مجلة البيان للبرقوقي/العدد 57/دول العرب
مجلة البيان للبرقوقي/العدد 57/دول العرب
لأمير الشعراء أحمد شوقي بك
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
تابع لما نشر في العددين السادس والسابع
يا جلاً تأبى الجبالُ ما حمل ... ماذا رَمت عليك ربة الجمل
أثار عثمان الذي شجاها ... أم غُصة لم يُنتزع شَجَاها
قضيةٌ من دمه تبنيها ... هبت لها واستنفرت بنيها
ذلك فتق لم يكن بالبال ... كيد النساء مُوهن الجبال
وإن أم المؤمنين لأمرأة ... وإن تك الطاهرة المبرأة
أخرجها من كِنها وسنها ... ما لم يُزل طول المدى من ضِغْنها
وشر من عاداك من تقيه ... ومَلقى السلاح تنتقيه
جهزها طلحة والزبير ... ثلاثة فيهم هدى وخير
صاحبة الهدى وصاحباه ... فكيف يَمضون لما يا أباه
ياليت شعري هل تعدوَّوا وبغَوا ... أم دمَذي النورينبالحق بغوا
جاءت إلى العراق بالبنينا ... قاضين حق الأم محسنينا
فانصدعت طائفتين البصرة ... فريق خِذلان وفريق نَصرة
أو ذادت البيعة والذمام ... وقادة الفتنة والزمامِ
وانتهك الحي دماء الحيّ ... من أجل ميْت غابر وحيّ
وجاء في الأُسد أبو تواب ... على متون الضُمَّر العِراب
يرجو لِصَدع المؤمنين رأياً ... وأمهم تدفعه وتأبى
وعَجز الرأي وأعيا الحِلمُ ... وخُطبت بالمرهَفات السِلم
من كل يوم سافك الدماء ... تعوذ منه الأرض بالسماء
تجر ذات الطُهر فيه عسكراً ... وتَذْمُرالخيل وتغرى العسكرا
ظل الخطام من يد إلى يد ... كالتاج للأصيد بعد الأصيد
مستَلما توهى الغيوث دونه ... وبالدماء أنهراًً يَفدونه حتى أراد الله إمساك الدم ... في كرم لسيفه المقدم
وظفرت ألوية الإمام ... وألقت البصرة بالزمام
فردت الأم إلى مقرها ... مبالَغاً في نقلها وبِرها
وظللت مَن حل أرض الملحمة ... من الفريقين سماء المرحمه
هلكي بكى البيت عليهم والحرم ... والموت دون العهد غاية الكرم
- * *
يا يوم صِفِّين بمن قضاكا ... هل أنصف الجمعان إذ خاضاكا
فيك انتهى بالفتنة التراقي ... واصطدم الشآم بالعراق
ونفِدت بقية من صخب ... تلقت الطعن بصدر رحب
بنو الظُبىَ أُبوَةُ الاسنة ... آل الكتاب أولياء السنة
لقد وفَى بدر لهم أهله ... وخنَهم مشيخةً اجله
لو في بناء المجد ذلك الدم ... بل عمدوا لما بَنَوا فهدموا
فيما مجالا قصر الاعنة ... ومد في اشتجارها الاسنة
ترجرجت بالفئتين أرضُه ... وضاق عنهم طوله وعَرضه
ووقع الانجاد بالانجاد ... وخر (عمار) من النجاد
ما كان ضر نصراَء البيعة ... لو صبروا على الوغى سويعه
بينا بنودهم هي العوالي ... والنصر حول البِيض والعوالي
غادرهم بسحره معاوية ... كأنهم اعجاز نَخل خاوية
ألقى القنا شرع المصاحفا ... ينشد بالله الخميس الزاحفا
فلا تسل عن فشل العزائم ... ولم يزل طليعة الهزائم
انقطع النَظم والانقياد ... وَحَمكت في الشُكُم الجياد
وافتيت في الرأي على الأعيان ... وهدد الإمام بالعصيان
ما كان في قبوله التحكيما ... على علو رأيه حكيما
لا يُرفع المصحف كالدفوف ... والسلم لا تذكر في الصفوف
وراية في الأشعريَ أعجب ... لله فيه فدَر محجب أين أبو موسى وأينْ عَمْرو ... لا يستوي مجرِّب وغَمرُ
أمن دها قيصر والمقوقسا ... كمن على مصحفه تقوسا
قام فرد الرجلين ونزل ... وقام عمرو فأقر وعزل
أبى عليا وارتضى معاوية ... ونقض المِنبرُ عَقد الزاويه
- * *
يا زيد كلِّ مُسرَج وملجم ... كيف علا غُرتك ابن ملجم
أصاب قِرنا لا ترام شمسه ... أعيا على الاقران دهر ألمسه
بالمرهف المسموم فيما قد ذكر ... وكل شيء قتل الماضي الذكر
يا شؤمَ سيف قطع الصلاة ... واغتر ليث الغابة المِصلانا
ولم يك ابن ملجم صُعلوكاً ... بل غالياً يقتحم الملوكا
وضارياً في دمه العدوان ... لم يخل من امثاله أوان
جبلة بين السباع والبشر ... يطوي الدم اضرابها إذا انتشر
وقال قوم ذلك مسلم نقم ... حكومة القرآن فهو منتقم
قولٌ غدا عند النهى مرفوضاً ... لو صَحْ راحَ العالَمون فُوضَى
الرأي للأمة في الولاة ... وليس للغِضابِ والغُلاة
وقتلكَ الإنسانَ غيلةً شَنِعْ ... ألجبن أن تَقْتُلَ منْ لا يمتنِعْ
النَفس لله وَللنظامِ ... والدّمُ إِحدَى الحُرَمِ العِظامِ
فكيف بالبغي على عليّ ... الراشد المقرّب الوليّ
- * *
مالك والناسَ أبا ترابٍ ... ليس الذئابُ لك بالاترابِ
هم طردوا الكليم كل مَطْردٍ ... وأتعبوا عصاه بالتمرد
وزُين العجل لهم لما ذهب ... وافتتنوا بالسامريّ والذهب
وبأبن مريمٍ وشَموا ونموُّا ... واحتشدوا لصلبه وهموا
وأخرجوا محمداً من ارضه ... وسرحت السنهم في عِرضه
وغيبوا المسوىَ الفاروقما ... وخَيرَ شمسيَهم لهم شروقا وذبحوا الشيخ على الفرقان ... حتى بكى الذكر بدمع قان
وهبّ منهم لحقك اختلس ... وفجعوا لك الصلاة في الغلس
وأشرقوا الحسين بالدماء ... مَلوّحاً بين عيون الماء
قاسم سمو الزاهد الحواري ... في درجات القرب والجوار
إن زال ملك الأرض عنك مِن ملَك ... يا طول ملك في السماء تم لك