مجلة البيان للبرقوقي/العدد 59/اللورد كرزون

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 59/اللورد كرزون



للمستر جاردنر مدير (الديلي نيوز) كلمات في وصف رجالات الانكليز وتصويرهم تصويرا دقيقا بريئا من أبدع ما وصف الواصفون ونحن هنا ننتقل لقرائنا ما كتبه على اللورد كرزون وزير خارجية انكلترا - قال الكاتب.

كان يمكن أن يكون اللورد كرزون من عظماء الرجال لو أنه استطاع أن ينسى أحيانا قليلة اللورد كرزون! أن الصحة لا تشعر بنفسها. ولا يلتفت الإنسان إلى جسمه إلا إذا أحس بالمرض. وكذلك الذهن القوي السليم ينسى نفسه. ولكن اللورد كرزون لم يتذوق قط هذه الصحة. بل هو يعيش في بيت من مرايا. وأين ما تلفت أو تنقل وجد أمامه خياله الوضاح البراق. أفما كانت أكسفورد إلا مشرقا لطلعة سحرية واحدة. وما كان البرلمان إلا مسرحا للمثل واحد لا يجارى. وما كانت الهند إلا ملعبا لأرستقراطي باذخ المقام عظيم الأبهة جليل الخطر.

يقول المستر تشسترتون في إحدى حكمه الظريفة أنه يجب على الإنسان أن يكون قادرا على الضحك من نفسه والسخرية بها والتسلي بسخافاته. ولا ريب أن هذا معيار بديع لقوة الذهن. فلا ينبغي أن يرى الإنسان نفسه بطلا ولكن رجلا عاديا ذا فضائل غريبة تحمل على الإعجاب وحماقات أغرب تحمل على الضحك والاستهزاء. ولكن اللورد كرزون لم يضحك من نفسه قط ولكنه دائم الإعجاب بها. ومن هذه الناحية الجافة من الرجل الخالية من النقد والسخرية بالعيوب صدرت جميع الغلطات التي تخللت حياته.

وكذلك كانت قيصريته المزهوة هذه سببا في جميع غلطاته وهو حاكم الهند فهي السبب في تلك المجازفة في سهول التبت بلا داع ولا نتيجة سوى حب الظهور والإعلان عن النفس وإسالة الدماء البريئة المسالمة وإرهاق الفلاح الهندي المسكين بالضرائب الجديدة. وهي السبب في تقسيم البنغال على النحو الذي حدث والذي أشعل في الهند ناراً لن تخبو. لقد كانت سياسة التحدي غلتي اتبعها هناك هي موقد الحركة الوطنية. فاللورد كرزون هو خالق (الهند الجديدة)

وما يؤثر عن غلطاته الشنيعة في الهند أنه ذهب يوماً ليلقي خطاباً على طلبة جامعة كنكتا. أي على خلاصة الشبيبة الهندية المتعلمة الراقية. فلم يمنعه ذلك من أن يقول أن الصدق فضيلة الأمم الغربية وأما الشرقيون فكذابون متملقون! وارتجت الهند لهذه الإهانة. وكادت تسوء العاقبة أولا أن هنديا قوى الذاكرة اقتطف قطعة من كتاب للورد كرزون عنوانه (مسائل الشرق الأقصى) ونشرها بجانب الخطبة المهينة. وهذه هي القطعة التي يحدث فيها اللورد عن نفسه.

(قبل أن أتشرف بالمثول بين يدي جلالة ملك كوريا أوصيت بأتن لا أذكر له عمري الحقيقي وهو ثلاثة وثلاثون فقط لأن ذلك يؤدي إلى عدم احترامي عنده. فلماذا ذهبت وسألني أول ما سألني أول ما سأل كعادة الشرقيين كم عمرك؟ أجبته بلا تردد: أربعون. فدهش وأجابني: ولكن يظهر عليك أنك أصغر من ذلك: فأجبته: لأنه قد مضى على شهر وأنا أتمتع بالسياحة في هواء مملكتكم البديعة!!

وما كادت الهند تقرأ هذا حتى اهتزت ضحكاً وكادت تنسى الإهانة في سبيل الفكاهة!