مجلة البيان للبرقوقي/العدد 45/الإسبريتيوالزم

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 45/الإسبريتيوالزم

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 1 - 1919



أو الحركة الفكرية القائلة بوجود الروح والرأي الأخير الذي صدر من زعيمها

سير أوليفر لودج العالم الطائر الصيت

سير أوليفر لودج هو العالم الكبير الذي يناضل اليوم ويسعى بكل قواه إلى إثبات وجود الروح والحياة بعد الموت، وقد أثار بأبحاثه وتواليفه ولاسيما كتابه الأخير رايموند أو الحياة بعد الممات ضجة كبرى في عالم العلم، وقام العلماء وأقطاب المفكرين في آثاره بين معارض ومنتصر، وقد أوفدت مجلة من المجلات الذائعة الذكر في الغرب رجلاً من كتابها ليقف على آراءه الأخيرة في أمر الإسبرايتيواليزم وقد نشر هذا الحديث في هذا الشهر ونحن ننقله للقراء

قال السائل يا سير أوليفر لودج، لقد كلفت أن أسألك ماذا تم في أمر الإسبرايتيواليزم اليوم.؟

فأجاب سير أوليفر، أما عن الإسبرايتيواليزم فلا أجيبك لأنني لا أحب هذه الكلمة كثيراً اللهم إلا إذا كان يردا بها التعبير عن فرع خاص من الفلسفة، أما من ناحية أنها تؤلف طائفة خاصة، فلا أنتسب إليها ولا علاقة لي بها ولا شأن لي معها وإن كان لا ريب في أنها تجتذب إليها جموعاً عديدة من الناس.

قال الكاتب، ولكن لا شك في أن لهذا البحث وجهة علمية كما أن له وجهة عاطفية دينية.

فأجاب ذلك العالم، نعم ككل شيء سواه في الدنيا، وهي من ناحيتها العلمية تسمى عادة الأبحاث النفسية وقد بدأ هذا البحث حول تلك الموهبة الإنسانية المجهولة، ومنذ اكتشفت التليبائي أو الاتصال الموجود بين الذهن والذهن، أصبح يجوز لنا أن نستنبط منها أن الجسم والذهن لم يكونا منفصلين بعضهما عن بعض وأن أحدهما قد يعيش بالآخر، وقد دلت التجاريب التي أداها بعضنا إلى أن يعد مسألة هذه الحياة التي قد تكون بعد موت أحدهما حقيقة تقوم عليها الأدلة.

قال الكاتب وهذا ولا ريب أمر يعد من الأهمية الأولى أليس هذا ما ترى؟

فأجاب: نعم. هذا ما أنكره فإنها من الأهمية بحيث يجب اتخاذ الحيطة والعناية قبل أن نعدها حقيقة مقررة نهائية، على أنني لا أوال في ريب من أن الدليل عليها سيصبح من القوة والسلطان والتأثير بحيث يشستطيع التغلب على الذين يعارضون فيها ويصرون على أن لا يروها. وأنا لا يسعني إزاء بعض أولئك غلا أن أشترك معهم في العاطفة وأشفق عليهم لأنني أرى الصعوبات التي تحول دونهم. وأنا لا أدعي القول بأنه من السهل الاقتناع بأن الشخصية والذاكرة يعيشان بعد فناء الذهن. بل كل ما أقوله هو أنه قد وجدا يعيشان. وهذا يمكن أن يشير إلى أن الذهن ليس إلا أداة أو عضوا يستخدمه شيء غير محسوس مطلقاً، شيء يوجد في العالم النفساني لا العالم البدني، شيء لم يكتمل ويصيب النماء إلا باشتراكه مع البدن أو المادة. ومن هذا يصح أن نعرف الذهن بأنه أداة من أدوات البدن، أداة صلة واتصال، لا أداة مفكرة قائمة بذاتها لأن الذهن الذي لا هيئة له والغير مجسم لا بد له من وسيلة إلى إعلان نفسه وإثباتها وإظهار حقيقة وجود ولكن هذا لا يستلزم أن تكون هذه الوسيلة من المادة العادية التي نعرفها أو إذا كان لا بد من ذهن لأجل الاتصال بنا في هذه الأرض فيجوز أن يستخدم جزء من ذهن شخص آخر لهذا الغرض الوقتي، فذهن هذا الشخص هو الذي نسميه - الواسطة - أي واسطة الاتصال والمخابرة.

قال الكاتب: إذن فهل أتعقد أنكم ترون استقلال الذهن عن المادة أمر ثابت؟

قال العالم: أجل إن الذهن أبقى وأثبت من أداته البدنية وهو يعيش ولا ريب بعد هذا البدن الحاضر الملموس ويبقى على حاله قائماً بلا تغيير.

فسأله الكاتب: أيمكن أن تشرح لي كيف أهتدي إلى تقرير هذه الحقيقة؟

فأجاب: من الناحية العامية بما يشهده بعض الأشخاص الذي يفقدون أحبابهم والأعزاء لديهم ومن الناحية العلمية بطريقة التخاطب وضروب أخرى معقدة من الأدلة لا تزال في استمرار.

قال السائل: هل يمكن أن تشرح لي الطرق العامية أو العادية لإثبات هذا الأمر؟

فأجاب: بلا ريب، فإن فريقاً كبيراً من الناس الذين يفقدون أقاربهم يذهبون إلى - واسطة - يوثق به فلا يذكرون له أسماءهم ولا يتطلب الواسطة منهم معلومات أو استفهامات. ولا يقول الأشخاص لهم كذلك شيئاً منها، والواسطة كذلك يفضل أن يكون جاهلاً بزبائنه كل الجهل. وفي بعض الأحيان يصحب شخص آخر ليثبت ما يدور من الكلام، ففي كثير من هذه الأحوال بل أقول في معظم هذه الأحوال، يرى أن الدليل قوي جداًـ قاطع مدهش إذ يتحقق الشخص من شخصية الميت الذي فقده ويرى أنه في لهفة واشتياق إلى مخاطبة أقاربه وإرسال رسائل لهم، وهي رسائل محبة وعطف في الغالب. وتحقيق شخصية وإثبات وجود.

قال السائل هل لك يا سيدي أن تذكر لي طائفة من هذه الأمثلة؟

فأجاب السر أوليفر: خذ مثلاً شاباً قتل في هذه الحرب وتصور أن أبويه استطاعا أن يتخاطبا معه فإنه سيحييهم كعادته يوم كان في هذه الحياة ويدعوهما بامسيهما، أو قد يناديهما بأسماء الدلال التي اعتاد البنون أن ينادوا بها آباءهم وقد يسألهما عن أخوته وأخواته بأسمائهم جميعاً أو بما يشير إليهم من طرف خفي، لأن الأسماء في بعض الأحيان متعبة من ناحية الوصول إليها، وقد يذكر أدلة وتعليقات وغشارات معروفة تميزهم عن أبويهم، وكثيراً ما يذكر ما يدل على أنه يعرف ما يفعلون إذ ذاك والأمر الذي يشتغلون به وقد يبسط معالم هيئته وشكله، وقد يذكر الواسطة علامات وإمارات صغيرة ولكن حقيقية كالبقع في الوجه أو الخدوش أو الحالات أو علامة من العلامات المختلفة.

وأما عن ذكر الحوادث فإنني لأذكر أن في حالة من هذه الحالات قال ميت من الفتيان لأبويه أنه كان قد ضرب موعداً بينه وبين أخيه على اللقاء في فرنسا على كوبري معرفو فلما توافيا إلى الموعد وأقبلا إلى المكان المضروب لم يكت للكوبري أثر بل طار على أثر القذائف وتبدد من القنابل ثم جاء بعد ذلك خطاب من أخيه الذي عاش بعد هذا الحادث، ونجا من القذائف مؤيداً هذا الأمر مؤكداً هذه الحقيقة. وكان الأبوان لا يعرفان من هذا شيئاً عند ما جلسا إلىمخاطبة فقديهما.

وغليك ثملاً آخر: ثلاثة أخوة قتلوا جميعاً، فذكر الواسطة أسماء الثلاثة إلى أبويهم، وكان أحدهم وهو أصغرهم هو المتكلم، فقال على لسان الواسطة، قل لأبي أنني لم أتكلم كل هذه المدة التي غبت عنها! وكان الفتى في الحياة ثرثاراً وكان أبوه كثيراً ما أنبه على ثرثرته وعاقبه على كثرة كلامه.

وفي حالة أخرى كان المتكلم فيها من العالم الآخر صبياً صغيراً فطلب من أبويه أن يعطيا ما في جيب صداره إلى أخيه الصغر، فلما فتشا جيوب الصدار وجدا قطعة من النقود في الجيب الذي وصفه.

والوصف الشائع في مثل هذه الأحوال هو وصف المنزل القديم الذي كان يقيم فيه الميت والأثاث والصور المعلقة فوق الجدران، بل كثيراً ما يذكر أسماء الكتب المصفوفة في المكتبة.

قال السائل: وهل يجيب الموتى على أسئلة معينة؟

فأجاب سير أوليفر لودج: إنهم لا يتذكرون دائماً ما يتوقع السائل منهم أن يتذكروا، لأنه من الصعب أن تكره روحاً على أن تعود إلى ذكرى شيء نسيته وتعفى واندثر من لوحتها، ومن الحوادث التي نستشهد بها هو أن شابين صديقين حميمين ماتا من مرض في أثر بعضهما البعض ولكن كان كل منهما في بلد بعدي عن بلد صاحبه، فلما مات أصغرهما وهو هربرت حبس الأصدقاء هذا الخبر عن الصديق الآخر، على أنه عندما مرض هذا وجاءت ساعة المنية، قال وهو يبتسم: أهلاً بك يا هربرت مسرور لرؤيتك!

ومن الأمثلة التي ذكرها السير وليام باريت في كتابه الحادثة التالية: وهي أن ضابطاً من المستشهدين في الحرب قال بعد انتقاله إلى العالم الآخر على لسان الواسطة أنه يريد أن يرسل دبوس ربطة عنقه، الموجود في أمتعته إلى سيدة ذكر اسمها وعنوانها وقال أنه خطبها سراً وأراد الاقتران بها، ولم تكن أسرته تعرف شيئاً عن هذا من قبل، فلم يسعهم إلا أن يكتبوا خطاب استعلام بالعنوان الذي ذكره ولكن الخطاب أعيد إليهم وقد كتب فوق الغلاف (غير معروف) فظن القوم أن الأمر خيال متخيل. ووهم من الأوهام على أنه عندما جاءت أمتعته من ميدان القتال. وجدوا بينها الدبوس الذي أشار إليه ولما اكتشفوا وصيته التي كتبها قبل مماته، رأوا اسم السيدة صحيحاً كما ذكر، وقال عنها في الوصية أنها الوارثة له، فقبلت الخطبة واعترف بزواجه بها. وكذلك كان كل شيء مما قال صحيحاً إلا العنوان، وأنا لا أعرف سبب هذا الخطأ في العنوان، على أن العادة في مثل هذه المخابرات أن يكون جزء منها خطأ، ولعل هذا يرجع إلى الصعوبات التي تعاني في مثل هذا التخاطب، أو على عودة الواسطة فجأة إلى حالته الطبيعية، كما يكون من الإنسان إذ ينتبه بغتة من الحلم ثم إذ تغفى عينه ثانية يعود إلى حلمه فيسترسل فيه.

قال السائل: إن أمثال هذه الأغلاط تجعل م الصعب الاهتداء إلى أدلة مرضية مقنعة.

فأجاب ذلك العالم المشهور: بلا شك فإن هذه الأدوات الإنسانية التي تستخدمها في التوسط بيننا وبين الأرواح مهما كانت مخلصة لا يمكن أن تكن كاملة القوى في جميع الأحوال وليس في الإمكان تجنب هذه العودة الفجائية إلى الحالة الطبيعية، ولكن هناك فرقاً عظيماً بين الواسطة الطيبة والواسطة الرديئة.

قال السائل: إذن أنت مقتنع بأن الحياة غير محدودة بالحياة على الأرض وأن هناك عالماً آخر ننتقل إليه؟

فأجاب: هذا ما لا ريب عندي فيه، ويلوح لي اليوم أن الموت أمر لا يخشى منه بل حادث يؤمل وأمر يبتغى، لأنه ولا شك رحلة لذة طيبة ولا أعتقد أن هذا الانتقال أليم معذب مرير، بل أن الإفاقة من الغشية قد تكون مؤلمة، ولكن الانتقال في العادة ليس فيه ألم أو عذاب.