مجلة البيان للبرقوقي/العدد 41/شبابنا والإسلام

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 41/شبابنا والإسلام

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 4 - 1918



ترى الرجل المتدين - وأكثر ما يكون من المتقدمين في السن - فتسر، ثم

(البيان) بين شباننا اليوم أفراد مهذبون مستقلوا الفكر ذوو شجاعة أدبية اهتدوا بفطرتهم القوية إلى المنهج القويم في تربية أنفسهم فانتهجوه وأصبحوا قرة أعين أهليهم وأصدقائهم والغيورين على رجال المستقبل. . .

نعرف من هؤلاء الشباب الصالح - الشاب الفاضل محمد بك جلال نعرف منه شاباً يتقد ذكاء جمع بين حرارة الشباب ورصانة الشيوخ وقد أردناه على أن يكتب في البيان كلما بداله أن يكتب تشجيعاً له وانتفاعاً بمواهبه، وهذه هي الباكورة الأولى من ثمرات فضله.

لا تلبث حتى ترى أنه يعوزه شيء من نور الحقائق العلمية الحديثة فتأسف.

وترى الرجل الذي أصاب حظاً وفيراً من العلوم العصرية - وأكثر ما يكون من الشباب - فتطرب لحديثه، ونفاذ بصيرته واستنارته، ثم تلاحظ حاجته الشديدة إلى شيء من الدين فتألم.

تسر من الأول لأن تدينه يضمن بدرجة ما، تقدمه الخلقي واحتفاظه بالكمال ثم تأسف لجموده وعدم وقوفه على شيء من أسرار العلوم الحديثة، لأنه لو وفق بين الأمرين لا شك يجد مجالاً أوسع لخدمة بلده وعشيرته.

وتسر من الثاني، لأنه شاب في مقتبل عمره ومع ذلك تراه ملماً بكثير من أسرار العلوم مما يزيد أملك في نفعه، وتتألم لأن نقص دينه نقص في دوافعه إلى الخير، وفي زواجره عن الرذيلة، وتأسف ثانياً وتعجب أكثر، لأنك ترى تقدمه في العلم فتقرر النتيجة المنطقية الواضحة وهي أن استعداده الفكري الذي أهله لدرجته العلمية كفيل بأن يفهمه الحقائق الدينية ولكنك لا ترى ذلك في الواقع.

تلك هي حالنا اليوم يضحك الفريق الأول من الثاني ويسخر هذا من ذاك يظن الأولون أن العلوم الحديثة مؤثرة على العقيدة، نزاعة بالمرء إلى الخروج عن أوامر دينه ونواهيه، ويرى الآخرون أن لا طائل تحت التمسك بالدين، وبعضهم يظن أن الدين لا يساعد على الرقي وخصوصاً المادي منه.

أن أنس ما أنس كلمة سمعتها من ناشئ لم يتجاوز الخامسة عشر بعد، زرت أخاه، فاجتمعت به، ثم أخذت أسأله عن سيره في دروسه، فما لبث أن قال: إني لا أبغض من بين الدر غير درس الديانة لأنه ثقيل وقد أخذت فيه درجة أقل من العلوم الأخرى.

علقت هذه الكلمة بذاكرتي علوق الدرن بالرئة فأخذت أفكر في سبب بغض الطلبة تعلم دينهم وأبحث في سبب بعدنا عن الفكرة الدينية.

إنا لا نتلقى في عهدنا الأول، أيام تثمر التعاليم أي في دور التربية المنزلية شيئاً من أركان الدين وقواعده، حتى نصل إلى سن (الكتاب) فنتلقى شيئاً، بطرق عقيمة، على فقهاء من الطراز القديم، فلا نخرج من المكتب إلا ونحن ناسون.

أما في المدرسة، فالحصة المقررة للديانة لا تكون إلا بعد انتهاء الدروس وهذا أمر يؤثر على الطلبة من جهتين.

أولاً: يجعلهم ينظرون إليها نظرة ثانوية ويعتقدون أنها ليست على شيء من الأهمية.

ثانياً: يكون قد مضى على الطلبة وقت كبير يشتغلون أشغالاً عقلية، فلا يستطيعون فهمها كما يجب.

هذا النظام شائع في مدارس الحكومة والمدارس الأهلية اللهم إلا مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية.

وليس من العدل أن ننسب بعدنا عن الفكرة الدينية إلى طريقة تعليم الدين في المدارس فقط بل إن المرء لينشأ في أسرته فلا يرى أثراً للتعاليم الإسلامية فإما يرى أسرته قد مسخت وتطرقت إليها التعاليم الافرنجية مشوهة أو لا يرى فيها غير تعاليم إسلامية محرفة عن أصلها ففي الأولى يخلب لبه بتلك التعاليم التي تتبعها الأمم المتمدينة ظاناً أن ملأه خير ملأ يتبع نظام التطور والارتقاء ولو عرف الحقيقة لعلم أنهم ما أخذوا إلا سفاسف المدينة ونفاياتها.

وفي الحالة الثانية يرى ما يبغضه في دينه ويدعوه إلى التمرد عليه ولو علم حقيقة دينه لاستسهل أن يفدى تعاليمه الصحيحة بالروح.

حالان كلتاهما خطر على الدين وتشويه للحقيقة أما سفور وتبرج محرمان يظنهما المرء أشهى ثمار المدنية الغربية وأما جمود وتحريف في الأمور الشرعية نزاعان بالمرء إلى المروق من دينه.

يسمع من عشيرته أن من قرأ دعاء نصف شعبان مرت عليه السنة قبل أن يموت، يري أن هذا أمر لا يقبله العقل ومع ذلك رواته مسلمون فيظن أن هذا من الإسلام فيزري على هذا الدين لأنه لو قام حقيقة على مثل هذه التقاليد لكان هناك مجال للظنون.

يرى أن رأس أسرته يبرم الأمر دون استشارة محقراً رأي الأفراد الآخرين ويرى أن روح الصراحة معدومة بينه وبين أبيه وأبوه مسلم فينسب هذا إلى الدين مع أن الإسلام هو الدين الذي يعضد الشورى ويحض عليها.

ثم يظهر التحريف والخطأ المحض في الخطبة والزواج فيتم هذان الأمران دون استشارة مع أنه محور الأمر وإليه يرجع الرأي وهو الذي سيجني الفائدة إن وجدت ويحمل الضرر إن حدث فيظن أن هذا ناشئ من الدين.

ولا أبالغ إذا قلت أن سلطة الآباء ورؤساء الأسر في مصر وعلى الأخص في الأرياف تقرب مما كانت عليه في العهد الروماني.

وتظهر هذه المخالفات بل الطعنات التي يطعنها في الدين أهله منذ الصغر منذ توضع التمائم والأحجبة، عندما يتذكر المرء ذلك بعد أن يكبر يراه منافياً للشريعة.

مع أن الإسلام في حقيقته دين الفطرة دين التقدم والرقي وقد قص علينا التاريخ ما بلغ أسلافنا من الرفعة حين اتبعوا صحيح تعاليمه.

ويظهر الفرق بين الأسر المسلمة وغير المسلمة في اختيار المدارس فترى المسيحي واليهودي كل يختار لابنه مدرسة تكون بقدر الإمكان موافقة لروح ديانته، وتراهم يختارون المدارس ليهذبوا أبناءهم لا ليضعوهم بعد في الوظائف فتجد الرجل على فقره يعد ابنه للأعمال ذات الكسب فيعرف مثلاً أن اللغة الفرنسية مفيدة في التجارة فيدخله مدرسة فرنسية فإذا تعلم أخذه بجانبه فيساعده في أعماله ويتمرن عليها وينتهز فرصة خلو ابنه من المشاغل في المساء فيدخله إحدى المدارس الليلية كالقسم التجاري مثلاً أو الحقوق فلا يحرم نصيبه من عمل ينفعه في عمله أيضاً فيما بعد، أما نحن والحمدلله فلا أمل لنا إلا وظيفة في الحكومة كذلك علمنا آباؤنا قلا يهمنا إذا تربية كفاءتنا الشخصية ما دمنا سنصبح مرؤوسين نأتمر بأوامر سوانا.

وأقرب طريق لهذا المستقبل الباهر مدارس الحكومة حيث لا نتعلم شيئاً عن الإسلام.

وهنا أبين كيف تسلط على عقول البعض أن الإسلام لا يساعد على الرقي المادي.

إننا نتربى كما بينت سابقاً على النحو الذي يرسمه لنا آباؤنا، لا يبلغنا شيء من حقيقة ديننا لا في البيت ولا في المدرسة، ونوع تعليمنا يقتل كفاءتنا وحب العمل على الاستفادة فلا ننجح ونحن مسلمون أستغفر الله مسلمون اسماً فقط ثم إذا قارنا بين أسرنا والأسر المسيحية نجد الثانية مرتقية، وحيث إن الآباء ليسوا على شيء من حقيقة الدين ولكنا نعتقد أنهم يعرفونه حق المعرفة لا نلبث حتى نعزي إلى الدين هذا التأخر والدين من ذلك كله براء. . ورحم الله الشاعر عمر الخيام إذ يقول يخاطب حضرة المصطفى بما معناه - لقد زخرفوا لك دينك وقلبوه ظهراً لبطن حتى لو عرضوه عليك أنت لأنكرته - فاللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون.

محمد محمود جلال