مجلة البيان للبرقوقي/العدد 27/عالم الحرب
مجلة البيان للبرقوقي/العدد 27/عالم الحرب
الجنرال جوفر
قائد جيوش الحلفاء في الميدان الغربي للحرب
لئن كان هذا الاسم يغدو كل يوم مع أنباء الحرب وصحفها، ويروح مع بلاغاتها ومنشوراتها، فإن القراء بعد لا يعرفون إلا قليلاً عن قوة هذه الشخصية الكبيرة المدهشة التي يتعلق عليها مستقبل الحلفاء في الساحة الغربية، وبها تتشبث النتيجة الرهيبة لهذه الحرب الفاجعة.
ولد هذا القائد العظيم في اليوم الثاني عشر من شهر يناير عام 1852، فهو اليوم قد جاز حدود الكهولة، متاخماً أسوار الشيخوخة، في الرابع والستين من العمر، ولعل والدته كانت ملهمة متنبئة، يوم الحت على زوجها - وكان دناناً فقيراً في قرية ريفيزالت من أعمال فرنسا - أن تضيف على اسم المولود الجديد كلمة قيصر وأبت إلا أن ينادي باسم جوزف جاك قيصر جوفر.
على أنه وإن كان المعجبون بالقائد المتحمسون له لا ينعتونه بما ينعتون به يوليوس قيصر سميه، من تلك الصفات العظيمة السبرمانية المدهشة، صفة مؤسس الدول، وفاتح الأقطار، وسيد السياسيين، ورأس القواد، فإن المنصفين لا يستطيعون ولا ريب أن ينكروا أن بين القائدين وجوهاً من الشبه عدة، يؤول إليها نجحهما في الحياة، وتحور إليها عظمتهما وبعد ذكرهما، فإن لجوفر ما كان ليوليوس قيصر من هدوء الأعصاب ورباطة الجأش، ورصانة الحزم، وبرودة الحلم، ولد مثله عبقرياً حربياً، منشئاً للجيوش، مهذباً للقوى، مثيراً للأرواح، معبوداً من الجند، ولقد كان المتشائمون يهمسون منذ ثلاث سنين، يوم رفع إلى منصب القيادة العامة للجيش الفرنسي (إن المهمة صعبة شموس. . . إن جوفر ليس من أهلها. .) ولكن وزارة الحربية كانت تثق بالرجل وتعرف قوته وكفايته، فلم تصخ لطيرتهم هنيهة واحدة، بل كان من الجنرال بو، هذا القائد المعبود الأكتع، إن قام في الاجتماع المعقود يومذاك لانتخاب القائد العام فأشار إلى الجنرال جوفر وهو يقول (هذا هو الرجل الوحيد الخليق بالمنصب!)
ومنذ ذلك اليوم وهو يدأب على العمل والتأهب ليوم الحرب العصيب، فأصلح من شأن الجيش الراجل. وهذب الكتائب الخيالة الراكبة، ونقى القواد من العجزة وغير الأكفاء وأعاد التحسين في التحصينات والمعاقل والاستحكامات.
وكان جوفر ثاقب النظر فتنبأ بأن الحرب ستكون على خلاف الحروب السابقة كلها لأنها ستنشب في ميدان متطاول عريض ممتد، يكون فيها الصبر أعظم نفعاً من الإقدام ورباطة الجأش أفعل أثراً من المجازفة، فكان يقول الآن لن يعود القائد العام بعد هو الذي يكسب الموقعة بل سيكسبها منذ الآن صغار القواد والضباط، ومنذ الآن ستقع الوقائع على خطوط تربى في طولها على ثلثمائة ميل، وأين قبضة رجل واحد أن تلم على مسافة هائلة كهذه وستكون الجيوش التي اختلق بالنصر هي التي تكون أطولها صبراً وأشدها احتمالاً، وأرفعها نشاطاً، وأقواها إيماناً بالفوز الأخير.
وهو على ما به من دأب وطول عمل، وكثرة مشاغل، تراه في حياته الخصوصية، بين أسرته وأصدقائه وصحبه وديعاً طيب المحضر، عذب المجلس، يميل إلى المشي في دروب حديقته في القرية، يصحب زوجته إلى السوق، ويشارك فتاتيه مارسل وأنيت في التوقيع على المعزف البيانو وينزل على أمرهما فيرفع الصوت صادحاً منشداً، ويركب هو والفتاتان الجياد يروحون النفس في غاب بولون ومسارحها.
وأعجب ما في خصاله أنه لا يرضى أن يتداخل أحد في نظامه اليومي الذي اختطه لنفسه، فقد حدث في ذات ليلة من ليالي هذه الحرب، أن ضابطاً من أركان الحرب جاء إلى مضارب الجنرال جوفر بنبأ مستعجل ضروري محتم وكان الجنرال قد أوي إلى فراشه فأخبر الضابط أن القائد لا حاجة إلا إيقاظه، فإنه قد ترك التعليمات اللازمة إذا عرضت أمور في ثلاثة أغلب موضوعة هنا، فاكتفى الضابط بأن فض أحدهما فوجد فيها ما يتعلق برسالته وفي الحال طير التعليمات.
وتراه يتبع إلى اليوم أسلوب حياته الذي يعيش عليه منذ زواجه، وذلك منذ ربع قرن مضي، فهو يستيقظ - وذلك قبل نشوب الحرب - مبكراً فيشتمل في ملابسه فيقضي عشرة دقائق في الألعاب الرياضية، يعقبها بالاستحمام بالماء البارد، فإذا مضت ساعة من الزمان رأيته على ظهور الجواد نشيطاً يسير الهوينا بين صفوف الأشجار الفنيانة. عند غابات بولون ورياضها، حيناً في رفقة أصحابه من الضابط، وأكثر الأحيان في صحبة إحدى فتياته، يتبعهما عادة جنديه الحارس.
وهو لا يحضر المجالس ولا يميل إلى المجتمعات والندوات، وإنما يجنح إلى العزلة فإذا سئم الموسيقى والغناء عمد إلى كتبه وأسفاره. فقضى ساعات في القراءة. أما في الكتب الحربية الفنية. وأما في قراءة روايات هوجو وبلزاك وديماس وزولا وديكنز وأحبهم إليه القصصي الأخير، فإذا نزل بهم ضيف عمد إلى لعبة من ألعاب الأسرة، ولم تكن أبهة المنصب لتغير فيه من شخصيته أو تعدو فيه على طبيعته، بل لا يزال هو جوفر الصغير الوديع، وقد حدثت أخته مدام أرتي عنه فقالت أنه يأبى إلا أن يناديه أصدقاؤه حتى اليوم باسم جوزف جوفر لا غير، وهو لأبني يزور قريته التي ولد فيها، حيث يجد السرور كله في لعب الورق، إذا حان المساء مع أبيه وأصدقائه.
جاء إلى مضارب الجنرال جوفر بنبأ مستعجل ضروري محتم وكان الجنرال قد أوي إلى فراشه فأخبره الضابط أن القائد.
لا حاجة إلى إيقاظه فإنه قد ترك التعليمات اللازمة إذا عرضت أمور في ثلاثة أغلف موضوعة هنا فاكتفى الضابط بأن فض أحداها فوجد فيها ما يتعلق برسالته وفي الحال طير التعليمات.
وتراه ينبع إلى اليوم أسلوب حياته الذي يعيش عليه منذ زواجه وذلك منذ ربع قرن مضى فهو يستيقظ - وذلك قبل نشوب الحرب - مبكراً فيشتمل في ملابسه فيقضي عشرة دقائق من الألعاب الرياضية يعقبها بالاستحمام بالماء البارد فإذا مضت ساعة من الزمان رأيته على ظهر الجواد نشيطاً يسير الهوينا بين صفوف الأشجار الفينانة. عند غابات بولون ورياضها حيناً في رفقة أصحابه من الضباط وأكثر الأحيان في صحبة إحدى فتاتيه يتبعهما عادة جنديه الحارس.
وهو لا يحضر المجالس ولا يحضر المجتمعات والندوات وإنما يجنح إلى العزلة فإذا سئم الموسيقى والغناء عمد إلى كتبه وأسفاره فقضى ساعات في القراءة أما في الكتب الحربية الفنية وأما في قراءة روايات هوجو وبلزاك وديماس وزولا وديكنز وأحبهم إليه القصصى الأخير فإذا نزل بهم ضيف عمد إلى لعبة من ألعاب الأسرة ولم تكن أبهة المنصب لتغير فيه من شخصيته أو تعدو فيه على طبيعته بل لا يزال هو جوفر الصغير الوديع وقد حدثت أخته مدام أرتى عنه فقالت أنه يأبى إلا أن يناديه أصدقاؤه حتى اليوم باسم جوزف جوفر لا غير وهو لا ينى يزور قريته التي ولد فيها حيث يجد السرور كله في لعب الورق إذا حان المساء مع أبيه وأصدقائه.
وأولى ما ظهرت كفاءته في حرب السبعين وكان يومذاك ملازماً ثانياً وقد ألحق بفرقة المهندسين في حصار باريس فلما عقد الصلح عين في اصلاح أستحكاماتها وقد أغتبط المارشال مكماهون يومذاك عند ما جاء لرؤية الأصلاحات الحربية التي قام بها في حصون باريس حتى انه عين من ساعته ضابطاً كبيراً على أن هذه الرتبة وإن كانت قد جاءته وهو في الثانية والعشرين فلم تكن تقنعه إذ جعل يقول إني لا أريد أن أقطع أيامي في بناء الأستحكامات وتشييدها. . . أريد أن أقود الجند وأشهد الحرب
وإذ ذاك أنفذوه إلى التونكين وكانت الحرب ناشبة بين الفرنسيين هناك والأهلين وهناك تمت له طلبته فقاد الجند وأمتشق السيف وبلغ قمة النصر وهو جندي صلب العود باسل القلب مستبد الرأي، وقد حدث أنه كان في رحلة إلى تمبكتو في أواسط أفريقية فاصابت عينه اليسرى علة شديدة من أثر لذعة أحدى الهوام السامة وكان يوشك أن يشرف على المدينة ويبلغ مأربه من هذه الرحلة الأكتشافية وكان الطبيب الذي في صحبة الرحالة يخشى أن يفقد القائد جوفر بصره فاشار عليه بضمادة ولكن العليل أبى إلا الرفض قائلاً إني لن أستطيع أن أقود جنودي إذا مشيت معصوب العينفقال الطبيبإذن فيجب عليك أن تلبس منظاراً أزرق ولكن الصحراء لم تكن أرض المنظار ولا مكان الصيدليات وقد بدأت عين الجنرال جوفر تشتد وجعاً وألماً وتنبأ الطبيب بأن عقبى العلة ذهاب ضياء البصر ولكن جوفر لم يستطيع إلى أن يبتسم وهو يقول إن الحظ ولا ريب غير مفارقه ومضت أيام والعلة تشتد والبصر يحسرحتى أذلبهم ذات يوم قد جاء أحدهم طردفي (البريد) ولم يكد صاحبه يفتحه حتى وجد فيه منظاراً أزرق!!!
وكذلك شفى الجنرال من علة نظره،
توزيع مرتبات الجند البريطانية في الخنادق
إن لمرتبات الجند البريطانية في ميدان الحرب ديواناً مخصصاً لها منظماً ولذلك أستطاع الجنود ان يتناولوا مرتباتهم في أوقاتها دون تأخير أو أمهال أو تريث فقد وضعوا في كل فرقة من الفرق في الميدان الغربي أدارة لدفع مرتبات جندها يرأسها رئيس مخصوص وتحته عدد كبير من الصرافين يتنقلون محروسين بين الخنادق ليوزعوا المرتبات على أهلها فإذا كانت الفرقة متفانية في القتال طول يومها مشتغلة بالمناجزة طول أسبوعها فهم ينتظرون حتى يفتر اطلاق النار أو تحين فترة فيوزعون المرتبات على المقاتلين وإذا لم يستطيعوا توزيعها نهاراً أستطاعوه ليلاً وكا جندي يحمل دفتراً صغيراً يدون فيه ما يتقاضاه من ديوان المرتبات وديوان المرتبات يقيد مرتبات الجند فيرسل مذكراتها على الأدارة العامة في أنجلترا وتري الجندي البريطاني يحرص على هذا الدفتر الصغير حرصه على أعز الكنوز لانه إن فقده لم يسمح له بتناول شئ من مرتباته السابقة قبل تاريخ أعلانه فقده وترى الجنود يستعينون بدفاترهم هذه في كتابة وصاياهم في ساحات القتال مخافة أن يقتلوا ولهذه الأدارة المنظمة الكبيرة سبعمائة ضابط وسبعة آلاف كاتب من المهرة الحاذقين فن الكتابة والتدوين والحسابات وهذه الأدارة تستطيع أن تدفع إلى زوجات الجنود وأسرتهم ما يريد رجالهم.
قائد الجيوش البريطانية في مصر
من أكبر القواد الذين يعملون تحت الجنرال جون مكسويل في هذا البلد رجل من كبار الحربيين الذين أزدانت بهم صفحة تاريخ إنجلترا في الحرب وهو الجنرال السير جورج جون يانجهزبند وهو الذي يقود الجنود البريطانية عند قناة السويس وقد قضى هذا الرجل في عالم الحروب نحوا من ست وثلاثين سنة وأول ما تجلت عبقريته الحربية في الحرب الأفغانية حيث ظفر منها بأحد الأوسمة الكبيرة ثم حضر فتح السودان فحرب بورما في الهند فالحرب الأسبانية الأمريكية ثم حرب البوير وقد أبلى في الأخيرة أحسن البلاء حتى حمل من الموقعة جريحاً وأنعم عليه وهو في المستشفى بوسام الملكة.
وكان في صباه بين رفقائه الضباط الفتيان يعرف في ندواتهم ومجتمعاتهم (بالمفراح) وذلك لأنه كان مزاحاً من أحسن الناس نكتة وأرقهم مزاحاً ومجوناً ثم أشتهر بأنه من أمهر المصورين الهزليين يضع صوراً حربية هزلية من أبدع الصور وأكثرها إغراء على الضحك والإعجاب وبه ولع بالسياحة حتى أنه قضى ستة أشهر يجوب مقاطعتي برما وسيام في جنوب الهند حتى قطع يومذاك نحواً من ثمانمائة ميل وهو من الكتاب المجيدين وضع في رحلته هذه كتاباً التقت فيه الفائدة بالمجون إذ صور أخلاق سكان البلاد أحسن تصوير على أنه ألف كذلك عدة من الكتب الحربية الفنية.
وقد وقعت له حادثة في الهند غريبة وذلك أنه كان معسكراً في أحدى القرى فجاءه أهلها وهو في خيمته بقطع كثيرة من الأحجار تشبه الياقوت وهم يقولون أنهم قد عثروا عليها وهم يحتفرون في بقعة لا تبعد كثيراً عن القرية فظن السير جورج أنه وقع على كنز كبير ومنجم عظيم فلم يكن من فرط سروره إلا أن أشترى كل قطعة منهم وأستعلم منهم عن حدود تلك البقعة الجميلة ومواقعها وقد قص بنفسه ما كان يخطر له ساعتذاك فقال. . لقد كنت أحلم يومذاك بالغنى الطائل والثروة العظيمة فاندفعت شاخصاً إلى كلكتا أريد أن أقدم ثمن تلك الأحجار وما كان أشد حزني ساعة دفعتها إلى صيارفة المهرة الحاذقين وسمعتهم يقولون (لون زاه جميل وضياء ساطع ومظهر بهي تستحق كل قطعة منها أن تشتري بخمسين جنيهاً. . ولكن واأسفاه أنها ليست إلا عجينة من خليط المعادن الصناعية المموهة!!)
أخاديع الرصاص
أن للقذائف التي تخرج من فوهات البنادق العادية ضروباً من الحيل والأخاديع تعد من أغرب الغرائب فقد حدث احد الضباط الذين حضروا حروب السودان أيام الفتنة المهدية عن عدة من هذه الخدع فقال (حدث أن ضابطاً مريضاً نقل قبل واقعة أم درمان في أحدى القوارب على النيل إلى الضفة الأخرى حيث وضع في خيمة تبعد عن حدود ميدان القتال بنحو أربعة أميال وكان في هذه الخيمة ولا ريب بنجوة من كل خطر وفي عاصم من متناول الرصاص ولكن لم يلبث أن انطلقت رصاصة ضالة هائمة فقطعت الأربعة أميال في الصحراء وبلغته نافذة إلى جمجمته فقتلته. . . وأتفق كذلك في واقعة أخرى أن الجنرال السير هنتر من كبار قواد الحملة السودانية وضابطين من ضباطه خرجوا يستكشفون مواقع الأعداء على مسافة بعيدة وقد عمدوا إلى ثغرة في حائط ساقية هناك وأخذوا ينظرون بالمرقب وكانت هذه الثغرة نهاية في الصغر والضيق حتى لم يسع الثلاثة غلا الوقوف الواحد خلف الآخر وكانت الشمس تؤذن بالمغيب وقد استقرت حمرة الشفق على زجاجة المرقب فكان لها وهج مضيء لفت أحد الدراويش وكان يمشي في جماعة معه على شاطئ النيل فلم يلبث أن وقف ثم سدد مرماه وكان حسن الرماية إذ انطلقت فنفذت من عدسة المرقب إلى مخ الضابط الأول فقتلته في مكانه ثم خرجت فنفذت إلى كتف الضابط الثاني وأخيراً استقرت في صدر الجنرال هنتر وهي لا تزال فيه إلى اليوم