمته على عشرة آلاف الا عشرة لان هذه قيمة لزمته باعتبار الجناية من المملوك فيقاس بقيمة تلزمه بالجناية على المملوك فإذا كان لا يزاد على عشرة آلاف الا عشرة فكذلك القيمة التى تلزمه بالجناية من المملوك وهذا يخالف فضل الدين من وجهين أحدهما أن هناك علم المولى وعدم علمه سواء لان المستحق مالية الرقبة تبعا في الدين واعتاق المولى اتلاف لذلك فيلزمه قيمته سواء كان عالما به أو غير عالم به بمنزلة اتلاف مال الغير وفي الجناية المستحق في حق المولى أحد شيئين وهو مخير بينهما وفي حكم الاختيار يختلف العلم وعدم العلم والثانى أن هناك يغرم قيمته بالغة ما بلغت لان استحقاق تلك القيمة عليه باعتبار سبب يستحق به المالية من غصب وشراء فيتقدر بقدر القيمة وهاهنا وجوب القيمة باعتبار الجناية وقيمة العبد بالجناية لا تزيد على عشرة آلاف الا عشرة وان كان المقتول عبد اغرم المولى الاقل من قيمة عبده ومن قيمة المقتول الا أن يبلغ عشرة آلاف فينقص منها عشره لان الاقل هو المتيقن به فلا يلزم المولى أكثر منه ولا يزاد الواجب على عشرة آلاف الا عشرة لان الواجب باعتبار الجناية على المملوك فان أعتقه وعليه دين وجنايات أكثر من قيمته وهو لا يعلم بالجناية غرم لاصحاب الدين قيمته بالغة ما بلغت لاتلاف المالية التى هي حقهم (ألا ترى) أن قبل العتق كان يدفع بالجنايات ثم يباع بالدين فيسلم المالية للغرماء بكمالها ويغرم لا صحاب الجنايات الاقل من قيمته ومن عشرة آلاف الا عشرة لان المستحق نفسه بالجنايات حر (ألا ترى) أن قبل العتق كان يتخلص المولى من جناياته بدفعه فإذا تعذر الدفع باعتاقه لم يصر مختارا كان عليه قيمته وقيمته بسبب الجناية لا تزيد علي عشرة آلاف
[ 15 ] الا عشرة ولا شركة بين الغرماء ولا بين أصحاب الجنايات لانعدام المشاركة بينهما في سبب وجوب حقهما وفي المحل الذى ثبت فيه حق كل واحد منهما (ألا ترى) أن قبل العتق لم يكن بينهما شركة ولكنه كان يدفع بالجنايات كلها أو لا ثم يباع للغرماء في ديونهم وان أعتقه وهو يعلم بالجنايات صار مختار للفداء في الجنايات فيضمنها كلها وصار ضامنا القيمة للغرماء باتلاف المالية ولا شركة لبعضهم مع البعض في ذلك ولو كان المأذون مدبرا أو أم ولد فأعتقه المولي وعليه دين كبير لم يغرم للمولي شيأ لان حق الغرماء هاهنا ما تعلق بمالية الرقبة بل بالكسب وبالاعتاق لم يثبت شئ من كل حقهم فلا يغرم المولى لهم شيأ لانه ما أفسد عليهم شيأ بخلاف القن وان كان على المأذون دين كثير أو قليل فأعتق المولى أمة من رقيقه فعتقه باطل في قول أبى حنيفة الاول وفى قول الآخر نافذ الا أن يكون الدين محيطا برقبته وبجميع ما في يده فحينئذ عتقه باطل ما لم يسقط الدين وفى قولهما عتقه نافذ على كل حال كما ينفذ في رقبته وهذا بناء على اختلافهم في ملك المولى كسب عبده المديون وقد بيناه فيما سبق فان كان في رقبته وكسبه فضل على دينه حتى جاز عتق المولي لامته فالمولي ضامن قيمة الامة للغرماء لان الدين يشغل كل جزء من أجزاء الكسب والمولى يفسد عليهم مالية المعتقة فيضمن قيمتها لهم فان كان معسرا كانت القيمة دينا على الجارية المعتقة لان المالية التى هي حق الغرماء سلمت لها واحتبست عندها بالعتق فعليها السعاية في قيمتها ويرجع بذلك على المولى لان السبب الموجب للضمان وجد من المولي وكان الضمان دينا في ذمة المولى وانما أخرت هي على قضاء دين المولى ويرجع عليه بذلك كما لو أعتق الراهن المرهون وهو معسر والتدبير في ذلك بمنزلة الاعتاق وذكر في المأذون الصغير ان المولى إذ أعتق جارية العبد المأذون بعد موت المأذون فهو كاعتاقه اياها في حياته وهذا ظاهر في قول أبى حنيفة وعلى قول أبى يوسف ومحمد عتقه وتدبيره جائز وان كان الدين محيطا والمولى ضامن قيمة الامة باتلاف ماليتها على الغرماء فان كان معسرا فللغرماء أن يضمنوها القيمة ويرجع بذلك على المولى كما هو مذهب أبى حنيفة إذا لم يكن الدين محيطا وكذلك الوارث إذا أعتق جارية من التركة وفيها دين غير مستغرق لها فان الوارث مالك للتركة هاهنا فينفذ عتقه ويكون التحريح في حكم الضمان على نحو ما بينا في اعتاق المولى كسب عبده المأذون ولو وطئ المولي أمة المأذون فجاءت بولد فادعى نسبه ثبت نسبه منه عدهم جميعا وصارت الامة أم ولد له ويضمن قيمتها ولا يضمن عقرها لان حق
[ 16 ] المولى في كسب عبده المديون أقوى من الاب في جارية ابنه (ألا ترى) ان المولى يملك استخلاصها لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر والاب لا يملك ذلك في جارية ابنه ثم هناك استيلاده صحيح ويجب عليه ضمان قيمتها دون العقر فكذلك هاهنا وبهذا فرق أبو حنيفة بين الاستيلاد والاعتاق والتدبير وذكر في المأذون الصغير أن صحة دعوته استحسان يعنى على قول أبى حنيفة وفى القياس لا يصح لانه لا يملك كسب عبده المديون إذا كان الدين محيطا كما لا يملك كسب مكاتبه ثم دعواه ولد أمة مكاتبه لا تصح الا بتصديق المكاتب فكذلك دعواه ولد أمة عبده المديون ولكنه استحسن فقال هناك لا يملك استخلاصها لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر فيعتبر بالاستيلاد كانه استخلصها لنفسه بالتزام قيمتها ولا اشكال على قول أبى حنيفة في انتفاء العقر عنه لانه ما كان يملكها ما دامت مشغولة بحق الغرماء فيقدم تمليكها منه بضمان القيمة واسقاط حق الغرماء عنها علي الاستيلاد ليصح الاستيلاد كما يفعل ذلك في استيلاد جارية الابن وعلى قولهما انما لا يجب العقر لانه يملكها حقيقة والوطئ في ملك نفسه لا يلزمه العقر وانما يكون ضامنا لحق الغرماء وحق الغرماء في المالية وقد ضمن لهم جميع قمية المالية والمستوفى بالوطئ ليس بمال ولا حق للغرماء فيه فلهذا لا يغرم عقرهاو كذلك لو كان الوطئ بعد موت المأذون وان أعتق المولي جارية المأذون وعليه دين يحيط بقيمته وما في يده ثم قضى الغرماء الدين أو أبرأه الغرماء أو بعضهم حتى صار في قيمته وفيما في يده فضل علي الدين جاز عتق المولى الجارية لانه حين أعتقها كان سبب الملك له فيها تاما وحق الغرماء كان مانعا فإذا زال المانع بعد العتق كالوارث إذا أعتق عبدا من التركة المتسغرقة بالدين ثم سقط الدين نفذ العتق لهذا المعنى ولو أعتق المولي جارية المأذون وعليه دين محيط فبطل العتق في قول أبى حنيفة ثم وطئها المولى بعد ذلك فجاءت بولد فادعاه فدعواه جائزة وهو ضامن قيمتها للغرماء لما بينا في الاستيلاد لامته إذا كان قبل الاعتاق ثم الجارية حرة لسقوط حق الغرماء عنها والاستيلاد (ألا ترى) أنه لو سقط حقهم عنها بالابراء من الدين كانت حرة باعتاق المولى اياها فكذلك ههنا وعلى المولى العقر للجارية لان الاعتاق من المولى كان سابقا على الوطئ الا أن قيام الدين كان مانعا من نفوذ ذلك العتق فإذا سقط حق الغرماء عنها زال المانع عنها بعد العتق من ذلك الوقت فتبين أنه وطئها بالشبهة وهي حرة فيلزمه العقر لها لان الوطئ في غير الملك لا يحلو عن حد أو عقر وقد سقط الحد للشبهة فيجب العقر فإذا ادعي المولى بعض رقيق
[ 17 ] المأذون أنه ولده ولم يكن ولد في ملك المأذون فدعواه باطلة في قول أبى حنيفة وهى جائزة في قول صاحبيه ويضمن قيمته للغرماء فان كان معسرا ضمن الولد ورجع به على أبيه لان دعوته دعوة التحرير فان أصل العلوق لم يكن في ملكه ودعوة التحرير كالا عتاق وقد بينا هذا الحكم في الاعتاق وقال ابن زياد إذا أعتق المولى أمة من كسب عبده المديون ثم سقط الدين لم ينفذ ذلك العتق وكذلك الوارث في التركة المستغرقة بالدين لان ملكه حدث بعد الاعتاق وهو بمنزلة المضارب إذا أعتق عبد المضاربة ولا فضل فيه على رأس المال ثم ظهر الفضل فيه لا ينفذ ذلك العتق وكذلك المولى إذا أعتق كسب مكاتبه ثم عجز المكاتب لا ينفذ ذلك العتق ولكنا نقول هناك انما أعتق قبل تمام السبب وهو الملك لان مال المضاربة مملوك لرب المال وانما بملك المضارب حصة من الربح والمكاتب بمنزلة الحر من وجه فيمنع ذلك تمام سبب الملك للمولى في كسبه فأما سبب الملك فتام للوارث في التركة بعد موت المورث وللمولى في كسب العبد فيتوقف عتقه على أن يتم بتمام الملك (ألا ترى) أنه لو مات نصراني وترك ابنين نصرانيين وعليه دين مستغرق فأسلم أحد الابنين ثم سقط الدين كان الميراث للابنين جميعا ولو كان تمام سبب الملك عند سقوط الدين كان الميراث كله للابن النصراني لان المسلم لا يرث الكافر فبهذا الحرف يظهر الفرق والله أعلم (باب جناية المأذون على عبده والجناية عليه) (قال رحمه الله) وإذا جنى المأذون على حر أو عبد جناية خطأ وعليه دين قيل لمولاه ادفعه بالجناية أو افده لانه على ملك مولاه بعد ما لحقه الدين وفي البداءة بالدفع بالجناية مراعاة الحقين وفى البداءة بالبيع بالدين ابطال حق الجناية فيجب المصير إلى ما فيه مراعاة الحقين وإذا اختار الفداء فقد طهر العبد من الجناية فيبقي حق الغرماء فيه فيباع في دينهم وان دفعه بالجناية اتبعه الغرماء في أيدى أصحاب الجناية فباعوه في دينهم الا أن يفديه أولياء الجناية لان أولياء الجناية انما يستحقون ملك المولى فيه بطريق الجزاء الا أن يثبت لهم فيه سبب متجدد فهم بمنزلة الوارث يخلفونه في ملكه والعبد المديون إذا مات مولاه اتبعه الغرماء في ملك الوارث فباعوه في دينهم الا أن يقضى الوارث دينهم فكذلك يتبعونه في يد صاحب الجناية فيباع في دينهم الا أن يقضى صاحب الجناية ديونهم وان كان للماذون
[ 18 ] جارية من تجارته فقتل قتيلا خطأ فان شاء المأذون دفعها وان شاء فداها ان كان عليه دين أو لم يكن لان التدبير في كسبه إليه وهو في التصرف بمنزلة الحر في التصرف في ملكه فيخاطب بالدفع أو الفداء بخلاف جنايته بنفسه فالتدبير في رقبته ليس إليه (ألا ترى) أنه لا يملك بيع رقبته ويملك بيع كسبه فان كانت الجناية نفسا وقيمة الجارية ألف درهم ففداه المأذون بعشرة آلاف فهو جائز في قياس قول أبى حنيفة ولا يجوز في قولهما لان من أصلهما أن المأذون لا يملك الشراء بما لا يتغابن الناس في مثله وعند أبى حنيفة يملك ذلك فيطهرها من الجناية باختيار الفداء بمنزلة شرائها بما يفديها به على القولين أو بمنزلة مالو دفعها إلى أولياء الجناية ثم اشتراها منهم بمقدار الفداء وان كانت الجناية عمدا فوجب القصاص عليها فصالح المأذون عنها جاز وان كان المأذون هو القاتل فصالح عن نفسه وعليه دين أو ليس عليه دين لم يجز الصلح لما بينا أنه في التدبير في كسبه بمنزلة الحر في ملكه وفي التدبير في نفسه هو بمنزلة المحجور عليه فلا يجوز صلحه في حق المولى لانه يلتزم المال بما ليس بمال وهو غير منفك الحجر عنه في ذلك ولكن التزامه في حق نفسه صحيح فيسقط القود بهذا الصلح ويجب المال في ذمته ويؤاخذ به بعد العتق بمنزلة مال التزمه بالكفالة أو بالنكاح ولو كان للمأذون دار من تجارته فوجد فيها قتيل وعليه دين أو لادين عليه فالدية على عاقلة المولي في قول أبى يوسف ومحمد لانه مالك لهذه الدار وان كان على عبده دين ودية المقتول الموجود في الملك على عاقلة صاحب الملك باعتبار أنه بمنزلة القاتل له بيده وعند أبى حنيفة رحمه الله ان لم يكن على العبد دين محيط فكذلك وان كان على العبد دين محيط ففى القياس لا شئ علي عاقلة المولى لانه غير مالك للدار عنده ولكن يخاطب بدفع العبد أو الفداء لان حق العبد في كسبه في حكم الجناية كملك المالك في ملكه فبهذا الطريق يجعل كان العبد قتله بيده ولكنه استحسن وجعل الدية على عاقلة المولى لان العبد ليس من أهل الملك والمولى أحق الناس بملك هذه الدار على معنى أنه يملكها إذا سقط الدين ويملك استخلاصها لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر فيكون بمنزلة القاتل بيده باعتبار اقامة سبب الملك التام له فيها مقام الملك ونظيره التركة المتسغرقة بالدين إذا وجد في دار منها قتيل كانت الدية على عاقلة الوارث وهذا لان المانع من الملك بعد تمام السبب حق الغرماء وفي حكم الجناية الغرماء كالاجانب ويجعل في القتيل الموجود فيها كأن المولى مالك لها لما تعذر اعتبار جانب الغرماء في ذلك وعلى هذا لو شهد على المأذون في حائط من هذه الدار
[ 19 ] مائل فلم ينقضه حتى وقع على انسان فقتله فالدية على عاقلة المولي وقالا هذا بمنزلة القتيل يوجد في هذه الدار ولم يذكر فيه قول أبى حنيفة وقيل هو كذلك على جواب الاستحسان عند أبى حنيفة لما قلنا وهو بخلاف ما إذا وقع على دابة فقتلها فان قيمتها في عتق العبد يباع فيها أو يفديه لان حق صاحب الدين يتعلق بالمالية والمولى من ماليته أجنبي لحق غرمائه فلهذا كان ذلك في عنق العبد بمنزلة جنايته على المال بيده وأما حق أولياء الجناية فلا يثبت في المالية التى هي حق الغرماء ولهذا كان موجب جنايته بيده علي مولاه يخاطب بالدفع أو الفداء ففى جناية يترك هدم الحائط المائل أو يترك صيانة داره حتى وجد فيها قتيل يستحق موجبه علي المولى أيضا وإذا كان موجب الجناية على المولى صار المولى فيه كالمالك للدار وكان الاشهاد وجد عليه بطريق أن جناية مملوكه كجنايته فتكون الدية على عاقلة المولى ولو كان على المأذون دين فجنى جناية فباعه المولى من أصحاب الدين بدينهم ولا يعلم بالجناية فعليه قيمته لاصحاب الجناية لان حق أولياء الجناية لايمنع المولى من بيع الجاني فإذا نفذ بيعه كان مفوتا على أولياء الجناية حقهم فان كان عالما بالجناية فعليه الارش وان لم يكن عالما فعليه قيمته كما لو أعتقه ولو لم يبعه من الغرماء ولم يحضروا ولكن حضر أصحاب الجناية فدفعه إليهم بغير قضاء قاض فالقياس فيه أن يضمن قيمته للغرماء لانه صار متلفا على الغرماء محل حقهم باخراجه عن ملكه باختياره فيكون بمنزلة ما لو أعتقه وفى الاستحسان لا ضمان عليه لان حق أولياء الجناية ثابت في عنقه والمولى فعل بدون قضاء القاضى غير ما يأمر به القاضى ان لو رفع الامر إليه فيستوى فيه القضاء وغير القضاء بمنزلة الرجوع في الهبة ثم هو ما فوت على الغرماء محل حقهم فان العبد محل للبيع في الدين في ملك أولياء الجناية كما لو كان الدفع إليهم بقضاء قاض وانما يضمن القيمة باعتبار تفويت محل حقهم فان جعلنا هذا تسليما لما هو المستحق بالجناية لا يفوت به محل حقهم وان جعلناه تمليكا مبتدأ لا يفوت به محل حقهم أيضا لانهم يتمكنون من بيعه كما لو باعه أو وهبه ثم لا فاثدة في هذا القبض لان بعد القبض يجب دفعه إليهم بالجناية ثم بيعه في الدين فلهذا لم يضمن المولى شيأ بخلاف ما سبق من بيعه اياه في الدين ففيه تفويت محل حق أولياء الجناية على معنى أن البيع تمليك مبتدأ ولا سبيل لاولياء الجناية على نقض ذلك ولو لم يدفع بالجناية حتى طالبه الغرماء بدينهم ولم يحضر صاحب الجناية وقد أقر به المولى والغرماء عند القاضى لم يبعه في الدين حتى يحضر صاحب الجناية فيدفعه إليه المولى أو يفديه ثم يبيعه الغرماء لان في بيعه
[ 20 ] في الدين من القاضى ابطال حق أولياء الجناية أصلا فانه يفوت به محل حقهم ولا يكون المولى ضامنا شيأ إذا كان القاضى هو الذى يبيعه وفى التأخير إلى أن يحضر صاحب الجناية اضرار بالغرماء من حيث تأخر حقهم للانتظار وضرر التأخير دون ضرر الانتظار فلهذا يصير إلى الانتظار وان قضى القاضى أن يباع لهم وصاحب الجناية غائب فالبيع جائز لان حق الغريم ثابت في ماليته وهو طالب بحقه ولا يدرى أن صاحب الجناية هل يحضر فيطلب حقه أولا يحضر فلا بمتنع نفوذ قضاء القاضى يبيعه لهذا ثم لا شئ لاصحاب الجناية أيضا أما على المولى فلان القاضى هو الذى باعه وببيع القاضي لا يصير المولى مفوتا محل حق صاحب الجناية والقاضي فيما يقضى مجتهد فلا يكون ضامنا شيأ والعبد بعد العتق ليس عليه من موجب جنايته شئ فان باعه القاضى من أصحاب الدين أو من غيرهم باكثر من الدين كان الفضل عن الدين لصاحب الجناية لان الثمن بدل العبد وكان حقهم ثابتا في العبد فيثبت في بدله (ألا ترى) أن العبد الجاني إذا قتل ثبت حق أولياء الجناية في قيمته فكذلك يثبت حقهم في الثمن الا أنه لا فائدة في استرداد مقدار الدين من الغرماء لحقهم فيجعل الفضل على ذلك لهم وان كان ذلك الفضل أكثر من قيمة العبد الا أن يكون أكثر من أرش الجناية فحينئذ حق أولياء الجناية في مقدار الارش وما فضل عن ارش الجناية فهو للمولى لانه بدل ملكه وقد فرغ عن حق الغير وكذلك ان باعه المولي بامر القاضى فهذا وبيع القاضي سوا وان باعه بغير أمر القاضى بخمسة آلاف درهم وهو لا يعلم بالجناية وقيمته ألف درهم ودينه ألف وجنايته قتل رجل خطأ فانه يدفع من الثمن إلى صاحب الدين مقدار دينه وهو ألف والي صاحب الجناية مقدار قيمته وهو ألف درهم والباقى للمولى لانه قد أوفى صاحب الدين كمال حقه ولم يلتزم لصاحب الجناية الا قيمة العبد ليفوت محل حقه ببيعه بنفسه اختيارا فإذا دفع إليه مقدار قيمته كان الباقي للمولى فإذا قتل المأذون عمدا وعليه دين أو لادين عليه فعلي قاتله القصاص للمولى لانه باق على ملكه بعد ما لحقه الدين ووجوب القصاص له باعتبار ملكه ولا شئ للغرماء لان حقهم في ماليته وقد فات ولم يخلف بدلا فالقصاص ليس ببدل عن المالية وحقهم في محل تمكن ايفاء الدين منه وايفاء الدين من القصاص غير ممكن فان صالح المولى القاتل من دمه على مال قليل أو كثير جاز وأخذه الغرماء بدينهم ان كان من جنسه وان كان من غير جنسه بيع لهم لان القصاص بدل العبد وقد كانوا أحق به وذلك يوجب كونهم أحق ببدله
[ 21 ] الا انه لم يكن البدل محلا صالحا لا يفاء حقهم منه فإذا وقع الصلح عنه علي مال صار محلا صالحا لذلك فيثبت حقهم فيه بمنزلة الموصي له بالثلث والغريم لا يثبت حقه في القصاص فان وقع الصلح عنه على مال ثبت حقه فيه ونفذ الصلح من المولى على أي قدر من البدل كان لانه لاضرر فيه على الغرماء بل فيه توفير المنفعة عليهم بتحصيل محل هو صالح لايفاء حقهم منه ولو لم يقتل المأذون ولكن قتل عبدا له ولا دين على المأذون فعلى القاتل القصاص للمولى دون المأذون لان كسبه خالص ملك المولى وولاية استيفاء القصاص باعتبار الملك ولانه خرج بالقتل من أن يكون كسبا للعبد لان كسبه مما يتمكن هو من التجارة فيه وذلك لا يتحقق في العبد المقتول ولا في القصاص الواجب فكان المولى أخذه منه فيكون القصاص للمولى وان كان على المأذون دين كثير أو قليل فلا قصاص على القاتل وان اجتمع على ذلك المولى والغرماء لان المولى ممنوع من استيفاء شئ من كسبه ما بقي الدين عليه قل الدين أو كثر فلا يتمكن هو من استيفاء القصاص بدلا عن كسبه والغرماء لا يتمكنون من ذلك لان حقهم في المالية والقصاص ليس بمال فلا نعدام المستوفى لا يجب القصاص وإذا لم يجب القصاص باصل القتل لا يجب وان اجتمعا على استيفائه وهو نظير عبد المضاربة إذا قتل وفي قيمته فضل على رأس المال لا يجب القصاص وان اجتمع المضارب ورب المال علي استيفائه لهذا المعنى وعلى القاتل قيمة المقتول في ماله في ثلاث سنين لان القصاص لما لم يجب لا شتباه المستوفى وجب المال ووجوبه بنفس القتل فيكون مؤجلا في ثلاث سنين ولكنه في مال الجاني لانه وجب بعمد محض فلا تعقله العاقلة الا أن تبلغ القيمة عشرة آلاف فحينئذ ينقص منها عشرة لان بدل نفس المملوك بالجناية لا يزيد على عشرة آلاف الا عشرة ويكون ذلك لغرماء العبد لانه بدل المقتول وهو محل صالح لا يفاء حقهم منه وإذا جنى عبد لرجل جناية خطأ فأذن له في التجارة وهو يعلم بالجناية أو لا يعلم فلحقه دين لم يصر المولى مختارا ويقال له ادفعه أو افده لان بالاذن له في التجارة ولحوق الدين اياه لا يمنع دفعه بالجناية (ألا ترى) أنه لو أقر أن ذلك بالجناية لم يمنع دفعه بها فكذلك إذا اعترض وانما يصير المولى مختارا للفداء باكتساب سبب يعجزه عن الدفع بالجناية بعد العلم بها ولم يوجد فان دفعه بالجناية اتبعه الغرماء فبيع لهم الا أن يفديه صاحب الجناية بالدين لان ماليته صارت حقا للغرماء فان فداه صاحب الجناية بالدين أو بيع في الدين رجع صاحبا لجناية على المولي بقيمة العبد فسلمت له لانهم استحقوا
[ 22 ] بجنايتهم عبدا فارغا وانما دفع إليهم عبدا هو مستحق المالية بالدين فإذا استحق من دينهم بذلك السبب كان لهم حق الرجوع على المولى بقيمته بخلاف ما إذا كانت الجناية من العبد بعد ما لحقه دين فان هناك ما استحقوا العبد الا وهو مشغول بالدين مستحق المالية وقد دفعه إليهم كذلك وهو نظير من اغتصب عبدا مديونا ثم رده على المولي فبيع في الدين لم يرجع على الغاصب ولو غصبه فارغا فلحقه دين عند الغاصب بان أفسد متاعا ثم رده فبيع في الدين رجع المولى على الغاصب بقيمته * يوضحه ان استحقاق المالية بالدين كان بسبب باشره المولى بعد تعلق حق أولياء الجناية به وهو الاذن له في التجارة فصار كانه أتلف عليهم ذلك ولا يقال حق أولياء الجناية في نفس العبد لا في ماليته فكيف يغرم المولى لهم باعتبار اكتساب سبب استحاق المالية وهذا لان استحقاق نفس العبد بالجناية لا يكون الاباعتبار ماليته (ألا ترى) أن الجاني الذى ليس بمال لا يستحق نفسه باعتبار المالية وكذلك إذا كان مدبرا أو أم ولد وانما يستحق نفس القن الذى هو محتمل للتمليك باعتبار المالية وكذلك ان كان المولى اذن له في التجارة فلم يلحقه دين حتى جنى جناية ثم لحقه الدين لان استدامة الاذن بعد الجناية من المولى بمنزلة انشائه وكذلك لو رأه يشترى ويبيع بعد الجناية فلم ينهه فسكوته عن النهى بمنزلة التصريح بالاذن له في التجارة وكذلك لو كان الدين لحقه قبل الجناية لم يرجع ولى الجناية على المولى بالقيمة لانه ما استحقه بالجناية الا وهو مشغول بالدين وان كان لحقه ألف درهم قبل الجناية على المولى بالقيمة لانه ما استحقه بالجناية الا وهو مشغول بالدين وان كان لحقه ألف درهم قبل الجناية وألف درهم بعد الجناية وقيمته ألف درهم ثم دفع العبد بالجناية بيع في الدينين جميعا فان بيع أو فداه أصحاب الجناية بالدينين فانهم يرجعون علي المولى بنصف القيمة وهو حصة أصحاب الدين على الآخر اعتبارا لكل واحد من الدينين بما لو كان هو وحده وهذا لان نصف الثمن الذى أخذه صاحب الدين الآخر انما أخذه باستدامة الاذن من المولى بعد الجناية لانه كان متمكنا من الحجر عليه ولو حجر عليه لم يلحقه الدين الآخر في حال رقه فلهذا صار المولى ضامنا لما وصل إلى صاحب الدين الآخر من مالية العبد * فان قيل كيف يستقيم هذا ولو لم يلحقه الدين الآخر لم يسلم لاولياء الجناية شئ من ماليته أيضا لان الدين الاول محيط بماليته فينبعى أن لا يضمن المولى لهم شيأ * قلنا نعم ولكن ما أخذه أصحاب الدين الآخر لا يسلم لهم الا بعد سقوط حق صاحب الدين الاول عن ذلك وباعتبار سقوط حقه عنه هو
[ 23 ] سالم لصاحب الجناية لولا استدامة المولي الاذن له حتى لحقه الدين الآخر فلهذا ضمن المولى ذلك لصاحب الجناية وإذا قتل العبد المأذون أو المحجور رجلا خطأ ثم أقر عليه المولى بدين يستغرق رقبته فليس هذا باختيار منه لان اقرار المولى عليه لا يمنعه من الدفع بالجناية فان هذا الدين لا يكون أقوى من الدين الذى يلحقه بتصرفه فان دفعه بيع في الدين الا أن يفديه ولي الجناية لان الدين ثبت عليه باقرار المولى فاشتغلت ماليته بالدين كما لو رهن عبده الجاني ثم يرجع ولى الجناية على المولى بقيمته لما بينا أنه أتلف عليه ماليته باكتسابه سبب اشتغاله بحق المقر له بعدما ثبت فيه حق ولى الجناية ولو كان المولى أقر عليه بقتل رجل خطأ ثم أقر عليه بقتل رجل خطأ وكذبه في ذلك أولياء الجناية الاولى فانه يدفعه بالجنايتين أو يفديه لان اقراره عليه بالجناية بمنزلة التصرف منه فيه وحق ولي الجناية فيه لا يمنع نفوذ تصرف المولى فما ثبت باقراره من الجناية بمنزلة الثابت بالبينة أو بالمعاينة في حقه فيدفعه بالجنايتين فان دفعه اليهما نصفين رجع أولياء الجناية الاولي علي المولى بنصف قيمته لانهم كانوا استحقوا جميع العبد بالجناية حين أقر لهم المولى بذلك ثم صار المولى متلفا عليهم نصف الرقبة باقراره بالجناية الاخرى وقد تم ذلك الاتلاف بدفع النصف إلى المقر له فلهذا يغرم له نصف قيمته ولا يغرم للمقر له الثاني شيأ لانه ما ثبت حقه الا في النصف فانه حين أقر له بالجناية كانت الجناية الاولى ثابتة وهى مزاحمة للاخرى فيمنع ثبوت حق المقر له الثاني فيما زاد علي النصف وقد سلم نصف العبد وان كان عليه دين يستغرق رقبته فأقر لمولي عليه بجناية لم يجز اقراره لان استغراق رقبته بالدين يمنع المولي من التصرف فيه والاقرار بالجناية تصرف فلا يصح الا أن يفديه من الدين فيزول المانع به ويصير كالمحدود لا قراره بعد ما سقط الدين فيؤمر بأن يدفعه بالجناية أو يفديه ولو قتل العبد رجلا عمدا وعليه دين فصالح المولى صاحب الجناية منها على رقبة العبد فان صلحه لا ينفذ على صاحب الدين لانه يملك رقبته عوضا عما لا يتعلق به حق صاحب الدين ولو ملكه عوضا عما يتعلق به حقهم لم ينفذ عليهم كالبيع فهذا أولى ولكن ليس لصاحب الدم أن يقتله بعد ذلك لان صلحه كعفو وأكثر ما فيه ان البدل مستحق لصاحب الدين ولكن استحقاق البدل في الصلح من دم العمد لا يمنع سقوط القود ثم يباع العبد في دينه فان بقى من ثمنه شئ بعد الدين كان لاصحاب الجناية لان حكم البدل حكم المبدل وهم قد استحقوا نفس العبد بالصلح متى سقط صاحب الدين عنه (ألا ترى) أنه لو أبرأه عن الدين كان العبد
[ 24 ] سالما لاصحاب الجناية فلذلك لم يسلم لهم ما يفرغ من بدله من حق صاحب الدين فان لم يبق من ثمنه شئ فلا شئ لصاحب الجناية علي المولى ولا على العبد في حال رقه ولا بعد العتق لان المولى ما التزم لصاحب الجناية شيأ في ذمته بالصلح وانما سلم للعبد القصاص بالعقد وهو لا يضمن بالمال عند الاتلاف فكذلك لا يضمنه العبد باحتباسه عنده أو سلامته له ولو لم يصالح ولكن عفا أحد أولياء الدم فان المولى يدفع نصفه إلى الاآخر أو يفديه لان حق الذى أسقط لم يظهر في حق الذى لم يعف فهذا وما لو كانت الجناية خطأ في الابتداء سواء فيدفع المولي إليه نصيبه أو يفديه ثم يباع جميع العبد في الدين لان حق الغريم لا يسقط عن مالية العبد بدفع جميعه بالجناية فكذلك بدفع نصفه ولو أقر العبد أنه قتل رجلا عمدا وعليه دين كان مصدقا في ذلك صدقه المولى أو كذبه لان موجب اقراره استحقاقه دمه ودمه خالص حقه فان العبد يبقى فيه على أصل الحرية ثم حق الغريم في ماليته لا يكون أقوى من ملك مولاه وملك المولى لا يمنع استحقاق دمه باقراره علي نفسه بالقود فكذلك حق الغريم وان عفا أحد أولياء الجناية بطلت الجناية كلها لان نصيب العافى قد سقط بالعقر ولو بقي نصيب الذى لم يعف لكان موجبة الدفع بمنزلة جناية الخطأ واقرار العبد بالجناية خطأ باطل إذا كذبه المولي فيه فيباع في الدين الا أن يفديه المولي بجميع الدين فان فداه وقد صدق العبد بالجناية قيل له ادفع النصف إلى الذى لم يعف وان كان كذبه في ذلك كله فالعبد كله للمولى إذا فداه بالدين لان حق الذى لم يعف غير ثابت في حق المولي إذا كذب العبد فيه وإذا وجد المأذون في دار مولاه قتيلا ولا دين عليه فدمه هدر وان كان عليه دين كان على المولى في ماله حالا الاقل من قيمته ومن دينه بمنزلة مالو قتل المولى القتيل بيده (ألا ترى) أنه لو وجد عند الغير قتيلا في داره جعل كانه قتله بيده فكذلك إذا وجد عنده قتيلا فيه ولو قتله بيده عمدا أو خطأ كان عليه الاقل من قيمته ومن الدين في ماله حالا لان وجوب الضمان عليه باعتبار حق الغريم في المالية ولو وجد عبدا من عبيد المأذون قتيلا في دار المولي ولا دين على المأذون فدمه هدر لانه مملوك للمولي بمنزلة رقبة المأذون ولانه كالقاتل له بيده وان كان علي المأذون دين محيط بقيمته وكسبه فعلى المولى قيمته في ماله في ثلاث سنين في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله وفى قولهما عليه قيمته حالا وان كان الدين لا يحيط
[ 25 ] بجميع ذلك كانت القيمة حالة في قولهم جميعا بمنزلة مالو قتله المولى بيده وهذا بناء علي ما تقدم ان الدين إذا لم يكن محيطا فالمولى مالك لكسبه كما هو مالك لرقبته فيكون الضمان عليه لحق الغريم في ماليته وان كان الدين محيطا فكذلك عندهما وعند أبى حنيفة هو لا يملك كسبه في هذه الحالة فقتله اياه بمنزلة قتله عند الاجنبي فتكون القيمة مؤجلة في ثلاث سنين لان وجوبها باعتبار القتل ولكنها عليه في ماله لانه من وجه كالمالك على معني انه يتمكن من استخلاصه لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر فلا تعقله العاقلة لذلك وان قتل المولى مكاتبه أو عبد مكاتبه عمدا أو خطأ أو وجد المكاتب قتيلا في دار مولاه يجب علي المولى قيمة القتيل في ماله في ثلاث سنين لان وجوب القيمة هاهنا باعتبار القتل فان كسب المكاتب غير مملوك للمولى رقبته من وجه كالزائلة عن ملك المولى على ما عرف ان المكاتب صار بمنزلة الحر يدا فتجب علي المولى القيمة بنفس القتل فتكون مؤجلة ولكنها تجب في ماله لان رقبته مملوكة له من وجه أن له في كسبه حق الملك علي معنى أنه يملكه حقيقة عند عجز المكاتب فلا تعقله العاقلة كذلك وهذا إذا كان في القيمة وفي تركته وفاء لمكاتبه لانه حينئذ يبقى عقد الكتابة ويؤدى البدل من كسبه وبدل نفسه فيحكم بحريته فان لم يكن وفاء فيهما فلا شئ على المولي في قتل مكاتبه لان الكتابة انفسخت بموته عاجزا فتبين انه قتل عبده ولا دين عليه ولو وجد المولى قتيلا في دار العبد المأذون كانت دية المولى على عاقلته في ثلاث سنين لورثته في قياس قول أبى حنيفة وفى قولهما دمه هدر لان هذه الدار في حكم القتيل الموجود فيها بمنزلة دار أخرى للمولى حتى لو وجد فيها أجنبي قتيلا كانت ديته علي عاقلة المولى فإذا وجد المولي قتيلا فيها فهذا رجل وجد قتيلا في دار نفسه وهذا الخلاف معروف فيما إذا وجد قتيلا في دار نفسه وسنبينه في كتاب الديات ولو وجد العبد قتيلا في دار نفسه ولا دين عليه فدمه هدر لان داره مملوكة للمولى فكأنه وجد قتيلا في دار المولى وان كان عليه دين فعلى المولى الاقل من قيمته ومن ديته حالا في ماله بمنزلة مالو وجد قتيلا في دار أخرى للمولى لان دار العبد في حكم القتيل الموجود فيها بمنزلة دار المولى فكذلك إذا وجد العبد فيها قتيلا وذكر في المأذون الصغير ان هذا استحسان سواء كان عليه دين أولم يكن ولو وجد الغريم الذى له الدين قتيلا في دار العبد المأوذن كانت ديته علي عاقلة مولاه في ثلاث سنين لانه في ملك داره كغيره من الاجانب وانما حقه في دين ذمته متعلق بمالية كسبه
[ 26 ] وبذلك لا يختلف حكم جنايته عليه ثم لا يبطل دينه على العبد بمنزلة مالو وجد قتيلا في دار أخرى للمولى وكذلك لو كان القتيل عبدا للغريم كانت قيمته على عاقلة المولى في ثلاث سنين عبده في ذلك كعبد غيره وإذا أذن المكاتب لعبده في التجارة فوجد في دار المأذون قتيل وعليه دين أو لادين عليه فعلي المكاتب قيمة رقبته لاولياء القتيل في ماله حالة بمنزلة مالو وجد قتيلا في دار أخرى من كسب المكاتب لان المكاتب في كسبه بمنزلة الحر في ملكه فيصير كالجاني بيده وجناية المكاتب توجب الاقل من قيمته ومن ارش الجناية فهذا مثله ولو كان الذى وجد قتيلا في دار العبد هو المكاتب كان دمه هدرا كما لو وجد قتيلا في دار أخرى له وهذا لانه يصير كالجاني على نفسه وأبو حنيفة رحمه الله يفرق بين المكاتب والحر في ذلك لان موجب جناية الحر على العاقلة وموجب جناية المكاتب على نفسه فلا يستقيم أن يجب له على نفسه وسنقرر هذا الفرق في كتاب الديات ان شاء الله تعالى ولو كان المأذون هو الذى وجد قتيلا في داره كان علي المكاتب الاقل من قيمته ومن قيمة المأذون في ماله حالا لغير المأذون لان هذه الدار في حكم القتيل الموجود فيها كدار أخرى للمكاتب ولو وجد العبد قتيلا في دار أخرى للمكاتب كان المكاتب كالجاني عليه بيده فيلزمه أقل القيمتين في ماله حالا لغرمائه فكذلك إذا وجد في هذه الدار قتيلا والله أعلم بالصواب (باب ما يجوز للمأذون أن يفعله وما لا يجوز) (قال رحمه الله) وليس للمأذون أن يكاتب عبده لانه منفك الحجر عنه في التجارة والكتابة ليست بتجارة ولكنها عقد ارقاق يقصد بها الاعتاق والمأذون فيما ليس بتجارة كالمحجور كالتزويج ثم الفك بالكتابة فوق الفك الثابت بالاذن ولا يستفاد بالشئ ما هو فوقه في محل فيه حق الغير فان كاتبه وأجاز مولاه الكتابة جاز إذا لم يكن عليه دين لان هذا عقد له منجز حال وقوعه فيتوقف علي الاجازة فتكون الاجازة في الانتهاء كالاذن في الابتداء وبيانه ان كسب المأذون خالص ملك المولى يملك فيه مباشرة الكتابة فيملك فيه الاجازة ثم لا سبيل للعبد علي قبض البدل بل كل ذلك إلى المولي لان العبد نائب عنه كالوكيل والكتابة من العقود التى يكون العاقد فيها معتبرا فيكون قبض البدل إلى من نفذ العقد من جهته وان دفعها المكاتب إلى العبد لم يبرأ الا أن يوكله المولى بقبضها لان العبد في حكم قبض
[ 27 ] بدل الكتابة كاجنبي آخر وكذلك ان لحقه دين بعد اجازة المولى الكتابة لان باجازته صار المملوك مكاتبا له وخرج من أن يكون كسبا لعبده فالدين الذى يلحق العبد فيه ذلك لا يتعلق برقبته ولا بكسبه كما لو أخذه المولى من يده وكاتبه أو لم يكابته ولو كان عليه دين كثير أو قليل فمكاتبته باطلة وان أجازه المولى لان المولى بالاجازة يخرج المكاتب من أن يكون كسبا للعبد وقيام الدين عليه يمنع المولي من ذلك قل الدين أو كثر كما لو أخذه من يده وعليه دين فان لم يرد الكتابة حتى أداها فان كان المولي لم يجزها لم يعتق ورد رقيقا للمأذون فبيع في دينه وصرف ما أخذه منه من المكاتبة في دينه لان الكتابة بدون اجازة المولى لغو وهو موقوف علي اجازته فاداء بدل الكتابة في حال توقف العتق لا يوجب العتق له والعبد حين قبض البدل منه يصير كالمعتق له واعتاقه لغو والمقبوض من اكسابه يصرف إلى دين المأذون مع رقبته بطريق البيع فيه وان كان المولى أجاز المكاتبة وأمر العبد بقبضها وعلى العبد دين يحيط برقبته وبما في يده فادي المكاتب المكاتبة فهذا والاول سواء في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله لان المولى لا يملك كسبه حتى لا ينفذ منه مباشرة الكتابة والاعتاق فيه فلا يعمل اجازته أيضا ولا يعتق بقبض البدل منه كما لو أعتقه قصدا وفى قولهما هو حر لان المولي يملك كسبه وان كان دينه محيطا حتى لو أعتقه ينفذ عتقه فكذلك إذا أجاز مكاتبته وقبض البدل هو أو العبد بأمره يجعل كالمعتق له فيكون حرا والمولي ضامن لقيمته للغرماء لان ماليته كانت حقا لهم وقد أتلفها المولى عليهم وكذلك المكاتبة التي قبضها المولى تؤخذ منه فتصرف إلى الغرماء لانه أدى المكاتبة من كسبه والغرماء أحق بكسبه من المولي فلا يسلم ذلك للمولي ما بقى من دينهم ولو كان دين المأذون لا يحيط به وبماله عتق عندهم جميعا لان اجازة المولى الكتابة كمباشرته ولو كاتبه وقبض البدل عتق فان الدين إذا لم يكن محيطا لا يمنع ملكه ولا اعتاقه ثم يضمن قيمته للغرماء ويأخذ الغرماء المكاتبة التى قبضها المولي أو المأذون من دينهم لان حقهم في كسبه ومالية رقبته مقدمة على حق المولي وقد أتلف المولي مالية رقبته بالاعتاق وليس للمأذون أن يكفل بنفس ولا مال لان الكفالة من عقود التبرعات باعتبار أصل الوضع والتبرع ضد التجارة وانفكاك الحجر عنه في التجارة خاصة وهذا بخلاف التوكيل في الحجر بالشراء لانه ليس بتبرع باعتبار أصل الوضع بل هو من عمل التجارة (ألا ترى) ان التجار لا يتحرزون عن ذلك ويتحرزون عن الكفالة غاية التحرز وكذلك لا يهب ولا
[ 28 ] يتصدق بالدرهم والثوب وما أشبه ذلك ولا يعوض ما وهب له بغير شرط لان هذا كله تبرع باعتبار أصل الوضع ولا يقرض لانه تبرع قال عليه السلام قرض مرتين صدقة مرة فان أجاز المولي هذه التبرعات منه فان لم يكن عليه دين فلا بأس به وان كان عليه دين لم يجز شئ من ذلك لان كسبه إذا لم يكن عليه دين فمالية رقبته ومنافعه كلها لمولاه فاجازته كمباشرته وان كان عليه دين فحق الغرماء في ذلك مقدم على حق المولى فلهذا لا يجوز شئ من ذلك وإذا أهدى العبد المأذون هدية أو دعا رجلا إلى منزله فغذاه أو أعاره دابة يركبها أو ثوبا يلبسه فلا بأس به ولا ضمان فيه على الرجل ان هلك شئ من ذلك عنده كان على العبد دين أو لم يكن وفى القياس هذا كله باطل لانه تبرع والعبد ليس من أهله ولكنه استحسن فقال وهذا مما يصنعه التجار ولا يجدون منه بدا في التجارة فانهم يحتاجون إلى استجلاب قلوب المهاجرين الي أنفسهم واعارة موضع الجلوس والوسادة ممن يأتيهم ليعاملهم فلو لم نجوز ذلك من المأذون لادى إلى الحرج والحرج مدفوع وأيد هذا الاستحسان ما روينا أن النبي عليه السلام كان يجيب دعوة المملوك وان سلمان رضي الله عنه أهدى إلى النبي عليه السلام وهو مملوك فقبله وأكل أصحابه رضى الله عنهم وأتاه بصدقة فأمر أصحابه باكلها ولم يأكل منها وعن عمر رضي الله عنه انه سئل عن العبد يتصدق بشئ فقال بالرغيف ونحوه وبه نأخذ فنقول يتصدق المأذون بالطعام ولا يتصدق بالدراهم والكسوة ونحو ذلك لان. أمر الطعام مبيتي على التوسع ولهذا جاز للمرأة أن تتصدق بمثل ذلك من مال الزوج بدون استطلاع رأى الزوج فان الناس لا يمتنعون من ذلك عادة والمكاتب في جميع ذلك كالعبد لان الرق الحاجز له عن التبرعات قائم فيه الا أن في حق المكاتب لا يجوز ذلك الا باذن المولى بخلاف المأذون إذا لم يكن عليه دين لان كسب المأذون خالص ملك المولى والمولى ممنوع من كسب المأذون سواء كان عليه دين أو لم يكن ولو أعتق المأذون أمته على مال لم يجز لان هذا التصرف ليس بتجارة فان أجازه المولي جاز ان لم يكن عليه دين كما لو باشره بنفسه والمال دين للمولى عليها ولا يجوز قبض المأذون له منها لانه في العقد كان معبرا عن المولي فهو في قبض البدل كاجنبي آخر وان لحقه دين بعد اجازة المولى لم يكن للغريم في ذلك المال حق لانه كسب حر فلا يتعلق به حق غرماء المأذون وان كان على المأذون دين لا يحيط برقبته وبما في يده جاز العتق باجازة المولي أيضا لكونه مالكا فيها وعليه قيمتها للغرماء
[ 29 ] لان حقهم في ماليتها وقد تلفها المولى بالاجازة ثم المال عليها للمولى لاحق لغرماء المأذون في ذلك بخلاف ما تقدم من الكتابة لان الامة هاهنا تعتق بنفس القبول وما تكتسب بعد ذلك خالص ملكها فانما يؤدى بدل الكتابة من كسب اكتسبه في حال رقه وحق الغرماء فيه مقدم على حق المولى وان كان الدين يحيط بالمأذون وبما في يده فكذلك في قولهما وفي قول أبى حنيفة لا تعتق لانه لا حق للمولى في كسب المأذون في هذه الحالة ولو تزوج المأذون امرأة حرة بغير اذن مولاه ودخل بها يفرق بينهما لان النكاح ليس بتجارة فالمأذون فيه كالمحجور ولكن يلزمه المهر بالدخول بشبهة العقد الا انه لا يؤاخذ بالمهر حتى يعتق لان هذا دين لزمه بسبب عقد هو غير مأذون فيه من جهة المولى فيؤخر الي ما بعد العتق كدين الكفالة وقد بينا في النكاح أن المأذون لا يزوج عبده وان في تزويجه أمته خلافا وللمأذون أن يدفع المال مضاربة بالنصف لان له أن يستأجر أجيرا يعمل في ماله باجر مضمون في ذمته والاستئجار للعمل ببعض الربح يكون أنفع له وهو من صنيع التجار وكذلك يأخذ مالا مضاربة بالنصف لانه يشترى بثمن في ذمته ولا يرجع به على غيره ليستفيد الربح فلان يملك الشراء على وجه يرجع فيه بالعهد على غيره ويحصل الربح لنفسه كان أولي وإذا اشترك العبد ان المأذون لهما في التجارة شركة عنان على أن يشتريا بالنقد والنسيئة بينهما لم يجز من ذلك النسيئة وجاز النقد لان في النسيئة معنى الكفالة عن صاحبه والمأذون لا يملك الكفالة فهو بمنزلة ما لو اشتركا شركة مفاوضة فان الشركة بينهما تكون عنانا لا مفاوضة لما فيها من معنى الكفالة فان أذن لهما الموليان في الشركة على الشراء بالنقد والنسيئة ولا دين عليهما فهو جائز كما لو أذن لكل واحد منهما مولاه بالكفالة أو التوكل بالشراء بالنسيئة وإذا اشترى المأذون وعليه دين أو لادين عليه ثوبا بعشرة وباعه من مولاه بخسمة عشر لم يبعه المولى مرابحة الا على عشرة لتمكن تهمة المسامحة في المعاملة بينه وبين المولي ولو كان المولى اشتراه بعشرة ثم باعه من العبد بخمسة عشر أو باعه من أمة لعبد مأذون لها في التجارة فتهمة المسامحة بينهما متمكنة وكذلك لو كان المأذون اشتراه ثم باعه من مكاتب للمولي أو عبد آخر له أو من عبد لمكاتب المولى أو من مضارب للمولى أو من مضارب المكاتب لم يبعه مرابحة الا على أقل الثمنين ولو باعه من ابن المولي أو أبيه أو امرأته فكذلك في قول أبى حينفة لتمكن التهمة بينه وبين من لا تجوز شهادته له وفى قولهما يبيعه مرابحة على خمسة عشر لانه ليس للمولى
[ 30 ] في مال هؤلاء ملك ولا حق ملك وقد بينا هذا في البيوع والله أعلم (باب الغرور في العبد المأذون له) (قال رحمه الله) وإذا جاء الرجل بالعبد إلى السوق فقال هذا عبدى فبايعوه فقد أذنت له في التجارة فبايعوه وبايعه أيضا من لم يحضر هذا القول ولم يعلم فلحقه دين ثم علم انه كان حرا أو استحقه رجل فعلى الذى أمرهم بمبايعته الاقل من قيمته ومن الدين للذين أمرهم بمبايعته ولسائرهم لانه بما صنع صار غارا لهم فان أمره اياهم بالمبايعة معه يكون تنصيصا علي انه يصرف ماليته إلى ديونهم إذا لحقه دين ويصير الآمر بمنزلة الكفيل لهم بذلك (ألا ترى) ان العبد لو كان مملوكا له كما قاله كان حقهم ثابتا في ماليته وكان المولي كالكفيل لهم عن عبده بقدر مالية الرقبة فإذا تحقق معنى الغرور ثبت لهم حق الرجوع عليه بما وجد فيه الغرور أو الكفالة وهو الاقل من قيمته ومن ديونه ومن خاطبه بكلامه ولم يحضر مقالته ولم يعلم به في ذلك سواء لان هذا حكم ينبنى على ثبوت الاذن والاذن إذا كان عاما منتشرا يكون ثابتا في حق من علم به وفى حق من لا يعلم فكذلك الاذن وما ينبنى عليه من الغرور والكفالة ويستوى ان كان قال فقد أذنت له في التجارة أو لم يقل لانه لما قال هذا عبدى فبايعوه فالغرور والكفالة تثبت باضافته إلى نفسه وأمره اياهم بمبايعته فمن ضرورة ذلك الاذن له في التجارة ولا يضمن لم شيأ من مكسوبه لان الكسب لم يكن موجودا عند مقالة المولى ولا يدرى أيحصل أم لا يصحل فلا يثبت فيه حكم الكفالة والغرور وان شاؤا رجعوا بدينهم على الذى ولى مبايعتهم ان كان حرا لانه باشر سبب التزام الدين وهو من أهله وان كان عبدا لم يرجعوا عليه بشئ حتى يعتق لان مولاه لم يرض بصرفه وتعلق الدين بماليته وان اختاروا ضمان المولى ثم توى ما عليه اتبعوا العبد بجميع دينهم إذا عتق لان التزامه في ذمته صحيح والمولى كان كفيلا عنه بقدر مالية الرقبة فإذا لم يصل إليهم من جهة الكفيل كان لهم أن يرجعوا على الاصيل بجميع دينهم إذا عتق ولو لم يكن هذا ولكن العبد أقام البينة ان مولاه الذى أذن له كان دبره قبل أن يأذن أو كاتب أمه فان قامت البينة انها أم ولد له فهذا بمنزلة المستحق لانه تعذر عليهم استيفاء ديونهم من مالية الرقبة لثبوت حق عتقه لهم عند مقالة المولى فنزل ذلك منزلة حق المستحق أو حقيقة الحرية إذا قامت البينة علي حريتهم
[ 31 ] وإذا اختاروا أن يضمنوا المولى قيمة المدبر وأم الولد فلا سبيل لهم عليهما فيما بقى من دينهم حتى يعتقا لان كسبهما ملك المولي وقد غرم المولى لهم مالية الرقبة فلا يبقى لهم سبيل على كسب هو مملوك له ولو جاء به إلى السوق فقال عبدى هذا وقد أذنت له في التجارة ولم يقل بايعوه والمسألة بحالها لم يكن هذا غرورا ولم يلزم هذا الآذن ضمان شئ لانه أخبرهم بخبر وما أمرهم بمباشرة عقد الضمان معه وحكم الغرور والكفالة لا يثبت بمجر الخبر (ألا ترى) أنه لو أخبر انسانا بحرية امرأة فتزوجها فاستولدها ثم استحقت لم يرجع المغرور علي الخبر بشئ ولو زوجها منه على أنها حرة ثم استحقت رجع على المزوج بما غرم من قيمة أولادها فالامر بالمبايعة ههنا في حكم الغرور نظير التزويج هناك والاخبار بالملك والاذن ها هنا نظير الاخبار بالحرية هناك وان قال هذا عبدى فبايعوه في البز فان قال قد أذنت له في التجارة فبايعوه في غير البز والمسألة بحالها كان الآمر ضامنا للغرماء الاقل من دينهم ومن قيمة العبد لان التقييد بالبز في الامر بالمبايعة لغو علي ما بينا ان فك الحجر لا يقبل التخصيص بنوع من التجارة فكان هذا والامر بالمبايعة مطلقا سواء بخلاف ما إذا قال لحر ما بايعت به من البز فلانا فهو على فبايعه غيره في البز لا يجب على الكفيل منه شئ لان الكفالة تقبل التخصيص وفك الحجر الثابت بالامر بالمبايعة مع العبد لا يقبل التخصيص فلهذا كان ضامنا (أرأيت) لو بايعوه في البز فاستقرض ثمن البز من رجل فقضى به الذين بايعوه أما كان للمقرض أن يرجع بدينه علي الذى أمره بالمبايعة وهو مغرور في ذلك بمنزلة الذين بايعوه في البز (أرأيت) لو اشترى بزا علي أن يضمن الثمن عنه رجل فادى الكفيل الذين بايعوه في البز أما كان للكفيل أن يرجع عليه بذلك وإذا أذن لعبده في التجارة ولم يأمر بمبايعته ثم ان المولى أمر رجلا بعينه أو قوما باعيانهم بمبايعته فبايعوه مرة أخرى وقد علموا بامر المولى فلحقه دين ثم استحق أو وجد حرا أو مدبرا فللذين أمرهم المولى عليه بمبايعته الاقل من حصتهم من قيمة العبد ومن دينهم وأما الآخرون فلا شئ لهم علي المولى من ذلك لان الغرور ثبت باعتبار الامر بالمبايعة دون الاذن في التجارة والامر بالمبايعة كان لخاص فلا يتعدى حكمه إلى غيره بخلاف الاول فالامر بالمبايعة هناك عام منتشر وهذا نظير الحجر بعد الاذن العام فانه إذا نهى واحدا أو اثنين عن مبايعته لا يثبت حكم ذلك النهى في حق سائر الناس وإذا كان النهى عاما منتشرا يثبت حكمه في حق كل من علم به وفى حق من مل يعلم به إذا ثبت هذا
[ 32 ] فنقول انما يغرم الذين أمرهم بمبايعته مقدار ما كان يسلم لهم لو كان ما أخبر به حقا وذلك الاقل من حصتهم من القيمة ومن ديونهم فانما يتحقق الغرور في حقهم في ذلك القدر ولو كان أمر قوما باعيانهم بمبايعته في البز فبايعوه في غيره وفيه فهو سواء والضمان واجب لهم علي الغار لان التقييد في حقهم في البز لغو فان الامر بالمبايعة في حقهم بمنزله الامر العام في حق الجماعة وقد بينا أن هناك لا يعتبر التقييد بالبز فهذا مثله وان أتى به إلى السوق فقال بايعوه ولم يقل هو عبدى فلحقه دين ثم استحق أو وجد حرا أو مدبرا لم يكن على الآمر شئ لان هذه مشتورة أشاره بها عليهم فلا يثبت بها الغرور وهذا لانه لم يضفه إلى نفسه بالملك والغرور والكفالة تنبنى على ذلك فانه بالامر بالمبايعة انما يصير ضامنا لهم مالية مملوكة لهم وانما يكون مطمعا لهم في سلامة مالية مملوكة له وذلك لا يتحقق الا باضافته إلى نفسه بالملكية ولو كان أتى به إلى السوق وقال هذا عبدى فبايعوه ثم دبره ثم لحقه دين لم يضمن المولى شيأ لانه لم يغرهم في شئ فانه كان عبدا له قنا كما أخبرهم به وبمجرد الاذن لا يتعلق حق أحد بمالية رقبته ما لم يجب عليه دين فيكون هو بالتدبير متصرفا في خالص ملكه لاحق لغيره فيه فلا يضمن شيأ ولكن الغلام يسعى في الدين وكذلك لو كان أعتقه بعد الاذن ثم لحقه الدين لان اعتاقه لاقى خالص ملكه ولا حق لاحد فيه ولو باعه بعد الاذن ثم بايعوه فلحقه دين لم يكن على الآمر منه شئ لانه لم يغرهم في شئ ولكن ما أخبر به كان حقا فلا يضمن لاجل الغرور ولا يضمن للتصرف لانه حين تصرف لم يكن حقهم متعلقا بماليته ولو جاء به إلى السوق فقال هذا عبدى فبايعوه وقد أذنت له في التجارة فبايعوه ثم استحق أو وجد حرا والذى أمرهم بمبايعته عبد مأذون أو مكاتب أو صبي مأذون له في التجارة فلا ضمان على الآمر في ذلك علم الذين بايعوه بحال الآمر أو لم يعلموا لان ضمان الغرور بمنزلة ضمان الكفالة وهو في هذا الموضع أمين فالآمر يصير كالكفيل للغرماء عنه بقدر مالية الرقبة وكفالة الصبي المأذون له في التجارة لا يلزمه شئ بحال علم المكفول له بحاله أو لم يعلم وكفالة العبد والمكاتب لا تلزمهما شيها حتى يعتقا فإذا عتقا رجع عليهما غرماء العبد بالاقل من دينهم ومن قيمة الذى بايعهم لان التزامهما بالكفالة صحيح في حقهما قال (ألا ترى) ان الذى اشترى المغرور منه لو كان فيه ربح لم يكن للآمر من ذلك قليل ولا كثير وهذا إشارة بمنزلة الكفالة في حقه لا بمنزلة
[ 33 ] الوكالة بالشراء فان كان الآمر مكاتبا جاء بامته إلى السوق فقال هذه أمتى فبايعوها فقد أذنت لها في التجارة فلحقها دين ثم علم انها قد ولدت في مكاتبته قبل أن يأذن لها فللغرماء أن يضمنوا المكاتب الاقل من قيمتها أمة ومن دينهم لانه صار غارا لهم بما أخبرهم به فصار ضامنا لهم عنها بمقدار مالية رقبتها وضمان المكاتب عن أم ولده مالا يكون صحيحا لان كسبها للمكاتب فيجوز ضمانه عنها بخلاف ما إذا استحقت أو وجدت حرة لان المكاتب لا يكون مالكا لكسبها ولا يجوز ضمانه عنها وقد بينا ان ضمان الغرور بمنزلة ضمان الكفالة وإذا أتى الرجل بالعبد إلى السوق فقال هذا عبدى فبايعوه فقد أذنت له في التجارة فبايعوه فلحقه دين ثم استحقه رجل وقد كان المستحق أذن له في التجارة قبل أن يأتي به الآخر إلى السوق فانه يباع في الدين ولا ضمان علي الذى أمرهم بمبايعته لان بما ظهر من الاستحقاق لم يمتنع سلامة شئ مما ضمن سلامته لهم فانه انما ضمن لهم سلامة مالية لرقبة وذلك سالم لهم سواء كان مأذونا له في التجارة من جهة المستحق أو من جهة الآمر ولو كان مدبرا للمستحق مأذونا له في التجارة ضمن له الغار والاقل من قيمته غير مدبر ومن دينهم لانه لم يسلم لهم ما ضمن الآمر سلامته لهم وهو مالية الرقبة (ألا ترى) انه لو ظهر انه كان مدبرا للآمر يضمن لهم الاقل من قيمته غير مدبر ومن دينهم فإذا ظهر أنه كان مدبرا لغيره أولي ولو كان عبدا محجورا عليه لغيره فأتى به هذا الي السوق وقال هذا عبدى فبايعوه ثم أذن له مولاه في التجارة فلحقه دين بعد ذلك لم يكن على الغار ضمان لان مالية الرقبة سلمت لهم بالاذن الصادر من المالك بعد الامر بالمبايعة كما سلم لهم بالاذن الموجود منه وقت الامر بالمبايعة ولو كان لحقه دين ألف درهم قبل اذن مولاه في التجارة وألف درهم بعد اذنه فان على الغار الاقل من الدين الاول ومن نصف قمية العبد لان صاحب الدين الاول لا يسلم له شئ من مالية الرقبة بالاذن الصادر من المولى بعد وجوب دينه ولو كان ما أخبر به الغار حقا كان سلم له نصف مالية الرقبة فلهذا كان على الغار له الاقل من دينه ومن نصف قيمة العبد فإذا أتى الرجل بعبد إلى السوق فقال هذا عبد فلان قد وكلنى بان آذن له في التجارة وان آمركم بمبايعته وقد أذنت له في التجارة فبايعوه فاشترى وباع فلحقه دين ثم حضر مولاه وأنكر التوكيل فالوكيل ضامن الاقل من الدين ومن القيمة لان الغرور تحقق منه بما أخبرهم به فان في معنى الغرور عبده وعبده غيره سواء لان ما أخبرهم به لو كان حقا كان يسلم لهم مالية الرقبة فيصير هو بالاخبار
[ 34 ] ضامنا لهم سلامة مالية الرقبة ولم يسلم حين أنكر المولى التوكيل وحلف وكان لهم أن يضمنوا المخبر قيمته (ألا ترى) ان مشترى الارض إذا بنى فيها ثم استحقت رجع على البائع بقيمة البناء للغرور سواء باعه لنفسه أو لغيره بوكالته إذا أنكر المالك التوكيل ولو وجد العبد حرا أو استحقه رجل أو كان مدبرا لمولاه فالوكيل ضامن أيضا لانه ضمن لهم سلامة ماليته ولم تسلم ويرجع به علي الموكل ان كان أقر بالتوكيل الذى ادعاه لانه كان عاملا للموكل فيما باشره فيرجع عليه بما لحقه من العهدة وان أنكر التوكيل لم يرجع عليه بشئ الا أن يثبتها بالبينة وان قال هذا عبدا بنى وهو صغير في عيالي فبايعوه فلحقه دين ثم استحق أو وجد حرا ضمن الاب الاقل من قيمة العبد ومن الدين لانه بما أخبرهم به صار ضامنا لهم سلامة ماليته (ألا ترى) ان ما أخبر به لو كان حقا كان يسلم لهم مالية الرقبة باعتبار كلامه وكذلك وصى الاب والجد فأما الام والاخ وما أشبههما فان فعلوا شيأ من ذلك لم يكن غرورا ولم يلحقه ضمان لان ما أخبر به لو كان حقا لم تسلم لهم مالية الرقبة باعتبار كلامه فان هؤلاء لا يملكون الاذن لعبد اليتيم فكذلك هو بالاخبار لا يصير ضامنا لهم شيأ وإذا أتى الرجل بصبى إلى السوق فقال هذا ابن ابني فبايعوه فلحقه دين ثم أقام رجل البينة انه ابنه فان الدين يبطل عن الصبي أبدا لانه تبين انه كان صبيا محجورا عليه فلا يلزمه دين بالمبايعة أبدا وترجع الغرماء على الذى غرهم بجميع الدين لان ما أخبرهم به لو كان حقا كان لهم حق مطالبة الصبي بجميع دينهم في الحال أو بعد البلوغ وكان على الصبي أن يقضى ذلك من ملكه فيصير الآمر بمبايعته ضامنا لهم سلامة ديونهم وان أخبرهم بحريته فإذا لم يسلموا رجعوا عليه بذلك كما لو زوج رجلا امرأة علي انها حرة وكذلك وصى الاب والجد أب الاب وهذا إذا لم يكن أب ولا وصى أب ولو أتى بعبده الي السوق فقال هذا عبدى وهو مدبر فبايعوه فلحقه دين ثم أقام رجل البينة انه مدبر له بطل عن المدبر الدين حتى يعتق لانه ظهر انه كان محجورا عليه ولا ضمان على الغار من قيمة رقبته ولا من كسبه لانه ما ضمن لهم سلامة مالية الرقبة حين أخبرهم انه مدبر والغرور لا يتحق في الكسب لانه لم يكن موجودا حين أخبرهم به ولم يدر أيحصل أو لا يحصل ولو قتل المدبر في يد الذى استحقه ضمن الغار قيمته مدبرا للغرماء لانه باضافته إلى نفسه بالملكية ضمن لهم سلامة بدل نفسه مدبرا إذا قتل (ألا ترى) ان ما أخبرهم به لو كان حقا كان يسلم لهم ذلك وحكم البدل حكم الاصل فوجود الاصل عند الامر بالمبايعة
[ 35 ] كوجود البدل فلهذا يثبت حكم الغرور فيه بخلاف الكسب ولو أتى بجارية إلى السوق فقال هذه أمتى فبايعوها فلحقها دين يحيط برقبتها ثم ولدت ولدا فاستحقها رجل وأخذها وولدها ضمن الغار قيمتها وقمية ولدها لان الولد جزء متولد من عينها وهو يسلم للغرماء لو كان ما أخبر به حقا كنفسها وهذا بخلاف الكسب فان الكسب غير متولد من عينها فلا يجعل وجودها كوجود الكسب عند الامر بالمبايعة كوجود ما يتولد منها في ثبوت حكم الغرور في ذلك فأما الولد فمتولد من عينها فوجودها عند الامر بالمبايعة كوجود ما يتولد منها في ثبوت حكم الغرور في ذلك (ألا ترى) انها لو كانت مدبرة كان ولدها كنفسها لانه لا يتعلق حق الغرماء بماليته بخلاف كسبها فان كانت قيمتها يوم استحقت أكثر من قيمتها يوم أمرهم بمبايعتها أو أقل ضمن قيمتها يوم استحقت لانه انما امتنع سلامة المالية لهم حين استحقت وقد صار الغار بالامر بالمبايعة ضامنا لهم سلامة ذلك ولو أقام الغار البينة على انه قد أذن لها في التجارة قبل أن يغرهم أو بعد ما غرهم قبل أن يلحقه دين برئ من الضمان لان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم (ألا ترى) ان مالية الرقبة تسلم للغرماء في الوجهين فكذلك الضمان ينفى عن الغار في الوجهين والله أعلم (باب الشهادة على المأذون) (قال رحمه الله) وشهادة الشهود على العبد والصبي والمعتوه المأذون بغصب أو ببضاعة مستهلكة أو باقراره بذلك أو ببيع أو شراء جائز وان كان مولاه غائبا ويقضى القاضى عليه بذلك لانه بالاذن صار منفك الحجر عنه في التجارة وتوابعها فالتحق في ذلك بالحر العاقل البالغ فيكون الخصم فيما يدعى أو يدعي قبله هو ولا حاجة إلى حضور مولاه إلى القضاء بذلك استدلالا بالمكاتب ولو شهدوا على العبد المحجور عليه بغصب أو وديعة مستهلكة والمولى غائب لم يقض على العبد بذلك حتى يحضر المولى لان المستحق به مالية رقبته والمولى هو الخصم في استحقاق مالية الرقبة عليه فلا يقضى ما لم يكن حاضرا في الاول وان كان المستحق مالية رقبته أيضا ولكن المولى بالاذن قد صار راضيا بكونه خصما في استحقاق مالية رقبته بجهة التجارة (ألا ترى) انه مستحق باقراره وبمباشرته التجارة وان كان المولى غائبا فكذلك يستحق ببينة تقوم عليه بالدين بخلاف ما نحن فيه وكما يشترط حضرة المولى هاهنا
[ 36 ] يشترط حضرة العبد لان المدعي قبله والمستحق به دين في ذمته وكان يتعلق بمالية رقبته فلا بد من حضوره فإذا حضر قضي على العبد بالقيمة فيباع فيه لان الحجر لا يؤثر في الافعال الموجبة للضمان وأما الوديعة وما أشبهها فلا يقضى عليه بها حتى يعتق وهذا في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف يقضى عليه بما استهلك من الامانات في الحال فان كانوا شهدوا عليه باقراره بذلك ومولاه حاضر أو غائب لم يقض على العبد بشئ من ذلك حتى يعتق فإذا عتق لزمه ما شهدوا به عليه لانه محجور عن التزام الدين بالقول لحق مولاه والاقرار الثابت عليه بالبينة كالثابت بالمعاينة فلا نلزمه شيأ ما لم يسقط حق المولى عنه بقبضه ولو شهدوا عليه بقتل رجل عمدا أو قذف أو شرب خمر لم يقم عليه حد حتى يحضر مولاه في قول أبى حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يقضى عليه بذلك وان لم يحضر مولاه وكذلك لو شهدوا عليه باقراره بذلك ومولاه غائب ففيما يعمل فيه الرجوع عن الاقرار لا تقبل هذه الشهادة وفيما لا يعمل فيه الرجوع عن الاقرار كالقصاص وحد القذف فهو علي الخلاف الذى بينا ولا خلاف انه لو أقر به قضى القاضى به عليه فأبو يوسف يقول المستحق بهذه الاسباب هو خالص حقه وهو دمه فان وجوب العقوبات عليه باعتبار معنى النفسية دون المالية وهو في حكم النفسية مبقى على أصل الحرية ولهذا تقام عليه هذه العقوبات باقراره وان كان المولى غائبا أو مكذبا له ولا يقبل اقرار المولى بشئ من ذلك فلا يشترط حضور المولى لقبول البينة عليه بذلك وهما يقولان في القضاء بهذه البينة مع غيبة المولي ابطال حقه من أوجه أحدهما انه يستوفى هذه العقوبة فتفوت به مالية المولى أو تنتقص والثانى انه يخرج من يد المولى إذا حضر مجلس الحكم لاقامة الحد عليه بذلك واليد مستحقة للمولى والثالث أن له حق الطعن في الشهود لو كان حاضرا فبالقضاء عليه قبل حضوره يبطل حق الطعن الثابت له وابطال حقه بالقضاء حال غيبته لا يجوز بخلاف الاقرار فان الاقرار موجب للحق بنفسه وليس للمولى حق الطعن في اقراره فلا تفوت به يده ولا حقه في الطعن ثم لا تهمة في اقراره على نفسه لان ما يلحقه بالضرر بذلك فوق ما يلحق مولاه وقد بينا هذه المعاني في كتاب الآبق وأما الصبي والمعتوه المأذون لهما فلا يلزمهما شئ من ذلك في الاقرار ولا في الشهادة على الفعل لانهما غير مخاطبين والاهلية للعقوبة تنبنى على كون المباشر مخاطبا الا في القتل خاصة إذا كان أب الصبي أو المعتوه أو وصيهم حاضرا فانه يقضى بالدية على عاقلتهما
[ 37 ] وفي حالة غيبة الولى لا يقضى بذلك ولو شهدوا عليهما بالاقرار بالقتل فالشهادة باطلة لان القتل ليس من التجارة وفيما ليس من التجارة المأذون والمحجور سواء ولا قول له في ذلك والخصم في اثبات البينة عليه الولي فبدون حضرة المولى لا يقضى بشئ وبعد حضوره الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وانه مما يوجب الدية على العاقلة ولو شهدوا على العبد المأذون بسرقة عشرة دراهم أو أكثر فان كان مولاه حاضرا قطع وان كان غائبا فكذلك عند أبى يوسف وفي قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله لا يقطع ولكن يضمن السرقة لان المسروق منه يدعى المال ولكنه متى ثبت السبب الموجب للعقوبة عند القاضى استوفى العقوبة في حال غيبة المولى ولا يثبت السبب الموجب للعقوبة عليه بالبينة فتبقي دعوى المال والعبد خصم فيما يدعي قبله من المال كما لو كانت الدعوى بسبب الغصب وشهدوا عليه ولو شهدوا عليه بسرقة أقل من عشرة ضمن السرقة لان فيما دون النصاب الاخذ بجهة السرقة كالاخذ بجهة الغصب ولو شهدوا على صبي أو معتوه مأذون لهما بسرقة عشرة دراهم أو أكثر قضى عليه بالضمان وان كان وليه غائبا لان جهة السرقة كجهة الغصب في حقهما إذ لا عقوبة عليهما بسبب السرقة وقد بينا أن المأذون خصم فيما يتهم بذلك عليه من الاخذ الموجب للضمان وا ن كان وليه غائبا وان شهدوا على اقرار واحد منهم بذلك قضى القاضى عليه بالضمان حضر مولاه أو وليه أو لم يحضر لان الرجوع عامل في حق العقوبة فإذا كان هو جاحدا والشهود يشهدون على اقراره بذلك كانت هذه شهادة على ما يوجب ضمان المال ولو شهدوا على عبد محجور بسرقة عشرة أو أكثر ومولاه غائب لم يقض عليه بشئ حتى يحضر المولى لان دعوى السرقة عليه كدعوى الغصب وقد بينا انه يشترط حضرة المولى فيما يدعى على المحجور من الغصب فكذلك فيما يدعى قبله من السبب الموجب للعقوبة فان كان مولاه حاضرا قطعت يده لان السبب الموجب للعقوبة ظهر بشهادته وهو مخاطب وان شهدوا على اقرار العبد بذلك وهو يجحد فالشهادة باطلة لان اقرار المحجور عليه في حق المال باطل حتى يعتق وفي حق القطع الاقرار يبطل بالرجوع عنه ثم قد بينا أن اقرار المحجور بسرقة مال مستهلك أو قائم بعينه في يده وما في ذلك من الاختلاف بينه أصحابنا في كتاب السرقة قال وإذا أذن المسلم لعبده الكافر في التجارة فاشترى خمرا أو خنزيرا فهو جائز كان عليه دين أو لم يكن لانه يتصرف لنفسه بفك الحجر عنه فيراعى حاله في ذلك ثم المولى انما يتملكه عليه بطريق
[ 38 ] الخلافة كما يتملك الوارث مال مورثه والمسلم من أهل أن يتملك الخمر بالميراث ولو اشترى ميتة أو دما أو بايع كافرا بربا فهو باطل لان انفكاك الحجر عنه بالاذن كانفكاك الحجر عنه بالعتق وتصرف الحر الكافر في الميتة والدم باطل وهو في جميع بياعاته بمنزلة المسلم الا في الخمر والخنزير فكذلك العبد المأذون ولو شهد عليه كافران بغصب أو وديعة مستهلكة أو بيع أو اجارة أو شهدوا على اقراره بذلك وهو ومولاه ينكران ذلك فشهادتهما جائزة استحسانا ذكره في كتاب المأذون الصغير وفي القياس لا تقبل هذه الشهادة لان المسلم يتضرر بها فان الكسب ومالية الرقبة انما يستحق على المولى بهذه الشهادة والمولى مسلم وشهادة الكافر فيما يتضرر به المسلم لا تكون حجة * وجه الاستحسان أن المولى فك الحجر عنه بالاذن فيجعل ذلك في اقامة الحجة عليه بمنزلة فك الحجر عنه بالعتق والمولى وان كان يتضرر به ولكنه قد صار راضيا بالتزام هذا الضرر حين أذن له في التجارة مع علمه ان شهادة الكفار حجة علي الكافر (ألا ترى) ان العبد الكافر لو أقر بذلك صح اقراره وان كان المولى يتضرر لوجود الرضا منه بذلك فكذلك إذا شهد الشهود عليه بذلك وكذلك الصبى الكافر يأذن له وصيه المسلم أو جده أب أبيه في التجارة لان انفكاك الحجر عنه بالاذن كانفكاك الحجر عنه بالبلوغ فشهادة الكافر تكون حجة عليه وان كان العبد المأذون مسلما ومولاه كافرا لم تجز شهادة الكافرين على العبد بشئ من ذلك وان لم يكن عليه دين لان العبد هو الخصم فيما يشهد به الشهود عليه وهو مسلم جاحد لذلك فلا تقبل شهادة الكفار عليه وان شهد الكافران على العبد المحجور الكافر بغصب ومولاه مسلم فشهادتهما باطلة لان الخصم فيما يدعي على العبد المحجور مولاه (ألا ترى) ان الشهادة عليه لا تقبل الا بمحضر من مولاه فإذا كان المولى مسلما لم تكن شهادة الكفار حجة عليه بخلاف المأذون فان كان مولاه كافرا فشهادتهما جائزة قال وإذا أذن المسلم لعبده الكافر في التجارة فشهد عليه كافران بجناية خطأ أو بقتل عمدا أو بشرب خمر أو بقذف أو شهد عليه أربعة من الكفار بالزنا وهو ومولاه منكران لذلك فالشهادة باطلة لان الخصم هاهنا المولى (ألا ترى) ان البينة لا تقبل على العبد بشئ من ذلك الا بمحضر من المولى أما في جناية الخطأ فغير مشكل وفي الاسباب الموجبة للعقوبة كذلك عند أبى حنيفة ومحمد وفي قول أبى يوسف المولى يتضرر بذلك ولم يوجد منه الرضا بالتزام هذا الضرر بالاذن له في التجارة فلهذ لا تقبل شهادتهم عليه وكذلك لو كان العبد مسلما ومولاه
[ 39 ] كافرا لان الثابت بهذه البينة فعل العبد وشهادة الكفار لا تكون حجة في اثبات فعل المسلمين وإذا أذن المسلم لعبده الكافر في التجارة فشهد عليه كافران بسرقة عشرة دراهم أو أقل قضى عليه بضمان السرقة وان كان المولى حاضرا أو غائبا لم يقطع لان هذه البينة لا تكون حجة في اثبات العقوبة لاسلام المولى فكانت شهادتهما عليه بالاخذ بجهه السرقه بمنزلة الشهادة بجهة الغصب ولو كان العبد مسلما والمولى كافرا كانت شهادتهما باطلة لانها تقوم لاثبات فعل المسلم فإذا أذن المسلم لعبده الكافر في التجارة فشهد عليه كافران لكافر أو لمسلم بدين ألف درهم والعبد يجحد وعليه ألف درهم دين لمسلم أو كافر فشادتهما عليه جائزة وان كان صاحب الدين الاول مسلما لان هذه البينة تقوم لاثبات الدين في ذمة الكافر وقد بينا ان انفكاك الحجر عنه بالاذن كهو بالعتق والحر الكافر يثبت عليه الدين بشهادة الكافر وان كان له عبد مسلم فهذا مثله فان كان صاحب الدين الاول كافرا بيع في الدينين وان كان مسلما بيع العبد وما في يده في الدين الاول حتى يستوفى جميع دينه فان فضل فهو للذى شهد له الكافران الآن لان الاول استحق كسبه ومالية رقبته فلو قبلنا شهادة الكافر في اثبات المزاحمة للثاني معه تضرر المسلم بشهادة الكافر وذلك لا يجوز * فان قيل حق الغريم المسلم في رقبته وكسبه لا يكون أقوى من حق المولى المسلم وقد بينا ان شهادة الكفار عليه مقبولة في حق مولى المسلم فكذلك في حق الغريم المسلم * قلنا المولي المسلم رضى بالتزام هذا الضرر حين أذن له في التجارة فاما الغريم المسلم فلم يوجد منه الرضا بالتزام هذا الضرر وفي اثبات هذه المزاحمة عليه ضرر ولو ادعى عليه مسلمان كل واحد منهما ألف درهم فشهد لاحدهما مسلمان وشهد للآخر بدينه كافران فان القاضى يقضى بالدين كله عليه فيبدأ بالذى شهد له المسلمان فيقضى دينه فان بقى شئ كان للذى شهد له الكافران لان الذى شهد له المسلمان أثبت دينه بما هو حجة علي العبد خاصة وثبوت الحق بحسب السبب فكان دين الذى شهد له المسلمان ثابتا في حق الذى شهد له الكافران ودين الذى شهد له الكافران غير ثابت في حق الذى شهد له المسلمان فلهذا يبدأ من كسبه وثمنه بقضاء دينه الذى شهد له المسلمان فان بقي شئ فهو للذى شهد له الكافران ولو صدق العبد الذى شهد له الكافران اشتركا في كسبه وثمن رقبته لان دينه ثبت باقرار العبد والثابت باقرار المأذون من الدين كالثابت بالبينة فيظهر وجوبه في حق الغريم الذى شهد له المسلمان ويتحاصان فيه ولو كان الذى شهد له الكافران مسلمان والذى شهد له المسلمان كافرا
[ 40 ] والعبد يجحد ذلك كله بيع العبد واقتسما ثمنه نصفين لان كل واحد منهما أثبت دينه بما هو حجة على العبد وعلى خصمه فاستوى الدينان في القوة ولو كان الغرماء ثلاثة كل واحد منهم يدعى ألف درهم أحدهم مسلم شهد له كافران والثانى مسلم شهد له مسلمان فانه يقضي عليه بجميع الدين ويباع فيه لان البينات كلها حجة عليه ثم يقسم ثمنه بين المسلم الذى شهد له المسلمان والكافر الذى شهد له المسلمان نصفين لان كل واحد منهما أثبت دينه بما هو حجة على العبد وعلى الخصمين الآخرين فأمنا الثالث الذى شهد له كافران فقد أثبت دينه بما ليس بحجة على المسلم الذى شهد له المسلمان فلا يستحق المزاحمة معه في ثمنه وإذا لم تثبت المزاحمة صار كالمعدوم واستوى دين الآخرين في القوة فالثمن بينهما نصفان سلم للمسلم نصفه والنصف الذي صار للكافر بينه وبين المسلم الذى شهد له الكافران نصفين لانه أثبت دينه بما هو حجة على هذا الكافر وانما كان محجورا لحق المسلم ولم يبق في هذا النصف للمسلم حق وبينهما مساواة في قوة دين كل واحد منهما في حق صاحبه فيقسم هذا النصف بينهما نصفين ثم لا يكون للمسلم أن يأخذ من يد هذا الذي شهد له الكافران ما يأخذه من صاحبه لان ذلك لا يفيد شيأ إذا أخذ ذلك أتاه الكافر الذي شهد له المسلمان فاسترد ذلك منه لانه يساويه في الثمن فلهذا لا يشغل بذلك ولو كان أحد الغرماء مسلما شهد كافران والآخران كافران شهد لكل واحد منهما كافران بدئ بالمسلم لان دينه ثبت بما هو حجة على خصمه ودينهما ثبت بما ليس بحجة عليه فان بقى بعد دينه كان بين الكافرين لاستوائهما في ثبوت دين كل واحد منهما في حق صاحبه ولو كان العبد مسلما والمولي كافرا والغرماء رجلين أحدهما مسلم شهد له كافران والآخر كافر شهد له مسلمان والعبد يجحد ذلك فان القاضى يبطل دعوى المسلم الذى شهد له كافران ويباع العبد الآخر في دينه فيوفيه حقه فان بقى شئ من ثمنه فهو للمولى لان المسلم انما أقام شهودا كفارا على دينه وشهادة الكفار لا تكون حجة على العبد المسلم فما لم يثبت دينه على العبد لا يستحق شيأ من ثمنه فلا يكون لهذا المسلم أن يزاحم الغريم الكافر فيما يأخذه ولا ان يأخذ من المولى شيأ مما بقى من ثمنه في يده بخلاف ما سبق فهناك الديون كلها تثبت على العبد وكذلك لو كان العبد محجورا عليه في هذا الفصل لان أصل الدين لا يثبت عليه بشهادة الكافر وان كان محجورا عليه وما لم يثبت عليه أصل الدين في ذمته لا يتعلق بمالية رقبته ولو كان العبد كافرا محجورا ومولاه مسلما والغرماء رجلين أحدهما مسلم شهد له كافران والآخر كافرا
[ 41 ] شهد له مسلمان بانه غصب منه ألف درهم فانه يقضى عليه بدين الكافر ولا يقضى عليه بدين المسلم حتى يعتق لان مولاه مسلم وقد بينا ان شهادة الكفار على العبد الكافر المحجور عليه بالغصب لا تكون حجة في حق المسلم فما لم يسقط حقه بالعتق لا يقضى عليه بدين المسلم ولكن إذا أخذ الكافر دينه من ثمنه شاركه المسلم لان أصل دين المسلم ثابت على العبد بشهادة الكفار هاهنا (ألا ترى) انه يؤخذ به بعد العتق وانما لا يظهر ذلك في حق المولى وقد سقط حق المولى عما أخذه الكافر من ثمن العبد وانما بقى المعتبر فيه حق الكافر ودين المسلم ثابت بما هو حجة علي الكافر وعلى العبد كدين الكافر ولهذا شاركه فيما أخذه وإذا أذن المسلم لعبده الكافر فشهد عليه كافران بدين ألف درهم لمسلم أو كافر باقرار أو غصب وقضى القاضى بذلك فباع العبد بالف درهم فقضاها الغريم ثم ادعي على العبد دينا ألف درهم كانت عليه قبل أن يباع فان أقام على ذلك شاهدين مسلمين فان القاضى يأخذ الالف من الغريم الذى شهد له الكافران فيدفعها إلى هذا الغريم الذى شهد له المسلمان ولو كان الثاني كافرا أخذ منه نصف ما أخذه الاول لانه أثبت دينه بتاريخ سابق على البيع فيلتحق بالدين الظاهر عليه بشهادة المسلمين قبل أن يباع ولو قامت البينة قبل البيع كان الحكم فيه ما ذكرنا فكذلك هاهنا قال ولو كان الاول كافرا وشاهداه مسلمين والثانى مسلما أو كافرا وشاهداه كافرين فانه يأخذ من الاول نصف ما أخذه لان دين الثاني ثبت بما هو حجة على العبد وعلي الغريم الاول ودين الاول كذلك فلاستوائهما في القوة يجعل ثمنه بينهما نصفين (ألا ترى) ان الكافر لو هلك وترك ألف درهم فأسلم وارثه وأقام كافر شاهدين مسلمين على الميت بالف درهم فقضي له القاضي ثم ان مسلما أو كافرا أقام علي الميت شاهدين كافرين بدين ألف انه يأخذ من الاول نصف ما أخذ للمعنى الذى بينا واستحقاق تركة الميت بدينه كاستحقاق كسب العبد وثمن رقبته بدينه قال وإذا أذن الرجل لعبد الكافر في التجارة فباع واشترى ثم أسلم فادعى عليه رجلان دينا فجاء أحدهما بشاهدين كافرين عليه بالف درهم دينا كانت عليه في حالة كفره وجاء الآخر بشاهدين مسلمين عليه بمثل ذلك والمدعيان مسلمان أو كافران والمولى مسلم أو كافر فشهادة المسلمين جائزة ولا شئ للذى شهد له الكافران لان العبد مسلم حين قامت البينة عليه وشهادة الكافر على المسلم لا تقبل سواء أطلق الشهادة أو أرخ بتاريخ سابق علي اسلامه ولو كان العبد مسلما ومولاه كافرا أو مسلما فارتد العبد عن الاسلام والعياذ بالله فشهد عليه مسلمان لكافر أو لمسلم
[ 42 ] بمال وشهد عليه كافران لمسلم أو كافر بمال فشهادة المسلمين جائزة وشهادة الكافرين باطلة لان المرتد مجبر على العود إلى الاسلام وحكم الاسلام باق في حقه ولهذا لا ينفذ تصرفه في الخمر والخنزير فشهادة الكافر لا تكون حجة أصلا وإذا أذن الرجل لعبده الكافر في التجارة ومولاه مسلم أو ذمى فشهد عليه مسلمان لمسلم بدين وشهد عليه ذميان لمسلم بدين وشهد عليه مستأمنان لمسلم بدين فان القاضى يبطل شهادة المستأمنين لان العبد ذمى وشهادة المستأمن لا تكون حجة على الذمي باعتبار ان الذمي من أهل دارنا ويقضى بشهادة الذميين والمسلمين لانها حجة عليه ثم يبيع العبد فيبدأ بدين الذى شهد له المسلمان لانه أثبت دينه بما هو حجة على العبد وعلى خصمه الآخر انما أثبت دينه بما هو حجة على العبد لا على خصمه فإذا أخذ المسلم حقه وبقي شئ كان للذى شهد له الذميان لان دينه كان ثابتا علي العبد ولكن كان محجورا لحق المسلم وقد زال الحجر حين استوفى المسلم حقه فان بقى شئ بعد دينه كان للمولي لان دين الذى شهد له المستأمنان غير ثابت في حق العبد وكذلك لو كان المولى حربيا لان الدين بشهادة الحربيين لا يثبت علي العبد الذمي وما لم يثبت الدين على العبد لا يتعلق بماليته التى هي حق مولاه فلو كان المولي وعبده حربيين والمسألة بحالها قضى بالدين كله على العبد وبيع فيه فيبدأ بالذى شهد له المسلمان ثم بالذى شهد له الذميان لما قلنا ثم ما فضل يكون للذى شهد له الحربيان لان دينه ثابت في حق العبد ههنا وانما كان محجورا بحق الآخرين فإذا زال الحجر كان الباقي له فان كان أصحاب الدين كلهم أهل الذمة والمسألة بحالها يحاص في ثمنه الذى شهد له المسلمان والذي شهد له الذميان لان دين كل واحد منهما ثبت بما هو حجة علي العبد وعلى الخصمين الآخرين ودين الثالث انما ثبت بما هو حجة على العبد خاصة فلا يزاحمهما في ثمنه ولكن يقدمان عليه ويتحاصان للمساواة بينهما في القوة فان فضل شئ فهو للذى شهد له الحربيان ولو كان أصحاب الدين كلهم مستأمنين تحاصوا جميعا في دينهم لان دين كل واحد منهما ثبت بما هو حجة على العبد وعلى الخصمين الآخرين ولو كان المولى مسلما أو ذميا والعبد حربيا دخل بامان فاشتراه هذا المولى وأذن له في التجارة والمسألة بحالها لم تجز شهادة الحربيين عليه بشئ لان العبد قد صار ذميا حين دخل في ملك مسلم أو ذمى فلا تكون شهادة أهل الحرب بالدين عليه حجة وإذا دخل الحربى دارنا بامان ومعه عبد له فأذن له في التجارة جازت شهادة المستأمنين عليه بالدين كما تجوز علي مولاه لانه حربى مستأمن (ألا ترى) ان لمولاه أن يعيده إلى دار الحرب ولو كان الغرماء ثلاثة
[ 43 ] مسلم شهد له حربيان بدين ألف درهم وذمى شهد له ذميان بدين ألف درهم وحربي شهد له مسلمان بدين ألف درهم ثم بيع العبد بالف درهم فانه يقسم الالف بين الذمي الذى شهد له الذميان والحربي الذى شهد له المسلمان نصفين لان دين كل واحد منهما ثبت بما هو حجة على العبد وعلى صاحبه فأما المسلم فانما يثبت دينه بما ليس بحجة علي الذمي وهو شهادة الحربيين فلهذا لا يزاحمهما وإذا اقتسما ثمنه نصفين أخذ المسلم من الحربى نصف ما صار له لان دينه ثابت بما هو حجة في حق الحربى وانما كان ممنوعا لحق الذمي وقد سقط حق الذمي عن هذا النصف فكان بينهما نصفين وقال عيسى بن أبان رحمه الله هذا خطأ وينبغى أن يكون الالف بينهم أثلاثا لان المسلم الذى شهد له الحربيان والذمى الذى شهد له الذميان استويا من حيث ان دين كل واحد منهما ثبت بما هو حجة على العبد دون صاحبه فليس جعل المسلم محجوبا عن المزاحمة لاجل الذمي باولى من جعل الذمي محجوبا عن المزاحمة لاجل المسلم وقد ثبت دين كل واحد منهما بما هو حجة على الحربى ودين الحربى بما هو حجة عليهما فينبغي أن يكون بينهم أثلاثا وهذا ذكره الحسن بن زياد عن أبى يوسف رحمهما الله وقيل في تصحيح جواب الكتاب انه وان كان كذلك فشهادة الذمي أقوى من شهادة الحربى لان شهادة أهل الحرب انما تقبل بعقد الامان والامان يثبت للحربى بهذا المسلم أو من يقوم مقامه من المسلمين أما عقد الذمة فليس يثبت من جهة الذمي فكانت شهادة أهل الذمة للذمي أقوى وأبعد عن التهمة من شهادة المستأمنين للمسلم فترجح جانبه لهذا ولو كانت شهود الذمي حربيين وشهود المسلم ذميين والمسألة بحالها كان الثمن بين المسلم والحربي نصفين لان الذمي انما أثبت دينه بما ليس بحجة على المسلم والمسلم أثبت دينه بما هو حجة علي المسلم فكان الذمي محجوبا به بقي المسلم والحربي وقد أثبت كل واحد منهما دينه بما هو حجة على العبد وعلى صاحبه فكان الثمن بينهما نصفين ثم يأخذ الذمي نصف ما أصاب الحربى لان بينته حجة عليه وانما كان محجوبا عن المسلم وقد سقط حق المسلم عن هذا النصف ولو كان الذي شهد له المسلمان ذميا والذى شهد له الذميان حربيا والذى شهد له الحربيان مسلما فان الثمن بين الحربى والذمى نصفين لان دين كل واحد منهما ثبت بما هو حجة على صاحبه ودين المسلم ثبت بما ليس بحجة على الذمي فكان هو محجوبا وليس في هذا الفصل طعن فان الدين ثبت بما هو حجة على المسلم لان شهود الذمي مسلمون فلهذا كان الثمن بين الحربى والذمى نصفين ثم يأخذ المسلم نصف ما أخذ الحربى لما بينا انه كان محجوبا بالذمي وقد زالت مزاحمته
[ 44 ] قال فإذا لحق العبد دين فقال مولاه هو محجور عليه وقال الغرماء هو مأذون له فالقول قول المولى لانه متمسك بالاصل وهو الحجر بسبب الرق ولان الغرماء يدعون عليه بسبب استحقاق كسبه ومالية رقبته والمولى ينكر ذلك فعليهم اثبات هذا السبب بالبينة فان جاؤا بشاهدين على الاذن فشهد أحدهما أن مولاه أذن له في شراء البز وشهد آخر انه أذن له في شراء الطعام فشهادتهما جائزة وان كان الدين من غير هذين الصنفين لان المشهود به انما هو أصل الاذن فأما هذا التقيد بالبز و الطعام فلغو لان الاذن في التجارة لا يقبل التخصيص وقد اتفقا على ما هو المقصود والمشهود به فان شهد أحدهما انه أذن له في شراء البز وشهد آخر انه رآه يشترى البز فلم ينهه فشهادتهما باطلة لانهما اختلفا في المشهود به فان أحدهما شهد بمعاينة فعل والآخر شهد بقول ولو شهد أحدهما انه رآه يشترى البز فلم ينهه وشهد الآخر انه رآه يشترى الطعام فلم ينهه فشهادتهما باطلة لان كل واحد منهما شهد بمعاينة فعل غير الفعل الذى شهد الآخر بمعاينته فلم يثبت بما شهد بمعاينة كل فعل الاشاهد واحد ولو شهد انه رآه يشترى البز فلم ينهه كان الشراء جائزا وكان العبد مأذونا له في التجارة لانهما اتفقا على الشهادة بمعاينة فعل واحد والثابت بشهادة شاهدين كالثابت بالمعاينة ولو عاينا المولى رآه يبيع البز فلم ينهه كان مأذونا له في التجارة في الاشياء كلها فكذلك إذا شهد عليه الشاهدان بذلك والله أعلم (باب الاختلاف بين المأذون ومولاه) (قال رحمه الله) وإذا كان العبد المأذون في يده مال وعليه دين فقال هو مالى وقال مولاه بل هو مالى فالقول قول العبد لان يده في كسبه معتبرة لحق الغرماء والمولى ممنوع من أخذ ما في يده لحقهم فيكون المال في يده ككونه في يد غرمائه لان انفكاك الحجر عنه بالاذن بمنزلة انفكاك الحجر عنه بالعتق أو بالكتابة الا أن يده قبل أن يلحقه الدين ما كانت لازمة وبلحوق الدين اياه صارت لازمة فالمنازعة بينه وبين المولى فيما في يده كالمنازعة بين المولى ومكاتبه فيما في يده وان كان المال في يد المولى وفى يد العبد فهو بينهما نصفان لان المولى من كسب عبده في هذا الحالة كاجنبي آخر وقد استويا في دعوى اليد والعين ظهرت في يديهما فكان بينهما نصفين فان كان في يد المولى ويد العبد ويد أجنبي فادعاه كل واحد منهم فهو بينهم أثلاثا لان يد العبد فيه كيد غريمه فتكون معارضة ليد المولي ويد الاجنبي في
[ 45 ] المزاحمة وان كان العبد لادين عليه فالمال بين المولى والاجنبي نصفان ولا شئ للعبد فيه لان ما في يد العبد ويد مولاه واحد إذا لم يكن عليه دين فان كسبه خالص ملك مولاه ويده فيه كيد مولاه وفى حق الأجنبي لان الحق لا يعدو هما فهو بمنزلة مالو تنازع اثنان في شئ وأحدهما ممسك له بيديه والآخر بيد واحدة فانه يقضى بذلك نصفان هذا ولو كان ثوب في يد حر وعبد مأذون وكل واحد منهما يدعيه ومعظمه في يد أحدهما والآخر متعلق بطرفه فهو بينهما نصفان لان الاستحقاق باعتبار اليد ويده علي جزء من الثوب كيده علي جميعه (ألا ترى) انه لو كان في يده طرف من الثوب وليس في يد الآخر منه شئ فتنازعا فيه كان ذو اليد أولى بجميعه سواء كان الطرف الذى في يده معظم الثوب أو شيأ يسيرا منه فان كان أحدهما متزرا به أو مرتديا أو لابسا والآخر متعلقا به أو كانت دابه أحدهما را كب عليها والآخر متمسك باللجام فهى للراكب واللابس لانه مستعمل للعين واليد بالاستعمال تثبت حقيقة دون التعلق به (ألا ترى) انه لا يتمكن من الركوب واللبس في العادة الا صاحب اليد ويتمكن الخارج من التعلق به لان الملبوس تبع للابس والمركوب تبع للراكب لان قيامه به وكانت يده فيما هو تبع له من وجه أقوى من يد المتعلق به والضعيف لا يظهر في مقابلة القوى ولو لم يكن هذا راكبها وكان الآخر متعلقا بها لا يستحق الترجيح بتعلقه بها ولو كان هذا راكبها ولم يكن الآخر متعلقا بها كان الراكب أولى فإذا كان لاحدهما سبب يستحق به عند الانفراد وليس للآخر مثله كان هو أولى ولو أن حرا أو مأذونا أجر نفسه من رجل يبيع معه البز أو يخيط معه ثم اختلفا في ثوب في يد الاجير فان كان في حانوت الذى استأجره فهو للمستأجر لان الآخر مع ما في يده في يده المستأجر فان حانوت المستأجر ويده ثابتة عليه فما في الحانوت يكون في يده فالظاهر شاهد للمستأجر فان الاجير لا ينقل أمتعته إلى حانوت المستأجر عادة خصوصا ما ليس من اداة عمله وان كان في السكة أو في منزل الاجير فهو للاجير لانه لا يد للمستأجر على هذا الموضع حقيقة ولا حكما ويد الاجير ثابتة على الثوب حقيقة وبعقد الاجارة لا يخرج من أن يكون له يد معتبرة في أمتعته والصغير والكبير في هذا سواء لان كل واحد منهما له يد معتبرة دافعة لاستحقاق الغير ولو أن عبدا محجورا عليه أجره مولاه لرجل وكان مع العبد ثوب فقال المستأجر هو لى وقال مولاه هو لى كان للمستأجر سواء كان في السكة أو في السوق أو في حانوت المستأجر أو كانت المنازعة
[ 46 ] في دابة والعبد راكبها لان مولاه حين آجره فقد حول يده فيه إلى المستأجر وصار المستأجر بمنزلة المالك في ثبوت يده وعلى ما معه لانه صار أحق بالانتفاع به فيكون القول في جميع ما في يده قوله بخلاف الحر فان المستأجر وان صار أحق بمنافعه فقد بقيت له يد معتبرة في أمتعته لانه مالك للامتعة بعد الاجارة كما كان قبله والعبد المحجور عليه مملوك ليست له يد معتبرة فكان هو وما في يده لمولاه قبل الاجارة وقد حوله بالاجارة إلى يد المستأجر ولو كان علي العبد قميص أو قباء فقال المستأجر هو لى وقال المولى هو لعبدي فالقول قول المولي لان الظاهر يشهد له لان الظاهر ان العبد لا ينقل إلى يد المستأجر عريانا (ألا ترى) انه لو باعه من انسان دخل في البيع ما عليه من لباسه وان لم يذكر باعتبار الظاهر والعادة ولا يدخل في البيع متاع آخر في يده الا ما يذكر فلا ينظر إلى قول العبد في شئ من ذلك لانه محجور عليه وليس للمحجور عليه قول ولا يد معتبرة فيما معه ولو كان العبد في منزل المولى وفي يده ثوب فقال المستأجر هولي وقال المولى هو لى فهو للمولى لان المنزل في يد المولى فما فيه يكون في يده أيضا لانه ليس للعبد يد معتبرة في معارضة يد المولى والمستأجر إذا كانت يده لا تظهر في منزل المولى كان المتاع للمولي ولو كان العبد مأذونا له وعليه دين وهو في منزل المولى وفى يده ثوب فقال المولى هو لى وقال العبد هو لي فان كان الثوب من تجارة العبد فهو له لان ما يكون من تجارته فهو كسبه والحق في كسبه لغرمائه فيده فيه كيد الغريم وان لم يكن من تجارته فهو للمولى لانه في ملك المولى ويده ثابتة على ما في ملكه وحق الغرماء لا يثبت في شئ من ذلك ما لم يثبت كونه كسبا للعبد ولو كان العبد راكبا على دابة أو لا بسا ثوبا فقال العبد هولي وقال المولى هولي فهو للعبد يقضى به دينه كان ذلك من تجارته أو لم يكن لان الملبوس تبع للابس والمركوب تبع للاركب وحق الغرماء يتعلق بمالية رقبته فيكون متعلقا بما هو تبع له والله أعلم (باب المأذون يأسره العدو أو يرتد) (قال رحمه الله) قد بينا في السير ان العبد إذا أسره العدو فأحرزوه بدارهم ثم عاد إلى قديم ملك المولى فانه يعود ما كان فيه من الدين والجناية وان لم يعد إلى قديم ملك المولي فان لم يأخذه من يد من وقع في سهمه أو من يد المشترى أو أسلم أهل الحرب عليه فان الدين
[ 47 ] يعود عليه كما كان والجناية لا تعود لان المستحق بالجناية الملك القائم وقت الجناية (ألا ترى) ان المولى لو أعتقه بعد الجناية لا يبقى حق ولى الجناية فكذلك إذا زال ذلك الملك ولم يعد إليه بخلاف الدين فانه ثابت في ذمته (ألا ترى) أنه يبقى عليه بعد العتق فسواء عاد ذلك الملك أولم يعد بقي الدين في ذمته كما كان والدين في ذمة العبد لا يجب الا شاغلا مالية رقبته فلهذا بيع في الدين في ملك من كان وان ارتد المأذون وعليه دين أو جناية خطأ ولحق بدار الحرب ثم أسره المسلمون فمولاه أحق به قبل القسمة وبعدها بغير شئ في قول أبى حنيفة لانه لم يحرزه المشركون انما هو أبق إليه فإذا بقى على ملك مولاه بقى الدين والجناية عليه بحالهما يدفع بالجناية ثم يباع في الدين قال وإذا ادان المسلم دينا ثم ارتد ولحق بدار الحرب ثم أسر فان أبى أن يسلم فقتل بطل الدين الا أن يؤخذ ماله في دار الاسلام فيقضى به دينه لان ماله الذى خلفه في دار الاسلام مصروف الي حاجته وهو خلف عن ذمته في وجوب قضاء الدين كما بعد موته وا ن لم يكن له مال في دار الاسلام فقد فات محل الدين حين قتل فبطل دينه وليس هذا بأول مديون بملك مفلسا ولو كانت مرتدة فسبيت وأسلمت فهى أمة للذى استولدها وقد بطل الدين عنها لان نفسها تبدلت بالاسر فصارت كالهالكة لا إلى خلف فان الحرية حياة والرق تلف وهذا لان حكم الدين تغير بحدوث الرق فيها لانه حين وجب الدين كان في ذمتها ولا تعلق له بمحل آخر وبعد ما صارت أمة فالدين عليها يكون شاغلا مالية رقبتها ان لو بقي وهذه مالية حادثة لا يمكن شغلها بالدين والدين لا يجب على المملوك الا شاغلا مالية رقبته فيسقط بهذه المنافاة وكذلك كل حد وقصاص كان عليها فيما دون النفس قبل الردة لتغيير حكمه برقها فالرق ينصف الحدود وينافى وجوب القصاص فيما دون النفس فأما القصاص في النفس فهو على حاله عليها لان ذلك لا يتغير بالرق والامة والحرة فيه سواء وكذلك الرجل الذمي أو المرأة الذمية ينقض العهد ويلتحق بدار الحرب وعليه دين يوم يوسر فهو رقيق وقد بطل الدين وكل حد أو قصاص دون النفس كان عليه يتغير حكمه برقه ويؤخذ بالقصاص في النفس لان الحر والرقيق فيه سواء وإذا استدان الحر المستأمن في دار الاسلام ثم رجع إلى بلاده ثم عاد الينا مسلما أو ذميا أو مستأمنا أخذ بذلك الدين لبقاء دينه على رجوعه إلى بلاده وبعد عوده الينا ولم يصر محجورا متمكنا لما في ذمته لان الاحراز في الدين لا يتحقق ولو لم يرجع الينا حتى أسر فصار عبدا بطل الدين لتبدل نفسه بالرق ولو دخل المسلم دار الحرب بامان فادان حربيا ثم
[ 48 ] أسر المسلمون الحربى فصار عبدا بطل الدين عنه لان نفسه تبدلت بما حدث فيه من الرق وخرج من أن يكون أهلا للمالكية والاسر لم يخلفه في ملك الدين فسقط عمن عليه لانعدام المطالبة والمستوفى له فان الدين ليس الا مجرد المطالبة هذا إذا كان الدين له على المسلم وان كان للمسلم عليه فقد سقط بفوات محله بتبدل نفسه بالرق فان جاء مستأمنا لم يؤخذ به ان كان الدين عليه ولم يؤخذ به المسلم ان كان الدين على المسلم لان هذه المعاملة جرت بينهما في دار الحرب وهو بالخروج الينا بامان لم يصر من أهل دار الاسلام فلا تسمع الخصومة في ذلك الدين بينهما الا أن يسلم أو يصير ذميا فحينئذ يؤخذ بذلك كل واحد منهما لانه التزم أحكام الاسلام وصار منا دارا ودينا والدين ببقاء ذمته على حاله وبقاء الطلب أهلا للمالكية فيؤخذ كل واحد منهما به وقد بينا مافى هذه الفصول من الخلاف في كتاب الصلح والله أعلم (باب اقرار المأذون في مرض مولاه) (قال رحمه الله) وإذا أقر المأذون في مرض مولاه بدين أو غصب أو وديعة قائمة أو مستهلكة أو غير ذلك من ديون التجارات فان كان المولى لادين عليه ومات من مرضه ذلك فاقرار العبد جائز بمنزلة اقرار المولى به لان الدين على العبد يشغل كسبه ومالية رقبته وذلك حق مولاه وصحة اقراره اعتبار اذن المولي به واستدامة الاذن بعد مرضه بمنزلة انشائه وإذا كان صحة اقراره بسبب يضاف إلى المولى صار اقراره كاقرار المولى واقرار المولى في مرضه بدين أو عين للاجنبي صحيح إذا لم يكن عليه دين وان كان عليه دين في صحته بدئ بدين الصحة من تركته ومن رقبة العبد وكسبه فان فضل من رقبته وكسبه شئ فهو للذى أقر به العبد لان كسبه ورقبته ملك مولاه فاقراره فيه كاقرار المولى ولو أقر المولى بذلك كان دين الصحة مقدما عليه وكان الباقي بعد قضاء دين الصحة مصروفا إليه فهذا مثله وان كان مال المولى غائبا فقضى القاضى دين المولي من ثمن العبد وما في يده ثم حضر مال المولى فان القاضى يأخذ منه ثمن العبد وما كان في يده فيقضى به دين العبد وما أقر به لان حق غريم العبد كان متعلقا به وقد قضي به دين المولى فيقوم غريم العبد مقام غريم المولى في الرجوع به في تركته إذا ظهر ماله ليأخذه قضاء من دينه وان كان دين العبد أكثر من ذلك فما زاد على ثمن العبد ومالية كسبه من تركة المولى لوارثه لا حق فيه لغريم العبد لان دينه ما كان ثابتا في ذمة المولى وانما كان في
[ 49 ] كسب العبد ومالية رقبته وان كان علي المولى دين الصحة وعلى العبد دين الصحة وأقر العبد في مرض المولى كما وصفنا بدئ من كسب العبد ومالية رقبته بدين العبد الذي كان في صحة المولى لان ذلك أسبق تعلقا به في حق غريم المولى وانما يثبت فيه من جهة المولى وقد كان حق غريم العبد فيه مقدما على حق المولى فكذلك يكون مقدما على حق غريم المولى ثم يقضى منه دين المولى الذى كان في الصحة لان ذلك أسبق تعلقا به مما أقر العبد به في مرض المولى لما بينا ان اقرار العبد فيه كاقرار المولى فان فضل شئ فهو للذى أقر له العبد في مرض مولاه ولا يكون للذى أقر له العبد في مرض المولى مزاحمة غريم العبد في صحة المولى فيما يستوفيه لان حقه يتأخر عن حق غريم المولى وغريم العبد في صحة المولي حقه مقدم على حق غريم المولى فكيف يزاحمه من كان حقه متأخرا عن حق غريم المولى وهذا لانه لو زاحمه فاستوفى منه شيأ لم يسلم له ذلك بل يأخذه غريم المولى منه لكونه مقدما عليه في ذلك ثم يأخذ ذلك منه غريم العبد في صحة المولى لان حقه مقدم على حقه فلخلوه عن الفائدة لا يشتغل به ولو لم يكن على المولى دين يحاص غرماء العبد الاولين والآخرين فيما في يده لان صحة اقرار العبد في حق غرمائه بكونه مأذونا له في التجارة وقد جمع الاقرارين حالة واحدة وهى حالة الاذن فيجعل كل واحد منهما مزاحما لصاحبه في كسب العبد ورقبته بمنزلة مالو أقر لهما بالدين معا الا أن يكون أقر بشئ بعينه لانسان فانه يبدأ فيسلم للمقر له لان اقراره بذلك صحيح مادام مأذونا له في التجارة وتبين باقراره أن تلك العين ليست من كسبه وانما يتعلق حق غرمائه بكسبه والحاصل انه إذا لم يكن علي المولى دين فجال مرضه في أقارير العبد كحال صحته ولو لم يقر العبد بذلك في مرض مولاه ولكنه التزمه بسبب عاينه الشهود لزمه ذلك مثل ما يلزمه في صحة مولاه لانه مأذون على حاله ولا تهمة في السبب الذى وجب به الدين (ألا ترى) أن المولى لو باشر هذا الدين كان الدين الواجب به مساويا لدين الصحة فكذلك إذا باشره العبد ودين العبد في كسبه ومالية رقبته مقدم على دين المولى فما لم يقضى ديونه لا يسلم لغريم المولى شئ من ذلك ولو مرض المولى ولا دين على واحد منهما وقيمة العبد ألف درهم فاقر المولى على نفسه بدين ألف درهم ثم مات المولى فان العبد يباع فيتحاص الغريمان في ثمنه لان ما أقر به العبد على نفسه بمنزلة مالو أقر به المولى على نفسه ولو أقر المولى في مرضه بدين ثم بدين يحاص الغريمان فيه لان الاقرارين جميعهما حالة واحدة
[ 50 ] فهذا مثله ولو كان اقرار العبد أو لابدئ به لان حق المقر له بنفس الاقرار تعلق بمالية رقبته فكان في حق المولي بمنزلة الاقرار بالعين ولو أقر المولى في مرضه بعين ثم بدين كان المقر له أولى بالعين بخلاف ما إذا أقر بدين ثم بعين يتحاصان فيه فاقرار العبد مع اقرار المولي بمنزلة ذلك في المعنى وهذا لانه إذا سبق اقرار المولى فقد تعلق حق المقر له بمال المولى فلا يصدق العبد على ابطال حق غريم المولى عنه بعد ذلك لان صحة اقراره نادر فكما لا يبطل حق غريم المولى باقرار المولى برقبته لانسان فكذلك لا يبطل باقرار العبد بخلاف ما إذا سبق اقرار العبد لانه حين أقر لم يكن لاحد حق في مالية رقبته وثبت فيه حق المقر له فلا يصدق المولى بعد ذلك في اثبات المزاحمة لمن يقر له مع غريم العبد ولو بدأ المولي فاقر بدين ألف ثم بالف اقرارا متصلا أو منقطعا ثم أقر العبد بدين ألف ثم مات المولى فان الغرماء الثلاثة يتحاصون في ثمنه فيكون الثمن بينهم أثلاثا لان اقرار المولى لما جمعهما حالة واحدة جعلا كأنهما واحد معا ولا حق لغريم العبد حين وجد الاقرار من المولى ثم أقر العبد بعد ذلك وهو مأذون فيكون اقراره كاقرار المولى بالف قدر ماليته فيتحاصون في ثمنه فكذلك لو كان العبد أقر بالف ثم بالف اقرارا متصلا أو منقطعا ضربوا بجميع ذلك مع غرماء المولى لان أقارير العبد حصلت وهو مأذون له فجعل في الحكم كاقارير المولي وقد جمع الكل حالة واحدة ولو أقر المولى بدين ألف درهم ثم أقر العبد بدين ألف ثم أقر المولى بدين ألف يتحاصون جميعا لان اقرار المولى لما سبق كان مانعا من سلامة مالية الرقبة للذى أقر له العبد فنزل اقراره بعد اقرار المولي بمنزلة اقرار المولي وقد جمع الاقارير حالة واحدة فيتحاصون في ثمنه ولو كان العبد أقر بدين ألف قبل اقرار المولى ثم أقر المولى على نفسه بدين ثم أقر العبد بدين ألف ثم مات المولى فان ثمن العبد لغريمه دون غريم المولى لان حق الغريم الاول للعبد لما تعلق بمالية رقبته كان ذلك مانعا صحة اقرار المولى في حق مالية الرقبة بعد ذلك لانه لافضل في قيمته على ما أقر به العبد أولا فكان اقرار المولى في حق مالية الرقبة وجوده كعدمه وانما بقى الاقرار من العبد وقد جمعهما حالة واحدة فكان ثمن العبد بينهما ولو كانت قيمته ألفى درهم فاقر العبد بدين ألف درهم ثم أقر المولى بدين ألف درهم ثم مات فانه يباع فيوفى غريم العبد حقه وغريم المولي حقه لان في الثمن المقبوض وفاء بالدين وان نقصت قيمته فبيع بالف درهم فهى لغريم العبد خاصة لان حقه في ماليته مقدم على حق غريم المولى لتقدم اقراره وانما ثبت حق غريم المولي في الفضل ولم
[ 51 ] يفضل شئ وان بيع بالف وخمسمائة كانت ألف منها لغريم العبد والباقى لغريم المولى لان حقه في الفاضل وصار هذا نظير حق رب المال مع حق المضارب فان حق رب المال في رأس المال أصل وحق المضارب في الربح تبع فانما يثبت في الفضل فإذا لم يظهر الفضل فلا شئ له فان قل الفضل كان حقه بقدر ذلك ولو كان أقر بدين ألف وقيمته ألفان ثم أقر المولى بدين ألف ثم أقر العبد بدين ألف ثم مات المولى فبيع العبد بالدين اقتسمه الغرماء أثلاثا لانه كان في مالية الرقبة عند اقرار المولى فضلا عن دين العبد بقدر ألف فيثبت حق الغريم فيه ثم الاقرار من العبد صحيح لبقاء الاذن وان اشتغل جميع ماليته بالدين فإذا كانت الديون كلها ثابتة عليه اقتسم الغرماء ثمنه أثلاثا وان بيع بألف وخمسمائة اقتسموه اخماسا لان حق غريم المولى انما ثبت فيه بقدر الفضل وقد ظهر أن الفضل كان بقدر خمسمائة حين أقر المولى بالف درهم فانما يثبت من دين غريمه في حق مزاحمة غريمي العبد مقدار خمسمائة فإذا ضرب هو بخمسمائة وكل واحد من غريمي العبد بالف كان الثمن بينهم اخماسا لانك تجعل كل خمسمائة سهما وان بيع بالف كانت لغريمي العبد خاصة لان حق غريم المولى ثبت باعتبار الفاضل ولم يفضل من ماليته شئ على الدين الاول الذى أقر به العبد حين بيع بالف وخمسمائة ولو بدأ المولي فأقر عليه بدين ألف درهم وقيمة العبد ألفان ثم أقر العبد بدين ألف ثم أقر المولى بدين ألف فان الثمن يقسم بين الغرماء بالحصص أثلاثا لان حق غريم المولى الاول ثبت في ماليته وكذلك حق غريم العبد لان اقراره بعد اقرار المولي كاقرار المولى وكذلك حق الذى أقر له المولى آخرا قد ثبت فيه لان الاقرارين جميعا من المولى جميعهما حالة واحدة فيتحاصون في ثمنه ولو بدأ العبد فأقر بدين ألف درهم ثم أقر المولى بدين ألف ثم بالف ثم بالف اقرارا متصلا أو منقطعا ثم أقر العبد بدين ألف ثم مات المولي فبيع بالفى درهم ضرب فيه غرماء العبد كل واحد منهما بجميع دينه وضرب فيه غرماء المولي كلهم بالف فقط لان مقدار الالف من ماليته قد اشتغل بدين الذى أقر له العبد أولا ثم الاقراران من المولي جمعهما حالة واحدة فكأنهما وجدا معا والفاضل من المالية عند اقرار المولي مقدار ألف فيثبت حق غرماء المولي في ذلك المقدار خاصة فلهذا ضرب غرماء المولى بالف درهم وكل واحد من غريمي العبد بجميع دينه ولو بيع بألف وخمسمائة ضرب فيه غرماء العبد بجميع دينهم وغرماء المولي كلهم بخمسمائة لان الفاضل عن أقارير المولي بقدر خمسمائة فيكون
[ 52 ] الثمن مقسوما بينهم اخماسا لكل واحد من غريمي العبد خمساه ستمائة ولغريم المولى خمسه ثلثمائة فان اقتسموه على ذلك ثم خرج بعد ذلك دين كان للسيد على الناس فخرج منه ألف أو ألفان وخمسمائة فغرماء المولى أحق بذلك لانه قد بقي من دينهم ذلك القدر وزيادة ولا حق لغرماء العبد في تركة المولى وهم ما ضربوا مع غرماء العبد في ثمنه بقدر ألفين وخمسمائة فلهذا كانوا أحق بجميع ما خرج منه فان خرج منه ثلاثة آلاف أخذ غرماء المولى من ذلك ألفين وسبعمائة وأخذ غرماء العبد من ذلك ثلثمائة لانه بقى من حق غرماء المولي ألفان وسبعمائة فيأخذون ذلك وقد كان يقضى بقدر ثلثمائة من ثمن العبد دين المولى فيكون ذلك دينا لغرماء العبد في تركة المولى فيأخذون هذه الثلثمائة بحساب ذلك فان كان الذى خرج من ذلك ألفان وستمائة يأخذ غرماء المولى من ذلك ألفين وخمسمائة وخمسين وأخذ غرماء العبد من ذلك خمسين لان ما تأخر خروجه من دين المولى معتبر بما لو تقدم خروجه على قسمة ثمن العبد ولو تقدم خروج هذا المقدار كان كله لغرماء السيد ثم بقى من دينهم أربعمائة ودين غريمي العبد ألفى درهم فيضرب كل واحد منهم في ثمن العبد وهو ألف وخمسمائة بمقدار دينه وإذا ضرب غرماء العبد بالفين وغرماء المولى بما بقى من دينهم وهو أربعمائة كان السبيل أن يجعل كل أربعمائة سهما فيصير حق غريمي العبد خمسة وحق غرماء المولى سهما فتبين أن الذى سلم لهم سدس ثمن العبد وذلك مائتان وخمسون وقد استوفوا ثلثمائة فعليهم رد ما أخذوه زيادة على حقهم وذلك خمسون درهما ولو كان العبد لم يقر بالدين الاول والمسألة بحالها أخذ غرماء السيد ما خرج من دين السيد وهو ألفان وستمائة ثم يباع العبد فان بيع بالف ضرب فيه غرماء المولى بما بقى لهم وغريم العبد بجميع دينه وهو ألف فكان الثمن بينهم اسباعا خمسة اسباعه لغريم العبد وسبعاه لغرماء المولى ولو كانت قيمة العبد ألفى درهم فأقر العبد في مرض المولى بدين ألف درهم ثم أقر المولى بدين الف ثم اشترى العبد عبدا يساوى ألفا بالف وقبضه بمعاينة الشهود فمات في يديه ثم مات السيد ولا مال له غير العبد فبيع بالفى درهم اقتسمه غرماء العبد بينهم ولا شئ فيه لغريم المولى لان الذى وجب على العبد بمعاينة الشهود بمنزلة دين الصحة وصاحبه أحق بمالية العبد ممن أقر له المولى في مرضه وقد أقر له العبد أولا بدين ألف فظهر انه لا فضل في ثمنه على دين المعاينة وعلى الذى أقر به العبد أولا وصحة اقرار المولى باعتبار الفضل فإذا لم يظهر بطل دين المولى فصار كالمعدوم
[ 53 ] وكان ثمن العبد بين غرمائه ولو لم يشتر العبد المأذون ولكن المولى هو الذى اشترى عبدا يساوى ألفا وقبضه بمعاينة الشهود فمات في يده ثم مات المولى من مرضه والمسألة بحالها وبيع العبد بالف فانه يبدأ بدين البائع لان ما وجب على المولي بمعاينة الشهود في مرضه بمنزلة دين الصحة وقد بينا ان دين الصحة على المولي مقدم على ما أقر به العبد في مرض مولاه لان صحة اقرار العبد باستدامة المولى الاذن له فلهذا بدئ بدين البائع وما بقى بعد ذلك فهو بين غرماء العبد ويستوى ان كان الاذن في صحة المولى أو في مرضه لان استدامة الاذن بعد المرض كاكتسابه (ألا ترى) انه لو أذن له في التجارة في صحته ثم مرض فأقر العبد لبعض ورثة المولى بدين ثم مات المولى أن اقراره باطل سواء كان على المولى دين محيط أولم يكن لاقرار العبد بقدر ما أذن له في مرضه واستدامة اذنه في مرضه بمنزلة اقرار المولي به ثم اقرار المريض لوارثه باطل ولو مات المولى فصار العبد المأذون محجورا عليه بموته ثم أقر بدين لم يجز اقراره لان الملك فيه انتقل إلى الوارث فهو بمنزلة مالو انتقل الملك فيه الي غيره في حياته ببيع أو هبة فان أذن له الوارث في التجارة جاز اذنه لانه علي ملكه فان أقر العبد بعد اذنه بدين جاز اقراره وشارك المقر له أصحاب الدين الاولين لان ملك الوارث خلف عن ملك المورث فيجعل بمنزلة ملك المورث في حياته ولو حجر عليه بعد ما لحقه ديون ثم أذن له فأقر بدين آخر شارك المقر له أصحاب الدين الاولين لان الاقرار له حصل في حال انفكاك الحجر عنه بخلاف من أقر له في حالة الحجر فهذا مثله ولو كان على المولى الميت دين لم يجز اذن الوارث له في التجارة ولا اقرار العبد بالدين لان دين المولي يمنع ملك الوارث وتصرفه * فان قيل في هذا الموضع مالية العبد مستحقة لغرماء العبد ولا حق فيه لغرماء المولى فيجعل دين المولى كالمعدوم ودين العبد لا يمنع ملك الوارث فينبغي أن يصح اذنه في التجارة * قلنا دين المولى لا يظهر في مزاحمة غرماء العبد فأما في حق وارث المولى فهذا ظاهر (ألا ترى) انه لو سقط دين العبد كان مالية العبد لغرماء المولي دون ورثته فلهذا لا يصح تصرف الوارث بالاذن في التجارة في هذه الحالة والله أعلم (باب بيع المأذون وشرائه واقراره في مرض المولي) (قال رحمه الله) وإذا أذن المولي لعبده في التجارة ثم مرض المولي فباع العبد بعض
[ 54 ] ما كان في يده من تجارته واشترى شيأ فحابى في ذلك تم مات المولي ولا مال له غير العبد وما في يده فجميع ما فعل من ذلك مما يتغابن الناس فيه أو ما لا يتغابن الناس فيه فهو جائز في قول أبى حنيفة من ثلث مال المولى لان العبد بانفكاك الحجر عنه بالاذن صار مالكا للمحاباة مطلقا في قول أبى حنيفة حتى لو باشره في صحة المولى كان ذلك صحيحا منه والمولى حين استدام الاذن بعد مرضه جعل تصرف العبد باذنه كتصرفه بنفسه ولو باع المولى بنفسه وحابى يعتبر من ثلث ماله المحاباة اليسيرة والفاحشة في ذلك سواء فكذلك إذا باشره العبد وفى قول أبى يوسف ومحمد محاباته بما يتغابن الناس فيه كذلك فأما محاباته بما لا يتغابن الناس فيه فباطلة وان كان يخرج من ثلث المولى لان العبد عندهما لا يملك هذه المحاباة في الاذن في التجارة حتى لو باشره في صحة المولى كان باطلا وكذلك ان كان على العبد دين لا يحيط برقبته وبجميع ما في يده كان قولهم في امضاء محاباة العبد بعد الدين من ثلث مال المولى على ما بينا لان قيام الدين على العبد لا يغير حكم انفكاك الحجر عنه بالاذن وان كان على المولى دين محيط برقبة العبد وبما في يده ولا مال له غيره لم يجز محاباة العبد بشئ لان مباشرته كمباشرة المولى وقيل للمشترى ان شئت فانقض البيع وان شئت فأد المحاباة كلها لانه لزمه زيادة في الثمن لم يرض هو بالتزامها فيتخير لذلك وان لم يكن على المولى دين وكان على العبد دين يحيط برقبته وبجميع ما في يده فمحاباة العبد جائزة على غرمائه من ثلث مال المولى لان حكم الاذن لم يتغير بلحوق الدين اياه والمحاباة وان جازت على الغرماء فانما هي من مال المولى ولو كان الذى حاباه العبد بعض ورثة المولى كانت المحاباة باطلة في جميع هذه الوجوه لان مباشرة العبد كمباشرة المولى والمريض لا يملك المحاباة في شئ مع وارثه ولو أن رجلا دفع إلى هذا العبد جارية يبيعها له في مرض المولى فباعها من وارث المولى وحاباه فيها جاز ذلك لان هذه المحاباة ليست من مال المولى ولا شئ على ورثة المولى وهذا التصرف من العبد لم يكن نفوذه باذن المولي بل هو ثابت عن الموكل وانما ينفذ بوكالته وكانه باشره بنفسه ولو باع العبد في مرض مولاه شيأ ولم يحاب فيه ولا دين على واحد منهما أو اشترى ولم يحاب فيه ثم أقر بقبض ما اشترى أو بقبض ثمن ما باع ثم مات المولي فاقراره جائز يمنزلة مالو كان المولى هو الذى باشر هذا التصرف وأقربقبض الثمن وكذلك ان كان على العبد دين كبير ولو كان على المولى دين كثير يحيط برقبته وما في يده لم يصدق على القبض الا بالبينة لان اقراره بالقبض في المعنى اقرار
[ 55 ] بالدين فانه يقول وجوبه علي بالقبض مثل ما كان لى عليه ثم صار قصاصا ودين العبد يمنع صحة اقراره علي نفسه بالدين في مرضه فكذلك يمنع صحة اقراره بالقبض وأما دين المولى في صحته فيمنع اقرار العبد على نفسه بالدين في مرضه فكذلك يمنع صحة اقراره بالقبض ويقال للمشترى ان شئت فأد الثمن مرة أخرى وان شئت فانقض البيع لانه لزمه زيادة في الثمن لم يرض بالتزامها واقرار العبد في اثبات الخيار للمشترى زيادة في الثمن صحيح وان لم يكن صحيحا في وصول الثمن إليه لتمكنه من اقالة العقد معه ولو كان الذى بايعه بعض ورثة المولي لم يجز اقرار العبد بالقبض منه كان عليه أو على المولى دين أو لم يكن كما لا يجوز اقراره له بالدين وكما لا يجوز اقرار المولى بالقبض منه في مرضه لو كان هو الذى عامله والله أعلم (باب اقرار العبد في مرضه) (قال رحمه الله) وإذا مرض العبد فأقر بوديعة أو بدين أو بشراء شئ أو غيره من وجوه التجارات ثم مات من مرضه ولادين عليه في الصحة فاقراره جائز وهو بمنزلة الحر في ذلك لان انفكاك الحجر عنه بالاذن كانفكاك الحجر عنه بالعتق والمرض لا ينافيه وان كان عليه دين الصحة بدئ بدين الصحة لانه لا يكون انفكاك الحجر عنه بالاذن فوق انفكاك الحجر عنه بالعتق وفى حق الحر دين الصحة مقدم على ما أقر به في مرضه من دين أو عين فكذلك في حق العبد * فان قيل في حق الحر الحكم يتغير بمرضه من حيث تعلق حق الغرماء والورثة بماله وذلك لا يوجد في حق العبد فان الدين الذى في صحته كان متعلقا بكسبه ومالية رقبته قبل مرضه والحق في كسبه ومالية رقبته بعد الدين لمولاه وهو المسلط له علي الاقرار فينبغي أن يسوى بين ما أقر به في الصحة وبين ما أقربه في المرض قلنا نعم ولكن انفكاك الحجر بالاذن فرع انفكاك الحجر عنه بالعتق والفرع يلتحق بالاصل في حكمه وان لم توجد فيه علته ولانه منع ثبوت الحكم في البيع بثبوته في الاصل ثم لو أعتقه المولى بعد ما مرض ثم أقر بدين كان حق غرماء الصحة مقدما في ماله علي ما أقر به في مرضه بعد العتق فلا يكون مقدما على ما أقر به في مرضه قبل العتق كان أولى ولو كان الذى لحقه من الدين ببينة شاركوا أصحاب دين الصحة لانتفاء التهمة فيما ثبت عليه بالبينة وهو في ذلك بمنزلة الحر في العين والدين جميعا وكذلك في الاقرار بالدين والوديعة في تقديم أحدهما على الآخر
[ 56 ] وفيما يلحقه من ذلك بينة وعليه دين الصحة هو كالحر وقد بينا هذه الفصول في الحر في كتاب الاقرار فكذلك في العبد وإذا لم يكن عليه دين في الصحة فاقر في مرضه على نفسه بدين ألف درهم وأقر باستيفاء ألف درهم ثمن مبيع وجب له في مرضه على رجل لم يصدق على قبضه ولكن يقسم ما كان عليه بينه وبين الغريم الآخر نصفين لان اقراره بالقبض بمنزلة اقراره له بالدين وذلك صحيح منه الا انه قضاه ذلك الدين بماله في ذمته فكأنه قضاه ذلك بعين في يده والمريض المأذون لا يملك تخصيص أحد الغريمين بقضاء الدين وهو في ذلك بمنزلة الحر فلهذا كان ما على الغريم بينه وبين الآخر نصفين وادا مرض المأذون وعليه دين الصحة فقضى بعض غرمائه دون بعض لم يجز لانه لو قضي بعضهم في صحته لم يجز وكان للآخرين حق المشاركة معه لتعلق حق الكل بكسبه فإذا قضاه في مرضه أولى وهذا لان في ايثاره بعض الغرماء بقضاء الدين اسقاط حق الباقين عن ذلك المال وهو لا يملك اسقاط حق الغرماء عن شئ من كسبه ولو اشترى في مرضه شيأ بمعاينة الشهود وقبضه ثم نقد ثمنه وهلك الشئ في يده ثم مات العبد لم يكن لغرمائه على البائع سبيل فيما قبض من الثمن لانه في ذلك بمنزلة المولى وهذا التصرف من الحر صحيح مطلقا فمن العبد كذلك (أرأيت) لو استقرض منه ألف درهم ثم ردها عليه بعينها أكان للغرماء على ذلك سبيل فكذلك ادا رد مثلها وإذا ثبت هذا فيما إذا فعله العبد في مرضه فهو أولى فيما إذا فعله في صحته ولو كان هذا أجر أجيرا أو مهر امرأة في صحة أو مرض كان للغرماء أن يشاركوا المرأة والاجير فيما قبض وهذا فرق قد بيناه في الحر انه إذا لم يدخل في ملك نفسه ظاهرا اما أن يكون مثلا لمال أخرجه من ملكه في حق الغرماء فلا يسلم للقابض ما قبض لتحقق معنى ايثار بعض الغرماء فيه بخلاف ما إذا دخل في ملكه مثل ما أخرج من ملكه فيما قبض يتعلق به حق الغرماء قال وإذا حابى العبد في مرضه ولا دين عليه ثم مات فالمحاباة جائزة لان كسبه لمولاه والمولى راض بتصرفه وهو الذى سلطه على هذه المحاباة بخلاف الحرفان ماله لورثته بعد موته ولم يوجد منهم الرضا بمحاباته وكان معتبرا من ثلث ماله وكذلك ان كان عليه دين فوفى ماله في الدين ولم يف ماله بالدين لم تجز المحاباة لان كسبه حق غرمائه ولم يوجد منهم الرضا بتصرفه ومحاباته فهو في حقهم بمنزلة الحر المرض وإذا مرض المأذون فوجب له على رجل ألف درهم من ثمن بيع أو غيره فاقر باستيفائها له لزمته ولا دين على المأذون ولا مال له غير ذلك الدين ثم أقر بعد ذلك على نفسه بدين ألف ثم مات فاقراره بالاستيفاء جائز لانه حين أقر
[ 57 ] بالاستيفاء لم يكن لاحد في تركته حق سوى مولاه والمولى هو المسلط له على هذا الاقرار فيصح اقراره في حقه وترك ذلك بمنزلة مالو أقر بدين ثم قضاه وذلك صحيح منه وان أقر بالدين بعد ذلك لان ما قضاه يخرج من أن يكون كسبا له ودينه انما يتعلق بكسبه ولو لم يقر بالدين ولكنه لحقه دين بمعاينة الشهود بطل اقراره بالاستيفاء لان ما وجب عليه بالمعاينة بمنزلة الدين الظاهر عليه حين أقر بالاستيفاء إذ لاتهمة في شهادة الشهود فلهذا يبطل اقراره بالاستيفاء والله أعلم بالصواب (ومن كتاب المأذون الصغير) (قال رحمه الله) ولو أن عبدين تاجرين كل واحد منهما لرجل اشتري كل واحد منهما صاحبه من مولاه فان علم أيهما أول وليس عليه دين فشراء الاول لصاحبه جائز لان المولى مالك لبيعه ولو باعه من أجنبي جاز بيعه فكذلك إذا باعه من عبد مأذون لغيره ثم قد صار هذا المشترى ملكا لمولى المشترى وصار محجورا عليه فشراؤه الثاني من مولاه باطل لكونه محجورا عليه ولانه يشترى عبد مولاه من مولاه ولا دين عليه وهذا الشراء من المأذون لا يصح لكونه غير مفيد وان لم يعلم أي البيعين أول فالبيع مردود كله بمنزلة مالو حصلا معا ولان الصحيح أحدهما وهو مجهول والبيع في المجهول لا يصح أبدا وان كان علي واحد منهما دين لم يجز شراء الاول الا أن يجيز ذلك غرماؤه لان بيع مولاه اياه من عبد مأذون كبيعه من حر وذلك لا يجوز بدون اجازة الغرماء لان ماليته حقهم ولو اشترى المأذون أمة فوطئها فولدت له فادعى الولد وأنكر ذلك مولاه صحت دعواه وثبت نسبه منه لان الدعوى تصرف منه وهو في التصرف في كسبه بمنزلة الحر وليس من شرط صحة الدعوى وثبوت النسب كون الامة حلالا له (ألا ترى) ان المكاتب لو ادعى نسب ولد جاريته ثبت النسب وكذلك الحر لو ادعي نسب ولد جاريته وهى ممن لا تحل له ثبت نسبه منه فكذلك العبد فان كانت جارية لمولاه من غير تجارة العبد لم يثبت النسب منه بالدعوى لانه لاحق له في التصرف فيها ودعواه تصرف منه وهو في سائر أموال المولى كاجنبي آخر فلا تصح دعواه ما لم يصدقه المولى فان أقر انه وطئها ولم تلد ثم استحقها رجل فلا مهر له علي العبد حتى يعتق أما في جارية المولى فلانه لم يأذن له في جماعها ففعله بها يكون زنا والزنا لا يوجب المهر
[ 58 ] وبالاستحقاق يتقرر معنى الزنا وأما في الجارية التى هي من كسبه فاقراره بوطئها صحيح وذلك ليس بزنا يوجب الحد حتى يتعلق به ثبوت النسب إذا ادعاه فإذا استحقت أخذه بالعقر في الحال بمنزلة مالو باشر وطأها بمعاينة الشهود ولان وجوب المهر هاهنا باعتبار سبب هو تجارة فيؤاخذ به في الحال وقد بينا الفرق بينه وبين النكاح وإذا أذن الراهن للعبد المرهون في التجارة فتصرف ولحقه دين فهو مرهون علي حاله لان قيام حق المرتهن يمنع المولي من اكتساب سبب يثبت الدين به عليه في مزاحمة المرتهن فكذلك إذا أذن له في التصرف فلحقه دين فإذا استوفى المرتهن ماله بيع في الدين لان المانع حق المرتهن وقد سقط فان فضل من دينه شئ فلا سبيل للغرماء حتى يعتق كما لو لم يكن العبد مرهونا وان كان العبد تاجرا وله علي رجل ألف درهم ثم ان مولى العبد وهب العبد للغريم وقبضه جازت الهبة والدين لازم عليه لمولى العبد علي حاله لانه وهب العبد دون المال والمال كسب العبد في ذمة المديون فهو نظير مال هو عين في يده فلا تتناوله الهبة ولكنه سالم لمولاه بعد اخراجه العبد من ملكه بالهبة ولو كان على العبد المأذون دين خمسمائة وقيمته ألف فكفل لرجل عن رجل بالف درهم باذن مولاه ثم استدان ألفا أخرى ثم كفل بالف أخرى ثم بيع العبد بالف فيقول أما الكفالة الاولى فيبطل نصفها ويضرب صاحبها بنصفها في ذمته لان الفارغ عن ماليته عند الكفالة الاولى كان بقدر خمسمائة وكفالته باذن المولى انما تصح فيما هو فارغ عن ماليته عن حق غريمه وقت الكفالة فيثبت من دين المكفول له الاول مقدار خمسمائة درهم والكفالة الثانية باطلة لانه حين كفل بها لم يكن شئ من ماليته فارغا فيضرب صاحب الدين الاول بخمسمائة وصاحب الدين الثاني بجميع دينه وهو ألف وصاحب الكفالة الاولى بخمسمائة فيصير ثمن العبد وهو ألف درهم بينهم ارباعا غير انك تجعل كل خمسمائة سهما بقدر مائتين وخمسين يسلم لصاحب الدين الاول ومثله لصاحب الكفالة الاولى ومقدار خمسمائة لغريم العبد الآخر وعلى هذا جميع الاوجه وقياسه والله أعلم (كتاب الديات) (قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسي رحمه الله) اعلم بان القتل بغير حق من أعظم الجنايات بعد الاشراك بالله تعالى قال الله تعالى
[ 59 ] من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا وقال النبي عليه السلام الا أن اعباء الناس ثلاثة رجل قتل غير قاتل أبيه ورجل قتل قبل أن يدخل الجاهلية ورجل قتل في الحرم وقال في خطبته بعرفات ألا ان دماء كم ونفوسكم محرمة عليكم كحرمة يومى هذا في شهرى هذا في مقامي هذا ولما قتل محلم بن جنامة رجلا من أهل الجاهلية قال النبي عليه السلام لا يرحم فدفن بعد موته فلفظته الارض ثم دفن فلفظته الارض فقال أما انها تقبل من هو أعظم جرما منه ولكن الله أراكم حرمة القتل وفى قتل النفس افساد العالم ونقض البنية ومثل هذا الفساد من أعظم الجنايات ومعلوم ان الجاني مأخوذ عن الجناية الا انه لو وقع الاقتصار على الزجر بالوعيد في الآخرة ما انزجر الاأقل القليل فان أكثر الناس انما ينزجرون مخافة العاجلة بالعقوبة وذلك بما يكون متلفا للجاني أو مجحفابه فشرع الله القصاص والدية لتحقق معنى الزجر وهذا الكتاب لبيان ذلك وقد سماه محمد رحمه الله كتاب الديات لان وجوب الدية بالقتل أعم من وجوب القصاص فان الدية تجب في الخطأ وفي شبه العمد وفي العمد عند تمكن الشبهة وكذلك الدية تتنوع أنواعا والقصاص لا يتنوع فلهذا رجح جانب الدية في نسبة الكتاب إليها واشتقاق الدية من الاداء لانها مال مؤدى في مقابلة متلف ليس بمال وهو النفس والارش الواجب في الجناية على ما دون النفس مؤدى أيضا وكذلك القيمة الواجبة في سائر المتلفات الا أن الدية اسم خاص في بدل النفس لان أهل اللغة لا يطردون الاشتقاق في جميع مواضعه لقصد التخصيص بالتعريف وسمى بدل النفس عقلا أيضا لانهم كانوا اعتادوا ذلك من الابل فكانوا يأتون بالابل ليلا إلى فناء أولياء المقتول فيعقلونها فتصبح أولياء القتيل والابل معقولة بفنائهم فلهذا سموه عقلا * ثم بدأ الكتاب فقال قال أبو حنيفة رحمه الله القتل علي ثلاثة أوجه عمد وخطأ وشبه العمد والمراد به بيان أنواع القتل بغير حق فيما يتعلق به من الاحكام كان أبو بكر الرازي يقول القتل على خمسة أوجه عمد وشبه عمد وخطأ وما أجرى مجرى الخطأ وما ليس بعمد ولا خطأ ولا أجرى مجرى الخطأ أما العمد فهو ما تعمدت ضربه بسلاح لان العمد هو القتل وقصد ازهاق الحياة وهى غير محسوسة لقصد أخذها فيكون القصد إلى ازهاق الحياة بالضرب بالسلاح الذى هو جارح عامل في الظاهر والباطن جميعا ثم المتعلق بهذا الفعل أحكام منها المأثم وذلك منصوص عليه في قوله ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا
[ 60 ] فيها الآية ومنها القصاص وهو ثابت في قوله تعالى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس وما أخبر الله تعالى أنه كتبه على من قبلنا فهو مكتوب علينا ما لم يقم دليل النسخ فيه وقد نص على أنه مكتوب علينا فقال كتب عليكم القصاص في القتلى ثم بين وجه الحكمة فيه بقوله ولكم في القصاص حياة وفيه معنيان أحدهما أنه حياة بطريق الزجر لان من قصد قتل عدوه فإذا تفكر في عاقبة أمره انه إذا قتله قتل به انزجر عن قتله فكان حياة لهما والثانى أنه حياة بطريق دفع سبب الهلاك فان القاتل بغير حق يصير حربا على أولياء القتيل خوفا على نفسه منهم فهو يقصد افناءهم لازالة الخوف عن نفسه والشرع مكنهم من قتله قصاصا لدفع شره عن أنفسهم واحياء الحى في دفع سبب الهلاك عنه وقال عليه الصلاة والسلام العمد قود أي موجبه القود فان نفس العمد لا يكون قودا وقال صلوات الله عليه وسلامه كتاب الله القصاص أي حكم الله والقصاص عبارة عن المساواة وفى حقيقة اللغة وهو اتباع الاثر قال الله تعالى وقالت لاخته قصيه واتباع أثر الشئ في الاتيان بمثله فجعل عبارة عن المساواة لذلك ومن حكمه حرمات الميراث ثبت ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام لا ميراث لقاتل عبد صاحب البقرة وفي رواية لا شئ للقتل أي من الميراث ومن حكمه وجوب المال به عند التراضي أو عند تعذر ايجاب القصاص للشبهة ثبت ذلك بقوله تعالى فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان أي فمن أعطى له من دم أخيه شئ لان العفو بمعنى الفضل قال الله تعالى يسئلونك ماذا ينفقون قل العفو والمراد به إذا رغب القاتل في اداء الدية فالمولى مندوب إلى مساعدته على ذلك وعلى القاتل اداؤه إليه باحسان إذا ساعده الولي وهذه الدية تجب في مال القاتل إذا كان بطريق الصلح والتراضي فكأنه هو الذى التزمه بالعقد وأما إذا كان عند تعذر استيفاء القصاص فلان في الدية الواجبة عليه معنى الزجر ومعنى الزجر انما يتحقق فيما يكون اداؤه مجحفا به وهو الكثير من ماله ويختلفون في وجوب الدية بهذا لافضل عند وجوب القصاص به فالمذهب عندنا انه لم تجب الدية بالعمد الموجب للقصاص الا أن يصالح الولى القاتل على الدية وللشافعي رضى الله عنه فيه قولان في أحد القولين موجب العمد أحد شيئين القصاص أو الدية يتعين ذلك باختيار المولى وفى القول الآخر موجبه القصاص الا أن للولى أن يختار أخذ الدية من غير رضا القاتل واحتج في ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين ان أحبوا قتلوا وان أحبوا أخذوا الدية فهذا تنصيص
[ 61 ] علي ان كل واحد منهما موجب القتل وان الولى مخير بينهما ولما أتى بالقاتل إلى رسول الله ﷺ قال عليه السلام للولى أتعفو فقال لا فقال أتأخذ الدية فقال لا فقال القتل فقال نعم ففى هذا بيان أن الولي يستبد باخذ الدية كما يستبد بالعفو والقتل والمعنى فيه ان هذا اتلاف حيوان متقوم فيكون موجبا ضمان القيمة كاتلاف سائر الحيوانات وقيمة النفس الدية وهذا لان الحيوان ليس من ذوات الامثال واتلاف المقوم مما لا مثل له يوجب القيمة وقيمة النفس الدية بدليل حالة الخطأ فان الدية انما تجب بالاتلاف لا بصفة الخطأ لانه عذر مسقط والمتلف في حالة العمد ما هو المتلف في حالة الخطأ الا أن الشرع أو جب القصاص بمعني الانتقام وشفاء الصدر للولى ودفع الغيظ عنه فكان ذلك بخلاف القياس لانه اتلاف والاتلاف لا يكون واجبا بمقابلة الاتلاف وهو ليس بمثل (ألا ترى) ان الجماعة يقتلون بالواحد ولا مماثلة بين العشرة والواحد فعرفنا أنه ممنوع بمعنى زيادة النظر للولى وذلك في أن لا يسقط حقه في الواجب الاصلى بل يكون متمكنا فيه كما لو قطع يد انسان ويد القاطع شلاء أو ناقصة باصبع فان القصاص واجب ولصاحب الحق أن يأخذ الارش بغير رضا الجاني لهذا المعنى ولان النفس محترمة بحرمتين وفى اتلافها هتك الحرمتين جميعا حرمة حق الله تعالى وحرمة حق صاحب النفس وجزاء حرمة الله تعالى العقوبة زجرا وجزاء هتك حرمة العبد الغرامة جبرا ولكن تعذر الجمع بينهما هاهنا لان كل واحد منهما يوجب حقا للعبد حتى يعمل فيه اسقاطه ويورث عنه ويسقط باذنه ولا يجوز الجمع بين الحقين لمستحق واحد بمقابلة محل واحد فاثبتنا الجميع بينهما على سبيل التخيير وقلنا ان شاء مال إلى جانب هتك حرمة حق الله تعالى واستوفى العقوبة وان شاء مال إلى جهة حرمة حق العباد فاستوفى الدية ولا خلاف ان أحد الشريكين في الدم إذا عفا ان للاخران يستوفى المال ولو لم يكن المال واجبا له بنفس القتل لما وجب بالعفو لان العفو مسقط ولو وجب بالعفو لوجب على العافى وان كان محسنا كضمان الاعتاق يجب على المعتق إذا كان موسرا ولما وجب المال للآخر على القاتل عرفنا انه كان واجبا بنفس القتل ولما ظهر ذلك عند العفو في حق من لم يعف فكذلك يظهر في حق العافى إذا عفا عن القصاص فقلنا يتمكن من أخذ المال ولان القاتل في الامتناع من أداء الدية بعد ما استحقت نفسه قصاصا ملق نفسه في التهلكة فيكون ممنوعا شرعا كالمضطر إذا وجد طعاما يشتريه ومعه ثمنه يفترض عليه شراؤه شرعا لهذا المعنى
[ 62 ] فكذا هاهنا * وحجتنا في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام العمد قود فقد أدخل الالف واللام في العمد وذلك للمعهود فان لم يكن فللجنس وليس هاهنا معهود فكان للجنس وفيه تنصيص على ان جنس العمد موجب للقود فمن جعل المال واجبا بالعمد مع القود فقد زاد على النص وإلى هذا أشار ابن عباس رضى الله عنه في قوله العمد قود ولا مال له فيه وعن على وابن مسعود رضى الله عنهما قالا في دم عمد بين شريكين عفا أحدهما انقلب نصيب الآخر مالا فتخصيصهما غير العافى بوجوب المال له دليل على أن العافى لا شئ له فأما ماروى من قوله فأهله بين خيرتين فقد اختلفت الرواية فيه فان في بعض الروايات ان أحبوا قتلوا وان أحبوا فادوا والمفاداة على ميزان المفاعلة يقتضى وجود القتل بين اثنين بالتراضى وذلك أخذ الدية بطريق الصلح وتأويل الرواية التى قال وان أحبوا أخذوا الدية من جهتين احداهما انه انما لم يذكر رضا القاتل لان ذلك معلوم ببديهة العقل فان من أشرف على الهلاك إذا تمكن من دفع الهلاك عن نفسه باداء المال لا يمتنع من ذلك الا من سفهت نفسه لان امتناعه لا بقاء منفعة المال سفه ولا يتصور ذلك بعد ما تلفت نفسه وهو نظير قوله عليه الصلاة والسلام خذ سلمك أو رأس مالك وهو في أخذ رأس المال يحتاج الي رضا المسلم إليه ولم يذكره لا لانه غير محتاج إليه بل لانه معلوم بطريق الظاهر والثانى ان المراد أن لا يجبر الولى على أخذ الدية شاء أو أبى لا ان له أن يجبر غيره على اداء الدية بدليل قصة الحديث فانه روى ان رجلا من خزاعة قتل رجلا من هذيل يوم فتح مكة بعد ما أمر رسول الله صلى اله عليه وسلم بالكف عن القتل فخطب رسول الله ﷺ وقال أما أنتم يا معاشر خزاعة فقد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقلته فوداه بمائة من الابل من عند نفسه ثم قال فمن قتل له بعد اليوم قتيل فأهله بين خيرتين فقد أجبر الولى على أخذ الدية ثم تبين بهذا اللفظ ان الحكم قد انتسخ وان الولى لا يجبر على أخذ الدية بعده وفي الحديث الآخر عرض الدية على الولى وهذا لا ينفى كون رضا القاتل مشروطا فيه ولكنه اما أن يكون قصد التبرع باداء الدية من عنده ولم يعتبر رضا القاتل في هذه الحالة أو أراد أن يعلم رغبة المولى في أخذ الدية ثم يشتغل باسترضاء القاتل كمن سعى بالصلح بين اثنين يسترضى أحدهما فإذا تم له ذلك حينئذ استرضى الآخر والمعنى في المسألة انه أتلف شيأ مضمونا فيتقدر ضمانه بالمثل ما أمكن كاتلاف المال وتفويت حقوق الله تعالى من الصوم والصلاة والزكاة يكون الواجب فيها
[ 63 ] المثل إذا أمكن وهذا لان ضمان المتلفات مقدر بالمثل بالنص قال الله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ولان الزيادة على المثل ظلم على المتعدى وفى النقصان يحسن بالمتعدى عليه والشرع انما يأمر بالعدل وذلك بالمثل إذا ثبت هذا فنقول الدية ليست بمال للمتلف والقصاص مثل أما بيان أن الدية ليست بمثل فلان المماثلة بين الشيئين تعرف صورة أو معنى ولا مماثلة بين المال والآدمي صورة ولا معنى والنفس مخلوقة لاماتة الله تعالى والاشتغال بطاعته ليكون خليفة في الارض والمال مخلوق لاقامة مصالح الاآدمى به ليكون مبتذلا في حوائجه فاما القصاص من حيث الصورة فلانه قتل بازاء قتل وازهاق احياة بازهاق حياة ومن حيث المعنى فالمقصود بالقتل ليس الا الانتقام والثانى في معنى الانتقام كالاول وبهذا سمى قصاصا ثم المثل واجب بطريق الجبر ولا يجعل جبران الحياة بالمال وانما جبران الحياة بحياة مثلها وذلك في القصاص فان الله تعالى نص على أن في القصاص حياة فعلينا أن نعتقد هذا المعنى في القصاص عقلناه أو لم نعقله ثم هو معقول من الوجه الذى ذكرنا انه حياة بطريق دفع سبب الهلاك ولكن للولى الذى هو قائم مقام المقتول كما ان المال في الموضع الذى يجب انما ينتفع به الذى هو قائم مقام المقتول ولا حاجة بنا الي اثبات المماثلة في القصاص لان ذلك واجب بالقصاص وهو محض حق العبد ولا حق للعبد الا في المثل فاما أجزية الافعال المحرمة فتجب حقا لله تعالى وانما حاجتنا الي أن يثبت ان المال ليس بمثل للنفس وقد أثبتنا ذلك فقلنا لا يجب بمقابلة النفس المتلفة قتلا الا في الموضع الذى يجب بتعذر ايجاب المثل فحينئذ يجب المال بالنص بخلاف القياس وهو في حالة الخطأ لان المثل نهاية في العقوبات المعجلة في الدنيا والخاطئ معذور فتعذر ايجاب المثل عليه ونفس المقتول محرمة لا يسقط جزء منها بعذر الخاطئ فوجب صيانتها عن الهدر فأوجب الشرع المال في حالة الخطأ لصيانة النفس المحرمة عن الاهدار لا بطريق انه مثل كما أوجب الفدية علي الشيخ الفاني عند وقوع اليأس به عن الصوم وذلك لا يدل على أن الاطعام مثل الصوم وإذا ثبت أن وجوب المال بهذا الطريق ففى الموضع الذى يتمكن فيه من استيفاء مثل حقه لا معنى لايجاب المال وكما ثبت هذا المعني في الخطأ قلنا في كل موضع من مواضع العمد بتحقق هذا المعنى نوجب هذا المال أيضا لان المخصوص من القياس بالنص يلحق به ما يكون في معناه من كل وجه فالاب إذا قتل ابنه عمدا يجب المال لتعذر ايجاب القصاص لحرمة الابوة وإذا
[ 64 ] عفى أحد الشريكين يجب للآخر المال لانه تعذر عليه استيفاء القصاص لمعنى في القاتل وهو انه حتى يقص نفسه بعفو الشريك فكان ذلك في معنى الخطأ فوجب المال للاخر ولا يجب للعافي لانه انما تعذر استيفاء القصاص على العافى باسقاطه من جهته لا بمعنى في القاتل ثم اقدام العافى علي العفو يكون تعبينا منه لحقه في القصاص لان العفو يعترف فيه بالاسقاط وذلك لا يكون الا بعد تعيين حقه فيه ومع تعيين حقه في القصاص لا يجب له المال وإذا مات من عليه القصاص انما لا نوجب المال لان هذا ليس في معنى الخاطئ من كل وجه فان تعذر ايجاب استيفاء القصاص بعد موته كان لفوات المحل فلو ألحقنا هذا بالخاطئ لمعني التعذر كان قياسا والمخصوص من القياس لا يقاس عليه غيره وإذا كانت يد القاطع شلاء فالمجني عليه هاهنا عاجز عن استيفاء مثل حقه بصفته لا لفوات المحل بل لمعنى في الجاني فان شاء تجوز بدون حقه وان شاء مال إلى استيفاء الارش بمنزلة من أتلف على آخر كر حنطة ولم يجد عنده الا كرا رديئا فانه يتخير بين أن يتجوز بدون حقه وبين أن يطالب بالقيمة لتعذر استيفاء المثل بصفته بخلاف ما إذا قطعت يد القاطع ظلما لان تعذر الاستيفاء هاهنا لفوات المحل فلم يكن في المعنى الاول وهو بخلاف ما إذا قطعت يده في سرقة أو قصاص فانه يجب الارش لان المحل هناك في معنى القائم حكما حين قضي به حقا مستحقا عليه فيكون كالسالم له حكما فمن هذا الوجه هو في معنى الخطأ وما قال ان في النفس حرمتين فنقول في نفس القاتل حرمتان كما في نفس المقتول فإذا أو جبنا القصاص بحصل به مراعاة الحرمتين جميعا ثم القصاص لا يجب الا باعتبار الحرمتين جميعا وإذا اعتبرناهما لايجاب القصاص لا يبقي حرمة أخرى تعتبر لايجاب المال ولو كان المعنى الذى قاله صحيحا لوجب ان يجمع بينهما استيفاء كمن قتل صيدا مملوكا في الحرم يجمع بين وجوب الكفالة لحرمة حق الله تعالى ووجوب الضمان لحق المالك وفيما قررنا جواب عما قال ان القصاص واجب بخلاف القياس فانه لما كان المثل صورة ومعنى هو القصاص علم أنه هو الموجب الاصلي والذى قال انه بالامتناع من اداء الدية يسلم نفسه في التهلكة ضعيف فان القاء النفس في التهلكة انما كان بالقبيل السابق فأما بالامتناع من اداء الدية يسلم نفسه لا يفاء حق مستحق عليه ويمتنع من اداء ما ليس عليه فلا يكون به ملقيا نفسه في التهكلة وأما شبه العمد فهو ما تعمدت ضربه بالعصاء أو السوط أو الحجر أو اليد فان في هذا الفعل معنين العمد باعتبار قصد الفاعل إلى الضرب ومعنى الخطأ باعتبار
[ 65 ] انعدام القصد منه إلى القتل لان الآلة التى استعملها آلة الضرب للتأديب دون القتل والعاقل انما يقصد كل فعل بآلته فاستعماله آلة التأديب دليل على انه غير قاصد إلى القتل فكان في ذلك خطأ لشبه العمد صورة من حيث انه كان قاصدا إلى الضرب وإلى ارتكاب ما هو محرم عليه وكان مالك رحمه الله يقول لا أدرى ما شبه العمد وانما القتل نوعان عمد وخطأ وهذا فاسد فان شبه العمد ورد الشرع به على ما رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال الا ان قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا وفيه مائة من الابل أربعون منها خلفة في بطونها أولادها والصحابة اتفقوا علي شبه العمد حيث أوجبوا الدية فيه مغلظة مع اختلافهم في صفة التغليظ على ما نبينه وقال على رضي الله عنه شبه العمد الضربة بالعصا والعزقة بالحجر العظيم فاما بيان أحكام شبه العمد فنقول انه لا قصاص فيه لتمكن الشبهة والخطأ من حيث انعدام القصد إلى القتل والقصاص عقوبة تندرئ بالشبهات وهى تعمد المساواة ولا مساواة بين قتل مقصود وقتل غير مقصود ثم هذا القتل لما اجتمع فيه معنيان أحدهما يوجب القصاص والآخر يمنع ترجح المانع على الموجب لان السعي في ابقاء النفس واجب ما أمكن فان الابقاء حياة حقيقة وفي القصاص حياة حكما فلهذا لا يوجب القود في شبه العمد وإذا تعذر ايجاب القود وجبت الدية وهى مغلظة كما أشار إليه رسول الله ﷺ في قوله أربعون خلفة في بطونها أولادها وهو مروى عن ابن عمر وابن مسعود وأبى موسى الاشعري والمغيرة بن شعبة رضى الله عنهم انهم أوجبوا الدية مغلظة في شبه العمد وهذا التغليظ انما يظهر في أسنان الابل إذا وجبت الدية منها لا في شى ء آخر وهذه الدية على عاقلة القاتل بمنزلة الدية في الخطأ وهو قول عامة العلماء وكان أبو بكر الاصم يقول لا تجب الدية علي العاقلة بحال لظاهر قوله ولا تزر وازرة وزر أخرى ولقول رسول الله صلي الله عليه وسلم لابي رمثة حين دخل عليه مع ابنه أما انه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه أي لا يؤخذ بجنايتك ولا تؤخذ بجنايته ولان ضمان الاتلاف يجب علي المتلف دون غيره بمنزلة غرامات الاموال وهذا أولى لان جناية المتلف في اتلاف النفس أعظم من جنايته في اتلاف الاموال ولكنا نستدل بما روى أن النبي ﷺ جعل عقل جناية كل بطن من الأنصار عليهم وفي حديث حمدان بن مالك ابن نابغة قال كنت بين جاريتين لى فضربت احداهما بطن صاحبتها بعمود فسطاط أو بمسطح خيمة فالقت جنينا ميتا فاختصم أولياؤها الي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال عليه السلام
[ 66 ] لاولياء الضاربة دوه فقال أخوها عمران بن عويمر الاسلمي أيدي من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل ومثل دمه بطل فقال عليه الصلاة والسلام أسجع كسجع الكهان وفى رواية دعني وأراجيز العرب قوموا فدوه الحديث ففيه تنصيص علي ايجاب الدية على القاتل ثم هو معقول المعنى من أوجه أحدها ان مثل هذا الفعل انما يقصده القاتل بزيادة قوة له وذلك انما يكون بالتناصر الظاهر بين الناس ولهذا التناصر أسباب منها ما يكون بين أهل الديوان باجتماعهم في الديوان ومنها ما يكون بين العشائر وأهل المحال وأهل الحرف فانما يكون تمكن الفاعل من مباشرتهم بنصرتهم فيوجب المال عليهم ليكون زجرا لهم عن غلبة سفهائهم وبعثا لهم على الاخذ على أيدى سفهائهم لكيلا تقع مثل هذه الحادثة هذا في شبه العمد وكذلك في الخطأ لان مثل هذا الامر العظيم قلما يبتلى به المرء من غير قصد الا لضرب استهانة وقلة مبالاة تكون منه وذلك بنصره من ينصره ثم الدية مال عظيم وفي ايجاب الكل على القاتل اجحاف به فأوجب الشرع ذلك على العاقلة دفعا لضرر الاجحاف عن القاتل كما أوجب النفقة على الاقارب بطريق الصلة لدفع ضرر الحاجة ولهذا أوجب عليهم مؤجلا على وجه يقل ما يؤديه كل واحد منهم في كل نجم ليكون الاستيفاء في نهاية من التيسير عليهم ولان كل واحد منهم يخاف على نفسه أن يبتلى بمثل ذلك فهذا يواسي ذلك إذا ابتلي به وذلك يواسى هذا فيدفع ضرر الاجحاف من كل واحد منهم ويحصل معنى صيانة دم المقتول عن الهدر ومعنى الاعسار لورثته بحسب الامكان وبهذا يتبين أنا لا نجعل وزر أحد على غيره وانما نوجب ما نوجبه على العاقلة بطريق الصلة في المواساة و بهذا لا نوجب ذلك ان كان المتلف مالا لان الواجب قل ما يعظم هناك بل يتقدر بقدر المتلف فلا يؤدى إلى الاجحاف بالمتلف ان لو ضن به وهذا لا نوجب القليل من الارش وهو ما دون ارش الموضحة على العاقلة ومن موجب شبه العمد أيضا حرمان الميراث لانه جزاء أصل الفعل وهو مالا يندرئ بالشبهات ومن موجبه الكفارة أيضا باعتبار هذا المعنى لانه جزاء أصل الفعل وهو مما لا يندرى بالشبهات وبهذا ثبت في الخطأ المحض ففى شبه العمد أولى وأما الخطأ فهو ما أصبت مما كنت تعمدت غيره والخطأ نوعان أحدهما أن يقصد الرمى إلى صيد أو هدف أو كافر فيصيب مسلما فهذا خطأ من حيث انه انعدم منه القصد الي المحل الذى أصاب والثانى أن يرمى شخصا يظنه حربيا فإذا هو مسلم أو يظنه صيدا فإذا هو مسلم فهذا خطأ باعتبار ما في قصده وان كان هو قاصدا الي المحل الذى أصابه وحكم
[ 67 ] الخطأ انه لا يجب فيه القصاص لان الخطأ موضوع عنا رحمة من الشرع قال الله تعالى وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به وقال ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا وقال عليه السلام رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فإذا تعذر ايجاب القصاص وجبت الدية بالنص قال الله تعالى ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبتة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله وبينا المعنى فيه لصيانة دم المقتول عن الهدر فاستحقاق صيانة نفسه لا يسقط بعذر الخاطئ ومن موجبه الكفارة فانها تثبت بهذا النص أيضا والمعنى فيه معقول فان القتل أمر عظيم قل ما يبتلى به المرء من غير قصد ما لم يكن به تهاون في التحرز وعلى كل أحد المبالغة في التحرز لكيلا يبتلى بمثل هذا الامر العظيم فإذا ترك ذلك كان هو ملتزما بترك التحرز فنوجب عليه الكفارة جزاء على ذلك ولان مثل هذا الامر العظيم لا يبتلى به المرء الا بنوع خذلان وهذا الخذلان لا يكون الا عن ذنوب سبقت منه والحسنة تذهب السيئة قال الله تعالى ان الحسنات يذهبن السيئات فنوجب عليه الكفارة لتكون ماحية للذنوب السابقة فلا يبتلي بمثل هذا الامر العظيم بعدها وفي سيئة العمد معنى ايجاب الكفارة أظهر لما يلحقه من المأثم بالقصد إلى أصل الفعل وفيه حديث وأثلة ابن الاسقع حيث قال أتينا رسول الله ﷺ بصاحب لناقد أوجب النار بالقتل فقال عليه السلام اعتقوا عنه رقبة يعتق الله تعالى بكل عضو عضوا منه من النار وايجاب النار لا يكون الا بالاقدام على قتل محرم وقد قامت الدلالة على ان الكفارة لا تجب في العمد المحض فعرفنا ان المراد شبه العمد ثم قال الشافعي المعنى في وجوب الكفارة بالقتل انه نقص من عدد المسلمين أحدهم ممن كان يحضر الجمع والجماعات فعليه اقامة نفس مقام ما أتلف ولا يمكنه ذلك احياء فعليه اقامة مقام النفس المتلفة تحريرا لان الحرية حياة والرق تلف وبهذا أوجب الكفارة علي العامد وقلنا نحن انما أوجب الكفارة عليه لان الشرع سلم له نفسه شكر لله حين أسقط عنه القود بعذر الخطأ مع تحقق اتلاف النفس منه فعليه اقامة نفس مقام نفسه شكرا لله وذلك في أن تحرز نفس منه لتشتغل بعبادة الله وان عجز عن ذلك فعليه صوم شهرين متتابعين شكرا لله حيث سلم له نفسه وبهذا لا نوجب الكفارة علي العامد لان الشرع أوجب عليه القصاص ونوجبها في شبه العمد لان الشرع سلم له نفسه تخفيفا عليه وترجيح أحد المعنيين على الآخر يبين في مسألة كفارة العمد إذا انتهينا إليها ان شاء الله تعالى وليس في هذه الكفارة اطعام عندنا وفي أحد قولي الشافعي إذا عجز عن الصوم يطعم ستين مسكينا بالقياس على كفارة
[ 68 ] الظهار وهو بناء علي أصله ان قياس المنصوص على المنصوص يجوز فان المطلق والمقيد في حادثتين يحمل أحدهما على الآخر وذلك غير جائز عندنا وموضع بيانه أصول الفقه فاما ما أجرى مجرى الخطأ على ما ذكره الرازي فهو النائم إذا انقلب على انسان فقتله وهذا ليس بعمد ولا خطأ لانه لا تصور للقصد من النائم حتى يتصور منه ترك القصد أو ترك التحرز ولكن الانقلاب الموجب لتلف ما انقلب عليه يتحقق من النائم فيجرى هذا مجرى الخطأ حتى تجب الدية على عاقلته والكفارة ويثبت به حرمان الميراث ليوهم أن يكون متهاونا ولم يكن نائما قصدا منه إلى استعجال الميراث وأظهر من نفسه القصد إلى محل آخر فأما ما ليس بعمد ولا خطأ ولا أجرى مجرى الخطأ فهو حافر البئر وواضع الحجر في الطريق فليس بمباشر للقتل لان مباشرة القتل بايصال فعل من القاتل بالمقتول ولم يوجد وانما اتصل فعله بالارض فعرفنا انه ليس بقاتل عمد ولا شبه عمد ولا خطأ ولا ما أجرى مجرى الخطأ بل هو بسبب متعد فنوجب الدية علي عاقلته للحاجة إلى صيانة النفس المتلفة عن الهدر ولا يجب عليه الكفارة ولا يحرم الميراث على ما يأتيك بيانه في بابه قال وفي النفس الدية معناه بسبب اتلاف النفس فان حرف في للظرف حقيقة والنفس لا تكون ظرفا للدية بل قتلها سبب لوجوب الدية كما يقال في النكاح حل وفي الشراء ملك وهذا لقوله تعالى ودية مسلمة إلى أهله وقال عليه السلام في النفس مائة من الابل وقال علي رضى الله عنه في النفس الدية ومالا يعرف بالرأى والمنقول عنه فيه كالمرفوع إلى رسول الله ﷺ وفى الانف الدية والحاصل ان مالا ثانى له في البدن من اعضاء أو معان مقصودة فاتلافها كاتلاف النفس في انه يجب بها كمال الدية والاعضاء التى هي افراد ثلاثة الانف واللسان والذكر وذلك مروي في حديث سعيد ابن المسيب ان النبي عليه السلام قال في الانف الدية وفي اللسان الدية وفي الذكر الدية وهكذا روى عن علي بن أبى طالب ثم قطع الانف تفويت جمال كامل ومنفعة كاملة وامتياز الآدمى من بين سائر الحيوانات فات بهما فتفويتهما في معنى تفويت النفس فكما تجب الدية بقطع جميع الانف بحيث يقطع المارن لان تفويت الجمال به يحصل وكذلك تفويت المنفعة لان المنفعة في الانف اجتماع الروائح في قصبة الانف لنقله منها إلى الدماغ وذلك تفويت بقطع المارن والمارن ما دون قصبة الانف وهو مالان منه وكذلك في اللسان الدية لان الآدمى قد امتاز من بين سائر الحيوانات باللسان وقد من الله تعالى به على عباده فقال تعالى خلق الانسان علمه البيان
[ 69 ] وذلك يفوت بقطع اللسان ففيه تفويت أعظم المقاصد في الآدمى وكذلك في قطع بعض اللسان إذا منع الكلام وان كان بحيث يمنع بعض الكلام دون البعض فالجواب الظاهر ان فيه حكومة عدل لانه لم يتم تفويت المقصود بهذا القدر وانما تمكن فيه نقصان فيجب باعتباره حكومة عدل وقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله ان الدية تقسم على الحروف فحصة ما يمكنه ان يصححه من الحروف تسقط عنه وحصة مالا يمكنه ان يصححه من الحروف تجب عليه ولكن على هذا القول لا يعتبر في القسمة الا الحروف التى تكون باللسان فاما الهاء والحاء والعين لاعمل للسان فيها فلا يعتبر ذلك في القسمة وفي الكتاب روى ان النبي ﷺ قضى في اللسان بالدية وفي الانف بالدية قال وفي الذكر دية لان في الذكر تفويت منفعة مقصودة من الآدمى وهى منفعة النسل ومنعفة استمساك البول والرمى به عند الحاجة وكذلك في الحشفة الدية كاملة لان تفويت المقصود يحصل بقطع الحشفة كما يحصل بقطع جميع الذكر ووجوب الدية الكاملة باعتباره والمعاني التى هي افراد في البدن العقل والسمع والبصر والذوق والشم ففى كل واحد منها دية كاملة هكذا روى عن عمر رضي الله عنه انه قضى لرجل على رجل باربع ديات بضربة واحدة كان ضرب على رأسه فأذهب عقله وسمعه وبصره ومنفعة ذكره وكان المعنى فيه ان العقل من أعظم ما يختص به الآدمى وبه ينتفع بنفسه في الدينا والآخرة وبه يمتاز من البهائم فالمفوت له كالمبدل لنفسه الملحق له بالبهائم وكذلك منفعة السمع فانها منفعة مقصودة بها ينتفع المرء بنفسه وكذلك منفعة البصر فانها مقصودة (ألا ترى) أن الناس يقولون للذى لا بصرله بمنزلة الميت الذى لم يدفن وكذلك منفعة الشم منفعة مقصودة في البدن ومنفعة الذوق كذلك فتفويتها من وجه استهلاك باعتبار ان فيه منفعة مقصودة فيوجب كمال الدية وكذلك في الصلب الدية كاملة إذا منع الجماع لما فيه من تفويت منفعة مقصودة وهى منفعة النسل وكذلك إذا حدث فان فيه تفويت جمال كامل لان الجمال للآدمي في كونه منتصب القامة قيل في معنى قوله تعالى لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم منتصب القامة وذلك يفوت إذا حدب والجمال للآدمي مطلوب كالمنفعة فتفويت الجمال الكامل بوجب دية كاملة فان عاد الي حاله ولم ينقصه ذلك شيأ الا أن فيه أثر الضربة ففيه حكومة عدل لانه نفى بعض الشيئين ببقاء أثر الضربة فيجب باعتباره حكم عدل ومن هذه الجملة الافضاء في المرآة إذا كانت بحيث لا تستمسك البول فانه يوجب كمال الدية لان فيه تفويت منفعة كاملة
[ 70 ] لا ثانى لها في البدن وهى منفعة استمساك البول وذكر المبرد أن النبي عليه السلام قال في الصعر الدية وفسر المبرد ذلك بتعويج الوجه وفيه تفويت جمال كامل وأما ما يكون زوجا في البدن ففى قطعهما كمال الدية وفي أحدهما نصف الدية وأصل ذلك في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي عليه السلام قال في العينين الدية وفي احداهما نصف الدية وفي اليدين الدية وفي احداهما نصف الدية وهكذا روى عن علي رضى الله عنه قال الاعضاء التى هي أزواج في البدن العينان والاذنان الشاخصتان والحاجبان والشفتان واليدان وثديا المرأة والانثيان والرجلان أما في العينين إذا فقئا الدية كاملة بتفويت الجمال والمنفعة المقصودة وأما في الاذنين الشاخصتين فالدية كاملة لان في قطعهما تفويت الجمال الكامل وتفويت المنفعة أيضا فان الاصوات تجتمع فيها وتنفذ إلى الدماغ وبهما تقى الاذى عن الدماغ ففيهما الدية وفي احداهما نصف الدية وكذلك في الحاجبين إذا حلقهما علي وجه أفسد المنبت أو نتفهما فأفسد المنبت لان فيه تفويت جمال كامل فيجب فيهما الدية وفى احداهما نصف الدية عندنا خلافا للشافعي رضى الله عنه على ما نبينه في فصول الشعران شاء الله وفى الشفتين معنى الجمال الكامل والمنفعة الكاملة فبقطعهما تجب الدية كاملة وبقطع احداهما نصف الدية والعليا والسفلى في ذلك سواء وعن زيد بن ثابت رضى الله عنه قال في السفلى ثلثا دية وفي العليا ثلث الدية لان في العليا جمالا فقط وفي السفلى جمالا ومنفعة وهى استمساك الريق بها وكذلك في الدين فان منفعة البطش في الادمى منفعة مقصودة ففى قطعهما تفويت هذه المنفعة وفي قطع احداهما تنقيصه وكذلك في ثديى المرأة منفعة مقصودة كاملة وهى منفة رضاع الولد وكما تجب الدية بقطع تدبيها تجب بقطع حلمتيها لان تفويت المنفعة يحصل بقطع الحلمة كما يحصل بقطع جميع الثدى فهو نظير ما ذكرنا في الحشفة مع الذكر والمارن مع الانف وفي الانثيين منفعة مقصودة وهى منفعة الامناء والنسل ففيهما الدية وفي احداهما نصف الدية وفى الرجلين منفعة مقصودة وهى منفعة المشي وانتفاع المرء بنفسه انما يكون إذا تمكن المرء من المشى فقطع الرجلين بمنزلة استهلاكه حكما وأما ما يكون أرباعا في البدن فهو اشفار العينين يجب في كل شفر ربع الدية ويستوى ان نتف الاهداب فأفسد المنبت أو قطع الجفون كلها بالاشفار لان تفويت الجمال يتم بذلك وكذلك تفويت المنفعة لان الاهداب والجفون تقى الاذى عن العينين وتفويت ذلك بنقص من البصر ويكون آخره العمي فيجب فيها كمال الدية وهى ارباع في البدن فتوزع الدية عليها
[ 71 ] في كل واحدة منها ربع الدية فأما ما يكون اعشارا في البدن كالاصابع يعنى أصابع اليدين أو الرجلين فان قطع أصابع اليد يوجب كمال الدية لما فيها من تفويت منفعة البطش والبطش بدون الاصابع لا يتحقق وفى كل أصبع عشر الدية هكذا روى في حديث سعيد بن المسيبه أن النبي عليه السلام قال وفي كل أصبع عشر من الابل وجميع ما ذكرنا مذكور فيما كتب رسول الله ﷺ لعمرو بن حزم وفيها وفى كل أصبع عشر من الابل وفى كل سن خمس من الابل وهكذا رواه عبد الله بن عمر رضى الله عنه عن رسول الله ﷺ وكان عمر رضي الله عنه في الابتداء يقول في الخنصر ست من الابل وفى البنصر تسع من الابل وفي الوسطى عشر وفى السبابة والابهام خمس وعشرون ثم لما بلغه حديث رسول الله ﷺ رجع إلى الحديث فقال الاصابع كلها سواء والذى تبيناه في أصابع اليد كذلك في أصابع الرجل لان في قطعها تفويت منفعة المشى ومنفعة المشي كمنفعة البطش والصغير والكبير في جميع ما ذكرنا سواء لان في اعضائه عرضة لهذه المنافع ما لم يصبها آفة ففى تفويتها تفويت المنفعة كما في حق الكبير وأما ما يزيد على ذلك في البدن فهى الاسنان يجب في كل سن نصف عشر الدية لما روينا من الحديث ويستوى في ذلك الانياب والنواجذ والضواحك والطواحين ومن الناس من فضل الطواحين على الضواحك لما فيها من زيادة المنفعة ولسنا نأخذ بذلك لان النبي عليه الصلاة والسلام قال في كل سن خمس من الابل من غير تفصيل ثم ان كان في بعضها زيادة منفعة ففى بعضها زيادة جمال والجمال في الادمى كالمنفة حتى قيل إذا قلع جميع أسنانه فعليه ستة عشر ألفا لان الاسنان اثنان وثلاثون سنا فإذا الواجب في كل نصف عشر الدية خمسمائة بلغت الجملة ستة عشر ألفا وليس في البدن جنس يجب بتفويته أكثر من مقدار الدية سوى الاسنان فان قلع جميع أسنان الكوسج فعليه أربعة عشر ألفا لان أسنانه ثمانية وعشرون هكذا حكى أن امرأة قالت لزوجها يا كوسج فقال ان كنت كوسجا فأنت طالق فسئل أبو حنيفة رحمه الله عن ذلك فقال تعد أسنانه فان كانت اثنين وثلاثين فليس بكوسج وان كانت ثمانية وعشرين فهو كوسج قال وبلغنا عن على رضى الله عنه قال في الرأس إذا حلق ولم ينبت الدية كاملة وبهذا أخذ علماؤنا رحمهم الله وقال إذا حلق شعر رأس انسان حتى أفسد المنبت فعليه كمال الدية الرجل والمرأة في ذلك سواء وقال الشافعي في شعر الرأس حكومة عدل وكذلك في اللحية إذا حلقت فلم تنبت كمال الدية عندنا
[ 72 ] وقال الشافعي رضى الله عنه حكومة عدل لانه شعر مستمد من البدن بعد كما الخلقة فلا يتعلق بحلقه كما الدية كشعر الصدر والساق وهذا لانه ليس في حلق الشعر تفويت منفعة كاملة انما فيه فقط تفويت بعض الجمال فانه يلحقه نوع شين على الوجه الذى لغير الكوسج بقلة شعره ووجوب كمال الدية يعتبر بتفويت منفعة كاملة والدليل عليه ان ما يوجب في الحر كمال الدية يوجب في العبد كمال القيمة وبالاتفاق لو حلق لحية عبد انسان لا يلزمه كمال القيمة وان أفسد المنبت وانما يلزمه النقصان فكذلك في حق الحر * وحجتنا في ذلك حديث على رضى الله عنه فان ما نقل عنه في هذا الباب كالمرفوع إلى رسول الله ﷺ لان ذلك لا يستدرك بالرأى والمعنى فيه انه فوت عليه جمالا كاملا فيلزمه كمال الدية كما لو قطع الاذنين الشاخصتين وبيان ذلك ان في اللحية جمالا كاملا في أوانه وكذلك في شعر الرأس جمال كامل (ألا ترى) ان من عدم ذلك خلقة تكلف لستره واخفائه ولا شك ان في شعر الرأس جمالا كاملا وبعض المنفعة أيضا فما يحصل لها بالجمال من المنفعة أعظم وجوه المنفعة وكذلك في اللحية والاصل فيه ما روى عن النبي ﷺ انه قال ان لله تعالى ملائكة تسبيحهم سبحان من زين الرجال باللحى والنساء بالقرون والذوائب تم تفويت المنفعة يوجب كمال الدية كما إذا ضرب على ظهره حتى انقطع ماؤه فكذلك تفويت الجمال الكامل يوجب كمال الدية لان الغرض للعقلاء في الجمال أكثر مما هو في المنفعة بخلاف شعر الصدر والساق فليس في حلقه تفويت جمال كامل فلهذا لم يؤثر ذلك في النقصان فلا يجب شئ فأما في لحية العبد فروايتان روى الحسن عن أبى حينفة انه يجب كمال القيمة وفى ظاهر الرواية يجب نقصان القيمة وهو نظير الروايتين في قطع الاذنين الشاخصتين من العبد ففى رواية الحسن قال القيمة في العبد كالدية في الحر فما يجب بتفويته كمال الدية في الحر يجب بتفويته كمال القيمة في العبد وفي ظاهر الرواية قال الجمال غير مقصود للمولي من عبده وانما المقصود منفعة الاستخدام وبحلق لحيته أو قطع الاذنين الشاخصتين منه لا يفوت هذا المقصود فلهذا لا يجب به كمال القيمة فأما الجمال فمقصود في الاحرار وبتفويته يجب كمال الدية وتكلموا في حلق لحية الكوسج والاصح في ذلك ما فصله أبو جعفر الهندوانى رحمه الله ان كان الثابت على ذقنه شعرات معدودة فليس في حلق ذلك شئ لان وجود ذلك لا يزينه وربما يشينه وان
[ 73 ] كان أكثر من ذلك فكان على الذقن والخد جميعا ولكنه غير متصل ففيه حكومة عدل لان في هذا بعض الجمال ولكنه ليس بكامل فيجب بتفويته حكومة عدل وان كان متصلا ففيه كمال الدية لانه ليس بكوسج وفي لحيته معنى الجمال الكامل وهذا كله إذا فسد المنبت فان نبت حتى استوى كما كان لا يجب فيه شئ لانه لم يبق لفعل الجاني أثر فهو بمنزلة الضربة التى لا يبقى أثرها في البدن ولكنه يؤدب علي ذلك لارتكاب ما لا يحل له وان نبتت بيضاء فقد ذكر في النوادران عند أبى حنيفة لا يلزمه شئ لان الجمال يزداد ببياض شعر اللحية وعندهما يجب حكومة عدل لان بياض الشعر جمال في أوانه فأما في غير أوانه فيشينه فيجب حكومة العدل باعتباره وقد بينا ان في أحد العينين نصف الدية ويستوى الجواب ان انخسفت أو ذهب بصرها وهى قائمة أو أبيضت حتى ذهب البصر لان المنفعة المقصودة من العين تفوت في هذا كله وقيل ذهاب البصر بمنزلة فوات العين فلا معتبر ببقائها بعد ما ذهب البصر (ألا ترى) أن من خنق انسانا حتى مات عليه كمال الدية وان كالت النفس باقية على حالها وكذلك اليد إذا شلت حتى لا ينتفع بها ففيها أرشها كاملا أما لان الشلل دليل موتها أو لان ما هو المقصود وهو منفعة البطش تحقق فواته بصفة الكمال فهو ومالو قطعت اليد سواء في إيجاب الارش قال وفي الموضحة نصف عشر الدية والكلام في معرفة الشجاج ان يقول الشجاج الحارصة وهى التى تشق الجلد ومنه يقال حرص القصار الثوب ثم الدامغة وهى التى يخرج منها قدر الدمع من الدم ثم الدامية وهى التى يخرج منها قدر الدمع من الدم ثم الباضعة وهى التى تبضع بعض اللحم ثم المتلاحمة وهى التى تقطع أكثر اللحم وروى عن محمد رحمه الله ان المتلاحمة قبل الباضعة وهو اختلاف في مأخذ الكلم لا في الحكم فمحمد رحمه الله ذهب إلى أن المتلاحمة مأخوذة من قولك النحم الشيآن إذا اتصل أحدهما بالآخر والمتلاحمة ما تظهر اللحم ولا تقطعه والباضعة بعدها وفى ظاهر الرواية المتلاحمة ما تعمل في قطع أكثر اللحم فهى بعد الباضعة ثم السمحاق وهى التي تقطع اللحم وتظهر الجلدة الرقيقة بين اللحم والعظم فتلك الجلدة تسمى سمحاقا ومنه سمى العظم الرقيق سماحيق ثم الموضحة وهى التى توضح العظم حتى يبدو ثم الهاشمة وهى التى تكسر العظم ثم المنقلة وهى التي يخرج منها العظم أو تجعل العظم كالنقلة وهى كالحصى ثم الآمة وهي التى تظهر الجلد بين العظم والدماغ وتسمى تلك الجلدة أم الرأس ثم الدامغة وهى التى تجرح الدماغ الا أن محمدا رحمه الله لم يذكر الدامغة لان النفس لا تبقى
[ 74 ] بعدها عادة فيكون ذلك قتلا لا شجة ولم يذكر الحارصة والدامية لان الظاهر انه لا يبقى لهما أثر وبدون بقاء الاثر لا يجب شئ فاما بيان الاحكام فنقول أما في الموضحة فيجب نصف عشر الدية هكذا روى عن رسول الله ﷺ وقال في الموضحة خمس من الابل وهكذا روى في حديث عمرو بن حزم وفيما يرويه سعيد بن المسيب وهذا إذا كانت الموضحة خطأ فان كانت عمدا ففيها القصاص لان اعتبار المساواة فيها ممكن فان عملها في اللحم دون العظم والجنايات فيما دون النفس توجب القصاص إذا أمكن اعتبار المساواة فيها فأما قبل الموضحة من الشجاج ففيها حكومة عدل إذا كانت خطأ وكذلك ان كانت عمدا في رواية الحسن عن أبى حنيفة فانه لا قصاص فيما دون الموضحة لانه يتعذر اعتبار المساواة فيها من حيث المقدار فربما يبقى من أثر فعل الثاني فوق ما يبقى من أثر فعل الاول وفي ظاهر الرواية يقول فيها القصاص لان عملها في الجلد أعظم والمساواة فيها ممكنة بان يسبر فورها بالمسبار ثم يتخذ حديدة بقدر ذلك فيقطع بها مقدار ما قطع واجياب حكومة العدل في هذه الشحاج مروى عن إبراهيم الخعى وعمر بن عبد العزيز رحمهما الله قالا ما دون الموضحة من الشجاج بمنزلة الخدوش ففيها حكومة عدل وقد جاء في الحديث ان عليا رضى الله عنه قضى في السمحاق باربع من الابل فانما يحمل على ان ذلك كان مقدار حكومة عدل ثم اختلف المتأخرون من مشايخنا رحمهم الله في معرفة حكومة العدل فقال الطحاوي السبيل في ذلك أن يقوم لو كان مملوكا بدون هذا الاثر ويقوم مع هذا الاثر ثم ينظر إلى تفاوت ما بين القيمتين كم هو فان كان بقدر نصف العشر يجب نصف عشر الدية وان كان بقدر ربع العشر يجب ربع عشر الدية وكان الكرخي يقول هذا غير صحيح فربما يكون نقصان القيمة بالشجاج التى قبل الموضحة أكثر من نصف العشر فيؤدى هذا القول إلى أن يوجب في هذه الشجاج من الدية فوق ما أوجبه الشرع في الموضحة وذلك لا يجوز ولكن الصحيح ان ينظر كم مقدار هذه الشجة من نصف عشر الدية لان وجوب نصف فعشر الدية ثابت بالنص وما لانص فيه يرد إلى المنصوص عليه باعتبار المعني فيه فاما في الهاشمة عشر الدية وفي المنقلة عشر ونصف عشر الدية وفي الآمة ثلث الدية وتسمى المأمومة أيضا وذلك فيما كتبه رسول الله ﷺ لعمرو بن حزم قال في الهاشمة عشر من الابل وفى المنقلة خمسة عشر وفي الآمة ثلث الدية والجائفة كالأمة يجب فيها ثلث الدية لان الجائفة واصلة إلى أحد الجوفين وهو جوف البطن فتكون كالواصلة
[ 75 ] إلى جوف الرأس وهى الدماغ وان نفذت الجائفة ففيها ثلث الدية لانها بمنزلة الجائفتين احداهما من جانب البطن والاخرى من جانب الظهر فيجب في كل واحدة منهما ثلث الدية وفي كل مفصل من الاصابع ثلث دية الاصبع إذا كان فيها ثلاثة مفاصل وان كان فيها مفصلان ففى كل مفصل نصف دية الاصبع لان المفاصل للاصبع كالاصابع لليد فكما ان دية اليد تتوزع على الاصابع على التساوى فكذلك دية الاصبع تتوزع على المفاصل على التساوى فالاصبع إذا كانت ذات مفصلين كالابهام فانه يجب في كل مفصل نصف دية الاصبع وإذا كانت ذات ثلاث مفاصل ففى كل مفصل ثلث دية الا صبع وذلك مروى عن على وابن عباس قالا لا يفضل شئ منها على شئ وابن مسعود قال في دية الخطأ اخماسا عشرون جذعة وعشرون حقة وعشرون بنت لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض والكلام هاهنا في فصول أحدها انه لا خلاف أن الدية من الابل مائة على ما قال رسول الله عليه السلام في النفس المؤمنة مائة من الابل واختلفوا في أن الدراهم والدنانير في الدية أصل أم باعتبار قيمة الابل فالمذهب عندنا انهما أصل وفي قول الشافعي يدخلان على وجه قيمة الابل وتتفاوت بتفاوت قيمة الابل ويحكى عن أبى بكر الرازي انه كان يقول أولا وجوبهما على سبيل قيمة الابل ولكنهما قيمة مقدرة شرعا بالنص فلا يزاد عليها ولا ينقص عنها ثم رجع عن ذلك وقال هما أصلان في الدية واحتج الشافعي رضي الله عنه بحديث الزهري قال كانت الدية على عهد رسول الله عليه السلام مائة من الابل قيمة كل بغير أوقية ثم غلب الابل فصارت قيمة كل بغير أوقية ونصفا ثم غلبت فصارت قيمة كل بعير أوقيتين فمازالت تعلوا حتى جعلها عمر عشرة آلاف درهم أو ألف دينار وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي عليه السلام قضى في الدية بمائة من الابل قيمتها أربعة آلاف درهم أو أربعمائة دينار وحجتنا في ذلك حديث سعيد بن المسيب أن النبي عليه السلام قال دية كل ذى عمد في عمده ألف دينار وذكر الشعبي عن عبيدة السلمانى ان عمر بن الخطاب لما دون الدواوين جعل الدية علي أهل الابل مائة من الابل وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلي أهل الورق عشرة آلاف درهم وقضاؤه ذلك كان بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد فحل محل الاجماع منهم والمعنى فيه ان للقاضى أن يقضى بالدية من الدراهم أو الدنانير مؤجلا في ثلاث سنين فلو كان الاصل في الدية الابل وهى دين والدراهم والدنانير بدل عنها كان هذا دينا بدين ونسيئة بنسيئة وذلك حرام شرعا
[ 76 ] يوضحه ان الآدمى حيوان مضمون بالقيمة كسائر الحيوانات والاصل في القيمة الدراهم والدنانير الا أن القضاء بالابل كان بطريق التيسير عليهم لانهم كانوا أرباب الابل وكانت النقود تتعسر منهم ولا نهم كانوا يستوفون الدية علي أظهر الوجوه ليندفع بها بعض الشر عنهم وذلك في الابل أظهر منه في النقود فكانت بخلاف القياس بهذا المعنى ولكن لا يسقط بها ما هو الاصل في قيمة المتلفات * ثم لا خلاف ان الدية في الخطأ من الابل تجب اخماسا كما ذكره ابن مسعود والسن الخامس عندنا ابن مخاض وعند الشافعي ابن لبون فمذهبنا مروى عن عمر وزيد وابن مسعود رضى الله عنهم واحتج الشافعي بما روى أن النبي عليه السلام قضى في الدية بمائة من ابل الصدقة يعنى من الاسنان التى تؤخذ في الصدقة وابن مخاض لامدخل له في الصدقة ولابن اللبون مدخل قال عليه السلام في خمس وعشرين بنت مخاض فان لم يكن فابن لبون وحجتنا في ذلك حديث حذيفة بن مالك الطائى عن ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي ﷺ قال دية الخطأ أخماس عشرون جذعة وعشرون بنت لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وقال عليه السلام في النفس المؤمنة مائة من الابل واسم الابل مطلقا يتناول أدنى ما يكون منه وابن المخاض أدنى من ابن اللبون ولان الشرع جعل ابن اللبون بمنزلة بنت المخاض في الزكاة فايجاب ابن اللبون هاهنا في معنى ايجاب أربعين من بنت المخاض وذلك لا يجوز بالاجماع فأما الحديث الذي رواه فالمراد اعطاء الدية من ابل الصدقة على وجه التبرع عن عاقلة القاتل لحاجتهم لا ان يكون المراد من الاسنان التى توجد في الصدقة ثم ابن المخاض يدخل في الصدقة عندنا على الوجه الذى يدخل ابن اللبون لان ابن اللبون عندنا يستوفى باعتبار القيمة فكذلك ابن المخاض وأما في شبه العمد فعلى قول أبى حنيفة وأبى يوسف تجب مائة من الابل ارباعا خمسة وعشرون ابنة مخاض وخمس وعشرون بنت ابن لبون وخمسة وعشرون حقة وخمسة وعشرون جذعة وهو قول ابن مسعود وقال الشافعي ومحمد تجب أثلاثا ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل وكلها خلفة والخلفة هي الحامل وهو قول عمر وزيد بن ثابت والمغيرة بن شعبة وأبى موسى الاشعري وقال على رضى الله عنه تجب أثلاثا ثلاثة وثلاثون حقة وثلاثة وثلاثون جذعة وأربعة وثلاثون خلفة وقال عثمان رضى الله عنه تجب اثلاثا من هذه الاسنان من كل سن ثلاثة وثلاثون واحتج محمد والشافعي لحديث النعمان بن بشير ان النبي عليه السلام قال في خطبة عام حجة الوداع
[ 77 ] ألا ان قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الابل أربعون منها في بطونها أولادها وعن عمر أنه قضى بذلك في شبه العمد وقضاؤه كان بمحضر من الصحابة وأبو حنيفة وأبو يوسف احتجا بحديث السائب بن يزيد أن النبي عليه السلام قضى في الدية بمائة من الابل أرباعا ومعلوم انه لم يرد به الخطأ لانها في الخطأ تجب أخماسا فعرفنا أن المراد به شبه العمد وقال في النفس المؤمنة مائة من الابل والمراد به أدنى ما يكون منه وما قلناه أدنى والمعنى فيه انه انما تجب الدية عوضا عن المقتول والحامل لا يجوز أن تستحق في شئ من المعاوضات فلكذلك لا تستحق في الدية لوجهين أحدهما أن صفة الحمل لا يمكن الوقوف على حقيقتها والثانى ان الجنين من وجه كالمنفصل فيكون هذا في معنى ايجاب الزيادة على المائة عددا وبالاتفاق صفة التغليظ ليست من حيث العدد بل من حيث السن ثم الديات تعتبر بالصدقات والشرع نهى عن أخذ الحوامل في الصدقات لانها كرائم أموال الناس فكذلك في الديات وهذا لان شبه العمد يجب على العاقلة يطريق الصلة منهم للقاتل بمنزلة الصدقات فأما الحديث الذى روى فلا يكاد يصح لان ما ذكره رسول الله ﷺ عام حجة الوداع كان بمحضر من جماعة من الصحابة ولم يرو هذا الحديث الا النعمان بن بشير وهو في ذلك الوقت. كان في عداد الصبيان وقد خفى الحديث على كبار الصحابة حتى اختلفوا بينهم على أقاويل كما بينا ولم تجر المحاجة بينهم بالحديث فلو كان صحيحا لما اختلفوا مع هذا النص ولا احتج به بعضهم على بعض ومن أصل أبى حنيفة ان العام المتفق على قبوله أولى بالاخذ به من مثل هذا الخاص ولا خلاف أن صفة التغليظ في الدية لا تثبت الا في أسنان الابل وبه يستدل الشافعي على أن الاصل في الدية الابل فقط ولكنا نقول ما عرفنا صفة التغليظ الا بالنص فان الدية بدل عن المتلف ولا يختلف التلف بالخطأ وشبه العمد وانما تثبت صفة التغليظ بما ورد به الشرع خاصة قال وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه انه جعل الدية على أهل الابل مائة وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلي أهل الشاة ألفى شاة وعلي أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الحلل مائتي حلة والحلة اسم لثوبين وبه نأخذ فنقول الدية من الدراهم تتقدر بعشرة آلاف درهم مما تكون الفضة فيها غالبة على الغش وقد بينا ذلك في كتاب السرقة وقال مالك والشافعي من الدراهم اثنا عشر ألف درهم لحديث أبى هريرة ان النبي عليه السلام قال من سبح في كل يوم وليلة مثل ديته اثنى عشر ألف تسبيحة
[ 78 ] فكأنما حرر رقبة من ولد إسماعيل وفى كتاب عمرو بن حزم ان النبي عليه السلام جعل الدية من الدراهم اثنى عشر ألفا ولانه لا خلاف انها من الدنانير ألف دينار وكانت قيمة كل دينار على عهد رسول الله عليه السلام اثنى عشر درهما بيانه في حديث السرقة فانه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم بعدما قال القطع في ربع دينار وانما يكون ثلاثة دراهم ربع دينار إذا كانت قيمة كل درهم اثنى عشر درهما وحجتنا في ذلك حديث دحيم ان رجلا قطع يد رجل على عهد رسول الله ﷺ فقضى عليه بنصف الدية خمسة آلاف درهم وقضى عمر رضى الله عنه في تقدير الدية بعشرة آلاف وقد كان بمحضر من الصحابة ولم يحتج عليه أحد منهم بحديث بخلاف ذلك فلو كان فيه حديث صحيح خلاف ما قضى به عمر لما خفى عليهم ولما تركوا المحاجة به ثم المقادير لا تعرف بالرأى فما نقل عن عمر من التقدير بعشرة آلاف درهم ومساعدة الصحابة معه على ذلك بمنزلة اتفاق جماعتهم على رواية هذا المقدار عن صاحب الشرع عليه السلام ولان الدية من الدنانير ألف دينار وقد كانت قيمة كل دينار على عهد رسول الله عليه السلام عشرة دراهم بدليل النص المروى في نصاب السرقة حيث قال لا قطع الا في دينار أو عشرة دراهم وقال علي رضى الله عنه حين ضجر من أصحابه ليت لى بكل عشرة من أهل العراق واحدا من أهل الشام صرف الدنانير بالدراهم ونصاب الزكاة منهما على أن قيمة كل دينار كان عشرة دراهم ثم أبو يوسف ومحمد رحمهما الله أخذا بظاهر حديث عمر وقالا الدية من الاصناف الستة فان عمر رضي الله عنه جعلها من هذه الاصناف وقدر كل صنف منه بمقدار ومعلوم انه ما كان يتفق القضاء بذلك كله في وقت واحد فعرفنا ان المراد بيان المقدار من كل صنف وأبو حنيفة قال الدية من الابل والدراهم والدنانير وقد اشتهرت الاثار بذلك عن رسول الله عليه السلام وانما أخذ عمر من البقر والغنم والحلل في الابتداء لانها كانت أموالهم فكان الاداء منها أيسر عليهم وأخذها بطريق التيسير عليهم فظن الراوي ان ذلك كان منه على وجه بيان التقدير للدية في هذه الاصناف فلما صارت الدواوين والاعطاآت جل أموالهم الدراهم والدنانير والابل ففضي بالدية منها ثم لا مدخل للبقر والغنم في قيمة المتلفات أصلا فهى بمنزلة الدور والعبيد والجوارى وهكذا كان ينبغى أن لا تدخل الابل الا أن الآثار اشتهرت فيه عن رسول الله ﷺ فتركنا القياس بذلك في الابل خاصة وقد ذكرنا في كتاب المعاقل ما يدل على أن قول أبى حنيفة كقولهما فانه قال لو صالح
[ 79 ] الولي من الدية علي أكثر من ألفى شاة أو علي أكثر من مائتي بقرة أو علي أكثر من مائتي حلة لا يجوز الصلح فهذا دليل على أن هذه الاصناف في الدية أصول مقدرة عنده كما هي عندهما قال وبلغنا عن علي أنه قال في دية المرأة على النصف من دية الرجل في النفس وما دونها وبه نأخد وقال ابن مسعود هكذا الا في ارش الموضحة وارش السن فانها تستوى في ذلك بالرجل وكان زيد بن ثابت يقول انها تعادل الرجل إلى ثلث ديتها يعنى إذا كان الارش بقدر ثلث الدية أو دون ذلك فالرجل والمرأة فيه سواء فان زاد على الثلث فحينئذ حالها فيه علي النصف من حال الرجل وبيانه فيما حكى عن ربيعة قال قلت لسعيد بن المسيب ما تقول فيمن قطع أصبع امرأة قال عليه عشر من الابل قلت فان قطع أصبعين منها قال عليه عشرون من الابل قلت فان قطع ثلاثة أصابع قال عليه ثلاثون من الابل قلت فان قطع أربعة أصابع منها قال عليه عشرون من الابل قلت سبحان الله لما كثر ألمها واشتد مصابها قل ارشها قال أأعرابى أنت فقلت لا بل جاهل مسترشد أو عاقل مستفت فقال انه السنة فبهذا أخذ الشافعي وقال السنة إذا أطلقت فالمراد بها سنة رسول الله ﷺ ويروون حديثا أن النبي عليه السلام قال تعادل المرأة الرجل إلى ثلث الدية وحجتنا في ذلك ما ذكره ربيعة فانه لو وجب بقطع ثلاثة أصابع منها ثلاثون من الابل ما سقط بقطع الاصبع الرابع عشر من الواجب لان تأثير القطع في ايجاب الارش لا في اسقاطه فهذا معنى يحيلة العقل ثم بالاجماع بدل نصفها على النصف من بدل نفس الرجل والاطراف تابعة للنفس وانما تكون تابعة إذا أخذنا حكمها من حكم النفس الا إذا أفردناها بحكم آخر وقول سعيد انه السنة يعنى سنة زيد وقد أفتى كبار الصحابة بخلافه والحديث الذى رووا نادر ومثل هذا الحكم الذى يحيله عقل كل عاقل لا يمكن اثباته بالشاذ النادر وأما ابن مسعود فكان يقول في التسوية بينهما في ارش السن والموضحة استدلالا بما قضى رسول الله ﷺ في الجنين فانه قضى بغرة عبد أو أمة قيمتها خمسمائة ويسوى بين الذكر والانثى في ذلك وبدل الجنين نصف عشر الدية فلهذا سوى بينهما في مقدار نصف عشر الدية وذلك ارش السن والموضحة ولكنا نقول في الجنين انما قضى بذلك رسول الله ﷺ لانه يتعذر الوقوف على صفة الذكورة والانوثة في الجنين خصوصا إذا لم يتم خلقه ولان الوجوب هناك باعتبار قطع السر فقط والذكر والانثى في ذلك سواء وهاهنا الوجوب باعتبار صفة المالكية وحال
[ 80 ] الانثى فيه على النصف من حال الذكر فالذكر أهل لمالكية النكاح والمال جميعا والانثى أهل لمالكية المال دون النكاح على ما نبينه وفي هذا أرش الموضحة وما زاد على ذلك سواء قال وفي ذكر الخصى ولسان الاخرس واليد الشلاء والرجل العرجاء والعين القائمة العور والسن السوداء وذكر العنين حكم عدل بلغنا ذلك عن إبراهيم وهذا لان ايجاب كمال الارش في هذه الاعضاء باعتبار تفويت المنفعة الكاملة وذلك لا يوجد لان منافع هذه الاعضاء كانت فائتة قبل جنايته (ألا ترى) ان من ضرب على يد انسان حتى شلت أو على عينه حتى ذهب بصره يجب عليه الارش فلو لا تفويت المنفعة لما حل بها لما لزمه كمال الارش فلو أوجبنا بالقطع بعد ذلك ارش كاملا مرة أخرى أدى إلى ايجاب ارشين كاملين عن عضو واحد وقال مالك رضى الله عنه يجب في هذه المواضع الارش كاملا ونقول في قطعها تقويت الجمال الكامل والجمال مطلوب من الآدمى كالمفعة بل الجمل يرغب فيه العقلاء فوق رغبتهم في المنفعة ولكنا نقول في الاعضاء التى يكون فيها المقصود المنفعة والجمال تبع فباعتباره لا تتكامل الجناية في الارش ثم في العين القائمة العوراء جمال عند من لا يعرف حقيقة الحال فأما عند من يعرف ذلك فلا فعرفنا أن معنى الحال في هذه الاعضاء غير كاملة بعد فوات المنفعة فلوجود بعض الجمال فيها أوجبنا حكم عدل فلا نعدام الكمال فيها لا يوجب كمال الارش وفي الضلع حكم عدل وفي الساعد إذا كسر أو كسر أحد الزندين حكم عدل وفي الساق إذا انكسرت حكم عدل وفى الترقوة حكم عدل على قدر الجراحة والحاصل انه لا قصاص في شئ من العظام إذا كسرت الا في السن خاصة لقوله ﷺ لا قصاص في العظم لان القصاص ينبنى على المساواة ولا تتحقق المساواة في كسر العظم لانه لا ينكر من الموضع الذى يراد كسره وبدون اعتبار المماثلة لا يجب القصاص فإذا تعذر ايجاب القصاص وليس فيها ارش مقدر كان الواجب فيها حكم عدل فأما في السن فيجب القصاص وهو مروى عن رسول الله ﷺ أنه قضى في القصاص في السن وبين الاطباء كلام في السن انه عظم أو طرف عصب يابس فمنهم من ينكر كون السن عظما لانه يحدث وينمو بعد تمام الخلقة ويلين بالحل فعلى هذا لا حاجة إلى الفرق بينه وبين سائر العظام متى ثبت انه ليس بعظم ولئن قلنا انه عظم وفي سائر العظام لتعذر اعتبار المساواة لا يجب القصاص وذلك لا يوجد هاهنا لانه يمكن أن يبرد بالمبرد بقدر ما كسر منه وكذلك ان كان قلع السن فانه لا يقلع منه قصاصا لتعذر اعتبار المماثلة فيه فربما تفسد
[ 81 ] به لهاته ولكن يبرد بالمبرد إلى موضع أصل السن فأما إذا كان خطأ فالواجب فيه الارش كما بينا وهو المعنى في الفرق بينه وبين سائر العظام لانه ليس لسائر العظام ارش مقدر وانما يجب القصاص فيما يكون له ارش مقدر شرعا ولهذا قلنا في أصح الروايتين على ما ذكره الحسن عن أبى حنيفة رضى الله عنهما انه لا قصاص فيما دون الموضحة لانه ليس فيه ارش مقدر شرعا ثم ان ضرب على سنه حتى اسودت أو احمرت أو اخضرت فعليه ارش السن كاملا لان الجمال والمنفعة يفوت بذلك وقال السواد في السن دليل موتها فإذا اصفرت فقد روى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله أن فيها حكم عدل وذكر هشام في نوادره عن محمد عن أبى حنيفة رحمهما الله ان فيها حكم عدل وفي الحر لا شئ وفى المملوك حكم عدل وعن محمد رحمه الله فيها حكم عدل وهو قول أبى يوسف لان الجمال على الكمال في بياض السن فبالصفرة ينقص معنى الجمال فيها ولهذا يجب في المملوك حكم عدل فكذلك في الحر وأبو حنيفة رحمه الله يقول الصفرة من ألوان السن فلا يكون دليل موت السن والمطلوب بالسن في الاحراز المنفعة وهى قائمة بعدما اصفرت فأما حق المولى في المملوك فالمالية وقد تنتقص باصفرار السن وعلى هذا لو قلع سن فنبتت صفراء أو نبتت كما كانت فلا شئ عليه في ظاهر الرواية لان وجوب الارش باعتبار فساد المنبت وحين نبتت كما كانت عرفنا انه ما فسد المنبت ثم وجوب الارش باعتبار بقاء الاثر ولم يبق أثر حين نبتت كما كانت وقد روى عن محمد في الجراحات التى تندمل على وجه لا يبقي لها أثر تجب حكومة بقدر ما لحقه من الالم وعن أبى يوسف رحمه الله يرجع على الجاني بقدر ما احتاج إليه من ثمن الدواء وأجرة الاطباء حتى اندملت وأبو حنيفة رحمه الله قال لا يجب شئ لانه لا قيمة لمجرد الالم (ألا ترى) ان من ضرب ضربة تألم بها ولم يؤثر فيه شئ لا يجب شئ أرأيت لو شتمه شتيمة أكان عليه أرش باعتبار ايلام حل فيه قال وفى اليد إذا قطعت من نصف الساعد دية اليد وحكم عدل فيما بين الكف إلى الساعد وان كان من المرفق كان في الذراع بعد دية اليد حكم عدل أكثر من ذلك وهذا قول أبى حنيفة ومحمد وعند أبى يوسف لا يجب فيه الا ارش اليد إذا قطعها من نصف الساعد وكذلك روى ابن سماعة عن أبى يوسف فيما إذا قطعها من المنكب انه لا يجب الا أرش اليد واحتج في ذلك بقوله عليه السلام وفى اليدين الدية وفي أحدهما نصف الدية واليد اسم للجارحة من رؤس الاصابع إلى الآباط وقد روينا في حديث عمران بن حارنة أن النبي عليه السلام قضي
[ 82 ] على قاطع اليد بنصف الدية خمسة آلاف من غير تفصيل وقد روى في بعض الروايات انه قطعها من نصف الساعد ولان الساعد ليس له ارش مقدر فيكون تبعا لماله ارش مقدر كالكف فان بالاجماع يجب نصف الدية بقطع الاصابع ثم لو قطع الكف مع الاصابع لا يلزمه الا نصف الدية وتجعل الكف تبعا للاصابع لهذا المعني فكذلك إذا قطع من نصف الساعد أو المرفق أو المنكب لانه ليس من هذه الاعضاء بدل مقدر سوى الاصابع (ألا ترى) انه لو قطع المارن أو الحشفة يلزمه الدية ولو قطع جميع الانف أو جميع الذكر لا يجب عليه أكثر من دية واحدة وأبو حنيفة ومحمد قالا ما زاد علي الكف من الساعد اما أن يجعل تبعا للاصابع أو الكف ولم يمكن جعلة تبعا للاصل لان الكف حائل بينه وبين الاصابع والتابع ما يكون متصلا بالاصل ولا يمكن جعله تبعا للكف لان الكف في نفسه تبع للاصابع ولا تبع للتبع فإذا تعذر جعله تبعا ولا يجوز اهداره عرفنا أنه أصل بنفسه وليس فيه ارش مقدر فيجب حكم عدل كما لو قطع يده من المفصل أو لا فبرأت ثم عاد فقطع الساعد ولا حجة في الحديثين لان اليد إذا ذكرت في موضع القطع فالمراد به من مفصل الزند بدليل آية السرقة والذى روى أن القطع كان من نصف الساعد شاذ لا يعتمد على مثله في الاحكام فإذا كسر الانف ففيه حكم عدل لما ان كسر الانف جناية ليس فيها ارش مقدر فيجب فيها حكم عدل ككسر الساعد والساق فان قطع اليد وفيها ثلاثة أصابع فعليه ثلاثة اخماس دية اليد ويدخل ارش الكف في ارش الاصابع هاهنا بالاتفاق لان أكثر الاصابع لما كانت قائمة جعل كقيام جميعها فيكون الكف تابعا لها واقامة الاكثر مقام الكل أصل في الشرع فاما إذا كان على الكف أصبعان أو أصبع فقطع الكف فعند أبى حنيفة رحمه الله يلزمه ارش ما كان قائما من الاصابع ويدخل ارش الكف في ذلك وعند أبى يوسف ومحمد ينظر إلى ارش ما بقي من الاصابع وإلى ارش الكف وهو حكومة عدل فايهما كان أكثر يدخل الاقل فيه لان أكثر الاصابع هاهنا فائتة فيجعل ذلك كفوات الكل ولو قطع الكف وليس عليها شئ من الاصابع كان عليه حكم عدل فهذا مثله وهذا لان ببقاء أكثر الاصابع تبقي منفعة البطش وان كان يتمكن فيها نقصان فيعتبر تفويت ذلك في ايجاب الارش وأما ببقاء أصبع واحد فلا يبقى منفعة البطش ولا يمكن اعتبار ذلك في ايجاب الارش فيجب حكم عدل الا انه لابد من اعتبار أرش الاصبع المقطوعة بالنقص ومن اعتبار حكومة العدل في الكف لما قلنا ولا
[ 83 ] وجه إلى الجمع بينهما بالاتلاف فاعتبرنا الاكثر منهما فجعلنا الاقل تابعا للاكثر وهو أصل في الشرع في باب الارش وأبو حنيفة يقول ارش الاصبع مقدر شرعا وليس للكف ارش مقدر شرعا وما ليس بمقدر شرعا يجعل تبعا لما هو مقدر شرعا ولهذا جعل الكف تبعا لجميع الاصابع وهذا لمعنيين أحدهما ان المقدر شرعا ثابت بالنص وما ليس فيه تقدير فهو ثابت بالرأى والرأى لا يعارض النص والمصير إلى الترجيح بالكثرة عند المساواة في القوة والثانى ان المصير إلى الرأى والتقويم لا جل الضرورة وهذه الضرورة لا تتحقق عند امكان ايجاب الارش المقدر بالنص وسوى هذا عن أبى يوسف روايتان احداهما انه كان يقول أولا عليه ارش الاصبع وحكومة العدل في الكف يجمع بينهما لان جعل الكف تبعا للاصابع باعتبار ان معنى البطش يكون بهما وذلك لا يوجد في الاصبع الواحد ولا يمكن جعل الاصبع تبعا للكف لان للاصبع ارشا مقدرا شرعا فلا يجوز النقصان عن ذلك بالرأى فإذا لم يكن اتباع أحدهما الآخر كان كل واحد منهما أصلا فيجب ارشهما وعنه في رواية أخرى انه يلزمه ارش الاصبع القائمة وموضعها من الكف يكون تبعا له ويلزمه حكومة عدل فيما وراء ذلك من الكف لان الاصابع لو كانت قائمة كان موضع كل أصبع من الكف تبعا لذلك الاصبع فعند قيام البعض يعتبر البعض بالكل ثم في ظاهر الرواية عند أبى حنيفة وان لم يبق الا مفصل من أصبع فانه يجب ارش ذلك المفصل ويجعل الكف تبعا له لان ارش ذلك المفصل مقدر شرعا وما بقى شئ من الاصل فان قل فلا حكم للتبع كما إذا بقى واحد من أصحاب الخطة من المحلة لا يعتبر السكان وروى الحسن عن أبى حنيفة قال إذا كان الباقي دون أصبع فانه يعتبر فيه الاقل والا كثر فيدخل الاقل في الاكثر لان ارش الاصبع منصوص عليه فأما ارش كل مفصل فغير منصوص عليه وانما اعتبرنا ذلك بالمنصوص عليه بنوع رأى وكونه أصلا باعتبار النص فإذا لم يرد النص في ارش مفصل واحد اعتبرنا فيه الاقل والاكثر لما بينا ولكن الاول أصح قال وفى ثدى الرجل حكم عدل ويسمى الثندوة أيضا لانه ليس فيه منفعة مقصودة ولا جمال كامل فانه مستور بالثياب عادة لكن فيه بعض الجمال وفيما يبقى من أثره بعد القطع بعض الشين فيجب بحكم عدل باعتباره وفي الاذن إذا يبست أو انخسفت وربما تقول انخنست حكم عدل لان المنفعة المقصودة لا تفوت به وهو ايصال الصوت إلى الصماخ وكذلك لا يفوت به الجمال كله بل يتمكن فيه النقصان لاجله يجب حكم عدل قال وبلغنا عن إبراهيم انه لا تعقل العاقلة
[ 84 ] الا خمسمائة درهم فصاعدا وبه نأخذ وكل شئ من الخطأ يبلغ نصف عشر دية الرجل خمسمائة أو نصف عشر دية المرأة مائتين وخمسين فهذا على العاقلة في شبه العمد وما دون ذلك في مال الجاني حالا لحديث ابن عباس موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله ﷺ قال لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون ارش الموضحة ولان ما دون أرش الموضحة في معنى ضمان المال فانه لا يجب الا باعتبار التقويم وهو غير مقدر شرعا وضمان الجناية انما يفارق ضمان المتلفات في كونه مقدر شرعا وأدنى ذلك ارش الموضحة فما دون ذلك بمنزلة ضمان المتلفات فيكون عليه حالا في ماله وأرش الموضحة فما زاد عليه إلى ثلث الدية يكون على العاقلة مؤجلا في سنة واحدة فان زاد على ذلك أخذ الفضل في سنة أخرى إلى تمام الثلثين فان زاد علي الثلثين أخذ ذلك الفضل في السنة الثالثة إلى تمام الدية بلغنا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه أول من فرض العطاء وجعل الدية في ثلاث سنين الثلث في سنة والنصف في سنتين والثلثين في سنتين وقد ثبت باتفاق العلماء التأجيل في جميع الدية إلى ثلاث سنين وانه يستوفى كل ثلث في سنة ولما ثبت التأجيل في ثلث الدية سنة واحدة ثبت في أبعاض ذلك الثلث مما يكون في معناه اعتبار للبعض بالكل وكذلك الثلث الثاني لما ثبت التأجيل في جميعه السنة الثانية فكذلك في ابعاضه قال ودية أهل الذمة من أهل الكتاب وغيرهم مثل دية المسلمين رجالهم كرجالهم ونساؤهم كنسائهم وكذلك جراحاتهم وجناياتهم بينهم وما دون النفس في ذلك سواء فان كانت لهم معاقل يتعاقلون على عواقلهم وان لم يكن لهم معاقل ففى مال الجاني وهذا لانهم بعقد الذمة التزموا أحكام الاسلام فيما يرجع إلى المعاملات فيثبت فيما بينهم من الحكمة ما هو ثابت بين المسلمين وديتهم مثل دية أحرار المسلمين عندنا وقال مالك دية الكتابى على النصف من دية المسلم وهو أحد قولى الشافعي وقال في قول آخر دية الكتابى على الثلث من دية المسلم ودية المجوسى ثمانمائة درهم استدلالا بالآيات الدالة علي نفى المساواة بين المسلمين والكفار لقوله تعالى لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة ولقوله أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون وقال عليه السلام المسلمون تتكافؤا دماؤهم فدل ان دماء غيرهم لا تكافئ دماءهم وفي حديث سعيد بن المسيب أن النبي عليه السلام قضى في دية الكتابى بثلث دية المسلم وفى رواية بنصف دية المسلم وعن عمر انه قضي في دية المجوسي بثمانمائة درهم ولان نقصان الكفر فوق نقصان الانوثة وإذا كانت الدية تنقص بصفة الانوثة فبالكفر أولى وانما
[ 85 ] انتقصت بصفة الانوثة لنقصان دين النساء كما وصفهن به رسول الله ﷺ في قوله انهن ناقصات عقل ودين وتأثير عدم الدين فوق تأثير نقصان الدين يدل عليه ان بدل النفس ينتقص بالرق والرق أثر من آثار الكفر وأثر الشئ دون أصله فلان ينتقص بأصل الكفر كان أولى ويتفاحش النقصان إذا انضم إلى كفره عدم الكتاب نسبة فتناهى النقصان نسبة حتى لا يوجب الا ما قضى به عمر رضى الله عنه وهو ثمانمائة درهم * وحجتنا في ذلك قوله تعالى وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله والمراد منه ما هو المراد من قوله في قتل المؤمن ودية مسلمة إلى أهله وفي حديث ابن عباس أن رسول الله ﷺ ودى العامر بين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمرى وكانا مستأمنين عند رسول الله ﷺ بدية حرين مسلمين وقال عليه السلام دية كل ذى عمد في عمده ألف دينار وعن أبى بكر وعمر رضى الله عنهما انهما قالا دية الذمي مثل دية الحر المسلم وقال على رضي الله عنه انما أعطيناهم الذمة وبذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا و أموالهم كاموالنا وما نقلوا فيه من الاآثار بخلاف هذا لا يكاد يصح فقد روى عن معمر رضى الله عنه قال سألت الزهري عن دية الذمي فقال مثل دية المسلم فقلت ان سعيدا يروى بخلاف ذلك قال ارجع إلى قوله تعالى وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله فهذا بيان أن الرواية الشاذة لا تقبل فيما يدل على نسخ الكتاب ثم تأويله انه قضى بثلث الدية في سنة واحدة فظن الراوى أن ذلك جميع ما قضى به وعند تعارض الاخبار يترجح المثبت للزيادة وقوله المسلمون تتكافأ دماؤهم لا يدل على أن دماء غيرهم لا تكافئهم فتخصيص الشئ بالذكر لا يدل على نفي ما عداه والمراد بالاآثار نفى المساواة بينهما في أحكام الآخرة دون أحكام الدنيا فانا نرى المساواة بيننا وبينهم في بعض أحكام الدنيا ولا يجوز أن يقع الخلف في خبر الله تعالى والكلام من حيث المعنى في المسألة من وجهين أحدهما ان أهل الذمة يستوون بالمسلمين في صفة المالكية فيستوون بهم في الدية كالفساق مع العدول وهذا لان نقصان الدية باعتبار نقصان المالكية ولهذا تنصفت بالانوثة لتنصف المالكية فان المرأة أهل ملك المال دون ملك النكاح وانتقص عن ذلك بصفة الاجتنان في البطن لانه ليس بأهل للمالكية في الحال وان كان فيه عرضية أن يصير أهلا في الثاني وانتقص بنقصان الرق بخروجه من أن يكون أهلا لمالكية المال ومالكية النكاح بنفسه وهذا لان وجوب الدية لاظهار خطر المحل وصيانته عن الهدر وهذا الخطر
[ 86 ] باعتبار صفة المالكية وبصفة المملوكية يصير متبدلا إذا ثبت هذا فنقول لا تأثير للكفر وعدم الكتاب في نقصان المالكية فتستوي دية الكافر بدية المسلم والثانى ان وجوب الدية باعتبار معنى الاحراز والاحراز يكون بالدار لا بالدين والاحراز بالدين من حيث اعتقاد الحرمة وانما ظهر ذلك في حق من نعتقده دون مالا نعتقد فاما الاحراز بقوة أهل الدار فيظهر في حق أهل الكتاب وأهل الذمة ساووا المسلمين في الاحراز بالدار ولهذا يستوى بينهم وبين المسلمين في قيمة الاموال فكذلك في قيمة النفوس ولا يدخل عليه الاناث فانهم في الاحراز يساوين الذكور ولكن تنصف الدية في حقهن باعتبار نقصان المالكية ولانهن تباع في معنى الاحراز لان النصرة لا تقوم بهن وقصدنا بالتسوية بين أهل الذمة والمسلمين وقد سوينا في حق الرجال والنساء جميعا وجنايات الصبي والمعتوه والمجنون عمدها وخطؤها كلها علي العاقلة إذا بلغت خمسمائة فان كانت أقل من خمسمائة ففى أموالهم لان ما دون الخمسمائة في معنى ضمان المال والاتلاف الموجب للمال يتحقق من هؤلاء كما يتحقق من العقلاء البالغين فأما الخمسمائة فصاعدا فهى على عاقلتهم العمد والخطأ في ذلك سواء بلغنا ان مجنونا سعي علي رجل بسيف فضربه فرفع ذلك إلى على رضى الله عنه فجعله على عاقلته وقال عمده وخطؤه وسواء وهو على أحد قولى الشافعي وفي قوله الثاني قال عمده عمد حتى تجب الدية عليه في ماله لان العمد لغه القصد لانه ضد الخطأ فمن يتحقق منه الخطأ يتحقق منه العمد الا انه ينبنى على هذا القصد حكمان أحدهما القود والآخر الدية في ماله حالا والصبي ليس من أهل أحد الحكمين وهو العقوبة لان ذلك ينبنى على الخطاب وهو غير مخاطب وهو من أهل الحكم الآخر وهو وجوب الضمان في ماله كما في غرامات الاموال فيلزمه ذلك بمنزلة فعل السرقة يتعلق به حكمان أحدهما عقوبة وهى القطع والصبي ليس بأهل له والآخر غرامة وهو الضمان والصبي أهل لذلك فيسوى بالبالغ * وحجتنا في ذلك ان العمد في باب القتل ما يكون محظورا محضا ولهذا علق الشرع به ما هو عقوبة محضة لقوله عليه السلام العمد قود وفعل الصبي لا يوصف بذلك لانه ينبنى على الخطاب فلا يتحقق منه العمد شرعا في باب القتل والثانى ان العمد عبارة عن قصد معتبر في الاحكام شرعا فأصل القصد يتحقق من البهيمة ولا يوصف فعلها بالعمدية وقصد الصبي كذلك لانه غير صالح لبناء أحكام الشرع عليه فاعتبار قصده شرعا فيما ينفعه لا فيما يضره ولهذا كان عمده بمنزلة الخطأ دون خطأ البالغ لان البالغ انعدم منه القصد مع
[ 87 ] قيام الاهلية للقصد المعتبر شرعا وفي حق الصبي والمجنون انعدمت الاهلية لذلك ثم خطأ البالغ انما كان على عاقلته لمعنى النظر والتخفيف علي القاتل بعذر الخطأ والصبي في ذلك أقوى من صفة الخطأ ولكون فعل الصبى دون خطأ البالغ في الحكم قلنا لا يلزمه الكفارة بالقتل ولا يحرم الميراث على ما يأتيك بيانه وإذا ضرب الرجل بطن المرأة فالقت جنينا ميتا فيه غرة عبد أو أمة يعدل ذلك بخمسمائة والغرة عند بعض أهل اللغة المملوك الابيض ومنه غرة الفرس وهو البياض الذى على جنبينه ومنه قوله عليه السلام أمتى غرمحجلون يوم القيامة وعند بعضهم الغرة الجيد يقال هو غرة القبيلة أي كبير أهلها ثم القياس في الجنين أحد شيئين إما ان لا يجب فيه شئ لانه لم تعرف حياته وفعل القتل لا يتحقق الا في محل هو حى والضمان بالشك لا يجب ولا يقال الظاهر انه حى أو معد للحياة لان الظاهر حجة لدفع الاستحقاق دون الاستحقاق به وبهذا لا يجب في جنين البهيمة الا نقصان الام ان تمكن فيها نقصان وان لم يتمكن لا يجب شئ والقياس ان يجب كمال الدية لان الضارب منع حدوث منفعة الحياة فيه فيكون كالمزهق للحياة فيما يلزمه من البدل كولد المغرور فانه حر بالقيمة لهذا المعنى وهو انه منع حدوث الرق فيه ثم الماء في الرحم ما لم يفسد فهو معد للحياة فيجعل كالحى في ايجاب الضمان باتلافه كما يجعل بيض الصيد في حق المحرم كالصيد في ايجاب الجزاء عليه بكسره ولكنا تركنا القياس بالسنة وهو حديث حمل بن مالك كما روينا وروى ان عمر رضى الله عنه خوصم إليه في املاص المرأة فقال أنشدكم بالله هل سمع أحد منكم من رسول الله ﷺ في ذلك شيأ فقدم المغيرة بن شعبة وروى حديث الضرتين فقال عمر من يشهد معك فشهد معه محمد بن سلمة بمثل ذلك فقال عمر رضى الله عنه لقد كدنا أن نقضى ما رأينا فيما فيه سنة رسول الله ﷺ ثم قضى بالغرة وعن عبد الرحمن بن فليح ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال في الجنين غرة عبد أو أمة قيمته خمسمائة ثم هذه الآثار دليل لنا على ان الدية تتقدر بعشرة آلاف لان بدل الجنين بالاتفاق نصف عشر الدية وقد قدر ذلك بخمسمائة فعرفنا أن جميع الدية عشرة آلاف وفيه دليل على ان الحيوان لا يثبت دينا في الذمة ثبوتا صحيحا بل باعتبار صفة المالية لانه كما أوجب في الجنين عبدا أو أمة نص على مقدار المالية وهو خمسمائة وفيه دليل ان الواجب بدل نفس الجنين وان الاصل في الابدال المقدرة النفوس وان ما يجب في بدل الجنين بمنزلة ما يجب في بدل المنفصل حيا لانه قضى بذلك على العاقلة
[ 88 ] ولهذا قال عامة العلماء ان بدل الجنين يكون موروثا عنه لورثته الا ان الضارب ان كان أباه لم يرث شيأ لانه قاتل وقال الليث بن سعد يكون لامه لانه في حكم جزء من أجزائها والدليل عليه أنه يكون مؤجلا في سنة وبدل الطرف هو الذى يتأجل في سنة وأما بدل النفس وفيكون في ثلاث سنين قل أو كثر كما لو اشترك عشرون رجلا في قتل رجل يجب على كل واحد منهم نصف عشر الدية في ثلاث * سنين وحجتنا في ذلك قوله عليه السلام دوه أي أدوا ديته فقد جعله في حكم النفوس وسمي الواجب في بدله دية وهو اسم لبدل النفس والدليل عليه أن بدل الجزء لا يجب بدون بقاء النقصان حتى لو قلع سنا فنبت مكانه سن اخرى لم يجب شئ وهاهنا يجب بدل الجنين وان لم يكن في الام نقصان دل ان وجوبه باعتبار معنى النفسية وبدل النفس يكون موروثا عن صاحبها وهى في الحقيقة نفس مودعة في الام حتى تنفصل عنها حية فالجناية عليها قبل الانفصال معتبرة بالجناية عليها بعد الانفصال الا انه من وجه نسبة الجزء فلا يثبت من التأجيل فيه الا القدر المتيقن به وعلى هذا الاصل قلنا لا تجب الكفارة على الضارب الا أن يتبرع بها احتياطا هكذا نقل عن محمد رحمه الله وعند الشافعي تجب الكفارة لانه في حكم النفوس واتلاف النفس موجب الكفارة ولكنا نقول هو جزء من وجه واعتبار صفة الجزئية يمنع وجوب الكفارة ومع الشك لا تجب الكفارة ولكن اعتبار معنى الجزئية لا يمنع وجوب الضمان فأوجبنا الضمان وألحقناه في ذلك بالنفوس نم وجوب الكفارة بطريق السكر حيث سلم الشرع نفسه له فلم يلزمه القود بعذر الخطأ كما بينا وذلك لا يوجد ها هنا فاتلاف الجنين لا يوجب القصاص بحال فلهذا لا يلزمه الكفارة ومذهب الشافعي لا يستقر على شئ في الجنين لانه يجعله في حكم الكفارة كالنفوس ثم يقول البدل الواجب فيه معتبر بامه لا بنفسه حتى يكون الواجب عشر بدل الام وعندنا هو معتبر بنفسه وانما تبين ذلك في جنين الامة فالواجب عندنا نصف عشر قيمته ان كان ذكرا وعشر قيمته ان كانت انثى وعند الشافعي الواجب عشر قيمة الام ذكرا كان أو أنثى قال لانه انم يجب البدل باعتبار معنى الجزئية دون النفسية (ألا ترى) انه يتنصف بالانوثة وهذا لان اعتبار النفسية في الجنين ليس مبنى على سبب معلوم حقيقة فلا يجب المصير إليه عند الضرورة وذلك في حكم الكفارة لانها لا تجب باعتبار معنى الجزئية فأما في حكم البدل لا ضرورة فايجابه ممكن باعتبار الجزئية وهى معلومة حقيقة فكان الواجب عشر دية الام إذا ثبت هذا في جنين الحرة فكذلك في جنين
[ 89 ] الامة لان القيمة في حق المماليك كالدية في حق الاحرار وفيما ذهبتم إليه تفضل الانثى على الذكر في ضمان الجنايات ولكنا نقول الجنين في حكم البدل بمنزلة النفوس حتى يكون بدله موروثا عنه وذلك يختص ببدل النفس وبدل النفس يعتبر بحال صاحب النفس والدليل عليه ان جنين أم الولد من المولى يجب فيه الغرة ولو كان الوجوب باعتبار صفة الام لم يجب لانها مملوكة وكذلك النصرانية إذا كانت في بطنها جنين من زوج مسلم فيضرب انسان بطنها يلزمه الغرة ولو كان المعتبر حالها لم يجب على أصله لان دية النصرانية عنده على الثلث من دية المسلم وكذلك لو كانت مجوسية وما في بطنها مسلم باسلام أبيه فثبت ان المعتبر حاله بنفسه الا انه يسوى بين الذكور والاناث لانه يتعذر في الجنين المتمييز بين الذكرو الانثى خصوصا قبل أن يتم خلقه فان وجوب البدل لا يختص بما بعد تمام الخلقة وكما لا يجوز تفضل الانثى على الذكر في ضمان الجنايات لا تجوز التسوية باعتبار الاصل ثم جازت التسوية هاهنا باتلافاق فكذلك التفضيل وهذا لان الوجوب قطع التسوية لا باعتبار صفة المالكية لانه لامالكية في الجنين والانثى في معنى النشو يسوى بالذكر وربما يكون الانثى أسرع نشوا كما بعد الانفصال فلهذا جوزنا تفضيل الانثى علي الذكر ثم وجوب البدل في جنين الامة قول أبى حنيفة ومحمد وهو الظاهر من قول أبى يوسف وعنه في رواية انه لا يجب ألا نقصان الام ان نمكن فيها نقص وان لم يتمكن لا يجب فيها شئ كما في جنين البهيمة ولكنا نقول وجوب بدل جنين الآدمية لتحقيق معنى الصيانة عن الهدر وجنين الامة في ذلك كجنين الحرة وهذا المسألة في الحقيقة تنبنى على اختلافهم في ضمان الجناية على المماليك فان عند أبى يوسف هو بمنزلة ضمان المال يجب بالغا ما بلغ وعند أبى حنيفة ومحمد هو بدل عن النفس ولهذا لا يزاد على مقدار الدية بحال على ما يأتيك بيانه وان خرج الجنين حيا بعد الضربة ثم مات ففيه الدية كاملة لانه لما انفصل حيا كان نفسا من كل وجه وقتل النفس المؤمنة يوجب الدية والكفارة قال الله تعالى ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ولو قتلت الام ثم خرج الجنين بعد ذلك منها ميتا ففى الام الدية ولا شئ في الجنين عندنا وعلي قول الشافعي تجب الغرة في الجنين لان في اتلاف الجنين لا فرق بين أن ينفصل ميتا وهى حية أو وهى ميتة وقد تبين ان الضارب أتلف بفعله نفسين فيلزمه بدل كل واحد منهما ولكنا انما أوجبنا البدل في الجنين بالنص بخلاف القياس وورود النص به فيما إذا انفصل منها وهى حية لانه
[ 90 ] قال فألقت جنينا ميتا وانما أضاف الالقاء إليها إذا كانت حية فبقى ما إذا انفصل بعد موتها علي أصل القياس ثم يتمكن الاشتباه في هلاكه إذا انفصل بعد موتها فربما كان ذلك بالضربة وربما كان بانحباس نفسه بهلاكها ومع اشتباه السبب لا يجب الضمان بخلاف ما إذا كانت حية حيى انفصل الجنين ميتا عنها ثم هذا علي أصل أبى حنيفة ظاهر لانه لا يجعل ذكاة الام ذكاة الجنين فكذلك لا يجعل قتل الام قتلا للجنين والشافعي جعل ذكاة الام ذكاة الجنين فكذلك يجعل قتل الام قتلا للجنين وأبو يوسف ومحمد قالا القياس ماقاله أبو حنيفة ولكنا تركنا ذلك في حكم الذكاة بالسنة ولان الذكاة تنبنى على الوسع فبقى القياس معتبرا في حكم القتل فلا يكون قتل الام قتلا للجنين وان كان في بطنها جنينان فخرج أحدهما قبل موتها وخرج الآخر بعد موتها وهما ميتان ففى الذي خرج قبل موتها خمسمائة درهم وليس في الذى خرج بعد موتها شئ اعتبارا لكل واحد منهما بمال لو كان وحده وهذا لانه لا سبب لموت الذي خرج قبل موتها سوى الضربة واشتبه السبب في الذى خرج بعد موتها ومع اشتباه السبب لا يجب الضمان ثم الذى خرج قبل موتها ميتا لا يرث من دية أمه لان شرط التوريث بقاء الوارث حيا بعد موت المورث ولها ميراثها منه لانها كانت حية بعد ما وجب بدل هذا الجنين بانفصاله ميتا فلها ميراثها منه وان كان الذى خرج بعد موتها خرج حيا ثم مات ففيه الدية أيضا لان الاشتباه زال حين انفصل حيا وقد مات بالضربة بعد ما صار نفسا من كل وجه فتجب فيه الدية كاملة وله ميراثه من دية أمه ومما ورثت أمه من أخيه وان لم يكن لاخيه أب حى فله ميراثه من أخيه أيضا لانه كان حيا بعد موتهما فيكون له الميراث منهما ولا قصاص على الابوين والاجداد والجدات من قبل الآباء والامهات عندنا وقال مالك ان رمى الاب ولده بسيف أو سكين فقتله فلا قصاص عليه وان أخذه فذبحه فعليه القصاص لان وجوبا لقصاص باعتبار تغليظ الجناية ولهذا اختص بالعمد وجناية الاب أغلظ من جناية الاجنبي لانها انضم إلى تعمده القتل بغير حق وارتكابه ما هو محظور مع قطيعة الرحم فإذا وجب القصاص على الاجنبي باعتبار تغليظ جنايته فعلى الاب أولي وهو نظير من زنا بابنته فانه يلزمه من الحد ما يلزمه إذا زنا بالاجنبية لتغليظ جنايته هاهنا بكونها محرمة عليه على التأبيد الا أن مع شبهة الخطأ لا يجب القود وعند الرمى يتمكن شبهة الخطأ فالظاهر انه قصد تأديبه لا قتله لان شفقة الابوة تمنعه من ذلك بخلاف الأجنبي فليس هناك بينهما ما يدل على الشفقة
[ 91 ] فجلعنا الرمى من الاجنبي عمدا محضا فاما إذا أخذه فذبحه فليس هاهنا شبهة الخطأ بوجه والدليل عليه ان القصاص يجب على الابن بقتل أبيه فكذلك على الاب بقتل ابنه لان في القصاص معنى المساواة ومن ضرورة كون أحدهما مساويا للآخر أن يكون الآخر مساويا له وحجتنا في ذلك قوله عليه السلام لا يقاد الوالد بولده ولا السيد بعبده وقضى عمر بن الخطاب رضى الله في من قتل ابنه عمدا بالدية في ماله ومنهم من استدل بقوله عليه السلام أنت ومالك لا بيك فظاهر هذه الاضافة يوجب كون الولد مملوكا لابيه ثم حقيقة الملك تمنع وجوب القصاص كالمولى إذا قتل عبده فكذلك شبهة الملك باعتبار الظاهر وكان ينبغى باعتبار هذا الظاهر ان لا يلزمه الحد إذا زنا بها ولكن تركنا القياس في حكم الحد لان الحد محض حق الله تعالي وهو جزاء على ارتكاب ما هو حرام محض وباضافة الولد إلى الوالد تزداد معنى الحرمة فلا يسقط الحد به ولهذا سقط الحد عنه إذا وطئ جارية الابن لان اضافة الجارية إليه بالملكية وحقيقة الملك فيها توجب الحل بظاهر الاضافة ويوجب شبهة أيضا فاما حقيقة الملك في محل الحرمة لا يورث الحل فالاضافة لا تورث الشبهة * يوضحه ان الملك كما يبيح الوطئ يبيح الاقدام على القتل فان ولى الدم لما ملك نفس من عليه في حكم القصاص كان له أن يستوفى فالاضافة إليه بالملكية توجب شبهة في الفصلين فأما الملك في محل الحرمة فلا يوجب حل الوطئ فلا يصير شبهة في اسقاط الحد والمعنى في المسألة ان القصاص يجب للمقتول أو لوليه علي سبيل الخلافة عنه والابن ليس من أهل أن يستوجب ذلك على أبيه وبدون الاهلية لا يثبت الحكم وبيان ذلك انه ليس للابن أن يقتل أباه شرعا بحال ابتداء سواء كان مشركا أو مرتدا أو زاينا وهو محض لان الاب كان سبب ايجاد الولد فلا يجوز للولد أن يكتسب سبب افنائه وفى وجوب القود عليه اتلاف حكما والمقصود منه الاستيفاء دون الوجوب بعينه وهذا لانه مأمور شرعا بالاحسان اليهما قال الله تعالى ووصينا الانسان بوالديه حسنا وعليه أن يصاحبهما بالمعروف وان كانا مشركين لقوله تعالى وان جاهداك علي أن تشرك بى وليسس القتل من الاحسان والمصاحبة بالمعروف في شئ فكل ذلك ثبت للوالد عليه شرعا ليعرف العاقل بحق الوالد عظيم حق الله تعالى فان الوالدين كانا سببين لوجوده وتربيته والله تعالى هو الخالق الرازق على الحقيقة فيعرف العاقل بهذا ان مراعاة حق الله أوجب عليه وإذا ثبت انه لا يجب القصاص علي الوالد بقتل الولد ثبت انه لا يجب
[ 92 ] على الوالدة لان حقها أوجب فكذلك الاجداد والجدات من قبل الرجال والسناء لمعنى الولادة والحرية بينهم وبين المقتول فان كان بواسطة فالقصاص عقوبة تندرئ بالشبهات فعملت الشبهة فيه عمل الحقيقة بخلاف الولد إذا قتل والده فالولد ما كان سببا لا يجاد والده والولد يقابل ما عليه من مراعاة حرمة الوالد بضده فعليه القصاص وهو بمنزلة العبد إذا قتل مولاه يلزمه القصاص والمولي إذا قتل عبده لا يلزمه القصاص وان منع مالك هذا بغير الكلام فيه فنقول لو وجب القصاص انما يجب له كما لو قتله غيره ولا يجوز أن يجب له علي نفسه (ألا ترى) انه لو قتل عبده خطأ لم يجب عليه ضمان لانه لو قتله غيره كان الضمان للمولي فإذا قتله المولى لا يجوز أن يجب له على نفسه ثم على الآباء والاجداد الدية بقتل الابن عمدا في أموالهم في ثلاث سنين وقال الشافعي تجب الدية حالة وانما لا يعقله العاقلة لقوله عليه السلام لا تعقل العاقلة عمدا يعنى الواجب بالعمد ثم قال الشافعي الاصل ان ضمان المتلف يكون على المتلف في ماله حالا كسائر المتلفات الا أن التأجيل في الدية عند الخطأ ثبت للتخفيف على الخاطئ وعلى عاقلته والعامد لا يستحق ذلك التخفيف فيكون الواجب عليه حالا (ألا ترى) ان الوجوب على العاقلة لما كان للتخفيف على القاتل بخلاف القياس لم يثبت ذلك في العمد وهذا لان وجوب الضمان بمعني الجبران وحق صاحب النفس في نفسه كان ثابتا حالا فلا جبران في حقه الا ببدل هو حال ولان القود سقط شرعا إلى بدل فيكون ذلك البدل حالا كما لو سقط بالصلح على مال وهذا على أصله مستقيم فانه يجعل فعل الاب موجبا للقود علي ما نبينه * وحجتنا في ذلك ان هذا ما وجب بنفس القتل فيكون مؤجلا كما لو وجب بقتل الخطأ وشبه العمد وهذا لان المتلف ليس بمال وما ليس بمال لا يضمن بالمال أصلا وانما عرفنا تقوم النفس بالمال شرعا والشرع انما قوم النفس بدية مؤجلة في ثلاث سنين والمؤجل أنقص من الحال (ألا ترى) ان في العرف يشترى الشئ بالنسيئة باكثر مما يشترى بالنقد فايجاب المال حالا بالقتل يكون زيادة على ما أوجبه الشرع معنى وكما لا يجوز باعتبار صفة العمدية الزيادة في الدية على قدر الحال فكذلك لا يجوز اثبات الزيادة فيه وصفا وبهذا تبين ان التأجيل ليس لمعنى التخفيف على الخاطئ بل لان قيمة النفس شرعا دية مؤجلة بخلاف الايجاب على العاقلة لانه لافرق في قيمة النفوس بين أن تكون مستوفاة من العاقلة أو من القاتل فكان الايجاب على العاقلة لمعنى التخفيف على القاتل وهذا بخلاف المال الواجب بالصلح فان ذلك يجب بالعقد