مجلة البيان للبرقوقي/العدد 33/مركز المرأة الإجتماعي
مجلة البيان للبرقوقي/العدد 33/مركز المرأة الإجتماعي
5
المرأة في أغلب العائلات المتوسطة أسيرة زوجها وخادمه المطيع. تهب واقفة كلما أقبل أو أدبر. ولا تجلس ما دام واقفاً على مقربة منها ولا تخاطبه إلا بخشوع واستكانة وإن نادته فلا تناديه باسمه ولكن تناديه بلفظ السيادة، وكذا هو لا يناديها باسمها ولكن يدعوها بألفاظ لا تدل على الإحترام بل على العكس تدل على الإمتهان وإن كانت دلالتها غير صريحة.
حدثني صديقي بأنه بقي إلى سن العشرة يجهل اسم والدته وذلك لأن الناس ينسبونها إليه ويدعونها بأم فلان ولم يسمع أباه يناديها باسمها وإنما (ياهوه) أو (ياللي هنا).
لا يستشير الرجل زوجته ولا يشركها في الرأي ومن العيب الفاضح أن يقال عنه أنه (مشورة مرة) وإن شاورها فإنه يعمل بضد ما تقول (شاوروهن وخالفوهن).
ولا يخجل الرجل من أن يمد يده إلى المرأة بالضرب ولا يتأفف الجمهور كثيراً من أن يرى رجلاً يضرب امرأة. ولكنه تثور ثائرته حينما يجد امرأة تهين رجلاً أو تضربه.
غير أن عادة ضرب الرجال النساء فاشية على الخصوص بين الطبقات السفلى. وهذه العادة الذميمة لحسن الحظ آخذة في الإنقراض.
أجل. إن الفلاحة مطلقة السراح تخرج حينما تريد سافرة الوجه إلى المزارع والحقول وزيارة جاراتها وتساعد زوجها وتشاركه في الرأي وتؤاكله وتجالسه ولها دراية تامة بمهام الأعمال الزراعية.
غير أنها ما زالت دون الرجل بمراحل في الإحترام، وحظها من الإحتقار الجنسي حظ أي امرأة أخرى.
ومن أكبر المساب وأبلغها في القحة أن يقال لإنسان لأنه امرأة.، اذكر يومأً أني كنت سائراً في شارع شبرا فسمعت حوذياً يحث حصانه على المشي ويبالغ في إذلاله بقوله له (شيه يا مره) إلى هذا الحد بلغ احتقار المرأة بيننا حتى صار اسمها مسبة للإنسان والحيوان.
ولكن مع هذا لا ننكر أن في الأمة المصرية عوامل اجتماعية واقتصادية تعمل ببطء. ولكن باستمرار على رفع شأن المرأة وإعلاء مركزها الإجتماعي وإنالتها الحرية والحقوق التي تصلح لها.
ومن هذه العوامل جوار الأوربيين لنا في بلادنا واختلاطنا بهم واقتباسنا بعض عاداتهم وسفر بعض الأغنياء مع عائلاتهم إلى أوروبا مدة الصيف وإقبال الشبان على التعلم في الجامعات الأوروبية والمدارس المصرية وتفتح أذهانهم بنور العلم والمدينة بفضل انتشار الكتب والجرائد.
والتعليم الأنثوي من خير هذه العوامل فإنه يرفع من شأن المرأة ويعلي قدرها ويكسبها ثقة نفسها ويفتق ذهنها فتعرف حقوقها فتدافع عنها وتطمح إلى الإستزادة منها وترغم الرجل على احترامها. فأشد ما تكون الحركة الأنثوية وجهاد المرأة في اكتساب حقوق جديدة في البلاد التي بلغ فيها التعليم الأنثوي ذروة الكمال وكادت المرأة تماثل الرجل في قوة المدارك كإنجلترا وأميركا.
غير أن هذا التعليم مازال ضعيفاً بيننا قليل الإنتشار وذلك لحداثة عهده وتسلط الأوهام والخرافات على كثيرين ولكن على الرغم من هذا فإنه سائر إلى الأمام يتخطى هذه العقبات بقدم ثابتة. وأتى بفوائد لا بأس بها وإن كانت لا تزال بذوراً لم تنتج بعد. فمن آن لآخر تسمعنا المرأة صوتها طالبة إصلاح شأنها ومن قبل كانت صامتة لا تنبث بكلمة ولا تجرأ على التذمر. وبدأت تسترجع حريتها وتحمل الرجل على احترامها. ولحسن الحظ لم تجمح ولم تلجأ إلى الطعن وهذا ما يبشر بحسن المستقبل.
غير أن الجمهور لا يرى في النساء المتعلمات هذه الرزانة ويرميهم بالرعونة والخفة وهو معذور في ذلك لأنه لم يتعود بعد أن يرى المرأة عالية الرأس طامحة إلى الحرية وعهده بها الإستكانة والخضوع ولأن بعضهن وهن قليلات جداً أسأن فهم الحرية لحداثة عهدهن بها.
وقد أدى التطور الإقتصادي واستزادة الناس لأسباب الرفاهية إلى تحسين حال المرأة. إذ عدل كثير من رجال الطبقتين العليا والوسطى عن الإكثار من الزواج والطلاق ومن قبل كان الواحد منهم لا يكتفي بزوجة واحدة بل يتخذ عدة زوجات ولأتفه الأسباب يطلق زوجته ليتزوج بغيرها وذلك لأن حاجيات الحياة كانت قليلة جداً. بحيث كان رب العائلة لا يهتم بكثرة أولاده ونسائه أما الآن فحمل الحياة ثقيل لكثرة ما يحتاج إليه الإنسان وما تتطلبه الأطفال من الرعاية والتربية.
ولا ننس ما للإصلاح القضائي خصوصاً القضاء الشرعي من الفضل في وقاية المرأة من عبث الرجل. فمن قبل كان يعبث بها طلاقاً وزواجاً ولا ينفق عليها ويتركها هي وأطفالها عرضة للبؤس والشقاء ولا تجد من ينصفها. وقد تغيرت هذه الحال نوعاً ما. وأصبحت المرأة تلجأ إلى المحاكم الشرعية لتقرر لها نفقة ولا يهمل قرار المحكمة مثل الأول بل ينفذ على الزوج بالقوة وإذا امتنع يحبس.
ولابد أن هذه الشدة تحمل الرجل على التردد والتفكير من قبل أن يقدم على طلاق زوجته أو الزواج بإمرأة ثانية. وبعد فإن إصلاح المحاكم الشرعية قد أفضى إلى تقليل الطلاق وتعدد الزوجات.
الدكتور عبده البرقوقي المحامي