مجلة البيان للبرقوقي/العدد 26/المتشائمون

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 26/المتشائمون

ملاحظات: بتاريخ: 30 - 4 - 1915


مقال جميل جليل متفائل - خليق بجماعة الساخطين على السكون والحياة وبكل من يهمه أن يعيش في هذه الدنيا عيشة راضية أن يقرؤه وينعموا فيه النظر ويعتبروا بما جاء فيه - لخصناه من مبحث ضاف طوال للفيلسوف الألماني ماكس نوردو

من كان يحسب أهرام مصر وحدائق سميراميس وبرج بابل وتمثال رودس من عجائب الدنيا فإن ثمت ما هو أعجب من هذه وأغرب أعني بذلك مذهب التشاؤم مذهب الساخطين على السكون والإنسانية والحياة عامة سخط المهموم الكاسف البال الذي قد أصبح من الوجوم والانقباض بمنزلة من لج في الشراب علا على نهل حتى نزح أربعاً وعشرين كأساً.

والتشاؤم نوعان طبيعة وتكلف والأول ضربان نظري وفعلي فخطة النظري لإغراق في نقد كافة مظاهر الوجود ذاهباً إلى أن السكون بناء سيء الصنعة لا يفضل أدنى مجهود من يد جافية خرقاء وأنه لا غاية لاستمرار الوجود ولا قصد وصاحب هذا الرأي يقف أمام هذه الآلة (أي الكون) الضخمة المعقدة حائراً يهز رأسه عجباً ويحاول عبثاً أن يتبين لحركتها الطائشة وسيرها المجنون أدنى أثر في نظام أو حكمة ثم هو يرى أن اليد المدبرة للكون ولأعظم ما يهمنا في الكون أعني الحياة البشرية إنما هي الصدفة وأنه ليس هناك قوة منظمة كقانون الواجب توجه مجرى الحوادث صغيرها وكبيرها فالفضيلة في كساد والرذيلة في رواج والبر خائب والفجور فائز.

والعقل محروم يرى ما يرى ... كما ترى الوارث عين المريض

فلماذا تستمر الحياة ولماذا يدوم الكون؟ أليس الأصوب أن يهدم هذا البنيان ويرجع إلى العدم الذي منه خرج ونشأ؟

غرور وغفلة ومذهب باطل ورأي فائل! وذلك أنه بني على الخطأ وقام على الكذب إذ جعلت مقدمته التي ابتدئت بها القضية هي تقديس العقل البشري وافتراض أنه أشرف الخليقة وأنفس نتائج الطبيعة وانه قادر على فهم كل ما هو كائن وأنه لولاه ما كان شيء وأن ونواميسه لا بد أن تكون أيضاً نواميس الكون اجمعه.

والحقيقة أنه لو كانت نواميس الكون هي عين نواميس العقل البشري أعني أن الذي يسير الكون ويدبره هو عقل مماثل في ماهيته وتركيبه لعقل الإنسان - إذن لصح لابن آدم أ يطعن في هذا الوجود ويمزق بلسان الذم أديمه ويرميه بكل عيب ومنقصة لأنه يكون إذ ذاك أهلاً للقذف والقذع وتكون أفعاله في الواقع خبيثة منكرة ويكون بحق ذلك الأرعن الأخرق المجنون آناً مسرفاً وآناً شحيحاً وفي جميع أحواله اعمى عن العواقب راكباً سبل الغواية طارقاً أبواب الفساد حتى لقد آن أن يضرب على يده فيجعل تحت رقابة أستاذ مؤدب وحكيم مهذب من حائزي أرقى شهادات الفلسفة من أكبر جامعات أوربا فالكون إذن مجرد من العقل والفضيلة وعليه إما أن يعتدل فيستقيم أو يتوارى فيخفى.

هذا لو كانت القوانين المدبرة للكون هي عين المدبرة للعقل الإنساني ولكن أيها الأحمق الضعيف إني لك الحكم بأن هذا هو الواقع وبأي حق تطبق على الكون وأحواله خطة النظر والاستدلال الخاصة بك؟ أليس من المحتمل بل من المرجح أن عجز الذهن البشري عن تفسير المظاهر الكونية وربما كان أشد من عجز مفتاح ساعتك عن فتح القفل المحكم من خزانة حديثة الطراز ومع ذلك فالقوي المتصرفة في إدارة كيان الإنسان قد تكون هي عين القوى المتصرفة في إدارة السكون كما إن القواعد الميكانيكية التي يقوم عليها تركيب قفل الخزانة المذكورة هي عين التي يقوم عليها تركيب ساعتك وإنما الأمر هو فرق بين شيئين أحدهما صغير جداً والثاني مفرط العظمة لا حد له ولا نهاية - أحدهما بسيط بالقياس والثاني متناهي التركيب والتعقيد ونحعن فلا نجد أمامنا بعد ما ينفي قول من يزعم أن للكون عقلاً شاملاً عاماً يعجز دماغ آدمي وأضيفت إليها القوى في هيئة حركة عصبية تولد عن ذلك جسمه والتي أهمها الأوكسجين والإيدروجين والآزوت والكربون والحديد والفسفور الكبريت والكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والكلور توجد ايضاً بكثرة مفرطة خارج الجسم لبشري الحي وكذلك القوى التي بها تؤدي الأعضاء وظائفها الحيوية وأعني بهذه لقوى القوانين الكيماوية والميكانيكية كالكهرباء وغيرها من ضروب الحركة هذه أيضاً فعالة خارج جسد الإنسان فمن ذا الذي يجرأ بعد ذلك على القول بأن هذه العناصر لا يتولد عنها عقل إلا إذا تألفت على شكل واحد خاص - شكل الدماغ الإنساني والجهاز العصبي، أليس من المعقول بل من المحتمل أن شكل الجهاز العصبي هو شيء جاء من طريق الصدفة والاتفاق وأن الجزء الجوهري والركن الأساسي إنما هو العناصر المؤلفة للجهاز المذكور والقوى الفعالة في طيه وأن هذه العناصر والقوى قد تنتج أيضاً نوعاً ما من العقل إذا هي تفاعلت بكيفية مخالفة للخطة التي يدور على محورها نظام الكائنات الحية الواقعة تحت حواسنا.

أما الذين يرمون الدنيا بفساد الفضيلة فقد صح رأيهم لو ساغ لنا أن نزن العالم بمعيار الفضيلة المصطلح عليه بيننا. ولكن بأي حق نفعل ذلك. إن قانون الفضيلة عندنا لا يزال رهناً بالزمان والمكان يتغير بتغيرهما فهو في انتقاله من شكل إلى شكل وتحوله عن صورة إلى صورة كالأزياء واختلاف ضروبها. ففضيلة القرن التاسع عشر هي غير فضيلة القرن الثامن عشر ومحامد العصر الحاضر هي مذام العصر الغابر بل أن قانون الفضيلة في العصر الواحد تراه متنافر الأجزاء يناقض بعضه بعضاً فهو يعد القتل جريمة إذا وقع من الفرد ومكرمة ومأثرة إذا قامت أمة مسلحة فأوقعته جملة على أمة أخرى. وهو يعد الغش والكذب رذيلتين وتراه مع ذلك يجيزهما في باب السياسة وهاك أمة عظيمة راقية - أعني الولايات المتحدة - تخص السرقة والنهب بأصرم العقوبة إذا صدر عن الفرد ولكنها تتغافل عن هذين الجرمين إذا وقعا من الجماعات والمدن والولايات بإعلانها الإفلاس الكاذب وتزويرها على أرباب الديون. وقانون الفضيلة اليوم جد مخالف لما كان عليه في سالف العصور، وأكبر ظني أنه سيكون شديد المخالفة لما سيكون عليه في مستقبل الأيام. وبالإجمال فالفضيلة إنما هي بيان لتلك الأمور التي تعتبر ضرورية من وقت لآخر طبقاً لحالة الجنس البشري وهذا البيان يوضع في أسلوب أوامر ونواه أدبية وقوانين وقواعد أخلاقية. وبتدرج الطبع الإنساني في الرقي تتغير بعض مقتضيات نجاحه وتغير هذه يستلزم تغيراً في مواد قانون الفضيلة والرذيلة أعنى يتغير رأي المجتمع في ماهية الخير والشر - المحظور والمباح - الحسن والقبيح. أفمثل هذا الميزان المزعزع والمعيار المتقلب تقاس به ظواهر الطبيعة وتختبر حركات الكون؟ وهل شي لم يسلم بصحته السلف. ولن يقر بصوابه الخلف. يجعل قانون الطبيعة الأبدي. وناموس الكائنات الأزلي؟ أما أني لا أرى الفيلسوف الذي يسخط على الكون وينسب إليه الطغيان والجور وإلى خلقه الفساد واللؤم إلا كالفتاة الغرة التي قد ساءها أن ترى الجو محالف الزرقة فهي تسوم السماء أن تلبس كل يوم لوناً يلائم صبغة حليها وحللها وبغير ذلك لا تنال السموات رضاها.

إن فلسفة أرسطاليس القائلة بتشريف الإنسان على سائر الخلائق قد ظهر بطلانها في العصور الأخيرة وقد ألغيت وعفت آثارها. فليس من معتقدات هذا العصر وتعاليمه أن الكرة الأرضية هي مركز الكون ولبابه وسره. وأن الإنسان هو أقصى غية الخلقة ومنتهى مطمح الطبيعة وأن القمر ما أشرق إلا لينير حنادس ليلنا والنجوم ما انتظمت إلا لتنتثر في دواوين شعرائنا. على أنه لا يزال بين طلاب الفلسفة من يتمسك بهذا الرأي المأفون فيرمي الطبيعة بالسفه والحمق بحجة أن ذخيرة الفحم الحجري ربما نفذت يوماً ما من المناجم وأن بركان فيزوف قد أهلك جما غفيراً من الخلق وفيهم الفتيان والفتيات في ريعان الشباب وزهرة العمر. وأن آنسة أورليان أحرقت بالنار حية وقائد الأسويج جستاف أدولف قتل في واقعة لوتزين في أوج انتصاره وأن الحسناء المليحة كثيراً ما تقضي نحبها على فراش النفاس وتترك الفرخ الضعيف لا كفيل ولا حاضن.

وإذا كان من حق الإنسان أن يعتد محنه وبلاياه دليلاً على لؤم الطبيعة وأجرامها فلماذا لا يحق للمكروب أي الجراثيم (البكتيريا) مثلاً أن تعد ما ينالها على يد الإنسان من المصائب دليلاً على لؤم الطبيعة وأجرامها أيضاً، أرأيت لو أن للجراثيم فكرة فلسفية إذن لشد ما كانت تسخط على العالم وتمقت الطبيعة! وحقاً إن الدنيا هي حسب نظرها فاجرة لئيمة تزداد على ممر الأيام جوراً وطغياناً، فالمكانس الفظة والمذاود الشديدة البطش والأكسجين الغليظ الكبد والماء الساخن الفتاك تتآمر جميعها على إزهاق أرواحها وكل ما فيه رزقه وبقاؤها يزال فيلتف، وما أن يزال هلا من حامض الكربونيك عدو يحارب الحياة في أجسادها ويترك حركات المرح والنشاط منها رجات نزع ورعدات حمام يستوي فيها من هذه الجراثيم البار والفاجر والطيب والخنيث، وترانا مع ذلك نعد هذا العمل الذي تراه البكتيريا أو ما من الكون وطغياناً من الطبيعة نعمة كبرى وعملاً صحياً جليلاً جديراً أن يفخر به ويهنأ عليه.

وإني لأكاد أتخيل ذبابة من ذلك النوع الذي يعشق النفوس المحفورة في بعض أصناف العملة وغيرها من النقوش والتصاوير (وعشق بعض الذباب للصور ولرسوم هو ما تشهد به ربات المنازل ومدبرات البيوت) - أقول كأني بإحدى هذه الذباب قد صادفت في بعض رحلاتها ذلك التمثال الجسيم. تمثال بافاريا فماذا تري يكون موقفها إزاء هذا البناء الضخم وماذا تكون حيرتها وتعجبها وماذا يكون إنكارها واستهجانها؟ لاشك سترى الذبابة في هذا التمثال كتلة لا شكل لها ولا صيغة ولا مبدأ ولا نهاية ولا أدنى آية على عقل أو حكمة أو نظام أو مبدأ - وجانب من هذه الكتلة أنعم من خدود الحسان، وفي ذلك المكان انبعاج لا يهتدى فيه إلى أصل ولا فصل، ثم إذا قيض لهذه الذبابة أن تقضى أيامها في جوف هذا التمثال لكان من المرجح أنها تضع مؤلفاً ضخماً يتناول هذا الكون الذي يحتويها بجميع أصناف الهجاء والطعن تقرر فيه الذبابة المذكورة فساد خطة دنياها واختلال ميزانها ووضوح خرقها وبلهها، وحمقها وسفهها، موردة في سبيل ذلك من الأدلة كل دامغ قاطع، ومن البراهين كل ناطق ناصع، مما لا يدع في قلوب سائر الذباب من بنات جنسها أدنى مجال للشك في صدق قولها وصحة قضيتها، حتى لا ترى فرداً من سكان هذا العالم (أعني تمثال بافاريا) إلا قد راح مقتنعاً بصواب ذلك الرأي معتنقاً لذلك المذهب على أن الذبابة لم تصل بعد إلى الحقيقة ولم توفق إلا إلى الضلال والخطأ وهذا ما يمكنها معرفته من أحقر الكتب المعنونة دليل بافاريا.

لا لا! ما أحسب فلسفة التشاؤم إلا هازلة، وما أظن فلاسفة التشاؤم إلا مازحين، وكل ما فيها من الحق هو تأفف شديد من ضعف إدراكنا وعجز أذهاننا، فترى أحدنا يود لو يقف على سر تركيب الكون ولكن هذا ما لا يكون أبداً فلا جرم أن تجدنا نغضب ونغتاظ على الكون حتى نظل بحال الهمجي المتوحش الذي يتصدى لبعض الآلات الدقيقة التركيب من مبتدعات العلم ومخترعات المدنية يحاول حل لغزها حتى إذا أعياه ذلك وباء بعد الجهد الجهيد بالخيبة اشتد حنقه على الآلة فرمى بها إلى الأرض غضبان أسفاً، وكذلك الإنسان يحسب أنه سيد الكون ولكن الأيام لا تبرح حتى تريه أن سيادته ضيقة المجال قصيرة الباع فيضيق من أجل ذلك صدره ويسوء خلقه ثم ينفث غيظه في صورة نظام فلسفي يسميه مذهب التشاؤم وإذا كان ذلك كذلك فلم لا نسمي الطفل الذي يبكيه أنه لا يستطيع تناول القمر باليد فيسلوفاً أيضاً؟ غير أن الطفل يمكن شفاؤه من داء الفلسفة برشفة من العسل أو قطعة من الحلوى.

على أن من أحسن التفكهة وأمتع التسلية أن ترى هؤلاء الفلاسفة - فلاسفة التشاؤم - يعلم كيف يهتدي إلى المضغة السائغة واللقمة الطيبة الكريمة فهو الذي يعرف من أين تؤكل الكتف وأنه بعد الغلو الفاحش في ذم الحياة والحض على إعدام الجنس الآدمي واستئصاله تراه يختم بالزواج رواية غرامية ويظهر بعد ذلك رغبة شديدة في سائر مطايب العيش ومحاسن الوجود، فالفلسفة عند هؤلاء الفئة ضرب من لباس التشريفات يلبسونه في الحفلات الرسمية ليروعوا به نفوس المشاهدين من العامة ويهولوا بمنظره الفتان قلوبهم ويبهروا أبصارهم، ومن تحت الحلة الموشاة والثوب المطرز القميص المعهود من التيل أو الكتان.

وهناك فضلاً عن هذه الفلسفة النظرية الكلامية التي تترك صاحبها يأخذ أقصى ريه وشبعه من مناعم الدنيا صنف آخر من التشاؤم أعني التشاؤم الفعلي الحقيقي وأرباب هذا النوع لا يجادلون ولا يناظرون، وليس لهم مذهب فلسفي وقوانين مشروعة ولا شروح ولا تفاسير، فهم لا يحاولون أن يذكروا أسباب فساد الكون وخطأ سننه ونواميسه، وإنما يبغضون الدنيا من حبات أفئدتهم ويكرهون جميع ما تظل السماء. وتقل الغبراء، من سويداوات ضمائرهم ويرون أن قبح العالم ولؤمه واختلاله جديرة أن تغري الإنسان بالانتحار. أقول مثل هذا النوع من التشاؤم لا يقبل المناقشة والرد وإنما كل ما يستطاع أزاءه هو أن يتناوله الإنسان بالتحليل والتشريح للوقوف على أصله وعلته، فبإجراء هذا يعلم أن هذا التشاؤم هو أحد أعراض مرض العقل في بدايته أو عند بلوغ أقصى شدته، وقد شاهد الأطباء وعلماء النفس أن الجنون كثيراً ما يظهر في ابتداء أمره بحالة الماليخوليا (أعني الاكتئاب المجهول السبب) فترى المصاب يلازم الحزن والإطراق ويعتزل الناس ويرمي كل ما في الوجود بعين البغضاء والمقت، والسر في ذلك أن في عضو التفكير العقل خاصة مرعبة مخيفة وهي أنه إذا أخذت فيه عوامل الفساد تنبأ بما سيكون من جليل خطبه وهائل مصابه وكان له القدرة على تتبع مسرى الداء فيه والعلم بأن التلف مصيره والخراب مآله وهكذا يحصر العقل نظره في أمر اضمحلاله وانحلاله وتستغرق التفاته هذه الرواية المحزنة حتى لا يبقى لسائر أمور الدنيا من هذا الالتفات والنظر إلا فضلة خسيسة لا تريه من الدنيا وأشيائها إلا أشباه الأشباح الضئيلة، فلا غرو أن كانت الدنيا تتراءى لمثل هذا العقل المصاب مثلما تتراءى للعين الرمدة أعني عالماً مملوءاً تشوشاً واختلاطاً وظلمة، فشعروا التشاؤم والتبرم قد كانوا ولا شك مراض العقول، فالمشاعر لينو مات مجنوناً، والشاعر ليوباردي كان يشتكي علة في عضو التناسل قد عرفها الأطباء من أمراض العقل، والشاعر (هاين) بدت في نظمه آيات السخف والخلط لما أخذت علة فقاره تؤثر على دماغه، والشاعر (بيرون) كان فيه ذاك الشذوذ الذي تسميه العامة (نبوغاً) ويسميه علماء النفس (مرض الذهن) حقاً أن ذلك التشاؤم الذي ترى صاحبه يغمى عليه إذا هو أبصر حبيباً يغازل حبيبه وتراه يسكب الدموع لرؤية الشمس ساطعة في صباح يوم صحو بلا سبب ولا قصد ولا فائدة ولا سلوى - مثل هذا التشاؤم هو بلا أدنى نزاع مرض خبيث لا يتمناه امرؤ وبه ذرة من العقل.

والآن نسطر كلمة في التشاؤم المتكلف الكاذب وأربابه الذي يجعلون انتقاص الطبيعة وانتقاد العالم وذم الدنيا ذريعة إلى تمييز أنفسهم عن سواد الناس فترى أحدهم يرهف حد لسانه ويريش سهام القذف والهجاء ليقال ذو حنكة وتجربة قد خاض أهوالاً وغمرات، واقتحم أخاطاراً وعقبات، وتراه يردد الزفرات والأنات ليقال أنه من الفئة القليلة التي أفردتها الأقدار دون سائر الناس بالنفاذ إلى خبايا الأحزان، فمثل هذا التشاؤم ليس له علة فسيولوجية ولا سبب بسيكولوجي إذ لا أصل له إلا التصنع والرياء وأحسن ما تستقبل به صاحب هذا المذهب هو أن تغمز جنبه مداعبة وتناديه يقول الفرنس ويحك يا خبيث! (أو بقول عامة المصريين اطلع من دول يا لئيم).

وهنا ننتقل إلى نقطة أخرى وهي شكوى المتشائمين من وجود الألم في الدنيا فيا للضلال بل للجحود ونكران الجميل. أما أنه لو كانت الدنيا خلواً من الألم إذن لوجب على الإنسان أن يحدثه ويبدعه! فإنه لعمرك من أجزل حسنات الطبيعة وأجل آلائها! وهل هو إلا دليل على صحة الجهاز العصبي ودقة تركيبه وأحكام صنعه، وصحة الجهاز العصبي وأحكامه ودقته هي علة إدراك الملاذ واصل الإحساس بالمسار التي لا يجرأ امرؤ على إنكار وجودها في هذا العالم، فالكائنات الحية السفلى هي ضعيفة الشعور بالألم ولكنها أيضاً ضعيفة الشعور باللذة، أولاً يكون من المنكر أن يصبح الجهاز العصبي في الإنسان من حدة الشعور باللذة بحيث ينتشي أحدنا من عبق الأزهار ورنين الأوتار ونشيد الأشعار ودمية الحفار وهو مع ذلك من بلادة الإحساس بالألم بحيث لا تؤذيه الأرواح الخبيثة والضوضاء المزعجة والمناظر الكريهة، هلا سألت مفلوجاً مشلول أحد الشقين أو كليهما، أيسره ما هو فيه من عدم الشعور بالألم؟ نعم أن الدنيا لا تصيبه بأدنى أذى ولكنها لا تهدي إليه كذلك أدنى مسرة، وما هي إلا برهة من الوقت حتى تراه يود من صميم قلبه لو يصبح بحال تغشاه معها الآلام وتنتابه الأوجاع، وكم من مرة شاهدت المفلوج وقد نقه من علته يستقبل بأشد فرح والحبور عودة إحساس الألم لوخز إبرة، والألم هو نعم نذير الخطر وبريد الشر يؤذن باقتراب البلاء لنقوم للمكروه على قدم فنصده أو نراوغه، فحق علينا لذلك أن نعد الألم أصدق صديق وأحوط راع وكالئ ومصدر كل إحساس ممتع وشعور لاذ، إذ الألم هو الذي يبعثنا على مكافحة الشيء المسبب له وهذه المكافحة هي بمثابة أشد رياضة لقوانا العقلية وأقصي إجهاد لمواهبنا الفطرية والكسيبة وفي ذلك السرور الأعظم الأجل - أعني الفرح الذي لا يزال نتيجة إظهار فضلنا الكمين بالعمل وإبراز شخصيتنا، ولولا إلا لم لمْ تكد حياتنا تبقى لحظة إذ لا يكون معنا حينئذ ما يدلنا على عوامل البوار والتلف فننتقيها.

وبعد فإنه مهما سخط الساخطون على الدنيا فإنهم ليرونها مع ذلك مما يطاق احتماله، والإنسان بفطرته مجبول على الاستسلام - راضياً أو كارهاً - إلى ما ليس في وسعه تبديله، بل مجبول على إلفة ما قد يحيط به من المحتوم حتى يجد فيه ضرباً من المتاع واللذة، ويتعلق منه بسبب لا يحب أن يصرمه وعروة لا يرغب في فصمها فهو لا يبغى بقسمته بديلاً ولا يريد بحظه عوضاً، وإنما السر في ذلك أن النسيج الذي هو أساس حياة الإنسان والذي فوق رقعته يدبج الذهن نقوش الأحزان وتصاوير الأشجان - هذا النسيج هو التفاؤل لا التشاؤم.

ألا ترى المتشائم نفسه يسلم بجمال الطبيعة ويهتز ليوم الصحو تتألق شمسه في لازورد السماء ولليلة الأضحيانة يسري بدرها في حاشية الدراري، ومع كل ذلك فغنه لو هبط ساكن الزهرة فجأة إلى أرضنا هذه لأبصر نفسه في قفر موحش كله ظلام وقر، وذلك أنه لاعتياده في وطنه الضوء الباهر المعشى للبصر والحر اللافح المحرق للبشرة تراه إذا قام في أرضنا هذه أحس أنه في زمهرير وظلمة وبدت لعينه أبهج ألوان هذا العالم كامدة نافضة وأزهى أضوائنا كاسفة ضئيلة، وكذلك لو هبط إلى أرضنا ساكن زحل فقارن بين سمائه المشرقة بأقمار ثمانية وسمائنا ذات القمر الفرد إذن لأوحشه من أقفار خضرائنا وظلمتها قدر ما كان يؤنسه من لألا، خضراته الساطعة المنيرة لا تبرح أقمارها بين أفول وطلوع تتشكل في فلكها الرحب أشكالاً لا ترى مثله في سمائنا عين المنجم أو مقلة الساهر، ونحن مع ذلك لا نتوق إلى شمس الزهرة الوهاجة ولا ننزع إلى سماء زحل الباهرة وأقمارها راضين عن فلكنا المتواضع لا نريد تحولاً عنه إلى غيره وأن كان أشرف منزلة وأعلى قدراً، ولكن مالنا ولاستهباط الأمثال من العوالم العلوية والتحليق إلى الأجرام السماوية، بل حسبنا نظرة نحو الأقطار القطبية، أن في هذه البقاع أناساً يضرب المثل بطلاقتهم وبشرهم وبفرحهم وبمرحهم قد اغتبطوا بحالهم وسروا بعيشهم لا يكادون يحسبون أن في الأرض شيئاً أحسن من بيوتهم المغلقة بالثلج وأمتع من ليلهم السرمدي، وهم لو كان فيهم الشعراء لمدحوا قفارهم الثلجية المجدبة بما لم يمدح به شعراؤنا المنظر الأنيق من ضفاف وادي الرين والعيش الأفانين في ظلاله الرطاب بين ماء من اللجين وكرم من العسجد وبساط من الزمرد، وأن في سرور أولئك القوم بحياتهم الثلجية مضيعة لما ينتابنا من الخوف عند ذكر العصر الثلجي الذي يزعم أرباب مذهب البرودة أنه سيجيء في مستقبل الزمان، نحن إذا تخلينا هذا العصر الثلجي تراءت لأوهامنا أهله وكأنهم يلتحفون فرو الدببة جاثين إلى نار ضئيلة قد أذكيت من آخر بقايا الفحم يلقون شعاعها المضمحل بأبدان مضمحلة قد شفها السقم وبراها الضنى كأنهم لشدة الإحراق والحزن والقردة في المتحف الحيواني ببرلين، على أن هذه الصورة المتخيلة خطأ محض بدليل أنه إذا اتخذنا حياة ساكن الثلوج القطبية الاسكيمو معياراً نقيس به ما سيكون من ذريتنا أهل المستقبل الثلجي إذن لاتضح لنا أن هذا الجيل القادم سيكون أشد بني الدنيا سروراً وأكثرهم حبوراً، فسوف تقوم لهم الأعياد الهزلية (الكرنفال) والأسواق اليومية في ميادينهم الشهباء وسوف يطردون القر من مفاصلهم بآداب الرقص على أناشيد الشراب وسوف يلذون من زيوت الحوت ما تلذه أنت من الرحيق المختوم والعسل المصفى وإذا حضرت الوفاة أحدهم وتقلصت عنه ظلال الحياة قضى وهو مفتر عن نواجذه وأنامله مطوية على العدد الأخير من صحيفة العصر الهزلية.

وعلى الرغم مما يؤكده لنا الشعراء من أن الحياة ليست هي النعمة الكبرى والمتاع إلا كبر فقد نرى ونحس أنها لكذلك. وأنه ليس شيء أهول وأخوف من فكرة الهلاك - فقدان الشعور وفناء الشخصية. والموت آلم شيء حتى ولو تعدى نفوسنا إلى أنفس عزيزات علينا حبيبات إلينا. ولعل خير ما يتمناه امرؤ لنفسه وأهل وده من قريب أو نسيب أو حبيب هو العمر الطويل والأجل المديد وحده الأعلى هو مائة أو مائة وعشرون حجة. وأن قال الشاعر:

سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ... ثمانين حولاً لا أبالك يسأم

وفي أكر من مائة وعشرين لا يطمع امرؤ في البقاء. فأخو المائة محسود ومن يغتبط في زهرة الشباب في العشرين أو الخامسة والعشرين يحزن عليه ويبكي فهذه الوجدانات وجدانات الأمل والحسد والحزن والرحمة التي تنبع من ثرى أفئدتنا عفواً لا نطيق لها رداً ولا نقداً إنما هي فيض الكامن العتيد في نفوسنا من التفاؤل.

أما رضانا بالمائة وعشرين غاية لأعمارنا فذلك لأنه قلما نرى ذلك الأمد يتجاوز ولو كان متوسط عمر الإنسان هو كعمر الغراب أو الفيل أو بعض أنواع السمك مشتى عام أو ثلاثمائة لطلب أحدنا أن يبقى هذه المدة ولساءه نبأ من يعلمه أنه قد قدر له الموت في سن أقصر من هذا مائة وخمسين سنة مثلاً مع أنه لا يطمع فيما فوق المائة والحال كما هي، وعلى عكس ذلك لو كان متوسط العمر البشري هو كعمر الحصان ثلاثين أو خمسة وثلاثين عاماً إذن لما رغب امرؤ قط في البقاء أكثر من ذلك ولأصاب الذي يموت في هذه السن من حسد الناس إذ ذاك قدر ما يصيبه في الحال الحاضرة من الرثاء والرحمة.

هذا ولو أنه قد حدث مرة - مرة واحدة - أن آدمياً أفلت من حبائل الموت إذن لأمل الخلود كل إنسان ولما طابت نفس امرئ قط عن الروح تفارق جسده ولو بعد ألف عام - ولرأي الناس في الموت إذ ذاك من الهول والبشاعة مثلما يرون في أفظع قتلة وأشنع ذبحة مما يتقيه كل فرد بأقصى جهده. فأما والخلود لم يعرف قط عن آدمي فليس من الناس إلا من طاب نفساً عن الحياة وأخلد لفكرة الموت راضياً مستسلماً غير متوجع ولا محزون قانعاً من دنياه بتأميل امتداد الأجل إلى أقصى الممكن من الغابات أو ليس من المستطاع أن يمتد عمر الإنسان إلى بضع مئات أو بضع آلاف؟ نحن لا نعرف برهاناً قاطعاً على استحالة ذلك. ولكننا على كل حال لا نطمع في هذا الأمر وما ذلك إلا لأنه ليس الواقع. أفمن الضروري أن تختم بالموت حياتنا؟ نحن لا نرى في ذلك ضرورة ولزوماً بالرغم من اجتهاد الأستاذين ويزمان وجوتي في إثبات أن الموت حكمة عليها تقوم أكبر مصالح الإنسان. ومع ذلك فقد ترانا نوطن النفس على فكرت الموت المرعبة ولا علة إلا يقيننا بأنه ضرب لازب والحقيقة أنه قد ركبت في طباعنا غريزة قبول القدر المحتوم بنفس طيبة وأحشاء مطمئنة ثم نعتق الفؤاد من رق التوجع لهذا القضاء وننفي عن ساحة الصدر ما عساه ينتابها لذلك من الهموم. وفي هذا بيان جانب من علة حدوث ما يسميه الناس (سرور المشنقة) أعني ما يعتري بعض المجرمين أحياناً من الابتهاج أثناء أخذه إلى مكان الإعدام. وهذه حقيقة لا يطعن فيها لتواتر شهادة الثقاة بصحتها فخاطب الموت يهتدي إلى التوفيق بين نفسه وبين الهلاك متى تشبع باعتقاد أنه قضاء بلا مفر منه.

وفرط قوة الأمل في الإنسان أنصع دليل كذلك على أنه متفائل لا متشائم. وهل تحسب أنه كان يوجد في الناس من يجرأ على الاشتغال بأية حرفة لولا ما ركب فينا من التفاول. وبيان ذلك أن السابقين المتفوقين في جميع الحرف والصناعات هم الشواذ النوادر. فالمرتقي إلى رتبة القيادة في الجيش واحد في المائة والمعتلي إلى منزلة الرآسة في الطلب واحد في المائتين أما الباقون فينبذون في زوايا الإهمال ويطرحون في ظلمات الخمول وغالباً ما يذوقون مرارة الأملاق والفقر وهكذا لا يزالون يصيبون من صناعاتهم محنها وآفاتها ويخطئون منها نعمها ومسارها حتى يغشاهم الموت. ومع ذلك فإن أحدنا إذا جلس يفكر في اتخاذ مهنة لم يخطر بباله شيء من آفاتها وسواتها ولم يدر بخلده حالات الخبيثة والتأخر وعددها كما قلنا تسع وتسعون أو مائة وتسع وتسعون بل كان ما يراه في المهنة المختارة هو الحالة الفردة الشاذة فيعتقد أنه لا محالة بالغها ولو كان الوصول إليها هو مما يراه الفطن اللبيب من أبعد الأشياء احتمالاً. وتلك هي حالنا في كل ما نحاول من المسائل. فإنه بالرغم من أن المآكل قد يكون للخيبة وقد يكون للنجاح بل ربما كانت الخيبة أشد احتمالاً ترانا مع ذلك نهجم على الأمر واثقين بالفوز. وإن العامل الذي يطرد من صدورنا وساوس الريب وينفي عن ضمائرنا هواجس الشك ويسبل الستار على النوافذ التي ربما شوهد من خلالها آفات المشروع ويعلق على الحائط صورة النجاح البعيدة الاحتمال، هذا العامل هو التفاؤل.

ولا يفوت القارئ أن ما قد ذكرناه من الثقة بالنجاح أمر مقصود على أغراضنا الذاتية وغاياتنا الشخصية فإذا وقفنا موقف المستشار الناصح لغيره في أمر اشتغاله بمهنة أو صناعة أو الحكم على مستقبله في عمل من الأعمال إذن لرأيتنا نستفرغ الجهد في درس المسألة درس دقيقاً ورأيت منا حذقاً عظيماً في استكشاف ما هنالك من العقبات والعراقيل والمصاعب وميلاً شديداً إلى سوء الظن بالعاقبة مما يثبط همة المستنصح المستشير، فما هي العلة في ذلك؟ هي أنه في مثل هذه الحال ينعدم ذلك العامل القوي - عامل التفاؤل الذاتي الكامن العتيد الذي من شأنه أن يقطع لسان العقل ويخرس صوت البرهان ويجري عملية الحساب كما شاء الميل والهوى، ولذلك ترانا نبصر العقبات والمشاق بعين جلية مع فقدان ذلك التحمس الذي يثور في الفؤاد لتذليل هذه المشاق بعين العقبات والذي لا يجده ولا يحسه إلا صاحب المشروع وطالب الأمر وهذا يرى فيما يحاول ويريغ خلاف ما يراه النصيح المستفتى، إذ النصيح إنما يرى من الأمر أحد جوانبه وليس يبصر طول خط الهجوم الذي تعده همة صاحب المشروع وعزمه لهزيمة الصعاب وبلوغ المدى.

وأقاصيص الجان وهي القوالب المفرغ فيها آراء العامة الأميين في الكون والحياة هي حجة مستمرة على عنصر التفاؤل في تركيب الإنسان. لقد ذكرت لك إخلاد الفرد لفكرة الموت واستسلامه لحقيقة الفناء، على أن الأمة تصنع ما هو أكثر من ذلك إذ تحول الشر المحتوم خيراً وتستخرج من السيئة حسنة فتخترع القصة ترمى إلى أنها منة وموهبة وأن الحياة الأبدية شقاء وبؤس، وهذا مغزى حديث اليهودي التائه الذي يجعله واضع القصة يشتهي الموت في شدة يأسه تخلصاً من الحياة فلا يجد إلى الهلاك سبيلاً، ومثل هذا مغزى الفكاهة الحلوة عن الرجل المسكين الذي بهره ثقل صليبه فابتهل إلى الله أن يعطيه به بدلاً، فساقه الملك الحفيظ إلى مكان فيه عدد جم من الصلبان بين خفيف وثقيل: ودقيق وجليل، ومرهف وكليل، فجربها جميعاً فلم يجد بينها ما يوافقه، حتى إذا كاد أن ييأس منها حانت منه التفاتة فأبصر صليباً منبوذاً جانباً فتناوله وجربه فألفاه أحسنها ملاءمة له، أيها القارئ حدثني عن مبلغ عجبك حين أعلمك أن الرجل وجد هذا الصليب صليبه الذي استقال الله منه! وهكذا لا تبرح الإنسانية تكرر في شتى الصيغ وفنون الأساليب هذا المعنى الواحد وهو:

لن يجد امرؤ أحسن مما قيض له والخير في الواقع وقد ذلك من رام من حظه بدلاً، وأن الأحدب - كما جاء في بعض الأقاصيص - يجد من حلاوة العيش مع حدبته وشوهته مثل ما يجد ذو الشطاط (2) مع حسن قده واعتدال قامته (3).

وخلاصة القول أن أساس الوجدانات البشرية هو تفاؤل راسٍ راسخ وطيد عتيد فالتفاؤل إذن هو اسم آخر لشعور الحياة وإحساس الوجود وقدرة الإنسان على التوفيق بين نفسه وبين الظروف والأحوال - تلك القدرة التي أولاها ما استطاع الإنسان أن يبقى - ورغبته في الإصلاح الباعثة له على التدرج في معارج الرقي، هاتان قاعدتا التفاؤل، وأنا لا أرى الهمم الصادقة المبذولة في سبيل بلوغ الكمال وتدليل ما يعترض في هذه السبيل من الصعائب والمشاق واقتحام العقبات ولا أرى التقدم والأمل والحياة إلا مرادفات للفظة تفاؤل ولقد أحسن الحكيم الروماني كل الإحسان إذ أودع في هذا اللفظ الصغير وهو لا يفارقني حتى تفارقني الروح فلسفة الحياة بحذافيرها، وأبرز هذه القاعدة البيولوجية الكبرى في إحدى حلل البديع.