مجلة البيان للبرقوقي/العدد 25/عالم العلم

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 25/عالم العلم

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 3 - 1915



آداب الطيور

لسنا وحدنا نحن بني الإنسان المخلوقات الوحيدة التي تتنعم بالحب والعشق وتحنو إلى المغازلة والتشبيب وتقيم الخطب والأعراس فإن في عالم الطير من ذلك المدهش لغريب إذ ما يكاد يدخل الربيع بنضارته وريعانه حتى تنطلق الطيور تبحث عن الأزواج والذكر منها هو الذي يلعب عادة دور المغازل الخاطب وإن كان بعض الذكران قد أصاب من الحياء والتعفف ما يصيب أمثالها من ذكران الناس فتضطر المتهتكات من الإناث إلى مغازلتها بنفسها وإيقاعها في مصائد الزواج وقد دلت ملاحظات العلماء على أن هناك أنواعاً من الطير لا تعد مسألة الزواج إلا أمراً عادياً لا محل فيه للحب ولا مدعاة إلى المغازلة وأمثال هؤلاء من الناس كثير ومن ثم تهجم على إناثها بالخطبة وتبغتها دفعة واحدة بطلب القران وإن هناك ضروباً غيرها تعاني المشقة المنهكة في ابتغاء قرنائها في الحياة وشركائها وأخرى لا تظفر بالأنثى إلا بعد صراع طويل بينها وبين مزاحمتها حتى إذا صرع أحدها الآخر وفر بالأنثى ظافراً وليس تعدد الزوجات معروفاً عند الطير بل لكل ذكر زوجة واحدة ومن الطير أصناف كثيرة تمكث في صحبة الزوجة آخر حياتها ومنها ما يقضي من العام في ظل الزواج فصلين أو ثلاثة ومنها ما يعد نفسه حراً من مواثيق الزواج وعهوده إذا انفرط عمر الفصل الواحد.

وللألوان الأثر الأكبر في نجاح الخطبة بين الذكور والإناث وترى لريش الذكور عادة - إلا في بعض الأحوال النادرة - ألواناً أبهج وأزهى من ألوان الإناث ولذلك تستخدم الذكران بهجة ألوان أذنابها وأعرافها وأجنحتها في المزاحمة على عشيقاتها وإذ ذاك تقع المشاحنات ويستطير القتال بين الذكور والمتزاحمة على الأنثى الواحدة وفي مثل هذه الأحوال ترى الأنثى ترضى بالصارع وإن كانت قبل الصراع تحنو إلى الصريع وتلك طبيعة الأنثى في ضعفها وإيثارها من الأزواج القوى على الضعيف حتى إذا عرض لها يوماً ذكر أقوى أسراً من زوجها وأجمل مظهراً عمدت إلى تحريض الزوج على قتاله لكي تظفر بعده به ولا يكون من ذلك إلا أن أقوياء الذكور من الطير وأصحائها وحسانها هي التي تستطيع وحدها الفوز بالزوجات وكذلك تعمل الطبيعة على بقاء الأصلح.

وللذكور في التظاهر أمام الإناث بجمال ريشها وحسن مظهرها عادات غريبة بل تكاد تكون مضحكة فهي تحاول أن تظهر كل قطعة من جسومها وكل زخرفة في ألوانها ومن ثم تتخذ حالات من الغرابة بمكان فترى الديك الرومي مثلاً يعمد إلى الانتفاخ مزهواً متكبراً وتشهد الطاووس يرسل ذنبه إلى آخره لكي يظهر كل بدائع ألوانه على أن من الطير ما يكره أمثال هذه المظاهر فيقف إزاء الإناث لا يأتي بحركة ما مرتقباً حكمها الأخير فيه وكل ما تسمع من أغنيات الطير في الربيع ليس إلا أناشيد يخطب بها الذكور الإناث.

فإذا تمت الخطبة عمد الزوجان إلى بناء وكر الزفاف وعلى الزوج أن يقوم بالعمل الأشق منه حتى إذا وضعت الأنثى بيضها رأيت من الطير الذكر أن ما يعمد عند ذاك إلى هجر زوجه وإغفال شأنها طائراً عن الوكر أبقاً من العش ومنها أزواج أوفياء تلزم البيض وتحرسه بل تأخذ على نفسها كذلك نقفه وفقسه وإخراج صغاره