مجلة البيان للبرقوقي/العدد 62/روح الإسلام

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 62/روح الإسلام

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 11 - 1921



لأكبر نصير للإسلام اليوم سيد أمير علي الهندي

مركز المرأة في الإسلام

وبعد فإنه على تقدم الفكر وارتقائه وتقلبات هذا العالم المستمرة وتطورات أحواله المتعاقبة تنمحي ضرورة الحاجة إلى تعدد الزوجات وتبطل هذه العادة من تلقاء نفسها أو تبطلها القوانين والشرائع. ومن ثم نرى أنه في البلاد الإسلامية التي قد أخذت تنمحي فيها تلك الأسباب التي كانت قد استلزمت تعدد الزوجات في بادئ الأمر - قد أصبحت هذه العادة تتعد شرا ونكرا ونظاما منافيا لتعاليم الرسول، بينما في البلاد التي أحوال المجتمع فيها خلاف ذلك والتي ينعدم فيها من وسائل معاونة المرأة نفسها بنفسها ما هو متوفر في البلاد الأعظم رقيا والأرقى تمدينا نرى أن مذهب تعدد الزوجات هو مما لابد منه ولا مناص عنه.

ولما كانت حرية التفسير تترك مجالا واسعا لاختلافات أرباب الفتاوى فسيكون من الصعب جدا إبطال المذهب التعددي إبطالا تاما. ونحن لا ننكر ما لهذا الاعتراض من قوة الحجة وصرامة البرهان مما هو جدير بالتفات من كل من المسلمين يبغي خلاص التعاليم الإسلامية مما لحقها من الانتقاص والعيب ويريد التماشي مع روح العصر والمدنية الحديثة، على أنه لا يفوتنا أن مرونة القوانين والشرائع هي أنصع دليل على نفعها وفائدتها وهذه المرونة هي أعظم مزايا الشريعة الإسلامية، فهذه الشريعة ملائمة على السواء لمطالب أرقى الشعوب وأشدها تهذبا ولاحتياجات أوضعها وأحطها مدنيا. الشريعة الإسلامية لا تتجاهل مطالب ألإنسانية المتطورة المتدرجة كما أنها لا تتجاهل أيضاً أن في الدنيا شعوبا قد يصبح بينهم مذهب توحيد المرأة آفة وشرا. بيد أن محاولة إلغاء (تعدد الزوجات) ليس من الصعوبة كما يتوهم ولا خفاء من أن شر ما نكب به الشعوب الإسلامية من الآفات والمصائب إنما أتاه من المذهب التقليدي (الوقوف عند المذاهب الربعة) الذي حرم الاستقلال بالرأي الفردي (الاجتهاد). وليس ببعيد ذلك اليوم الذي فيه يرجع إلى نص القرآن ذاته للفصل فيما إذا كان الواجب على المسلم أن يأخذ بصريح آيات الكتاب الحكيم حقيق معانيها أو بتأويلات الأئمة الذين توسلوا باسم النبي إلى إرضاء أهوائهم الذاتية أ إلى تأييد أوامر الملوك والسلاطين الذين كان أولئك الأئمة بعض خدمهم وصنائعهم. ولقد كابدت أوروبا عين هذه الصعوبات والمشاق واقتحمت عين هاتيك العقبات والحوائل فكان أولى بها من قذف الإسلام بهذه المطاعن والمثالب أن ترقب بعين العطف والرفق وتلحظ بناظر التمهل والتأني ما تبذله الشعوب الإسلامية الناهضة المتحفزة من المجهودات الجسيمة في سبيل التخلص من رق المذهب التقليدي ومتى تم للإسلام هذا فهب وانتعش ونفض عنه غبار الأفكار العتيقة وصدع قيود العقائد القديمة أصبح من السهل على مشرعي كل أمة إسلامية أن تلغي بأمر حكومتها مذهب تعد الزوجات في بلادها. ولكن هذا الحد من الكمال لا يمكن أن ينتج إلا عن رقي عام في اكتناه حقائق الحياة وأمهات المسائل وتفهم أسرار معاني الكتاب المقدس. ولا أراني مبالغا إذا قلت أن مذهب تعدد الزوجات آخذ في الاضمحلال أو سيضمحل سريعا تحت أشعة ضياء التأويل الحديث الذي أصبحت تأول به آيات الكتاب المنزل.

وكذلك يتبين لنا أن ملائمة الشريعة الإسلامية لكل دور من أدوار التمدين وكل طزر من أطوار الرقي تشهد بما أوتي صاحبها (محمد) من السداد والحكمة فنحن نرى أنه في الشعوب الإسلامية غير البالغة درجة مذكورة من التمدين أن القيود والحدود التي وضعها الرسول على مذهب تعدد الزوجات قد حالت دون مصير هذا المذهب آفة وشرا على تلك الشعوب. فإن المذهب المذكور هو بلا شك خير وأفضل من تلك العوائد والتقاليد والأساليب الإباحية الدالة على التجرد التام من كل مسؤولية أدبية والتملص الكامل من كل قيد أخلاقي. وقد شوهد أنه بتقدم العلوم والمعارف يزداد الشعور بسوء موقع الآفات الناجمة عن مذهب تعدد الزوجات وتزداد تلك الآفات وضوحا وتقترب الأذان من إدراك معنى التحريم لذلك المذهب ويدنو على متناول الأفهام ماهية الغرض من إلغاءه ونحن لا يسعنا قط القول بأم مسلمي الهند قد استفادوا كثيرا بالاختلاط بأمم البراهمة الذين قد حلل بينهم مذهب السفاح. فإن هؤلاء الطوائف من الهنود قد تراخت عندهم بسبب ذلك المبادئ الأخلاقية وتلوثت بينهم نقاوة العقيدة في وجوب طهارة ال روحانية البشرية ورفعة الشرف الإنساني. وقد أصبح الفسق والفجور مألوفا لديهم كألفته لدى جيرانهم من الوثنيين. على أن لدينا من الشواهد ما يحملنا على الظن بأن نور الله الذي أضاء بلاد العرب في القرن السابع سوف يهبط على قلوب تلك الطوائف الإسلامية الضالة فيخرجهم من دياجير ما يغشاهم اليوم من تلك الجهالة والعماية. ولا مراء في أن كراهة تعدد الزوجات قد أصبحت اليوم عقيدة راسخة اجتماعية إن لم تكن أخلاقية. وفي البلاد اليوم من الظروف القهرية مع ما بها من تلك الكراهية للمذهب التعددي الآنف الذكر ما يتجه إلى اقتلاع هذا المذهب من أمم الهند الإسلامية فقد أصبح من الشائع بين جميع هذه الأمم أن يدون في عقد الزواج فقرة تنص على أن الزوج يتعهد بالتنازل عن كل حقه المفروض في التزوج من أي امرأة أخرى طوال استمرار الزيجة الأولى. ونحن نرى أن 95 في المائة من مسلمي الهند الآن كلهم على مذهب (توحيد الزوجة) إما عن عقيدة أو ضرورة. أما بين الطبقات المهذبة العليمة بتاريخ أسلافها القادرة على المقارنة بين هذا التاريخ وتاريخ غيرها من الأمم فإن المذهب التعددي مكروه غير مستصوب. وكذلك في بلاد الفرس نرى أن نسبة قليلة جداً من السكان - 2 في المائة - هم الذين يتمتعون بلذة المذهب التعددي المشكوك في صحتها، والذي يرجوه العقلاء من صميم أفئدتهم أنه لن يمضي إلا قليل من الوقت حتى نبصر أئمة الدين قد اجتمعوا فقرروا نهائيا قرارا ساري المفعول نافذ الحكم أن المذهب التعددي هو كالرق مكروه في نظر الشريعة الإسلامية.

والآن إلى مسألة زيجات النبي التي قد جعلوها ذو الجهل بالحقائق المقررة أو ذو الإنكار لها ميلا مع الهوى وقلة نزاهة حجة بتوجيه المطاعن ضد محمد. فقد احتج معترضون من النصارى بأن محمد بكثرة زيجاته قد خص نفسه بما لم تبحه الشريعوة من الملاذ فاظهر بذلك من وهن العزيمة وقلة الحزم ما ينافي واجبات الرسل وسير الأنبياء ولكن من تأمل الأمر ببصية الواسع الإطلاع على الحقائق التاريخية وإنصاف الحكم العادل حكم قطعا أن محمد لما تحمل عبء مساندة السيدة المسنة (السيدة خديجة) بتزوجه إياه حسب النواميس القديمة المتبعة وكان إذ ذاك فقيرا معوزا كان إنما يكلف نفسه تضحية ذاتية لا يستهان بها، ولا مراء في أن من حلل نوايا محمد ومراميه في ذلك الصدد تحليلا تاما في الوجهة الإنسانية المحضة المجردة من الأغراض الشخصية تبين الكذب الصراح وسوء النية فيما يوجه إلى (بطل العرب) من التهم في ذلك الشأن. نقول أن محمدا في الخامسة والعشرين من عمره في زهرة شبابه تزوج خديجة وكانت تتقدم عنه في السن بمراحل وقد لبث معها خمسة وعشرين عاما كان سلوكه معها خلالها مضرب المثل في الصدق والإخلاص والأمانة وفي الرخاء والصفاء والسعادة وما برحت خديجة أثناء ما انهال عليه مطاعن الوثنيين وإساءاتهم ومن مظالمهم واضطهاداتهم عونه الوحيد وعضده وساعده لم تزايله طرفة عين ولم تأل مواساة له ومؤازرة ولما توفيت خديجة كان محمد في الواحدة والخمسين من عمره بل على الرغم منهم يسلمون أن محمدا لبث طول هذه المدة مبرءا من كل سوءة طاهر الذيل من كل مدنسة نقيي الجبيب من كل لوثة ناصع الصحيفة مأمون الغيب وفي حياة خديجة لم يتزوج امرأة قط غيرها بالرغم من أن عادات البلاد وتقاليدها يومذاك كانت تخوله هذا الحق لو أراد.

وبعد وفاة خديجة ببضعة أشهر يوم عاد محمد من الطائف مضطهدا لا عون له ولا نصير تزوج سعدى أرملة رجل من الأعراب كان قد اعتنق الإسلام ثم اضطر للفرار إلى الحبشة هربا من أذى المشركين ثم مات هذا الشريد في ديار الغربة وخلف سعدى أرملة لا عائلة لها ولا ناصر فلم يجد محمد حسب عادات البلاد وتقاليدها سبيلا إلى حماية الأرملة أو صيانتها وإنقاذها غير التزوج بها ولا مراء في أن مبادئ المروءة والشرف والإنسانية وبواعث الرحمة والعطف والرأفة كانت تقضي على الرسول بذلك وكيف لا وإنما في سبيل محمد ومن أجله وتذرعا إلى نصرة دينه وتأييده بدل زوجها روحه وقد لازمته زوجته سعدى في منفاه واغترابه وأيام محنته ومصابه ثم عادت إلى مكة مضيمة منكوبة مهيضة الجناح دامية الجراح وحيدة مستوحشة فريدة فرأى محمد على الرغم من فرط فاقته إذ ذاك وشدة عوزه واحتياجه حتى إلى القوت الضروري أنه لا سبيل لإنقاذ المسكينة إلى التزوج بها. لها بقية