مجلة البيان للبرقوقي/العدد 60/الناس عباد ما عشقوا

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 60/الناس عباد ما عشقوا

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 8 - 1921



المرء إذا هام قلبه بشيء لم يزده العذل إلا هياما ولا اللوم والتفنيد إلا صبابة وغراما. فإذا أحب امرأة أعرض عن مقالة الغير فيها وأبى إلا إصغاء لوحي ضميره وإملاء فكره. ومالي ولاستماع ما يقوله صاحبي عن معشوقتي فليس هوالهائم الولهان إنما الهائم الولهان قلبي. أنا الذي أقدر قيمة ما هويت وأحببت وأنا الذي أحدد ثمنه ومهره. ولقد يكون عديم القيمة في نظرك وهومع ذلك يرجح عندي بالعالم أجمع. فلوكنت أملك تاج الأكاسرة والقياصرة وخزائن قارون وحازت يدي ما حوت من اللؤلؤ صهاريج عمان ومن الماس والياقوت مناجم الهند وسيلان لجدت بها جميعا لأظفر بنظرة من معشوقتي. فإذا قلت أني غر أحمق فماذا تقول في الملك الذي يدفع نصف ولاية من ولايات ملكه ثمنا لبلورة صغيرة في حجم بيضة اليمامة يسميها الناس (ماسة) وماذا تقول في السري الشريف إذ يتجشم الأهوال العظام ويستهدف للموت الزؤام. ويضحي شطر حياته وجل راحته من أجل إحرازه شريطا أزرق يسميه الناس (وساما) وماذا تقول للتاجر الهولندي الذي زعموا أنه دفع عشرة آلاف من الجنيهات في زهرة من أزهار الزنبق. هؤلاء لا شك أسفه أحلاما. وأخيب سهاما.

كل له غرض يسعى لإدراكه فراغب في العلم وطالب للشهرة ومولع بالتزيين والتجمل والتأنق افتتانا للناس يحسن بزته وجمال حليته وطامح إلى التفوق في بعض الفنون والصناعات واكتساب خالد الذكر لإخراجه للملأ أثرا خالدا من بدائع الشعر أوالتصوير أوغير ذلك ولا أكثر ولا أقل من هؤلاء عاشق الجنس اللطيف الذي قد جعل همه من الحياة الحصول على امرأة قد هويها فانحصرت في شخصها أمانيه ومآربه.

فيا أيهذا المعيري بإضاعة أوقاتي ومجهوداتي في سبيل امرأة تفخر عليَّ بأنك من أساطين السياسة وأهل البلاط وذوي الحظوة والقربة عند أولي الأمر وذوي الحل والعقد. ألست أحمق مني وأغبى وأفسد رأيا وأسخف ذهنا. ألا تزال مثلي معني الجسم والقلب متيم الروح واللب استهام وراء أمنية لا تفضل أمنيتي وابتغاء بغية ليست أرجح قيمة من بغيتي لقب أجوف طنان كالطبلة يخال شيئاً وما هوبشيء. فتجاوز لي عن حماقتي أتجاوز لك عن حماقتك. قل لي بربك كم تعاني من غضاضة التملق وكم تقاسي من مرارة التزلف والتقرب. وكم من ليلة هرقت فيها كأس الكرى. ورضاب اللمى. وهجرت فيها ري العنقود. وبريق مصقول منضود. وكل هذا تفرغا لتحرير مقال سياسي تحوك لحمته من الكذب والتلفيق وتنسج رقعته من المداهنة والتمليق ثم تغشيه زبرجدا من التمويه والتزويق. وكم من ساعة تقفها على قدميك العليلة الواهنة انتظار ولي نعمتك وبأي خشوع وتذلل وخنوع تركع تحت قدميه إذ ترفع إليه كتابا أورسالة - هذا على شدة إنفتك وإبائك. وعزتك وكبريائك. وإنك أعز جانبا وأحمى أنفا من أن تركع لأحد كائن من كان حتى ولوللمولى جل شأنه. حقا يا سيدي لئن كانت بغيت ومنيتي (أعني المرأة) هي خدعة وألعوبة لا تستحق الكد والعناء فليست بأفضل منها ولا أنفس بغيتك ومنيتك - اللقب الفارغ الأجوف. بيد أني على كل حال أعلم أن بغيتي لا تقل عن بغيتك زورا وغرورا فكلتاهما أبطولة وأضلولة. فلا تعب على غوايتي ما دمت أتغاضى عن غوايتك. وأولى بنا وأليق أن يضحك كلانا من نفسه ومن صاحبه ثم من غرور نفسه وغرور صاحبه سواء بسواء.