مجلة البيان للبرقوقي/العدد 50/باب الزراعة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 50/باب الزراعة

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 9 - 1919



آلات زراعية جديدة

احتفلت شركة مهنا ومجيد لتوريد الآلات الميكانيكية - والكهرباء - يوم الأحد 28 سبتمبر سنة 1919 في التوفيقية في أملاك سعادة علي باشا مهنا بتجربة سيارات للحرث بحضور جم غفير من العظماء يتقدمهم سعادة فتحي باشا الوزير السابق وسعادة خيري باشا مدير البحيرة سابقاً ومفتشو دائرة سمو الأمير عمر طوسون الذي له اليد البيضاء في مساعدة المشروع والسيد حسين القصبي وعميد عائلة وار بالبحيرة وسعادة عبد الحمد بك الصحن مفتش المالية ومهندسو الشركات الأجنبية وكثير من المزارعين.

وبعد تجربة السيارات وظهور نجاحها أمام الجمهور مدت الموائد وألقي بعد ذلك محمد علي بك مهنا كلمة شكر للحاضرين ثم تبعه الأستاذ عبد الله أفندي عبد المجيد وألقى المحاضرة الآتية ننقلها بفصها ونصها لأهمية موضوعها من الوجهة العلمية.

المحاضرة

أيها السادة:

إني أضم صوتي لصوت زميلي محمد بك علي مهنا في شكر سمو الأمير عمر طوسون لاهتمامه بمشروعنا وشكركم، وأتمنى أن تعيروني آذانكن لحظة حتى أسيح معكم في عالم الحياة الجديدة للزراعة.

لا أود أن أذهب بكم إلى الماضي، فنحن ما زلنا نعيش فيه. وما علينا إلا أن ننظر إلى محاريثنا وطريقة بذرنا الأرض. وحصدنا النبات، ودراستنا للقمح نحن أيها السادة لا نزال مع الماضي ولم نفتح الحياة الجديدة لمصر اللهم إلا لنفر قليل من المزارعين العقلاء المستنيرين.

أريد أن أبحث معكم الآن من الوجهة الزراعية المحضة في حياتنا الحالية لأبرهن لكم أن خصوبة أرض مصر التي تغنى بها اليونان والرومان والعلماء الزراعيون الحاليون هي فوق ما يقولون، وإنما ينقصها تطبيق النظريات العلمية والعملية حتى تجود بالنضار الكثير. وتفيض على العالم من خيراتها كما كانت تفيض عليه من قبل.

لمَ تُحرث الأرض أيها السادة؟ ليست الأرض كما يتوهم البعض بجماد وإنما هي مسكونة بملايين من المخلوقات الحية. هذه المخلوقات المكروسكوبية هي التي تساعد على نمو النبات، وطبخ السباخ وتهيئته طعاماً سائغاً له. وكلما زاد عدد هذه المخلوقات زاد عملها. وأفادت الأرض وزادت الخصوبة.

الطريقة التي تزيد عدد هذه المخلوقات هي الطرق التي نطلبها نحن بني الإنسان أنا نطلب هواء جيداً ونوراً ساطعاً وشمساً تنقي الجو.

كيف نصل لذلك؟

بالحرث، إن المحراث الجيد هو الذي يقلب عالي الأرض سافلها، حتى تنقلب الأرض التي كانت معرضة للشمس، وتحل محال الأرض التي لم تكن كذلك لتصير الطبقة الزراعية موطناً صحياً للحيوان والنبات الذي يسكنها.

والمحراث المصري الذي بين أيدينا لا يقلب الأرض جيداً. فالحرث إذن ناقص نقصاً هائلاً من الوجهة العلمية العملية التي تنطبق على الشروط التي تزيد خصوبة الأرض وفوق ذلك أن المحراث البلدي لا يقاوم صدمة الأرض. وليس بالسهل إيجاد حراث ماهر. والدليل على النقص الهائل في تركيب محراثنا هو أن المزارع مضطر أن يحرث الأرض مرتين وثلاثاً حتى يمر المحراث بكل جزئيات الأرض. وانظروا كم من الوقت يضيع في هذه العمليات.

ما هو المحراث الذي يصل بنا للدرجة القصوى من المحصول؟

هو المحراث الذي يقلب الأرض جيداً، ولا يمنعه جفاف الأرض عن السبر ويمكنك أن تحرث به على أي عمق تشاء، وفي الوقت نفسه يقضي على النباتات الضارة باستخراجها من جذورها. ويدفن السباخ إلى الطبقة الأرضية حيث تجدها جذور النباتات بسهولة. ويحفظ المياه في باطن الأرض حتى إذا تأخرت المناوبات وجد النبات من رطوبة الأرض منهلاً عذباً. ويزيد سمك الطبقة الزراعية فلا تكون الأرض خفيفة بل سمينة. خصبة. جيدة.

ثم يمكنك أن تحرث بسرعة هائلة فتقتصد في الوقت، بمعنى أنه يمكنك أن تحرث به عقب الحصاد فلا تنتظر المناوبات لحرث أرض الذرة، وتحرث به القطن بسرعة تمكنك من أخذ بطنين من البرسيم بدل بطن واحدة، وبالاختصار يمكنك أن تبكر في زراعتك وأخيراًُ يعرض الأرض للشمس جيداً فتقتل الحرارة الميكروبات التي تضر النباتات والبويضات المختفية التي تنتظر الوقت الملائم فتفقس وتزحف على النبات فتضره، هذه المحاريث التي رأيتم تجربتها تعرض الحشرات والميكروبات إلى التغيرات الجوية التي لا طاقة لها بمقاومتها فتموت في أقرب وقت.

هذا أيها السادة - من الوجهة الزراعية - بعض فضائل المحراث الذي رأيتم تجربته بأعينكم وليس هذا كل ما هنالك وإنما هناك فوائد اقتصادية جمة، منها:

(1) سرعة الحرث.

(2) الاقتصاد الهائل في قيمة حرث الفدان إذ لا يتكلف أكثر من خمسين غرشاً صاغاً مع احتساب استهلاك ثمن الآلةى وجميع النفقات.

(3) استعمال السيارة في جر المحصول من بلد لبلد إذ يمكنها أن تجر من طن ونصف إلى ثلاثة أطنان حسب قوة الآلة المحركة.

(4) استعمال السيارة في إدارة مكينة للدراس أو طلمبة مياه. . الخ.

ليس كل النجاح الزراعي في الحرث الجيد الاقتصادي وإنمال هناك أشياء أخرى مفيدة ولازمة من الوجهة الزراعية الاقتصادية التي تنمي قوة الإنتاج: ستنشر بقية المحاضرة في العدد القادم.