مجلة البيان للبرقوقي/العدد 11/أخبار العلم

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 11/أخبار العلم

ملاحظات: بتاريخ: 6 - 4 - 1913



ننشر في هذا الباب كل ما نعثر به في صحائف الغرب من أخبار العلم والمكتشفات وما إلى ذلك من كل ما يفيد قراء البيان ويوقفهم على الحركة العلمية في العالم وهذه طرف من هذا الباب أهداها إلى البيان الكاتب الفاضل السيد صالح بك حمدي حماد.

مطارحات علمية

ابني نجيب - محصول الذهب في العام الماضي - اللؤلؤ - كارثة الكبتن سكوت - الذباب ومضاره - النساء - تحويل القوة إلى مادة - عيون النبات.

من عادة ابني نجيب ذلك الفتى الألمعي إذا قدم من المدرسة أن يلزم مجلسي ويشرع يتصفح ما عندي من المجلات الفرنسية والصحف العلمية وينظر فيها بشوق فخطر لي يوماً أن أختبره فيما يطالع منها فقلت له وأنا أبتسم:

ـ لعلك يا بني تفيد من هذه المطالعة وتزداد منها معلوماتك ولا تعوق عليك سيرك في علومك المدرسية، قال: أجل إني أميل إلى اجتناء ثمار هذه الصحف في بعض ساعات الفراغ وأؤكد لك أيها الوالد الشفيق أنها لا تضر بي بل هي تزيد معلوماتي، قلت: وما الذي أفدته اليوم وهل يمكنك أن تقول لي شفهياً خلاصة ما جنيته من المطالعة في هذا الأسبوع وما علق بذهنك من الحقائق العلمية، قال: نعم ولكنني أطلب إليك فقط أن تذكرني الموضوع وذلك أن تفتح إحدى هذه المجلات التي لدينا وتلقي عليّ في شكل سؤال ما تريد وما أذكره أنا يكون الجواب المختصر المفيد.

فعظم نجيب في عيني وأعجبتني قوة ذاكرته فقلت وأنا نشوان من الفرح:

ـ حسناً يا بني رأيت ثم مددت يدي إلى إحدى المجلات وفتحتها فوقع بصري على موضوع الذهب في العام الماضي فقلت: ماذا تقول هذه الصحيفة في مستخرج الذهب في العالم في السنة الماضية أي عام 1912م.

قال: لقد دل الإحصاء الأمريكي أن مستخرج الذهب من مناجم أمريكا قد زاد في العام الماضي عما قبله بمقدار عشرة ملايين وربع من الريالات تقريباً وإن قيمة المستخرج منه من بلاد الترنسفال في تلك المدة بلغ ثمانية عشر مليوناً ومائتين وخمسة وعشرين ألف ريال ودل إحصاء البلاد الأخرى كرودبسية وغرب إفريقية ومدغسكر وأمريكة الوسطى والجنوبية وكندة ومناجم أوربة والهند وكورية واليابان على أن زيادة المستخرج من النضار قد تضاعف في العشرين عاماً الماضية إلا ما حصل فيه من العجز سنتي 1900 و1902 بسبب تعطل العمل في مناجم الترنسفال أبان حرب البوير، والزيادة الحاصلة في المستخرج من الذهب إنما حصلت من اكتشاف مناجم جديدة للنضار في إفريقية وأمريكة وسيبيرية.

ثم أن للقارة الإفريقية السوداء المقام الأول في استخراج الذهب لأن ما يستخرج منها يبلغ 45 في المائة مما يستخرج من العالم كله ويبلغ ما يستخرج من مناجم الترنسفال وحدها 40 في المائة من ذهب العالم.

ويلي الترنسفال الولايات المتحدة الأمريكية وإن كان قد نزل محصولها الذهبي إلى النصف وهبط عنه قليلاً في العام الماضي، أما أوسترالية فقد ظهر العجز أيضاً في المستخرج من مناجمها في العام الماضي وتدل الأحوال على أن التقصير راجع إلى تقصير تلك البلاد نفسها.

وبلغ المستخرج من النضار من مناجم روسية في السنة الماضية ما قيمته سبعة وعشرون مليوناً من الريالات على أن هناك من محصول تلك عجزاً سببه قلة المياه في المناجم وثورة العمال في مقاطعة لينا وفيها أعظم مناجم سيبيرية الذهبية. ولم تستكشف في العام الماضي مناجم جديدة للذهب وإنما يظن الباحثون أنه قد يوجد منها في الكونغو بإفريقية وفي بلاد منشورية ومنغوليا بالصين وفي بعض جهات أمريكا الجنوبية - والذهب كما لا يخفى عليك يوجد في مناجمه على هيئة تراب أي تبر أو قطع وسبائك ويوجد منه في جهات أسوان والسودان وهكذا تفتح كنوز الأرض لأهل الجد والنشاط قلت أوترى ذلك يا بني قال وهل ثم برهان أكبر من المحسوس.

فسررت من جوابه واسترسلت في تقليب المجلة حتى عثرت على فصل في اللؤلؤ فقلت له أرجو يا بني أن تغوص مع غواص هذا اللؤلؤ وتقص علي مضمون هذا الفصل فقال:

ـ لا يخفى عليك أن اللؤلؤ من أنفس الجواهر التي يتنافس فيها الناس ولقد اختلف الناس في تكوينه فالهنود يزعمون أنه قطرات من الندى تدخل أصدافه ويزعم غيرهم أنه بيض لحيوانه أي محارة يبقى في مبيضه أو يبرز عنه لامتلائه فيغطي بالمادة اللؤلؤية. وقال سواهم أنه حبات من الرمل أو بقايا من نباتات بحرية تدخل محار اللؤلؤ فتجمد فيها وتصير إلى هذا الدر النفيس. وهناك رأي رابع وهو دخول بعض الحيوانات الطفيلية محارة عند تفتحه فيغطيها بالغشاء اللؤلؤي ويستحيل إلى هذا الدر، وعند كاتب هذه المقالة على ما أذكر أن محار اللؤلؤ إذا تفتح وأصاب جسمه الرخو جسم آخر سواء كان حيواناً أو رملاً تأثر به فانطبق عليه وغطاه بغشائه فكان من هذه العملية هذا اللؤلؤ العجيب.

ويتمثل اللؤلؤ للناظرين في أربعة أشكال لؤلؤ مستدير ولؤلؤ مستطيل وكمثري الشكل وآخر يشبه الزورق في شكله، فالمستدير ما وجد عادة داخل المحارة ووسطها والكمثري الشكل ما كان في أطرافها والمستطيل بقسميه ما كان على حافتيها، ولقد كان يعتقد بعض الناس إلى عهد قريب أن اللؤلؤ كائن حي قابل للموت ثم إن الفرق بين اللؤلؤ الصادق واللؤلؤ الكاذب أن الصادق منه كثير المادة اللؤلؤية قليل الماء في تركيبه وأنه شديد الصلابة صعب المكسر وإن كان سهل التخطيط والثقب وتؤثر فيه بعض الأحماض حتى أنه ليؤثر في عقوده حول النحور وعلى الصدور كثرة تعطر الغانيات وما يضعن حول أنماقهن وعلى صدورهن من الدهان والطلاء، فهو وإن ازداد حسناً في أعناق رباته بما تكسبه إياه حرارة أجسامهن من لمعان وبريق فإنه قد يخبو ويطفأ لونه إذا كان من الشغفات بعقاقير الطلاء والأصباغ، غير أنه مهما يكن حال هذا اللؤلؤ الصادق فإنه سهل التنظيف والصقل كالمرآة الصادقة يسهل جلوها وبهذه الوسيلة بل لتلك المزية سهل على الناس الاحتفاظ بألوان عقود اللؤلؤ التاريخية.

واللؤلؤ تؤثر فيه النار بسرعة حتى أنه يصير فحماً في أقرب وقت لأنه سريع الالتهاب فلهذا ينبغي الحرص عليه إذ كم من عقود من الدر ذهبت طعمة للنار.

ولنفاسة اللؤلؤ عنيت الممالك بمغاصاته، فالانكليز يمنعون صيده في جزيرة سيلان إلا كل سنتين أو ثلاث سنوات مرة، وفي بلاد فنزويلة وجزيرة مرغريتة شرعوا ينظمون طريقة صيده، وفي بلاد تاهيتي التابعة لفرنسا بدأت الحكومة تتخذ الاحتياطات في تنظيم مغاصاته وكذلك في جزيرة مدغسكر، وهناك مغاصات كليفورنية الجديدة غير أن مغاصات هذه الجهة قد تركت الآن لرداءة لؤلؤها وصغر جسمه، وأهم مغاصات اللؤلؤ مغاص الياز في كليفورنيا حتى لقد تنشأ فيها الأحواض الكبيرة فيدخلها محار اللؤلؤ فيترك حتى ينمو ويعظم ثم يصاد ويستخرج جمانه، ولا يخفى عليك أيها الوالد شهرة مغاص اللؤلؤ بالبحرين وجهات العجم.

ومحار اللؤلؤ وصفه يتكاثر بإخراج بيضه ثم إن أجود اللؤلؤ ما وجد في البحار على عمق عشرة أو خمسة عشر متراً من سطح الماء.

ولقد اجتهد الناس من قديم الزمان في عمل اللؤلؤ الصناعي ولكن إلى الآن لم ينجح الصناع لحسن حظ المتغالين في اقتناء عقود اللؤلؤ وجمانات البحار الأصلية في إتقان ما أتقن الباري صنعه وإخراجه زينة للناس من تلكم الأصداف.

واللؤلؤ يباع الآن في أسواق أوربا بوزنه بالقيراط وهو متفاوت الحجم والثمن على أن من اللآلئ وعقودها ما قد تقدر قيمته بآلاف الدنانير ولقد بيع بالأمس في باريس عقد من اللؤلؤ من عقود السلطان عبد الحميد فبلغ ثمنه مليوناً ونصفاً من الفرنكات وفي متاحف أوربا وعند ملوكها وملوك الهند أولئك الراجات الفخام من الدرر الغوالي وعقود اللآلئ ما يعجب ويطرب من عظم حجمه وغلو ثمنه وجمال شكله.

فقلت لنجيب حينئذ لأفض فوك على ما صغت لي من هذه الدرر التي تزري بتلك. ثم قلبت في الصحيفة التي أمامي حتى استوقف نظري فاجعة الكبتن سكوت ذلك الرحالة الإنكليزي الذي مات هو ورجال بعثته في نواحي القطب الجنوبي على ما ذكرته الصحف في الشهر الماضي وحزن عليه الإنكليز حزناً شديداً وجعلوا من حادثه درساً لصبيانهم يعلمهم الثبات والصبر على الشدائد فقلت له ما هي كارثة الكبتن سكوت فقال وقد تأثر عند سماع هذا الاسم:

ـ الكبتن سكوت بحري إنكليزي لم تنجب الأمم مثله إلا قليلاً ولقد أكرم الشعب الإنكليزي شأنه بعد وفاته حتى أنه لما أقيمت في كنيسة القديس بولس بلندن الصلاة على روحه وروح رفاقه في ظهر يوم الجمعة 15 فبراير الماضي جمعت مدارسها في عموم بريطانيا العظمى طلبتها وألقت عليهم سيرة ذلك البطل الذي راح شهيد الاكتشاف وأعلن أولئك النشء أن اسمه يجب أن يقرن باسم غيره من الأبطال الإنجليز الذين لم يهابوا الشدائد وقابلوا الموت بصدور رحبة وثغور باسمة وأنه يجب عليهم أن يذكروا على الدوام قبره المنفرد بتلك الأصقاع القصية مطموراً في ظلامات ثلوج القطب الجنوبي كأعظم مفخرة لهم.

وكانت بعثة الكابتن سكوت قد سافرت لتحقيق اكتشاف القطب الجنوبي على السفينة ترنوفا التي غادرت لندن أول يونيو سنة 1910 ووصلت زيلاندة الجديدة في شهر نوفمبر في تلك السنة وأقلعت منها في 29 منه بحر الروس في 30 ديسمبر وفي 3 فبراير سنة 1911 أشرفت تلك السفينة على خليج ماك مود الذي يمتد في القارة الجليدية ثم ألقت البعثة عصا التسيار في رأس إيفان لتمضية فصل الشتاء وتقدم الكابتن سكوت نحو الجنوب براً ومعه ثمانية عشر من الخيول الصغيرة وسيارات زحافة وثلاثون كلباً ليضع بالقرب من القطب مستودعاً للمؤن فتم له ذلك في شهر أبريل ثم سافر سفرة أخرى حتى وصل إلى أطراف الجليد العظيم في جهة القطب وهناك أقام مستودعاً آخر للمؤن حيث في تلك النقطة يبدأيبدأ سيره إلى القطب كما عول عليه في خطة سيره على ما ذكر في الخطبة التي فاه بها قبل رحلته حيث قال أني سأجعل تلك النقطة آخر محطة لي في سفري إلى القطب في شهر أكتوبر عام 1911 فلا يبقى على من المسافة إليه سوى ثمانمائة من الأميال يحتمل أنّا لا نقطع منها إلا عشرة أو خمسة عشر ميلاً في اليوم وربما وصلنا بهذا السير البطيء إلى القطب في أواسط شهر ديسمبر من تلك السنة حيث يكون الصيف قد بلغ منتصفه في جهة القطب في 22 ديسمبر.

ووصلت أخبار بعثة الكابتن اسكوت لأول مرة بواسطة سفينة مستر نوفا حيث جاءت تلك السفينة إلى (أكروا) في زيلاندة الجديدة يحمل ربانها رسالة من الكابتن سكوت إلى قاعدة أعماله في ماك مود ولقد جاء في هذه الرسالة أني (سأبقى في جهات القطب شتاء آخر حتى أتمكن من إتمام عملي) وحملت السفينة ترنوفا من أخبار الكابتن سكوت في 3 يناير سنة 1912 وأنه لم يبق بينه وبين الوصول إلى القطب سوى مائة وخمسين ميلاً وهو مطرد السير لبلوغه على أن تعجيله بالأخبار عن ذلك دون الانتظار حتى يصل إلى القطب ثم يعلن وصوله إليه إنما سببه ضرورة التعجيل في سفر السفينة ترنوفا من تلك المنطقة الجليدية قبل أن يداهمها الشتاء القطبي ويتجلد حولها فمخافة ذلك هي التي اضطرت الكابتن اسكوت أن يرسل رسوله إلى السفينة ويحملها تلك الرسالة قبل مغادرتها ذلك الصقع المتجمد.

ولقد كتب الكابتن اسكوت صحائف في رحلته هذه سطر فيها ما لقيه هو ورفاقه من الصعاب والمشاق التي لم تكن في حسبانه مستسلماً للأقدار دون أن يثني العنان قائلاً في بعض تلك الرسائل التي تركها وعلى الرغم من كل تلك الصعوبات فإني لم آسف لها ولم أندم على مقاساتها لأنّا بما أظهرنا من الجلد ورباطة الجأش إنما أدرعنا بما لقومنا الإنجليز من الثبات والصبر على تحمل الأهوال والتعاون في الشدائد إلى النهاية ومقابلة الموت بشجاعة ثم ختم هذه الرسالة بحكاية ما وقع له ولرفاقه عند ما جاءهم الموت من كل مكان تحمله عواصف الثلج فقال أول من مات منا الكبتن إيفان في 17 قبراير وبعده بشهر جاء دور الكابتن أوط فالتزم باقي الرفاق وقد صار الطقس رديئاً جداً إلى السير بلا نظام ثم اضطررنا أن نقف في 31 مارس بين الدرجة 70 و30 من العرض الجنوبي والدرجة 69 و23 من الطول الشرقي ولقد وجدنا على بعد أحد عشر ميلاً من مستودع المؤن ولكنا لم نقدر أن نصل إليه لهياج عواصف الثلج الشديدة التي ظلت ثائرة تسعة أيام. . . . . . . . ونفذت كل المؤن ومواد الوقود التي كانت مع البعثة في تلك المرحلة غير أن ذلك لم يمنع من متابعة السير إلى هون بوان وهناك علمت بخبر عودة بعثة الفومندان كمبايل إلى قاعدتها في رأس إيفان.

ودام ما ذاق سكوت ورجال بعثته من العذاب قبل أن يلحقهم الموت ستة أشهر وقد وجدت عندهم رسائل ومكاتيب كتبوها يفتت إلا كباد ما وصفوا فيها ولقد وجدت بينها رسالة استغاثة بملك النروج كتبها الكبتن أمندسن أحد رجال البعثة.

وهاك نص آخر رسالة خطباً بنان الكبتن سكوت يخاطب فيها قومه الإنكليز وقد أطنب القوم في بلاغتها قال:

لم تكن هذه الكارثة التي نزلت بنا لتقصير في معداتنا وإنما سببها الوحيد سوء الطالع الذي حاق بنا فأولاً جاء هلاك دوابي ضربة شديدة على اضطرتني إلى التأخر عن السفر والتعويق في الطريق بما لم يكن في حسباني حتى التزمت أن أخفف من أحمالنا وأثقال مؤونتنا.

ثانياً اضطرنا رداءة الطقس في هذه الرحلة إلى التأخر ولا سيما بعد الدرجة 83 عرضاً.

ثالثاً ليونة الثلوج التي نمشي عليها مما جاء ثالثة الأثافي في استفراغ قوانا وإبطاء سيرنا وكنا نعاني الصعاب في مقابلة تلك المشاق حتى استنفد هذا الجهاد جميع مؤننا ثم قال ولا نظن أنه قد أصاب إحدى البعثات ما أصابنا أو عاني قوم ما عانينا مدة شهر من الزمان حتى لم يبق معنا سوى شيء قليل من الوقود لتهيئة طعامنا الذي كان قد نفد هو أيضاً ولم يبق معنا منه ما يكفينا يومين كاملين.

وها قد مضت علينا أربعة أيام لم نقدر على الخروج من مضربنا بسبب هياج العواصف الثلجية والزعازع الزمهريرية التي تحيط بنا من جميع الجوانب.

لقد صرنا ضعافاً وخارت قوانا حتى لم تعد لنا قدرة على الكتابة أما أنا فلست بآسف ولا حزين الفؤاد على خروجنا لهذه الرحلة التي أظهرت أن في الإنكليز اليوم من يقدرون على مقابلة الصعاب ومقارعة الشدائد والصبر على الأهوال ثم التعاون في ساعة الشدة وعدم المبالاة في ملاقاة الموت ومقابلته على نحو ما سبق لبعض سلفهم وهذه الملاحظات التي أكتبها على عجل ثم جثثنا التي سيعثر عليها ملقاة على الثرى ها هنا كل هذا لعمري يقص عليّ من يأتون للبحث عنا تاريخنا ولا أخال بلاداً كبلادنا تترك آلنا وذوينا في أوطاننا عالة بعدنا.

فقلت لابني كفى يا بني أثار هذا الحديث أشجاني وكنت أحب أن لا يموت هذا الرجل ولكن هل تحقق للكبتن سكوت أمر القطب الجنوبي الذي كان قد قام باكتشافه منذ سنتين الرحالة روالد أمندسن وهل عمل الإنكليز بوصية سكوت قال أجل إن سكوت وصل القطب الجنوبي في 18 يناير سنة 1912 ورأى القلم الذي نصبه هناك أمندسن وقد رتب الإنكليز لأرملته وابنه معاشا بل نشرت الجرائد أنهم قاموا يكتتبون بالأموال الطائلة إعانة لأرامل رجال هذه البعثة وأولادهم وتخليد ذكرهم وقد رأيت كيف جعلوا أيها الوالد العزيز سيرته بين سير أبطالهم وهو وأيم الحق خليق بكل إكرام وهل الشرقيون يكرمون عظماءهم مثل هذا الإكرام. .

وبينما نجيب يتكلم دخلت علينا أخته الصغيرة زكية وفي يدها قطعة من الحلوى وهي تبتسم ابتسامة الساذج فرأى بعض الذباب على وجهها ويدها بها حلوى فاستشاط غضباً وصاح ألقي هذه الحلوى واذهبي فاغسلي يديك ووجهك ولا تتركي الذباب يحط عليك مرة أخرى لأنه أكبر موصل للأمراض والأوصاب فتبسمت لكلامه لأني تذكرت أن بعض مجلاتنا أو صحفنا نشرت فصلاً في الذباب ومضاره وأن نجيباً لا بد أن يكون قد تشرب من أفكارها فقلت كالممتحن له ولم كل هذا الخوف يا بني من الذباب ولو كان من الضرر بمثل ما يقول هؤلاء العلماء لما يبقى على ظهر الأرض حي!.

فاحتدم وقال (وهل تشك أيها الوالد في صدق ما يقال عن الأضرار للذباب وهو أعدى عدو للإنسان لأنه ينقل إليه كثيراً من الأمراض سواء بالحط عليه أو على طعامه بأرجله التي قد تكون ملوثة بجراثيم الأرض أو بسرعة إبرازه بذوره على ما يحط عليه من الأجسام فتتحول دوراً في بعضها خصوصاً أجسام القذرين المهملين لنظافة أبدانهم فلقد ثبت أن الذباب لا يهاب الدخول في أفواه النائمين وإلقاء بذوره فيها فقد شوهدت هذه الديدان في مبرزاتهم كما شوهدت في قروح بعض المرضى وعيون بعض الصبية على قدر الإمكان في تنظيف أبداننا وأفنية دورنا وأماكن أقواتنا حتى لا يتكاثر عندنا هذا العدد الجم من الذباب).

فلما سمعت أخته هذا الكلام انسلت من الغرفة بلطف ثم عادت إلينا وقد طرحت الحلوى وغسلت يديها ووجهها وجلست إلى جانبنا وهي تبتسم كأنها تقول ها أنا ذي قد صرت نظيفة لا يمكن الذباب أن يحوم بكثرة حولي أو يحط عليّ طويلاً فقال أخوها وهو يقهقه لقد أحسنت يا أختي واعلمي أنك لسماعك النصح وإطاعتك والديك تصيرين زينة أبويك بين بنات مصر اللائي سينهضن نهضة شريفة يصلحن بها حال الأمة المصرية ويرقيها إن شاء الله تعالى كما رقت بنات الغرب هيئته حتى قامت فيهن اليوم فكرة الرغبة في الحصول على حق الاشتراك مع الرجل في الحقوق العامة لتولي الأحكام فحصلن ذلك في بعض بلاد أمريكا وأوروبا ويسعى إليه الآن جهدهن النساء الإنجليزيات على أننا في مصر لا تطمع النساء عندنا في ذلك بل لا يحب المصريون أن يروا نساءهم طامعات فيه وغاية ما يتمنى لهن أن يتعلمن ويتهذبن ويدرن البيوت وبعض الأعمال الحيوية اللائقة بهن وأن ينلن احترام الرجال لهن ومحبتهم بتلك الوسائل الجليلة لا بالحمق والرعونة والزينة الكاذبة وإنّا في كل نزداد قرباً من الوقت الذي ستعرف فيه نساؤنا وهيئتنا قيمة ذلك وتقدره قدره ما دام الشباب راغبين فيه.

وأحب أن يطيل في هذا الموضوع فاعترضته قائلاً: ـ تلك مسألة فيها نظر وإنّا لنتمنى يا بني قرب ذلك اليوم على أنه لن يأتي على أحسنه إلا إذا عرف الرجال عندنا قيمة الحياة الصحيحة والنظام العائلي الحق لا نظرياً فقط بل عملياً ثم عملياً.

ثم قلت لتطرق موضوعاً آخر يا نجيب قال وما ذاك يا أبي قلت ما هو اكتشاف السر وليم رمزي الذي يقول بتحويل المادة إلى قوة فقال بعد أن سكت برهة استجمع فيها فكره خلاصة هذا الاكتشاف أن السير رمزي قال في الجمعية الكيماوية الملوكية بلندن أنه أحمى بعض أنابيب قديمة من أنابيب أشعة أكس إلى 200 فحصل منها على غازات وبتحليلها وفحصها بواسطة المكروسكوب وجد من بينها عنصري الهليوم والنيون فهذا يترجح معه تحول القوة إلى مادة إذا صحت هذه التجربة العلمية وثبتت بواسطة معامل أخرى لأنه من أعظم الاكتشافات في ديوان العلم من حيث تحول العناصر على أن كفاءة السير وليم رمزي وعظم تدقيقه في تجاربه حمله على التثبت من اكتشافه وهل النيون الذي وجده في الأنابيب آت من الخارج أم لا أي لم ينفذ من زجاجها فغطس الأنبوبة في جو من النيون والهليوم ثم أخرجها وفحصها فثبت له أن هذا العمل لم يزد في مقدار الغاز الموجود منها داخل الأنبوبة هذا ولقد حملت الصحف الأخيرة ثناء أحد أساتذة السربون المسيو هاليير على السير وليم رمزي الذي له أياد بيضاء في مسائل الطبيعيات والكيمياء.

فقلت وهل ترى يا بني أمثال هذا الاكتشاف مما يزعزع أركان الحقائق الروحية على ما تزعم الصحف ففكر قليلاً وقال وما رأيك أنت قلت رأيي أن مسئلة تحول العناصر والقوة مما أشير إليه قديماً ومهما كان الحال فإنه لا يدل إلا على عظم إبداع الخالق تعالى ثم قلت لابني وهل قرأت ما حملته إلينا المجلة في هذا الشهر من أن للنبات عيوباً يبصر بها كما تبصر الحيوانات الدنيا فصاح نجيب عجباً إنني لم أطالع ذلك ولا أعرف منه إلا ما تخيله جماعة الشعراء والأدباء من عيون الزهر وغيره من الأزهار وهل رأوا عيون النبات تختلف كعيون الظباء بين عسلية وزمردية وأخرى سوداء ثم استدرك مجلسي ومقامي معه فقال إني لا أخال هذا الذي يزعمونه مهما قالوا إلا من قبيل الخيال.

قلت - بل إنه قد قام بالأمس الأستاذ غوتلب هاير لأن أحد علماء النبات في البلاد النمسوية وصرح بأنه قد ثبت له بعد تجارب عديدة وملاحظات دقيقة أجراها أن في بعض النباتات أعضاء للبصر تشبه على نوع ما أعضاء البصر في الحيوانات الدنيا وأن الخليات السطحية في النبات هي العدسات المحدبة التي تشاهد في صفائح عيون الحشرات ومن المعلوم أنها فيها كثيرة العدد فهي في الذباب تبلغ 4000 وفي النمل 17000 أما الخليات المشابهة لتلك في أوراق النبات فلا يحصيها عد في عدد الصور التي يسببها العكس البصري ويحدثها فيها وأن خميلة من الشجر تنشر أما الشمس عطرها النباتي قد تجمع على هذا مالا يدخل تحت حصر من الصور المنعكسة لأن كل خلية قشرية فيها لها نفس الخواص التي للعدسات البصرية المميزة في الحشرات، على أن أبصار النبات ليس بالذي يحس به النبات إحساس الحشرات ببصرها فتميز كل الصور المرتسمة على صفائح عيونها بل هو يكون على الكيفية التي يرتئيها ذلك العالم بما أخذه من الصور الفوتوغرافية. . . . . . . . . . . للأجزاء الطرفية الدقيقة في بعض الأشجار.

ولقد أيد هذه التجارب الدكتور لونال من لندن والدكتور هارول واجر فتحقق لهما أن كل خلية من خليات سطوح ورق الشجر منطبع فيها كثير من الصور الخارجية الواقعة على أبعاد متفاوتة منها وهي تمثل صور أشخاص ودور إلخ فيستخلص من هذا على ما قال هؤلاء العلماء أن للنبات أي الأشجار أعيناً بسيطة كأعين النحل والذباب ونحوهما من الحشرات وإن اختلفت عنها وأن ليس لها مادة مركبة، ولقد عدد الأستاذ غوتلب هابرلان ما عرف له أعيناً من الشجر فذكر منه الجميز والجميز النروجي فهذا يا بني حاصل ما ذكروا في أعين النبات وبصره على أن من العلماء من ينكر ذلك ويقول كما قلت أنت الآن إن الأمر خيالي لا حقيقي.